أبو حامد الأندلسي الغرنايت
تحفة الألباب
Journal Asiatique 207 (1925), 41-48
وقد بقي من المائة سنة المعمورة عشرون سنة منها أربعة عشر لأنواع السودان. وبلادهم مما يلي المغرب الأعلى المتصل بطنجة ممتداً على بحر الظلمات وقد أسلم من ملوكهم فيما يقال خمسة قبائل أقربها غانة. ينبت في رمالهم الذهب التبر الغاية وهو كثير عندهم يحمل التجار إليهم الملح على الجمال من الملح المعدني فيخرجون من بلدة يقال لها سجلماسة آخر بلاد المغرب الأعلى فيمشون في رمال كالبحار ويكون معهم الأدلاء يهتدون بالنجوم وبالجبال في القفار ويحملون معهم الزاد لستة شهور فإذا وصلوا إلى غانة باعوا الملح وزناً بوزن الذهب وربما باعوه وزناً بوزنين أو أكثر على قدر كثرة التجار وقلتهم. وأهل غانة أحسن السودان سيرة وأجملهم صوراً أسبط الشعور، لهم عقول وفهم ويحجون إلى مكة.
وأما فاوة وقوقو وملي وتكرور وغدامس فقوم لهم بأس وليس في أرضهم بركة ولا خير في أرضهم ولا دين لهم ولا عقول. وأشرهم قوقو قصار الأعناق فطس الأنوف حمر العيون كأن شعورهم حب الفلفل وروائحهم كريهة كالقرون المحرقة، يرمون بنبل مسمومة بدماء حيات صفر، لا تلبث ساعة واحدة حتى يسقط لحم من من أصابه ذلك السهم عن عظمه ولو كان قليلاً أو غيره من الحيوانات والأفاعي. وجميع أصناف الحيات عندهم كالسمك يأكلونها لا يبالون بسموم الأفاعي ولا الثعابين، إلا بالحية الصفراء التي في بلادهم، فإنهم يتقونها ويأخذون دمها لسهامهم. وقسيهم صغار قصار. رأيتهم في بلاد المغرب ونبلهم، ورأيت قسيهم وأوتارهم من لحاء الشجر الذي في بلادهم، ونبلهم قصار. كل سهم شبر ونصالهم شوك شجر كالحديد في القوة قد شدوه في نيلهم بلحاء شجر.
يصيبون الحدق، وهم شر نوع في السودان، وسائر السودان ينتفع بهم في الخدمة والعمل إلا قوقو، فلا خير فيهم إلا قي الحرب ولهم ألواح صغار مثقبة بثقب غير نافذة يصفّرون في تلك الثقب، فتصوّت بأصوات عجيبة، فيخرج إلى ذلك الصوت جميع أنواع الحيات والأفاعي والثعابين، فيأخذونها ويأكلونها. وفيهم من يشدها على وسطه كما يشد الحزام. ومنها من يتعمم بالثعبان الطويل ويدخل السوق على غفلة فيكشف ثوبه ويرمي على الناس أنواع الثعابين والحيات، فيعطونه شيئأً حتى يخرج، وإن لم يعطوه ألقى في دكاكينهم من تلك الحيات.
ويجيء من بلاد السودان أنواع من جلود الماعز مدبوغة دباغة عجيبة. الجلد الواحد يكون غليظاً كبيراً ليناً محبّباً في لون البننفج؟؟ إلى السواد. يكون الجلد الواحد عشرين منّاً يتخذ منه الخفاف للملوك. ولا يبلّ بالماء ولا يبلي ولا يفني مع لينه ونعومته وطيب رائحته. يباع الجلد الواحد بعشرة دنانير تبلي خيوط الخفّ ولا يبلي هو، ولا يتقطع. فيغسلونه في الحمام بالماء الحار فيعود كأنه جديد. يتوارثه صاحبه من أبيه عن جده، وهو من عجائب الدنيا.
وعندهم حيوان يقال له اللمط مثل الثور الكبير له قرنان كالرماح تطول بطول بدنه ممدودة على ظهره. إذا طعن بها الحيوان أهلكه في الحال، عريض العنق. يتخذ من جلده تراس يقال لها الدرق اللمطية مضافة إلى ذلك الحيوان يكمن ثلاثة أذرع، وهي خفيفة لينة، لا ينفذها لأنشاب ولا يؤثر فيها السيف، تكون بيضاً كالقراطيس، وهي من أحسن التراس مبسوطة كالرغيف تستر الفارس وفرسه.
ومن أنواع السودان زيلع وهم أعف أهل السودان مسلمون يصومون ويصلون ويحجون إلى مكة كل سنة مشاة. وبلاد السودان إلى الزنج والبحار مسيرة أربعة عشر سنة. يأكلون الكلاب ويفضلونها على الغنم ويأكلون الفأر.
وبقى من المائة سنة العمران ستة سنين بين الحبشة والهند والصين والفرس ولاترك والخزر والصقالية والروم والأفرنج والنامس والكزان والطالشان والعرب وأهل اليمن والعراق والشام ومصر وأندلس إلى رومية العظمى وسائر أهل الكفار. وإنما المسلمون بيهم جزء من ألف جزء
وعند صنعاء أمة من العرب قد مسحوا كل إنسان منهم نصف إنسان له نصف رأس ونصف بدن ويد واحدة ورجل واحدة يقال لهم وبارهم من ولد إرم بن سام أخو عاد وثمود، وليس لهم عقول، يعيشون في الأجام وفي بلاد الشحر على شاطي بحر الهند والعرب، نسميهم النسناس. ويصطدونهم ويأكلونهم. وهم يتكلمون بالعربية ويتناسلون ويسمون بأسامي العرب ويقولون الأشعار. ورأيت في تأريخ صنعاء ذكر أن تاجراً سافر في بلادهم فرآهم يثبتون على رجل واحد ويصعدون الشجر خوفاً من الكلاب أن تأخذهم. وسمع واحد منهم يقول شعر:
فررت من خوف السراة شداً إذ لم أجد من الفرار بداً قد كنت قدماً في زماني جلداً فها أنا اليوم صعيف جداً وقد ذكرهم الأعشي في شعره حيث يقول:
ألم تروا أرما وعادا أفناهم الليل والنهار وأهلكت من بعدهم ثمود بما جنى فيهم قدار وحل بالحي من حي يوم من الشر مستطار وجاسم بعدها وطيس قد أوحشت منهم الديار ومسّحت بعدهم وبار فلا صحار ولا وبار وفي بلاد السودان أمة لا رؤوس لهم ذكرهم الشعبي في كتاب سير الملوك.
وذكر أن في فيافي بلاد المغرب من ولد آدم كلهم نساء، ولا يكون بينهم ذكر ولا يعيش في أرضهم، وأن أولائك النساء يدخلن في ماء عندهن فيحملن من ذلك الماء، فتلد كل امرأة بنتاً ولا تلد ذكراً البتة، وأن تبّع ذا المنار وصل إليهن لما أراد أن يصل إلى الظلمات التي دخلها ذو القرنين والله أعلم، وأن ولده إفريقسون بن تبع ذا المنار هو الذي بنا مدينة إفريقية وسماها باسم نفسه، وأن والده تبع وصل إلى وادي لسبت وهو واد بالمغرب يجري فيه الرمل كما يجري السيل لا يمكن حيوان أن يدخل فيه إلا هلك، فلما رآه استعجل الرجوع. وذو القرنين لما وصل إليه أقام إلى يوم السبت فسكن جريانه فعبر إلى أن وصل إلى الظلمات فيما يقال والله أعلم. وأولئك الأمة الذين لا رؤوس لهم أعينهم في مناكبهم وأفواههم في صدورهم وهم أمم كثيرة كالبهائم يتناسلون ولا مضرة على أحد منهم ولا عقول لهم والله أعلم.