أحمد بابا
نيل اللابتهاح بتطريز الديباج

بسم الله الرحمن الرحيم. * الحمد لله المنفرد بالبقاء
الحاكم على سواه بالفناء * المختص بالإحاطة والإحصاء
والصلاة والسلام على سيدنا محمد * المرسل بالحنيفية الغراء
وعلى آله وصحبه أنجم الاقتداء * وبدور الاهتداء
وحافظي الشريعة بعدهم * مصابيح الاقتداء
ماكر ظلام بالليل * وبالنهار ضياء.

وبعد، فيقول الفقير لرحمة ربه القدير أحمد بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت عرف ببابا التكروري ثم التنبكتي المالكي—وفقه الله لرضاه وأناله حلاوة تقواه:

لما كان علم التأريخ ومعرفة الأئمة من علماء الملة من الأمور العلية، يعتني به كل ذي همة زكية، إذ هم نقلة الدين وحملة الشريعة الحمدية، وبه يتميز الصالح من الطالح والمسخوط من المقبول، ويعرف ذو العدل منهم ومن هو مجهول، فيعطي كل ذي حق حقه كما ورد به أمر من الرسول، أعتني الأئمة قديماً وحديثاً بالوضع فيها على أنحاء متفاوتة، وأضرب متباينة. فبعضهم عرف المحدثين والرواة جرحاً وعدالة، وبعضهم عرف أهل الفقه، ومن لهم فيه مقالة أو انتسب إلى حملته وانتحى له، وكان ممن سعى في ذلك من أهل مذهبنا المالكية سعياً حثيثاً.

وجمع فيه ما تفرق عند غيره قديماً وحديثاً. والإمام الكامل الجليل الفاضل، أبو الفضل عياض—ملأ الله تعالى ثراه من رحماه أزاهير رياض. ثم تابعه جماعة اختصروا من مداركه بعض ما تيسر كابن حماد وابن رشيق وابن علوان، وغيرهم من فضلاء الأعيان.

ثم جاء الإمام العلامة الحافظ القدوة أبو إسحق إبراهيم بن فرحون المدني—أدخل الله على رمسه الريح الهني. فقطف من كلامه بعض ما ذكر، واستدرك عليه جماعة ممن عنه تأخر، فرتبه على حروف المعجم، وبين فيه بعض من قد يخفى أو يبهم. فهو وإن لم يوف من ذلك مطلوب الغرض فلقد قام ببعض الحق المفترض.

فما زالت نفسي تحدثني من قديم الزمان، وفي كثير من ساعات الأوان، باستدراكي عليه ببعض ما فاته أو جاء بعده من الأئمة الأعيان. فقيدت فيه بحسب الإمكان، حين كنت ببلد بعيدة عن نيل المقصد من ذلك لبعدها عن مدن العلم وكتب هذا الشأن. فقصر بي الحال مع عدم مساعدة الزمان، لما بلينا به من حوادث الوقت وفتنة تشغل عن كل فرض، وترمي بشرر كالقصر في الطول والعرض. هذا مع أن المجتهد في هذا الغرض مقصر، والمطيل مختصر، إذ ما يذكر أقل من معشار ما يغفل، وما ينقل لا نسبة بينه وبين ما يجهل. فبحار المدراك مسجورة، وغايات الإحسان على الإنسان مهجور.

وحسبك في صعوبة الحال أنا لم نجد أحداً تعرض لجمع ذلك بعد ابن فرحون، أو تصدى لذلك في جد أو مجون، إلا رجلاً واحداً من أهل العصر ذكر في مجموع نحو ثلاثمائة رجل بيض لتراجيم، جماعة منهم لم يجد لمعرفتهم سبيلاً، ولا ذكر من حالهم كثيراً ولا قليلاً، مع أنه من أهل مصر والقاهرة، وله حظ من الرئاسة الظاهرة، وعنده من الكتب على ما قيل ما لا يحصى لما ناله من السعادة الباهرة. وقد ما قيل نعم العون على العلم الرئاسة، فما الظن بمن في طرف من آخر المعمور، خال عن العلم وأدواته خادع نفسه بسراب التمني والغورور.

ولو لا فضل المولى ذي الفضل والإحسان الذي يفتح على من يشاء من عباده بما شاء من أنواع الامتنان! ما جمعت في هذه الكراريس ما تيسر لي من ذلك ممن ليس في ديباج ابن فرحون مذكورة. وزدت في بعض تراجم من ذكره ما ترك من أوصافه المشكورة. فجاء بحمد الله تعالى فوق ما أردت، وزائداً على ما نويت وقصدت. وسميته بنيل الابتهاج، بتطريز الديباج. جعله الله تعالى خالصاً لكريم وجهه، وموجب الفوز لديه بفضله.

مقدمة

قال بعضهم نقلاً عن أبي شامة، قال أبو مصعب الزبيري ما رأيت أحداً أعلم بأيام العرب بل بأيام الناس من الشافعي. ويروى عنه أنه أقام على تعلم أيام الناس والأدب عشرين سنة. وقال ما أردت بذلك إلا الاستعانة على القلب. وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخبار الأمم السالفة ما فيه عبر لذوي البصائر، قال تعالم—وهو أصدق القائلين وكلاً: "نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين". وقال تعالي: "ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة". وحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث أم زرع وغيره لما جرى في جري الجاهلية والإسلام والأحاديث الإسرائيلية وحكي عجائب الإسراء والمعراج. وقال حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. وفي صحيح مسلم من حديث جابر ابن سمرة، لا يقوم صلى الله عليه وسلم من مصلاة الذي صلى فيه السبح حتى تطلع الشمس. وكانوا يتحدثون ويأخذون في أمر الجاهلية ويضحكون ويتبسمون. وفي أبي داود من حديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح.

وقال والجاهل بالتأريخ راكب عمياء، وخابط خبط، عشواء، ينسب إلى من تقدم أخبار من تأخر، ويعكس ذلك ولا يتدبر. ولقد رأيت مجلساً جمع ثلاثة عشر مدرساً ومنهم قاضي قضاة ذلك الزمان، وغيره من الأعيان. فجرى بينهم—وأنا أسمع—ذكر من تحرح عليه الصدقة وهم ذوو القربى المذكورون في القرآن. فقالوا هم بنو عبد المطلب وأن عبد المطلب هو هاشم، فما أحقهم بلوم كل لائم، إذ هو أصل من أصول الشريعة أهملوه، وباب من أبواب العلم أغفلوه. وقال من فوائد التأريخ واقعة رئيس الرؤساء مع اليهودي الذي أظهر كتاباً فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة الصاحابة منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء ووقع الناس في حيرة عظيمة من شأنه. فعرض على الحافظ أبي بكر الخطيب فتأمله وقال هذا مزور. فقيل من أين ذلك؟ فقال فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح وفتح خيبر سنة سبع، وشهادة سعد بن معاذ وسعد مات يوم بني قريظة قبل فتح خيبر. ففرج بذلك عن الناس غماً اه.

قال الجلال السيوطي بعد نقله ما تقدم وقال الولي العراقي قد وقع الاستدلال بالتأريخ في الكتاب العزيز قال تعالى: "يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعدلون". فاستدل على بطلان دعوي اليهود في إبراهيم أنه يهودي ودعوى النصارى أنه نصراني بقوله: "وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده".

وهنا من الطائف الاستدلالات ومقايسها. وقال الصلاح الصفدي: قد يفيد التأريخ حزماً وعزماً وموعظة وعلماً وهمة تذهب هماًً، وبياناً يزيل وهناً وهماً. "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك. لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب".

وقال التاج السبكي في معيد النعم ومبيد النقم: المؤرخون على شفا جرف هار لأنهم يتسلطون على أعراض الناس، وربما مس أناساً تعصباً أو جهلاً أو اعتماداً على نقل من لا يوثق به أو غيرها من الأسباب، فعلى المؤرخ أن يتقي الله.

قال الشيخ الوالد يعني السبكي الكبير الرأي لا يقبل مدح أو ذم من المؤرخين إلا بشروط أن يكون صادقاً وأن يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن يكون عارفاً بحال من يترجمه علماً وديناً وغيرهما من صفاته وهو عزيز جداً، وأن يكون حسن العبارة عارفاً بمدلولات الألفاظ حسن القصور حتى يتصور في حال ترجمته حال ذلك الشخص، ويعبر عنه بما لا يزيد ولا ينقص من حاله، وأن لا يغلبه الهوى فيطنب في مدح من يحبه أو يقصر في غيره انتهى.

وقال الصفدي أيضاً يبدأ في التراجم باللقب، ثم بالكنية، ثم بالاسم وبالنسبة إلى البلاد، ثم إلى الأصل، ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى الاعتقاد، ثم إلى العلم والصناعة والخلافة والسلطنة والوزارة والقضاء والأمرة والمشيخة.

قلت: ولعله أخذ البداية باللقب قبل الاسم من قوله تعالى: "المسيح عيسى ابن مريم". وإلا فالذي عند النحاة أن الغالب تأخير اللقب عن الاسم والكنية عند الاجتماع والله أعلم.

فائدة

وبعد تحصيل هذه المقدمة نرجع إلى المقصود مبتدئاً بصاحب الأصل الذي ذيلنا عليه، وهو ابن فرحون كما اقتضاه حسن الاتفاق. ثم ترتب الأسامي بعده على ترتيبهم في الزمن والوفاة غالباً إذا ترتبيهم على مقدارهم في العلم والجلالة غير ممكن. وبالله نستعين.

حرف الهمزة

إبراهيم بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون، العمري الأياني ثم الجياني الأصل المدني المولد، كان من صدور المدرسين ومن أهل التحقيق جامعاً للفضائل فريد وقته يعرف ببرهان الدين من أهل بي علم. أبوه وعمه وجده نشأ في الاشتغال بالعلم، فتدرب بعمه أبي محمد بن فرحون عالماً بالفقه والنحو والأصول والفرائض والوثائق وعلم القضاء، وعالماً بالرجال وطبقاتهم مشاركاً في الأسانيد واسع العلم فصيح القلم ذا بيان كريم الأخلاق حلواً لمنظر بعيداً من التصنيع والرياء من أرق أهل زمانه طبعاً وألطفهم عبارة، كثير الأوراد والتلاوة يحي آخر الليل بهما إلى أن توفي، جميل الهيئة بهي المنظر معتدل القامة، يلازم الطيلسان على العمامة، ولا يلبس الثياب المصقولة، يلازم بيته قليل الاجتماع بالناس.

رحل إلى مصر عدة مراحل وإلى القدس ودمشق سنة اثنين وتسعين وسبعماشة. تولى القضاء بالمدينة في ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين. فسار فيها سيرة حسنة، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وأظهر مذهب مالك بها بعد خموله، فهابته الرعية وانتصف من الظالم.

ثم حصل به فالج في شقه الأيسر فأبطل حركته. ثم مات.

سمع الحديث على والده وعمه، والشيخ أبي عبد الله الطري الموطأ والصحيحين وسنن أبي داود وابن ماجة وغيرها، والشرف والأهوطي قاضي المدينة وخطيبه، الموطأ والبخاري وجامع الأصول والملخص وتأليف الطرطوشي، والشرف الأسواني الشفاء وصحيح مسلم ودلائل النبوة والبدري الأقشهري والجمال الدمنهوري وابن جابر الهواري، والشيخ محمد بن عرفة نزيل الحرمين.

واجتمع أيضاً بولده العلامة محمد بن محمد بن عرفة في حجه سنة اثنين وتسعين. وعنده نزل لما جاء للمدينة فعرض عليه مصنفاته. فأشار عليه ابن عرفة بإفراد مقدمة شرحه على ابن الحاجب عن الشرح لينتفع بها على حدتها. فأجاز له جميع مسموعاته ومروياته وتصانيفه. وأجاز له أيضاً جميع من تقدم ما يجوز لهم وعندهم.

ومن تآليفه:

عاش لم يملك داراً ولا نخلاً، إنما يسكن بالكراء ويأكل بالسلف والدين مع كثرة عياله. مات عن دين كثير عليه. توفي عاشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة.

هكذا ألخصت هذه الترحمة من خط جدي الفقيه الحاج أحمد بن عمر رحمه الله. ومن خطه أيضاً اليَعمَري—بفتح الياء التحتية والعين الساكنة والميم المفتوحة والراء المهملة—نسبة ليعمر ابن مالك بن يهثم من ذرية ربيعة ابن نزار بن معد بن عدنان والأُياني بضم الهمزة وشد التحتية بعدها ألف ونون اه.

قلت: وأم القاضي برهان الدين شريفة، وكذا أم أبيه، ذكره الإمام عمه أبو محمد بن فرحون في تأريخ المدينة

إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلف القيسي، عرف بابن نشا. اختصر شرح الشهاب لابن الوحشي والعقد لابن عبد ربه. أخذ عن الصدفي وغالب بن عطية وأبي الحسن بن المياقشي وأبي محمد بن السيد وابن سبعون. كان من أهل الفقه والأدب والتأريخ والغريب. له نظم ونثر. وكان حياً سنة خمس وخمسين وخمسمائة. صح من صلة ابن الزبير، زاد ابن الحضرمي في فهرسته. وتوفي في حديد السبعين وخسمائة عن نحو ثمانين سنة.

إبراهيم بن خلف ابن محمد بن حبيب بن عبد الله بن عمرو بن فرقد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عبيدة ابن وهب. وهو من ذرية عقبة بن نافع الفهري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسكنه بأشبيلية وكنيته أبو إسحق. سمع من أبي محمد بن عتاب وأبي عبد الله بن حمدين وأبي الحسن بن بقي وأبي عبد الله بن الحاج وأبي عمر ميمون بن يس، أخذ عنه الصحيحين وكان يعلو فيهما. وله أيضاً رواية عن أبي الحسن سليمان ابن أبي زيد وأبي بكر بن عبد العزيز وأبي عبد الله بن أبي الخصال. غلب عليه الأدب وعلم الفرائض، وله في ذلك أرجوزة رويت عنه. ولي القضاء بموضعه. وتوفي سنة نيف وسبعين وخمسمائة. ومولده بعد ثمان وثمانين وأربعمائة. ذكر هذا أبن الآبار.

ابن فرقد القرشي الإشبيلي. قال ابن الخطيب في الإحاطة في تأريخ غرناطة: كان متفنناً في معارف محدثاً راوياً عدلاً فقيهاً حافظاً شاعراً كاتباً بارعاً حسناً لا خلاق وطئ الأكناف جميل المشاركة. كتب بخطه كثيراً من الكتب، من أصح الناس كتباً وأتقنهم ضبطاً وتقييد ألا تكاد تلقي خللاً فيما صححه، رؤفاً، شديد الحنان على الضعفاء واليتامي، صلباً في ذات الله تعالى، يعقد الشروط محتسباً لا يقبل عليها ثواباً. تلا بالسبع على عمران موسى بن أبي موسى، وحدث عن ابن بقي وأبي محمد بن عتاب، وتفقه بابن الحاج وابن حميد، وأجازه أبو الأصبغ بن مناصف وابن قزمان وابن طريف. وأخذ عنه جماعة. ألف برنامجاً مقنعاً في شيوخه وكيفية أخذه عنهم، ورجزاً في الفرائض مشهوراً، ورسائل كثيرة وغيرها. ومولده سنة أربعة وثلاثين وأربعمائة. وتوفي ثمان عشر المحرم عام اثنين وسبعين وخمسمائة.

إبراهيم بن أحمد بن الخطيب، الفقيه الجليل النبيل الفاضل المتفنن أبو إسحق من أفاضل الحذاق ومن له الذهن الثاقب على الإطلاق. وله علم بالفقه وأصوله وأصول الدين والنحو والمنطق والحكمة والتصوف، أنبه الطلبة مليح النظم أحسن الناس تقييداً. واستخلف قبل أن يستكمل الأربعين وقبل أن يظهر خزائن علمه من عنوان الدراية في علماء بجاية للشيخ القاضي أبي العباس أحمد الغبريني والد المفتي أبي القاسم.

إبراهيم ابن محمد بن إبراهيم السلمي أبو إسحق البلفيقي اللأدلسي، من أفاضل الأولياء. قال القاضي أبن عبد الملك في ذيله: كان أبو إسحق هذا من كبار العلماء العاملين الزهاد المحققين. نشأ على الاجتهاد والانقطاع إلى اللله تعالى، لا يتحرك إلا بقلب حاضر ولسان ذاكر، حركاته على أقسام الشريعة.

ومن كراماته أن صبياً كان يشكو ألم الحصا فجيء به لطبيب يعالجه، وكان الطبيب لا يثبت كرامات الأولياء ويستهزئ بهم. فأتى بالصبي عند الشيخ وحمله معه إلى الطبيب، فقال له على جهة السخرية والازداراء: يا شيخ تداوي هذا الصبي. فتفرس ما أضمره وتغير وجهه فاستدعى الصبي، وأمر يده على صدره والأخرى على قلبه وحرك شفتيه، ورفع ثياب الصبي ونفخ تحته ثلاثاً، وقبض بعنف وقوة على دبر الصبي. فتجمع وقذف خمس حصيات في حجم الحمص مخضوبة بالدم، وسكن الألم عنه حينئذ. ثم قال الشيخ للطبيب وصاحبه: ما حملكما على إنكار مثل هذا؟ فتنصلا وخرجا على أسوأ حال.

ولما عظم ذكره وارتفع قدره ببلده المرية وأقبل عليه الخلق، سعى به بعض الفقهاء لسلطان مراكش المنتصر أنه قد انضم إليه كثير يخاف منه. فكتب لعاملها أن ابعث إلي أبا إسحق مكرماً. فقال له العامل: وجه عليك السلطان. فقام أصحابه وجمع عظيم وقالوا: اجلس ولا عليك من أحد. فقال لهم: لا تجوز محالفة السلطان وإني أرجو أن أموت غريباً. فركب البحر ونزل العدوة. فلما دخل على المنتصر هابه هيبة عظيمة وأجله وندم على ما كان منه وسأله الدعاء، وانصرف على غاية الإكرام.

ثم مرض وتوفي عام ستة عشر وستمائة عن ثلاث وستين سنة واحتفل الناس بجنازته احتفالاً عظيماً حضرها الأمراء وغيرهم. وقسموا نعشه. ثم أنصف الله ممن سعى به فماتوا على أسوأ حال بقتل—وصلب سنة الله في عباده.

إبراهيم بن يخلف ابن عبد السلام التنسي المطماطي، انتهت إليه رئاسة التدريس والفتوى في أقطار المغرب كلها، ترد عليه أسئلة من تلمسان وبلاد إفريقية كلها.

شرح التلقين لعبد الوهاب في عشرة أسفار، فضاع الشرح في حصار تلمسان. وما زال السلطان يغمراسن يخطبه للورود على تلمسان، فيمتنع بل يرد زائراً أو يقيم أشهراً وينصرف إلى تنس. ثم لما كان شأن مغراوة رحل لتلمسان فطلب منه الفقهاء والسلطان القيام بها. فأجابهم فاستوطنها، ودرس بها وانفع به خلق لا يحصون.

وإليه الرحلة شرقاً وغرباً. وكان من أولياء الله الجامعين بين علمي الباطن والظاهر. ومن تلاميذه الشيخ أبو عبد الله بن الحاج صاحب المدخل. وله كرامات كثيرة، منها ما حدث به ابن القطان عنه أن قال: لما دخلت إلى مكة وطفت بالبيت ذكرت قوله تعالى: "ومن دخله كان آمناً"، فقلت في نفسه تعارضت الأقوال واختلفوا في معنى الأمن فصرت أكرر وأقول: آمناً آمناً مماذا؟ فسمعت صوتاً خلف ظهري: "آمناً من النار، يا إبراهيم" ثلاث مرات أو مرتين. قال ابن الحاج: ورحم الله شيخنا أبا إسحق التنسي من ورعه، وأنا مضينا معه في قرى مصر فأصابنا عطش شديد، فأدركنا بعض تلاميذ بلبن مشوب بسكر فامتنع من شر به. فقلت: كيف يا سيدي تتركه وأنت في غاية الحاجة إليه؟ فقال: خفت أن يكون فعله جزاء القراءة علي فتركته لذلك خوفاً أن ينقص من أجري. ورد له الإناء اه.

لقي في رحلته أعلاماً بمصر والشام، وروى عن ابن كحيلي وناصر الدين المشذالي، وقرأ بتونس على جماعة، وبالقاهرة المحصول على الشمس الإصبهاني، والمنطق والجدل على القرافي. وحضر على السيف الحنفي الإرشاد للعميري حتى ختمه، ولم يتكلم بكلمة. فلما أعادوا قراءته فأول ما قرر به السيف الحنفي كلام المصنف. قال الشيخ أبو إسحق: عندي تقريركم لهذا الموضع بغير هذا، فطلب منه تقريره فقرره. ثم أحضر لهم غداً تقييدً قيده على الشيخ في المرة الأولى. فأمر الشيخ بقراءته فقرئ عليه حتى ختم واستحسنه كل من حضر وهو الشرح الآن الموجود بيد الناس، ينسبه بعضهم للسيف.

وتوفي رحمه الله بتلمسان. كذا وجدت هذه الترجمة في بعض المجاميع. قلت: وذكره الشيخ أبو عبد الله العبدري الحاجي في رحلته، فقال: كان الشيخ أبو إسحق التنسي وأخوه أبو الحسن فقيهين مشاركين في العلم مع مروءة تامة ودين متين، وأبو إسحق أسنهما وأسناهما، وهو ذو صلاح وخير.وكان شيخنا الزين بن المنير—حفطه الله—يثني عليه خيراً كثيراً. وسألني عن الغرب، فذكرت له قلة رغبة أهله في العلم. فقال لي: بلاد فيها مثل أبي إسحق التنسي ما خلت من العلم. ولقيتهما بمصر، وكان أبو الحسن لم يحج، فحج معنا، فلقيت منه خيراً فاضلاُ. لازم شيخنا أبا الفتح بن دقيق العيد بمصر مدة، وأخذ عنه كثيراً اه. ملخصاً.

إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحق<، كان فقيهاً مدرساً بمكناسة الزيتون، يقرر أقوال الأئمة وكلام الناس والمختصرين ويعلم الصبيان. توفي بعد سبعة عشر وسبعمائة.

إبراهيم ابن محمد بن إبراهيم بن أبي العاصي التنوخي الأندلسي أبو إسحق، علامة الأولياء بالأندلس في وقته المجمع على فضله وزهده وعلو رتبته. قال ابن الخطيب في الإحاطة: كان هذا الفاضل إماماً في القرآن مبرزاً في تجويده مفسراً زاهداً في الفانية رحيماً بالمساكين، جواداً حتى بقوته، صادعاً بالحق، كثير البكاء والخشوع. ألقي عليه من القبول ومحبة الخلق والتعظيم ما لا عهد بمثله، بلغ فيه مبلغاً عظيماً، حتى كان أحب إلى الناس من أنفسهم، يترامون عليه في طريقه ويتمسحون بثيابه، ويتزاحم المساكين على بابه، عودهم طلاقة الوجه وحسن الخلق والمواساة، ولو بالقوت. وربما فرق عليه عجين خبزه إذا أعجلوه عن طبخه، له أخبار عجيبة في ذلك.

ومن كراماته ما حدث به بعض الثقات أنه لما ولي خطابة جامع غرناطة دعا يوماً ناظر الحبس، فقال له: انظر هذه الثريا التي في قبلة المسجد واختبرها فإن نفسي تحدثني أن الخشب الذي قد تعلقت به قد اختل. فجمع الناظر البنائين وكشفوا عنها فوجدوها قد اندقت كادت أن تسقط.

وكان إذا أثني علي بمحضرة يقول: اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما لا يقولون.

ولد في حديد سبعة وستمائة، وتوفي عام سبعة وعشرين وسبعمائة. وقال في عائد الصلة: كان نسيج وحده حياء وصدقة وتخلقاً ومشاركة، نزل بسبتة عام أحد وسبعين وستمائة لما استولى العدو على الطريف، فقرأ بها واستفاد. ثم دخل غرناطة وأقرأ بها فنون العلم بعد وفاة أبن الزبير. وجمع بين القراءة وتدريس الفقه والعربية والتفسير ثبتاً محققاً لما ينقل. ألقي له من المحبة والقبول والتعظيم ما لم يعهد.

إبراهيم بن عبد الله بن زيد بن أبي أبي الخير اليزناسني، الفقيه العالم الصالح، أحد أعيان أصحاب الشيخ أبي الحسن الرزويلي، كان مفتياً بفاس. قال تلميذه الرعيني في برنامجه: كان رجلاً فاضلاً متناصفاً حافظاً مفتياً، قاضياً لحوائج المسلمين، ساعياً في مصالحهم اه.

وكان حياً بعد الأربعين وسبعمائة. وله فتانى كثيرة منقولة في كتاب المعيار للونشريسي، وله حفيد جليل سميه إبراهيم بن محمد. سيأتي:

إبراهيم بن حكم الكناني السلوي، شهر بأبيه أبو إسحاق. قال تلميده أبو عبد الله المقري في مشيخته: هو شيخنا "مشكاة الأنوار يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسه نار"، ورد على تلمسان بعد العشرين والسبعمائة. ثم لم يزل بها إلى أن قتل يوم دخلت على بني عبد الوادي في ثامن عشرين من رمضان عام سبعة وثلاثين.

قال المقري نظرت يوماً معه في تكملة بدر الدين بن مالك لشرح التسهيل لأبيه، ففضلت عليه كلام أبيه، ونازعني الأستاذ. فقلت: عهود من الآباء توارثها الأبناء، فما رأيت بأسرع من أن قال: بوا مجدها لكن بنوها لهم أبناء فبهت من العجب.

لطيفة: سأل الشيخ الأديب أبو الحسن بن فرحون المدني شيخنا ابن حكم: هل تجد في التنزيل فاآت مرتبة كترتبها [=كثرت بها؟] في هذا البيت:

رأى فحب فدام الوصل فامتنعت * فسام صبراً فأعيا نيله فقضى

ففكر ساعة، ثم قال: فطاف عليها طائف إلى آخرها، فمنعت له البناء في تنادوا. فقال لابن فرحون: فهلا عندك غيرها؟ فقال: نعم فقال: لهم رسول الله إلى آخرها، فمنع له بناء الأخيرة لقراءة الواو. فقلت له: امنع ولا تسند فيقال لك أن المعاني قد تختلف باختلاف الحروف، وإن كان السند لا يسع الكلام عليه وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد سواء بهذا الشرط وبدونه، كقول نوح: فعلى الله توكلت اه. بنقل ابن الخطيب في تأريخ غرناطة.

إبراهيم بن محمد القيسي الصفاقسي، الإمام العلامة برهان الدين صاحب الإعراب، عرف به ابن فرحون في الأصل أعني الديباج، وذكر أنه أخذ عن عبد العزيز الدر والي، وأنه ألف إعراب القرآن. وتوفي عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة. هذا ما عنده.

قال الحافظ بن حجر ولد في حدود سنة سبع وتسعين وستمائة، وسمع ببجاية من شيخها ناصر الدين. ثم أخذ عن أبي حيان بالقاهرة. وقدم دمشق فسمع من المزني وزينب بنت الكمال وخلق ومهر في الفضائل. ومات ثامن عشر ذي القعدة سنة اثنين وأربعين انتهى.

وقال الخطيب ابن مرزوق الجد: من شيوخي إبراهيم الصفاقسي نزيل القرهرة [=القاهرة] وأحد أئمتها، أحمل عنه مصنفاته. سمعت من لفظه كتابه الذي أعرب فيه وأغرب في إعراب القرآن، وتحدث فيه مع شيخنا أبي حيان في أبحاثه. وقرأت عليه بعض تآليفه في نوازل لفروع سئل عنها، منها الروض الأريج في مسألة الصهريج، سئل عن أرض أبتيعت فوجد فيها صهريج مغطي، هل يكون كواحد الأحجار أم لا؟ وأبعد فيها وخالف فيها كثيراً من المالكية، وعمل على مذهبه فيها. والجزء الذي ألفه في أسماع المؤذنين خلف الإمام وغيرها. وقرأت عليه أكثر تقييده على ابن الحاجب الفرعي وتركته لم يكمله، وتلخيص المفتاح لشيخنا وشيخه القزويني إه، بنقل الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في فهرسته.

قال الشيخ أبو عبد الله بن غازي في كتابه المطلب الكلي في محادثة الإمام القلي: ولقد كان شيخنا شيخ الجماعة الإمام الأستاذ أبو عبد الله الكبير يثني كثيراً على فهم الصفاقسي ويراه مصيباً في أكثر تعقباته وانتقاداته لأبي حيان. وقد كان له أخ نبيل شاركه في تصنيف كتابه المجيد المذكور كما نبه عليه صاحب المغني حيث نكث عليهما في إعراب زبراً في غير محله تبعاً لأبي حيا. اه. قلت الذي في المغني بعد اعتراضه على أبي حيان نصه، وتبعه على هذا الوهم رجلان لخصا من تفسيره إعراباً اه.

وذكر الشيخ أبو عبد الله الرصاع التونسي في كلامه على آيات المغني أن الطلبة كثيراً ما يسألون عن ثاني الرجلين المذكورين، وأنه سأل عنه بعض شيوخه فلم يجبه اه. قل أما ما ذكره ابن غازي من أن ثاني الرجليه هو أخوه يعني الشمس الصفاقسي فكأنه اغتر في ذلك بما وقع في الديباج، لأنه قال ومن تصانيفهما إعراب القرآن جرداه من البحر المحيط انتهى. وليس ذلك بمعتمد وقد تقدم من كلام ابن مرزوق وتلميذه ومن كلام الحافظ ابن حجر أن برهان الدين هو مؤلف الإعراب، وإنما ثاني الرجلين الذي عناه ابن هشام الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الحلبي المصري الشافعي الشهير بالسمين، أحد أكابر أصحاب أبي حيان. وتأليفه في إعراب القرآن في أربعة أسفار كبار لخصه من تفسير أبي حيان، وزاده أشياء سماه المصون، أكثر فيه من مناقشة أبي حيان كتاب نفيس إلى الغاية أبسط من إعراب الصفاقسي وأفيد وأوسع منه. فالرجلان الذان عنى ابن هشام هما الصفاقسي والسمين. وكذلك رأيت اسمهما مقيداً عل نسخة عتيقة من المغني بخط عتيق والله أعلم.

ثم قال الشيخ ابن غازي، وقد كاد يجمع الثقلان على قوة عارضة، أثير الدين أبي حيان وتبرزه في العلوم وخصوصاً علم اللسان فقد حاز فيه قصب السباق ورهان الميدان، ولا يلتفت لقول صاحب المغني. لم يكن يحسن البيان.

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها * كفى المرء نيلاً أن تعاد معايبه
أتيت أخيراً في النحاة وإني * أعبر سبقاً في وجوه الأوائل.

ولما حج الأستاذ الأكبر أبو عبد الله ابن آجروم الفاسي استجاز أبا حيان، فأجازه. وكان ممن أدرج في إجازته تعريفاً لأهل الغرب. وقال أن فتى يقال له إراهيم الصفاقسي لا يحسن النظر في العربية، وإنما يحسن شيئاً من فقه مذهب مالك، قد تسور على ديواني البحر المحيط، فسلخ ما فيه من الإعراب بغير إذني، وقولني فيه ما لم أقل، فإني بريء منه—أو ما هذا معناه. ومع هذا فقد أعطاه الغرب الإذن الصماء، وأكبوا على تصنيف الصفاقسي.

والناس أكيس من أن يمحوا رجلاً * من غير أن يجدوا عليه آثار إحصان. إه كلام ابن غازي.

قلت: وسيأتي في ترجمة الشيخ منديل ابن الأستاذ ابن آجروم أنه الذي وعقت له الواقعة مع أبي حيان وهو أشبه والله أعلم. وقال البدر الدماميني: أخبرني بعض الثقات أن الإخوين الصفاقسيين كان أحدهما حافظاً لفروع المالكية والآخر متقناً لأصول الفقه واللسانية. فكأنا إذا حضرا في مجلس يجتمع فيه فقيه كامل فاتفقا أن حضرا بتونس في مجلس ابن عبد الرفيع قاضي الجماعة فسألهما عن مسألة. فأجابا عنها بنقل ذكراه عن البيان لابن رشد، وتكلما عليها بكلام استحسنه الحاضرون. فلما خرجا من المجلس سأل القاضي ابن عبد الرفيع عنهما. فقال ليسا بفقيهين. فسأل: لمَ ذلك؟ فقال ما أجابا به وإن كان صحيحاً إلا أنهما اعتمدا في النقل على غير المدونة في فرع مذكور فيها، ومرتكب هذا لا يعد عند المالكية فقيهاً لآن المدونة أجل كتب المذهب من إملاء ابن القاسم أجل تلامذة مالك اه.

قلت: وهذا لا يضرهما إلا إذا كان كتابهما المدونة. وما ذكره الدماميني من أن أحدهما حافظ إلخ فيه تحامل بالنسبة لصاحب الترجمة. أما محله من الفقه فتقدم من كلام ابن مرزوق وغيره ما فيه الكفاية. وله شرح عظيم على ابن الجاجب. وأما علم الأصول فنقل أبو العباس البسيلي عن شيخه ابن عرفة أنه قال: إن برهان الدين الصفاقسي عالم بعلم الأصول.،وناهيك بشهادة ابن عرفة في ذلك. وأما معرفته بعلوم اللسان فكتاب الإعراب له كاف في بيان درجته. وأما أخوه شمس الدين فذكر ابن فرحون في الأصل أنه كان عالماً فاضلاً متفنناً، والله أعلم.

فائدة: حيث قال الشيخ خليل في التوضيح قال: بعض من تكلم على هذا الموضع فمراده البرهان الصفاقسي صاحب الترجمة على ما قيل فاعلمه.

إبراهيم ابن يحيى بن محمد بن أحمد ابن ذكريا بن عيسى بن زكريا الأنصاري المرسي ثم الغرناطي. قال الشيخ أبو عبد الله الحضرمي: صاحبنا الفقيه الكاتب البارع الحسيب الفاضل ذو الحظ الفائق والرواء الفائق القاضي المعظم العدل النزيه الصالح الأصيل، أبو إسحق روى عن والده القاضي أبي بكر يحيى: كان فاضلاً نحوياً لامعاً خيراً، على طريقة حسنة من خير وعفة وطاهرة الجانب حسن اللقاء رقيق القلب مشفقاً عطوفاً محباً في الصالحين مهتماً بأخبارهم جيد الخط وافر العقل عظيم الإمانة صموتاً ذا سلف شهير وبيت معمور برئاسة وعلم وقضاء. ولي القضاء وأخذ عن جماعة. وتوفي بغرناطة عاشر جمادي الثانية عام أحد و خمسين وسبعمائة. ومولده عام سبعة وثمانين وستمائة.

إبراهيم بن علي المصري. الإمام أبو إسحق برهان الدين ابن الإمام القدوة نور الدين أبي الحسن المالكي قال: خالد البلوي هو نائب أثير الدين أبي حيان في التدريس. وعرفني أبو حيان جلالة قدره ورسوخ قدمه في العلم وطهارته. ثم شاهدت منه إمام العصر وواحد الزمان فقيهاً عالماً من فقهاء القاهرة وصدراً متقدماً في علماءهم عالماً بالعربية والغريب والنادر بالشاهد، عالماً بالخبر والأثر تام العناية بالفقه والسنة فصيح اللسان حسن البيان صحيح اللفظ واضح المعاني ناصع البراعة جيد اليراعة شاعراً مطبوعاً، وما ظنك بخليفة أبي حيان ومن لم يقعد في موضعه غيره إلا فلان وفلان إه، ملخصاً.

إبرهيم ابن عبد الله بن إبراهيم بن موسى ابن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحق بن قاسم النميري الغرناطي أبو إسحق يعقف بابن الحاج. قال الحضرمي: صاحبنا الفقيه الجليل الكاتب البارع الأديب البليغ الناظم الناثر المتفنن القاضي الأعدل الماجد الحسيب، تولى القضاء بأحواز الحضرة اه.

وقال الشيخ خالد البلوي في رحلته: صاحبنا الفقيه الجليل الكاتب البارع الماجد الأكمل ابن الوزير الكبير ذو المعالي العلية والفنون العلمية والحكم الأدبية والآداب الحكمية والكرم المفضل والفضائل الكريمة والبلاغة التي لها على البلغاء مزية المزيد ومزيد المزية مع الحسب الأصيل والكفاية في طلب العلم والتحصيل والمعارف التي تحلي بها جيد الزمان على الجلمة والتفصيل شهادة، يثبتها قول عمر رضي الله عنه للذي زكى رجلين: أكنت معهما في سفر لأني عاشرته ذاهبا إلى الشرق وآيباً اه.

قال ابن الخطيب في الإحاطة: نشأ على عفاف وظهارة، ونظم الشعر، وبلغ الغاية في جودة الخط، وحاضر بالأبيات، وارتسم في الإنشاء مع حسن صمت وجودة أدب وخط. وفي أثناء ذلك يقيد ولا يفتي مع تجول في العناية ملج الرعاية. شرق عام سبعة وثلاثين، وحج وتطوف. وقيد واستكثر ودون رحلة ناهيك بها طرفة. ثم قفل واستقر ببجاية مضطلعاً بالكتابة. ثم اتصل بأبي الحسن المريني. ثم كر للشرق فحج ورجع. وانقطع بتربة أبي مدين بعباد مؤثر الجمول وعكوف باب الله تعالم. ثم جبره السلطان أبو عنان على الخدمة، ولحق بالأندلس بعد موته. وتلقى ببر وجراية وتنويه وعناية، واستعمل في سفارة الملوك، وولي القضاء في الأحكام الشرعية، فهو صدر من صدور القطر وأعيانه. يرخص في لبس الحرير وخضاب السواد. له تآليف، منها جزء في بيان الاسم العظم كثير الفائدة، وكتاب اللباس والصحبة جمع فيه طرق المتصوفة المدعى أنه لم يجتمع مثله، وجزء في الفرائض على الطريقة البديعة التي ظهرت بالشرق، ورجز في الجدل، وآخر في الأحكام الشرقية سماه الفصول المقضية في الأحكام المنتخبة. وله نظم ونثر كثير. مولده بغرناطة عام ثلاثة عشر وسبعمائة وامتحن بالأسر عام ثمانية وستين في ربيع الأخير. ثم فك آخر ذلك الشهر. قلت: وممن أخذ عنه القاضي أبو بكر بن عاصم صاحب تحفة الحطام.

إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأحتاوي، كان شافعياً ثم تحول مالكياً كعمه، ولي الحسبة ونظر الخزانة وناب في الحكم. ثم تولاه استقلالاً سنة ثلاث وستين وسبعمائة إلى أن مات. وكان مهيباً صارماً قوالاً بالحق قائماً بنص الشرع رادعاً للمفسدين نافذ الكلمة عظيم الحرمة مفصلاً مصمماً، لا يقبل رسالة ولا شفاعة بل يصد بالحق، ولا يقضي على باطل ولا يولي إلا مستحقاً. وكان مع ذلك كثير الحلم والستر على من لم يجاهد، وكان مسعوداً في مباشرته. تعرض له جماعة في منصبه فانتصف منهم ونكل بعضهم وهرب بعضهم، فما عاد للبلاد إلا بعد موته. له في كل قلب رهبة ولكل أحد إليه رهبة كثير الأفضال على مذهبه. صح من رفع الإصر عن قضاة مصر للإمام ابن حجر من أعيان الأعيان للسيوطي، زاد فيه له مختصر. توفي في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة.

إبراهيم بن عبد الحق الحسناوي التونسي. قال الشيخ إسماعيل بن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المتفنن الكاتب الشاعر المكثر المعمر، ابن الفقيه أبي محمد. أخذ عن الفقيه المحدث الحافظ الراوية المغربي ابي العباس بن موسى البطروني، وتوفي بفاس سنة خمس وسبعين وسمعمائة.

إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي، الإمام العلامة المحقق القدوة الحافظ الجليل المجتهد، كان أصولياً مفسراً فقيهاً محدثاً لغوياً بيانياً نظاراً ثبتاً ورعاً صالحاً زاهداً سنياً إماماً مطلقاً بحاثاً مدققاً جدلياً بارعاً في العلوم، من أفراد العملماء المحققين الأثبات، وأكابر الأئمة المتفننين الثقات. له القدم الراسخ والإمامة العظمى في الفنون فقها وأصولاً وتفسيراً وحديثاً وعربية وغيرها مع التحري والتحقيق. له استنباطات جليلة ودقائق منيفة وفوائد لطفة وأبحاث شريفة وقواعد محررة محققة، على قدم راسخ من الصلاح والعفة والتحري والورع، حريصاً على اتباع السنة، مجانباً للبدع والشبهة، ساعياً في ذلك مع تثبت تام، منحرف عن كل ما ينحو للبدع وأهلها. وقع له في ذلك أمور مع جماعة من شيوخه وغيرهم في مسائل. وله تآليف جليلة مشتملة على أبحاث نفيسة وانتقادات وتحقيقات شريفة. قال الإمام الحفيد بن مرزوق في حقه أنه الشيخ الأستاذ الفقيه الإمام المحقق العلامة الصالح أبو إسحق، انتهى.

وناهيك بهذه التحلية من مثل هذا الإمام، وإنما يعرف الفضل لأهله أهله. أخذ العربية وغيرها عن أئمة، منهم الإمام المفتوح عليه في فنها ما لا مطمع فيه لسواه بحثاً وحفظاً وتوجيهاً ابن الفخار البيري، لازمه إلى أن مات، والإمام الشريف رئيس العلوم اللسانية أبو القاسم السبتي شارح مقصورة حازم، والإمام المحقق أعلم أهل وقته الشريف أبو عبد الله التلمسناني، والإمام علامة وقته بإجماع أبو عبد الله المقري، وقطب الدائرة شيخ الشيوخ الجلة الإمام الشهير أبو سعيد بن لب، والإمام الجليل الرحلة الخطيب ابن مرزوق الجد، والعلامة المحقق المدرس الأصولي أبو علي منصور بن محمد الزواوي، والعالم المفسر المؤلف أبو عبد الله البلنسي، والحاج العلامة الرحلة الخطيب أبو جعفر الشقوري.

وممن اجتمع معه واستفاد منه العالم الحافظ الفقيد أبو العباس القباب، والمفتي المحدث أبو عبد الله الحفار وغيرهم. اجتهد وبرع وفاق الأكابر والتحق بكبار الأئمة في العلوم، وبالغ في التحقيق، وتكلم مع كثير من الأئمة في مشكلات المسائل من شيوخه وغيرهم كالقباب وقاضي الجماعة الفشتالي والإمام ابن عرفة والولي الكبير أبي عبد الله بن عباد، وجرى له معهم أبحاث ومراجعات أجلت عن ظهوره فيها وقوة عارضة، وإمامته منها مسألة مراعاة الخلاف في المذهب. له فيها بحث عظيم مع الإمامين القباب وابن عرفة. وله أبحاث جليلة في التصوف وغيره. وبالجملة فقدره في العلوم فوق ما يذكر وتحليته في التحقيق فوق ما يشهر.

ألف تآليف نفيسة اشتملت على تحريرات للقواعد وتحقيقات لمهمات الفوائد، منها شرح الجليل على الخلاصة في النحو في أسفار أربعة كبار لم يؤلف عليها مثله بحثاً وتحقيقاً فيما أعلم، وكتاب الموافقات في أصول الفقه كتاب جليل القدر جداً لا نظير له يدل على إمامته وبعد شأوه في العلوم سيما على الأصول قال اللإمام الحفيد ابن مرزوق كتاب الموافقات المذكور من أقبل الكتب اه. وهو في سفرين، وتأليف كبير نفيس في الحوادث والبدع في سفر في غاية الإجادة، وكتاب المجالس شرح فيه كتاب لبيوع من صحيح البخاري فيه من الفوائد والتحقيقات ما لا يعلمه إلا الله، وكتاب الإفادات ولإنشادات في كراسين فيه طرف وتحف وملح أدبيات وإنشادات. وله أيضاً كتاب عنوان الاتفاق في علم الاشتقاق، وكتاب أصول النحو. وقد ذكرهما معاً في شرح الألفية. ورأيت في موضع آخر أنه أتلف الأول في حياته وأن الثاني أتلف أيضاً. وله غيرها، وفتانى كثيرة. ومن شعره لما ابلتي بالبدع:

بليت يا قوم والبلوى منوعة * بمن أداريه حتى كاد يرديني
دفع المضرة لا جلب لمصلحة * فحسبي الله في عقلي وفي ديني

أنشدهما تلميذه الإمام أبو يحيى بن عاصم له مشافهة. ومن نظمه في مدح الشفاء لما أرسل شيخه الخطيب ابن مرزوق للأندلس يطلب من علمائه نظم قصائد تتضمن مدح الشفاء ليجعلها في طالعة شرحه عليه. فقال صاحب الترجمة في ذلك ما نصه:

يا من سما المراقي المجد مقصده * فنفسه بنفيس العلم قد كلفت
هذي رياض يروق العلم مخبرها * هي الشفاء لنفوس الخلق إن دنفت
يجني بها زهر التقديم أو ثمر ال * تعظيم والفوز للأيدي التي اقتطف
أبدت لنا من سناها كل واضحة * حسانه دونها الإطماع قد وقفت
وشيد العقد أركان مؤكدة * بها على متن أهل الشرع قد وقعت
قوت القلوب وميزان العقول * متى حادت عن الحجة الكبرى أو انحرفت
فيا أبا الفضل حزت الفضل في عرض * بها أقرت لك الأعلام واعترفت
وكنت بحر علوم ضل ساحله * منه استمدت عيون العلم واغترفت
زارته من جنابات القدس ناسمة * فحركت منه مدح الفحر حين وفت
حتى إذا طفئت أزجاؤه قذفت * لنا بدرتها الحسناء وانصرفت
إن العناية لا يحظي بنائلها * حريصها بل على التخصيص قد وقفت.

قال الإمام محمد بن العباس التلمساني: هذه الأبيات من أحسن ما قيل فيه.

أخذ عنه جماعة من الأئمة كالإمامين العلامتين أبي يحيى بن عاصم الشهير وأخيه القاضي المؤلف أبي بكر بن عاصم والشيخ أبي عبد الله البياني وغيرهم. توفي يوم الثلاثاء من شعبان سنة تسعين وسبعمائة، ولم أقف على مولده رحمه الله.

فائدة: وكان صاحب الترجمة ممن يرى جواز ضرب الخراج على الناس عند ضعفهم وحاجتهم لضعف بيت المال عن القيام بمصابح الناس، كما وقع للشيخ المالقي في كتاب الورع. قال: توظيف الخراج على المسلمين من المصالح المرسلة، ولا شك عندنا في جوازه وظهور مصلحته في بلاد الأندلس في زماننا الآن لكثرة الحاجة، لما يأخذه العدو من المسلمين سوى ما يحتاج إليه الناس وضعف بيت المال الآن عنه. فهذا يقطع بجوازه الآن في الأندلس، وإنما النظر في القدر المحتاج إليه من ذلك، وذلك موكول إلى الإمام. ثم قال أثناء كلامه: ولعلك تقول كما قال القائل لمن أجاز شرب العصير بعد كثرة طبخه وصار ربا: أحللتها؟ والله يا عمر يعني هذا القائل أحللت الخمر بالاستجرار إلى نقص الطبخ حتى تحل الخمر بمقالك. فإني أقول كما قال عمر رضي الله عنه: والله لا أحل شيئاً حرمه الله ولا أحرم شيئاً أحله الله، وإن الحق أحق أن يتبع، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. وكان خراج بناء السور في بعض مواضع الأندلس في زمانه موظفاً على أهل الموضع. فسئل عنه أمام الوقت في الفتيا بالأندلس الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب فأفتى أنه لا يجوز ولا يسوغ، وأفتى صاحب الترجمة بسوغه مستنداً فيه إلى المصلحة المرسلة معتمداً في ذلك إلى قيام المصلحة التي إن لم يقم الناس فيعطونها من عندهم ضاعت. وقد تكلم على المسألة الإمام الغزالي في كتابه فاستوفى، ووقع لابن الفراء في ذلك مع سلطان وقته وفقهائه كلام مشهور لا نطيل به.

وكتب جواباً لبعض أصحابه في دفع الوسواس العارض في الطهارة وغيرها: وصلني كتابكم فيما به الوساوس، فهذا أمر عظيم في نفسه. وأنفع شيء فيه المشافهة، وأقرب ما أجد الآن أن تنظروا من إخوانكم من تدلون عليه وترضون دينه ويعمل يصلب الفقه ولا يكون فيه وسوسة فتجعلونه إمامكم على شرط أن لا تخالفوه إن اعتقد. ثم أن الفقه عندكم بخلافه، فإذا فعلتموه رجوت لكم أنفع، وإن تواظبوا على قول، اللهم اجعل لي نفساً مطمئة تؤمن بلقائك وتقنع بعطائك وترضي بقضائك وتخشاك حق خشيتك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإنه نافع للوسواس كما رأيته في بعض المنقولات.

وكان يقول لا يحصل الوثوق والتحقيق بشأن الرواية في الأكيال المنقولة بالأسانيد. واختبرت ذلك فوجدت الأكيال مختلفة متباينة الاختلاف، وهي ذوات روايات. فالكيل الشرعي تقريباً منقول عن شيوخ المذهب يدركه أحد حفنة من البر أو غيره بكلتا اليدين مجتمعتين من ذوي يدين متوسطتين بين الصغر والكبر. فالصاع منها أربع حفنات. جربته فوجدته صحيحاً. فهذا الذي ينبغي أن يعول عليه لأنه مبني على أصل التقريب الشرعي والتدقيقات في الأمور غير مطلوبة شرعاً لأنها تنطع وتكلف فهذا ما عندي.

ومن كلامه: أما من تعسف وطلب المحتملات والغلبة بالمشكلات وأعرض عن الواضحات فيخاف عليه التشبه بمن ذمه الله في قوله "فأما الذين في قلوبهم زيغ" الآية.

وكان لا يأخذ الفقه إلا من كتب الأقدمين ولا يرى لأحد أن ينظر في هذه الكتب المتأخرة كما قرره في مقدمة كتابه الموافقات. وتردد عليه الكتب في ذلك، وأبى من بعض أصحابه، فوقع له: وأما ما ذكرتم من عدم اعتمادي على التآليف المتأخرة فليس ذلك مني محض رأي ولكن اعتمدته بحسب الخبرة عند النظر في كتب المتقدمين مع المتأخرين، وأعني بالمتأخرين كابن بشير وابن شاس وابن الحاجب ومن بعدهم، ولأن بعض من لقيته من العلماء بالفقه أوصاني بالتحامي عن كتب المتأخرين، وأتي بعبارة خشنة ولكنها محض النصيحة والتساهل في النقل عن كل كتاب جاء لا يحتمله دين الله. ومثله ما إذا عمل الناس بقول ضعيف ونقل عن بعض الأصحاب لا تجوز مخالفته، وذلك مشعر بالتساهل جداً، ونص ذلك القول لا يوجد لأحد من العلماء فيما أعلم. والعبارة الخشنة التي أشار إليه كان ينقلها عن صاحبه أبي العباس القباب أنه كان يقول في ابن بشير وابن شاس أفسدوا الفقه. وكان يقول: شأني عدم الاعتماد على التقاليد المتأخرة، إما للجهل بمؤلفها أو لتأخر أزمنتهم جداً، فلذلك لا أعرف كثيراً منها ولا اقتنيته. وعمد في كتب الأقدمين المشاهير. ولنقتصر على هذا القدر من بعض فوائد.

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله اليزناسني، قاضي الجماعة بفاس. تقدم جده. كان إماماً حافظاً علامة بارعاً في الفقه نظاراً، أثنى عليه الإمام ابن مرزوق الحفيد، فقال أنه من مفاخر قطره، وصفه بعضهم بالفقيه المفتي المدرس المحقق العلامة الصدر العلم الشهير، ووصفه في المعيار بالفقيه الأعدل الأنزه القدوة الأوجد، ابن الفقيه الجليل الأصيل الماجد الوجيه النزيه العلم الصدر ابن الفقيق ابن المدرس المفتي المحقق القدوة العلم الفذ الصالح الزاهد الخاشع الولي العارف المجاب الدعوة المبرور أبي سالم اه.

وله فتاوى كثيرة، ناظر فيها وحقق ذكر جملة في المعيار. وتوفي يوم الخميس ثامن عشر رجب عام أربعة وتسعين وسبعمائة. ذكره أبو الباس الونشريسي في وفياته.

إبراهيم بن محمد المدني، ذكره ابن الزبير في كتابه المقصد الواجب، ووصفه بالرجل الصاحل المجاب الدعوة. شرح مختصر ابن الحاجب في ثمان مجلدات، وله تأليف في اصطلاحات ابن الحاجب منثوراً احتوى على عشرين فصلاً. وقال وقد وقفت عليه. توفي أول القرو التاسع اه. بنقل الشيخ بدر الدين القرافي المصري من شيوخ العصر.

قلت: وعندي أن هذا المترجم به هو برهان الدين بن فرحون صاحب الديباج المتقدم لا رجل آخر فتحققه، والله أعلم.

إبراهيم بن عبد الرحمن ابن الإمام التلمساني نزيل فاس، الفقيه الحافظ الحجة المشارك المتفنن، ابن شيخ الإسلام الإمام العلامة المجتهد أبي زيد ابن الإمام. له علوم جمة وفتاوى نقل عنه المازوني ثم الونشريسي في نوازلهما. وتوفي بفاس ودفن بباب الجيزيين سنة سعب وتسعين. قاله الونشريسي في وفياته.

قلت: وهو والد العلامة أبي الفضل ابن الإمام الآتي في المحمديين.

إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي القاضي. تفقه على البدر الغماري، وكان يحفظ الموطأ. وولي قضاء دمشق غير مرة، أولها سنة ثمانين وسمعمائة. فلما جاء التوقيع ولم يقبل وصمم على عدم المباشرة وامتنع من لبس الخلعة، فلم يزالوا به حتى قبل. فولي في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. فباشر ثلاث سنين ومات في ربيع الأخير فجأة بعد أن خرج من الحمام، وقد ناهز ثمانين، وهو صحيح البنية حسن الوجه كث اللحية، كان فاضلاً في علوم. ولد سنة عشر وسبعمائة، وتوفي سنة ثمان وتسعين وسبعماة. صح من الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر رحمه الله.

إبراهيم بن موسى المصمودي التلمساني الشيخ العالم الصالح الولي الزاهد أبو إسحق، أحد شيوخ الإمام ابن مرزوق الحفيد. أفرد ترجمته بتأليف، قال الشيخ أبو عبد الله بن صعد التلمساني في كتابه النجم الثاقب: كان هذا الولي أحد من أوتي الولاية صبياً، وحل من رئاسة العلم والزهد مكاناً علياً. عرف به شيخ شيوخنا الإمام ابن مرزوق في جزء قال فيه: ومن شيوخث الذين انتفعت بهم الإمام العالم العلامة المحقق المدرس رئيس الصالحين والزاهدين في وقته، ذو الكرامات المأثورة والدياناة المشهورة، الولي بإجماع، المجاب الدعوة، إبراهيم المصمودي من صنهاجة المغرب قرب مكناسة، بها ولد ونشأ. ثم طلب العلم وأخذ بفاس عن جماعة من الأكابر كالإمام حامل راية الفقهاء في وقته موسى العبدوسي والإمام الشهير محمد الأبلي. وقرأ كثيراً على الإمام شريف العلماء أبي عبد الله الشريف التلمساني. ثم انتقل بعد وفاته للمدرسة التاشفينية، فقرأ بها على العلامة خاتمة قضاة العدل بتلمسان سعيد العقباني، ثم لبويته المعروفة. وما زال مقبلاً على العلم والعبادة والاجتهاد في المجاهدة آخذاً بالغاية القصوى ورعاً وزهداً وإيثاراً مثابراً على البر متبعاً طريق السلف أحب الناس لمذاكرة العلم، لا يسمع بكبير في علم أو منفرد بفن إلا اجتمع به. وذاكره أعلم أهل وقته بالسير وأخبار السلف والصالحين والعملاء كافة من متقدمين ومتأخرين، كفاه الله ما أهمه كما ضمن لمن انقطع لخدمته.

وله كرامات كثيرة. وحدثني كبير أصحابه الشيخ أبو عبد اله ابن جميل أنه عرض له شيء منعه من اتباع المشهور في مسألة واضطر لفعله، فبحث حتى وجد جوازه لابن حبيب وأصبغ فقلدهما. قال ثم مضيت لزيارة أمي وسقط على حجر آلمني شديداً، واعتقدت أنه عقوبتي لمخالفة المشهور وتقليد غيره، وما علم بذلك أحد. ثم زرت الشيخ وأنا متألم، فقال لي: ما لك يا فلان؟ قلت له: ذنوبي. فقال لي فوراً: أما من قلد أصبغ وابن حبيب فلا ذنوب عليه. وهذا من أكبر الكرامات.

وحدثني بعض صالحي أصحابه قال: كنت جالساً معه في بيته ليسر معني أحد، وهو يقرأ القرآن ويشير بقضيب في يده إلى محل الوقف ضارباً على عادة أشياخ التجويد. فقلت في نفسي لمَ يفعل هذا؟ أتراه يقرأ عليه أحد من الجن؟ فما تم الخاطر حتى قال لي: يا محمد كان بعض الشيوخ يجود عليه الجن القرآن، وذكر لي عن غير واحد ممن يهدي طعاماً من لبن أو غيره وربما رده عليهم فيتفقدون أنفسهم فيجدون موجب الرد من شبهة من ضجر أهل البيت أو غيره.

وحدثني غير واحد أنه كان خارج البلد في وقت لا يدرك الباب عادة إلا وقد غلقت ثم يرونه في البلد اه.

قال ابن صعد عن جده أبي الفضل أن الشيخ أبيض اللون طويل لا يلبس سوى الكساء الجيدة يعري رأسه أكثر الأوقات، وذكر جماعة من الفضلاء أنه في ملازمته للجبل إذا وجد نوار الربيع أعمن النظر في أنواعه وألوانه وصنعته، فيغلبه الحال ويتواجد ويتبختر ويقرأ حينئذ "هذا خلق الأندلس الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه". وقال عن جده أنه توفي عام خمسة وثمانمائة. وحضر جنازته السلطان ماشياً على قدميه اه.

وذكر الونشريسي في وفياته أن وفاته سنة أربع وثمانمائة اه.

إبراهيم بن علي بن محمد بن هلال الربعي التونسي التريكي. أخد عنه القاضي عبد القادر المكي بمكة الفقه وأصوله، وأذن له في التدريس في حدود الثلاثين وثمانمائة—قاله الحافظ السخاوي في تأريخ أهل المائة التاسعة. وقلت: نقلت عن السخاوي في هذا الجزء. وشيخه ابن حجر في الدرر بواسطة البدر القرافي أو بواسطة الإمام السيوطي في الثاني.

إبراهيم بن فائد بن موسى بن هلال الزواوي القسمطيني شارح مختصر خليل. قال السخاوي: ولد في جبل جرجر سنة ست وتسعين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن أبي الحسن علي بن عثمان اه. قلت: يعني المانجلاتي فقيه بجاية الآتي في حرف العين إن شاء الله تعالى.

قال: ثم رحل لتونس وأخذ الفقه أيضاً والمنطق عن الأبي، والفقه والتفسير عن القاضي أبي عبد الله القلشاني، والفقه وحده عن يعقوب الزغبي، والأصول عن عبد الواحد الغرياني. ثم رحل لجبال بجاية فأخذ العربية عن عبد العالي بن فراج. ثم دخل قسمطينة فقطنها وأخذ الأصلين والمنطق عن حافظ المذهب أبي زيد عبد الرحمن الملقب بالباز، والمعاني والبيان عن أبي عبد الله القيسي، والأصلين والمنطق والمعاني والبيان مع الفقه وغالب العلوم المتداولة عن أبي عبد الله بن مرزوق عالم المغرب، لما قدم عليهم قسمطينة. فاقام بها ثمانية أشهر، ولم ينفك عن الاشتغال والأشغال حتى برع في جميع الفنون لا سيما الفقه. وعمل تفسيراً وشرح ألفية ابن مالك وتلخيص المفتاح في مجلد، وشرح مختصر خليل في ثهان مجلدات وسماه تسهيل السبيل لمقتطف أزهار روض خليل، وشرحاً آخر كما في مجلدين سماه فيض النيل. وحج مراراً وجاور. وتوفي في سنة سبع وخمسين وثمانمائة اه.

قلت: وقد وقف على السفر الثالث من شرحه المسمى تسهيل السبيل من القسمة إلخ، حسن من جهة النقول يستوفيها يعتمد فيها على ابن عبد السلام والتوضيح وابن عرفة وغيرهم. وفي آخره جامع كبير محنو على فوائد لخصها من البيان لابن رشد وغيره ورأيت في خزانة جامع الشرفاء بمراكش السفر الأول من شرح آخر له على خليل قدر الثلث إلى الجهاد سماه تحفة المشتاق في شرح مختصر خليل ابن إسحق مجلد ضخم.

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد البدوي الأنصاري الأندلسي، من علمائها الأجلة معاصر لأبي القاسم بن سراج، وطبقته في المائة التاسعة. أخذ عنه العلامة أبو عبد الله بن الأزرق. وقال فيه شيخنا الأستاذ القاضي أبو إسحق. ولم أقف على ترجمته. ثم رأيت في أسانيد الشيخ أحمد بن داود أن شيخه أبا القاسم بن أبي الطاهر الخطيب أخذ عن صاحب الترجمة، وأخذ عن الأستاذ أبي عبد الله محمد بن محمد القعنبي الكفيف. عرف بابن الأزرق عن اللأستاذ أبي محمد قاسم الشروطي.

إبراهيم بن محمد بن فتوح العقيلي الأندلسي الغرناطي مفتياً وعالمها يعرف بابن فتوح. قال السنحاوي: فمن لازمه في الفقه والنحو والأصلين والمنطق أبو عبد الله بن الأزرق، بحيث كان جل انتفاعه به. وقال إنه مات بغرناطة سنة سبع وستين وثمانمائة اه.

وقال عصريه الإمام أبو يحيى بن عاصم بن أبي بكر بن عاصم: كان صاحبنا أبو إسحق عالماً متفنناً محققاً نظاراً وأستاذاً، فوائد تدريسه لجين ونضار كلاً، بل جواهر ويواقيت ومناسك... إنّ من السعادة مواقيت بحسب الطالب الموثوق بفهمه المعروف للتحصيل مواقع سهمه أن يلازم حلقة تعليمه وأن يشد يد المنة بما يلقن من محصول تفهمه فأكسير الإفادة إنما حصله الواصلون من جابر صنعته وكيمياء السعادة. إنما تلقفها الظافرون في نضرة روضه المخصل وينعته اه.

قال ابن الأزرق: فهذا ما وصف به هذا الرئيس الجليل العلم إمام التحقيق وعلم أعلامه اه.

وقال القلصادي في رحلته: لازمت بغرناطة شيخ علماء الأندلس في وقته سيدي أبا إسحق بن فتوح، كانت له مشاركة في العلوم مع تحقيقها. خصه الله تعالى بفكر نقاد وذهن منقاد، فانتفع به الجهابذة والنقاد، تخرج على يديه أكثر طلبة الأندلس الأعيان. وطالت مدة إقرائه للعلوم، فألحق الأصاغر بالأكابر كان اعتناؤه بالأصلين والمنطق والمعاني والبيان. له تحقيق بالتفسير والحديث عالماً بالعربية حافظاً اللغة والأدب والشعر وغيرها ثاقب الذهن، لا يعثر عليه ما ينتحله من العلم إذا سئل عن معنى حديث أو مشكل بيت، ولا يذكره من كتب اللغة فلا بد أن يحمله على وجه يصح في العربية، ثم إذا بحث عنه في كتب اللغة وجد كما.

قال: لم أر مثله في نوعه غير شيخنا ابن عقاب الجزامي التونسي، ولم يكن في وقت إدراكي له يعتني بالعربية ولا بالتأليف، وإنما كتب على الأسطرلاب. ونظم رجز الصفيحة الشكازية في أول عمره، ونظره في العربية ما يقرأ عليه. ولا يتكلف في قراءة علم ولا البحث فيه، ولا يحسن تعليم المبتدئ. وكان يقر بذلك ويثقل عليه الكتب على الفتيا والكلام فيها. وإذا عرض له كتب لإنسان يأمرني أو غيري بكتب ذلك. وكان خطه جيداً، نسخ كثير في علوم شتى سيما العقول، وخطه رقيق، ندم عليه آخر عمره. كتب ابن عرفة في سفرين، وفي الثاني مختصر الحوفي. وقال: لو وجدت كاغداً رقيقاً على اختياري لكتبته في سفر واحد. وله نفس زكية وهمة عالية لا يعتني بالدنيا ولا أهلها ولا يحرص على كسب مال ولا رئاسة. وكان إقراؤه بالمدرسة، وهو أنوه مواضع التدريس بغرناطة، تقدم فيها باستحقاق بلا طلب، وكذا تقديمه بالجامع الأعظم. وتعدي عليه فيها وقتاً وظلم، فوكل أمره لربه، ولم ينتصر لنفسه. وكانت أحواله مرضية إلى أن كات حضرت عليه قراءة كتب معتددة في علوم شتى. وقرأت عليه مقالات أبي رضوان في المنطق والشمسية. ورجز ابن سينا، وبعض رجزه في الطلب، ومختصر ابن رشد في الأصول وجمع الجوامع وكراسة الجزولي والتسهيل لابن مالك وشامل بهرام ومعظم خليل. وقرأت كتاب سيبويه فختمناه سنة ثمان وخمسين، ثم الكشاف وختمناه سنة ست وستين، ثم ابتدأنا خليلاً ثم تركناه لميله لقراءة التفسير والحديث والتصوف. فقرأنا الجواهر والأربعين للغزالي.

وتوفي لية الثلاثاء سادس ذي الحجة عام سبعة وستين وثمانمائة. وحضر جنازته السلطان فمن دونه فيها. وقد نيف على الثمانين سنة إلخ.

وممن أخذ عنه العلامة أبو عبد الله الراعي شارح الألفية. وذكر عنه أنه كان كثير الاعتناء بكتاب سيبويه. وله فتاوى، ذكر منها في المعيار جلمة.

إبراهيم بن محمد بن علي التازي نزيل وهران الشيخ أبو سالم وأبو إسحق، الإمام العالم العلامة الناظم البليغ الورع الزاهد الولي الصالح العارف القطب صاحب الكرامات والأحوال البديعة والقصائد الرائقة الأنيقة.

قال أبو عبد الله بن صعد في النجم الثاقب: كان سيدي إبراهيم من الأولياء الزاهدين وعباده الصالحين إماماً في علوم القرآن مقدماً في علم اللسان حافظاً للحديث بصيراً بالفقه وأصوله من أهل المعرفة التامة بأصول الدين إماماً من أئمة المسلمين، وقفت على كثير من تقاييده في الفقه والأصول وعلم الحديث بخطه الرائق، من أهل الحفظ العظيم معروفاً بجودة النظر والفهم الثاقب جامعاُ لمحاسن العلماء ممتعاً بآداب الأولياء لا نظير له في كمال العقل ومتانة الحكم والتمكن في المعارف وبلوغ الدرجة العليا في حسن الخلق وجميل العشرة والمعرفة بأقدار الناس والقيام بحقوقهم، وحسبك من جلالته. وسعادته أن المثل ضرب بعقله وحلمه واشتهر في الآفاق، ذكر فضله وعلمه حتى الآن. إذا بالغ أحد في وصف رجل قال: كأنه سيدي إبراهيم التازي. وإذا امتلأ أحدهم غيظاً قال: لو كنت في منزلة سيدي إبراهيم التازي ما صبرت لهذا، لما كان يتحمله من إذاية الخلق والصبر على المكاره واصطناع المعروف للناس والمداراة. فهو أحد من أظهره الله لهداية خلقه وأقامه داعياً لبسط كراماته مجللاً برداء المحبة والمهابة مع ماله من القبول في قلوب الخاصة والعامة، فدعاهم إلى الله ببصيرة وأرشدهم لعبوديته بعقائد التوحيد ووظائف الإذكار. كان أحسن الناس صوتاً وأنداهم قراءة آية في فصاحة اللسان والتجويد. ذكر أنه أيام مجاورته إذا قرأ البخاري أو غيره انحشر الناس إليه لحسن قراءته وجودته. وصلى الأشفاع هناك في رمضان بالناس لحسن تلاوته وطلاوة حلاوته. وأصله من بين لنت قبيلة من بربر تازا، وشهر بالتازي لولادته بها. وقرأ بها القرآن على العالم الصالح الولي العارف أبي زكريا يحيى الوازعي، وكان هذا الشيخ يعتني به على صغر سنه ويقول: لا قرانه هذا سيدكم وصالحكم. وما زال على حاله الحسنة ونشأته الصالحة وهديه القويم إلى أن رحل للشرق وعلمائه على ساق، وعرفت صديقيته هناك واشتهر ذكره. وكان رفيقه في وجهته للبلاد المشرقية نظيره في العلم والدين الولي الصالح الزاهد الناصح أحمد الماجري. اه كلام ابن صعد ملخصاً.

قلت: ولما حج لبس الخرقة من شرف الدين الداعي. ولبسها من الشيخ صالح بن محمد الزواوي بسنده إلى أبى مدين، وأخذ عنه حديث المشابكة وتبرك بالشيخ الولي الصالح أبي عبد الله محمد بن عمر الهواري، وتلمذ له فنال بركته وكان عالما زاهداً متصرفاً. له كرامات ومكاشفات كثيرة وقصائد في مدحه صلى الله عليه وسلم.

أخذ عنه جماعة من الأئمة كالحافظ التنيسي والإمام السنوسي وأخيه سيدي علي التالوتي والإمام أحمد زروق وغيرهم. قال القلصادي في فهرسته: أقمت بوهران مع الشيخ المبارك سيدي إبراهيم التازي خليفة الهواري في وقته، كان له اعتناء بكلام شيخه. ومن حكمه: العالم لا تعاديه، والجاهل لا تصافيه، والأحمق لا يؤاخيه اه.

قال ابن صعد: وأخذ بمكة عن علامة علمائها وكبير محدثيها قاضي القضاة المالكية سيدي الشريف تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي، قرأ عليه كثيراً من الحديث والرقائق، وأجازه وبالمدينة على جماعة كإمام الأئمة أبي الفتح بن أبي بكر القرشي وغيره. وكان كلامه في طريق التصوف ومقام العرفان: لا يقوم بمعناه إلا من تمكنت معرفته وقويت عارضته وذاق من طعم الحب ما توفرت به مادته. وأخذ بتونس عن شيخ الإسلام الحافظ العلامة عبد الله العبدوسي، وبتلمسان عن علامة وقته خاتمة العلماء محمد بن مرزوق، وأجازاه معاً. وزار بوهران شيخ المشائخ جنيد أقرانه وحكيم زمانه الهواري اه.

قلت: قوله عبد الله العبدوسي لعل صوابه أبي القاسم عبد العزيز العبدوسي، فهو تزيل تونس في ذلك الوقت. وأما عبد الله العبدوسي فهو ولد أخيه لم أعرف له رحلة لتونس ولا ذكره أحد، وإنما كان بفاس وبه توفي والله أعلم.

وتوفي سيدي إبراهيم تاسع شعبان سنة ست وستين وثمانمائة رحمه الله تعالى ونفعنا به. هكذا ذكره غير واحد. ومن شعره قوله رضي الله عنه:

أما آن أر عواؤك عن شنار * كفى بالشيب زجراً عن عوار
أبعد الأربعين تروم هزلاً * وهل بعد العشية من عوار
فخل حظوظ نفسك واله عنها * وعن ذكر المنازل والديار
وعد عن الرباب وعن سعادا * وزينب والمعارف والعقار
فما الدنيا وزخرفها بشيء * وما أيامها ولأعوار
وليس بعاقل من يصطفيها * أتشري الفوز ويحك بالتبار
فتب واخلع عذارك في هوى من * له دار النعيم ودار نار
جمال الله أكمل كل حسن * فلله الكمال ولا ممار
وحب الله أشرف كل إنس * فلا تنس التخلق بالوقار
وذكر الله مرهم كل جرح * وأنفع من زلال للأوار
ولا موجود إلا الله حقاً * فدع عنك التعلق بالشفار

وله قصيدة:

يا صاح من رزق التقى وقلا الدنا * نال الكرامة والسعادة والغنى
فاصرف هوى دنياك واصرم حبلها * دار البلايا والرزايا والعنا
وودادها رأس الخطايا كلها * ملعونة طوبى لمن عنها انثنى
لا تغترر بغرورها فمتاعها * عرض معد للزوال وللفنا
لعب ولهو زينة وتفاخر * لا تخدعنك جنانها مر الجنى
خداعة غدارة نكارة * ما بلغت لخليلها قط المنى
اليوم عندك جاهلها وحطامها * وغداً تراه بكف غيرك مقتنى
فاقبل نصيحة مخلص واعمل بها * يدنيك من رضوان ربك ذي الغنى
يدخلك جنات النعيم بفضله * دار المقامة والمسرة والهنا.

وله أيضاً من قصيدة أخرى:

وغنم مريد في انقياد لكامل * خبرة بالوقت والعلم والحال
حوى السر والأكسير والكيميا لمن * أراد وصولاً أو بغي نيل آمال
وقد عدم الناس الشيوخ بقطرنا * وآخرهم شيخي وموضع إجلال
وقد قال لي لم يبق شيخ بغربنا * وذا منذ أعوام خلون وأحوال
يشير إلى أهل الكمال كمثله * عليه من الله الرضا ما تلا تال
وله أيضاً من أخرى:
حسامي ومنهاجي القويم وشرعتي * ومنجاي في الدارين من كل فتنة
محبة رب العالمين وذكره * على كل أحياني بقلبي ولهجتي
وأفضل أعمال الفتي ذكر بره * فكن ذاكراً يذكرك باري البرية
وما من حسام للمريدين غيره * وكم حسموا ظهراً لزار وباهت
وكم يدعوا شملاً لدي جرأة وكم * أبادوا عدواً مسهم بمضرة
وكم دافع الله الكريم بذكرهم * عن الخلق من مكروهة ومبيرة
وأفضل ذكر دعوة الحق فلتكن * بها لهجاً في كل وقت وحالة
وكثرة ذكر الشيء آية حبسه * وحسب الفتي تشريفه بالمحبة

وله أيضاً من أخرى رحمه الله:

خيرة الخلق من من أجله خلقوا * محمد خير محمود ومن حمدا
من خصه بلواء الحمد حامده * وبالمقام القيامي الذي حمدا
ويوم حشر الورى للفصل يرشده * إلى محامد لم يرشد لها أحدا
وكثرة الحمد من أوصاف أمته * في اليسر والعسر في الكتب العلا وجدا
صلى الحميد على المحمود أحمد * ما بالحمد أفصح حماد وما سجا
لله عبد شكور حامد وعلى * قرباه والصحب أعلا الأمة الحمدا

وله أيضاً قدس الله سره من أخرى:

أبت مهجتي إلا الولوع بمن تهوى * فدع عنك لومي والنفوس وما تقوى
هوان الهوى عز وعذب إجاجه * وعلقمه أحلى من المن والسلوى
وتعذيبه للصب عين نعيمه * وسعى اللواحي في السلو من العدوى
ومن لم يجد بالنفس في حب حبه * فلوعته إبك وصبوته دعوى
وليس بحر من تعبده الهوى * للهو الدنأ فاختر لنفسك ما تهوى
فما الحب إلا حب ذي الطول والغني * وأملاكه والأنبياء وأولي التقوى
وخيرة رسل الله أفضل خلقه * محمد الهادي إلى جنة المأوى
وله أيضاً قدس الله روحه من أخرى:
روحي وراحة روحي ثم ريخاني * وجنتي من شرور الإنس والجان
ومأمني وأماني من سعير لظي * ذكر المهيمن في سر وإعلان
ومدح أحمد أحمى العالمين حمى * وذو المقام الذي مقامه ثاني

إلى أن قال:

هو السراج هو المنجى لمعتصم * هو المعاذ وملجأ الخائف الجاني
يا رحمة الله إنه خائف وجل * يا نعمة الله إنه مفلس عاني

إلى غيرها من قصائده الكثيرة وقد ذكرت كثيراً من أحواله في غير هذا الموضع بل عرف به الشيخ بن صعد في نحو كراسين من النجم الثاقب

إبراهيم بن أحمد القاضي برهان الدين الأبوذري الأزهري المصري، حفظ القرآن والعمدة مختصر ابن الحاجب الفرعي والرسالة وألفية ابن مالك وغيرها. لازم الزين عبادة في الفقه وغيره كالشهاب الصنهاجي وأبي القاسم النويري فيه وفي العربية وغيرهما. وأخذ أيضاً عن الشهاب الأبدي وأبي الفضل الشذالي، وحضر درس البساطي واستنابه، وكذا الستنابه من بعده، وصار من أعيان النواب. وحج مراراً. ولد ناني عشر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة ومات في سنة تسع وخمسين وثمانماة.

إبراهيم بن محمد بن أحمد الزفري. ولد في المحرم سنة تسع عشرة وثمانمائة. نفقه بالزين طاهر والجب بالطويلية من صحراء مصر. وشرح الرسالة في مجلد، وابن الحاجب الفرعي في خسم، وعلق من الفوائد وغير ذلك. ولم يزل على طريقته حتى مات في سادس رمضان سنة سبع وسبعين وثمانمائة—صح من السخاويز

إبراهيم بن قاسة بن سعيد بن محمد العقباني التلمساني، قاضي الجماعة بها أبو سالم الإمام العلامة الحافظ ابن شيخ الإسلام مفتي الأمة أبي الفضل قاسم. أخذ رحمه الله عن والده وغيره من علماء تلمسان وحصل وبرع وألف وأفتى، وتولى القضاء بعد عزل ابن أخيه العلامة محمد بن أحمد بن قاسم الآتي. قال الشيخ أحمد زروق: وكان أبو سالم هذا فقيهاً تولى قضاء تلمسان وكان شكوراً، انتهى.

ونقل عنه المازوني في نوار له: وممن أخذ عنه العلامة أحمد الونشريسي، وأثنى عليه ونقل عنه في كتبه، وذكر عنه في تعليقه على ابن الحاجب أنه كان هو وأبوه الإمام قاسم يشدد النكير على ابن العربي في قوله بجواز إرسال الريح في المسجد. توفي سنة ثمانين وثمانمائة. ذكره الونشريسي في وفياته وغيره: مولده سنة ثمانين وثمانمائة، والله أعلم.

إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر ببن يوسف بن جميل اللقاني المغربي الأصل، قاضي القضاة بمصر برهان الدين، سمع الحديث على الزركشي، وحفظ مختصر خليل وألفية ابن مالك، وتفقه بالزين طاهر ولازمه حتى كان جل انتفاعه به والزين عبادة وأحمد البجائي المغربي وأبي القاسم النويري. وتصدى للتدريس والإفتاء، واستقر في قضاء المدينة سادس صفر سنة سبع وسبعين وثمانمائة. وكان له قومات شديدة وعزمات سديدة، وكانت له اليد البيضاء في المجلسين المعقودين بسبب هدم الكنيسة، ولعدم مداراته فرح السلطان. وقدم بعد ذلك وصار بآخرة الأمر عليه المدار، أفتى وقضى. واستمر على طريقته في لزوم بيته إلى أن توفي ليلة الثلاثاء عاشر المحرم سنة ست وتسعين وثمانمائة. وشهد السلطان جنازته. وولد في صفر سنة سبع عشرة وثمانمائة اه من الضوء اللامع للسخاوي.

إبراهيم بن محمد الخدري، شيخ تونس وعلمائها. مولده قبل القرن—كذ في أعيان الأعيان للسيوطي.

وقال الشيخ أحمد زروق وفي كناشته: كان إبراهيم الخدري فقيهاً صالحاً مفتي تونس وكبيرها. وقال السخاوي أنه الأخضري وأن نسبته إلى الخدري تصحيف. قال أخذ بتونس عن أبي عبد الله القلشاني وعن ولد عمر وعن قاسم العقباني حين اجتيازه بهم، ولم يكن عنده أجل منه، وكان يصفه بالاجتهاد المطلق. ولكن لا يفتي إلا بمذهب مالك، وأما في خاصته في نفسه فلا يعمل إلا بما يراه. وتقدم في الفقه والأصلين والعربية والمنطق. ومات سنة تسع وسبعين وثمانمائة، وقد قارب الثمانين.

إبراهيم ابن هلال فالالي السجلماسي، مفتيها وعالمها الفقيه العالم الحافظ الصالح، أخذ عن الفقيه ابن آملال والإمام القوري، مفتي فاس وغيرهما. وألف تآليف، منها كتاب المناسك، وتعليق على مختصر خليل لم يكمل، وشرح على البخاري، واختصر فيه ابن حجر، وله فتاوى مشهورة. توفي على ما قيل سنة ثلاث وتسعمائة عن ست وثمانين سنة. وكان آية في النظام والنثر ونوازل الفقه. وأنجب ولده عبد العزيز، وكان رجلاً صالحاً، توفي بعده سنة عشر.

إبراهيم بن عمر بن شعيب الدميري، قاضي القضاة بمصر برهان الدين أخذ الفقه عن نور الدين التنسي ثم عن السنهوري، والعربية عن البدر بن أبي السعادات البلقيني وعبد الحق السنباطي، والمنطق عن العلاء الحصني. ولد تقريباً سنة أربعين وثمانمائة—كذا عند السخاوي.

وقال تلميذه الجاودي: وكان كثير التلاوة للقرآن مع التواضع ولين الجانب ومحبة الصالحين. ولي قضاء المالكية، فصار أحسن الناس سيرة. توفي في رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسمائة. وكانت ولايته القضاء في ربيع الآخير سنة ست وتسعمائة بعد موت القاضي عبد الغني ابن تقي.

إبراهيم بن المصمودي، الفقيه الفرضي الحيسوبي، متقدم في الفرائض والحشاب، تصدر لهما بفاس. وأخذ عنه جماعة، منها عبد الحق المصمودي وغيره. وتوفي سنة اثنتي أو ثلاث عشرة وتسعمائة—هكذا بخط صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب المؤرخ رحمه الله تعالى.

ترجمة الأحمدين

أحمد بن محمد بن عطاء الله الصنهاجي الأندلسي أبو العباس عرف بابن العريف، أحد الأولياء المتسمين بالعلم والعمل والزهد كان من الفقهاء والمحدثين والقراء المجودين ثم غلب عليه الزهد والورع والإيثار فأصبح من أعلام المتصوفة ورجال الكمال.قال ابن بشكوال كان متناهياً في الفضل والدين منقطعاً إلى الخير يقصده العباد والزهاد ويألفونه بينه وبين القاضي عياض مكاتبات حسنة وله كرامات ودعوات مستجابة من أهلا جد والاجتهاد وملازمة الإذكار وصحبة العباد والزهاد فحسده قاضي المرية ابن الأصود فكتب فيه للخليفة علي بن يوسف بن تاشفين وخوفه من حاله فكتب لعاملها أن ابعث إليها ابن العريف فجعله في القارب في البحر لسبتة فأضار القاضي على على العامل بقيده فأرسل رسوله فقيده وهو في البحر فقال ابن العريف روعاً روعه الله فلقيه العدو في البحر فأسروه فلماوصل لسبتة وأفاه رسول السلطان بالأمان وحل قيده وتسرحه فقال كنت لا أريد معرفة السلطان وقد عرفني فلا يد من رؤيته فوصل لمراكش فأقبل عليه السلطان وعظمه وأرمه وسأله عن حواجه فقال لا حجة لي إلا أن تخليني أذهب حيث شئت فأذن له فلما خاب سعي القاضي ابن الأسود في مراده تحيل عليه بأن سمه في باذخجان فمات منه بمركش سنة ست وثلاثين وخمسمائة. واستحفل الناس بجنازته وندم السلطان على ما كان منه وبحث عن أصله ونسبه فأنهي إليه من حيلة القاضي ابن الأسود أنه غربه وقتله فحلف لأفعلن به مثل ذلك فغرب وسم كذلك صح من النجم الثاقب.

أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحق الخزرجي قرطبي. نزلل بجاية، وقد سكن غرناطة مرة، يكني أبا جعفر. روى عن أبي جعفر البطروجي وابن العربي وشريح وابن ورد وابن أبي الخصال وغيرهم. اعتنى بالحديث وروايته وكف بصره أخيراً. له تأليف في أحكامه صلى الله عليه وسلم سماه آفاق الشموس وأعلاق النفوس، وآخر سماه مقامع الصلبان. روى عنه أبو القاسم بن بقي وأبو سليمان بن حوط الله. وتوفي بفاس سنة اثنين وثمانين وخمسامائة. مولده سنة تسع عشرة وخمسمائة ذكره ابن الأبار.

أحمد بن جعفر الخزرجي أبوا العباس السبتي، الولي الزاهد العالم العارف بالله القطب ذو الكرامات الشهيرة والمناقب الكثيرة والأحوال الباهرة والفضائل الظاهرة، نزيل مراكش وبها توفي. وقبره بها معروف مزار مزاحم عليه مجرب الإجابة، زرته مراراً لا تحصى وجربت بركته غير مرة. أخذ عن الشيخ أبي عبد الله الفخار تلميذ القاضي عياض.

قال لسان الدين ابن الخطيب السلماني: كان السبتي مقصوداً في حياته مستغاثاً به في الأزمات وحاله من أعظم الآيات الخارقة للعادة، ومبنى أمره على انفعال العالم عن الجود وكونه علة في تأثير الوجود. له في ذلك أخبار ذائعة وأمثال باهرة. ولما توفي ظهر هذا الأثر على تربته وتشبث بلحده وانسحب على مكانه عادة حياته. ووقع الإجماع على تسليم هذه الدعوى وتخطي الناس من مباشرة قربه بالصدقة إلى بعثها له من أماكنهم على بعد المدى وانقطاع المكان الأقصى، تحملها أجنحة نياتهم فتهوى إليه بمقاصدهم من كل فج عميق، فيجدون الثمرة المعروفة والكرامة المشهورة.

وقال ابن الزيات: كان أبو العباس قد أعطي بسطة في اللسان وقدرة على الكلام لا يناظره أحد إلا أفحمه، ولا يسأله إلا أجابه، كأن القرآن والحجج على طرف لسانه حاضرة، يأخذ بمجامع القلوب ويسحر العامة والخاصة ببيانه. يأتيه المنكرون للإنكار فما ينصرفون إلا مسلمين منقادين. وشأنه كله من عجائب الزمان. وحدثني مشائخنا أنهم سمعوه يقول: أنا القطب. وحدثني أبو الحسن الصنهاجي من خواص خدامه قال: خرجت معه مرة لصهريج غابة الرمان يوم عرفة، فجلسنا هناك وصلينا. فقال لي: إنما سمي هذا اليوم يوم عرفة لانتشار الرحمة فيه لمن تعرف إليه بالطاعة، وقد فاتنا عرفة، فتعال نمثل بهذا المكان، نعمل كما يقملون ولعل الله يتغمدنا برحمته معهم. فعمل مكاناً دائراً بالعين الكعبة، ومحل عنصر الماء الحجر، وموضعاً آخر على مقام إبراهيم. فطاف بالعين أسبوعاً، وأنا أطوف بطوافه. وكبر على العنصر في كل طوافه، وصلى في مثل المقام ركعتين تامتين، وأطال في سجود الثانية. ثم استند إلى الشجرة. ثم قال: يا علي اذكر كل حاجة لك من حوائج الدنيا تقض، فإن الله وعد في هذا اليوم من تعرف له أن تقضي حوائجه. فقلت: ما أريد إلا التوفيق. فقال لي: ما خرجت معك إلى المدينة حتى وفقت فسألته عن حال بدايته وبم تنفعل له الأشياء ويستجاب له الدعاء، ولمَ صار يأمر بالصدقة والإيثار من شكا إليه حالاً أو تعذر عليه مطلوب في هذه الدار. فقال لي ما آمر الناس إلا بما ينتفعون به لأني لما قرأت القرآن وقعدت بين يدي الشيخ أبي عبد الله الفخار ونظرت في كتب الأحكام وبلغ سني عشرين سنة تدبرت قوله تعالى "إن الله يأمر بالعدل". وقلت: إني مطلوب به فبحثت عن الآية فوقفت على أنها نزلت حين آخي صلى الله عليه وسلم بين الأنصار والمهاجرين، فسألوه أن يعلمهم حكم المؤاخاة، فأمرهم بالمشاطرة. ففهمت أن العدل المأمور به في الآية هو المشاطرة. ثم تأملت حديث: تفترق أمي على ثلاث وسبعين، وأنه صلى الله عليه وسلم لما آخى بين الصحابة وذكر له الأنصار أنهم شاطروا المهاجرين ذكر ذلك الحديث إثره. فقلت: إن الذي هو عليه وأصحابه الإيثار والمشارطة، فعقدت مع الله نية أن لا يأتيني بشيء إلا شاطرت فيه الفقراء فبقيت عليه عشرين سنة فأثمر لي حكم الخاطر، فلا يحكم خاكري بشيء إلا صدق. فلما أكملت أربعين سنة تدبرت الآية فإذا العدل هو الشطر، والإحسان زائد عليه. فعقدت نية أن لا يأتيني قليل ولا كثير إلا أعطيت ثلثيه لله عز وجل، فعملت عليه عشرين سنة، فأثمر لي الحكم بالولاية والعزل، فأولي من شئت وأعزل من شئت. ثم نظرت بعد في أول ما فرضه على عباده في مقام الإحسان فوجدته شكر النعمة بدليل إخراج الفطرة على المولود قبل أن يفهم، ووجدت أصناف من يعطي الصدقة الواجبة سبعة، وسبعة آخر صرفها فيها للإحسان والزيادة، وذلك أن لنفسك عليك حقاً ولزوجك حقاً وللرحم حقاً وللضيف حقاً ولليتيم حقاً وذكر صنفين آخرين، فانتقلت لهذه الدرجة. وعقد معه تعالى عقداً في إمساك سبعي حق النفس والزوجة، وصرف الخمسة الأسباع لمستحقيها، فأقمت عليه أربعة عشر عاماً. فأثمر لي الحكم في السماء، فإذا قلت: يا رب، قال لي: لبيك. ثم قال لي: نهايتي بتمام عمري بعد ستة أعوام تكملة العشرين عاماً. قال الصنهاجي: فأرخت ذلك اليوم، فلما مات وحضرت جنازته تذكرت التأريخ وحققت العدد، فنقصت من الستة الأعوام ثلاثة أيام، فيحتمل كونه من الشهور الناقصة.

قال أبو بكر بن مساعد جاء بعض السلاطين إلى أبي العباس وهو راكب فقال له: إلى متى تحيرنا ولا تصرح لنا عن الطريق؟ فقال له هو الإحسان. فقال له: بين لي فقال له كل ما أردت أن يفعله الله معك فافعله مع عبيده. وقال له أبو الحسن الجنان: أما ترى ما فيه الناس من القحط والغلاء. فقال له: إنما حبس المطر عنهم لبخلهم، فلو تصدقوا لمطروا، فقل لأصحابك: الفلاحين تصدقوا بمثل ما أنفقتم، تمطروا. فقال له: لا يصدقني أحد، ولكن مرني في نفسي. فقال له: تصدق أنت بمثل ما أنفقت. فقال له: إذا أمطرت أخرجت من ثمن الغلة مثل ما أنفقت. فقال له: إن الله تعالى لا يعامل بالدين، ولكن استسلف فاحتال وتصدق بها كما أمره. قال: فخرجت إلى البحيرة التي عمرتها والشمس شديدة الحر فآيست من المطر وقد أشرف جميع غرسي على الهلاك، فبقيت ساعة فإذا سحابة أمطرت البحيرة ورويت، وظننت أن الدينا كلها مطرت، فخرجت فإذا هو لم يتجاوزها اه.

وحكاياته في مثل هذا كثيرة. قال الشيخ العارف أبو الحجاج يوسف التادلي في كتاب التشوف إلى رجال التصوف: وكان أبو العباس جميل الصورة أبيض اللون حسن الثياب فصيح اللسان مقتدراً على الكلام حليماً صبوراً، يحسن إلى من يؤذيه ويحلم على من يسفه عليه، رحيماً عطوفاً محسناً إلى اليتامى والأرامل، يجلس حيث أمكنه الجلوس، ويحض على الصدقة، ويذكر في فضلها آيات وأحاديث، ويأخذها ويفرقها، ويرد أصول الشرع إليها ويفسرها بها. فيقول: معنى قول المصلي الله أكبر أي من أن نضن عليه بشي، فمن رأى شيئاً من متاع الدنيا في نفسه أكبر فلم يحرم ولا كبر. ومعني رفع اليدين في التكبير تخلية من كل شيء لا قليلاً ولا كثيراً. وهكذا يتكلم في جميع العبادات. ويقول سر الصوم أن تجوع، فإذا جعت تذكرت الجائع وما يقاسيه من نار الجوع فتصدق عليه. بمن [= فمن] صام ولم ينعطف على الجائع فكأنه لم يصم—إلى غيره من كلامه في مثل هذا. وإذا أتاه أمرؤ في أمر، يقول تصدق تصب ما تريد. وأخباره في ذلك عديبة كثيرة.

قال التادلي: وحدثن ولده الفقيه أبو عبد الله عن أبيه في بدء أمره أنه قال: كنت صغيراً أسمع كلام الناس في التوكل، ففكرت في حقيقته فرأيت أنه لا يصلح إلا بترك شيء، ولم يكن عندي يد فتركت الأسباب وطرحت العلائق، ولم تتعلق نفسه بمخلوق. فخرجت سائحاً متوكلاً، وسرت نهاري كله فأجهدني الجوع والتعب، وكنت نشأت في رفاهية عيش، وما مشيت قط على قدمي. فبلغت قرية فيها مسجد، فتوضأت ودخلته فصليت المغرب والعشاء. وخرج الناس وقمت لأصلي فلم أقدر من شدة الجوع والتألم بالمشي، فصليت ركعتين وجلست أقرأ القرآن إلى أن مضى جزء من الليل. فإذا قارع يقرع داراً بعنف فأجابه صاحب الدار فقال: أرأيت بقرتي؟ فقال: لا. فقال: إنها ضلت، وقد أكثر عجلها من الحنين. فطلبها فلم يجدها في القرية. فقال أحدهم لعلها في المسجد، ففتحوا بابه ووجدوني. فقال صاحب البقرة: أظنك ما أكلت شيئاً، فجاءني بكسرة خبز وقدح لبن. ثم مر ليأتيني بالماء. فوجد بقرته في وسط الدار، فقال: خرجت بقصد البقرة وما كان خروجي إلا فهذا الفتى الجائع في المسجد. فجاء وطلب مني أن أمشي معه لمنزله، فأبيت.

وكان رحمه الله في أول أمره يسكن الفندق ويعلم الحساب والنحو ويأخذ الأجرة عليه وينفقها على الطلبة الغرباء، ويمشي في الأسواق يذكر الناس ويضربهم على تبك الصلاة. ويأتي بالطعام على رأسه. وبات ليلة عند الطلبة فارتفعت أصواتهم بالمذاكرة، فإذا بالحرس قرعوا باب الفندق. فقام إليهم القيم بخدمته. فقالوا: له أما تعلمون أن من رفع صوته بالليل يقتل. ثم وقف اثنان من الحرس على باب الفندق ليحملونا بعد الفجر للقتل. وجاء القيم فأخبرنا، فخفنا خوفاً عظيماً وتيقنا الهلاك. فأخذ أبو العباس في الضحك ولا يبالي. ثم خلا بنفسه ساعة عند السحر. ثم قال لنا: لا خوف عليكم، قد استوهبتكم من الله وهذان الحرسيان الواقفان، يقتلان غداً إن شاء الله تعالى. فقيل له الجزاء عندنا من الأفعال من الخير والشر، وهما لم يفعلا ما يوجب قتلهما بل جزاؤهما أن يروعا كما روعانا. فقال العلماء ورثة الأنبياء: وترويعكم عظيم لا يقابل منهم إلا بالقتل، فما زلنا نعارضه فيه حتى قال: عقوبتهما أن يضرب كل مائة سوط. ثم اجتاز عبد الله الخراز صاحب الوقت بالجامع الأعظم، فوجد تابوته مفتوحاً والحرسيان على قرب منها، فلم يشك أنهما حلاه فحملا إلا رحبة القصر قبل الفجر. فقال لنا أبو العباس: احضروا على ضربهما كما أرادا قتلكم. فتبعناهم وحضرنا حتى ضرب كل واحد مائة سوط.

وكراماته لا تحصى. وكان يقول: أصل الخير في الدنيا والآخرة الإحسان، وأصل الشر فيها البخل. قال تعالى "فأما من أعطى واتقى" الآية. وقال عن إبليس "ثم لآتينهم من بين أيديهم" الآية. وقال "ومنهم من عاهد الله" الآية، "يؤثرون على أنفسهم". وقال "إنا بلوناهم كما بلونا" الآية. وقال "سارعوا إلى مغفزة من ربكم" الآية. "وقال ليس البر" الآية. وقال "إنا عرضنا الأمانة على السموات" الآية، فهي أمانة الرزق، فأعطت السماء ما فيها من الماء وهو المطر، والأرض ما فيها من المياه النازلة من الجبال وذكا الجبال وأنبتت الأرض وأبت إمساكها، فخزن الإنسان جميعها عنده ومنع المساكين، إنه كان ظلوماً جهولاً. وفي الحديث: هم الأقلون، ورب الكعبة الأمن قال هكذا، وهكذا الحديث. ولما أراد الله هلاك فرعون وقومه ودعا عليهم موسى بالبخل فقال: ربنا إنك آتيت فرعون وملأه، إلى قولك: دعوتكما. وكان آخر عمره رضي الله عنه كثيراً ما يقرأ هذه الآية: أفرأيت الذي تولى، إلى قوله: سوف يرى، ويقول: من قال إن الله لا يجازي على الصدقات فقد وافق اليهود في الفرية على الله تعالى، لأنهم قالوا يد الله مغلولة، غلت أيديهم أي لا يجازي على الصدقات. قال تعالى غلت أيديهم أي يجازي عليها كيف يشاء. ويقول في قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة، إنما كويت هذه المواضع لأنه الغني يعرض عن المسكين بوجهه ثم بجنبيه، ثم يظهره فعوقبت هذه المواضع بكي النار لإعراضه عنه. ومنازعه رحمه الله في أمثال هذا كثيرة اه، ملخصاً من التشوق للتادلي.

قال ابن الزيات وحدثني أبو الحسن الصنهاجي وغيره أن رجلاً غنياً يعرف بابن السكان دار عليه الزامن وافتقر. فحدث أنه جاء لأبي العباس، وعليه ثوب خلق تظهر منه عورته. فشكا إليه حالته. قال: فأخذ بيدي إلى أن خرج معي من باب تاغزوت، فجاء إلى مطهرة هناك، فدخل فيها وتجرد من أثوابه. وناداني وقال لي: خذ الثياب فأخذتها. وكان بعد العصر، فأردت أن أرى ما يكون من أمره، فصعدت إلى حائط هناك إلى قرب الغروب. فإذا بفتى خرج من الباب على دابة معه رزمة ثياب. فلما رأيته نزلت إليه، وقال لي: أين الفقيه أبو العباس؟ فقلت: ها هو في الساقية عريان. فقال لي: اسمك الدابة. فسمعت الفقيه يقول له: أين تلك الثياب؟ فأخذها منه وخرج. فلما رآني قال لي: ما لك هنا؟ قلت: يا سيدي خفت عليك، فلم أقدر على الانصراف ونتركك. فقال لي. أفترى الذي فعلت ما فعلت له يتركني. ثم سأل الفتى عن سبب وصوله إليه. فذكر له أن إحدى الكرائم أمرته أن يحمل إليه تلك الثياب، وقالت له: لا تدفعها إلا للفقيه ولا يلبسها إلا هو. فهذه قصة صحيحة مشهورة اه.

قال ابن الخطيب السلماني: روضته بباب تاغزوت بمراكش غير حافلة البناء. ربما يتبرع متبرع باحتفالها فلا تساعده الأقدار. وزرتها فشاهدت داخله أشياخاً من أهل التعفف والتصوف يسارقون خفي النظر إلى مساقط رحمات الله عليها لكثرة زائريها. فيلج ذو الحاجة بابها خالعاً نعليه مستحضراً آنيته ويقعد بإزاء القبر قعدة لذلك. ومن عجز عن النقدين تصدق بالطعام ونحوه. فإذا خف الزائر آخر النهار عمد القائم على التربة إلى ما أودع في تلك الأواني، فقسمه على المحاويج الحافين بها. ويحصون كل عشية ويعمهم الرزق المودع فيها. وإن قصر عنهم كملوه في غده. قال وترافع خدام الروضة لقاضي البلد وتخاصموا في أمر ذلك الرزق المودع هناك. فسألهم القاضي عن خراج اليوم، فقالوا: يحصل هذه الأيام في اليوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهب عين، وربما وصل في بعض الأيام ألف دينار فما فوق. فروضة هذا الولي ديوان الله بالمغرب، لا يحصى دخله ولا تحصر جباياته، فالتبر يسيل واللجبن يفيض، وذو الحاجة كالطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم. قال: وأنا ممن جرب المنقول عن القبر فأطرد القياس وتزيفت الشبهة وتعرف من بدء زياراته ما تحققت به من بركته وشهد على برهان دعوته اه.

قلت: والي الآن ما زال الحال على ما كان عليه في روضته من ازدحام الخلق عليها وقضاء حوائجهم، ولكن قل ذلك العطاء لفساد الزمان وتقاصر أهله وبخلهم. ومع ذلك فما زالت بركته تعم قاصديه من الفقراء والقاصدين، فلله الحمد. وقد زرته ما يزيد على نحو خمسمائة مرة، وبت هناك ما ينيف على ثلاثين ليالة، وشاهدت بركته في الأمور، فلله الحمد على ما يسر.

وقال الشيخ ابن الخطيب القسنطيني في رحلته: حضرت عند الحاج الورع الزاهد أبي العباس أحمد ابن عاشر بسلا، وقد سأله أحد الفقراء عن كرامة الأولياء، فقال له: لا تنقطع الكرامة بالموت، انظر إلى السبتي، يشير للشيخ الفقيه العالم المحقق أبي العباس المدفون بمراكش، يلجأ ببركته، وما ظهر عند قربه من البركات في قضاء الحاجات بعقب الصدقات. قال: سمعت يهودياً بمراكش يلجأ ببركته وينادي باسمه في أمر أصابه لا مع المسلمين. فسألته عن سببه فأخبر أنه وجد بركته في غير موطن، فسأله عما رأى له في وقت. فقال: وحق ما أنزل على موسى ما أذكر لك إلا ما اتفق لي، سرت ليلة مع قافلة في مفازة فعرجت دابتي، فما شككت في قتلي وسلبي. فجلست وبكيت وبيني وبين الناس بعد، وقلت: يا سيدي أبا العباس خاطرك. قال لي: فوالله ما أتممت الكلام إلا وأهل القافلة وقفوا لأمر أصابه، وجرت دابتي وخف عرجها. ثم زال واتصلت بالناس. فقلت له لمَ لا تسلم؟ فقال: حتى يريد الله تعالى. وعجبت من كون ذلك يهوجياً، فهي شهادة من عدو في الدين، ولقد سألت الله في أشياء عند قبره، منها أن أكون ممن يشتغل بالعلم ويوصف به وأن ييسر علي فهم كتب عينتها، فيسر الله علي ذلك في أقرب مدة. وقبره له بركات وأنوار.

وكان أصل مذهبه الحض على الصدقة. وكان أمره عجباً من إجابة الدعاء، ونزول المطر واختصاصه بمكان دون آخر. وقال لأصحابه: أنا القطب. تفقه على أبي عبد الله الفخار، وكان آية في المناظرة وأوذي باللسان كثيراً جداً. فيصفح ويتجاوز. ورأى عبد الرحمن بن يوسف الحسني الشريف النبي صلى الله عليه وسلم في النوم. قال، فقلت: يا رسول الله ما تقول في السبتي؟ وكنت سيء الاعتقاد فيه. فقال لي بعد أن تبسم: هو من السباق. وقلت: بين لي يا رسول الله. قال: هو ممن يمر على الصراط كالبرق. قال: فخرجت بعد الصبح فلقيت أبا العباس، فقال لي: ما رأيت وما سمعت؟ والله لا تركتك حتى تعرفني. فعرفته فصاح كلمة الصفا من المصطفى. وتوفي سنة إحدى وستمائة. وولادته بسبتة عام أربعة وعشرين وخمسمائة. أهو كذا؟ ذكر التادلي ولادته وموته، نفعنا الله به آمين.

أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن بقي بن مخلد القرطبي أبو القاسم، ذكره في الأصل قال أبو القاسم بن الشاط في فهرسته التي عملها لشيخه لابن أبي الربيع: وهو الفقيث الكاتب المحدث الفاضل الحسيب العلم الأوحد قاضي الجماعة. روى عن أبيه وجده، وأجازه أبو الحسن شريح وابن قزمان وابن بشكوال وابن مضا والسهيلي في جماعة كثيرة. مولده يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة عام سبعة وثلاثين وخمسمائة. وتوفي بقرطبة عام خمسة وعشرين وستمائة في رمضان اه.

أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عرفة، اللخمي العزفي السبتي أبو العباس. قال ابن الشاط في الجزء المذكور: هو الفقيه العالم العالم العلم الأحد الأورع الضابط الناقد المسند بقية المحدثين. روى عن أبيه القاضي أبي عبد الله وعن الزاهد أبيه محمد الحجري والقاضي ابن زرقون والخطيب أبي القاسم بن حبيش وابن بشطوال وأبي بكر بن خير وأبي عبد الله بن حميد والسهيلي وابي محمد بن الفرس وأبي الحسن بن كوثر والقاسم بن دحمان وعبد الحق بن بونة وغيرهم. وأجازه جماعة من المشارقة. مولده سابع عشر رمضان عام سبع وخمسين وخمسمائة. وتوفي في رمضان عام ثلاث وثلاثين وستمائة. وأجاز لابن أبي الربيع في جميع مروياته عن شيوخه.

أحمد بن علي القسطلاني ثم المصري أبو العباس كمال الدين، الفقيه الزاهد تلميذ أبي عبد الله القرشي. قال الذهبي في العبر: درس وأفتى ثم جاور بمكة ومات بها في جمادي الأخيرة سنة ست وثلاثين وستمائة عن بضع وسبعين سنة. وولده تاج الدين—على ما قال في العبر—مفت مدرس، سمع من زاهر بن رستم وولي مشيخة المالكية. مات في شوال سنة خمس وستين وستمائة عن بضع وسبعين سنة—صح من تأريخ مصر للسيوطي.

أحمد عثمان بن عبد الجبار التونسن الملتاني أبو العباس، الشيخ الجليل الفاضل الكامل المتقن المحصل المجتهد، رحل للمشرق ولقي فضلاء أجله. ثم رجع فسكن بجاية، وأقرأ بها، وأسمع له علم بالعربية والفقه وأصوله وأصول الدين وحظ من التصوف ونصيب من العبادة. وكان موقراً محترماً مهيباً. له تقدم في التلقين ونظر لم يكن لغيره، ولم يكن له مثله في غيره من الكتب. وهو وإن كان إماماً في الفقه لكنه في هذا الكتاب آصل من غيره. وله عليه تقييد فيه تنبيهات خفية. وسمعت أنه كمل بعض ما فات المازري على التلقين. استدعاه الإمام أبو زكرياء إلى حضرة إفريقية، وحضر مجلسه، وجعل بعض الحاضرين يلقي بعض سائل [= مسائل] المبادئ فرأى أن الكلام في المبادئ لا تظهر فيه فضيلة الفاضل ولا فضل الجاهل. توفي عام أربعة وأربعين وستمائة.

أحمد بن عيس بن عبد الرحمن الغماري، الفقيه القاضي الجليل النبيه أبو العبالس، رحل للمشرق وقرأ هناك، وجد واجتد وحصل وأتقن، ولقي جملة مشائخ كعز الدين بن عبد السلام. له علم بالفقه وأصوله وحظ من أصول الدين ومشاركة في علم الأدب. وكان ممن يستفاد بالنظر إليه والمثول بين يديه. وكانت دروسه منقحة الأفراد بيدأ بين يديه بالرقائق ثم بالفقه وأصوله والتهذيب والجلاب، فيكثر البحث وتجلب المسألة الخلافية، فيرتضي أحد وجهيها فيبحث عنه إلى أن يترجح وسلمي، ثم يأخذ الطرف الآخر ويلزم أصحابه ما كان هو يناكر عليه، فلا يزال حتى يترجح ذلك الطرف ويسلم أيضاً ذلك من جودة نظره وحدة فكره. توفي بتونس عام اثنين وثمانين وستمائة—صح من عنوان الدراية للغبريني.

أحمد بن فرتون السلمي أبو العباس من أهل فاس من بيت علم، أخذ عن بن زانيف. روى عن جمع عظيم من أهل العدوتين. وأخذ الناس عنه كثيراً، كأبي جعفر بن الزبير وهو صاحب الذيل على الصلة. وكان عالماً جليلاً محدثاً كبيراً. توفي بسبتة، وقد انتقل إليها قبل وفاته عام ستين وستمائة، وقد نيف على الثمانين.

أحمد بن محمد بن حسين بن علي اللواتي من أهل فاس أبو العباس بن تامنتيت، سكن إشبيلية وتوجه لإفريقية. ثم لحق بالمشرق، وحدث بمصر وغيرها عن أبي الحسين بن الضائع. وكان فقيهاً متصوفاً. روى عنه أبو بكر بن سيد الناس. وأثنى عليه ابن الزبير.

أحمد بن محمد القرشي الغرناطي، وبه يعرف الشيخ الفقيه الحافظ المتفنن التاريخي المدرس المحدث من الحفاظ. يحفظ تأريخ الطبري وتفسير الثعلبي، وهو على طريقة جمهور المعتبرين. اعتنى بالرواية والبحث عن الأخبار ومعرفة الرجال. وله تصانيف على القرآن. وله اعتناء بأهل العصر، شرع في تأليف ذكرهم فيه شرقاً وغرباً، وكتب إلى الشرق التطلع على ذلك—صح من عنوان الدراية.

أحمد بن محمد بن حسن بن الغماز الأنصاري، ذكره ابن فرحون في الأصل وأحسن في ترجمته. قال الغبريني في عنوان الدراية: كان فقيهاً فاضلاً جليلاً وقاضياً كبيراً شهيراً عدلاً رضياً اشتهر. ولي قضاء بجاية وإمامة الفريضة والخطابة بجامعها الأعظم. فظهر من قبله في القضاء ما عجز عنه من تقدمه. ثم قدم للقضاء بحضرة تونس، فما زال يخلع ولاية القضاء بحاضرة إفريقية، ويلبسها خلعاً أحسن من لبس، ولبساً أحسن من خلع اه.

أحمد بن عمر الندلسي الأنصاره أبو العباس المرسي خليفة الشيخ أبي الحسن الشاذلي الإمام العارف القطب. له مجلس عظيم في المعارف والحقائق والرقائق. وكان يقول: هذا الأمر لا يكون إلا لواحد بعد واحد، ولا يكون اثنان في الزمان. وكتابه في الفقه التهذيب وفي العقائد الإرشاد، وفي الحديث المصابيح، وفي التفسير ابن عطية والمهدوي، وفي التصوف الإحياء والقوت ونوادر الترمذي الحكيم. ومن عجيب حاله أنه ما تسبب في الدنيا بشيء حتى خرج منها. فقيل له فيه، فقال: سببنا الإيمان والتقوى. قال تعالى "ولو أن أهل القرى آموا واتقوا" الآية.وله كرامات عدة. وكان يقول: والله ما نطالع كتب القوم إلا لنرى فضل الله علينا. توفي عام خمسة وثمانين وستمائة. أخذ عنه أبو العباس بن عطاء الله، ونقل عنه فوائد.

أحمد بن عثمان بن عجلان القيسي الفقيه الصدر الكبير أبو العباس، أحد أعلام الدين وإمام أئمة المسلمين، من مشائخ التقوى والورع. وكان متقناً يحمل على الفقه والحديث والعربية والقراءة وطرق الصالحين كثيراً، يحب الخمول على طريقة السلف الصالح. وطلب للقضاء فامتنع—هكذا ذكره أبو العباس الغبريني في عنوانه. قال: ولما وقع بصري عليه أدركني من الوقار والخشية لله ما لم أقدره، ورمقت عيناي ووجدت في نفسي نشاطاً وسروراً. قال: وسألته عن اختيارات أصحابنا الفقهاء المتأخرين كاللخمي وابن بشير وغيرهما، هل نحكي أقوالاً على المذهب فيقال في المذهب قولان، قال اللخمي كذا وفلان كذا، فيعزي إليه؟ قال: لا. وسألت عن هذه القضية شيخنا الفقيه أبا القاسم بن زيتون، فقال لي: نعم، يحكى قول اللخمي وغيره إلا قولاً واحداً في المذهب كما يحكى قول من تقدمه من الفقهاء قولاً في المذهب، وجوابهما معاً جيد. لكن الجواب الأول مبني على سبيل التوقف والورع، والثاني على سبيل النظر، لأنه يرى أن كان جواباً مبنياً على أصول المذهب وطريقه لأنه إنما أفتى على مذهبه، فتصح إضافة هذه الأقوال إلى المذهب وتعد منه. توفي بتونس في عشر التسعين وستمائة.

أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هشام القرشي أبو جعفر يعرف بابن فركون، قاضي الجماعة. قال ابن الخطيب في عائد الصلة: من صدور القضاة بالأندلس في الإطلاع بالمسائل ومعرفة الأحكام كثير المطالعة والاجتهاد، مشاركاً في فنون من فقه وعربية وقراءة وفرائض، طيب النغمة حسن التلاوة عظيم الوقار قائق الأبهى، مسترسلاً عنان الناذرة الحجار في مجالس الحكم وغيرها، فيغض منه بسببها من يحمل عليه. ولي قضاء رندة وغرناطة في أكمل جاه وحرمة. ذكر أنه كان في صغره يقرأ على أبي عبد الله بن سمعون، وكان صالحاً، فوجهه في حاجة في يوم مطر شديد. فرجع بحاجته بعد عناء، فعاتبه أخوه الكبير فقال: صبي ضعيف يأتيك لفائدة تعرضه في مصلحتك لهذه المشقة ما هذا من شيم الصالحين. فقال له دعه، لا بد أن يكون قاضي الجماعة بغرناطة. فقال فتذكرت لما توليت صحة فراسته. ولد عام تسعة وأربعين وستمائة اه.

وقال الحضرمي في فهرسته: شيخنا الجليل قاضي القضاة العدل النزيه العارف الصدر الشهير الفضائل كان بقية الفقهاء المحصلين ذا نظر وبحث نزيه النفس عالي الهمة متسع الصدر حسن اللقاء سهل الأخلاق مليح البادرة ثاقب الذهن جيد النظر، حافظاً نكت الفقه، عارفاً بالأحكام، صدراً من صدور قضاة الأندلس، متضلعاً بالمسائل، كثير المطالعة والدؤوب عليها، حسن القراءة، فائق الأبهة، عظيم الوقار. ولي قضاء الربذة ومالقة، ثم قضاء الجماعة بغرناطة عام أربعة وسبعمائة، ثم صرف عام ثلاثة عشر عند تغلب السلطان أبي الوليد لطلام، نهي عنه أيام الفتنة نصح به السلطان قبله. فناله خمول والتزم داره لمطالعة العلم أزيد من عشر سنين. ثم راجع أبو الوليد فيه رأيه، فقدمه قاضياً بالمرية. ثم صرف عنه آخر صفر عام تسعة وعشرين، فعاد لانقباضه وتعففه حتى قبض عن نيف وثمانين عاماً في ذي القعدة عام تسعة وعشرين وسبعمائة. كتب من خطه: إذا اجتمعت ثلاثة أمور في هدية القاضي فلا كراهة فيها، أن يكون من أهل ولايته، وأن تكون من عادته قبل القضاء، وعدم الخصومة اه.

وهو على حالته واشتهاره من الملقين في النظم ومن شعره بعد عزله عن قضاء الجماعة:

أنا من الحكم تائب * وعن دواعيه راكب
بعد التفقه عمري * ونيل اسمي المراتب
وبعد أن كنت أرقي * على المنابر خاطب
ما إن يليق بمثلي * لأنني غير راقب
أشكو إلى الله حالي * فهو المثيب المعاقب
قد آن لي بيع كتبي * أو أجعلنها السوائب

أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي أبو العباس المراكشي عرف بالن البنا، كان أبوه محترفاً بالبناء. وطلب هو العلم فوصل فيه الغاية القصوى حتى قال فيه الإمام ابن رشيد: وهو من هو لم أر عالماً بالغرب إلا رجلين ابن البنا العددي بمراكش وابن الشاط بسبتة أه، نقله أبو زكريا السراج في فهرسته في ترجمة شيخة الرعيني عنه عن ابن رشيد

وقال غيره: كان إماماً معظماً عند الملوك أخذ من علوم الشريعة حظاً وافراً وبلغ في العلوم القديمة غاية قصوى ورتبة عليا. قال تلميذه أبو زيد عبد الرحمن اللجائي: كان شيخنا وقوراً حسن السيرة قوي العقل مهذباً فاضلاً، حسن الهيئة معتدل القد أبيض، يلبس رفيع الثياب ويأكل طيب المآكل، يديم السلام على من لقيه. ما تحدث معه أحد إلا انصرف عنه راضياً، محبوباً عند العلماء والصلحاء، حريصاً على الإفادة بما عنده، قليل الكلام جداً لا يتكلم بهذر ولا بما يخرج عن مسائل العلم. وإذا تكلم في مجلس سكت لكلامه جميع من فيه، محققاً في كلامه قليل الخطأ.

وقال ابن شاطر كان ينظر في النجوم وعلوم السنة مشتغلاً بها. أخذ في الطريقتين بالحظ الوافر يلازم الولي أبا زيد الهزميري ودخل في طريقته، فأعطاه ذكراً من الأذكار، ودخل به الخلوة نحو سنة ودعا له، وقال له: مكنك الله من علوم السماء كما مكنك من علوم الأرض، فأراه ليلة وهو متيقظ دائرة الفلك مشاهدة حتى عاين مجرى الشمس. فوجد في نفسه هولاً عظيماً، فسمع الشيخ أبا زيد يقول: اثبت يا ابن البنا، حتى رأى ما رأى مستوفياً. قال له الهزميري أن الله تعالى قد فتح لك فيما أراك. فأخذ من وقته في علم الهيئة والنجوم حتى أدرك منه الغاية، وكان يستعمل الصوم والخلوة طلباً لتصفح أمر الفلك يدوم فيها أياماً. فرأى بين يديه في صلاة يصليها صورة قبة نحاس مصنوعة لم ير مثلها في عالم الحس، والقبة محبوسة في الهواء، وفي داخلها شخص يتعبد فهاله ذلك. ولم يثبت لما رأى من صور مفزعة حفت بها وأصوات هائلة تناديه أن ادن منا يا ابن البنا، فلم يقدر على الثبات فأغمي عليه. وبلغ خبره الشيخ أبا زيد، فجاء ومسح على صدره ورأسه وأزال عنه ما صنع له من الدواء، ورجع في الحسين إلى حسن. فقال له الشيخ أبو زيد: أنا كنت ذلك الرجل الذي في القبة، وأمرت أن أخبرك في ذلك المقام، فلم تقدروها. أنا أمرت أن أخبرك به في عالم الحس، ثم أخبره بما طلب.

قال ابن شاطر: كنت قاعداً معه بمراكش فإذا رجل جاء إليه وقال له يا سيدي: توفي والدي وهو متهم بالمال ولم يترك لي شيئاً، وقيل لي ماله مدفون بداره، فنحب خاطرك معي لوجه الله تعالى. فنظر الشيخ برهة في نفسه، فقال للرجل: صور لي صورة الدار في الرمل. فصورها. ثم أمره أن يزيل صورتها، فأزالها. فأمره بإعادتها ثانياً، ففعل، ثم هكذا ثلاثاً. فقال له: إن ماك في هذا الموضع منها. فانصرف الرجل وبحث في الموضع فوجد به المال كما ذكر.

ويذكر أن السلطان أبا سعيد المريني سأله عن زمن موته. فأجابه أن موته عند اشتغاله ببناء موضع في قبلة تازا، فكان كذلك. وأخباره في هذا امعنى كثيرة.

قرأ القرآن بمراكش على أبي عبد الله بن يسر، والعربية على القاضي الشريف محمد بن علي بن يحيى قرأ عليه بعض الكتب ولازمه وذاكره مسائل من كتاب الأركان لأوقليوس، وقرأ جميع كتاب سيبويه والكراسة على أبي إسحق الصنهاجي العطار، وأخذ العروض والفرائض على أبي بكر القلاوسي، وأخذ الحديث عن أبي عبد الله وأخيه، ولقي محمد بن عبد الملك قرأ عليه الموطأ وعروض بن السقاط وتأدب به في عقود الوثائق وانتفع به كثيراً، وتفقه على أبي عمران موسى الزناتي قرأ عليه شرحه على الموطأ، وعلى أبي الحسين المغيلي القاضي إرشاد أبي المعالي، وعلى أبي الوليد بن حجاج المعيار والمستصفى هما لأبي حامد وفرائض الحوفي وتفقه عليه في التهذيب، وأخذ علم السنن على قاضي الجماعة بفاس أبي الحجاج يوسف التجيبي المكناسي و أبي يوسف يعقوب الجزولي وأبي محمد الفشتالي، وأخذ علم الطلب عن الحكيم بن حجلة، وعمل النجوم على أبي عبد الله بن مخلوف السجلماسي.

وألف كثيراً كتفسير الباء من البسملة، وجزء صغير على سورتي إنا أعطيناك والعصر، وعنوان الدليل مرسوم خط التنزيل، وحاشية على الكشاف، وكتاب آخر في منحى ملاك التأويل والاقتضاب، والتقريب للطالب اللبيب في أصول الدين، ومنتهى السول في علم الأصول، وتنبيه الفهوم على مدارك العلوم، وشرح تنفيح القرافي، وكليات في المنطق وشرحها، وجزء في الجدول وشرحه، ورسالة في الرد على مسائل مختلفة فقهية ونجومية. وله الرد على من يقول أن وقتاً يعلم بوقوع قرص الشمس على بصر القائم مقابلاً لها وبين أنه لا يصح في بلد دون بلد ولا زمن دون زمن، وكليات في العربية، والروض المريع في صناعة البديع، ومراسم الطريقة في علم الحقيقة وشرحه تأليفان لم يسبق بمثلهما، وعواطف المعارف، وكتاب عمل الفرائض، وكتاب الفصول في الفرائض، وشرح بعض مسائل الحوفي، ومقالة في الإقرار والإنكار، ومقالة أخرى في المدبر، والتلخيص في الحساب، وشرحه رفع الحجاب، ومقدمة في أوقليوس، والمقالات الأربع، والقوانين والأصول، والمقدمات، وجزء في ذوات الأسماء والمنفصلات، وجزء في العمل بالرومي والاقتضاب، ومقالة في المكاييل الشرعية، وجزء في المساحات، ومنهاج الطالب في تعديل الكواكب، والمستطيل، وتأليف في أحكام النجوم، ومقالة في علم الأسطولاب، ورسالة العمل بالصفيحة الشكارية وبالدر قالية، ورسالة في ذكر الجهات وبيان القبلة والنهي عن تغييرها، وجزء في الأنواء فيه صور الكواكب، واختصار في الفلاحة، ومقالة في الحملاء الستة بجدول، وقانون في معرفة الأوقات بالحساب، وقانون في فصول السنة، وقانون في ترحيل الشمس، ومقالة في عيوب الشعر، وقانون في معرفة الشعر، وقانون في الفرق بين الحكمة والشعر، ومقالة شرح فيها لغز عمر بن الفارض، ورسالة في ذكر العلوم الثمانية، وكتاب تسمية الحروف وخاصية وجودها في أوائل سور القرآن، ورسالة في طبائع الحروف، ورسالة في إحصاء أعداد أسماء الله الحسنى، ورسالة في الفرق بين الخوارق الثلاثة المعجزة والكرامة والسحر، وموضوع في صناعة الأوفاق، ورسالة في المناسبات، وكلام على العزائم والرقي، وكلام في عمل الطلسمات، وكلام على الزجر والفأل والكهانة، وكلام على خط الرمل.

مولده بمراكش تاسع ذي الحجة عام أربعة وخمسين. وقال ابن زكريا نقلاً عن شيخه أبي جعفر بن صفوان: وصل شيخنا ابن البنا في علم الهيئة النجوم غاية لم يلحقها أحد من أهل زمانه، مع اتصافه بطهارة الاعتقاد واعتبار السنة. قال ابن زكريا مولده عام تسعة وأربعين. توفي سنة أربعة وعشرين وسبعمائة اه.

وذكر ابن الخطيب القسنطيني أن وفاته عام إحدى وعشرين وسبعمائة. ثم رأيت في فهرست الحضرمي بخطه ما نصه: أبو العباس اثنان متقاربنان طبقة، هما من شيوخ شيوخنا، أحدهما هذا له تصانيف عديدة في غير فن، والثاني يشاركه اسماً وكنية وشهرة وطلباً وسكنى مراكش وهو القاضي أبو العباش أحمد بن محمد المالقي قاضي أغمات، توفي بمراكش عام أربعة وعشرين وسبعمائة ومولده لسبعة وأربعين وستمائة. ورأيت بخط شيخنا أبي البركات أنه رأى في بعض التقاييد أن الأستاذ أبا العباس بن البنا المراكشي توفي في سادس رجب عام أحد وعشرين وسبعمائة، فلا أدري هو هذا أو مشاركه فيما ذكر. وقيل مولده عام تسعة وثلاثين، والأول أصح. وكان أبو العباس هذا وقوراً صموتاً متواضعاً فاضلاً متفنناً في العلوم مصنفاً في أنواعها حسن الإلقاء لها. ولي تقييد في سيره وأخباره.

وثم: ابن البنا الكانب المشهور الوجيه إشبيلي وهو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن العبيدي، له مكان معروف عند لولاة إشبيلية مع براعة الكتابة وحسن الخط وجودة الضبط. توفي بسبتة خامس شوال سنة ست وأربعين وستمائة. اه كلام الحضرمي.

ولفظه ابن الخطيب القسنطيني: كان شيخ شيوخنا الشيخ الصالح أبو العباس بن البنا العددي المتوفي عام إحدى وعشرين يقصد أبا زيد الهزميري في مشكلات المسائل من هندسة وغيرها. قال: وأجد الزحام عليه، فأسمع جوابي في طرف الحلقة، وانصرف بلا سؤال. وحدثني غير واحد من الأعلام أن انتفاعه في علومه ومنزلته ديناً ودنياً إنما كان من بركة الهزميري، لأنه بلغ النهاية في دينه. وحدثني قاضي الجماعة بمراكش أبو زيد المعروف طالب عافية أنه أراد قراءة العروض عليه وشك في معرفته إياه، قال: فدخلت عليه وهو في الحلقة وأنا قلق من ذلك، فسمعته رافعاً صوته وهو يقول مثل قول العروضيين كذا، وتكلم في العروض، فعلمت أنه معي.

وحدثني القاضي أبو محمد اللوربي قال: خرج أبو عبد الله الكومي المراكشي وهو من الفضلاء المشهورين بالخير والصلاح بمراكش لزيارة الفقيه البقوري صاحب إكمال الإكمال. قال: فوجدته بين كتبه وعليه مرقعة والإعراق تقطر من جبينه من شدة الحر. ثم أخرج لي خبز شعير غير منخول وملحاً جريشاَ. ثم خرجت من عنده فتركته جالساً على التراب إذ لم يكن عنده ما يفترش ولا ما يتحفف به من فيح الحر. ثم قصدت زيارة ابن البنا بالريحانة أو قال بدرب الريحانة. فلما نقرت الباب وإذا بجارية خماسية قالت لي: من تكون؟ قلت لها: قولي الشيخ الكومي. فأعلمتنه، فأذن لي بالدخول عنده. فوجدته في قبة رياضة التي أحدثها بمراكش عليه ثوب كتان من عمل تونس، وفي القبة مخايد وعليها حجاب حسن، فسلمت عليه، وجلست. فأشار للخادم فأتى بأنية سكر وأخرى بطيخ. فقال لي: ادن. فقلت في نفسه: سبحان الله، كيف تركت البقوري وكيف وجدت هذا؟ فقال لي: اسكت ودع الفضول، لو كان البقوري في مقامي هذا وأنا في مقامه لاختل حال كل واحد منا—وحدثني بهذه الحكاية شيخنا أبو العباس الشماع المراكشي اه ملخصاً

وذكر ابن الأحمر أنه توفي سنة إحدى وعشرين. ومن نظمه كما ذكره أبو عبد الله الحضرمي عن شيوخه عنه قوله:

قصدت إلى الوجازة في كلامي * لعلمي بالصواب في الاختصار
ولم أحذر فهو ما دون فهمي * ولكن خفت إزراء الكبار
فشأن فحولة العلماء شأني * وشأن البسط تعليم الصغار

فائدة: قال بعض المغربيين القراءة: تصحيح المتن وتبيين ما أشكل وتتميم ما نقص وما زاد عليه فضرره على المتعلم أكثر من نفعه اه. من الفهرست الحضرمية

ورأيت في بعض التقاييد أن من كرامات صاحب الترجمة أن خديمه عدا عليه شرطي فضربه فقتله. فلما رأى ذلك عمل ما عمل من هندسته فإذا بالشرطي مصروعاً وقتيلاً، وأخرجا معاً في ساعة واحدة. وقد بلغ الغاية في دينه ودنياه النهاية رحمه الله تعالى. ومن تآليفه غيرما تقدم مختصر الإحياء للغزالي، وأخبرنا به صاحبنا الحاج الفرضي أحمد بن أبي العافية المكناسي قاضي سلا حفظه الله تعالى. وله تأليف في الحساب وغيره.

أحمد بن محمد بن ميمون المالقي يعرف بابن السكان. قال العبدري في رحلته: صاحبنا أبو العباس ممن يعجب فهمه وذكاؤه ويبهر فضله وحياؤه مجرياً على غاية من كمل ومؤزراً في حليته العلم والعمل، عذبت أخلاقه وفاضت زللاً واستقامت أحواله، فكان اعتدالاً وفاضت أنامله كالمزن انهمالاً، أدرك مزايا الشيوخ على فتى سنه، فما يتكلم في علم إلا قلت هذا من فنه.

ألف الانقباض فما يبسطه إلا يده، وصحب قصر الأمل فما يؤمل غده. له اعتناء بتصحيح الرواية وإغياء في تنقيح الدراية. سمع متن الشيوخ واتسعت روايته. له تآليف تشوق ومؤلفات توق، منها إكمال ذيل أبي بكر بن فتحون على الاستيعاب لابن عبد البراعتني به اعتناء تاماً ولم يكمل إلى الآن، وكتاب الإطلاع على ما يلزم في رفع الأيدي في الصلاة من الاتباع، وبرنامج جمعه لشيخه أبي بكر بن حبيش.

وكان ابن حبيش هذا آية في التواضع وجمول وفرط الانقباض مع براعته في الفنون وإجادته في النظم والنثر واتساع الرواية. فحدثني صاحبنا أبو عبد الله بن هريرة أنه إن عرف موضعه انتقل عنه لموضع آخر لا يعرف به. وخمس على الشقراطسية بثلاث تخميسات. ولما قرأها عليه صاحبنا المذكور خططه في ذكره بما ينبغي، ثم دفعها إليه ليكتب له عليها. قال لي: فأدخلها في الدار وقال: لا تستبطأني. ثم خرج، وقد بشر كلما خططت به من مدائحه في الموضع المبشور، وكذا بشر كلما خططه به والده، إلا الشيخ الكتاب، فإنه أبقاهما. قال لي: نعم كان شيخنا مسنا، وكان يكتب، وهذا نهاية التواضع اه.

أحمد ابن محمد بن علي التجيبي شهر بابن القراف السبتي أبو العباس. قال أبو عبد الله الحضرمي: شيخنا الفقيه الحاج الكاتب الأديب الحافظ الصدر كان أحد وجوه الأدباء القدماء، كثير النظم في النبويات وغيرها. كتب عن أمراء الأندلس والمغرب، واستظهر بالقاهرة المعزية موطأ الإمام مالك حفظاً من صدره عن ظهر قلب. فاحتفل له شيوخ المالكية وضربوا الطبول والبوقات على رأسه إشادة وتنويهاً. وتوفي أوائل رمضان بفاس عام خمسة وعشرين وسبعمائة.

أحمد بن حمد بن سيعد بن محمد بن علي بن مالك بن أبي عبد الله المعافري الغرناطي أبو جعفر. قال الحضرمي: شيخنا الفقيه الجليل القاضي الأعدل الأنزه الأعرف الحسيب النحوي المتفنن الفاضل المعظم كان ذا فضل ودين ووقار وسلامة، صدر حسن الأخلاق لين الجانب فاضل الطبع بارع الكتب مدركاً فيه إدراكاً حسناً على هدي صالح وسمت حسن. لقي جماعة من الفضلاء، وأجازوه، وخلقاً من الشرق والغرب. وبرع في علم النحو وغلب عليه. وله حظ في الرواية. مولده بغرناكة في رمضان عام أربعة وستين وستمائة. وصلى عليه أبو القاسم بن جزي.

أحمد بن محمد الزواوي. قال ابن خلدون في التأريخ الكبير: هو شيخ القراء بالمغرب. أخذ العلم والعربية عن مسيخة فاس، وروى عن ابن رشيد. وكان إماماً في القراآت لا يجارى. وله صوت من مزامير آل داود اه.

أحمد بن شعيب الفاسي. قال ابن خلدون: برع في اللسان والأدب والعلوم العقلية من فلسفة وتعاليم وطب وغيرها. وله شعر يسابق به فحول المتقدمين والمتأخرين. وله الإمامة في نقد الشعر.

أحمد بن عبد الله البوشي المالكي. كان حافظاً لفروع المذهب. أخذ عنه إبراهيم بن يخلف التنسي والعلامة الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق—هكذا ذكره البدر القرافي.

قلت: قوله أخذ عنه إبراهيم بن يخلف التنسي غير صحيح، وصوابه والله أعلم أن يقول أخذ عن إبراهيم بن يخلف، والله أعلم.

أحمد بن محمد بن حزب الله الخزرجي العبادي السعدي، من بيت علم بفاس وإصالة أصلهم من الأندلس. كان فقيهاً خطيباً مدرساً مقرئاً. توفي شهيداً في وقعة طريف سنة إحدى وأربعين وسبعمائة—صح من خط صاحبنا محمد بن بعقوب الأديب حفظه الله تعالى ورحمه.

أحمد بن عتيق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يوسف بن خيرون الأزدي، المعروف بالشاطبي الغرناطي قاضي برجة. كان يقظاً صدراً في صنفه من شيوخ الطلبة وقدماء القضاة ضابطاً للشروط عارفاً بالوثائق بصيراً بعللها وأحكامها إماماً متقدماً فيها حافظاً للنوازل فقيهاً مشاوراً مليح الطلب حسن الهيئة جميل الأبهة ذا حظ بارع، يقرض الشعر ويذكر نبذاً من التأريخ. توفي ببرجة بعد صرفه عن القضاء عن سن يقارب التسعين أو يزيد عليها، سادس وعشرين من ربيع الأول عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة.

قال الحضرمي: أنشدني عن الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، قال: أنشدني المدعو الحميد لنفسه:

إذا ما شئت أن تدعى حكيماً * وتلحق بالرجال ذوي الكمال
فلا تغبط بني الدنيا بشيء * ولا تخطر لك الدينا ببال

ويقرب من هذا قول الرئيس أبي عثمان بن حكم المريني:

إذا ما شئت أن تحيا * حياة حلوة المحيا
فلا تغضب ولا تحسد * ولا تأسف على الدنيا

وقول بعض الفضلاء:

إذا ما شئت أن تدعى حكيمخاً * رفيع القدر ذا نفس كريمه
فلا تشفع إلى رجل وجيه * ولا تشهد ولا تحضر وليمه، اه.

أحمد بن محمد بن أحمد الرعيني، يعرف بنسبه أبو جعفر من أهل الفضل والطرف عارفاً بالعربية مشاركاً في الفقه متدرباً في الأحكام. قرأ على أبي الحسن القيجاطي وابن الفخار. تولى القضاء. ولد سنة إحدى وسبعمائة، وتوفي سنة أربع وأربعين.

أحمد بن عمران البجائي اليانوي، الإمام العلامة المحقق، أخذ عن ناصر الدين المشذالي، وشرح ابن الحاجب في ثلاثة أسفار. وذكر الإمام الشاطبي عن شيخه منصور الزواوي أن صاحب الترحمة دخل تلمسان تاجراً، وأتى مجلس أبي زيد ابن الإمام في زي التاجر فجلس حيث انتهى به المجلس. فإذا هم يتكلمون في قول ابن الحاجب في حد العلم: صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض. فلما أتموا بحثهم صاحب الترحمة قال: يا سيدنا هذا الحد غير مانع لانتقاضه بالفصل والخاصة. فقال له أبوزيد: عرفنا من أنت. فقال: صاحبكم أحمد بن عمران. فقال: نشتغل بضيافتكم. ثم نجيبك، فأكرمه. ثم سأله عن حاجته وسبب قدومه، فأخبره أنه قدم تاجراً. فأخبر به أبو زيد سلطان تلمسان حينئذ أبا تاشفين وعظمه له، فرفع عنه السلطان مغارم وظائف السلع، وأعطاه مع ذلك مائتي دينار ذهباً. ثم قال له أبو زيد: إن خفت عليك أن تسلم على أخي فعلت، فلي دعوته. وأتى معه إلى أخيه أبي موسى. فلما رآه قال له: سمعنا عنك أوردت سؤالاً على الأخ ارتفع بسببه شأنك، وحظي عند السلطان مكانك، فاذكره علينا حتى نتكلم فقرره بين يديه. فقال له: يا فقيه إنما قال ابن الحاجب توجب تمييزاً، والفصل والخاصة إنما يوجب تميزاً لا تمييزاً، فهذا جوابك اه.

أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليفرني المكناسي أخو الشيخ أبي الحسن الطنخي شيخ السطي، كان صاحب الترجمة من الفقهاء والأساتيذ. وأخذ عن الأستاذ أبي عبد الله محمد بن قاسم ابن محمد الأنصاري المالقي نزيل مكناسة. ورحل إليه الناس من فاس للأخذ عنه. فلما رجع صار يدعي بالمكناسي. روى عن ابن الزبير وابن سليمان الوادآشي وابن هاني وابن رشيد وأبي يعقوب الباذشي. وتوفي بفاس سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.

أحمد بن العباس النقارسي. قال الشيخ خالد البلوي في رحلته: هو الشيخ الققيه العالم، كان حافظاً مجيداً وحافلاً مجيداً وناقلاً سديداً وناقداً شديداً وعارفاً مديداً مدرساً مفيداً. له طبع حل فيه الذكاء والنبل، وقل من كرمه الطل والوبل. رحل من بلد تلمسان قبل الحصار وتلافي ريحها بالإعصار، فدخل تونس مشمراً عن الجد وقائداً بالجد، فطلع في آفاقها كوكباً وسار في ساحاتها كبكباً، ولم يزل يفحص عن الكمال ويستسقي من عذبة مناهلها الزلال حتى بلغ المنتهى وخول ما اشتهى. فهو الآن أحد مدرسيها الإمام وأوحد من برع في علمي البيان والكلام، وأوجد الناس للدر، إذا خاض بحر العلوم بسوابح الأقلام أديب العصر ونحويه وبيانيه وحكيمه ومنطقيه، والعروض إلى الإحاطة بالتفسير والحديث مع المطالعة والمذاكرة في القديم والحديث، وكذا القروع والأصول. لم ير عيني قط شرقاً ولا غرباً أسرع منه نسخاً، وكتباً ولا أقرأ منه لكل خط ما عسى أن يكون صعباً من جودة خطه وصحة نقله وضبطه. قرأت عليه تأليفه المسى الروض الأريض في علم القريض، وتأليفه في الأدب، وحديقة الناظر في تلخيص المثل السائر في البيان، وشرح المصباح لابن مالك، وإيضاح السبيل إلى القصد الجليل في علم الخليل شرح على عروض ابن الحاجب. وله تآليف غيرها عرف قدرها واشتهر ذكرها، وسارت مسيرة الشمس في كل بلدة، وهبت هبوب الريح في البر والبحر. أخذ عن الإمامين الأحدين ناصر الدين المشذالي وابن راشد القفصي. اه ملخصاً.

قلت: سيأتي في ترجمة أبي العباس النقاوسي شيخ عبد الرحمن الثعالبي، وهو غير هذا، فتحققه.

أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسي، نزيل سلا الولي الزاهد المشهور صاحب الكرامات والمناقب والأحوال الباهرة حتى قال ابن عرفة ما أدركت مبرزاً في زماننا هذا إلا أبا الحسن المنتصر وأحمد بن عاشر نزيل سلا اه.

قال الشيخ ابن صعد في النجم الثاقب كان أحد الأولياء الأبدال معدوداً في كبار العلماء مشهوراً بإجابة الدعاء معروفاً بالكرامات مقدماً في صدر الزهاد منقطعاً عن الدنيا وأهلها ولو كانوا من صالحي العباد ملازماً للقبور في الخلا المتصل ببحر مدينة سلا منفرداً عن الخلق لا يفكر في أمر الرزق له أخبار جليلة وكرامات عجيبة مشهورة ممن جمع له العلم والعمل وألقي عليه القبول من الخلق شديد الهيبة عظيم الوقار كثير الخشية طيول التفكر والاعتبار قصده السلطان أبو عنان وارتحل عام سبعة وخمسين فوقف ببابه طويلاً فلم يأذن له وانصرف وقد امتلأ قلبه من حبه وإجلاله ثم عاد للوقوف ببابه مراراً فما وصل إليه فبعث له بعض أولاده بكتاب كتبه إليه يستعطفه لزيارته ورؤيته فأجابه بما قطع رجاءه منه وأيس من لقائه واشتد حزنه وقال هذا ولي من أوياء الله حجبه الله عنا وذكره العلامة أبو عبد الله بن الخطيب السلماني في نفاضة الجراب فقال ولقيت من أولياء الله سبلاً الولي الزاهد الكبير المنقطع العزيز فراراً عن زهرة الدنيا وهرباً عنها وأفقا في الورع وشهرة بالكشف وإجابة الدعوة وظهور الكرامة أبو العباس بن عاشر يسر الله لقاءه على تعذره لصعوبة تأتيه وكثرة هيبته قاعداً بين القبور في الخلاء رث الهيئة مطرق اللحظ كثير الصمت مفرط الانقباض والعزلة قد فر من أهل الدنيا وتكارحهم فهو شديد الاشمئزاز من قاصده مجد الوثبة من طارقه اه ملخصاً.

قال الشيخ ابن الخطيب القسنطيني في رحلته: وكان ابن عاشر رحمه الله فريد في الورع ميسراً عليه في ذلك أتم تيسير محفوظ من كل ما فيه شبهة كثير النفور من الناس وخصوصاً أصحاب الولاية في الأعمال وخرجت على يده تلاميذ نجباء أخيار وطريقه أنه جعل إحياء علوم الدين بين عينيه واتبع ما فيه بجد واجتهاد وصدق وانقياد وكان لحجة في ذلك الطريق وأول اجتماعي به نفر مني فحبسته بيدي وهززته فتبسم ووقف معي وسألني ودعا لي وطلبته فيما يطعمني فاعتذر لي بالإقلال ثم قال امهل ودخل فأخرج لي حبات تين يابسة في يده اليمنى وغطاها باليسرى ودفعها لي وضحك معي وعجب الحاضرون من انشراحه معي إذ لا ينبسط إلى أحد وحصل لي بذلك فخر لا يدري قدره إلا من حاول معضه معه وقصدني كثير من الخواص لسؤال ما وقع لي معه وقد حاول ملك المغرب ارتحل إليه عام سبع وخمسين وسبعمائة على لقائه فلم يقدر عليه بوجه وحجبه الله تعالى حتى تبعه يوم الجمعة من الجامع الأعظم على قدمه والناس ينظرونه وهو لم يره فرجع عنه ولم يكن قوته ألا من نسخ عمدة الأحكام في الحديث وكيف يبيعها ولمن يبيعها ولا يأخذ إلا قيمتها ولم تزل حالته وبركته في زيادة إلى أن توفي سنة خمس وستين وسبعمائة وسأله بعض الأخيار بمحضري عن الفرق بين مكاشفة المسلم ومكاشفة النصراني لوقوع ذلك من بعضهم فقال له المسلم الذي له هذه الدرجة يبري من العاهة والنصراني لاثم قال وهل يبرئ الفقير من العاهة؟ فقال له نعم ثم نظر يميناً وشمالاً ليجد صاحب عاهة فيأتي بالعيان فلم يجد أحداً وكأنه اغتاط لهذا السؤال ثم أخرج يده وقال يأتي لمن يقعد عن الحركة فيحبسه بيده ويقيمه وقد ذهب ألمه بعد أن حنى إلى الأرض في الصفة اه.

وقال في وفياته لقيت بسلا الفقيه الولي ابن عاشر وهو على أتم حال في الورع والفرار من الأمراء والتمسك بالسنة أه

وممن انتفع به الولي القطب أبو عبد الله بن عباد اآتي في حرف الميم

فائدة: قال ابن عباد في رسائله كتن قدماً خرجت يوم مولده صلى الله عليه وسلم صائماً إلى ساحل البحر فوجدت هناك السيد احاج ابن عاشر رحمه الله وجماعة من أصحابه معهم طعام يأكلونه فأرادوا منه الأكل فقلت: إني صائم فنظر إلى السيد احاج نظرة منكرة وقال لي هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم كالعيد فتاملت مقالته فوجدته حقاً وكأنه أيقظني من النوم. اه.

أحمد بن محمد بن إبراهيم الأوسي الجنان المكناسي أبو جعفر. قال ابن الخطيب السلماني في نفاضته: كان فقيهاً عدلاً أديباً أخبارياً، مشاركاً من أهل الطرف والانطباع والفضيلة، كاتب عاقد ناشد مشاركاً في فنون من العلم. له تصنيف حسن في ثلاثة أسفار سماه المنهل المورود في شرح المقصد المحمود، شرح فيه وثائق أبي القاسم الجزيري، فأربى على الإجادة بياناً وإفادة وناولني إياه وأذن لي في حمله عنه. وأنشدني كثيراً من شعره فمن ذلك ما صدر به رسالة يهنئ بها ناقها من مرض:

البس الضحة براداً قشيباً * وأرشف النعمة ثغراً شنيباً
وأقطف الآمال زهراً نضيراً * وأعطف الإقبال غصناً رطيباً
إن يكن ساءك وعك تقضي * تجد الأجر عظيماً رحيباً
فانتعش دهرك ذا في سرور * يصبح الحاسد منه كئيباً.

انتهى—من الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون لابن غازي.

أحمد بن إدريس البجاني الإمام العلامة الصالح المحقق كبير علماء بجاية في وقته. كان ورعاً زاهداً جليلاً إماماً علامة بارعاً. أخذ عنه أبو زيد عبد الرحمن الوعليسي وأضرابه. ذكره ابن فرحون في الأصل وأثنى عليه كثيراً. وإنه توفي بعد الستين وسبعمائة، وإن له تعليقاً على البيوع من مختصر ابن الحاجب. اه.

قلت: بل له شرح ابن الحاجب نقل عنه الناس كالشيخ أبي العباس القلشاني في شرحه، والإمام محمد بن بلقاسم المشذالي في اختصاره لمختصر ابن عرفة، والعلامة أحمد ابن زاغو التلمساني وغيرهم. وأخذ عنه يحيى الرهوني وابن خلدون. ونقل عنه ابن عرفة، وسماه الفقيه الصالح. وذكر الشيخ عيسى ابن سلامة اليشكري في منافعه أن ثقة حدثه أن الشيخ الإمام العالم الورع أحمد بن إدريس مر بمصاب ومعه بعض الطلبة، فقرأ في أذنه فأفاق فقال له: الطالب يا سيدي وماذا قرأت في أذنه؟ فقال: الفاتحة. ففي يوم آخر مر الطالب على مصاب فقرأ الفاتحة في أذنه، فتكلم الجان وقصد الطالب وقال له: هذه الفاتحة، وأين قلب ابن إدريس؟ اه.

قلت: ويشهد لهذا ما قاله الصفاقسي الشهير بابن التين في شرح البخاري. قال: الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو للطالب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار حصل الشفاء بإذن الله. فلعزة هذا النوع فزع الناس للطالب الجسماني. قال الشيخ السيوطي، ويشير إليه حديث: لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال. انتهى.

ومن فوائد صاحب الترجمة ما ذكره المسيلي وغيره عنه من نظر إلى جدي بنات نعش، وقال أيها النجم الثاقب إن كل نفس لما عليها حافظ، فمن الله علينا، ووقانا عذاب السموم، فسيكفيكم الله وهو السميع العليم، وله ما سكن في الليل والنهار، وهو السميع العليم. لم تلدغه عقرب ما بقي من عمره، وإن لدغته لم تضره. وذكر أنه جرب، فصح. اه.

أحمد بن عيسى البجائي علامتها وفقيهها وصالحها في طبقة ابن إدريس. أخذ عنه الوغليسي وأبو القاسم المشذالي وأبو الحسن المانجلاني وغيرهم. وله فتاوى. ولم أقف على وفاته وولادته.

أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان الفيني بالنون لا بالسين المالقي. قال الحضرمي: هو الفقيه الجليل الكاتب البارع الأديب البليغ المتفنن المصنف العلامة الشهير، كان متفنناً في المعارف أديباً شاعراً كاتباً بليغاً ناظماً ناثراً راسخاً في العدد والفرائض جيد الحظ فصيح اللسان والقلم بارع الكتابة حسن الإلقاء ناقداً بصيراً نافذ الذهن مدركاً للحقائق آخذاً في المسائل جيد النظم مليح المجالسة جميل المشاركة فاضلاً. توفي بمالقة في أواخر جمادي الأخيرة عام ثلاثة وستين وسبعمائة عن نحو تسعين سنة أو أزيد. اه.

أحمد علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأديب المتفنن الأنصاري أبو جعفر يعرف بابن خاتمة. قال الحضرمي صاحبنا: الفقيه الجليل الفاضل كان فاضلاً أستاذاً أديباً بارعاً كاتباً بليغاً صدراً حافلاً طيباً ماجداً فاضلاً علدلاً بارعاً ناظماً ناثراً شاعراً بليغاً أديباً كاتباً مجيداً محصلاً متفنناً، تصدر للإقراء بالجامع الأعظم بالمرية، وعقد مجلساً للجمهور. وقيد الكثير وصنف طيباً طباً للأمور حسن الإلقاء طلق الوجه باراً بإخوانه وأصحابه هشاشاً. أخذ عن جماعة. وتوفي سابع شعبان عام سبعين وسبعمائة عن نحو ستين عاماً. اه.

قال ابن الخطيب في الإحاطة: كان صدراً مشاراً إليه متفنناً مشاركاً قوي الذهن والإدراك سديد النظر موفور الأدوات كثير الاجتهاد معين الطبع جيد القريحة بارع الخط ممتع المجلس جميل العشرة حسن الخلق من حسنات الأندلس طبقة في النظم النثر بعيد المرقي في درجة الاجتهاد عقد الشروط، قعد للإقراء ببلده مشكور السيرة حميد الطريقة. ما زال معارفه تنقسم آفادها وتحوز خصال السبق جيادها. أخذ عن مولى النعمة على أهل بلده الخطيب أبي الحسن بن أبي العيش لازمه وانتفع به، والخطيب الصالح أبي إسحق بن أبي العاصي، وشيخنا أبي البركات ابن الحاج سمع منه كثيراً وأجازه إجازة عامة، والرحلة المحدث ابن جابر الوادآشي، والقاضي أبي جعفر ابن فركون. وله نظم كثير ومنه قوله:

ملاك الأمر تقوى الله فاجعل * تقاه عدة لصلاح أمرك
وبادر نحو طاعته بعزم * فما ندري متى يمضي بعمرك

وحضر مرة مع شيخه أبي البركات طعاماً فدعى الشيخ للأكل فاعتذر بالصوم فلما فرغوا أنشد صاحب الترجمة:

دعونا الخطيب أبا البركات * لأكل طعام الوزير الأجل
وقد ضمنا في نداه جنان * به احتفل الحسن حتى كمل
فأعرض عنا لعذر الصيام * وما كل عذر له مقتبل
فإن الجنان محل الجزا * وليس الجنان محل العمل

فلما فرغ من إنشادها قال الشيخ لو أنشدتنيها وأنتم لم تفرغوا لأكلت معكم لهذه لأبيات، والحوالة في ذلك على الله تعالى. اه ملخصاً.

قلت: من تأليفه تأريخ المدينة وجزء سماه إلحاق العقل بالحس في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس وغيرهما.

أحمد ابن قاسم بن عبد الرحمن شهر بالقباب، الإمام الحافظ العلامة الصالح الزاهد، أحد محققي المتأخرين من الحفاظ المشهورين بالدين والصلاح، والتقدم في العلوم. تولى الفتيا بفاس، وله فتاوى مشهورة مجموعة وقفت عليها. وهو أول من نقل الونشريسي عنه في المعيار، ذكره في الإحاطة، ولم يوفه حقه. فقال: من صدور عدول فاس فقيه نبيه جيد النظر سديد الفهم ولي قضاء جبل الفتح متصفاً بجزالة. ودخل غرناكة عام اثنين وستين موجهاً من قبل السلطان أبي القاسم. ثم رفض التمعش من الشهادة وتنسك على عادة الفضلاء. اه.

وعلى هذا القدر اقتصر في الديباج. وقال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه الحافظ الصالح المفتي الحاج أبو العباس، وحضرت مجلسه في الحديث والفقه وأصول الدين. وتوفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة—هكذا في رحلته. وزاد في وفياته: شيخنا الفقيه المحقق، له شرح حسن على قواعد عياض، وشرح بيوع ابن جماعة. لازمت درسه بفاس في الحديث والفقه والأصلين. اه.

أخذ عن الحافظ السطي وأبي الحسي بن فرحون المدني والقاضي الفشتالي، وعنه الإمام الشاطي والصالح عمر الرجراجي وغيرهم. وذكر صاحب المنهل في مناقب الأربعين الصلحاء من الطبقة الثانية، فقال: الإمام العالم العامل ذو العقل الكامل والطبع الفاضل التائب المتقي، ثم الفقيه المفتي نخبة الأقارن والأتراب، الحاج المبرور أحمد القباب، ممن عرف بالدين والفضل، وعد في طبقة العلماء العاملين حسنت توبته وبانت فضيلته. رحل وحج، ولقي فضلاء أهل العلم والفضل والصلاح وانتفع بهم. سيرته سيرة أكابر متقدمي الفضلاء من الدؤب على العلم وقراءة وتكسب الطيب مع التقشف وترك الدينا والتواضع للخاصة والعامة، مع خفض جناح الرحمة للضعفاء. لقي سيدي أحمد بن عاشر وأماثاله وتبرك بهم، وما زال على حالته. اه.

ومن تآليفه اختصار أحكام النظر لابن القطان أسقط فيه الدلائل والاحتجاج، وشرحه على قواعد في غاية الاتقان. وله مباحث مشهورة مع الإمام الشاطبي في مسألة مراعاة الخلاف في المذهب أحسن فيها غاية. ونقل عنه البرزلي في ديوانه ووصفه بالعلم والصلاح. ويذكر أنه لما حج اجتمع في تونس بابن عرفة فأوقفه ابن عرفة على ما كتب من مختصره الفقهي وقد شرع في تأليفه، فقال له صاحب الترحمة: ما صنعت شيئاً. فقال له ابن عرفة: ولمَ؟ قال: لأنه لا يفهمه المبتدئ ولا يحتاج إليه المنتهي. فتغير وجه الشيخ ابن عرفة، ثم ألقى على صاحب الترجمة مسائل، فأجابه عنها. ويقال أن كلامه هذا هو الحامل لابن عرفة على أن بسط العبارة في أواخر المختصر ولين الاختصار، والله أعلم. وتقدم في ترحمة الإمام الشاطبي من نقل عنه أنه كان يقول: إن ابن بشير والن شاس وابن الحاجب أفسدوا الفقه، وإنما يأمر أصحابه بالتحامي عنهم.

قلت: وكأنه يعني بذلك—والله أعلم—أن الأخيرين أدخلا جملة مسائل من وجيز الغزالي في المذهب مع أنها مخالفة له، كما نبه عليه الناس. والأول بنى فروعاً على قواعد أصولية وأدخلها في المذهب مع مخالفته لها، كما نبه عليه في الديباج في ترحمته. وبالجملة فالقباب من أكابر علماء المذهب حفظاً وتحقيقاً وتقدماً وجلالة. ووقع بينه وبين الإمام سعيد العقباني مناظرة بل مناظرات ومراجعات في مسائل، جمعها العقباني وسماها لباب اللباب في مناظرة القباب.

أحمد بن أحمد بن أحمد الغبريني أبو القاسم التونسه، فقيهاً ومفتيها أخذ عن ابن عبد السلام وطبقته، وتولى الفتيا بتونس. قال البرزلي: هو شيخنا الفقيه الراوية المفتي الصالح المسن أبو القاسم. قال تلميذه أبو الطيب بن علوان: شيخنا الإمام العلامة المشاور الثبت الراوية المدرس المفتي الخطيب ذو الخطط الشرعية والعلوم النقلية. اه.

وأخذ عنه جماعة من علماء تونس كالقاضي أبي مهدي عيسى الغبريني، وأبي عبد الله القلشاني. وصاحب الترجمة ولد أبي العباس الغبريني ابن عنوان الدراية وقاضي بجاية. توفي بعد سبعين وسبعمائة. أخوه شقيقه:

أحمد بن أحمد بن أحمد أبو سعيد الغبريني. قال ابن علوان: هو شيخنا الفقيه الرئيس الإمام الخطيب الموقر المشاور المسند المحدث بقية المشائخ. اه. ولم يذكر وفاته.

أحمد ابن محمد الزناتي، عرف بالحصار. توفي سنة تسع وتسعين وسبعمائة.

أحمد بن محمد بن رشيد الفهري، توفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة.

أحمد بن الحسن بن سعيد المديوني، جد الحفيد الإمام ابن مرزوق لأمه. قال هو: جدي هذا قاضي تلمسان فقيهاً محدثاً صالحاً قاضياً علدلاً، أجازه أبو جعفر بن الزبير، ولقي أبا حيان والجلال القزويني وغير واحد من الأكابر، وكان معمراً. توفي سنة ثمان وستين وسبعمائة. اه. وقال غيره: نشأ بتلمسان وأخذ عن أبني الإمام. استعمله أبو الحسن المريني في الزكوات وسماع الشكاة، إلى أن ولي قضاء تلمسان في زمن أبي عنان، واستمر عليه إلى أن توفي.

أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري، ولد سنة تسع وسبعمائة واشتغل كثيراً ومهر في العربية وشارك في الفقه انتفع به أهل مكة وكان حسن الأخلاق مواظباً على العبادة مات في المحرم عام ثمانية وثمانين وسبعمائة وقد جاوز السبعين صح من الدرر الكامنة لابن حجر زاد السيوطي في طبقاته سافر إلى المغرب ولقي جماعة وانتصب للإقاء في العربية والعروض وكان بارعاً ثقة ثبتاً له تآليف ونظم كثير سمع من عثمان بن الصفي وهو جد شيخننا قاضي القضاة نحوي مكة عبد القادر ابن أبي القاسم مولد سنة سبع وسبعمائة. اه.

أحمد بن محمد الخزرجي ئهر بابن لاشماع المراكشي، نزيل فاس. قال ابن الخطيب القسنطيني: هو شيخنا ومفيدنا كان عالماً بالمنطق. اه.

قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المعمر الخطيب الصالح الأصولي المنطقي المعدل أجازني عامة. أخذ عن الإمام ابن البنا العددي وابن جابر القيس وغيرهما. اه.

أحمد بن مسعود القسنطيني، أبو العباس الشهير بابن الحاجة الإمام المقري، المتبتل المتعبد النحوي المجيد صاحب الأوقات وإمام احضرة العلية. أخذ عن ابن يدال والوادآشي وأبي العباس الزواوي الحافظ وغيرهم. وأخذ عنه البرزلي وأبو الطيب بن علوان وغيرهما.

أحمد بن محمد بن حيدرة التونسي، قاضي الجماعة بها الإمام الحافظ أحد الأوتاد بتونس، معاصراً لابن عرفة، وقع بينهما نزاع في مسائل. أخذ عن ابن عبد السلام وغيره. قال تلميذه أبو الطيب بن علوان: سيدنا الإمام العلامة قاضي الجماعة الحافظ لمذهب مالك من التبديل والتحريف فارس علم التجرح والتعديل القائم على الأحكام المحررة أبو العباس بن حيرة. اه.

قلت: وغالب ظني أنه الذي عرفه في الديباج وسماه حيدرة بن محمد وذكر أنه تولى قضاء الجماعة بتونس بعد ابن عبد السلام، فتأمله. وممن أخذ عنه أي عن صاحب القاضي أبو مهدي العبريني والحافظ البرزلي—وأكثر النقل عنه في نوازله—والقاضي أبو عبد الله القلشاني والد الأعمر وأوحد القلشانيين وغيرهم.

أحمد بن محمد بن علوان الشهير بالمصري. أحذ عن الإمام أبي العباس أحمد بن إسماعيل الأنصاري. قال ولده أبو الطيب: كان والدي ممن أعرض عن هذه الدار الدنية وعمر أوقاته بتحصيل المعية طالباً للمقامات السنية، تخلص من رق العبودية واتصف بصفات الحرية، فصار بعد ذلك من الأحرار الخلوة عن حب الدرهم والدينار، وأعظم كراماته استقماة حاله لمماته، رؤي بعد موته فسئل عن حاله، فتلا "يا ليت قومي يعلمون" الآية. توفي سابع عشر شوال سنة سبع وثمانين وسبعمائة بثغر الإسكانرية عن قريب من ستين سنة. اه.

ومن تآليفه شرح الجلاب سماه لباب اللباب، واقتطاف الأكف من الروض والأنف، واجتناء الزهر من كتاب الطرر، ومختصر المدارك لعياض وقفت عليه بخطه في سفر، واختصار كتاب أنوار القلوب من العلم الموهوب، واختصار كتاب التشوف إلى أهل التصوف وغيرها من نحو أربعين تأليفاً ذكره ولده أبو الطيب.

أحمد بن محمد بن أحمد بن الحاج الإشبيلي، ولد سنة اثنين وسبعين وسبعمائة بغرناطة، وقدم دمشق، وتولى إمامة محراب المالكية متصدراً للفتوى. سمع منه البرزلي.

أحمد اب محمد بن عبد الرحمن، شهر بالقصاري الأزدي التونسي من علمائها عاصر ابن عرفة. كان على ما قيل إماماً علامة محققاً عارفاً بالنحو وغيره متقدماً. له شرح حسن مختصر على البردة، وشرح شواهد المقرب نفيس جداً في مجلد، وقيل أن له حاشية على الكشاف. أخذ عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد وأبو العباس البسيلي وغيرهما. كان حياً بعد التسعين وسبعمائة.

أحمد بن محمد بن عطاء الله بن عوض الزبيري الإسكندري قاضي القضاة بمصر، شهر بابن التَنَسي بفتح التاء الفوقية النون بعدها ثم سين مهملة، نسبة لجده لأمه ابن التنسي، وينتهي نسبه إلى الزبير بن العوام. ولد سنة أربعين وسبعمائة. قال الحافظ ابن حجر كان عارفاً بالأحكام كثير العناية بالتجارة. ولم يكن دخل في المنصب إلا صيانة لماله. تولى قضاء الإسكندرية سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وتناوب هو وابن الربع مدة إلى أن استقر ابن التنسي في قضاء الديار المصرية رابع عشر ذي القعدة سنة أربعة وتسعين وسبعمائة. فتحول بعياله وأسبابه مباشرة بنزاهة وعفة وطهارة وسلامة الباطن وقلة الكلام، حتى كان يقال لم يسمع منه ذم أحد بقول ولا فعل من بيت رئاسة. ولي أبوه جمال الدين قضاء الإسكاندرية، كانت أيامه كالعافة والرعية في أمان على أنفسهم وأموالهم، ولم يعرف الناس قدره حتى فقد، ولم يدخل عليه في طول ولايته خلل. وبالجملة فهو من محاسن الوجود. مات ليلة الخميس أول يوم من رمضان سنة إحدى وثمانمائة. اه.

زاد السيوطي: وكان عاقلاً متودداً موسعاً عليه في المال سليم الصدر ظاهر النبل قليل الكلام لم يؤذ أحداً بقول ولا فعل، عاشر الناس بجميل فأحبوه. اه.

قال الإمام ابن مرزوق الحفيد: كان شيخننا ناصر الدين يعني صاحب الترجمة إماماً علامة محققاً فاضلاً. ولي قضاء المالكية بالقاهرة والإسكندرية. دخلت عليه يوماً منزله بالإسكندرية فوجدته ينفض كتبه من الغبار، فأخذت سفراً منها فإذا هو تفسير ابن المنير، ووافق تفسير آية الكرسي، وفيه قال شيخنا: إنما كانت هذه الآية أعظم آية لاشتمالها على سبعة عشر اسماً من أسمائه تعالى من بين ظاهر ومضمر، وكان يمتحن باستخراجها، فأكثرهم يعد ستة عشر، ولا يتمها إلا الحذاق. فذكرت ذلك لناصر الدين فعدها كلها بديهة، فقلت: أنت من الحذاق بشهادة هؤلاء، ففرح. والسابع عشر الذي يخفى على الكثير فاعل المصدر من حفظهما. اه.

قال البدر الدماميني: حضرت يوماً درس شيخنا قاضي القضاة الناصر التنسي فقرر مباحث حسنة فأنشدته بديهة فولى فيه:

أبديت ياقاضي القضاة مباحثاً * عنها تقصر سائر الأفهام
ومشرت منها في الدروس جواهراً * أمست تحير فكرة النظام
وأجاد فكرك في بحار علومه * غوصاً لأنك من بني العوام

وري بذلك لكونه من ذرية الزبير بن العوام

قال ابن حجر في أنباء الغمر: وناب عنه القاضي بدر الدين الدماميني. وشرع في شرح التسهيل، وله تعليق على شرح مختصر ابن الحاجب. وقال الحافظ السخاوي: شرح التسهيل إلى باب التصريف، وعمل تعليقاً على ابن الحاجب الفرعي، وشرح الأصل أيضاً، والكافية. وممن أخذ عنه الإمام أبو مهدي الوانوغي صاحب حاشة المدونة.

أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب بن قنفذ القسنطيني، أبو العباس الشهير بابن الخطيب وبابن قنفذ، الإمام العلامة المتفنن الرحلة القاضي الفاضل المحدث المبارك المصنف. أخذ عن جماعة كأبي علي حسن بن أبي القاسم بن باديس والإمام الأوحد الشريف أبي القاسم السبتي والإمام العلامة الشريف أبي عبد الله التلمساني والشيخ الحافظ الحجة أبي عمران موسى العبدوسي والعلامة الحافظ القباب والإمام المحدث الرحلة الخطيب ابن مرزوق الجد والإمام النظار أبي عبد الله بن عرفة والحافظ المفتي أبي محمد عبد الله الوانغيلي الضرير والشيخ أبي زيد اللجائي والإمام النحري ابن حياتي في جماعة آخرين من الأعلام. ولقي جماعة كثيرة من الأولياء وتبرك بهم كالسيد الزاهد أحمد بن عاشر وغيره. ارتحل من بلاد إفريقية عام تسعة وخمسين إلى المغرب الأقصى وبقي هناك ثمانية عشر عاماً، فحصل علوماً كثيراة واعتنى بلقاء الصالحين وجال بلادها. فلقي بها الشريف أبا القاسم السبتي وأخذ عنه. وقال في وفياته بعد الثناء عليه: وبالجملة فهو ممن يحصل الفخر بلقائه. اه.

وألف تآليف عدة في فنون، منها شرح الرسالة في أسفار، وشرح الخونجي في جزء صغير، وشرح أصلي ابن الحاجب، وشرح تلخيص ابن البنا، وشرح ألفية ابن مالك، وأنوار المتقدمين إلى مثله، وكتاب بغية الفارض من الحساب والفرائض، وتحفة الوارد في اختصاص الشرف من قبل الوالد، ووسيلة الإسلام بالنبي عليه السلام. وقال أنه من أجل الموضوعات في السير مع اختصاره وأنس الفقير وعز الحقير في ترجمة الشيخ أبي مدين وأصحابه. وروى عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد وغيره. موله في حدود الأربعين وسبعمائة. وتوفي عام عشرة وثمانمائة. ذكره النوشريسي في وفياته. ونقل عنه المازري في نوازله والقلشاني في شرح الرسالة ومن شعره:

الفقر أن فكرت فيه رأيته * قد دار بين قواعد متتاليه
فاطلبه في القرآن أو في سنة * واعقده بالإجماع واترك ماليه

وله أيضاً:

مضت ستون عاماً من وجودي * وما أمسكت عن لعب ولهو
وقد أصبحت يوم حلول إحدى * وثمانة على كسل وسهو
فكم لابن الخطيب من الخطايا * وفضل الله يشمله بعفو.

أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن عبد الله الشريف الحسني السبتي ثم الغرناطي القاضي أبو جعفر وأبو العباس، الشيخ الفقيه العالم الأبرع بن الإمام العلامة أبي القاسم الشريف شارح المقصورة. أخذ عن شيخ الشيوخ أبي سعيد فرج بن لب وغيره. وأخذ عنه الإمام أبو يحيى بن عاصم شارح التحفة. وله أخ عالم فقيه يسمى محمد أو يكنى أبا المعالي. قال صاحب الكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد: لقيت هذين الشيخين وأجازاني أولهما وأكبرهما. ذكره الوزير ابن الخطيب في شعراء الكتيبة الكامنة، وذكر له قصيدة لزومية. اه. ولم أقف على تأريخ وفاته. ووقع النقل عنه في المعيار.

أحمد بن موسى الصديقي، من متأخري المغاربة أظنه من أهل المائة التاسعة، والله أعلم.

أحمد بن محمد الهنتاتي أبو العباس، شهر بالشماع، أحد تلامذة بن عرفة. أخذ عنه الشيخ أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي. وولي قضاء محلة السلطان أبي فارس. ووقع بينه وبين الحافظ البرزلي نزاع كبير في مسألة العقوبة بالمال هل هي جائزة باق حكمها أو منسوخة، ألف كل واحد على صاحبه ووقع بينهما في ذلك هجو، عفا الله عن الجميع. ونقل عنه في المعيار. ولم أقف على وفاته.

أحمد بن العباس، شهر بالمريض، من أصحاب ابن عرفة. شرح رجز الضرير في العقائد ولم أقف له على ترجمة.

أحمد النقاوسي البجاني العلامة. قال تلميذه أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي: هو شيخنا الإمام المحقق الجامع بين علمي المنقول والمعقول، ذو الأخلاق المرضية والأحوال الصالحة السنية. اه. لا أعرف من حاله أزيد من هذا.

قلت: تقدم لنا نقاوسي آخر وهو غير هذا كما لا يخفى، والله أعلم.

أحمد بن عبد الله النحريري. كان من فقهاء المالكية، كان له اشتغال قديم. تولى قضاء طرابلس بإعاية الشمس الركراكي، وعزله منطاش مدبر المملكة. فلما عزل منطاش سعى في قضاء الإسكندرية فوليه قليلاً. ثم عاد وولي يوم الاثنين سابع عشر المحرم سنة أربع وتسعين وسبعمائة. وتوفي في رجب سنة ثلاث وثمانمائة—صح من رفع الأصر لابن حجر.

أحمد بن عبد الخالق بن علي بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات وبه اشتهر. قال ابن حجر في أنباء الغمر: اشتغل بالعلم والفقه والعربية والأصول والأدب، ومهر في القنون، ونظم الشعر، وكانت بيننا مودة. وهو القائل:

إذا شئت أن تحيا حية سعيدة * وتستحسن الأفوام منك القبائحا
تزي بزي الترك واحفظ لسانهم * وإلا فجانبهم وكن متولحا

وتوفي سصنة أربع وثمانمائة.

أحمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الفاسي المالكي الحسني، والد قاضي المالكية بمكة تقي الدين. قال في أنباء الغمر: ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وعني بالعلم، فحمد في عدة خصوصاً الأدباء. فقال: الشعر الرائق وفاق في معرفة الوثائق، ودرس وأفتى وحدث قليلاً. سمع عز الدين بن جماعة وأبا البقاء السبكي وغيرهما. وتوفي في حادي عشر شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة.

أحمد القصار الأندلسي الغرناطي أبو جعفر. أخذ عن الإمام أبو إسحق الشاطبي. قال ابن الأزرق: وكان أستاذاً محققاً، أخذ عنه شيخنا العلامة أبو إسحق بن فتوح، وحدثني أن الإمام أبا إسحق الشاطبي كان يطالعه ببعض المسائل حين تصنيفه الموافقات ويباحثه فيها، وبعد ذلك يضعها في الكتاب على عادة الفضلاء ذوي الأنصاف. اه. ولم أقف له على ترجمة.

أحمد بن محمد بن عبد الله الشهاب المغراوي. قال السخاوي في الضوء اللامع: كان عالماً بالفقه وأصوله والنحو. قال ابن قاضي شهبة: لم يتراء بمصر والشام في المالكية مثله. ووقع بينه وبين البساطي مشاجرة ومشاتمة بسبب مسألة علمية تجادلاً فيها. وكان يعارض ابن خلدون في أحكامه ويفتي عليه ويناظره. وكان العز بن جماعة يعظمه كثيراً. توفي سنة عشرين وثمانمائة، وقد قارب السبعين. اه.

أحمد بن محمد بن أحمد الشيخ شهاب الدين والد عبد القادر الآتي، وابن أخت القاضي تاج الدين بهرام، ويعرف بابن تقي بفتح الفوقية وكسر ما بعدها. نسب للقب بعض أجداده. ولد بقرية من قرى مصر، حفظ القرآن العظيم والموطأ والعمدة وابن الحاجب الأصلي والفرعي وألفية النحو والتلخيص وغيرها. وقرأ عليه الشهاب القرافي، وتفقه هو بخاله والشمس بن مكين وعبد المجيد الطرابلسي المغربي. واشتهر بقوة الحافظة وكان من نوادر القاهرة يحفظ الورقة بتمامها من مختصر ابن الحاجب مرتين أو ثلاثة تأملاً بدون درس على عادة الأذكياء، بل بلغني أنه حفظ سورة النساء في لوحتين والعمدة في ستة أيام والألفية في أسبوع. وإن السراج الأسواني أنشد قصيدة مطولة من إنشائه وكررها مرة أو مرتين فأحب صاحب الترجمة اخجاله، فقال له إنها قديمة فأنكر السراج ذلك، وبادر صاحب الترجمة وسردها وكانت نادرة.

واتفق أن بعض شيوخه سأله في عيد هل تحفظ خطبة، رجاء استنابته. فقال له: لا لكن إن كان عندك نسخة خطبة فأرنيها، حتى أمر عليها. فأخرج له خطبة في كراسة بأحاديثها ومواعظها على جاري خطب العيد. فتأملها دون ساعة، ثم خطب بها.

وتقدم في استحضار الفقه وأصوله والعربية والمعاني والمشاركة في جميعها مع الفصاحة وجودة الخط والنظر الوسط، ولم يشغل نفسه بتصنيف نعم شرع في تعليق على كل من الموطأ والبخاري. وصار من جمع المالكية خصوصاً بعد موت البساطي، بل عين في حياته للقضاء بمصر فلم يتفق له، لكن استخلفه بمرسوم السلطان حين جاور بمكة، وحج هو مرتين. وأول ما ناب عن ابن خلدون سنة أربع وثمانمائة واستمر ينوب عمن بعده ولي تدريس الشيخونية والفاضلية والقمحية وغيرها. وممن أخذ عنه الفقه محمد بن عامر.

وكان يكتب في فتاويه وغيرها ويقول في نسبه أحمد ابن أخت بهرام. ووصفه ابن حجر بأنه من فضلاء العصر ومن فوائده، كما أخبر به ولده عبد القادر أنه سئل عن جواز الاستنجاء بالتوراة والإنجيل اللذين بيد الكفار. فقال: التوراة والإنجيل الموجدان الآن بين أظهرنا صغيران مبدلان في الخط والمعنى لايجوز مطالعتهما ولا النظر فيهما، ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر بن الخطاب قطعة من التوراة فغضب صلى الله عليه وسلم وقال يا عمر لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي وأما قول من قال بجواز الاستنجاء بهما فغير سديد، فإن نفس الحروف لها حرمة. قلت: وما ذهب إليه حكي الزركشي فيه الإجماع، وسبقه إلى نحوه التقى السبكي.

ولد سنة خمس وثمانين وسبعمائة. اه من ذيل القضاة والضوء اللامع للسخاوي رحمه الله تعالى.

قلت: ومسألة النقل من التوراة والإنجيل من المسائل الواقعة بين البرهان البقاعي والحافظ السخاوي، وألفا فيها. وقد ألم بشيء الحافظ ابن حجر منها في آخر شرح البخاري والله أعلم.

أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي، الشيخ العالم المفسر أخذ عن الإمام ابن عرفة وأبي الحسن البطروني والولي بن خلدون وأبي مهدي عيسى الغبريني وغيرهم. له تقييد جليل في التفسير قيده عن ابن عرفة، فيه فوائد وزوائد ونكت. ووقع له فيه قصة وذلك أنه لما ألفه سمع بذلك الأمير الفقيه الحسين بن السلطان أبي العباس الحفصي، فراسله فيه وطلبه منه فامتنع. وماطله أياماً، ثم أرسل إليه وأمر رسله أن لا يفارقوه حتى يسلمه لهم. فلما رأى الشيخ صاحب الترحمة الجد في الأمر أخذ منه من سورة الرعد إلى الكهف ودفع لهم الباقي فمشوا به. ثم مات، ومات الأمير أيضاً، وبيع التقييد في تركته. فسافر به مشتريه إلى بلاد السودان، فبقي أهل تونس لا شعور لهم به. فلذلك كان أصل نسخه من نسخة السودان ومن هناك انتشر. وقد كان الشيخ لما طولب به اختصر منه تقييداً صغيراً جداً وهو موجود بيد الناس. ولم أقف على مولده ووفاته. وذكر في التقييد المذكور أنه أول ما حضر عند ابن عرفة عام خمس وثمانين وسبعماشة، والله أعلم.

أحمد بن عبد الله بن أبي موسى بن محمد الفيلالي، الأستاذ النحوي. أخذ عنه الأستاذ أبو عبد الله الصغير وغيره. أكثر ابن غازي من النقل عنه في تعليقته على ألفيته، وسماه شيخ شيوخنا. لم أقف على ترحمته.

أحمد بن عيسى البطوي الفقيه العدل الموثق أبو العباس التلماساني. كان حياً سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. هكذا وقع في المعيار للونشريسي. وليس والد أبي مهدي عيسى المواسي المفتي، فذلك هو:

أحمد بن محمد بن ماواس البطوي، الشيخ الفقيه الصالح أبو العباس. توفي بفاس عام اثنين وأربعين وثمانمائة. وستأتي ترجمة ولده العلامة أبي مهدي.

أحمد بن عبد الله القلشاني أبو العباس، عم أحمد شارح الرسالة، وهو الفقيه الصالح العدل الحاج الرحلة. أخذ عن أبيه عبد الله وعن ابن عرفة، ارتحل من بلدة تونس للأخذ عنه. هكذا ذكر ولد أخيه أبو العباس القلشاني شارح الرسالة. ونقل عنه في غير موضع من تآليفه. وأما شارح الرسالة فهو:

أحمد بن محمد بن عبد الله القلشاني التونسي، فقيهها وعالمها العلامة الحافظ المحقق الحجة قاضي الجماعة. أخذ عن شيخ الجماعة أبي مهدي عيسى الغبريني ووالده أبي عبد الله، بل أدرك ابن عرفة وحضر عنده. قال السخاوي وتقدم بحيث شرح ابن الحاجب والرسالة. وولي قضاء الجماعة بتونس بعد موت محمد بن عقاب، وهو تولاه بعد موت القاضي عمر أخي أبي العباس أحمد المذكور. ثم صرف بابن أخيه محمد بن عمر ولازم الإمامة بجامع الزيتونة. قال ابن عوام: توفي سنة ثلاث وستين وثمانمائة. اه.

قلت: وكان تولى قبل توليته قضاء الجماعة بتونس قضاء قسنطينة سنة اثنين وعشرين وثمانمائة، وأبوه حي، فبقي عليه زماناً طويلاً. وفي ذلك شرح ابن الحاجب، وشرحه في سبعة أسفار، وقفت عليه كله إلا سفراً منه، وهو حسن مفيد جداً، فيه أبحاث مع ابن عرفة وغيره، إلا أنه اختصر في أوائله جداً. وله أيضاً شرح المدونة.

وممن أخذ عنه الشيخ أبو الحسن القلصادي الأندلسي وذكره في رحلته. فقال شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام المفتي المدرس المصنف القاضي أبي العباس: لم أر أعرف منه بمذهب مالك ولا من يستحضر النوازل والأحكام مثله. مه تآليف في المذهب معتبرة كشرح الرسالة وابن الحادب وغيرهما. حضرت عليه بعض تفسير القرآن وجميع صحيح البخاري وبعض مسلم والرسالة والجلاب والتهذيب وابن الحاجب، وقرأته عليه مع التهذيب، وأجازني جميعها. ومن نظمه:

إذا ما اعتز ذو علم بعلم * فعلم الفقه أشرف من اعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسك * وكم طير يطير ولا كباز

انتهى ملخصاً من رحلته. قلت: والبيتان ليسا له بل لبعض القدماء، أنشدهما في كتاب الأدب للمتعلم، وهو قبل القلشاني بزمن طويل، والله أعلم.

أحمد بن محمد بن عيسى اللجائي أبو العباس، أحد فقهاء فاس في طبقة الإمام عبد الله العبدوسي. أخذ عنه الإمام محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف. ونقل عنه ابن غازي في تكميله والونشريسي في معياره.

أحمد بن أحمد بن محمد المصمودي الماجري التلمساني، الشيخ الفقيه الحاج الرحلة أبو العباس. روى بالمدينة عن الجمال الكازروني المدني الشافعي وعن أبي الفرج ابن الإمام أبي بكر العثماني. هكذا وقع في فهرست ابن غازي، وذكر أن شيخه أبا عبد الله محمد بن يحيى بن جابر الغساني أخذ عنه.اه.

أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني قاضي تلمسان والد الحفيد العقباني وولد شيخ الإسلام قاسم الآتيين. توفي سنة أربعين وثمانمائة بتلمسان.

أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الأخنائي، الإمام العالم. أقضى القضاة بمصر أبو الفضل علم الدين ابن السعد الأخنائي. ولد قبل سنة تسعين وسبعمائة، ومات مطعوناً خامس عشر رمضان سنة اثنين وأربعين وثمانمائة—صح من العنوان للبرهان البقاعي.

أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن زاغو المغرواوي التلمساني، الإمام العالم الفاضل الولي الصالح الصوفي الزاهد العلامة المحقق المتفنن القدوة المصنف الناسك العابد. أخذ عن إمام المغرب أبي عثمان سعيد العقباني وعن السيد العارف المفسر أبي يحيى الشريف وغيرهما. له تآليف، منها تفسير الفاتحة في غاية الحسن كثير الفوائد، وشرح التلمسانية في الفرائض. وله فتاوى عدة في أنواع العلوم، نقل منه جملة في المازونية والمعيار. توفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة.

وأخذ عنه جماعة كالشيخ العالم يحيى بن بدير والعالم المصنف ابن زكرياء يحيى المازوني والحافظ التنسي وابن زكري والشيخ العالم أبي الحسن القلصادي، وذكره في رحلته، فقال: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام المصنف المدرس المؤلف أعلم الناس في وقته بالتفسير وأفصحهم، فاق نظراءه وأقرانه في دلائل السبل والمسالك، ذي سبق في الحديث والأصول والمنطق. وقدم راسخة في التصوف مع الذوق السليم والفهم المستقيم. وبه يضرب المثل في الزهد والعبادة، وعند كلامه يقف الفتى في الإذكار والإرادة مقبل على الآخرة معرض عن الدنيا عار عن زخرفها، إلا ما يتخذه من ثوب حسن أو هيئة فيها جمال. أكرمه المولى بقراءة القرآن وشرفه بملازمة قراءة العلم والتصنيف والتدريس والتأليف. له نسب أشهر من الشمس في السماء، وحسب كاتساق عقد النجوم في بحر الظلماء، وخلق أندى من الزهر وأسوغ من الماء، ونزاهة الهمة العالية والمشاركة المباركة للخاصة والعامة من هذه الأمة، مع إيثار الخلوة وإجابة الدعوة. ولما رأيت نجاح دعواته وصلاح حالي بالتماس بركاته لازمته وترددت إليه فكنت أجد في مجالسته فوائد تنسي الأوطان وأرد من بحر فيضه ما يحيا به الظمآن. فسرت إلى خدمته مسرعاً، فصيرني كبعض أولاده وأنزلني منزلة أصدقائه، فقرأت عليه صحيح البخاري كله، ومن أول صحيح مسلم إلى أثناء الوصايا. ومن تآليفه مقدمة في التفسير، وتفسير الفاتحة، والتذييل عليه في ختم التفسير، ومنتهى التوضيح في عمل الفرائض، ومن الواحد الصحيح غير مرة، وشرح التلخيص لوالده، وحكم ابن عطاء الله، وشرحها لابن عباد ولطائف المنن، وتأليف أبي يحيى الشريف على المغفرة والإحياء ومختصره للبلالي، وأقية مختصر خليل لآخره، وابن الحاجب الفرعي، وبعض الأصلي. ولزمته مع الجماعة في المدرسة اليعقوبية للتفسير والحديث والفقه شتاء والأصول والعربية والبيان والحساب والفرائض والهندسة صيفاً. وفي الخميس والجمعة التصوف وتصحيح تآليفه. وأوقاته معمورة وأفعاله مرضية وسجاياه محمودة. لو لا عدائب صنعه تعالى ما ثبتت تلك الفضائل في لحم ولا عصب، ولا أعلم منه أنه كان يأمر بفعل ويخالفه اقتداء بالسلف الصالح. أنشدنا لبعضهم:

رأيت الانقاض من أجل شيء * وأدعى في الأمور إلى السلامه
فهذا الخلق سالمهم ودعهم * فخلطتهم تقود إلى الندامه
ولا تعين بشيء غير شيء * يقود إلى خلاصك في القيامه

وأنشد لبعضهم وكان يستحسنه:

أنست بوحدتي ولزمت بيتي * فدام الإنس لي ونما السرور
وأدبني زماني فما أبالي * هجرت فلا أزور ولا أزار
ولست بسائل ما دمت حياً * أسار الجند أم ركب الأخير

وأنشدني يوم جمعة:

تمتع من شميم عرار نجد * فما بعد العشية من عرار

فلم يشهد بعدها جمعة أخرى، وآخر ما قرئ عليه كتاب لطائف المنن، ويشير إلينا بأحوال تدل على موته، وكان يتأهب لذلك. وتوفي يوم الخميس وقت العصر رابع عشر ربيع الأول عام خمسة وأربعين وثمانمائة في الوباء. وصلى عليه يوم الجمعة وشهد جنازته العالم والخاص، وأسف الناس لفقده. وعمره ثلاث وستين سنة. اه ملخصاً. ومولده على هذا في حدود سنة اثنين وثمانين وسبعمائة، والله أعلم.

أحمد المنستيري التونسي. قال القلصادي في رحلته: هو الشيخ الفقيه الإمام النحوي اللغوي المقرئ. أدرك ابن عرفة، وكان لا يعتني بأهل الدنيا ولا يعظمه. وبه انتفع طلبة تونس ومن يرد عليها في النحو في زمنه. قرأت عليه المقرب والتسهيل وجمل الخونجي، وعليه الرجراجي والمقرب ومقدمة ابن بابشاد والألفية والتسهيل وأصلي ابن الحاجب وتنقيح القرافي والمعالم الفقهية. لم أر أحفظ منه لكلام ابن عصفور ولا من يستحضر نصوص متقدمي النحاة مثله.

أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الأستاذ الندرومي التلمساني، أحد تلاميذ الإمام ابن مرزوق الحفيد. رحل للقاهرة وتصدر هناك للإقراء. له اختصار شرح جمل الخونجي لشيخه ابن مرزوق. وكان حياً بعد الثلاثين وثمانمائة.

أحمد العماني أبو العباس وعرف ابن القطانية، من أهل المائة التاسعة. نقل عنه ابن ناجي في شرح المدونة.

أحمد بن محمد بن ذاقال الجزائري، بكسر الفوقانية والجيم المشددة، نسبة إلى قبيلة بالمغرب—كذا ذكره البقاعي، ويعرف بابن كحيل التونسي. أخذ النحو عن أبي الحسن المعروف بابن سمعت والمنطق والكلام عن الأبي والفقه عن القلشاني وأبي القاسم العبدوسي وأبي يوسف يعقوب الزغبي وأبي عبد الله بن مرزوق العجيسي وغيرهم. وألف في الفقه كتاباً سماه المقدمات في مجلد لطيف، وآخر في الوثائق العصرية، وفي التصوف سماه عون السائرين إلى الحق. ولد في ربيع الأول سنة اثنين وثمانمائة، وتوفي سنة تسع وستين وثمانمائة. اه من السخاوي. قال البقاعي: ولد بتونس.

أحمد بن سعيد القيحمسي المكناسي الخطيب شهر بالحباك، خطيب جامع القروبين بعد العبدوسي. كان فقيهاً متصوفاً شاعراً فصيحاً ظريفاً علامة نظم مسائل ابن جماعة في البيوع. وقال الشعر النفيس في التصوف وغيره. عزل هو والفقيه القوري القاضي الجنياري في يوم واحد. ثم طلب لإمامة جامع الأندلس، فأبى، وقال: إن كان عزلي بجرحة فلا يحل لكم تقديمي، وإن كان عن غير جرحة فقبولي من قلة الهمة. وكان يدرس بالمدرسة المتوكلية المعروفة بأبي عنان. وكان أخوه محمد بن سعيد مشهوراً بالصلاح، وكان قد تلمذ وهو صغير لسيدي سليمان الذي قال فيه ابن عباد: ما أعلم أحداً في هذا الوقت أعلم منه بمواجيد القلوب، ولم يفرقه حتى توفي. ومولده سنة أربع وثمانمائة، وتوفي في حدود سبعين وثمانمائة. فسنه نيف وستون—صح من كناشة سيدي أحمد زروق، رحمه الله.

قال ابن غازي في فهرسته: كان من آيات الله في النبل والإدراك مع حفظ وافر من الأدب، وله ذوق في التصوف. وكان صنو شيخنا القوري، نشأ معه على أشياخه المكناسيين الآتي ذكرهم في ترجمته، وأيضاً عن أخيه لأبيه وعن أخيه الشيخ الفقيه الصالح الرباني أبي عبد الله محمد بن سعيد. لازمته واستفدت منه كثيراً. ونظم بيوع ابن جماعة محررة بما وضع عليه الإمام القباب في رجز عذب بليغ، أجادته غاية قرأته عليه، وأصلح أشياء، وأجازنيه. وإنشداته وإفاداته كثيرة. ولد بمكناسة في أوائل هذا القرن، و توفي في حدود سبعين منه بفاس. اه.

قلت: والقيجميسي بفتح القاف والجيم بينهما ياء مثناة تحتية ساكنة فميم مكسورة فياء ساكنة فسين بعدها يا النسبة—هكذا قرأته بخطه.

أحمد بن يونس ابن سعيد القسنطيني، عرف بأبيه، تفقه بمحمد بن محمد بن عيسى الزيلدوي وأبي القاسم البرزلي ابن غلام الله القسنطيني وقاسم الهزميري، أخذ عن الأول الحديث والعربية والأصلين والبيان والمنطق والطب، وأخذ شرح البردة وغيرها من مؤلفها أبي عبد الله بن مرزوق الحفدي لما قدم عليهم. وأخذ عن البساطي شيئاً من العقليات. وله من المؤلفات رسالة في ترجيح ذكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها. وله أجوبة عن أسئلة وردت من صنعاء، شملها ورد المغالطات الصنعانية، وقصيدة في مدحه صلى الله عليه وسلم مطلعها:

يا أعظم الخلق عند الله منزلة * ومن عليه الثنا في سائر الكتب

ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وتوفي في شوال سنة ثمان وسبعين وثمانمائة—صح من الضوء اللامع للسخاوي.

قلت: وهو أخذ عنه السيد الشريف نور الدين السمهودي الشافعي والإمام أحمد زروق والشمس التتاني، ونقل عنه في باب الحج من شرح المختصر وغيرهم.

أحمد المرجولي. قال الشيخ أبو العباس زروق في كناشته: كان من المدرسين يقال أنه يحفظ المدونة عن ظهر قلب ويستحضر شراحها. اه.

أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي،الشيخ الفقيه الولي الصالح أبو العباس ظريف العرفين صاحب العقيدة المنظومة الآمية المشهورة. قال فيه بعض العلماء، وقد ذكر أبا زيد عبد الرحمن الثعالبي: هو نظيره علماً وعملاً. وقال الشيخ زروق: كان شيخنا أبو العباس أحمد الجزائري من أعظم العلماء اتباعاً لسنة وأكبرهم حالاً في الورع، وكان يشير علينا بأنه ينبغي لمن وسع الله عليه من الدنيا أن يظهر عليه أثر نعمة الله تعالى باستعمالها على وجه يباح، ولا يخل بالحق ولا بالحقيقة بأن يلبس أحسن لباس جنسه أو وسطه ويتخذ مرقعة إن أمكنه يجعلها عدته وأصل لباسه، فما دام غنياً عنها استغنى وإلا فهو المرجع عنده. اه.

وقد شرح الإمام السنوسي المنظومة المذكورة شرحاً حسناً، وأثنى فيه على ناظمها بالعلم والصلاح. توفي سنة أربع وثمانين وثمانمائة بعد الشريف التلمساني.

أحمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عبد الحق اليزليتني عرف بحلولو القروي. قال السخواوي ذكر تلميده أحمد بن حاتم المغربي أنه شرح مختصر خليل وجمع الجوامع لابن السبكي وتنقيح القرافي والإشارات للباجي وعقيدة الرسالة وأنه في سنة خمس وسبعين في قيد الحياة لا يقصر سنه عن الثمانين ولي قضاءس طرابلس سنين ثم عزل عنها ورجع لتونس فتولى مشيخة مدارس أعظمها المنسوبة لقائد ينيل عوضاً عن إبراهيم الأخضري وهو أحد الأئمة الحافظين لفروع المذهب. اه.

قلت: له شرحان على المختصر، كبير في ستة أسفار وقفت على أجزاء منه حسن مفيد فيه أبحاث وتحرير يعتني بنقل التوضيح وابن عبد السلام وابن عرفة ويبحث معهم وينقل الفقه المتين، وشرح آخر مختصر في سفرين. وله أيضاً شرحان على أصول السبكي، وقفت على الصغير في سفر حسن مفيد، ومختصر نوازل البرزلي في سفر. أخذ عن الحافظ البرزلي والإمام عمر القلشاني والإمام قاسم العقباني والفقيه أبي القاسم بن ناجي وغيرهم. وأخذ عنه الإمام زروق وغيره.

فائدة: لا بأس بذكرها هنا لما ذكر خليل في مختصره أنه لا يقبل شهادة عالم على مثله، جرياًعلى ما حكاه ابن عات عن الشعباني، لأنهم يتحاسدون كالضرائر، والحسود ظالم لا تقبل شهادته على من ظلمه. قال صاحب الترجمة: هذا كلام ساقط ويكفي في إبطاله تناقض بعضه لبعض لأنه أثبت لهم وصف الظلم، ومن ثبت ظلمه لا يشهد على أحد ولا تجوز روايته، لأن الظلم فسق وهو مانع من الشهادة. وذلك يناقض قوله أولاً تجوز شهادته في كل شيء ورد شهادتهم على الإطلاق لم يقل به أحد. وقد نقل هذا القول المتيطي عن الثوري ومالك بن دينار. وهذا الكلام إن أريد به من ثبت ذلك بينهم فغير مختص بهم، وإن أريد بذلك العموم فقول معارض لا دلة الشرع، وما أحسبه يصدر من عالم. ولعله وهم من النقلة وبماذا يخرج نفسه منهم لأن قائله إن كان عالماً فقد دخل في ذلك فقوله غير مقبول. وإن كان غير عالم فلا عبرة بقوله، وكيف يصح أن يقال يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. وقد قال عليه السلام: العلماء ورثة الأنبياء. وقال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء. وقال: ثم أرثنا الكتاب الذين اصطفينا الآية. وأدلة الشرع طافحة بشرف أهل العلم، فكيف ينسب هذه إلا قبوحة إليهم على الإجمال، ولم يزل الأشياخ قديماً وحديثاً ينكرون ذلك. ومنهم من يتأولها على من ثبت ذلك بينهم وهو تأويل بعيد لعدم اختصاصه بهم ولو لا أن المصنف يعني خليلاً ذكر ذلك ما كتبته، وليته لم يذكره. وفي مختصر ابن عرفة العمل على خلافه. وفي أسئلة شيخنا البرزلي كان شيخنا الغبريني ينكر هذا القول. اه.

قلت: قوله وهو تأويل بعيد لعدم اختصاصه بهم الخ. يقال لا استبعاد، فإنه وإن لم يختص بهم لكن نصوا عليه لئلا يتوهم أن قيام وصف العلم بهم يوجب أخذ قولهم. وإن ثبت تحاسدهم أخذاً بظاهر الأحاديث والآيات فنصوا على طرح شهادة من ثبت ذلك بينهم، وإن أنصفوا بالعلم دفعاً لما سبق تأمله على أنه جاء في حديث نافع عن ابن عمر مرفوعاً: يأتي على الناس زمان يحسد الفقهاء بعضهم بعضها ويغار بعضهم على بعض كتغاير التيوس بعضهم على بعض، رواه الحاكم في تأريخه والخطيب، كما في الجامع الكبير للسيوطي، وذكره أيضاً في كتاب الترغيب والترهيب في ذم الحاسد. وأما ما ذكره من حديث يحمل هذا العلم الخ، فكأنه نحا فيه منحى ابن عبد البر في حمله الحديث على الخبر، وقد رد عليه ذلك بما هو معلوم وأن الحديث إنما هو أمر أي ليحمل. وسيأتي في ترجمة القاضي الفشتالي كلام له في هذه المسألة خلاف ما قال صاحب الترجمة، إن شاء الله تعالى.

أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمساني، علامتها ومفتيها العالم الحفظ المتفنن الإمام الأصولي الفروعي المفسر الأبرع المؤلف الناظم الناثر. أخذ عن الإمام بن مرزوق والمفتي الحجة قاسم العقباني والعلامة الصالح أحمد زاغو والعالم الأعرف المفتي محمد بن العباس وغيرهم. ويذكر أنه كان في أول أمره حائكاً فدفع له شيخه ابن زاغو غزلاً ينسجه له. ثم إنه حضر عبد ابن زاغو يطلب منه غزلاً يكمل به، فوجده يدرس ويقرر قول ابن الحاجب، وخرج في الجميع قولان، فأشكل معناه على الطلبة. وعثر عليهم فهمه. فقال له ابن زكري أنا فهمته. ثم قرره أحسن ما ينبغي. فقال له الشيخ مثلك يشتغل بالعلم لا بالحياكة وكانت أم ابن زكري أيماً، فذهب إليها الشيخ ابن زاغو وحضها أن تحرض ولدها على طلب العلم. واشتغل حينئذ بالعلم، فكان منه ما كان. وله تآليف كتأليفه في مسائل القضاء، والفتيا، وبغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب، والمنظومة الكبرى في علم الكلام تنيف على ألف وخمسامائة بيت وغيرها. وله فتاوى كثيرة منقولة في المعيار وغيره. توفي في صفر سنة تسع وتسعين وثمانمائة—قاله الونشريسي في وفياته. وقال تلميده أحمد بن أطاع الله: توفي سنة تسعمائة. وأخذ عنه خلق، من ألجهم الإمام أحمد زروق والخطيب العلامة محمد بن مرزوق حفيد الحفيد والشيخ العالم ِأبو عبد الله الإمام محمد بن العباس وغيرهم. ووقع له منازعة ومشاحتة مع الإمام السنوسي في مسائل، كل يردعلى الآخر. لو لا خوف الطول لذكرنا بعضها.

أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق، الإمام العالم الفقيه المحدث الصوفي الولي الصالح الزاهد القطب الغوث العارف بالله الحاج الرحلة المشهور شرقاً وغرباً، ذو التصانيف العديدة والمناقب الحميدة والفوائد العتيدة. قد عرف بنفسه وأحواله وشيوخه في كناشته وغيرها. فقال: ولدت يوم الخميس طلوع الشمس ثامن وعشرين من المحرم سنة ست وأربعين وثمانمائة. وتوفيت أمي يوم السبت بعده، وأبي يوم الثلاثاء بعدث، كلاهما في سابعي، فبقيت بعين الله بين جدتي الفقيهة أم البنين. فكفلتني حتى بلغت العشر. وحفظت القرآن وتعلمت صناعة الخرز. ثم نقلني الله بعد بلوغي سادس عشر إلى القراءة، فقرأت الرسالة على الشيخين علي السطي وعبد الله الفخار فراءة بحث وتحقيق، والقرآن على جماعة منهم القوري والزرهوني، وكان رجلاً صالحاً، والمجاصي، والأستاذ الصغير بحرف نافع. واشتغلت بالتصوف والتوحيد. فأخذت الرسالة القدسية وعقائد الطوسي على الشيخ عبد الرحمن المجدولي، وهو من تلاميذ الأبي، وبعض التنوير على الفوري، وسمعت عليه البخاري كثيراً، وتفقهت عليه في كل أحكام عبد الحق الصغرى وجامع الترمذي. وصحبت جماعة من المباركين لا تحصى كثرة بين فقيه وفقير. اه ملخصاً.

وقال فيه الشيخ ابن غازي صاحبنا الأود الخلاصة الصفي الفقيه المحدث الفقير الصوفي البرنُسي—وبرنس بنون مضمومة بعد الراء—نسبة إلى عرب بالمغرب—انتهت فهرسته.

وقال الحافظ السخاوي: أخذ عن القوري، وكتب على حكم ابن عطاء الله وعلى القرطبية في الفقه، ونظم فصول السلمي. اه.

قلت: ومن شيوخه كما ذكره هو الشيخ الإمام عبد الرحمن الثعالبي والولي إبراهيم التازي والمشاذالي والشيخ حلولو والسراج الصغير والرصاع وأحمد بن سعيد الحباك والحافظ التنسي والإمام السنوسي وابن زكري وأبو مهدي عيسى المواسي، وبالمشرق عن جماعة كالنور السنهوري والحافظ الدميري والحافظ السخاوي والقطب أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي وولي الله الشهاب الأفشيطي في جماعة آخرين.

وأما تآليفه فكثيرة يميل فيها إلى الاختصار مع التحرير ولا يخلو شيء منها عن فوائد غزيرة وتحقيقات مفيدة سيما في التصوف، فقد انفرد بمعرفته وجودة التأليف فيه. فمنها شرحان على الرسالة، وشرح إرشاد ابن عسكر، وشرح مختصر خليل رأيت مواضع منه بخطه من الأنكحة والبيوع وغيرها، وشرح الوغليسية، وشرح القرطبية، وشرح الغافقية، وشرح العقيدة القدسية للغزالن، ونيف وعشرون شرحاً على الحكم وقفت على الخامس عشر والسابع عشر منها. وأخبرنا والدي رحمه الله تعالى أن بعض المكيين أخبره أن له عليها أربعاً وعشرين شرحاً، وشرحان على حزب البحر، وشرح الحزب الكبير لأبي الحسن الشاذلي، وشرح مشكلاته، وشرح الحقائق والدقائق للمقري، وشرح قطع الششتري، وشرح الأسماء الحسنى، وشرح المراصد في التصوف لشيخه ابن عقبة، والنصيحة الكافية لما خصه الله بالعافية، ومختصره وإعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين، وكتاب القواعد في التصوف، وهذه الثلاثة في غاية النبل والحسن سيما الأخير لا نظير. له كتاب النصح الأنفع والجنة للمعتصم من البدع بالسنة، وكتاب عدة المريد الصادق من أسباب المقت في بيان الطريق، وذكر حوادث الوقت كتاب جليل فيه مائة فصل بين فيه البدع التي يفعلها فقراء الصوفية. وله تعليق لطيف على البخاري قدر عشرين كراساً اقتصر فيه على ضبط الألفاظ وتفسيرها، وجزء صغير في علم الحديث. وله رسائل كثيرة لأصحابه مشتملة على حكم ومواعظ وآداب ولطائف التصوف مع الاختصار، قل أن توجد لغيره. وبالجملة فقدره فوق ما يذكر. ومن تفرغ لذكر حاله وفوائده وحكمه ورسائله جمع منها مجلداً ولعلنا نفردها بتأليف إن يسره الله تعالى.

وهو آخر أئمة الصوفية المحققين الجامعين لعلمي الحقيقة والشريعة. له كرامات عديدة. وحج مارات. وأخذ عنه جماعة من الأئمة كالشمس اللقاني والعالم محمد بن عبد الرحمن الحطاب والزين طاهر القسنطيني وغيرهم. وقد أجاني سيدي الشيخ الصوفي أحمد بن أبي القاسم الهروي التادلي ما أجازه شيخه العريف الخروبي تلميذ زروق عنه. توفي بتكرين من عمل طرابلس في صفر عام تسعة وتسعين وثمانمائة. ووجدت منسوباً إليه من نظمه قوله:

ألا قد هجرت الخلق طراً بأسرهم * لعلي أرى محبوب قلبي مقلتي
وخلفت أصحابي وأهلي وجيرتي * ويتمت نجلي واعتزلت عشيرتي
ووجهت وجهي للذي فطر السما * وأعرضت عن أفلاكها المستنيرةِ
وعلقت قلبي بالمعالي تهمماً * وكوشفت بالتحقيق من غيرمريةِ
وقلدت سيف العز في المجمع الوغا * وصرت إمام الوقت صاحب رفعة
وملكت أرض الغرب طراباً سرها * وكل بلاد الشرق في طي قبضتي
فملكنيها بعض من كان عارفاً * وخلفني فيها بأحسن سيرتي
فأرفع قدراً ثم أخفض رتبة * لأرفع مقداراً بأرفع حكمتي
وأعزل قوماً ثم أولى سواهم * وأعلى منار البعض فوق المنصة
وأجبر مكسوراً وأشهر خاملاً * وأرفع مقداراً بأرفع همتي
وأقهر جباراً وأدحض طالماً * وأنصر مظلوماً بسلطان سطوتي
وألهمت أسراراً وأعطيت حكمة * وحزت مقامات العلا المستنيرة
أنا لمريدي جامع لشتاتة * إذا ما سطا جور الزمان بنكبة
وإن كنت في كرب وضيق ووحشة * فناد أيا زروق آت بسرعة
فكم كربة تجلي بمكنون عزنا * وكل طرفة تجنى بأفراد صحبتي

ومن كلامه رحمه الله في بعض رسائله: طفت مشارق الأرض ومغربنا في طلب الحق واستعملت جميع الأسباب المذكورة في معالجة النفس بقدر الإمكان في مرضاة الحق، فما طلبت قرب الحق بشيء الإ كان مبعدي، ولا عملت في معالجتها بشيء إلا كان لها معيناً، ولا توجهت لإرضاء الخلق إلا كان غير موف بالمقصود. ففزعت إلى اللجأ إليه عز وجل في الجميع، فخرجت بفضل ذلك علة رؤية الأسباب، ففزعت إلى الاستسلام. فخرج لي منه رؤية وجودي، وهو رأس المعلل، فطرحت نفسي بين يدي الحق سبحانه طرحاً لا يصحبه حول ولا قوة، فصح عندي أن السلامة من كل شيء بالتبرئ من كل شيء والغنيمة من كل شيء بالرجوع إلى الله في كل شيء، اعتباراً بالحكمة والقدرة وقياماً مع الطباع بشواهد الانطباع. ولما يرد منه تعالى أمراً ونهياً وخيراً وقهراً وعبودية لا تصحبها رؤية، ورؤية لا يصحبها اعتماد، واتساعاً لا يصحبه ضيق، وضيقاً لا يصحبه اتساع، ممتثلاً في ذلك قول القائل قد كنت:

أحسب أن وصلك يشترى * بنفائس الأموال والأرباح
وظننت جهلاً أن حبك هين * تفنى عليه كرائم الأرواح
حتى رأيتك تجتبي وتخص من * تختاره بلطائف الأمناح
فعلمت أنك لاتنال بحيلة * فلويت رأسي تحت طي جناح

ويذكر عن شيخه العارف بالله سيدي زيتون أنه قال فيه أنه رأس السبعة الأبذال—نفعنا الله به.

أحمد بن حاتم السطي نزيل القاهرة، أخذ بتلمسان عن جماعة كالعلامة محمد بن أحمد بن قاسم العقباني ومحمد بن الجلاب، وحضر بتونس مع إبراهيم الحضري، وقرأ بطرابلس الغرب على أحمد حلولو المغراوي وإبراهيم الباجي. مولده في جمادي الثانية سنة إحدى وخمسين وثمانمائة. اه من السخاوي.

أحمد بن يوسف بن علي البرلسي، نسبة لقرية من قرى مصر، عرف بالأقطع. ولد بالبرلس ،ننشأ بها، فقرأ على الفقيه علي المنطرح. وكان رجلاً صالحاً، وحفظ أصلي ابن الحاجب وألفية بن مالك والشدور. وأخذ عن محمد الرياحي المغربي تلميذ ابن مرزوق نزيل برلس. ثم قدم القاهرة بعد وفاته في أواخر أيام البساطي. فأخذ عن عبادة وطاهر، وتصدر في بلده وغيرها للإقراء، واتنفع به الطلبة، وتخرج به فضلاْء. قال السخاوي: وأخبرني أنه جمع كتاب الوعظ سماه نزهة النظار في المواعظ والأذكار في مجلدين، وأنه شرح مقدمة العقائد للشيخ عبد العزيز الديريني، والجرومية، وقواعد القاضي عياض لكنه لم يكمل، ومنظومة في القرائض أولها:

الحمد لله العلي ذي الكرم حمداً * يوافي مالنا من النعم.

وشرحها. ولد سنة تسع عشرة وثمانمائة.اه. قال الداودي: توفي سابع شوال سنة إحدى وتسعمائة.

أحمد بن عيسى الماواسي البطوي الفقيه أبو العباس. توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة.

أحمد بن محمدد الطرطوشي القاضي أبو العباس. توفي عام عشرة وتسمائة.

أحمد بن يحيى بن محمد ابن عبد الواحد بن علي الونشريسي،العلام العلامة حامل لواء المذهب على رأس المائة التاسعة. أخذ عن شيوخ بلده تلمسان كالإمام أبي الفضل قاسم العقباني، وولده القاضي العالم أبي سالم العقباني، وحفيد الإمام العلامة محمد بن أحمد بن قاسم العقباني، والإمام محمد بن العباس، والعالم أبي عند الله الجلاب، والعالم الخطيب الصالح ابن مرزوق الكفيف، والغرابلي، والمري وغيرهم

ثم حصلت له كائنة من جهة السلطان في أول محرم عام أربع وسبعين فانتهبت داره وفر إلى مدينة فاس فاستوطنها. قال أحمد المنجور في فهرسته: وأكب على تدريس المدونة وفرعي ابن الحاجب، وكان مشاركاً في فنون العلم، إلا أنه لما لازم تدريس الفقه. يقول من لا يعرفه أنه لا يعرف غيره. وكان فصيح اللسان والقلم، حتى كان بعض من يحضره يقول: لو حضر سيبويه لأخذ النحو من فيه. وتخرج به جماعة من الفقهاء كالفقيه أبي عباد بن مليح اللمطي قرأ عليه ابن الجاجب، والشيخ المتفنن الأستاذ أبي زكرياء السوسي، والفقيه المحدث محمد بن عبد الجبار الورتدغيري، والفقيه عبد السميع المصمودي، والفقيه العلامة القاضي محمد بن الغرديسي التغلبي، وبخزانة هذا الرجل انتفع لاحتواءها على تصانيف الفنون، بها استعان في تصنيف كتابه المعيار، سيما فتاوى فاس والأندلس. فإنما تيسرت له من هذه الخزانة. وأخذ عنه ولده عبد الواحد أيضاً. اه. قلت: أما فتاوى إفريقية وتلمسا،ن فاعتمد في ذلك على نوازل البرزلي والمازوني فيما يظهر لمن طالعهما.

وله تآليف كثيرة، منها: المعيار المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب في ستة أسفار جمع فأوعى وحصل فوعى، وتعليق على ابن الحاجب الفرعي في ثلاثة أسفار ووقفت على بعضها، وغنية المعاصر والتالي على وقائق الفشتالي، وكتاب القواعد في الفقه صغير محرر، ووثائقه المسماة بالفائق في أحكام الوقائق ولم يكمل، وتأليف له في فروق في مسائل الفقه وقفت عليه وغيرها.

توفي عام أربعة عشر وتسعمائة، وفي هذه السنة استولى الفرنج على مدينة وهران—فك الله أسرها، وعمره نحو ثمانين سنة. أخبرنا بذلك صاحبنا الشيخ المسن مفتي فاس محمد ابن قاسم القصار الفاسي. زادني بعض أصحابنا أن وفاته يوم الثلاثاء موفي عشرين من صفر. وأنجب ولده عبد الواحد، وسيأتي في حرف العين.

أحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي، شهر بالدقون، الفقيه الأستاذ الراوية الشاعر الخطيب بجامعة القرويين بفاس. أخذ عن الأستاذ الصغير، قرأ عليه بالسبع، وقارب الختم فمات الشيخ، فكمل على ابن غازي. وروى عن الإمام المواق فهرسته. وكان مقرئاً كثير المزح. روى عنه أبو القاسم بن إبراهيم وغيره. توفي مهل شعبان عام إحدى وعشرين وتسعمائة—كذا كتبه له صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب.

أحمد بن محمد بن الحاج البيدري التلمساني، علامتها بلا مدافع. أخذ العلم عن ابن ذكري والتنسي والسنوسي وطبقتهم. وكان إماماً فاضلاً علامة متفننا. له تآليف ومسائل وتعاليق في فنون، وكلام محقق على الرسالة، و"أنت خير منزول به على ماذا يعود ضمير به" حققه غاية. لم أقف على ولادته ووفاته.

أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف، ولد العالم ابن مرزوق ابن الإمام الشهير الحفيد ابن مرزوق. كان نجيباً صالحاً من أهل تلمسان. أخذ عن والده الكفيف وعن السنوسي والتنسي وابن زكري. ومات مغبوطاً به، وقع اسمه في فهرست ابن غازي، ووصفه بالفقيه أبي العباس. ونقل عنه صاحب أبو عبد الله بن العباس في مسائله. وتوهم الشيخ بدر الدين القرافي هذا المصري العصري أنه ولد اللإمام الحفيد بن مرزوق، وليس كذلك، بل هو حفيده، ولد ولده الكفيف، كما علمت والله أعلم.

أحمد بن محمد بن علي الشيخ شهاب الدين الفيشي الأزهري، لازم السنهوري حتى برع. وأشير إليه بالفضيلة في فنون. أخذ عن عبد الحق السنباطي، قرأ عليه ألفية العراقي وغيرها. أقرأ الطلبة فقهاً وغيره مع تعفف وقناعة. وأقبل عليه البرهان اللقاني—صح من السخاوي. زاد بعضهم أنه تاب في الحكم بمصر واشتهر بالمهارة فيه، وصار مرجع المالكية في الفقه، وتلمذ له أعيانه. ثم لما استولى السلطان سليم بن عثمان المملكة على مصر مريداً سلطانها الغوري الجمريشي، أخذه وأمثاله ممن له وجاهة بمصر إلى طرف الروم، وبها توفي. أخذ عنه الشيخ الأجهوري. له تقييد على توضيح خليل الخ.

أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى التكروري التنبكتي عرف بالحاج أحمد، أكبر الإخوة الثلاثة المعروفين في قطرهم بالعلم والدين، والد والدي رحمه الله. كان رحمه الله خيراً فاضلاً صالحاً متورعاً محافظاً على السنة والمروءة والصيانة والتحري، محباً في النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، ملازماً لقراءة، قصائد مدحه مشبعاً لذلك ولقراءة الشفاء لعياض على الدوام معتنياً به، فقيهاً نحوياً لغوياً عروضياً محصلاً بارعاً حافظاً معتنياً بتحصيل العلم ونسخ كتبه. كتب بخطه عدة دواوين كثيرة، وجمع كثيراً من الفوائد والتعاليق. أخذ العلم عن جده لأمه—وكان قاضي تنبكت وعلى أهل ولاتن—والنحو عن خاله الفقيه مختار.

ثم ارتحل للشرق فحج عالم تسعين وثمانمائة ولقي السيوطي وخالد الأزهري شارح التوضيح وغيرهم. ثم آب لبلاده في زمن فتنة سني عالي الخارجي، فجلس للتعليم. فأخذ عنه جماعة منهم أخوه الفقيه القاضي محمود بن عمر قرأ عليه المدونة وغيرها ولم يزل دؤباً مجتهداً في تعليم العلم وتحصيله، حتى توفي ليلة الجمعة من ربيع الثاني عام اثنين وأربعين وتسمعمائة عن نحو ثمانين سنة.

وطلب للإمامة فامتنع فضلاً عن غيره. وترك أولاد أنجباء رحمهم الله تعالى. ومن كراماته، كما اشتهر عند الناس، أنه لما زار القبر الشريف طلب الدخول في داخله فمنعه القيمون منه. فجلس على الباب يمدحه صلى الله عليه وسلم فنفتح الباب وحده بلا تسبب من أحد. فتبادر الحاضرون بتقبيل يده. هكذا سمعت الحكاية من والدي وغيره، وهي مشهورة عند الناس. وحدثني والدي رحمه الله أنه سأله عنها فسكت فلم يجبه.

أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن داود البلوي أبو جعفر. وصفه الشيخ ابن غازي في فهرسته بالفقيه المتفنن المشارك الحجة الجامع الضابط الناظم الناثر البليغ الأكمل الأدرى. اه.

قلت: أخذ عن والده العالم أبي الحسن وعن العالم الصالح أبي الحسن القلصادي وعن أبي محمد عبد الله ابن إبراهيم الجابري الغرناطي وعن الإمام المواق، وبتلمسان عن الكفيف ابن مرزوق. وأجازه ابن غازي، وستأتي ترجمة أبيه في حرف العين. ارتحل مع أبيه وإخوته من غرناطة بعد التسعين وثمانمائة فنزلوا بتلمسان وأخذ عمن أدرك من شيوخها حينئذ. ثم ارتحل إلى بلاد المشرق. وله شرح على الخزرجية في العروض وغيره. ولم أقف على وفاته.

أحمد بن محمد الحباك، الأستاذ الفقيه الصالح الفاسي، روى عن الأستاذ الفقيه أبي الرفيع سليمان بن أبي يعرس اليزناسني والإمام ابن غازي وغيرهما. وأخذ عنه الشيخ الصالح أبو شامة ابن إبراهيم، وأجازه وغيره. وكان قواماً بالحق، مغيراً للنكر، آية من الآيات، لا تأخذه لومة لائم. توفي مسموماً سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة—كذا بخط صاحبنا المؤرخ محمد ابن يعقوب الأديب رحمه الله، وكذا قال تلميذه أبو عبد الله الدقاق، وزاد في المحرم أو صفر. اه.

أحمد بن علي بن قاسم الزقاق التجيبي الفاسي أبو العباس، الفقيه الحافظ، أخذ عن أبيه أبي الحسن وغيره. وتفقه عليه جماعة من أهل فارس ونوظر عليه. وألف شرحاً على منظومة أبيه، وشرح بعض الرسالة، والمدونة، ومختصر خليل. وأخبرني صاحبنا الحاج الرحلة قاضي سلا أحمد بن أبي العافية شهر بابن القاضي حفطه الله تعالى أنه رأى قطعة منه في سبعة عشر كراساً من القالب الكبير، وفيه كتاب الطهارة فقط. اه.

ورحل صاحب الترحمة وحج ولقي الناس. قال الشيخ المنجور في فهرسته شرح أبو العباس الزقاق منظومة والده المسماة المنهج المنتخب في قواعد المذهب شرحاً مختصراً رشيقاً، وصل منه نحو النصف، ومات ولم يكمله. وأخذ عنه ابن أخيه الحافظ عبد الوهاب الزقاق ولازمه. وتوفي سنة اثنين وثلاثين وتسعمائة أوفى التي قبلها. اه.

أحمد بن موسى بن عبد الغفار، عرف بجده الشيخ شرف الدين العلامة الفهامة نادرة الزمان في فنون. ولد بمصر، وتوطن طيبة، عاكفاً على الطاعة، متردداً إلى مكة. أقرأ العلوم وصار إليه المرجع في تلك الأماكن المطهرة. له من المصنفات شرحان على لمع ابن الهائم في الحساب مشورهما الصغير، ووسيلة الوسيلة فيه، ونظم الدرر المنثور في عمل المناسخة في الصحيح والكسور، وسلك الدارين في حل النيرين، ومختصره، وشرح موشح السيوطي في النحو، ورسالة في رفع القنطرات لم تكمل، ورسالة في تركيب الأنعام مؤلع في عدم منع النساء من صلاة العشاء سماه كشف الغشاء. اه من ذيل القرافي.

قلت: أخذ عنه العلامة محمد الحطاب، ونقل عنه أبحاثاً نفيسة في شرح المختصر في الأنكحة وغيرها.

أحمد بن محمد بن محمد بن محد المعروف بابن حرة المديوني الوهراني، أخذ عن الإمام السنوسي مقدمته الصغرى وعن الكفيف ابن مرزوق، وهو الذي يطالع له. وأخذ التصوف عن ابن تازغدرت وهو أحد تلاميذ إبراهيم التازي. وأخذ أيضاً عن الشيخ محمد بن موسى تلميذ السنوسي. وتوفي سنة إحدى وخمسين وتسعمائة. وأخذ عنه الشيخ المنجور وذكره في فهرسته.

أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد، عرف بابن المحب المصري، الشيخ أصيل الدين ابن الشيخ بدر الدين ابن الشيخ أحمد محمد الدين المتقدم جده قريباً. قال البدر القرافي: أخذ الفقه عن الأخوين الشقيقين العلامتين الشمس اللقانس والناصر اللقاني، وأخذ عن الأخير تهذيب البراذعي بتمامه، والعربية والمعقولات عن الشيخ شقير نزيل البرقوقية. وكتب الخط الحسن. وناب في الحكم بمصر، وباشر بشهامة وعفة وتصلب في الحق، وبعد صيته وأمعن في التعزير. وأقام الحدود وصار من أعيان مصر مع تثبت في الدين وإحاطته بالعلوم العقلي أكثر من الفقه. ثم ترك القضاء واستمر على الخير والدين إلى أن توفي سنة نيف وستين وتسعمائة. ومولده في حدود السبعين وثمانمائة. اه.

أحمد العيسى. أخذ العلم عن أبي عبد الله ماغوش عالم تونس وغيره. وتوفي عام اثنين وسبعين مسجوناً.

أحمد بن الحسن بن عبد الرحمن ابن عبد العزيز التسولي الفقيه الأستاذ النحوي، روى عن الدقون وابن غازي وعنه صاحبنا الشيخ محمد القصار مفتي فاس وغيره. قال صاحبنا محمد بن يعقوب: توفي بفاس في رجب عام تسعة وستين وتسعمائة.

أحمد بن أحمد بن عمر ابن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى, والدي الفقيه العالم ابن الفقيه العالم بن أحمد الفقيه أبي حفص. كان رحمه الله علامة فهامة ذكياً دراكاً محصلاً متفنناً محدثاً أصولياً بيانياً منطقياً مشاركاً. أخذ عن إمام بلده وبركة عصره عمه محمود بن عمر وغيره.

ورحل سنة ست وخمسين للشرق، فحج وزار ولقي هناك جماعة كاناصر اللقاني والشريف يوسف الأرميوطي تلميذ السيوطي وجمال الدين ابن الشيخ زكرياء والشيخ التاجوري والأجهوري وتلك الطبقة واستفاد منهم، وبمكة وطيبة خلقاً كأمين الدين الميموني وابن حجر المكي والملائي وبركات الحطاب وعبد العزيز اللمطي وعبد المعطي السخاوي وعبد القادر الفاكهاني وغيرهم، وأجازه بعضهم. ولازم أبا المكارم محمد البكري وتبرك به، وقيد عنه فوائد.

ثم رجع لبلاده فقعد للتدريس والإفادة قليلاً. وألف شرح تخميسات العشرينيات الفازازية لابن مهيب في مدحه صلى الله عليه وسلم ولم يكمل، وشرح منظومة المغيلي في المنطق شرحاً جامعاً حسناً. وكتب حاشية على شرح التتائي على خليل نبه فيه على مواضع السهو منه، وقطعاً على موضع من خليل، وشرحاً يسيراً جداً على جمل الخونجي، وفي الأصول وغيرها، وعلى صغرى السنوسي، والقرطبية.

وجلس لإسماع البخاري في رجب وتالييه نحو خمسة وعشرين سنة، ثم مسلم كذلك، حتى توفي في شعبان عام إحدى وتسعين وتسعماشة. ثقل عليه لسانه وهو يقرأ صحيح مسلم في الجامع يوم الخميس ثالث عشر منه، فأشار عليه شيخنا العلامة محمد بقيع، فقطع القراءة وكان جالساً بحذائه. ثم توفي ليلة الاثنين بعده سابع عشسر من الشهر.

أخذ عنه جماعة، منهم العلامتان الصالحان الفقيهان الأخوان شيخنا محمد وأخوه أحمد أبنا الفقيه محمود بعقيع، فرأ عليه الأصول والبيان والمنطق وغيرها، والفقيهان الأخوان القرينان عبد الله وعبد الرحمن ابنا الفقيه محمود بن عمرت. وحضرت أنا عليه أشياء عدة، وأجازني جميع ما يجوز له وعنه، وكتب لي بخطه. وسمعت بقراءته الصحيحين والموطأ الشفاء.

مولده في الحمرم فاتح تسعة وعشرين وتسعمائة. ورأيت بعد وفاته بمدة بعض معارفي ممن مات بعده في عالم النوم، وسألته عن حال جماعة ماتوا من أهل بيتنا وغيرهم، فأخبرني بحالهم. وقلت: ما حال والدي؟ فقال أعطي والدك أفضل مما أعطي الفقيه أحمد بن سعيد حفيد الفقيه محمود. فرآني كأني أتعجب من ذلك، فقال لي: كذلك كان. اه. ثم بعد ذلك أخبرني بعض الناس أنه رأى تلك الرؤية، قالها لي ابتداء من غير أن أخبره برؤيتي. فقوي ظني بذلك—والمواهب بيد الله سبحانه.

أحمد بن سعيد سبط سيدي البركة محمود بن عمر. كان عالماً رحمه الله بالفقه مطلعاً عليه حافظاً مدرساً حضر على جده لأمه في الرسالة وخليل مدة. ثم أخذ عن غيره المختصر والمدونة. وقعد وجلس للتدريس من عام ستين إلى وفاته في المحرم فاتح ست وسبعين وتسعمائة. وتزاحم عليه الناس وانتفعوا به. أخذ عنه الأخوان الشقيقان الفقيهان شيخنا العلامة محمد وأخوه أحمد، فرآ عليه الموطأ والمدونة ومختصر خليل وغيرها. وله استدراكات في الفقه وحاشية لطيفة على خليل اعتنى فيها بالنقل، واعتمد على نقل البيان والتحصيل. مولده عام إحدى وثلاثين. أدركته وحضرت درسه وأنا صغير رحمه الله.

أحمد بن علي بن عبد الله عرف بالمنجور الفاسي، آخر فقهاء المغرب ومشاركيهم في الفنون فقهاً وأصولاً وبياناً وفراءة وعربية وفرائض وحساباً ومنطقاً وعروضاً إلى مطالعة التواريخ والحديث. خدم العلم عمره حتى صار بآخرة شيخ الجماعة. قال تلميذه الشريف عبد الواحد الفيلالي في فهرسته بعد ذكره كثيراً مما قرأ عليه: وسمعت منه من غرر الفوائد ودرر الفرائد ما لو تعرضت لكتبه لخرجت عن حد الإكثار، وهو نهاية في تحقيق ما ينقل ويقول، مشارك في فنون العلم. له في كل منها الحظ الأوفر والنصيب الأكبر إلى مزيد تحقيق وتدقيق في كل ما يتعاطاه من ذلك ما ليس لغيره. وله عناية عظيمة بالمطالعة والإقراء لا يمل ولا يضجر، منصفاً في المراجعة، جنوحاً إلى الصواب مهما تعين، وعند من تعين صدوقاً في النقل، متثبتاً في الإملاء، قوي الإدراك ثابت الذهن، صافي الفهم، وهو وإن كان معه في بعض الأوقات حدة تمنع المتعلم من مراجعته والإكثار من مباحثته فهو مغتفر في جانب محاسنه. استفدنا منه فوائد جمة، وفتح بصائرنا، وسمعنا منه علماً غزيراً في الأدب والتأريخ والعروض وغيرها بمراكش وفاس. ألف مراقي المجد في آيات السعد، وشرح المطول، ومختصراً على قصيدة عقيدة العالم الحجة أحمد ابن ذكري في الكلام، وشرحاً ظريفاً لقواعد الزقاق المنظومة في الفقه، وحاشية لطيفة على شرح الإمام السنوسي لكبراه في علم الأصول. اه.

قلت: له حاشيتان وشحر على القواعد الصغرى للزقاق، وشرح على منظومة الونشريسي لقواعد أبيه، وفهرست شيوخه. أخذ عنه طلبة العصر وفقهاؤه ممن لقيناه وغيرهم كصاحبنا قاضي الجماعة الفقيه الفهامة أبي عبد الله الرجراجي، وصاحبنا قاضي تامسنا إبراهيم الشاوي، وصاحبنا القاضي الجماعة بفاس بلقاسم بن النعيم، وصاحبنا قاضي سلا ومكناسة أحمد بن أبي العافية وغيرهم. فهو آخر الناس بفاس لم يخلف بعد مثله رحمه الله. مولده عام ستة وعشرين، وتوفي نصف ذي القعدة ليلة الاثنين سنة خمس وتسعين وتسعمائة.

ومن نظمه جواباً عن سؤال بعض السنوسيين سأل عنها قاضي الجماعة بفاس عبد الواحد الحميدي:

إلى علمك العالي المسائل ترتقي * تفطن لها أيا حميدي وأصدق

فما الحكم في الأوزاغ هل ساغ أكلها * وما الحكم في موت المجانين فانطق
وهل جاز للمسبوق بعد تشهد * دعاء إذا ما رام إكمال ما بقي
وما وزن ليس يا حبيب وأصله * وما جمع قلة لصاع فحقق
وما وزنه شمر ولا تأن وأتنا * بجمع سواء والمقيد أطلق
وبين لنا من في أعوذ بربنا * من إبليس والتخمين في الكل فاتق

فأجابه صاحب الترجمة:

جوابك في الأولى إباحة أكلها * ومستقذر كل يباح فصدق
وأنكر في التنبيه نجل بشيرهم * إضافة ذا للمذهب أفهم ودقق
وقد قيل في الأوزاغ بحرم أكلها * وذلك في الكافي ليوسف فارتق
وميت مجنون جرى خلف حكمه * بعلم كلام لا تكن غير متق
وتحقيقها أن الجنون الذي طرا * يصير كموت فصل الحق تعبق
فآونة بعد البلوغ طروه * وحيناً يرى قبل البلوغ فطبق
وآونة أثر الصلاح وقوعه * وحيناً بعصيان الكبيرة يلتقي
وحيناً يدوم للمات وتارة * يفيق فخذ حكم الجميع ووثق
ويندب للمسبوق دعوى تشهد * وفاق إمام في الثلاثة فارتق
و"ليس" له فعل بحال وأصله * بكسر الياء فاكسر العين ترتق
وجملك صاعاً في القليل بأصوع * وسوغ لهمز الواو نهجاً ونمق
وإن شئت فاقلبه فيرجع آصعاً * لضابط تصيف فللعلم شوق
وصاع كعام عينه فرع ضمة * وتحريكه فتح فزنه وحقق
ومقصود "من" في العوذ بدء لغاية * فإبليس مبدأ العوذ عند الموفق
وجمع "سواء" فالذي منه جامد * بأفعلة فاعلم يقاس ففرق
ومشتقه وزن الخطايا قياسه * سوائية نقل فبالمدح فانطق

يعني أن المشتق جمعه مسموع، وأما الجامد فلم يسمع له جمع لكن قياسه أفعلة كأقبية. وهذه الأبيات أرويها عن صاحبنا قاضي تامسنا إبراهيم الشاوي عنه.

إسمعيل ابن الأمير يوسف ابن السلطان محمد ابن الرئيس الأمير أبي سعد فرج أمير مالقة ابن الأمير إسمعيل بن يوسف المعروف بابن الأحمر من ذرية سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي. كان في بني مرين في جندهم. أخذ عن جماعة ابن رضوان وأبي سعيد بن عبد المهيمن الحضرمي وابنه عبد المهيمن وأبي المكارم منديل بن آجروم وأبي الحسن بن عطية وأبي زيد المكودي والفقيه انقشابو وغيرهم، ذكرهم في برنامجه. له تآليف أدبية كمستودع العلامة ومستبدع العلامة ذكر فيه من تولى العلامة من الكتاب عن الملوك، وحديقة النسرين في دولة بين مرين، وآخر سماه روضة النسرين في أخبار بني عبد الوادي وبني مرين، ونظم وشرحه على منهاج رقم الحلل لابن الخطيب، وعرائس الأمراء وتفائس الوزراء، وشرح البردة، وتأنيس النفوس في إكمال نقط العروس، وتنير الجمان فيمن ضمه وإياه الزمان من أهل النظم. كان معتنياً بالتقييد. توفي بفاس عام عشر وثمانمائة—قاله صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب.

إسحق ابن إبراهيم بن يعمور السعيدي الغماري أبي إبراهيم، سمع بسبتة من ابن عبد الله، وتفقه بمرسية عبد ابن عبد الرحيم. ولي قضاء فاس وسبتة وشلب. وكان قائماً على المدونة، يقال أنه كان يستظهرها. ولي آخر عمره قضاء بلنسية سنة ست وستمائة. قال ابن الأبار: لم تطل ولايته لأشياء نقمت عليه وصرف بابن مناصب، ثم ولي قضاء جيان. تفقه بأبيه وغيره. وذكره ابن خليل في شيوخه وأثنى عليه بالحفظ. فقد في كائنة العقاب يوم الاثنين رابع عشر صفر سنة تسع وستمائة.

قل وكائنة العقاب هي الواقعة المبيرة حصلت على المسلمين بالأندلس مع الناصر بن المنصور الموحدي.

إسحق بن يحيى بن مطر الورياغلي أبو إبراهيم الأعرج، أخذ عنه الشيخ أبو الحسن الصغير وغيره وله طرر على المدونة وكان آية فيها. توفي بفاس—والدعاء عند قبره مستجاب—سنة ثلاث وثمانين وستمائة—صح من خط صاحبنا المؤرخ ابن يعقوب الأديب.

حرف الباء الموحدة

بركات الباروني الجزائري يكنى أبا الخير شارح ابن الحاجب. قال الونشريسن سمعت شيخنا الحاج القاضي أبا عبد الله العقباني يحكي أن الشيخ أبا الخير بركات الباروني الجزائري كان من العماء الجلة الأعلام، وممن وضع على فروع ابن الحاجب شرحاً في سبعة أسفار، وأنه كان يأخذ الأجرة على الفتوى بتلمسان حين نقله سلطانها أبو حمو موسى بن يوسف من بلده لتلمسان. ثم غفل عنه. اه.

ونقل عنه المازوني وفي المعيار فتاوى، وزعم بعض من اختصر الديباج أنه هو محمد بن محمد اليحصبي الباروني التلمساني المذكور في آخر المحمديين من الديباج، وعندي إنهما رجلان شرحا ابن الحاجب. فأبو عبد الله اليحصبي التلمساني استقر آخراً بالجزائر، وصاحب الترجمة أبو الخير جزائري نقل منها لتلمسان. هذا ما يظهر لي، والله أعلم.

بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض، قاضي القضاة بمصر الشيخ تاج الدين أبو البقاء الدميري، الإمام الحافظ العلامة، اشتغل كثيراً. وأخذ عن شيوخ عصره كالشيخ خليل والشرف الرهوني وإبراهيم القبيلي وغيرهم. قال ابن حجر في أنباء الغمر: كان فاضلاً في مذهبه برع فيه وأفتى ودرس بالشيخونية، وولي قضاء المالكية سنة إحدى وتسعين، وتوجه مع القضاة إلى الشام بجواب الظاهر. فلما عاد الظاهر عزله، وقد جاوز السبعين، إذ مولده سنة أربع وثلاثين—من سمع التهاني. وتفقه على الرهوني، وله نظم، وكان محمود السير. اه.

زاد السيوطي في تأريخ مصر: صنف الشامل في الفقه، وشرح المختصر، وأصول ابن الحاجب، والألفية وغيرها. مات سنة خمس وثمانمائة. اه.

قال الشيخ زروق: شرح الإرشاد في ست مجلدات، وجمع كل ما حصله في شامله.ه.

قال الشيخ أبو البركات النالي: هو أجل من تكلم على مختصر خليل علماً وديناً وتأدباً وتفنناً، مستحضراً المدونة وشراحها، معتمداً على ابن عبد السلام وخليل، سهل العبار حسن التعبير والإشارات، فاضل في المذهب، محقق ثبت صحيح النقل. تخرج بخليل وتفقه به، فشرحه الكبير، كافل بتحصيل المطالب مغن عن غيره، وهو والصغير من الكتب المعتمد عليها في الفتوى.

وقال الشيخ أبو الجود المصري: لما روى قاسم العقباني الشرح الصغير بالقاهرة قال: أعجبني بهرام ثلاث مرات. وكان ممن سهل له التأليف، فصنف الشامل من أجل تصانيفه جمعاً وتحصيلاً، وشرحه في عشرة أجزاء، ضاع منه جزء في اثنائه وأوراق من مواضع شتى. وله عمر مبارك، غير أنه كما قال بعض الفضلاء، إنما عرف بحسن الاطلاع لا بقوة النظر والانتزاع كما يظهر من كتبه. ورأيته بخطه أنه ما كتب الشرح الكبير إلا عن رؤية. قال رأيت الشيخ في المنام، ناولني ورقة وقال لي: يا بهرام اكتب شرحاً على المختصر ينتفع به الناس، فانتبهت واستخرت الله تعالى، فشرح صدري لذلك. اه.

ولذا انتفع الناس به شرقاً وغرباً، غير أنه لم يصحح شرحيه. قال لي أبو الجود أنه بلى بحسد المغربة لأنه شيخ الشيخونية في موضع شيخه، وكان فيها فضلاء مغربة مصامدة مرتبين، فطلب منهم أن يصحح الشرحين بين يديه على عادة المشايخ. قال لأنه شرح ظريف يرغب فيه، فأبوا عليه وقالوا إلا نقرأ كتبك، ولا كتب شيخك ولا ابن عرفة بين أيدينا ولا نسمع إلا كتاب ابن عبد السلام، فما فوقه. فصرف همته لتصنيف الشامل وشرحه ولم يعاود النظر في الشرحين. اه كلام أبي البركات.

قال الشيخ شيوخنا محمد بن محمد الخطاب ألف بهرام على المختصر ثلاثة شروح، وصار بها غالبه في غاية البيان والوضوح، واشتهر الأوسط منها غياة في جميع الأقطار، مع أن صغير أكثر تحقيقاً. اه.

وذكر أبو الحسن الشاذلي المنوفي في شرح خطبة خليل أن الشرح الأصغر طرر على نسخة خليل جمعها إلا سحاقي، فجاء شرحاً مستقلاً. اه.

قال ابن حجر: وصنف المناسك مجلداً وشرحها ثلاثة أسفار. وكانت ولايته بعد برقوق وإرساله للكرك. فلما عاد للسلطنة عزله وولى الركراكي. ثم ولاه منطاش بعد وفاة ابن خير سنة إحدى وتسعين في سلطنة المنصور حاجي بن شعبان. فلما خرج لقتال برقوق لما ظهر من الكرك استصحب معه الخليفة وقضاة القضاة، فأصاب القاضي بهراماً طعنة في صدره وأخرى في شدقه. فلما استولى برقوق على الخليفة والقضاة صحبوه إلى القاهرة، وبهرام في غاية الضرر من الطعنتين، فاستمر عليلاً، وصرف في ربيع الأول سنة اثنين وتسعين، فاستمر معزولاً عن الحكم متفرغاً للاشتغال بالعلم وشغل الطلبة إلى أن مات نصف جمادي الأخيرة سنة خمس وثمانمائة—كذ أرخه البشبيشي. وقال المقريزي في سابع ربيع الأول، وكان لين الجانب عديم الشر كثير الخير، قل أن يمنع سائلاً يسأله في شيء يقدر عليه. اه.

قال السخواوي: وله الدرة الثمينة نحو ثلاثة آلاف بيت، وشرحها بخطه عليها. اه.

قال البرد القرافي: أخبرت أن بعض شيوخ شيوخنا له له [؟] التفات إلى تعقب عبارته، فرأى في النوم قائلاً يقول له: لا تعترض على بهرام فإنه رجل صالح. اه.

أخذ عنه جماعة كالشمس البساطي وغيره.

بلقاسم بن محمد ابن عبد الصمد الزواوي المشذالي البجائي، والد العلامة محمد بن بلقاسم، صاحب تكملة حاشية المدونة للوانوغي الآتي. أخذ صاحب الترجمة عن العالمين أحمد بن عيسى وعبد الرحمن الوغليسي وغيرهما. وأخذ عنه الإمام أبو زيد الثعالبي وغيره. وكان موصوفاً بحفظ المذهب، وهو في بجاية كالبرزلي بتونس. انتفع به جماعة، منهم ولده الإمام العلامة محمد بن بلقاسم الآتي.

بلقاسم بن محمد الزواوي، من أكابر أصحاب الإمام السنوسي وقدمائهم. أخذ عنه محمد بن عمر الملالي، أبو البركات بن أبي يحيى بن أبي البركات التالي التلمساني شارح خطبة خليل. أخذ عن الإمام ابن مرزوق الحفيد والحجة قاسم العقباني والفقيه المحقق سليمان البوزيدي الشريف وغيرهم. رحل للشرق ودرس هناك خليلاً واعنى بهت، أي بالشرح الكبير لبهرام وتصحيحه. ولقي جماعة كالشيخ أبي الجود الفرضي وأبي القاسم النوبري وغيرهما. ألف شرحاً على الرجز للضريري المراكشي في علم البيان. ولم أقف على وفاته. وأنجب ولده محمد وسيأتي.

بركات بن محمد بن عبد الرحمن الخطاب الطرابلسي الأصل المكي المولد الفقيه الصاحل العالم العلامة المفتي المعمر. أخذ عن والده وغيره. لقيه والدي وغيره من أصحابنا وأجازهم. وألف المنهج الجليل في شرح مختصر خليل في أسفار أربعة. توفي بعد الثمانين وتسعماشة عن عمر عال. أخذ عنه ابن أخيه العالم يحيى الحطاب شيخنا بالإجازة.

أبو بكر بن عبد الودود الحاناتي، من حفاظ المدونة القائمين عليها. توفي بعد السبعمائة—من خط بعض أصحابنا.

أبو بكر بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت التنبكتي الأصل، نزيل المدينة الشريفة. عمي الرجل الصالح الزاهد الورع التقي الأواه الولي المبارك. نشأ—رحمه الله ونفعنا به—خيراً صيناً ورعاً متواضعاً معروف الصلاح متين الدين مبزراً فيه، لم يزل عن حاله، ولا مال عن الاستقامة، بل استمر على حالته المرضي من نشأته إلى وفاته. ارتحل للشرق وحج وجاور. ثم رجع لبلاده فبقي نحو أربعة أشهر. ثم رحل بأولاده وعياله للمدينة الشريفة فجاور هناك، حتى مات فاتح إحدى وتسعين وتسعماشة. مولده عام اثنين وثلاثين.

وهو أول من قرأت عليه علم القربية، فنلت بركته، ففتح لي فيه في مدة قريبة بلا عناء. وكانت له أحوال جليلة كثير الخوف والمراقبة لله والنصح لعباده، يردف الزفرات بعضها بعضاً، وطلب اللسان بالتهليل على الدوام، من خيار عباد الله الصالحين ذوي المقامات العلية. مال إلى زهد ورفض الدنيا والرغبة عن زهرتها، مع ما أوتي أهل بيته حينئذ من الرئاسة والدولة. ما رأيت قط مثله ولا من يقرب منه في معامله تآليف صغار في التصوف وغيره، منها معين الضعفاء في لقناعة وغيره.

حرف الجيم

جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيد بونة الخزاعي أبو أحمد الأندلسي، الولي الشهير أحد الأعلام المنقطعين المقربين أولي الهداية كثير الاتباع بعيد الصيت فذ شهنر. وقال أبن الزبي: أحد الأعلام المشاهير فضلاً وصلاحاً. فرأ ببلنسية وتفقه وحفظ نصف المدونة وأقرأها، يؤثر التفسير والحديث والفقه على غيرها. أخذ عن أبوي الحسن بن النعمة وابن هذيل حج ،ولقي جلة أكبرهم والولي الجليل أبو مدين شعيب، واتفع به ورجع عنه بعجائب. فشهر بالعبادة وتبرك الناس به فظهرت عليهم بركته. توفي في شوال عام أربعة وعشرين وستمائة عن نيف وثمانين سنة—صح من الإاكطة لابن الخطيب.

جعفر ابن أبي يحيى أبو أحمد بن نحيى أبو أحمد الأندلسي. قال القلصادي في رحلته: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام الصدر العلم الخطيب الكبير الشهير، له اعتناء بحفظ القروع والفرائض والعدد ومشاركة في علم الحديث والقراءة والعربية. قرأت عليه مقالات ابن البنا وتلخيصه والتلمسانية غير مرة وأبعاضاً من الحوفي وفرائض عبد الغافر والتلقين ومختصر خليل إلى النكاح والمواريث منه. اه ملخصاً.

حرف الحاء المهملة

حسن بن بلقاسم بن باديس أبو علي. ذكره العبدر في رحلته وقال: شيخ من أهل العلم يذكر فقهاً ومسائل، ذا سمت وهيئة ووقار بقسنطينة. سمعته يقول: وقع الكلام بين يدي الإمام أبي الحسين اللخمي في حكم السفر إلى الحج مع فساد الطريق، هل الأولى تركه احتياطاً على النفس، أو الاستسلام في التوجه إليه. ومال اللخمي إلى ترجيح الترك. قال: وفي المجلس رجل واعظ، فقال: يا فقيه تسمع ما أقول؟ فقال: نعم. فأنشده:

إن كان سفك دمي أقصى مرادكم * فما غلت نظرة منكم بسفك دمي

فاستحسن كل من حضر منزعه، وانفصل المجلس على أن الأولى تحمل الخطر في التوجه والإعراض عن العوائق. اه—وكان ملاقاة العبدري لصاحب الترجمة في أواخر السابع.

حسن بن علي المسيلي، الشيخ الفقيه القاضي العالم العابد المتفنن المحصل المجتهد الإمام أبو علي، كان يسمى أبا حامد الصغير. جمع بين العلم والعمل والورع. له المصنفات الحسنة والقصص العجيبة، منها التذكرة في علم أصول الدين كتاب حسن من أجل الموضوعات في فنه، ومنها النبراس في الرد على منكر القياس كتاب حسن ما رئي في الكتب الموضوع في هذا الشأن مثله، وكتاب في علم التذكير سماه التفكر فيما تشتمل عليه السور والآيات من المبادئ في الغايات كتاب جليل سلك فيه مسلك إحياء الغزالي وكانت الجن تقرأ عليه.

ولي قضاء بجاية ودخل عليه الموارقة وهو قاضيها فألجؤه لبيعتهم وأكرهوه مع غيره عليه، وكانوا يتلثمون ولا يبدون وجوههم، فامتنع من البعة، فقال: لا نبايع من لا نعرف هل هو رجل أو امرأة. فكشف له المورقي. وهذا منتهى ما بلغ من توقفه وهو أمر كبير عند مطالبته بالبيعة، لو لا علو منصبه وتأخر عن القضاء.

وبقي على دراسة العلم والاشتغال، واحتاج إليه الناس في أمر دينهم، فمالوا إليه وعولوا في أمرهم عليه. وكان يقول: إذا أشير إليه بالتفرد في العلم والتوحد في الفهم أدركت ببجاية سبعين مفتياً ما منهم من يعرف الحسن بن علي المسيلي.

ومرض في زمن ولايته القضاء، فاستناب حفيده على الأحكام. وكان له نبل فتحاكمت عنده يوماً امرأتان ادعت إحداهما على لأخرى أنها أعارتها حلياً وأنها لم تعده إليها، وأنكرت الأخرى. فشدد على المنكرة وأوهمها حتى اعترفت وأعادت الحلي.

وكان من سيرة هذا الحفيد أنه إذا انفصل عن مجلس الحكم يدخل لجده الفقيه أبي علي ويعرض عليه ما يلتقي من المسائل. فدخل عليه فرحاً وعرض عليه هذه المسألة، فاشتد نكير الفقيه رضي الله عنه، وجعل يعتب على نفسه تقديمه، وقال له: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر واستدعى شاهدين وأشهد بتأخيره. وهذا من ورعه ووقوفه مع ظاهر الشرع، وعلى هذا يجب أن يكون العمل، وهو مذهب مالك، وظاهر مذهب الشافعي تجويز مثل هذا، فإنه يرى أن القصد إنما وهو الوصول إلى حقيقة الأمر بأي شيء وصل إليه حصل المقصد. ولأجل هذا يجيزون قضاء الحكام بعلمهم والحق خلافه لحديث، فإنما أقضي له على نحو ما أسمع.

وقريب من هذا ما يحكي أن والياً كان بالاسكندرية يسمى فراجة، وكان بها إذ ذاك الفقيه أبو القاسم بن جارة وكان عالماً رفيع القدر والهيبة معرضاً عن أبناء الدينا لا يخاف في الله لومة لائم. فاتفق أن عامل بها رجلاً بياعاً، ودفع له درهماً جعله الرجل في قبضته. ثم لم تتم بينهما المعاملة، فقال له الرجل: اصرف على درهمي. فقال له البياع: لا أعرف الدرهم، ولكن هذا مكانه. فحلف الرجل بطلاق زوجته لا يأخذ إلا درهمه بعينه. وكثرت بينهما المراجعة إلى أن تداعيا إلى هذا الولي فراجة فوصفا له قصتهما. فأطرق ساعة، ثم قال للبائع: ادفع للرجل جميع ما في قبضتك من الدراهم، ويدفع لك مكانها دراهم من عنده ليتحلل ذلك من يمينه. وكانت فتوى مرضية صحبها ذكاء. فنهي المجلس بحاله إلى الفقيه أبي القاسم بن جارة فاستحسن فتواه وصوبها. ثم خاف أن يحمله العجب على أن يفتي في غيرها من المسائل بغير علم ولا موافقة شرعية، فتوجه إلى الوالي حتى وصل إلى باب داره، فقال له/ أنت المفتي بين الرجلين في كذا؟ فقال نعم. فقال له: من أباح لك التسور على فتاوي العلماء والدخول في أحكام الشرع؟ إياك أن تتعرض لما لست له أهلاً. فقال له: يا فقيه أنا تائب. فقال: أما إذا تبت فانصرف واحتفل بالجد فيما كلفت به ولا تتعرض فيما ليس من شأنه. توفي ببجاية ودفن بباب أنيسون.

حسن بن محمد بن باضة أبو علي الغرناطي، رئيس الموقتين فها، كان فقيهاً إماماً في الحساب والهيئة. أخذ عنه الحلة والنبهاء قائماً على ذلك الفن مع التزام السنة والوقوف عند حدود العلماء، نسيج وحده، ورحلة فنه. توفي بغرنناطة عام ستة عشر وسبعمائة—صح من الإحاطة.

حسن البجائي أبو علي الإمام المشهور. قال ابن الخطيب القسنطيني: الفقيه العالم المحصل المحقق الشهير شارح المعالم الدينية. اه. أخذ عن الإمام ناصر الدين المشذالي. ولما وردت فتوى ابن عبد الرفيع في مسألة ثبوت الشرف من جهة الأم أمره الإمام ناصر الدين بالجواب عنه، فألف فيه رسالة رد فيها على ابن عبد الرفيع. توفي سنة أربع وخمسين وسبعمائة—قاله ابن الخطيب القسنطيني.

الحسن بن أبي بكر بن أبي الحسين الكندي الاسكندري. ذكره في الأصل في آخر حرف الألف. قال الخالد البلوي في رحلته في حقه: العالم الكبير.

الحسن بن عطية التجاني امكناسي المعروف بالونشريسي. قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المفتي المدرس القاضي أبو علي ابن الشيخ الصالح عطية توفي عام أحد وثمانين وسبعمائة. أجازني الموطأ رواية يحيى بن يحيى. أخذ عن الفقيه الإمام العالم المحصل المتكلم النظار المفتي المدرس البحر أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل بن الصباغ الجزرجي المكناسي. انتهى.

ألحسن بن عثمان بن عطية ابن أخي الذي قبله. قال ابن الخطيب السلماني في نفاضة الجراب: كان فقيهاً عدلاً من أهل الحساب والقيام على الفرائض والعناية بفروع الفقه من ذوي السذاجة والفضل، يقرض الشعر. وله أرجووزة في الفرائض مبسوطة العبارة مستوفية المعنى. اه.

قال ابن الأحمر: شيخنا الفقيه المفتي المدرس القاضي الفرضي الأديب الجاج أبو علي بن الفقيه الصالح أبي سعيد عثمان التجاني المنعوت بالونشريسي أجازني عامة أخذ عن الفقيه المفتي الخطيب المعمر القاضي المحدث الراوية خاتمة محدثي الغرب أبي البركات بن الحاج البلقيني. اه.

قلت: ومولده في حدود أربع وعشرين وسبعمائة. وكان حياً قرب التسعين وسبعمائة. ذكر الونشريسي في المعيار جملة من فتاويه وفتاوي عمه السابق، وقال في وثائقه: القاضي العلامة، يعني صاحب الترجمة، وقع له قضية مع عدول مكناسة، وذلك أن السلطان أبا عنان فارساً أمر بالاقتصار على عشرة من الشهود بمدينة مكناسة، كتب فيهم اسم السيخ أبي علي هذا. فشق ذلك على بعض شيوخ العدول المؤرخين لحداثة سن أبي علي. فلما علم تشنيعهم صنع رجزاً، ورفعه إلى مقام السلطان ونصه:

نبدأ أولاً بحمد الله * ونستعينه على الدواهي
ثم نوالي بالصلاة والسلام * على النبي دونه كل الأنام
وبعد ذا نسأل رب العالمين * أن يهب النصر أمير المؤمنين
خليفة الله أبا عنان * لا زال في خير مع الأمان
ملكه الله من البلاد * من سوس الأقصا إلى بغداد
ويسر المجاز والجهادا * وحلع الكل له مهادا
يا أيها الخليفة المظفر * دونك أمرا أنه مفسر
عبدكم نجل عطية الحسن * قد قيل لا يشهد إلا أن يسن
وهو في أمركم المعهود * من جملة العشرة الشهود
نص عليه أمركم تعيينا * وسنه قارب أربعين
مع الذي ينتسب العبد إليه * من طلب العلم وبحثه عليه
على الفرائض له أرجوزه * أبرز في نظامها أبريزه
ومجلس له على الرسالة * فكيف يرجو حاسد زواله
حاشا أمير المؤمنين ذاك * وعدله قد بلغ السماك
وعلمه قد طبق الآفاقا * وحلمه قد جاوز العراقا
وجوده مشتهر في كل حي * قصر عن إدراكه حاتم طي

قلت: ويقال أنه لما وصلت الأبيات للسلطان أمر بإقراره على ذلك وقد وقفت على رجزه في القرائض وهو حسن سلس ورأيت في بعض التقاييد عن ابن غازي ما نصه: حج صاحب الترجمة مع خلق كثير ورجع لفاس وهم أن يتفرغ للعبادة حتى يموت. فقالت له امرأته: إما أن ترجع للقضاء وإما أن تطلقني، فإنى استأنست أن يخدمني النساء. فرجع إلى القضاء، فبقي خمسة عشر يوماً، ثم مات. اه. فنعوذ بالله من كيدهن وشرهن.

حسن بن أبي القاسم بن باديس. قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه القاضي الشهير المحدث أبو علي روى عن ناصر الدين المشذالي وابن غريون البجائي وابن عبد الرفيع القاضي وغيرهم، وفي الأخير عن صلاح الدين العلائي وخليل المكي وابن هشام النحوي. وأخبرني عن ابن هشام هذا أنه ختمت عليه ألفية ابن مالك ألف مرة على ما أخبره. وكانت ولادته سنة إحدى وسبعمائة. له تقاييد، منها شرح مختصر ابن فارس في السيرة. وأدرك في حداثته من المعارف العلمية ما لم يدركه غيره في سنه، ولغلبة الانقباض عليه قل النفع به لمن أدرك حياته. توفي سنة سبع وثمانين وسبعمائة. اه.

حسن بن خلف الله بن حسن بن أبي القاسم بن ميمون بن باديس القيسي القسنطيني. قال ابن الخطيب القسنطيني هو ابن عم السابق، وابن خالته شيخنا الفقيه القاضي العدل الخطيب الحاج المرحوم أبو علي. روينا عنه الحديث وغيره. ولد في حدود سعة وسبعمائة. روى عن ابن غريون وغيره، وأخذ عن ابن عبد السلام وغيره. وتوفي وهو قاض بقسنطينة عام أربعة وثمانين وسبعمائة. اه من رحلته ووفياته.

وقال أبو زكرياء السراج الكبير في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب المدرس الرواية الحاج الفاضل ابن الشيخ الأجل خلف الله كان ذا سمت حسن وحال مستحسن، له اعتناء بالعلوم ومشاركة. لقي في رحلته للحجاز أعلاماً كثيرة وأخذ عنهم وأجازوه، كأثير الدين أبي حيان والرواية الرحلة ابن جابر القيسي الوادآشي وابن غريون ومن المغاربة القاضي الخطيب ابن عبد الرزاق الجزولي والخطيب البليغ المحدث محمد بن أحمد بن مرزوق والخطيب القاضي الأعدل الراوية أبو البركات بن الحاج البلقيني والفقيه الحاج الصالح أبو عبد الله بن سعيد الرعيني والفقيه الحاج الخطيب أبو علي عمر بن محمد عرف بابن البحر. توفي ببلده قسنطينة. اه ملخصاً.

الحسن بن مخلوف بن مسعود بن سعيد المزيلي الراشدي أبو علي، شهر بأبركان، ومعناه بلسان البربرية الأسود، الشيخ الفقيه الإمام العالم العلم الولي الصالح القطب الغوث الشهير الكبير. أخذ عن الإمام سيدي إبراهيم المصموري والإمام الحفيد ابن مرزوق، وعنه الحافظ التنسي وسيدي علي التالوتي وأخوه لأمه الإمام السنوسي، ولازمه كثيراً وانتفع به. وكان يقول: رأيت المشايخ والأولياء فما رأيت مثل سيدي الحسن أبركان. كان لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يضحك إلا تبسماً. وكان رحيماً شفيقاً بالمؤمنين يفرح لفرحهم ويتأسف على ما يسوءهم. له سبحة لا تفارقه، لا يفتر من ذكر الله تعالى طرفة عين. وله قبول عظيم من العامة والخاصة. وكان مثابراً على رسالة ابن أبي زيد. وكان إذا دخل عليه السنوسي تبسم له وفتحه بالكلام، ويقول له: جعلك الله من الأئمة المتفين.

وله مكاشفات كثيرة وكرامات، منها ما ذكره السنوسي وأخوه علي، قالا: كان يتوضأ في صحراء يوماً فإذا بأسد عظيم قد أقبل فبرك على سباطه. فلما فرغ من وضوئه التفت إلى الأسد فقال له: تبارك الله أحسن الخالقين، ثلاثاً. فأطرق الأسد برأسه إلى الأرض كالمستحي، ثم قام ومضى.

وذكر السنوسي أيضاً قال: حدثني السيد العلامة الولي سعيد ابن عبد الحميد العصنوني بمنزله من ونشريس، وكان من أصحابه القدماء. قال: دخلت في يوم حار عليه فوجدته في تعب عظيم والعرق يسيل عليه. فقال: أتدري مم هذا التعب الذي أنا فيه؟ قلت: لا، يا سيدي. فقال: إني كنت آنفاً جالساً بهذا الموضع، فدخل علي الشيطان في صورته التي هو عليها. فقمت إليه، فهرب أمامي. فتبعته، وأنا أؤذن. فما زال يهرب بين يدي ويضرط كما ذكر في الحديث إلى أن غاب عنن. والآن رجعت من إتباعه.

قال السنوسي: ولما قدم من الشرق وجد قرية الجمعة قد خربت، وكانت سكنى أسلافه، فنزل تلمسان. ثم تردد خاطره في الرجوع للقرية لتجديد ما دثر منها. قال: فخرجت إليها وجلست معتبراً في آثارها كيف أخذها الخراب واستولى على أهلها الجلاء، وإذا بكلب أقبل وجلس بالقرب مني، وحاله في انكسار الخاطر، وتغير الظاهر كحالي، فقلت في نفسي: هل تعود هذه القرية عامرة أم لا؟ فرفع الكلب رأسه وقال لي بلسان فصيح: إلى يوم يبعثون، أي لا تعود عامرة أبداً. فلما سمعت نطقه إلى بذلك رجعت لتلمسان. اه.

قال القلصادي في رحلته: وحضرت مجلس الولي الصالح الحسن أبركان، وشهرته تغني عن تعريفه. اه.

وذكر الشيخ بن صعد جملة من كراماته في تأليفه روضة النسرين. توفي آخر شوال سنة سبع وخمسين وثمانمائة.

الحسن بن منديل المغيلي أبو علي. قال تلميذه ابن غازي في فهرسته: شيخنا الفقيه الحافظ المكثر الخطيب المدرس العلم العلامة كان آية في حفظ النقول وسرد نصوص المذهب وأقاويل الشيوخ على رسالة أبي محمد. إذا حرك الكلام في العلم أتى الفيض بالمد. وكان عامة فارس يستفتونه كثيراً ويقلدون عن رأيه ولا يبدلونه بغيره.

والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً * من غير أن يجدوا آثار إحسان

بيد أنه نسخ في صغره تأليف الجزولي وصحفه كثيراً لصغر سنه. ثم حبسه بالخزانة فنقم عليه، وعذره ما ذكر لأزمته بجامع القرويين. واستفدت منه. وممن أدركه من شيوخ فاس أبو وكيل ميمون والحافظ الفقيه أبو مهدي عيسى بن علال، وأبو زيد عبد الرحمن به تفقه. اه

قال الشيخ زروق في كناشته: هو الفقيه الحافظ العلم، كان إماماً بالمدرسة العنانية، صليت خلفه. وحضرت مجلسه بجامع القرويين، فحزرته بنحو ثلاثة آلاف رجل. وسمعته يقول: من سنة ثلاث في هذه المائة وأنا أقرأ حضرته بمسجد دار آمنة بنت السلطان في تفسير "والليل إذا يغشى" ولم أحفظ مما سمعت منه غيرشيء يسير، منه حديث أن الله خلق ملكاً الجنة في إحدى منخريه، وملكاً يرفع الخلق على زغبة من ريشة من جناحه. قالوا وكان يحفظ الجزولي المسبع على الرسالة عن ظهر قلب، وكان يغلب نقله حتى يظن أنه يزيد عليه. وكان بينه وبين القوري والمزجلدي منافرة. توفي رحمه الله عام أربعة وستين وثمانمائة وقد كبرت سنه. اه.

حسن بن علي الرجراجي الشوشاوي رفيق عبد الواحد ابن حسين الرجراجي. له شرح على مورد الظمآن، ونوازل في الفقه، وشرح تنقيح القرافي. توفي أواخر التاسعة بتاردنت من سوس—صح من خط بعض أصحابنا.

حسن الزنديوي التنسي الخطيب الصالح أبو محمد، في طبقة ماعوش مصوف بالعلم والصلاح. أخذ عنه اليسيتني الفاسي وأحمد العيسي وغيرهما. وكان حياً في حدود الأربعين وتسعمائة.

حمزة بن محمد بن حسن البجائي المغربي نزيل الشيخونية. ولد تقريباً عام تسعة وثمانمائة ببجاية، وأخذ عن أبي القاسم المشذالي وولده أبي عبد الله. وفد تونس في سنة ثمانية وخمسين وثمانمائة وتمهر في الأصلين والعربية والصرف والمعاني والبيان والمنطق. قدم القاهرة في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وحج ورجع ونزل في الخانقاة الشيخونية. ثم حج ثانياً رفيقاً للسيد عبد الله عفيف الدين، وجاور أيضاً وأقربها يسيراً، واجتمع الكافيجي، واجتمع به الفضلاء، فكان من أعيان من اجتمع به المحي ابن تقي والخطيب الوزيري—صح من السخاوي.

وقال الداودي: توفي في المحرم سنة اثنين وتسعمائة—صح من ذيل القرافي.

حرف الخاء المعجمة

خلف الله المجاصي، الفقيه الحافظ، من علماء فاس وشيوخها وأحد الحفاظ بها. كان يحفظ المقدمات والبيان والتحصيل لابن رشد. أخذ عن أبي الربيع سليمان الونشريسي. توفي سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة—صح من خط بعض أصحابنا.

الخضر بن أحمد بن الخضر بن علي بن عمر بن أبي العافية الأنصاري الغرناطي. ذكره في الأصل وأخذ ترجمته من الإحاطة.

وقال الحضرمي في مشيخته: الشيخ الفقيه الجليل القاضي الأعدل النزيه الأديب الأبرع البليغ العارف المتفنن الفاضل أبو القاسم كان حسن العهد فاضل الصحبة كريم العشرة جميل المودة منصفاً في المناظرة متصفاً بكل فضيلة عاكفاً على الطلب والنظر والتقييد، صدراً من صدور القضاة. نسخ بيده كثيراً بصيراً بالشروط، ظريف الخط مجموع الأدب شاعراً مكثراً. تصرف أولاً في الكتابة، ثم قضاء وادي أش وسبطة وبرجة. وشوور في النوازل الحكمية والمسائلف الأدبية. وجرت بيني وبينه مباحث وأنظار في مسائل القضاء والأحكام، وتراسلنا مراراً.

وثم الخضر بن أحمد المعافري من أهل المرية أبو العباس روى عن عباد بن سرحان الشاطبي. ومات ابن سرحان عام ستة وخمسمائة، ذكره أبو العباس بن فرتون.

وتوفي شيخنا أبو القاسم بن أبي العافية المذكور ببرجة، وهو فاض بها، آخر ربيع الأول عام خمسة وأربعين وسبعمائة. وأنشدني لنفسه:

لا ترج زيداً وعمراً * وارج العميم الإفاده
فزيد رهن اعتلاف * وواو عمرو زياده

وفي المعنى قول بعضهم:

لا ترج سعد المشترى * ولا تخف شؤم زحل
وارج وخف ربهما * فهو الذي ما شاء فعل

انتهى ملخصاً

خضر زين الدين البحيري الفقيه الفهامة، كان فاضلاً صالحاً. أخذ عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن قاسم الآتي، وعن بلديه الشيخ سليمان البحيري. وكان علامة زمانه الناصر اللقاني يصفه بمعرفة دقائد مختصر خليل. وكان منجمعاً عن الناس، طارحاً للتكلف متعففاً غير مكترث بالدنيا وأهلها، وبالجملة فهو أحسن وإن كان غيره أشعر له حاشية على المختصر، جمعها من شرح التتائي وغيره وطرر حسنة على نسخته من المختصر. وتلك الطرر غاية في الدلالة على إحاطته بالكتاب مع وجازة اللفظ والاعتناء بالنقول، وهي أحسن من حاشيته. هكذا عرفه در الدين القرافي. ورأيت حاشيته بمراكش. وكان طلبتها لا يشكرونها، والله أعلم.

خليل بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر المالقي ثم المكي مفتيها، اسمه محمد واشتهر بخليل. قال الشيخ خالد البلوي في رحلته: من أعظم من لقيته بمكة قدراً وأرفعهم خطراً وأشرفهم مكانة. وذكر الشيخ الفقيه خطيب الحرم الشريف وصاحب الصلاة فارس المنابر إمام الأئمة ومقتدي فرق الأمة:

ولي الله أبو عبد الله * المشتهر بخليل
نفع الله به * أحد السبعة الأبدال
ورب المآثر المبراة * عن الخلاف والجدال
الموجود من بركاته ما يخجل * الغيث في الانسحاب والانسدال
الموطأة أكنافه للخاصة والعامة * معتدلة الكمال كاملة الاعتدال
فالأعناق معتدلة إليه * منثالة عليه
سامعون لأمره * متبركون بمساس طمره
معترفون بفضله * متصرفون من قوله وفعله
يردون من إحسانه مناهل الكرم * ويردون من فضله مواقع الديم
ويبتدئون من علمه ما هو * أوضح من نار على علم
أنحلته موصلة العبادة * وأكله قشعف الزهادة
فلم تبق منه * إلا رسوم على سجادة

ومع ذلك فهو أصبرخلق الله على إلحاح السائرين واختلاف القاصدين والسالكين تكفل بحوائج الأغنياء والفقراء في أمور الدين والدنيا. لقيته بمكة واستفدت منه المناسك تفقهاً ومعاينة، فانتفعت به أعظم اتنفاع، وسمعت عليه، وأجازني عامة. اه.

وقال الشيخ أبو محمد عبد الله بن فرحون في تأريخ المدينة:

كان من أئمة الدين * المتسمين باليقين

مكة دار إقامته وبلده، وقل ما ترد على المدينة قافلة إلا وهو معهم، وكان جاور بها. وقرأ على والدي العربية، ولازمه واتفع به. وكان يسألني عما عند والدي من كتب العربية، فأقول له، ما عنده إلا شيء من شرح الجمل. فيقول لي: ما هذه من حوائج ابن عصفور، هذا الذكر العظيم والإلقاء والتفهيم، لا يكون إلا عن إلهام أو كثرة اشتغال أو كثرة كتب يلتقظ محاسنها ويرتب قوانينها. وكان خليل معلوم البر مشهور الصدقة يواسي الفقراء ويتداين ديناً عظيماً لأجلهم، حتى يكون عليه من الدين ما يقارب مائة ألف درهم في بعض السنين. ثم يقضيها الله تعالى على أبر ما يكون. وحاله فوق ما يوصف، ومن العلم مثل ذلك، ومن الورع والتمسك بالسنة فوق ذلك، قل عن البحر فالبحر يقف دونه. وكان له من الوسوسة في طهارته ما اشتهر مثلاً في الأقطار. توفي ليلة الاثنين لعشر بقين من شوال سنة ست وسبعمائة. اه.

فائدة: قال الإمام أبو عبد الله المقري: كان خليل إمام الوقفة بعرفات، أعلم من لقيت بالمناسك دراية ورواية ومشاهدة. ولما انصرفت من المسجد الحرام أرسلت من سأله عن بطن محسر لنحرك فيه الإبل. فقال إن الموضع تنوسي بالتمالؤ على ترك السنة المشروعة فيه وهي التحريك. ثم قال: الظاهر أنه هذا، وأشار إلى ما يحاذي الجامع الذي على يسار المتوجه من المشعر إلى مني من الطريق إلى منتهى المنحدر من جهة منى. قال المقري قلت: فينبغي أن يعمل على هذا قبل أن بفوت هذا الظاهر بفوت النقل عن هذا القدوة كما فات اليقين، "فإنا لله وإنا إليه راجعون". قال: وسألته عن حدود المسجد الحرام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار إلى الخشب المطيفة بالبيت والمقام وزمزم من جميع الجهات. فقلت: ولم تصل خارجاً عنها وأنت تعلم ما في إلحاق الزيادة في الفضيلة بالأصل من الخلاف. فقال: أهل مكة يقولون الحرم كله مسجد. قال المقري: وهو مذهب ابن عباس، بيد أنه لم يعجبني هذا من الشيخ، وقد كنت أصلي خلف إمام المقام إيثاراً للبقعة لا للإمام وإن كان الرجلان—أعني خليلاً وإمام المقام—ممن تقربهما عين الإسلام كما وقفت ساعة عند الصخرات. ثم رجعت إلى موقف الإمام بعرفات. اه كلام الإمام المقري.

خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المعروف بالجندي ضياء الدين أبو المودة الإمام العلامة العالم العامل القدوة الحجة الفهامة، حامل لواء المذهب بزمانه بمصر. ذكره ابن فرحون في الأصل، وقال أنه من أجناد الحلقة المنصورة يلبس زيهم متقشفاً منقبضاً عن أهل الدينا، جامعاً بين العلم والعمل، مقبلاً على نشر العلم والعمل. حضرت بالقاهرة مجلس إقرائه الفقه والحديث والعربية. كان صدراً في علماء القاهرة مجمعاً على فضله وديانته، أستاذاً ممتعاً من أهل التحقيق، ثاقب الذهن أصيل البحث مشاركاً في فنون من فقه وعربية وفرائض، فاضلاً في مذهبه صحيح النقل—نفع الله به المسلمين. ألف شرح ابن الحاجب شرحاً حسناً وضع الله عليه القبول وعكف الناس على تحصيله، ومختصراً في المذهب بين فيه المشهور مجرداً عن الخلاف، فيه فروع كثيرة جداً مع الإيجاز البليغ، أقبل عليه الطلبة ودرسوه، وكانت مقاصده جميلة. حج وجاور. وله منسك وتقاييد مفيدة. اه ملخصاً.

قال ابن حجر في الدرر الكامنة: سمع من ابن عبد الهادي وقرأ على الرشيدي في العربية والأصول وعلى الشيخ المنوفي في فقه المالكية، وشرع في الاشتغال بعد شيخه وتخرج به جماعة. ثم درس بالشيخونية وأفتى وأفاد، ولم يغير زي الجند، وكان صيناً عفيفاً نزيهاً. شرح ابن الحاجب في ست مجلدات انتقاه من ابن عبد السلام وزاد فيه عزو الأقوال وإيضاح ما فيه من الإشكال. وله مختصر في الفقه نسج فيه على منوال الحاوي وجمع ترجمة لشيخه المنوفي تدل على معرفته بالأصول. وكان أبوه حنفياً يلازم الشيخ أبا عبد الله بن الحاج يعتقده، فشغل ولده مالكياً بسببه. اه.

وقال أبو الفضل بن مرزوق الحفيد: تلقيت من غير واحد ممن لقيته بالديار المصرية وغيرها أن خليلاً من أهل الدين والصلاح والاجتهاد في العلم إلى الغاية، حتى أنه لا ينام في بعض الأوقات إلا زمناً يسيراً بعد طلوع الفجر ليريح النفس من جهد المطالعة والكتب. وكان مدرس المالكية بالشيخونية، وهي أكبر مدرسة بمصر. وبيده وظائف أخر تتبعها، وكان يرتزق على الجندية لأن سلفه منهم. وحدثني الإمام العلامة المحقق الفاضل قاضي القضاة بمصر والاسكندرية الناصر التنسي أنه اجتمع به حين أخذت الاسكندرية في عشر االسبعين وسبعمائة، وكان نزل من القاهرة مع الجيش لاستخلاصها من أيدي العدو. قال التنسي: واختبر فهمي بقول ابن الحاجب والصرف في الذمة والصرف في الدين، الحال يصح خلافاً لأشهب. اه.

ومن تصانيفه شرحه على ابن الحاجب شرح مبارك لين تلقاه الناس بالقبول وهو دليل على حسن طويته يجتهد في عزو الأنقال ويعتمد كثيراً على اختيارات ابن عبد السلام وأنقاله وأبحاثه، وهو دليل على علمه بمكانة الرجل. وإنما يعرف الفضل من الناس دووه. ورأيت شيئاً من شرح ألفية ابن مالك، قيل أنه من موضوعاته. اه كلام ابن مرزوق.

قلت: وله شرح على المدونة ولم يكمل، وصل فيه إلى كتاب الحج. قال ابن غازي: كان عالماً مشتغلاً بما يعنيه حتى حكي أنه أقام عشرين سنة لم ير النيل بمصر. وحكي عنه أنه جاء يوماً لمنزل بعض شيوخه، فوجد كنيف المنزل مفتوحاً، ولم يجد الشيخ هناك. فسأل عنه، فقيل له أنه يشوشه أمر هذا الكنيف، فذهب يطلب من يستأجر له على تنقيته. فقال خليل: أنا أولى بتنقيته. فشمر ونزل ينقيه. وجاء الشيخ فوجده على تلك الحال، والناس قد حلقوا عليه ينظرون إليه تعجباً من فعله. فقال الشيخ: من هذا؟ قالوا: خليل. فاستعظم الشيخ ذلك وبالغ في الدعاء له عن قريحة ونية صادقة. فنال بركة دعائه، ووضع الله تعالى البركة في عمره. وحدثنا شيخنا أبو زيد الكاواني عمن رأى خليلاً بمصر عليه ثياب قصيرة أظنه، قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وسمعت شيخنا القوري يقول أنه من المكاشفين، وأنه مر بطباخ دلس ببيع لحم الميتة، فكاشه فأقر وتاب على يده. اه.

قلت: وغلب ظني أن مسألة الطباخ ذكرها الشيخ خليل في ترجمة المنوفي من كرامات شيخه، والله أعلم. وذكر التتائ عن ابن الفرات أن خليلاً رئي بعد موته، فقيل له ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ولكل من صلى علي. اه.

قلت: ولقد وضع الله تعالى القبول على مختصره ووضيحه من زمنه إلى الآن، فعكف الناس عليهما شرقاً وغرباً حتى لقد آل الحال في هذه الأزمنة المتأخرة إلى الاقتصار على المختصر في هذه البلاد المغربية مراكش وفاس وغيرهما، فقل أن ترى أحداً يعتني بابن الحاجب فضلاً عن المدونة بل قصاراهم الرسالة وخليل، وذلك علامة دروس الفقه وذهابه. وأما التوضيح فهو كتاب الناس شرقاً وغرباً، ليس من شروحه على كثرتها ما هو أنفع منه ولا أشهر. اعتمد عليه الناس، بل وأئمة المغرب من أصحاب ابن عرفة وغيرهم مع حفظهم للمذهب. وكفى بذلك حجة على إمامته. ولقد حكي عن العلامة شيخ شيوخنا ناصر الدين اللقاني أنه حيث عورض كلام خليل بكلام غيره كان يقول: نحن أناس خليليون إن ضل ضلنا مبالغة في الحرص على متابعته. ومدح مختصره اللشيخ ابن غازي فقال:

إنه من أفضل نفائس الأعلاق * وأحق ما رتق بالإحداق * وصرفت له همم الحذاق
عظيم الجدوى * بليغ الفحوى * بين ما به الفتوى
وجمع مع الاختصار شدة الضبط والتهذيب * واقتدر على حسن المساق والترتيب
فما نسج على منواله * ولا سمح أحد بمثاله. اه

ولذلك كثر عليه الشروح والتعاليق حتى وضع عليه أكير من ستين تعليقاً من بين شرح وحاشية. وقد يسر الله تعلى لي في وضع شرح عليه، جمعت فيه لباب كلام من وقفت عليه من شراحه، وهم أزيد من عشرة مع الاختصار والاعتناء بتقرير ألفاظه منطوقاً ومفهوماً وتنزيله على النقول، بحيث لو كمل لما احتيج غالباً إلى غيره، ثم وقع علينا محنة وشتت شملنا وذهبت نفائس كتبنا—جعلها الله تعالى كفارة وتمحيصاً. ولما جبر الله علي بعهضاً [بعضاً ؟] بعد دخولنا لمراكش أصبت منها ذلك التعليق فأعطيته للفقيه إبراهيم الشاوي، وكان من أكبر فقهائها حينئذ وأكثرهم خدمة للفقه، فأعجب به ومحمد [ومدحه ؟] وصار يعتمد عليه وينقل منه في درسه ويثني عليه في مجلسه بين أصحابه—يرس الله في إكماله، آمين. وكتبت أيضاً تحريرات ونكتاً على كثير من مشكلاته.

وأما وفاة الشيخ خليل، فذكر الشيخ زروق أنه توفي سنة تسع وستين. وقال ابن مرزوق: حدثني الشيخ الفقيه القاضي ناصر الدين الإسحاقي، وكان من أصحابه ومن حفاظ مختصره، أنه توفي ثالث عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبمعمائة، وأن مختصره إنما لخص منه في حياته إلى النكاح وباقيه وجد في تركته في أوراق مسودة فجمعه أصحابه وضمنوه لما لخص فكمل الكتاب. اه. ونحوه لابن غازي وغيره. وذكر ابن حجر أن وفاته في ربيع الأول سنة سبع وستين وسبعمائة. وقال الإمام العلامة محمد بن محمد بن الحطاب شيخ شيوخنا: الصواب ما ذكره ابن حجر. اه.

قلت: بل الأشبه ما ذكره ابن مرزوق وابن غازي لإسناده إلى بعض تلاميذ خليل، وهو أعلم به من غيره لكونه ممن حضره وصاحبه في حياته، وأيضاً فقد ذكر أن الشرف الرهوني وقع بينه وبين خليل منازعة في مسألة، فدعا عليه خليل، فتوفي الرهوني بعد أيام، ووفاة الرهوني على ما ذكره سنة خمس وسبعين أو ثلاث وسبعين على ما ذكره ابن حجر، فخليل في ذلك الوقت حي على مقتضى هذه الحكاية. وقد سمعت شيخنا العلامة محمد بن محمود بغيغ يذكر عن بعدهم أي بعض شيوخ مصر أن خليلاً بقي في تصنيف مختصره خمساً وعشرين سنة. وقد ذكر خليل في ترجمة شيخه المنوفي أن وفاته سنة تسع وأربعين، وأنه حينئذ لا يعرف الرسالة يعني المعرفة التامة، ولا يمكن بقاؤه في تصنيفه المدة المذكورة إن صح إلا أن يكون اشتغل به بعد الخمسين وتكون وفاته عام ستة وسبعين—وتأمله، والله أعلم.

وقد قرأت مختصره مراراً عديدة وختمته بقراءتي وقراءة غيري قراءة بحث وتحقيق وتحرير على علامة وقته شيخنا الفقيه محمد بن محمود بغيغ، وأجازنيه سيدي والدي في عميم إجازاته. وقرأه شيخنا المذكور على والده وعلى سيدي أحمد بن سعيد. ووالده وسيدي أحمد بن سعيد ووالدي—رحمه الله كلهم—أخذوه عن بركة الوقت سيدي محمود بن عمر عم والدي، وهو عن الشيخ عثمان المغربي، وهو على نور السنهوري، وهو على الشمس البساطي عن تلاميذ خليل عنه—والحمد لله.

خالد ابن عيسى بن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالي البلوي القتوري أبو البقاء علم الدين الإمام القاضي الفاضل. قال في الإحاطة من أهل الفضل كثير التواضع والخلق الحسن وجميل العشرة محب في الأدب، تقضي ببلده وغيرها، حج وقيد رحلته في سفره وصف فيها البلاد ومن لقي بها. وكتب بتونس عن أميرها قليلاً. وهو الآن قاض ببعض الجهات الشرقية من الأندلس. اه.

وقال غيره: ارتسم بديوان الكتابة بتونس عن أميرها زمناً يسيراً. وكان يتشبه بالمشارقة شكلاً ولساناً ويصبغ لحيته بالخناء والكتم. اه.

وقال الحضرمي: هو صاحبنا الفقيه الأجل القاضي العدل الحاج المتخلق الحسيب الأديب المتفنن العالم الفاضل. اه.

أخذ بفاس عن الشيخ عبد العزيز القروي وأبي العباس بن شعيب الجزنائي وعبد المؤمن الجناتي وأبي عبد الرحمن الجزولي وأبي عبد الله بن عبد الكريم. سمع على الجزولي كثيراً من الرسالة والتهذيب، وعلى ابنه العالم أبي عبد الله محمد الجزيول، وبتلمسان عن أبي موسى ابن الإمام وقاضي الجماعة أبي علي منصور بن هدية وأبي عمران موسى المشذالي والقاضي أبي عبد النور، وبغرناطة عن محمد بن محمد بن عاصم القيسي وغيره من خلق كثيرين.

قلت: وقد وقفت على رحلته في سفر، وفيها فوائد، ونقلت منها تراجم.

خلف بن أبي بكر النحريري. أخذ عن الشيخ خليل، وبرع في الفقه وناب في الحكم وأفتى ودرس. ثم توجه للمدينة فجاور بها معتنياً بالتدريس والإفادة والانجماع والعبادة، إلى أن مات بها عام ثمانية عشر وثمانمائة—كذا قال ابن حجر. وقال السخاوي: بحث على الشيخ خليل في مختصره وله أجوبة مسائل النجم بن فهد، وسمع من القلانسي الموطأ بفوت، وحدث وسمع منه الفضلاء. ولد تقريباً سنة أربع وأربعين وثمانمائة.

حرف الدال المهملة

دراس بن إسماعيل الفاسي أبو ميمونة. قال الن الفارض: كان فقيهاً حافظاً للرأي. له رحلة حج فيها، ولقي بالاسكندرية على بن عبد الله بن مطر، وسمع منه الموازية. وحدث به بالقيروان. وسمع منه أبو الحسن القبسي، وكان يقرأ عليه بالقيروان. ودخل الأندلس وتكرر فيها مجاهداً، وتردد في الثغر، سمع منه غير واحد. توفي في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة بفاس، ودفن عند باب اجيزيين. اه

قلت: وهو خارج باب الفتوح مشهور عند أهل فاس. زرته مراراً—والله أعلم.

داود بن عمر ابن إبراهيم الشاذلي الأسكندري، من الأئمة الراسخين، فقيه مالكي. له فنون عديدة وتصانيف مفيدة. صحب التاج ابن عطاء الله، وأخذ عنه التصوف. ألف شرحي مختصر التلقين لعبد الوهاب، وجمل الزجاجي. وله تأليف في المعاني والبيان. مات بالاسكندرية سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة—صح من تأريخ النحاة.

داود بن سليمان ابن حسن الفنبي الإمام العلامة الصالح أبو الجود الفرضي الحاسب. وفَنْب—بفتح الفاء الموحدة وسكون النون ثم الموحدة—قرية من قرى مصر. قال الشيخ أبو البركانت ابن أبي يحيى: كان الشيخ أبو الجود شيخنا ثقة مسناً. انتهى.

وقال السخاوي: ولد سنة اثنين وتسعين وسبعمائة. ونشأ بها، وحفظ القرآن والعمدة والرسالة والمختصر الفرعي وألفية بن مالك. ومن شيوخه قاسم العقباني والجمال الأقفهسي والبساطي والزين عبادة، وبرع في القرائض وشارك في العربية وغيرها. وتصدى للتدريس والافتاء، فانتفع به الطلبة، خصوصاً في الفرائض بحيث أخذ عنه جمع الأكابر. وأملى على مجموع الكلاعي شرحاً مطولاً فيه فوائد، وكتب على الرسالة فيما أخبرني به جماعة. ودرس بالمنكوتمرية والبدرية والبرقوقية للمالكية وغيرها. مات في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثمانئمائة. اه.

داود علي بن محمد القلتاوي الأزهري، نسبة إلى الجامع الأزهر بمصر. أخذ عن أبي القاسم النويري والزين طاهر وأبي الجود، وأكثر من المطالعة والتحصيل وتمهر في الفقه والعربية وتصدى للإقراء قديماً. وكذا كتب على الفتيا وتكلم في البرقوقية وسعيد السعداء، وصار أحد شيوخ المالكية، حتى أن قاضي المذهب رد على قاضي الجماعة يوم مجلس الطلبة حين ذكر ما ينقضه بقوله، بل هو من مدرسي الجامع الأزهر من نحو عشرين عاماً—كذا قال السخاوي.

وقال الداودي: كان من أفراد الدهر علماً وديناً واعتزالاً عن الخلق وإقبالاً على ما يهمه من أمر آخرته. ألف مختصر شرح خليل، وابن الحاجب الفرعي، والرسالة استمر ذكره في الآفاق وعم النفع به، وشرح تنقيح القرافي، وألفية النحو، والجرومية، ومناسك الحج وغيرها. مات ليلة الجمعة ثاني عشر رجب سنة اثنين وتسعمائة. اه.

قلت: وأخذ عنه الشمس التتائي وغيره. وشرحه على خليل في سفرين يميل فيه لحل الألفاظ والاختصار.

حرف الراء المهملة

راشد بن أبي راشد الوليدي أبو الفضل، صاحب كتاب الحلال والحرام، وحاشية المدونة. أخذ عن أبي محمد صالح الهشكوري، وأخذ عنه الإمام أبو الحسن الصغير وعبد الرحمن الجزولي وأبو الحسن ابن سليمان وغيرهم. لا تأخذه في الله لومة لائم ولم يكن في وقته من هو أتبع منه للحق—صح من خط بعض أصحابنا

فائدة: ذكر في كتاب الحلال والحرام له أنه سمع من أبي محمد عبد الله بن موسى الفشتالي أن التائب إذا اقتصر على ما عند علماء الظاهر أولى وأسلم له، بل لا يجوز اليوم اتخاذ شيخ لسلوك طريق المتصوفة أصلاً، لأنهم يخوضون في فروعها ويهملون شروط صحتها، وهو باب التوبة إذ لا يصح بناء فرع قبل تأسيس أصله. قال وسمعته يقول: لو وجدت تآليف القشيري لجمعتها وألقيتها في البحر. قال: وكذلك كتب الغزالي. قال: وسمعته يقول إنه لأتمنى على الله أن أكون يوم الحشر مع أبي محمد بن أبي زيد لا مع الغزالي، بل مع أبي محمد يسكر، فذلك أكثر أمناً لي على نفسي.اه ملخصاً منه. توفي بمدينة فاس على ما قيل سنة خمس وسبعين وستمائة.

الرماح. قال أبي والقاسم البرزلي: هو الشيخ الفقيه أبو عبد الله القيسي فقيه القيروان المتأخر وكان عالماً صالحاً متعبداً زاهداً أقام ستين سنة مواظباً بجامع القيروان للتدريس والعبادة إلى أن توفي في وباء عام تسعة وأربعين وسبعمائة. أدرك طبقة ابن زيتون ومن في زمن المستنصر الحفصي. أدركته ولم آخذ عنه. اه. وأكثر النقل عنه في نوازله.

الرماح الشيخ أبو القاسم. قال الشيخ زروق: هو أحد عدول طرابلس، كان رجلاً صالحاً حسن النية جميل الحالة. له شرح على حكم ابن عطاء الله وضع فيه لكل حكمة خطبة مع ذكر كثير من كلام الحاتمي وابن الفارض وغيرهما بلا مناسبة—نفعه الله بنيته. توفي سنة سبع وثمانين وثمانمائة عن نيف ومائة سنة.

حرف الزاؤ المعجمة

زوي بن أحمد بن يونس الجيزي—بجيم مكسورة ثم تحتية فزاي مكسورة ثم تحتية—نسبة لبلدة بمصر. قال البدر القرافي: شيخنا العلامة العمدة الفهامة عمدة الخلف بقية السلف ذو الفضائل البهية في العلوم العقلية والنقلية، أخذ عن الإخوين الجليلين شمس الدين وناصر الدين اللقانيين، عن الأول الموطأ والمختصر. ثم لازم الثاني نحو أربعين عاماً بحيث اختص به، وأخذ عنه بعض الكشاف والبيضاوي والعضد وشرح العقائد والتهذيب ومختصر خليل والمطول وحاشيته ومختصر السعد وشرح المحلي على السبكي والمغني والتوضيح لابن هاشم وغيرهم من المعقولات. وأذن له في الإفتاء وحضه عليه بقوله: اكتب، أنا أكتب خطي معك مع اشتهار كمال توقفه عنها. وأخذ أيضاً عن سليمان الجربي وغيره. وله اليد الطولى في العربية، انفرد بمعرفة شرح الرضى على الكافية مستحضراً له، وصار مرجع. وقيل المالكية بمصر في الإفتاء والمعول عليه مع ما له من تفكيك عبارة مختصر خليل، بل انفرد واشتهر بتحقيق كل ما يقرئه يوضح حقائقه ودقائقه لا يكاد فهمه، يقبل الخطأ مع التواضع، وحمل الأذى على طريقة السلف. وبالجملة فهو من حسنات دهره. مولده في أوائل القرن. وكان يلح في الدعاء أن يختم عمره بحجة. فتوفي منصرفه من الحج والزيارة سنة سبع وسبعين وتسمعمائة. وأخبرني بعض من سمعه أنه كان ينشد بعد هذه الحجة كثيراً

أصبحت نفسي رهينه * بين مكة والمدينه. اه

قلت: ولقيه شيخنا العلامة محمد بن محمود وحضر درسه، ولقيه أيضاً والدي رحمه الله.

حرف السين المهملة

سليمان بن حكم بن محمد بن أحمد ابن علي الغافقي القرطبي أبو الربيع. قال ابن الأبار: روى عن أبي القاسم بن الشراط وأبي حفص بن عمر وجماعة، وسمع على الخطيب بن جعفر بن يحيى. وقرأ بمدينة غافق على خطيبها أبي عبد الله البكري، وأجازه جماعة. وكان ثقة عدلاً أديباً ناظماً، له أرجوزة في الفقه حسنة—رويت عنه—تتبع فيها كتاب الخصال الصغير للعبدي وأبوابه، مع الضبط وحسن الخط والتقدم في الشروط. توفي في ربيع الأخير عام ثمانية عشر وستمائة، وقد راهق ستين—ذكره ابن الطيلسان. ومن سعرث:

يفرح الإنسان لأيامه * يمضي لما يرجوه من آماله
وهو على الدرهم يبكي دما * أن خاله يذهب من ماله.

سليمان الونشريسي، يسمى أبا الربيع الإمام، المقرئ بفاس. أخذ عنه الفقيه أبو سالم اليزناسني، وقرأ عليه الأستاذ أبو عبد الله الرندي كتاب الجلاب، وكان قائماً عليه وعلى المدونة. نقل يوماً مسألة في مسح الخفين عن ابن رشد، فقال له خلف الله المجاصي: والله ما قال هذا ابن رشد قط، وكان خلف يستحضر المقدمات والبيان. فغصب الشيخ ونزل عن كرسه وهو يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وترك الإقراء يومين. ففي الثالث اجتمع به طلبته، وكانوا يجتمعون به قبل ذلك ولا يكلمونه عظاماً له. فقال لخلف الله: يا أبا سعد تكذبني في النقل وقد نصحتك أعواماً كثيرة فما كان جزائي منك إلا هذا. فقال: يا سيدي ذكرت أن ابن رشد لم يتكلم على مسح الخفين في مقدماته ولا ذكر ذلك في بيانه. فحبذ الشيخ كتاب التقييد والتقسيم لابن رشد ودفعه إليه، فقبل عند ذلك يده واعتذر له ورجع. وعلم الشيخ أنه لم يقصد إلا خيراً، وإنما حمله على خشونة اللفظ انزعاجه. توفي بفاس سنة خمس وسبعمائة—صح من تأريخ فاس لصاحبنا ابن القاضي.

سليمان بن خالد بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم الطائي علم الدين البساطي، نسبة إلى بساط—بالباء الزوحدة فسين وطاء آخره—بلدة بمصر. اشتهر بمعرفة المذهب وشارك في الفنون. كان كثير التقشف تاركاً للتكلف كثير الطعام لمن يرد عليه. وكان يقرر الألفية تقريراً حسناً، ويشغل الناس حين نيابة القضاء ويقرر أحسن تقرير. ثم ولي القضاء بعد صرف البدر بعناية الأمير قرطاني سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، فباشرها بمهابة وعفة فاستمر ثمانين يوماً، ثم صرف في صفر سنة تسع، وأعيد البدر إلى أن مات في سنة ثمانين وسبعمائة. واستمر البساطي إلى أن وقع بينه وبين القاضي برهان الدين بن جماعة، فصرف في جمادي الأولى سنة ثلاث وثمانين. فاستمر معطلاً حتى مات ليلة الجمعة ثالث عشر صفر سنة ست وثمانين.

وكان بعارض البرهان في كثير من الأمور فاتفق أنه عرض عليه وصية فأثبت قبل أن تعرض على ابن جماعة. فبلغه ذلك فغضب واستعان عليه بأكمل الدين، وكان البساطي لا يلتفت إلى رسائله مع ما له من الجاه وتعظيم الملوك. فقام الأكمل في نصرة ابن جماعة حتى عزل البساطي واستقر جمال الدين بن خير. اه من الدرر الكامنة لابن حجر.

سليمان بن الحسن البوزيدي الشريف التلمساني أبو الربيع، الإمام العالم المحصل السيد. قال الشيخ أبو البركات التالي: شيخنا الفقيه المحقق كان قائماً على المدونة وابن الحاجب مستحضراً لفقه ابن عبد السلام، وأبحاثه نصب عينيه اه.

قال القلصادي في رحلته: حضرت مجلس سيدي سليمان البوزيدي، وكان فقيهاً إماماً عالماً بمذهب المالك اه.

وذكر ابن غازي في ترجمة شيخه أبي محمد الورياغلي أن من شيوخه صاحب الترجمة وانه وصف بالشريف الحسيب النسيب الفقيه العالم المحقق الأفضل. اه.

قال الونشريسي: شيخ شيوخنا الفقيه المحصل المحقق، له إشكالات وجهها لعالم تونس أبي عبد الله بن عقاب فأجابه عنها اه.

وقال في وفياته: توفي شيخ شيوخنا الحفظ الذاكر شيخ الفروع أبو الربيع سليمان الشريف عام خمسة وأربعين وثمانمائة اه.

سليمان الحميدي الوهراني أبو الربيع. قال القلصادي في رحلته: اجتمعت به فيها وكان فقيهاً إماماً.

سليمان بن يوسف ابن إبراهيم الحسناوي البجائي. قال السخاوي: أخذ عن عمه أبي الحسن على بن إبراهيم ومحمد بن بلقاسم المشذالي، وتقدم في الفقه والأصلين والفرائض والحساب والمنطق. كتب شرحاً للمدونة، وصنف في الفرائض والحساب والمنطق. وأشير إليه بالجلالة. وأكره على قضاء الجماعة، فأقام به أزيد من سنتين، فأعرض عنه ولازم التدريس والإفتاء إلى أن مات سنة سبع وثمانين وثمانمائة تقريباً. وكان يصرح ببلوغ رتبة الاجتهاد ومخالفة إمامه في كثير من الفروع اه.

وقال الشيخ زروق في حقه: الشيخ الفقيه الإمام الصدر العالم أبو الرقيع مفتي بجاية من صدور الإسلام في وقته علماً وديانة.

سليما الورنيدي المدعو بابن يعربين، الشيخ العالم النحوي. أخذ عن الأستاذ الصغير، وتقدم في النحو والقراآت، وتصدر لإقرائهما. أخذ عنه موسى الزواوي. وتوفي حادي عشر شعبان عام أحد وتسعين وثمانمائة. هكذا نقل من خط أبي القاسم بن إبراهيم الفاسي اه.

وقال الشيخ زروق في كناشته: الأستاذ أبو الربيع عرف بابن يعربين، أحد نجباء تلامذة الأستاذ الصغير، جلس مجلسه بعده لإفادة الإداء في السبع، وانتفع به. كان قيماً على ما هو به. توفي سنة اثنين وتسعين بعد الأستاذ المصيمدي اه.

سليمان بن أشعيب بن خضر البحيري القاهري. ولد تقريباً سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وقدم القاهرة وهو كبير، يقرأ القرآن وتلا برواية أبي عمرو. وانتفع بالسنهوري في الفقه لمزيد ملازمته له فيه، وأخذ أيضاً عن العلمي وغيره وأصول الدين والمنطق على التقي الحصني، والمنطق مع العربية والمعاني والبيان عن الجمال عبد الله الكوراني، وأصول الفقه على العلاء الحصني، وشرح نظم التحفة عن مؤلفه، وبرع في الفقه وقعد للإفادة بالجامع الأزهر عن السراج بن حريز وعن شيخه السنهوري بالبرقوقية. وحفظ الرسالة وألفية النحو، كل ذلك مع سكون وتواضع وديانة وتقلل وتنفع. اه من الضوء اللامع.

قال البدر القرافي: من مؤلفاته شرح إرشاد ابن عسكر اعتمد فيه على ابن عبد السلام وخليل وبهرام، وشرح اللمع، وشرح الإرشاد أمثل، وحاشية على مختصرالدلاب بين فيها المشهور أجاد فيها على طريقة خليل اه.

وقد وقفت على الأخير في جزء لطيف أخذ عنه الشرف الطخيخي.

من اسمه سعد

سعد بن أحمد بن إبراهيم ابن ليون التجيبي أبو عثمان، من ألم المرية. قال الحضرمي: في مسشيخته شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ المصنف الطيب الأعرف الماهر العالم المتفنن الصالح الزاهد الفاضل، من أجل علماء الأندلس وأبرعهم تأليفاً. له تصانيف عدة في فنون نظماً ونثراً نحو ثلاثين تأليفاً. له قدرة على نظم العلوم، ليس في بلده في زمنه أحد أكثر منه كتباً أو أعلى إخطاراً، يتنافس في اقتنائها ويتهم بها مع الاعتناء بمقابلتها وضبطها إجادة تصحيحها، مع زهادة وورع وشدة انقباض عن الناس وزهد فيما عندهم. لم يتزوج قط. ولم يزل مدة حياته يقصده فضلاء الناس وخيارهم وأشرافهم للاتنفاع به في الطب والقرائة عليه، واستنابه قضاة بلده في الأحكام الشرعية والنوازل الحكمية. فظهرت عدالته وشكرت سيرته واشتهرت مواهته. ولد بالمرية ونشأ بها لم يخرج منها لغيرها، كثير الصدقة لازمته ثلاثين سنة تباعاً. وحفظت بعض منظوماته في الحديث والفرائض والطب والعروض والمساحة وغيرها. وسمعت معظمها وتفقهت عليه في علم الحديث والفرائض وغيرهما وانتفعت بخزانته. توفي شهيداً في الطاعون عام خمسين وسبعامائة، وقد ناهز سبعين سنة مولده عام أحد وثمانين وستمائة. أنشدني لنفسه

جنة العالم لا أدري * إذا ما احتاج لجنة
فإذا ما ترك الجنة * باتت فيه جنة
فالزم الجنة تسلم * إنما الجنة جنة.

ومن نظمه أيضاً قوله:

يحق الحق حتاما دون شك * وإن كره المشكك والملد
صريح الحق قد يخفى ولكن * بعيد خفائه لا شك يبدو

وقوله:

ما تمت الدنيا لشخص ولا * أمل ذا فيها سوى من فتن
عادتها الفتك بمن رامها * وكل من أعرض عنها أمن
فلا تغرنك بلذاتها * فإن من غربها قد غبن

وقوله أيضاً:

لا تقبل الحكم على بلدة * نشأت فيها أنه يحقد
رئاسة المرء على الأهل * والخيران والخلان لا تحمد

وقوله:

تغافل في الأمور ولا تكثر * تقصيها فالاستقصاء فرقه
وسامح في حقوقك بعض شيء * فما استوفى كريم قط حقه.

وغير ذلك مما ذكر في حزبه المسمى إبراء الديم في المواعظ الحكم. وقد اتفق لفطاً وخطاً مع الشيخ الفقيه العدل العالم أبي عثمان.

سعد بن أحمد التجيبي. في الجوندي الجياني أحد شيوخ الشورى والفتيا وعقد الشروط واسطة عقدهم بغرناطة. وبها توفي عن نحو ثمانين سنة رابع شعبان عام اثنين وعشرين وسبعمائة. كان صرورة لم يتزوج قط منقبضاً ذا خمول نظاراً مفتياً عدلاً بصيراً بالشروط عارفاً بالقضاء والأحكام مطلعاً عليها. ولي قضاء المرية عام ثمانية وتسعين وستمائة، ثم قضاء البيرة، وناب عن قضاة غرناطة. أخذ عن خاله الأستاذ الشهيرأبي عبد الله بن مسمغور. وكان لا يرى اجازة، فلم يجز أحداً، ولا حدث بشيء. وقد تقارب مع الذي قبله في السبعة: في السن، والطبقة، والعلم، والزهد، والنسب، والنيابة عن القضاة، وجمع الكتب، وتفارقا في ستة: في البلد، واسم الجد، والشهرة، والمولد، والوفاة، والخلق. فبين مولدهما ووفاتهما نحو ثلاثين سنة.

من اسمه سعيد

سعيد بن محمد بن أبي العافية المكناسي. قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المعمر العدل أخذ عن الرواية ابن حابر الوادآشي وغيره. توفي بمكناسة الزيتون عام ثمانية وثمانين وسبعمائة.

سعيد بن محمد بن محمد بن محمد العقباني التلمساني، إمامها وعلامتها ذكره ابن فرحون في الأصل، وقال أنه فقيه في المذهب متفنن في علوم. سمع من أبني الإمام وتفقه بهما، وأخذ الأصول عن الأبلي وغيره، وصدارته في العلم مشهورة. ولي قضاء الجماعة ببجاية في زمن أبي عنان، والعلماء يومئذ متوافرون. وولي أيضاً قضاء تلمسان، وله في ولاية القضاء ما ينيف عن أربعين سنة. ألف شرح الحوفي لا نظير له، وشرح جمل الخونجي، وتلخيص ابن البنا، وقصيدة ابن يا سين في الجبر والمقابلة، والعقيدة البرهانية، وتفسير سورة الفتح أتى فيه بفوائد جليلة. وهو باق بالحياة اه.

وقال غيره: العقباني نسبة لعقبان قرية بالأندلس أصله منها تجيبي النسب، إمام فاضل فقيه متفنن في علوم شتى، قرأ الفرائض على الحافظ السطي، وولي قضاء بجاية وتلمسان وسلا ومراكش، وكان يقال له رئيس العقلاء. وقال ابن صعد: كان فقيهاًعلامة خاتمة قضاة العدل بتلمسان اه.

ألف شرح الحوفية ولم يؤلف عليها مثله، وتفسير سورتي الأنعام والفتح، وشرح البردة وشرحاً جليلاً على ابن الحاجب الأصلي. أخذ عنه الأئمة كالإمام العارف بالله براهيم المصمودي والإمام العارف أبي يحيى الشريف والإمام الحجة ابن مرزوق الحفيد وولده الإمام العلامة قاسم العقباني والإمام أبي الفضل ابن الإمام والإمام الفاضل أبي العباس بن زاغو وغيرهم، وبالإجازة الإمام المحقق النظار محمد بن عقاب الجذامي. قال الونشريسي في وفياته: مولده بتلمسان عام عشرين وسبعمائة، وتوفي عام أحد عشر وثمانمائة اه.

وتقدمت ترجمة حفيديه القاضيين أبي العباس وأبي سالم، وستأتي تراجم ولده قاسم مع حفيديه القاضي محمد بن أحمد وعبد الواحد إن شاء الله تعالى.

سعيد الدكالي المغربي، نزيل مكة. كان عالماً فقيهاً حياً بعد التسعين وثمانمائة.

سعيد بن علي السوسي الأوزالي. قال عبد الواحد الشريف في فهرسته: شيخنا الفقيه العالم، أخذ عن أبي عبد الله بن مهدي. كان صالح النية طاهر الطوية سليم الصدر بعيداً عن الخلق أهل الدنيا مجبولاً على عدم التصنع وقلة المبالاة. تولى قضاء سوس، فحمدت سيرته لتحري الحق والوقوف على القسطاس القيم. له نية صالحة في التعليم يقرئ الفقه والعربية والحساب معتنياً بمطالعة توضيح الشيخ خليل والمرادي على الألفية مستحصراً لهما، لا يفتر ليلاً ولا نهاراً، وفاقاً على النصوص مستحضراً للصواب حاضرالذهن مع محبة أهل البيت النبوي اه

قلت: جرى بيني وبينه مراسلة. توفي عام أحد وألف.

سرور بن عبد الله بع سرور أبو الوليد، الشيخ الإمام القرشي المغربي التونسي المالكي عرف باسمه. قال البرهان البقاعي في عنوانه: ولد كما أخبرني به سنة إحدى وتسعين وسبعمائة في قسنطينة. ثم قطن الاسكندرية وبقي فيها مسلسلاً في بعض المراكب في آخر سنة أربعين وثمانمائة. ثم بلغنا في شعبان سنة خمس أنه قتل واختفي خبره اه.

سالم بن محمد السنهوري، الشيخ الفقيه المحدث المتفنن العلامة أحد شيوخ مصر، أدرك الناصر اللقاني، وتفقه بالشيخ محمد البنوفري، وأخذ الحديث عن نجم الدين الغيطي. وبرع في الفقه والحديث وغيرهما، واشتهر ودرس وأفتى. وأخبرني بعض من لقيت من أصحابه أن له تعليقاً على مختصر خليل. وهو الآن حي—نفع الله به.

حرف الشين المعجمة

شعبيب بن الحسن الأندلسي، شيخ المشائخ سيدي أبو مدين سيد العارفين وقدوتهم الإمام المشهور عرف به جماعة، بل ألف ابن الخطيب القسنطيني في تعريفه وأصحابه جزأً قال:

هو وغيره كان من أفراد الرجال * ومن صدور الأولياء الأبدال.

جمع بين الشريعة والحقيقة، أقام هادياً وداعياً للحق، وقصدت زيارته من جميع الأقطار، وشهر بشيخ المشائخ. وذكر التادلي وغيره أنه تخرج به ألف شيخ من الأولياء أولى الكرامات.

وقال أبو الصبر: كبير مشائخ وقته، كان أبو مدين زاهداً فاضلاً عارفاً بالله تعالى خاض بحار الأحوال ونال أسرار المعارف خصوصاً مقام التوكل.

لا يشق غباره * ولا تجهل آثاره

قال التادلي: كان مبسوطاً بالقبض مقبوضاً بالمراقبة كثير الالتفات بقلبه لربه حتى مات. وهو يقول في آخر الزمان: الله الحق. وكان من أعلام العلماء وحافاظ الحديث خصوصاً جامع الترمذي قائماً عليه، رواه عن شيوخه عن أبي ذر، يلازم كتاب الإحياء وتردت عليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في وقتها. له مجلس وعظ يتكلم فيه على الناس، وتمر به الطيور وهو يتكلم فتقف تسمع، وربما مات بعضها، وكثيراً ما يموت بمجلسه أهل الحب، تخرج به جماعة من العلماء والمحدثين وأرباب الأحوال. كان شيخنا أبو يعزي يثنى عليه ويعظمه بين أصحابه. ولما قدم من الأندلس قرأ على الحافظين أبي الحسن بن حرزهم والفقيه العلامة ابن غالب. وذكر عنه أنه قال: كنت في ابتدائي إذا سمعت تفسير آية أو حديث قنعت به وانصرفت لموضع خارج فاس أتخذه للعمل بما فتح الله علي به، فإذا خلوت تأتين غزالة تؤنسني. وأمر في طريقي بالكلاب فيبصبصوا لي ويدوروا حولي. فبينا أنا يوماً بفاس إذا رجل أندلسي من معارفي سلم علي، فقلت وجبت ضيافته، فبعت ثوباً بعشرة دراهم، فطلبته لأدفعها له فلم أجده هناك. فحملتها معي وخرجت لخلوتن على عادتي، فتعرض لي الكلاب فمنعوني الجواز حتى جاء رجل حال بيني وبينهم، ولما وصلت قريتي جاءتني الغزالة على عادتها فشمتني ونفرت عني وأنكرت علي. فقلت: ما أوتي علي ألد من هذه الدراهم التي معي، فرميتها عني فسكنت الغزالة وعادت لحالها معي. ولما رجعت لفاس رفعتها معي ولقيت الأندلسي فدفعتها له. ثم خرجت للخلوة فدار بي الكلاب فبصبصوا على عادتهم وجاءت الغزالة فشمتني وأتت كعادتها وبقيت كذلك مدة.

وأخبار أبي يعزي ترد على وكرامته يتداولها الناس فملأ قلبي حبه فقصدته مع الفقراء. فلما وصلنا إليه أقبل عليهم دوني، وإذا حضر الطعام منعني من الأكل معهم. فبقيت ثلاثة أيام، فأجهدني الجوع وتحيرت من خواطر ترد علي، وقلت في نفسي: إذ أقام الشيخ من موضعه مرغت فيه وجهي. فلما قال مرغته، فإذا أنا لا أبصر شيئاً، فبكيت ليلتي. فلما أصبح دعاني وقربني، فقلت: يا سيدي قد عميت. فمسح بيده على عيني فبصرت، ثم على صدري فزالت عنه تلك الخواطر وفقدت ألم الجوع. وشاهدت في الوقت عجائب بركاته. ثم استأذنته في الانصراف للحج، فأذن لي وقال لي: ستلقي في طريقك الأسد فلا يرعك، فإن غلب عليك خوفه فقل له: بحرمة آل النور إلا انصرفت عني. فكان الأمر كما قال. وتوجه للمشرق وأنوار الولاية عليه ظاهرة. فأخذ عن أعلام علمائها واستفاد من زهادها وأوليائها وتعرف في عرفة بالشيخ عبد القادر الجيلاني فقرأ عليه في الحرم كثيراً من الحديث، وألبسه الخرقة وأردعه كثيراً من أسراره، وحلاه بملابس أنواره. فكان أبو مدين يفتخر بصحبته ويعده أفضل مشايخه الأكابر.

وعن بعض الأوليائه قال: رأيت في النوم قائلاً يقول قل لأبي مدين بث العلم ولا تبال ترتع غدا مع العوالي فإنك في مقام آدم أبي الذراري. قال: فقصصتها عليه. فقال لي: عزمت على الخروج للجبال والفيافي وأبعد عن العمران، ورؤياك هذه تأمرني بالجلوس وترك العزم، فقولك "ترتع غدا مع العوالي" إشارة لحديث: حلق الذكر مراتع أهل الجنة والعوالي أصحاب عليين، ومعنى قوله "أبي الذراري" أنه أعطي قوة النكاح وأمر به، ولم يجعل له قوة على كونهم مطيعين، ونحن أعطينا العلم وأمرنا ببثه وتعليمه ولا قدرة لنا على كون أتباعنا موفقين. وكان يقول: كرامات الأولياء نتائج معجزاته صلى الله عليه وسلم، وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزي بسنده إلى الجنيد بسنده للحسن البصري عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن العارف عبد الرحيم المغربي. قال سمعت أبا مدين يقول: أوقفني ربي عز وجل بين يديه، وقال لي: يا شعيب، ماذا عن يمينك؟ فقلت: يا رب، عطاؤك. قال وماذا عن شمالك؟ قلت: يا رب، قضاؤك. قال: يا شعيب، قد ضاعفت لك هذا وغفرت لك هذا، فطوبى لما رآك أو رأى من رآك.

وعن أبي العباس المرسي قال: جلت في الملكوت فرأيت سيد أبا مدين متعلقاً بساق العرش وهو يومئذ رجل أشقر أزرق، فقلت له: وما علومك وما مقامك؟ فقال: علومي أحد وسبعون علماً، ومقامي رابع الخلفاء ورأس السبعة الأبدال. وسئل عما خصه الله به فقال: مقامي العبودية وعلومي الألوهية وصفاتي مستمدة من الصفات الربانية، ملأت عظمته سري وجهري وأضاء بنوره بري وبحري. فالمقرب من كان به عليماً، ولا يسمو إلا من أوتي قلباً سليماً، يسلم من سواه ولا يكون في الوعاء إلا من جعل فيه مولاه. فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شك وترى الجبال تحسبها جامدة وهو تمر مر السحاب. وسئل في مجلسه عن الحب، فقال: أوله دوام الحب ووسطه الأنس بالمذكور وأعلاه أن لا ترى سواه. واختلف أهل مجلسه هل الخضر ولي أو نبي، فرأى رجل صالح منهم معروف بالولاية تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: الخضر نبي، وأبو مدين ولي.

وذكر التادلي وغيره أن رجلاً جاء ليعترض عليه فجلس في حلقته فقرأ صاحب الدولة. فقال له أبو مدين: أمهل قليلاً. ثم التفت للرجل وقال له: لمَ جئت؟ فقال: لأقتبس من نورك. فقال له: ما الذي في كمك؟ فقال: مصحف. فقال له: افتحه واقرأ في أول سطر يخرج لك. ففتحه وقرأ أول سطر يخرج، فإذا فيه "الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيباً" الآية. فقال أبو مدين: أما يكفيك هذا. فاعترف الرجل وتاب وصلح حاله.

وذكر صاحب الروض عن الشيخ الزاهد عبد الرزاق أحد خواص أصحابه قال: مر الشيخ في بلاد الغرب فرأى أسداً افترس حماراً يأكله وصاحبه جالس بالبعد على غاية الحاجة والفاقة. وجاء أبو مدين وأخذ بناصية الأسد فقال له الشيخ: امسك الأسد واستعمله في الخدمة بموضع حمارك. فقال: يا سيدي أخاف منه. فقال: لا تخف لا يستطيع أن يؤذيك. فمر بالأسد يقوده والناس ينظرون. فلما كان آخر النهار جاء الرجل ومعه الأسد للشيخ وقال: يا سيدي هذا الأسد يتبعني أينما ذهبت وأنا خائف منه لا طاعة لي بعشرته. فقال الشيخ للأسد: اذهب ولا تعد، ومتى آذيتم بني آدم سلطتهم عليكم.

ومن مشهور كراماته أنه كان ماشياً يوماً على الساحل فأسره العدو وجعلوه في سفينة فيها جماعة من الأسارى. فلمى استقر في السفينة توقفت عن السير ولم تتحرك مع قوة الريح ومساعدتها. وأيقن الروم أن لا يقدروا على السير، فقال بعضهم أنزلوا هذا المسلم فإنه قسيس لعلمه من أصحاب السرائر عند الله تعالى فأشاروا إليه بالنزول. فقال: لا إلا أن أطلقتم كل من فيها من الأسارى. فعلموا أن لا بد لهم من ذلك، فأنزلوهم كلهم. وسارت السفينة في الحال.

ومنها أنه لما اختلفت طلبة بجاية في حديث "إذا مات المؤمن أعطي نصف الجنة". فأشكل عليهم ظاهره بموت مؤمنين يستحقان كل الجنة فجاؤوه وهو يتكلم على رسالة القشيري. فقال لهم بلا سؤال: المراد يعطى نصف جنته هو فيكشف له عن مقعده ليتنعم به وتقر عينه، ثم النصف الآخر يوم القيامة.

وكان يأتيه الأولياء من البلدان للاستفتاء فيما يعرض لهم من المسائل. وذكر تلميذه عبد الخالق التونسي عنه أنه قال: سمعت رجلاً يسمى موسى الطيار يطير في الهواء ويمشي على الماء. وكان رجل يأتيني عند طلوع الفجر فيسألني عن مسائل الناس، فوقع لي ليلة أنه موسى الطيار الذي أسمع به. فلما طلع الفجر نقر الباب رجل، فإذا هو الذي يسألني، فقلت له: أنت موسى الطيار؟ فقال: نعم. ثم سألني فانصرف. ثم جاءني مع آخر فقال لي: صليت الصبح ببغداد وقدمنا مكة فوجدناهم في الصبح فأعدنا معهم. وبقينا حتى صلينا الظهر فجئنا القدس فإذا هم في الظهر، فقال صاحبي هذا: تعيد معهم. فقلت: لا. فقال لي: ولمَ أعدنا الصبح بمكة؟ فقلت له: كذلك كان شيخي يفعل وبه أمرنا. فاختلنا. فقال أبو مدين. فقلت لهم: أما إعادة الصبح بمكة فإنها عين اليقين وببغداد علم اليقين، وعين اليقين أقوى من علمه. وصلاتكم بمكة وهي أم القرى، فلا تعاد في غيرها. فقال: فقنعا به وانصرفا. وفي حقائق المقري عن أبي زيد البسطامي أنه قال: يظهر في آخر الزمان رجل يسمى شعيباً لا تدرك له نهاية. قال: وهو أبو مدين اه.

وكان استوطن بجاية ويفضلها على كثير من المدن، ويقول أنها تعين على طلب الحلال. وما زال حاله يزداد رفعة وترد عليه والوفود من الآفاق ويخبر بالغيوب حتى وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور، وخوفوه منه على الدوالة، وأنه يشبه الإمام المهدي قد كثر أتباعه من كل بلد. فوقع في قلبه وأهمه شأنه فبعث إليه في القدوم عليه ليختبره. ووصى صاحب بجاية به وأن يحمله خير محمل. فلما أخذ في السفر شق على أحصابه وتغيروا فسكنهم. وقال: إن منيتي قربت، وبغير هذا المكان قدرت، ولا بد منه، وقد كبرت وضعفت لا أقدر على الحركة، فبعث الله لي من يحملني إليه برفق، وأنا لا أبى السلطان ولا يراني. فطابت نفوسهم وعدوه من كراماته فارتحلوا به على أحسن حال حتى وصلوا حوز تلمسان، فبدت لهم رابطة العباد. فقال لأصحابه: ما أصلحه للرقاد، فمرض. فلما وصل وادي يسراشتد مرضه، ونزلوا به هناك. فكان آخر كلامه: الله الحق. فتوفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

فحمل للعباد مدفن الأولياء الأوتاد وخرج أهل تلمسان لجنازته فكانت مشهداً عظيماً. وفي ذلك اليوم تاب الشيخ أبو عمر الحباك وعوقب السلطان فمات بعده بسنة أو أقل. والدعاء عند قبره مستجاب مجرب، كما حققه سيدي محمد الهواري في كتاب التنبيه.

ومن كلامه: إذا رأيت من يدعي مع الله تعالى حالاً وليس على ظاهره شاهد فاحذروه. وقال: حسن الخلق معاشره كل شخص بما يؤنسه ولا يوحشه، فمع العلماء بحسن الاستماع والافتقار، ومع أهل المعرفة بالسكون والانتظار، ومع أهل المقامات بالتوحيد والانكسار. وقال: الحق تعالى مطلع على السرائر والضمائر في كل نفس وحال، فأي قلب رآه مؤثراً له حفظه من الطوارق والمحن وفضلات الفتن. وسئل عن التسليم فقال: إرسال النفس في ميدان الأحكام وترك الشفقة عليها من الطوارق والآلام. وقال: من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم، ومن اشتغل بطلب الدنيا ابتلى فيها بالذل، ومن لم يجد من قلبه زاجراً فهو خراب. وقال: بفساد العامة تظهر ولاة الجور، وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون. وقال: من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه، ومن خدم الصالحين ارتفع، ومن حرمه الله احترامهم ابتلاه الله بالمقت من خلقه، وانكسار العاصي خير من صولة المطيع. وقال: علامة الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق. وسئل عن الشيخ فقال: الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم وشرك بالتعظيم، والشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه، إلى غير هذا من حكمه. وقد ذكرت منها طائفة من غير هذا الموضع—نفعنا الله به آمين.

شعيب بن محمد بن جعفر بن شعيب أبو مدين. قال في الدرر الكامنة: رأيت بخط البدر الزركشي أنه أحد أذكياء العالم. قال: وذكر لي أنه ولد في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة. وإنما أخذ عن ابن عبد السلام وأبي عبد الله الأبلي. وكان علامة في الفقه والنحو واللغة والحساب والمنطق جيد القريحة أتقن علوماً عدة حتى الكتابة والتدليك. وقدم القاهرة سنة سبع وخمسين، ثم سافر إلى حماة وتزوج. وبلغتنا وفاته سنة خمس وسبعين وسبعمائة.

شبيب بن أبرهة بن محمد بن حيدرة أبو الحسن القفصي، ولد بقفصة سنة عشر وخمسمائة. كان فقيهاً صالحاً نحوياً بارعاً زاهداً. وله في الفقه تعاليق وفي النحو تصانيف، حدث عن السلفى. ومات سنة ثمان وخمسين—صح من تأريخ مصر للسيوطي.

شقرون بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي، الأستاذ المتكلم المقرئ الحافظ الضابط أبو عبد الله محمد. أخذ عن العلامة محمد بن غازي، ورثاه بقصيدة. توفي سنة تسع وعشرين وتسعمائة—كذا بخط صاحبنا أحمد بن القاضي المكناسي. وله تعاليق منها الجيش الكمين في الكر على من يكفر عوام المسلمين.

حرف الصاد المهملة

صالح بن محمد بن موسى أبو محمد الشيخ مجد الدين الحسني الزواوي. ولد ليلة الأربعاء ثامن عشر رجب سنة ستين، وتوفي سادس عشر رجب سنة تسع وثلاثين وثمانمائة.

حرف الطاء المهملة

طاهر بن محمد بن علي بن محمد النويري المقرئ الشيخ زين الدين طاهر. ولد بعد خمس وتسعين وسبعمائة وتلا عن ابن الجزري وغيره وتفقه بالبساطي وغيره، وأخذ النحو عن سبط ابن هشام، ولازم القاياتي في المعقول. وصار أحد الأئمة المالكية في جمعه الفنون جامعاً بين العلم والتواضع والعفة والانقطاع عن الناس. ولي تدريس المالكية بالبرقوقية وبمدرسة حسن والإقراء بالجامع الطولوني وانتفع به الناس. مات في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة—اه من أعيان الأعيان للسيوطي.

وقال السخاوي: وتفقه بالجمال الأقفهسي والشهاب الصنهاجي وأبي عبد الله بن مرزوق شارح البردة وعبيد البشكالي والزين عبادة والبساطي ولازمه حتى أذن له، وتصدى لنشر العلم وصار من العلماء المعدودين المتقنين العارفين بالفقه وأصوله والعربية والقراآت وغيره سالكاً طريق الصلاح. كثرت تلامذته مع الانجماح عن الناس. ولد بعد التسعين وسبعمائة، وتوفي عام سنة وخمسين وثمانمائة اه

وذكره القلصادي في رحلته من شيوخه فقال: اشتغلت على الشيخ الفقيه الإمام المفيد زين الدين طاهر، فقرأت عليه بعض الجلاب ومختصر خليل وشرحه للبساطي وشرح الشاطبية للفاسي اه.

طاهر بن زيان الزواوي الفسنطيني، الشيخ الفقيه الصوفي الولي الصالح العارف بالله نزيل المدينة المشرفة، أخذ عن الإمام القطب سيدي أحمد زروق وعن ولده الشيخ أحمد زروق الصغير وانتفع بهما. وله تآليف في التصوف كنزهة المريد في معاني كلمة التوحيد في ثلاثة كراريس، ورسالة القصد إلى الله في كراسين. توفي بعد الأربعين وتسعمائة.

الطيب بن أبي بكر الغدامسي، فقيه نبيه ببلده تفقه بأبيه. وأبوه أخذ عن أبي عبد الله الرصاع. رحل وحج. توفي بعد الستين وتسعماشة. له نظم حسن.

حرف الظاء المعجمة

ظافر بن الحسين أبو منصور الأزدي المصري، شيخ المالكية انتصب للإفادة والفتيا وانتفع به بشر كثير. مات بمصر في جمادي الأخير سنة سبع وتسعين وخمسمائة—قاله الذهبي في العبر من تأريخ مصر.

ظهيرة بن محمد بن محمد بن محمد بن ظهيرة ظهير الدين أبو الفرج القرشي المكي. ولد في ذي الحجة سنة أحد وأربعين وثمانمائة ونشأ بها. فحفط القرآن ومختصر ابن الحاجب والرسالة، وكان ديناً بارعاً في الفقه والعربية. ولي قضاء المالكية بمكة بعد شيخة عبد القادر المكي سنة ثمان وستيثن وباشره بعفة ونزاهة ومبالغة في التأدب مع شيخه ومراعاة الخاطرة، ثم انفصل به بعد الشهر—اه من السخاوي.

قال السيوطي: أضر الشيخ عبد القادر المكي. أشار بتولة تلميذه ظهيرة بن أبي حامد بن ظهيرة، ثم توفي ظهيرة المذكور آخر سنة ثمان وستين اه.

حرف العين المهملة العبادلة

عبد الله بن أحمد بن الحاج الهواري، عرف بابن حفاظ أبو محمد. قال ابن الأبار: روى عن الباجي ولازمه وتفقه به، وأجازه ابن الحذاء، وهو من أصحاب أبي الحسن طاهر بن مفرز، وله معه قصة تدل على فضله. قال القاضي عياض حدثني أبو الحسن بن مفوز قال لازم ابن حفاظ الباجي وكان يميل لمذهبه في جواز كتبه صلى الله عليه وسلم بيده في قضية المقاضاة على ظاهر بعض رواياتها ويعجب به، وكنت أنكر عليه. ثم ذكر لي يوماً أن رجلاً رأى في النوم أنه في المدينة في مسجده ورأى قبره عليه السلام أمامه فيجد قشعريرة وهيبة عظيمة. ثم يراه انشق ويميد ولا يستقر ففزع وسألني عن تأوليه فقلت له أخشى عليه أنه يصفه بغير صفته أو يفتري عليه. فقال لي من أين هذا؟ قلت من قوله تعالى "تكاد السموات يتفطرن منه" الأية. فقال لي: لله درك يا سيدي، وقبل رأسي وعيني وبكي مرة وضحك. ثم قال له أنا صاحب الرؤيا وتمامه أنه في حال الفزع كنت أقول: والله ما هذا إلا أني أعتقد أنه صلى الله عليه وسلم كتب فكنت أبكي وأقول أنا تائب يا رسول الله، وأكرره مراراً. فرأيت القبر عاد لهيئته أولاً. فاستيقظت. ثم قال لي: وأنا أشهد أنه صلى الله عليه وسلم ما كتب حرفاً قط، وعليه ألفى الله. فقلت له: الحمد لله الذي أراك البرهان اه.

قلت: وهو الحق إن شاء الله وإياه نعتقد.

عبد الله بن محمد ابن طريف أبو محمد السرقسطي، يعرف بحفيد هاشم. قال ابن الأباركان: فقيهاً جليلاً زاهداً، شرح تفريع الجلاب في ستة أسفار. وأجمع أهل المرية على استقضائه، وأعلموه بكتبهم فيه ليوسف بن تاشفين قبل ولاية بن الفراء. فقال لهم إن فعلتم هذا أقررت على أهلي وولدي، والله يسألكم عني وعنهم فتركوه. وقرأ عليه أبو عبد الله الحمزي تأليفه.

عبد الله بن طلحة ابن محمد بن عبد الله اليابري نزيل أشبيلية أبو بكر. قال ابن الأبار روى عن الباجي وجماعة، ذا معرفة بالنحو والأصول والفقه والتفسير قائماً عليه وهو الغالب عليه. رحل للمشرق فلقي الزيد ولي وروى عنه. وشرح صدر الرسالة بين عقائده، وله المدخل، وكتاب الرد على ابن حزم، وكتاب سيف الإسلام على مذهب مالك ألفه للأمير علي بن تميم الصنهاجي صاحب المهدية. استوطن مصر مدة ثم رحل لمكة وبها توفي. له تآليففي الأصول والفقه. روى عنه أبو مظفر الشيباني وأبو الحجاج يوسف القيرواني سمع منه الموطأ في صفر عام ستة عشر وخمسمائة اه.

قلت: وأخذ عنه الزمخشري كتاب سيبوية بمكة—ذكره أبو حيان وغيره.

عبد الله بن مروان ابن محمد بن مروان البلنسي، قاضيها أبو الحسن، سمع من أبي علي الصدفي وأجازه، وأخاه أبو الوليد الوقشي وأبو مروان بن سراج. ولي القضاء ببلده عام عشرين وخمسمائة بعد وفاة ابن واجب وأقام عشرين سنة قويم الطريقة صلباً في الحق جدلاً نافذاً في الأحكام بصيراً بها صادق الفراسة. له فيه أخبار من بيت نباهة ورئاسة. توفي مصروفاً عن القصاء في رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة—صح من ابن الأبارز

عبد الله بن أحمد بن سماك العاملي الغرناطي أبو محمد. قال ابن الأبار: سمع من أبي المظفر والشعبي وتفقه به وروى عن أبي علي الغساني وقعد لتدريس الفقه والمناظرة عليه في المدونة وغيرها. تولى شورى بلده، ثم قضاءها. تفقه به أبو عبد الله بن الفرس وأبو خالد بن رفاعة. توفي سابع عشرين من رمضان سنة أربعين وخمسمائة عن أربع وثمانين سنة.

عبد الله ابن سعيد أبو محمد البلنسي، يعرف بالطراز. صحب الفقيه ابن عقال في رحلته لقرطبة وسمعا من ابن العربي وتناظرا في المدونة على البطروني. وكان يحكي من حفظه واستبحاره عجباً وعنى بحفظ المسائل والخلاف وكان بصيراً به دؤباً على الدرس ذكره ابن عباد الحديث وغيره—صح من ابن الأبار.

عبد الله بن عيسى بن أحمد بن سليمان بن أبي حبيب أبو محمد، من أهل شلب قاضيها. قال ابن الأبار، روى عن أبي بحر الأسدي وأبي الحسن بن مغيث وغيرهما: كان عالماً بالأصول والفروع حافظاً للحديث ورجاله والخلاف والعربية والهيئة، من أهل الخير والدين والزهد متحن في قضائه بالأمراء لإقامته الحق وإظهاره العدل. فاعتقل بقصر اشبلية، ثم سرح ورحل للحج ودخل المهدية ولقي المازري وصاحبه ثلاثة أعوام. ثم حج ولقي بمكة أبا عتيق الأوريولي، ثم العراق وخراسان، وأقام بها أعواماً. وطار ذكره في هذه البلاد وعظم مكانه علماً وديناً، ولبيته نباهة ووجاهة وثروة. توفي بهراة في جمادي الأخير سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. مولد بشلب يوم الأربعاء ثامن ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة اه.

عبد الله بن عبد الغفور بن سليمان بن يوسف الفهري أبو محمد، من أهل مالقة قال ابن الأبار: روى بقرطبة عن أبي جعفر بن عبد الحق الخزرجي وأبي عبد الله بن الحاج من أهل المعرفة بالفقه والقراآت ووقفت على مختصر في الوثائق لأبي محمد عبد الله بن عبد الغفور الأقليشي ولا أدري هل هو هذا أم لا اه.

عبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن العبدري الأيلني، يعرف بابن مابوال أبو محمد. قال ابن الأبار أخذ القراآت عن ابن باسة وروى عن أبي علي الصدفي وأبي محمد البطليوسي وسمع منه كثيراً ولازمه كثيراً أي طويلاً، وعن أبي الحسن بن واجب وجماعة واستوطن إشبيلية وسمع بها من القاضي أبي مروان الباجي وأبي الحسين شريح وابن العربي وتحقق به ودرس في مجلسه. وكان ابن العربي يثني عليه. وروى عن عياض والسلفي. وكان حافظاً للفقه قائماً عليه بصيراً به نافذاً فيه مع الصلاح والفضل والزهد. شرح صحيح مسلم لم يتم، ورسالة بن أبي زيد. وكان الحافظ أبو بكر بن الجد يحدث عنه وأبو زكريا ويحيى ابن أحمد بن مرزوق الجذامي. توفي بإشبيلية سنة ست وستين وخمسمائة.

عبد الله طاهر بن حيدرة بن مفوز المغافري الشاطبي أبو محمد. قال ابن الأبار: قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش، وسمع الحديث من أبيه وأبي إسحق ابن جماعة وأبي الوليد بن الدباغ، وتفقه بابن مغاور وجماعة، أجازه السلفي. كان عارفاً بالفقه حالظاً لمسائله بصيراً بالشروط وقوراً رحب الصدر عالي القدر. ولي قضاء بلده فحمدت سيرته وجرى على سنن سلفه عدلاً وذكاء وحلماً وأناة. توفي سنة سبع وستين وخمسمائة، وأثنى عليه الناس. مولده سنة ست عشرة وخمامائة.

عبد الله بن محمد ابن عيسى الأنصاري، يعرف بابن المالقي أبو محمد، ساكن مراكش. قال ابن الأبار: أخذ في صغره عن أبي الحكم بن برجان ولازمه وبرع في علمه. كان فقيهاً نظاراً خطيباً مفوهاً ذا حظ وافر من الأدب، نال دنيا عريضة بخدمة السلطان ورأس طلبة مراكش. وتوفي بها سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وقيل سنة ثلاث.

عبد الله بن مغيث بن يونس بن محمد بن مغيث الأنصاري القرطبي أبو محمد، يعرف بابن الصفار. قال ابن الأبار: روى عن جده أبي الحسن يونس وعن أبيه أبي يونس وعمه أبي الوليد محمد بن يونس وابن الحاج الشهيد وأبي مروان الباجي وابن العربي وأبي الحسن شريح وابن مسرة. تولى قضاء الجماعة بقرطبة ثمان عشرة سنة. روى عنه جماعة كابني حوط الله وأبي القاسم بن هاشم. توفي بقرطبة سنة ست وسبعين وخمسمائة. مولده سنة ست عشرة وخمسمائة.

عبد الله بن خلف بن محمد بن الحبيب بن فرقد القرشي الفهري، سكن إشبيلية وسمع من أخيه أبي إسحق ومن أبي محمد بن عات وأبي الحسن بن بقي وابن حمدين وناظر في المسائل على ابن الحاج وأجازوا له، وأخذ القراآت عن أبي عمرو موسى بن حبيب. تولى القضاء، وكان حافظاً للفقه صلباً في الأحكام صادعاً بالحق. ولد سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، وتوفي عام ستة وسبعين وخمسمائة. حدث عنه ابن قزمان وقرينه أبو القاسم ابن فرقد—صح من ابن الأبار.

عبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله بن سعيد بن محمد بن ذي النور الحجري، من أهل المرية أبو محمد. سمع ببلده أبا محمد بن زعيبة. روى عنه صحيح مسلم وأبا القاسم بن ورد وأبا الحجاج بن يسعون، وناظر في المدونة على أبي الحسن بن نافع، ولقي بقرطبة من بقية أعلامها وخاتمة أئمتها أبا القاسم بن بقي وأبا الحسن بن مغيث وابن العربي، وبإشبيلية أبا الحسن شريحاً وابن حبيش، وقرأ على شريح صحيح البخاري. وحضره هناك نحو ثلاثمائة من أعيان الطلبة. وكان شريح انفرد بعلو الإسناد فيه لسماعه من أبيه وابن منظور عن أبي ذر، فرحل إليه الناس لذلك وتزاحموا عليه فيه، وأجاز الحجري عياض وأبو جعفر بن الباذش والسلفي والإمام المازري، وسمع من ابن العربي ما يزيد على مائة كتاب وسمع عنه كثيراً. وكان غاية في الصلاح والورع والعدالة والفضل الكامل. وكان ابن حبيش يقول: لم تخرج المرية أفضل منه مع عنايته بالرواية ومعرفة القراآت. خطب بجامع المرية، وطلب للقضاء فامتنع. ولما دخل مرسية دعي لولايات فزهد فيها، ورغب في الخمول وضاقت حاله، فرحل لفاس. ثم استوطن سبتة يقرئ القرآن ويسمع الحديث. فرحل إليه الناس للأخذ والسماع لعلو سنده ومتانة عدالته وضبطه وبصره بالحديث. وكان نظراؤه يصفونه بجودة الفهم ودعي لمراكش للسماع عليه. ثم استأذن في العود لسبتة فأذن له وحدث عنه أعلام جلة الأندلس والعدوة. مولده لخمس مضين من ذي الحجة سنة خمس وخمسمائة. [توفي عام ...] عن خمس وثمانين سنة. وعظم الجمع في جنازته وأثنوا عليه جميلاً. وكان رأى رؤياً أن وفاته في المحرم فمتى قرب من كل سنة استعد له واجتهد إلى أن أتته منيته فيه. ولما وضعت جنازته توسل به أهل سبتة بقحط أضرهم فسقوا تلك الليلة مطراً وابلاً. وكانت امرأة من الصالحات مستحاضة مدة سمعت موته فقالت: اللهم إن كان هذا الرجل عندك من الصالحين فارفع ما به حتى أشهد صلاته. فاستجيب لها وارتفع عنها الدم ولم يعد إليها بعد—صح من ابن الأبار.

عبد الله بن عبد الحق الأنصاري، من أهل المهدية أبو محمد. قال ابن الأبار: أخذ عن شيوخ بلده، واتقل للمغرب وولي قضاء الجماعة بإبيلية. وكان جزلاً صارماً صلباً في الحق.

له سطوات بالذعار مرهوبة * وآثار في الأحكام محمودة.

توفي منصرفه عن مراكش سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وذكر ابن سالم أنه من ذرية المازري.

عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي والغرناكي أبو بكر. قال ابن الأبار: سمع أباه وابن عم أبيه القاضي عبد الحق ابن عطية وأبا الحسن بن الباذش وابنه وغيرهم، وتفقه بالقاضيين أبي الحسن بن صخر وابن السماك، وسمع أبا عبد الله ابن الحاج وأبا الحسن بن مغيث، وبالمرية أبا القاسم بن ورد والقاضي عياضاً وغيرهم. وأجاز له أبو بكر غالب بن عطية وأبو محمد بن عتاب وأبو بحر وأبو القاسم بن بقي وابن العربي وابن أبي الخصال وغيرهم. كان معدوداً في الفقهاء صدراً في أهل الشورى والفتيا. حدث عنه جماعة كأبي العباس بن عميرة وأبي القاسم الملاحي. وتوفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، مولده يوم الثلاثاء لسبع عشرة من ذي الحجة عام ستة عشر وخمسامائة، عن ست وثمانين سنة.

عبد الله بن عيسى بن محمد التادلي القاضي الأديب، أصله من تادلا. وكان بفاس شوور أيام لمتونة بها. روى عن ابن عتاب وأبي بحر الأسدي وأجازا له، وهو آخر من روى عنهما بمغرب العدوة. ودخل الأندلس فلقي ابن العربي وابن بشكوال، واعتمد في الرواية على المذكورين قبل، وبسببهما أخذ عنه الناس كثيراً لانفراده بهما أخيراً. ولي قضاء بسطة وغيرها، واستوطن مكناسة. قال أبو الخطاب بن خليل: كتب لي بالإجازة من مراكش، كان من عدول القضاة تؤمر عنه غرائب، وكان أديباً شاعراً مفلقاً. ومن شعره يخاطب ابن مضا:

يا غارسا لي ثمار مجد * سقيتها العذب من زلالك
أخاف من زهرها سقوطا * إن لم يكن سقيها ببالك

روى عنه ابن خليل المتقدم وأبو عبد الله الأزدر وأبو الحسن الغافقي وغيرهم. كبر واختل ذهنه أخيراً. توفي بمكناسة قبيل ستمائة.

عبد الله بن محمد بن عيسى التادلي الفاسي أبو محمد الحافظ المحصل الفقيه، كتبت المدونت من حفظه بعد أن أمر الموحدون بحرقها. كان يبث العلم سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

عبد الله بن علي بن محمد بن إبراهيم الأنصاره الأوصي، يعرف بابن ستاري أبو محمد من أهل استجة سكن إشبلية.

قال ابن الأبار أخذ القراآت عن أبي الحسين بن عظيمة والعربية عن الشلوبين، ورحل آخر سنة اثنين وستمائة فدرس الفقه على أبي الحسن الأبياري وأبي العز الشافعي المعروف بالمقترح، ولقي أبا الحسن ابن مفضل المقدسي وتفقه عنده، وسمع الترمذي على أبي شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني. وحج وكان همه الدراية دون الرواية. وعاد للأندلس فدرس الأصول ومذهب مالك. ثم انتقل لسبتة، فأخذ عنه من كان بها من أهل الفهم والتيقظ والاستنباط الحسن. له أجوبة في مسائل تدل على نباهته ومتانة علمه. كان لا يخبر بمولده إذا سئل عنه، يقول: كان مالك يكره للإنسان التعريف بسنه. حدث عنه من أكابر أصحابنا أبو عبد الرحمن بن غالب وغيره اه.

وقال أبو القاسم بن الشاط في مشيخة شيخه ابن أبي الربيع: ومنهم الشيخ الفقيه الحاج العالم الفاضل الورع الأصولي الماهر العارف المحقق أبو محمد بن ستاري. أخذ بالأندلس عن جده وغيره، ورحل وحج، ولزم في رحلته الشمس الأبياري وأبا العز القترح. وأخذ عنهما وعن غيرهما. ثم رجع للأندلس فاستقر بإشبيلية إلى أن خرج بخروج أهلها لسبتة. فتوفي بها يوم الاثنين تاسع صفر عام سبعة وأربعين وستمائة. مولده في سنة خمس أو ست وسبعين وخمسمائة. قرأ عليه ابن الربيع في المستصفى وغيره، وأجازه التهذيب، وحدثه به عن الأبياري اه.

قلت: وله كلام حسن في غاية التحقيق نقله عنه ابن فرحون في أوائل التبصرة.

عبد الله بن أحمد بن عيسى، عرف بابن الطير، الشيخ الفقيه القاضي الأعدل الأصول. له علم بالفقه وأصوله ونزاهة ورئاسة وعلو همة. ولي قضاء بجاية كرهاً، ولما استقر فيها تخير رجلين من رؤساء فقهائها فولى أحدهما قضاء الأنكحة والآخر النظر في الأحكام. وكان يقرأ عليه هذه إقامته بها خواص الطلبة الفقه وأصوله على طريقة الأقدمين—اه من عنوان الدراية.

عبد الله بن محمد بن عمر بن عبادة الفلعي، الفقيه المحصل التاريخي العدل الرضا. كان حافظاً للتأريخ مشاوراً وشاهداً بالديوان، انتهت الرئاسة إليه فيه، وتأخر راغباً في التأخر. قال في مجلس تدريسه أن لي منذ نزعت من الديوان ستة أعوام، وأن من هناك يقدر أنه اكتسب في هذه المدة ستة آلاف دينار، أو أني قد اكتسبت فيها أي في هذه المدة ستة آلاف حيدث، وحديث خير من دينار اه.

وكان منقطعاً عن الدنيا متخلياً عن أهلها. وكانت الأمراء لا يقطعون الأمور المجتمع لها إلا به. توفي عام تسعة وتسعين—اه من عنوان الدراية.

عبد الله بن أبي جمرة أبو محمد الولي القدوة العارف بالله الزاهد الصالح الإمام العلامة المقرئ المشهور، مؤلف مختصر البخاري، وشرحه "بهجة النفوس" في سفرين. له كرمات عديدة، رأيتها مجموعة في كراريس مع أخباره عن أكابر أرباب القلوب. ونايك من حاله وكراماته ماذكر أنه قال يوماً بحمد الله تعالى أنه لم يعص الله قط. أخذ عنه صاحب المدخل، ونقل عنه كثيراً في كتابه. توفي نفعنا الله به سنة تسع وتسعين وستمائة. ذكر الإمام ابن مرزوق الحفيد في شرح خليل أن صاحب الترجمة تلميذه ابن الحاج ليسا من الأئمة المعتمد عليهم في نقل المذهب. هكذا رأيته في شرحه معترضاُ به على خليل. ولا يخفى أن خليلاً يعتمد على صاحب المدخل ونقل عنه في التوضيح في غير موضع. فتأمل ذلك.

عبد الله بن أبي بكر بن يحيى بن عبد السلام المغربي الجدميوي الصودي الفرضي نزيل الإسكندرية أبو محمد جمال الدين. قال أبو القاسم التجيبي في رحلته: شيخنا الفقيه الفرضي الحسابي العابد الزاهد الصالح أحد الأولياء ممن شهر بالورع والزهد والعفة ومجانبة أهل الدنيا والانقباض عنهم مع شدة فقره وقلة ذات يده، لبسه خشن وعيشه سد رمق يسرد الصوم دائماً، منقطع عن الناس لا يتكلم إلا بذكره تعالى أو إقراء القرائض مع كثرة الصلاة ودوام الخشوع—نفعنا الله به.

انتهى إليه علم الفرائض في عصره وصنف فيه كتباً، سمعت منه وأخذت عنه. قرأ فقه مالك ولم يشتغل بالحديث ولإسماعه على عادة الجزوليين أهل بلده، وإنما اعتناؤهم بالفرائض وتحصيلها وما يتعلق بها. قرأ الكافي لابن عبد البر تفقهاً خمس مرات مع كثير ن الحساب على الفقيه الإمام أبي سليمان داود بن علي البجائي. قال: وهو أول من قرأت عليه الفقه في سنة ثلاث وستين وستمائة. والجعدية تأليف الفاضل أبي الحسن بن الجعد على الشيخ الزاهد أبي الطاهر بن يوسف الرعيني الأندلسي بالاسكندرية. ثم تفقه فيه بالقاهرة على الفقيه الإمام أبي محمد عبد الله الغماري، وقرأ عليه التلقين وبه تفقه. وكان يدرس الفرائض كثير الحفظ لها مطلعاً على غوامضها على إعواز في عبارته لعجمة لسانه الجزولي. ألف نهاية الرائض في الفرائض كتاباً جليلاً كثير الفوائد قرأته عليه، وكاية المرتاض في تعاليل الفراض، ومفتاح الغوامض في أصول الفرائض جزء لطيف. وذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو في تأليف النهاية، فتقدم وعليه ثياب بيض وشعره يمس شحمة أذنيه وفي لحيته شعرات بيض، فقال لي: لم تنام إلى هذا الوقت؟ فقلت له: أنا في شغل. فقال لي: ما هو؟ فقلت له: أنسخ الفرائض. فقال لي: حسن أو جيد. ثم دعا لي صلى الله عليه وسلم.

مولده تقريباً في حدود ثلاث وأربعين وستمائة بجزولة من أقصى بلاد المغرب على البحر المحيط والجدميوي—بكسر الجم وسكون الدال المهملة فميم ثم ياء ساكنة ثم واو مكسورة فياء النسب—والصودي—بفتح الصاد المهملة وسكون الواو فدال مهملة اه.

ولقيه التجيبي سنة تسع وتسعين وستمائة.

عبد الله بن علد الواحد ابن إبراهيم المجاصي الشهير بالبكاء أيام مجاورة بمكة. أخذ عنه الخطيب بن مرزوق الجد ونقل عنه في مواضع من كتبه والإمام المقري. وقال في حقه: عالم الصلحاء وصالح العلماء وجليس التنزيل وحليف البكاء والعويل. دخلت عليه يوماً مع الفقيه السطي في أيام عيد فقدم لنا طعاماً، فقلت له: تأكل معنا، نرجوا بذلك ما يذكر من حديث "من أكل مع مغفور له غفر له"، فتبسم وقال لي: دخلت مع سيدي علي الفاسي بالاسكندرية فقدم لي طعاماً فسألته عن الحديث، فقال لي: وقع في نفسي منه شيء فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته، فقال لي: لم أقله، وأرجو أن يكون كذلك اه.

قلت: والحديث لا أصل له في المرفوع—قاله الحفاظ والله أعلم.

عبد الله ابن أبي أحمد محمد بن سعيد بن أيوب ابن الحسن ابن منخل الغفقي أبو محمد. قال الحضرمي في فهرسته قال: الشيخ الفقيه الأجل القاضي المعظم الحاج الحسيب الفاصل أخذ عن العالم القاضي المفتي الإمام ناصر الدين المشذالي المعمر، لقيت هذا الفاضل بالمرية وأخذت عنه الموطأ. وكان رجلاً ذا فضل ودين سليم الصدر قليل التصنع كثير الحشمة عريقاً في الأصالة من بيت شهير حسباً وظهوراً. ولي القضاء ببسطة ومالقة بيرة، ورتب نوازل ابن الحاج على أبواب الفقه، سماه "المنهاج في ترتيب نوازل ابن الحاج". حج في حدود سبعة وثمانين، وأجازه جماعة من البمشارقة. وتوفي ببلده غرناطة تاسع المحرم عام أحد وثلاثين وسبعمائة، ودفن يوم عاشوراء. مولده حادي عشر المحرم عام ثلاثة وستين وستمائة.

عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن عبد الله، ثلاثة على نسق واحد: ابن عبد العزيز، بن سلمون الكناني الغرناطي. قال الحضرمي: أخذت عنه كثيراً قراءة وسماعاً. توفي بظريف يوم الاثنين سابع جمادي الأولى عام إحدى وأربعين وسبعمائة. وأنشدني لنفسه:

أمولاي عطفا على مذنب * بجنبيه نفس من أعدى العدا
أدارت عليه من أهوائها * كؤوسا سقته هموم الردى

أخبرني أنه لم ينظم قط غيرهما.

عبد الله بن بن بمحمد بن سليمان المنوفي. قال ابن فضل الله: جمع بين العلم والصلاح، تفقه على مذهب مالك، وعتزل وانقطع بالدرسة الصالحية مقتصراًعلى خصوصية نفسه لا يكاد يخرج إلا إلى الصلاة. وله كرامات ظاهرة حكى الأمير الجائي الدود أن قال: وقع في نفسي إشكال في مسألة، وكان لي صاحب من الفقهاء الحنفية أتردد إليه فكتبت إليه لأسأله عن تلك المسألة، فلم أجده. فأتيت الشيخ عبد الله المنوفي، فلما جلست قال: كأنك مشتغل بشيء من الفقه. فقلت: نعم. قال: فما قولك في كذا وكذا لتلك المسألة فعينها. فقلت: منكم يستفاد. فأخذ يتكلم في تلك المسألة وما عليها من الإيرادات، وذكر الإشكال الذي وقع في نفسي، ثم شرع يجيب عنه حتى انجلى. فسألته عن شيء آخر، فقال: لا، قم بالسلامة، والقصد قد حصل.

ولد سنة ست وثمانين وستمائة، وتوفي في رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة. وذكر خليل في الترجمة التي جمعها له أنه كان مع عظيم علمه لا يدعي بل يعترف بالتقصير ولا يرى نفسه أهلاً للإقراء، ويقول: إنما جلست لأصحح على المبتدئين. ويقول للطلبة: نحن إخوان نتذاكر العلم، فمن ظهر الحق معه قبلناه مع إقرائه الكتب المعتقدة كابن الحاجب والتهذيب وغيره بلا مطاعلة. حل ابن الحاجب مراراً قبل ظهور شرح عليه عندنا ويفتح له بما لم يفتح على غيره لكثرة نوره، ولم يكن غيره يجاريه. وقد كان بعض فضلاء العلماء من أهل البحث والنظر والاشتغال في العلوم العقلية المرجوع إليه فيها عمل على درس يقرأعلى الشيخ ثلاثة أيام. ثم جاء لدرس الشيخ وتكلم معه، فقطعه الشيخ عاجلاً. وأخبرني القاضي نجم الدين حمزة من أصحابه أنه يرى النور يخرج من فيه، إذا تكلم يظهر على ساعديه إذا حسرهما اه.

وذكر الشيخ كمال الدين الشمني قال: سمعت شيخنا الحافظ أبا الفضل العراقي يقول: لم أر قط جنازة أكثر جمعاً من جنازة الشيخ عبد الله المنوفي، وذلك أنه صادف اليوم الذي خرج فيه أهل مصر يدعون ربهم لما كثر الفناء. قال العراقي: وكان الناس إنما خرجوا في الحقيقة لأجل جنازة الشيخ. ثم قال: رأيت بعد ذلك في مناقب الشيخ الذي جمعها تلميذه الشيخ خليل، قال: لما حصل الفناء وأراد الناس أن يخرجوا ليدعوا ربهم جئت إلى الشيخ وطلبت منه الحضور مع الناس. قال لي: نعم أكون معهم في ذلك اليوم، ولكن لا أظهر. فكان ذلك يوم موته ففهمت أنه أشار إلى خفائه عنهم بالكفن—صح من تأريخ مصر للسيوطي.

قلت: وقد وقفت على المناقب المذكورة في جزء. ثم أخذ مع ما أخذ من كتبي في الواقعة التي وقعت بنا على يد محمود زرقون ومن شيوخه الشيخ ركن الدين بن القوبع التنسي والشرف الزواوي وأبو عبد الله بن الحاج وغيرهم—ذكره خليل في الجزء المذكور.

عبد الله بن محمد بن أبي القاسم ابن علي بن البر التنوخي أبو محمد. قال الشيخ خالد في رحلته: هو الشيخ الفقيه الخطيب ابن الشيخ الفقيه من بيت علم وأدب ومجد وحسب. قطفوا ثماراً لمجد من غرس العلي، وإليهم الرتب والمنتهى. فهم لباب مجد عزة أنفس وذكاء ألباب، منهم إلا عالم أوحد لا ينعت ولا يحد. والقاضي أبو القاسم به سفر مجدهم، وهو الذي عمر ربع الملك وأمر بالحياة والهلك وذبح القرطاس وفوف، ودرس العلم وصنف. وشيخنا أبو محمد هذا بديع الإحسان بريع القلم واللسان، وأوتي مقاليد هذا الشأن، وملك أعنة المعاني وأزمة البيان، ذو الفضل والكرم والسيف والقلم. قرأت عليه بتونس بجامع الزيتونة تصانيف وأجزاء وجزأ من برنامجه في شيوخه وأسانيده. وكان إمام ذلك الجامع وخطيب الحضرة العلية—اه ملخصاً.

عبد الله بن يوسف بن رضوان ابن يوسف بن رضوان النجاري المالقي ثم الفاسي. قال أبو زكطرياء السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب البليغ النحوي اللغوي الرواية المتفنن الناظم الناثر الصدر الأوحد رئيس الكتاب أبو القاسم، ابن الفقيه الوزير الجليل الماجد الأصيل الفاضل. كان متفنناً في معارف شتى عارفاً بعقد الشروط آخذ بحظ وافر من الرواية، شاعراً مجيداً كاتباً بليغاً حسن الخط ذا هيئة حسنة وخلق حسن، يبذل جهده في قضاء حوائج معارفه ومن يلجأ إليه، محباً لأهل الدين معظماً لهم ولمن ينتسب للصوفية، قريب الدمعة كثير الذم لنفسه، لم أر في ظريقه مثله. أخذ عن والده وخاله أبي الحكم ابن القاضي أبي القاسم بن ربيع والفقيه العالم قاضي مالقة أحمد بن عبد الحق الجدلي والإمام الولي أبي عبد الله الطنجالي والقاضي أبي بكر بن منظور، والقاضي الشهير ابن بكر سمع عليه مسند البزار، والعالم الصدر الخطيب ابن أبي الجيش الصريحي قرأ عليه الكراسة والجمل وألفية ابن مالك وتسهيله والمقرب والإيضاح والأسرار العقلية لأبي العز وفرعي ابن الحاجب وتلخيص ابن البنا كلها تفقهاً وتفهماً، والخطيب العالم الحافظ أبي القاسم بن جزي قرأ عليه كثيراً من كتب القراآت وأبعاضاً من الموطأ ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود والشمائل والشفاء وسراج ابن العربي وتلقين عبد الوهاب وكثير من تآليفه وغيرها، والشيخ الفقيه قاضي الجماعة نادرة الصقع ونسيج وحده أبي البركات بن الحاج سمع عليه السيرة والعمدة وآداب السلمي ودرر السمط في أخبار السبط وغيرها والفقيه الصالح اصوفي الناسك أبي علي عمر بن عتيق الهاشمي، والفقيه العالم الصوفي عبد الله بن سلمون وأستاذ الجماعة رئيس النحاة ابن الفخار البيري تفقه عليه في الجمل وكتاب سيبويه والتسهيل، ولازم عبد المهيمن الحضرمي سفراً وحضراً، وعن الإمام الأبلي، والقاضي أبي سعيد عثمان بن أبي رمانة، وقاضي مراكش أبي عبد الله بن سعود ابن عبد السلام الهواري وخلق كثير. مولده عام ثمانية عشر وسبعمائة اه

قلت: وله تأليف حسن في السياسة السلطانية، وتوفي.

عبد الله الباجي القلشاني والد الإمام محمد القلشاني. قال حفيدة أحمد القلشاني شارح الرسالة: كان جدي هذا كما أخبرني والدي وقوراً حليماً صباراً على أخلاق الناس وحاسديه، لا يتكلم في أحد بسوء ولا يعود لسانه الكلام على أحد، ما سمع قط تشكى وقدح في أحد، شديد الرحمة، لا يتظلم إلي أحد إلا نصره بمنتهى قدرته ويبكي لبكائه مجبولاً عليه. ولا يطلع الفجر إلا وهو طاهر يطالع الكتب صيفاً وشتاء مواظباً على تغليس صلاة الصبح وقراءة حزبين بعده مع الإذكار والمسبعات حتى توفي، مع جد في الطاعة والمطالعة. وأخبرني الفقيه الصالح الحاج أبو العباس القلشاني أن أباه المذكور كان في صغره في غاية الجد ومكابدة السهر، يربط خيطاً في وفرة شعره ويجعله في مسمار في الحائظ فإذا كب رأسه لغلبة النوم جبذه الخيط فاتبه. وكان يرحمه قريب له ويرغبه في الشفقة على نفسه فيأبى. ويقبل على الدرس والنظر وينشد:

نفسه تنازعني فقلت لها اصبري * موت يريحك أو صعود المنبر.

توفي ببجاية ضحى الخميس عاشر شوال سنة خمس وستين وسبعمائة.

عبد الله بن أحمد بن أبي بكر بن علي، شهر بابن مسلم القصري نزيل سبتة. قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي النزيه الأستاذ المقرئ الحاج الرحلة الراوية أبو محمد كان عارفاً بالفقه والقراآت وافر الحظ من الرواية مشاركاً في غيرها خيراً ديناً فاضلاً ذا سمت حسن وحال مستحسن. تفقه على الفقيه الحافظ المفتي المدرس مصباح، لازمه اثنتي عشر سنة وختم عليه التهذيب مرتين تفقهاً، والعالم الصالح عبد الرحمن ابن عفان الجزولي، والفقيه الحافظ الرندي، وابن آحروم، والفقيه الصالح عبد العزيز القيرواني، وعلى الأستاذ أبي العباس أحمد الحسني، وأبي الحسن أبي سليمان، ومحمد بن عبد الرزاق، والفقثيه الأصولي المتكلم محمد ابن محمد بن البقال، والأستاذ ابن بري، والفقيه المدرس المفتي الراوية أبي علي بن قداح الهواري، والفقيه الجليل الصلح الإمام بجامع الزيتونة أبي محمد عبد الله بن محمد ابن أبي القاسم بن البرا، وابن جابر، وابن سلامة، والفخر بن المنير في خلق كثير. أجازني عام ثمانية وستين وسبعمائة اه.

عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي. قال في تأريخ مصر قال ابن عمر: كان مشهوراً بالعلم منصوباً للفتوى. مات في رمضان ينة ست وسبعين وسبعمائة.

عبد الله الوانغيلي الضرير أبو محمد. قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا ومفيدنا الفقيه الحافظ المفتي بفاس. أخذ عن أبي الربيع اللجائي تلميذ القرافي، وانفرد بمعرفة كتابي ابن الحاجب في الأصول والفروع، وختمت عليه الأصلي بفاس. وحضرت درسه في المدونة مدة. وتوفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة—اه من رحلته ووفياته.

قلت: وأخذ عنه الإمام المكودي والشيخ الصالح عمر الرجراجي، نقل عنه في المعيار فتاوى وأثنى عليه.

عبد الله الزكنوري أبو محمد. قال ابن الخطيب القسنطيني: هو قاضي الجماعة بمراكش الفقيه العالم تالي كتاب الله دائماً. حضرت درسه بمراكش في التفسير والحديث ولم يكن بها مثله في زمانه. توفي ثمان وثمانمائة اه.

ولقيه ابن الخطيب السلماني وأثنى عليه في نفاضته، وذكر أن له رحلة للشرق.

عبد الله بن محمد بن عبد الله الأوربي الفاسي، الفقيه العدل قاضي الجماعة بها الفقيه العالم. أخذ عن الأستاذ أبي الحسن ابن سليمان والوليين الخطيبين أبي جعفر بن الزيات وأبي عبد الله الطنجالي وغيرهم. قال أبو زكرياء السراج: شيخنا الفقيه الجليل الخطير [=الخطيب] الوجيه الصدر المعظم قاضي الجماعة أبو محمد بن الأجل الأفضل كان فاضلاً عارفاً بعقد الشروط قاضياً نزهاً ذا سجادة وتصحيح قريب الغور بعيد الشأو حسن الظن محباً في الصلحين ذاكراً لكرامتهم وأحوالهم عارفاً بأحوال أهل زمانه خاصة وعامة وتواريخهم وأنسابهم كثير الإيراد للحكايات في مجالسه. ثم ذكر شيوخه المذكورين فوق.

وذكره ابن الأحمر في فهرسته وقال: هو والسراج توفي بفاس عام اثنين وثماني وسبعمائة. زاد السراج في سادس عشر ذي القعدة، وأن مولده عام أحد وسبعمائة.

عبد الله الشبيبي البلوي القيرواني مفتيها الإمام العالم اصالح الفقيه العلامة المتفنن الأستاذ. قال تلميذه أبو القاسم البرزلي: كان شيخنا الشبيبي فقيهاً راوية صالحاً متفنناً. عرضت عليه الشاطبية الكبرى، وقرأت عليه أكثر التهذيب والجلاب والرسالة والموطأ ومسلم والنحو والحساب والفرائض والتنجيم في علم الأوقات، وحضرت مجلسه من عام ستين وسبعمائة إلى عام سبعين، أجازني جميعها اه.

وأخذ عنه أبو القاسم بن ناجي وأثنى عليه غاية، فقال: كان شيخنا الشبيبي من عادته التكلم بالوعظ في أول ميعاده لكثرة العوام عنده، فتارة يعظ بتفسير القرآن وبكتاب مسلم. وكان لما قرأ قول الرسالة على مذهب مالك وأصحابه ما زال يعرف بهم كل يوم رجلاً رجلين مع حكايات منقولة. ومن دأبه الإقراء من نحو طلوع الشمس إلى صلاة الظهر. وكان فصيحاً متواضعاً لا يعتب على مستشكل أو سائل. فيخرج للأكل والوضوء ويصلي للظهر قرب العصر ثم يصليها، ويجود ممن حينئذ للعشاء الأخيرة، وربما قرئ عليه بعد ذلك. وظرهت له الكرامات وانتفع به غالب من قرأ عليه لحسن نيته وكثرة بيانه. وسأفرد ترجمته بتأليف—اه ملخصاً.

وأكثر من النقل عنه في شروحه على الرسالة والمدونة، واختصر صاحب الترجمة شرح الفاكهاني على الرساة في سفر.

عبد الله بن محمد بن أحمد الشريف التلمساني الحسني، الإمام العلامة المحقق الحافظ الجليل المتفنن المتقن ابن الإمام العلامة الحجة النظان الأعلم أبي عبد الله الشريف إمام وقته بلا مدافع. كان صاحب الترجمة من أكابر علماء تلمسان ومحققيهم كابنه. وقال بعض من عرف به وأبيه وأخيه في جزء: ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، فنشأ على عفة وصيانة وجد، مرضي الأخلاق محمود الأحوال موصوفاً بنبل وفهم وحذق وحرص على طلب العلم. وكان والده قد بشر به في النوم، رأى قائلاً يقول له: يزداد عندك ولد عالم، لا تموت حتى تراه يقرئ العلم. فكان كذلك.

قرأ القرآن على الأستاذ النحوي أبي عبد الله بن زيد بفاس وأبوه بها حينئذ. وكان الأستاذ يقرئ أولاً الشرفاء والعظماء لعلو قدره في النحو والقراءة، وظهرت حينئذ نجابته وحفظ القرآن وجمل الزجاجي وألفية ابن مالك. وقرأ على الفقيه النحوي الأستاذ الصالح ابن حياتي الجمل والمقرب، ثم جملة صالحة من كتاب سيبويه والتسهيل، وانتفع به واعتمد عليه، وعلى الخطيب ابن مرزوق جملة من البخاري، وعلى الفقيه أبي عمران العبدوسي جملة من المدونة، وعلى الفقيه الصالح أحمد القباب التلقين والرسالة وقصيدة الكفيف في أصول الدين. وحضر على الشيخ الفقيه الحسن الونشريسي والشيخ الصالح أبي العباس الشماع فرعي ابن الحاجب، وعلى القاضي أبي العباس أحمد بن الحسن الموطأ تفقهاً والتهذيب وابن الحاجب الفرعي.

ثم أقبل أبوه عليه وقد كمل تهيئته لقبول الحقائق وفهم الدقائق، فقرأ عليه في الأصول الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ومحصل الفخر وبعض كتاب النجاة لابن سيناء والمقاصد للغزالي ومختصر ابن الحادب وتأليفه المسمى مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول وفي البيان الإيضاح والتلخيص وفي الجدل كتاب المقترح البروني وفي الهندسة كتاب أقليدس وفي المنطق جمل الخونجي مراراً والمطالع للسراج الأرموي وفي التصوف ميزان الغزالي، وسمع منه أكثر الصحيحين رواية والأحكام الصغرى لعبد الحق فقهاً وسماعاً وسيرة ابن إسحق والشفاء سماعاً، وحضر عليه في التفسير من سورة النحل إلى الختم ومن أوله إلى قوله تعالى "يستبشرون بنعمة من الله وفضل"، وقرأ عليه التفسير أيضاً فاشتغل بكثير من هذه العلوم حياة أبيه الإمام ودرس فيها فقرأ العربية زماناً طويلاً وانتفع به فيه كثيراً، وختم إقراء الرسالة في حياة أبيه. وكان مع طلبة أبيه أهل فهم وحفظ ودراية. فإذا بحثوا في شيء أمرهم بالتقييد فيه، ويحضر مجلسه كبار الفقهاء فصدر منه أجوبة شهدوا بصوابه وحسنها حتى يقوم بعض الشيوخ فيقبل بين عينيه.

ثم جلس مجلس أبيه بعد موته وحضره من يحضره أباه ولم ينتقد عليه أحد منهم، فجرى على مذهبه نظراً ونقلاً وتحقيقاً، واعترفوا بتقديمه حتى كان القاضي علي أبو الحسن المغربي يقول: انتفعت به في أصول الفقه أكثر من أبيه لحسن تقريبه وبسطه. ثم نقل للجامع الأعظم فأقرأ أحكام عبد الحق وفرعي ابن الحاجب، ويحضره طلبة فاس وشأنهم حفظ المسائل والنقل على عادتهم خلاف عادة التلمسانيين، فيحضره جميعهم فيوفي لكل طريقه. حدثني الفقيه العدل محمد بن صالح الفاسي أنه وجماعة أصحابه يختبرون حفظه وصحة نقله فيأتون بالكتب التي ينقل منها وينظرونها حين نقله عنها فلا يغير منها حرفاً فاعترفوا بحفظه وتحقيقه. ثم بعد نقله يرجح ويوجه لشدة ذكائه، حتى علم الفقيه أبو القاسم بن رضوان رئيس كتبة المغرب حاله فذكره للسلطان عبد العزيز وبين له علو قدره فوفر له في جرايته من غير سعي فيه. فكان يكثر في إقرائه النقل ويحقق الفقه تحقيقاً بالغاً، وفي الصيف يقرأ في العلوم العقلية من أصول وبيان وعرفية وغيرها يقطع نهاره كله فيه بلا فتور. وكان الطلبة يقسمون الوقت بالرملية حتى لم يكن بالمغرب أكثر اجتهاداً منه في الإقراء وانتفاع الطلبة، وارتحلوا إليه من الآفاق.

وقال الشيخ الفقيه الصالح الزاهد الورع أبو العباس أحمد بن موسى البجائي—وكان ممن رحل إليه وأخذ عنه علماً جماً: لا يجد اليوم من يرحل عن هذا البلد مثل شيخنا أبي محمد في غزارة العلم وسهولة الإلقاء وخفض الجناح. وكان يثني عليه ثناء عظيماً ويذكلر أنه لم يجد شفاء علته في العلم إلا عنده وتبرز صدراً من صدور العلماء الأئمة حافظاً للمسائل بصيراً بالفتاوى والأحكام والنوازل نحوياً خالط النحو دمه حافظاً للغة والغريب والشعر والمثل وأخبار العلماء ومذاهب الفرق مشاركاً في جميع العلوم، حسن المجلس عذب الكلام فصيحاً مليح المنطق محسناً لبحمه مشفقاً على الطلبة متثبتاً في الفتوى متحرياً فيها ولما وقف القاضي أبو عنثمان العقباني على جوابه عن سؤال البجائيين في مسألة أصول الدين كتب تحته: شرح الله صدرك ورفع من بين أهل العلم قدرك والسلام—اه ما ذكره صاحب التقييد المذكور ملخصاً.

قلت: ثم رحل ودخل غرناطة من الأندلس وأقرأ هناك. وتوفي انصرافه من مالقة غريقاً في البحر قاصداً بلده تلمسان في صفر سنة اثنين وتسعين وسبعمائة—هكذا ذكر وفاته تلميذه الإمام أبو الفضل بن مرزوق الحفيد، وعمره نحو خمسة وأربعين سنة. وأخذ عنه بالأندلس القاضي أبو بكر بن عاصم وغيره. وقال الشيخ محمد بن العباس: كان الشريف أبو محمد هذا فقيهاً عالماً علامة حافظاً راوية متبحراً آخر الحفاظ في الفتوى العلمية ذا نفس طاهرة زكية شيخ شيوخنا اه. ونقل عنه في المعيار فتاوى

فائدة: قال الإمام ابن مرزوق: جمع شيخنا الإمام العلامة أبو محمد الشريف، وقد سئل في مجلس تفسيره وهو يفسر قوله تعالى "فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً" عن حكمة ذكر الذهب دون الياقوت ونحوه مما هو أرفع قيمة من الذهب، لأنه القصد المبالغة في عدم ما يتقبل من الكافر في الفداء. فأجاب بأنه إنما عظمت قيمة ما ذكر لأنه يباع بذهب كثير فإذا المقصود الذهب وغيره وسيلة إليه. قال ابن مرزوق وهذا غاية في الحسن ومثل هذا كانت أجوبته على المسائل بديهة رحمه الله تعالى اه.

عبد الله بن عيسى بن عبد الله ابن الإمام. قال أبو زكرياء يحيى السراج: شيخنا الفقيه الحسيب الفاضل أبو محمد ابن الفقيه العالم أبي موسى ابن الإمام حدثني بالبخاري عن والده عن الشهاب الحجازي اه. ولم أقف على وفاته.

عبد الله بن محمد بن أحمد ابن جزي الكلبي، الإمام العالم العلامة رئيس العلوم اللسانية المعمر قال ابن الخطيب في الإحاطة: هذا الفاضل قريع بيت نبيه وسلف شهير وأبوة خير وأخوة بليغة وخؤلة أديب حافظ قائم على العربية مشارك في فنون لسانية ظريف في الإدراك جيد النظم مطواع القريحة باطنه قبل وظاهره غفلة. قعد لإقراء بغرناطة مفيداً ومشتغلاً. ثم تقدم للقضاء بجهات نبيهة على زمن الحداثة. أخذ عن والده الأستاذ الشهير أبي القاسم أشياء كثيرة وعن القاضي أبي البركات بن الحاج وقاضي الجماعة الشريف السبتي والأستاذ البياني والأستاذ الأعرف أبي سعيد بن لب والشيخ المقرئ أبي عبد الله بن يبيس، وأجازه رئيس الكتاب أبو الحسن بن الحباب وقاضي الجماعة عبد الله بن بكر وأبو محمد بن سلمون والقاضي ابن شرين وأبي حيان والقاضي المقرئ وأبو محمد الحضرمي وجماعة. وشعره نبيل الأغراض حسن المقاصد اه.

قلت: وممن أخذ عنه الإمام القاضي أبو بكر بن عاصم والشيخ أبو العباس البقي الجد شارح البردة، وبالإجازة الإمام أبو الفضل بن مرزوق الحفيد وغيرهم. وغرف في الديباج بأبيه أبي القاسم وسيأتي، وأخيه القاضي أبي بكر. وقد ذكر الجميع في الإحاطة.

عبد الله بن مقداد ابن إسماعيل الأقفهسي القاضي جمال الدين. تفقه بالشيخ خليل وغيره وتقدم في المذهب ودرس وناب في الحكم عن علم الدين البساطي ومن بعده. ثم استقل به مراراً، أولها بعد موت ابن الخلال، وآخرها بعد صرف الشهاب الآمدي في رمضان سنة عشر وثمانمائة، وانتهت إليه رئاسة المذهب والفتوى. وكان عفيفاً حسن المباشرة والتودد قليل الأذى. وتوفي ثالث عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة—اه من الدرر الكامنة لابن حجر.

وزاد في أنباء الغمر بأبناء العمر أنه شرح الرسالة. قال السخاوي: وعمل تفسيراً في ثلاث مجلدات ولم ينتشر. أخذ عنه غير واحد من الأئمة الذين لقيناهم ودارت عليه الفتوى عدة سنين اه.

قلت: وله شرح مختصر خليل في ثلاثة أسفار كبار وقفت على سفرين منه وهو قريب من حال بهرام في التقرير ولا يخلو عن فوائد.

عبد الله بن حمد—بفتح الحاء من غير ألف قبلها—من شيوخ الإمام القوري. قال ابن غازي في فهرسته: كان فقيهاً صالحاً زاهداً. وقال في الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون: الشيخ الصالح الزاهد المتواضع الحسن الخلق أبو محمد المتبرك به حياً وميتاً، له بيت حسن بفاس ارتحل منها للشرق فحج ولقي خيار المشايخ. فأشار عليه معضهم بما يقال باستيطان مكناسة، فاستوطنها حتى توفي. له مناقب كثيرة اه.

وقال معضهم: كان آية الله في الزهد والورع والعبادة. وكان وزير وقته يعظمه جداً ويقضي له حوائج الناس، حتى أفسد بعضهم نية الوزير فيه فصار لا يقضي له حاجة. فبحث عن سببه، فذكر له خبر الرجل. فقال الشيخ: منجلي في منجله، على كلام العامة. ثم قال: اللهم خذه من حيث اطمأن. ثم قدر الله أن ذكر له الوزير شيئاً من سر السلطنة وخاف أن ينمه عليه، فأمر يذبحه فجأة اه.

وتوفي على ما قاله الونشريسي في وفياته عام أحد وثلاثين بمكناسة. وقال صاحبنا المؤرح محمد بن يعقوب الأديب رحمه الله أنه توفي عام اثنين أو ثلاثة اه.

عبد الله بن مسعود التونسي شهر بابن قرشية. قال ابن حجر: أخذ عن والده وقرأت بخطه أن من شيوخه الإمام ابن عرفة وقاضي الجماعة أحمد بن محمد بن حيدرة وأحمد بن إذريس الزواوي وأبا الحسن محمد بن أحمد البطروني وأبا العباس أحمد بن مسعود بن غالب القيسي. وتوفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.

عبد الله بن أحمد بن يوسف عرف بالعشاب الغساني الأندلسي نزيل درعة. كان من أهل العلم يعتني بجمع الكتب، قيد بخطه كثيراً مع حسن خطه. رحل وحج وألقى علاماً وأجازوه، كابن عرفة وسعيد العقباني وابن خلدون والعز بن جماعة، وكتبوا خطوطهم له. ألف تحفة الناسك في علم المناسك، وآخر سماه المقنع في مناسك المتمتع—كذا كتبه لي صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب المؤرخ رحمه الله.

عبد الله بن عبد السلام الباجي. أخذ عن الإمام أبي مهدي عيسى الغبريني، ونقل عنه ابن ناجي في شرح المدونة. ولم أقف له على ترجمة.

عبد الله الغرياني. قال ابن ناجي: صاحبنا الفقيه الحاج أبو محمد اه.

أخذ عن قاضي الجماعة أبي مهدي الغبريني. لم أقف على ترحمته.

عبد الله بن محمد بن موسى بن معطي العبدوسي—بفتح العين وسكون الباء وضم الدال—الفاسي مفتيها وعالمها الصالح. قال السيوطي في أعيان الأعيان: كان عالماً بارعاً صالحاً مشهوراً. ولي الفتيا بفاس. مات في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وثمانمائة اه.

قلت: وهو ابن أخي أبي القاسم العبدوسي الحافظ نزيل تونس، وحفيد الإمام أبي عمران موسى العبدوسي. وستأتي ترحجمتهما. قال السخاوي: كان أبو محمد هذا واسع الباع في الحفظ. ولي القتيا بالمغرب الأقصى وإمامة جامع القرويين بفاس. ومات فجأة وهو في صلاة سنة تسع وأربعين اه.

وقال الشيخ أحمد زروق: كان أبو محمد العبدوسي عالماً صالحاً مفتياً. حلمت إليه وأنا رضيع، ولم أزل أتردد إليه في ذلك السن لكون جدتي تقرأ عليه مع أخته فاطمة وأم هانئ، وكانتا فقيهتين صالحتين. وكان قطباً في السخاء إماماً في نصح الأمة، أمات كثيراً من البدع بالمغرب وأقام الحدود والحقوق. وتولى آخر أمره خطابة جامع القرويين. ثم توفي سنة تسع وأربعين. وكان أكثر علمه فقه الحديث. سمعت شيخنا القوري يقول إنهم حسبوا الخارج من يده والداخل فيها، فوجدوا الخارج أكثر. وحدثنا أنه حفظ مختصر مسلم للقرطبي في كل خميس خمسة أحاديث، وكان أبوه يعطيه عليها درهماً. وشهرة أخلاقه وسخائه أبين من أن تذكر. كان لا يدخر شيئاَ حتى لم يوجد يوم مات إلا بدنين وإحرامين ودراعتين إحداهما للأمير يحيى ابن زيان. فقال هكذا يكون الفقيه وإلا فلا. وكان يشترط العزل في النكاح فراراً من الولد لفساد الزمان. قالوا: وكان لا تفارق كمه الشمائل عاملاً بها، وحدثت زوجته أنه كان يعمل الخوص خفية ويعطيه لمن لا يعرف أنها له يبيعها، ثم يتقوت بها في رمضان. ومناقبه كثيرة، جمع فيها بعض أصحابنا تأليفاً ذكر فيه كثيراً اه.

وذكر في موضع آخر أن صاحب الترجمة أقوى من جده موسى في العمل، وأن جده أقوى منه في العلم. قال: وكان شيخ الجماعة الفقهاء والصوفية تخرج به جماعة كالفقيه المحقق ابن آملال وافقيه القوري وأبي محمد الورياجلي وغيرهم. وما ذكره الشيخ بدر الدين القرافي من أن ابن غازي أخذ عنه لا يصح، وإنما أخذ عن أصحابه كالقوري والبنجي، وحيث نقل عنه فإنما يقول فيه شيخ شيوخنا. وله نظم حسن مشهور في مسألة شهادة السماع نقله. ونقل عنه الونشريسي جملة من الفتاوي كثيرة.

عبد الله بن سليمان بن قاسم البجيري التونسي أبو محمد بن أبي الربيع الإمام الرحلة الراوية العلامة قاضي الأنكحة من معاصري الإمام ابن عقاب. أخذ عنه الشيخ ابن مرزق الكفيف وأثنى عليه وغيره.

عبد الله بن محمد التلمساني الشريف الفقيه أبو محمد بن القاضي أبي عبد المدعو حمو الشريف. وتوفي سنة ثمان وستين وثمانمائة. وتوفي أخوه الفقيه الحاج الخطيب الصالح أبو العباس أحمد ابن القاضي حمو سنة سبع وستين. وأبوهما حمو المذكور من علماء تلمسان تأتي ترجمته، وليس هو بالشريف التلمساني الإمام المعروف الآتي، فذلك من أهل الثامنة، وهذا من أهل التاسعة. فاعلمه.

عبد الله بن أحمد البقي أبو الفرج الغرناطي من علمائها وأحد المفتيين بها. كان فقيهاً عالماً إماماً. كان حياً في حدود الستين وثمانمائة، بل تأخر عنه. نقل عنه في المعيار ورأيت له عدة فتاوى.

عبد الله بن عبد الواحد الورياجلي الفاسي. قال ابن غازي في فهرسته: الفقيه القاضي المدرس المفتي أبو محمد، جالسته كثيراً وذاكرته واستفدت منه في الفقه كثيراً والأصلين، وأجازني بلفظه وخطه جميع ما حمله عن شيوخه كالشيخ الفقيه المحقق العالم أبي القاسم التازغدري والشيخ الفقيه المحدث الحافظ أبي محمد العبدوسي والشيخ العالم المتفنن أبي عبد الله العكرمي والخطيب أبي القاسم محمد بن يحيى السراج ومن شيوخ تلمسان الإمام العالم العلامة الرباني محمد ابن أحمد بن محمد بن مرزوق والإمام العالم أبو الفضل ابن الإمام الفقيه المحقق المحدث الشريف الحسيب الأفضل أبو الربيع سليمان بن الحسن البوزيدي. وكتب له قد أجزت الفقيه أبا محمد عبد الله إجازة مطلقة في تعليم الفقه المالكي والفتيا به بعد مشاركتي له في صدر من المدونة وجملة من ابن الحاجب الفرعي. وشاهدت منه أبحاثاً دقيقة وأسألة عويصة يليق بموردها التعرض لنشر هذا الشأن وبثه اه.

والعالم المحقق أبو عبد الله بن العباس الفقيه الحاج الرحال أبو العباس أحمد بن محمد المصمودي الماجري قال: ابن غازي أجازني في آخر ربيع الثاني سنة ست وسبعين وثمانمائة اه.

وفي هذه السنة أخر صاحب الترحمة عن بعض مدارس فاس، وقدم عوضه أبو العباس الونشريسه. فتنازعا في مرتبته من يستحقها منهما. فكتب الونشريسي فيه لفقهاء تلمسان كشيخه إبراهيم العقباني قاضي الجماعة والحافظ المفتي ابن زكري والإمام السنوسي، فأفتوه بما مقتضاه أن المرتبة للمقدم دون المؤخر. قال ابن غازي: ولما أتي فتاوي هؤلاء التلمسانيين لفاس أعطوهم علماؤها الإذن الصماء، وقضوا بحرمان المولى. فكاد يموت غماً اه.

وفتاويهم بذلك مبسوطة في المعيار في كتب الحبس ملخصة في تكميل التقييد رحمه الله.

عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحريري جمال الدين. ولد سنة أربع وثمانمائة، واشتغل بالعلم بدمشق. ثم ناب في الحكم بحلب. ثم ولي قضاءها سنة سبع وستين. وحكى القاضي عماد الدين في تأريخ حلب أنه كان إماماً فاضلاً فقيهاً من أعيان الحلبيين يستحضر كثيراً من التأريخ ويستحضر مختصر ابن الحاجب في الفقه، وكان يحب الفقه وأهله. وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب أنه سأل نور الدين بن الخلال عن فرعين منسوبين للمالكية فلم يستحضر وأنكر وجودهما في مذهقب مالك. قال فسألت الشيخ جمال الدين فاستحضرهما وذكر أنهما مخرجان من كلام ابن الحاجب. مات في ربيع الأول سنة سبع وثمانين.

عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يحيى بن معاوية بن عبد الله الزموري الشيخ الفقيه العالم المتفنن الحافظ المؤرخ الأديب العلامة ابن الفقيه أبي العباس. أخذ عن الإمام القوري وغيره. له شرح حسن على الشفاء اعتنى فيه بضبط ألفاظه وتحرير لغاته وتعريف رجاله حسن مفيد نبيل سماه إيضاح اللبس والخفاء عن ألفاظ الشفاء في مجلد كبير، رأيته بخطه. وكان ممن وصل إلى بلاد ولاتن المتصلة ببلاد السودان، وأقرأ أهلها ولقي هناك فقهاءها فأثنى عليهم في العلم. ثم رجع، وكان حياً سنة ثمان وثمانين وثمانمائة.

عبد الله بن محمد العنابي نزيل درعة أبو محمد من أعلام العلم يشارك في علوم كثيرة مع براعته في الأدب وقرض الشعر. له قصيدة حسنة خاطب به إبراهيم بن هلال فقيه سجلماسة، وأجابه هو بمثلها، وأجاد. وكان حياً عام اثنين وتسعين وثمانمائة. ومات بساحل الريف قتيلاً، قتله العدو منصرفه لبلاده—كذا أفادنيه صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب، رحمه الله.

عبد الله بن عمر ابن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي المسوفي شقيق جدي المتقدم الفقيه الحافظ الزاهد الورع الولي. كان رحمه في غاية الزهد والورع والتوقي، قوى الحفظ جداً، درس بولاتن، وتوفي بها سنة تسع وعشرين وتسعمائة. مولده سنة ست وستين وثمانمائة. ومن تحريه أنه كان له خادم يبيع اللبن ويجمع ثمنه. فباعه مرة بعد المغرب. ثم اطلع له على ذلك بعد أن خلط الخادم ثمنه مع غيره من ماله. فتصدق بالجميع لأجل تعاطيه البيع بالليل. وكان مالاً له بال.

عبد الل بن عمر المطغري، الفقيه الفرضي الحساب أخذ عن الإمام القوري والحافظ أبي العباس الونشريسي وغيرهما. أخذ عنه جماعة، كالشيخ علي بن هارون فقيه فاس. وكان حافظاً. توفي ببلاد درعة سنة سبع وعشرين وتسعمائة.

عبد الله بن محمد بن مسعود الدرعي التمكروتي طالب محصل. أخذ عن الشيخ أبي عبد الله بن مهدي عالم درعة. وله تعليق على خليل في أسفار جمع فيه كلام جماعة من شراحه، وتأليف سماه الروض اليانع في فوائد النكاح وآداب المجامع. وكانت وفاته بعد الثمانين وتسعمائة.

عبد الله بن محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي ابن أخي السابق آنفاً. كان فقيهاً ساذجاً مستحضراً لمسائل الفقه ونوازله معتنياً بذلك، خصوصاً مختصر خليل والرسالة يستحضرهما نصب عينيه، لا حظ له في غير الفقه. توفي بعد امتحانه وإجلائه مع أهل بيته إلى مراكش أول يوم من شعبان يوم الاثنين عام ستة وألاف في الطاعون مطعوناً—تقبل الله شهادته. وكان رحيماً رقيق القلب رحمه الله تعالى.

من اسمه عبيد الله

عبيد الله بن الجد الفهري اللبلي من أهل العلم وحفظ المسائل اختصر الأشراف للقاضي عبد الوهاب.

عبيد الله بن عبد الله بن خلف الأزدي الأشبيلي، يعرف بابن الدوق. أخذ عن أبي الحسن بن عطية وأبي الحسن شريح. كان حافظاً للمسائل عارفاً بالفروع. أم وخطب. أخذ عنه ابنه علي. توفي بعد الستمائة.

عبيد الله بن محمد بن عبيد الله النفزي الشاطبي أبو الحسن، يعرف بابن فتوح. قال ابن الأبار: صاحبنا روى عن أبيه وأبي عمر بن عات وأبي الخطاب بن واجب وغيرهم. لقيته بأشبيلية سنة ثمان عشرة وستمائة. وأخذ بها عن الحسين بن زرقون ودرس عليه الفقه. ثم انصرف لبلده، فلزم داره واعتزل الناس وأقبل على العبادة والزهد ودرس العلم. كان حافظاً للفقه والحديث مشاركاً في غيرهما أديباً، يجود الشعر ثم تنزه عنه. خرج من بلده عند تغلب العدو. وتوفي أثر وروده بجاية ليلة الخميس مستهل جمادي سنة اثنين وأربعين وستمائة. وكانت جنازته مشهورة والثناء عليه جميل وهو أهل له.

من اسمه عبد الرحمن

عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الغافقي المصري الفقيه أبو القاسم الجوهري المالكي، مصنف مسند الموطأ. كان فقيهاً ورعاً منقبضاً خيراً من جلة الفقهاء. مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة—قاله الذهبي في العبر.

عبد الرحمن بن قاسم الشعبي أبو المطرف المالقي فقيه بلده وبقية مشيخته وكبيرهم في الفتيا والرواية. سمع قاسماً السبتي في الدونة وتفقه عنده وأبا علي بن عيسى المالقي، وأجازه يونس السنتجالي. قال ابن عماد، والسبتي روى عنه: شيخنا القاضي محمد بن سليمان. وله في دولة المرابطين وجاهة ومكانة. ولي قضاء بلده، ثم عزل. ودعاه أمير المؤمنين للقضاء فأبى، وأشار بأبي مروان بن حسون، فقلد القضاء. وكان أبو مروان لا يقطع أمراً دونه إلى أن توفي أبو المطرف في رجب سنة تسع وتسعين وأربعمائة. ألف في نوازل الأحكام كتاباً مفيداً جيداً. أكثر البرزلي من النقل عنه في نوازله.

عبد الرحمن ابن أبي الرجال،هو محمد بن عبد الرحمن اللخمي الأشبيلي أفريقي الأصل يعرف بابن برجان أبو الحكم. قال ابن الأبار: سمع من أبي عبد الله بن منظور البخاري وحدث به عنه. وكان من أهل المعرفة بالقراآت والحديث، وتحقق علم في الكلام والتصوف مع زهد واجتهاد في العبادة. له تآليف مفيدة كتفسير القرآن لم يكمل، وشرح الأسماء الحسنى حدث عنه أبو القاسم بن القنظري وعبد الحق الأشبيلي وأبو عبد الله بن خليل وغيرهم. وتوفي بمراكش مغرباً عن وطنه بعد ثلاثين وخمسمائة.

عبد الرحمن بن محمد بن نزار الشاطبي أبو زيد. قال ابن الأبار: روى عن طاهر بن مفوز، وسمع من أبي علي الغساني، وصحب أبا الوليد بن رشد وابن الحاج وأبا محمد بن عتاب وأبا الحسن بن مغيث، سمع منهم الحديث والفقه، وهو أغلب عليه من الحديث. ولي شورى بلده، وكان فقيهاً حافظاً مرضياً من أكثر الناس دراسة ومطالعة. له مشاركة في أصول الفقه مع صلاح وعدالة وتواضع. توفي سنة أربعين وخمسمائة.

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن أبي عيسى الأنصاري، يعرف بابن حبيش أبو القاسم من أهل المرية. قال ابن الأبار: أخذ عن أبي القاسم العقبي وأبي القاسم بن رجاء البلوي، وتفقه بابن ورد وأبي الحسن بن نافع والأدب والعربية على أبي عبد الله بن أبي زيد، وسمع بقرطبة من ابن أبي الخصال وابن العربي، وأجازه أبو الحسن شريح وعياض والسلفي. ولي الصلاة والخطبة والأحكام بجزيرة شقر، ثم نقل للقضاء بمرسية، معروف النزاهة محمود السيرة مع حرج في خلقه. كان آخر أئمة الحديث المسلم. له في حفظ عريته ولغات العرب وتواريخها ورجالها وأئمتها، لا يجاريه أحد في معرفة رجال الحديث والمواليد والوفيات، خطيباً فصيحاً حسن الصوت. له خطب حنان من إنشائه.

قال ابن عباد: كان عالماً بالقرآن إماماً في الحديث عارفاً بالعلل والرواة مع تقدم في الأدب والاستقلال بجميع الفنون مع صحة ضبط واتقان لما رواه وصدق وثقة وحظ وافر في البيان والصرامة في الأحكام جزلاً في أموره مكرماً لأصحابه منوهاً بهم، وتصدر لإقراء القرآن وسماع الحديث وتدريس اللغة والعربية. وإليه الرحلة في وقته، طال عمره حتى ساوى الأصاغر بالأكابر. ألف في الألقاب، وكتاباً في المغازي في مجلدات. وله اقتضاب صلة ابن بشكوال. ولد بالمرية نصب رجب سنة أربع وخمسمائة، وتوفي سنة أربع وثمانين في صفر. واحتفل في جنازته بما لم يشاهد مثله قبله.

عبد الرحمن بن عبد الله بن موسى بن سليمان الأزدي المرسي يعرف ابن برطلة أبو بكر، سبط القاضي أبي علي الصدفي. قال ابن الأبار: سمع من ابن حبيش وغيره، وتفقه بابن عبد الرحمن وأبي محمد بن عاشر، وسمع من ابن النعمة وابن بشكوال وابن الجد. ولي قضاء دانية، ثم صرف حميد السيرة معروف النزاهة، ولي خطابة جامع مرسية. كان حافظاً للحديث راوياً متفنناً ذا حظ في العربية والأدب مدرساً للفقه، عرض المدونة على ابن عبد الرحمن وبعض العتبية والتهذيب على ابن عاشر مع حسن سمت وجمال الشارة وفصاحة وجلالة ونباهة السلف. حدث ودرس وأسمع، وأخذ عنه. توفي بمرسية في ربيع الأول سنة تسع وتسعين وخمسمائة. مولده سنة سبع وأربعين.

عبد الرحمن بن علي بن يحيى بن القاسم الجزيري الطول. أخذ عن أبيه عن أبي الحسن وأبي بكر بن الجد وابن ملكون. كان عالماً متفنناً محققاً للفقه والقراآت، حدث وأقرأ. توفي سنة ثمان وستمائة عن نحو أربع وخمسين سنة—صح من ابن الأبار.

عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد الفازازي أبو زيد. قال ابن الأبار: ولد بقرطبة ونشأ به،ا ثم سكن تلمسان وغيرها. روى عن أبي الوليد بن بقي والسهيلي وأبي عبد الله بن الفخار وأبي عبد الله التجيبي وغيرهم. كان عالماً بالآداب متصرفاً في فنونها كاتباً بليغاً شاعراً مجوداً وافر المادة قوي العاربية مشاركاً في أصول الفقه ذا معرفة بعلم الكلام ناظراً في الفقه. كتب دهراً طويلاً للولاة وجال بلاد العدوة والأندلس كثيراً. غلب عليه الأدب، ومال للتصوف وشهر به. له أشعار في الزهد سارت منه، ومال لصحبة المريدين والسعي في مطلبهم التشدد على أهل البدع. ليس له بصر بالحديث. وناله جفوة السلطان بقرطبة وأشبيلية فألزمه داره سنة ست وعشرين. ثم ظعن في آخرها للعدوة. فتوفي بمراكش في ذي القعدة سنة سبع وعشرين وستمائة اه.

وله العشرينيات المعروفة في مدحه صلى الله عليه وسلم.

عبد الرحمن بن عبد الحميد بن إسماعيل الصفراوي الاسكندري جمال الدين أبو القاسم، الفقيه المالكي المقرئ. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة. سمع من السلفي، وتفقه بأبي طالب صالح بن بنت معافي، وقرأ القرآن على أبي القاسم بن خلف الله. وبعد صيته وانتهت إليه رئاسة الإفتاء والإقراء ببلده. مات بالاسكندرية خامس عشر ربيع الأخير سنة ست وثلاثين وستمائة.

عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الله الأنصاري الأسيدي، من ولد أسيد بن حضير، يعرف بالدباغ. قال العبدري في رحلته: الشيخ الفقيه المحدث الراوية المتفنن كان ذا سمت وهيئة وسكون ظاهر محباً لأهل العلم حسن الرجاء براً للقاء لم يؤثر الكبر فثي جسمه على علو سنه ولا تغير ذهنه ولا حواسه مولده سنة خمس وستمائة ذا عناية واهتمام بالعلم موطأ لأكناف لين الجانب جميل العشرة على سنن أهل العلم والفضل أحد وقته رواية ودراية لقيت من بره وحسن خلقه ما لم أخل مثله باقياً نيف شيوخه على ثمانين وألف فهم برنامجاً ومن عديب خلقه أني ما طلبت منه جزأ لأنقل منه إلا وهبه لي أعطاني عدة أجزاء من فوائده وفوائد شيوخه وقال لي أنت أولى بها وله مجموعات وتآليف ونظم كثير جيد ومشاركة في العلوم النقلية والعقلية. ألف تأليفاً حسناً في سفرين فيمن دخل القيروان من الفضلاء سماه معالم الإمان وروضة الرضوان في منقب المشهورين من صلحاء القيروان. وذكر لي شيخنا التقي ابن دقيق العيد أنه كلف بعض فقهاء تونس استنساخ هذا الكتاب له فلما نسخه له مات فبيع في تركته وأثنى على مؤلفه اه.

وسألته لم ترك ذكر اللخمي فيه فقال لي لم يثبت عبدي أنه دخل القيروان اه ملخصاً وكان تاريخ لقاء العبدري له في حدود عام تسعة وثمانين وستمائة كما في رحلته.

عبد الرحمن الهزميري أبو زيد، الولي الشهير شيخ الطائفة العالم العامل ذو المناقب والكرمات. قال ابن الخطيب القسنطيني: أخبرني بعض شيوخ مراكش أنه رآه على بهيمة مشدوداً عليها على جنبه بشريط لضعفه وكبر سنه، والناس ينزاحمون عليه يمسحون وجوههم بطرف ثوبه. وكان أعجوبة وقته يتحدث أبداً على الضمائر ولا يفضح أحداً. إنما يقول مثل رجل فعل كذا في مكان كذا. وذكر لي أن شيوخ شيوخنا الشيخ الصالح أبا العباس ابن البنا: كان يقصده فيما يشكل عليه من مسائل الهندسة وغيرها، قال فأجد الزحام عليه فيجيبني من طرف الحلقة فأنصرف بلا سؤال. وتنازع فقهاء مراكش في الحوض والصراط أيهما قبل فجاء أحدهم إليه فسأله. فنظر إلى السماء واتسعت عيناه اتساعاً عظيماً ثم قال: الجنة الميزان الحوض مشيراً بأصبعة إلى السماء. فذكرت ذلك لبعض الفقهاء، فبكي فقال لي ليس الخبر كالعيان. وكانت له أحوال عجيبة. قال بعض الصالحين ما أظن أن يكون أحد مثله في طريقته وعجائبه. رحل من بلده أغمات لقضاء الحاجة من أمير المؤمنين أبي يعقوب وهو في حصاره العظيم بتلمسان مدة سبع سنين في ظاهر أمره، وتنيته باطناً صرفه عن ذلك الحصار ويكفه عن حصره عليهم لشدته حتى بلغ ثمن الدجاجة عشرة دنانير ذهباً للقوت لا للدواء وللفار ثمن معتبر فلم يقبل منه. فرجع لفاس ونزل بجامع الصفارين وهو موضع مبارك يأوي إليه أهل الفضل والصلاح. فبعد أيام قتل السلطان أبو يعقوب ورجع جيشه. فقال له خديمه ظناً منه أنه ما أقام إلا ليرغب إليه إلى الله في الفرج. مات السلطان أبو يعقوب ففرج الله على تلمسان. فباسم الله نأخذ في الحركة. فقال له: وعبد الرحمن يموت بتشديد الميم يعني نفسه، فمات بعد أيام يسيرة سنة ست وسبعمائة ودفن هناك والدعاء عند قبره مستجاب يلجأ إليه أرباب الكرب. وأراد بعض الطلمة يبي على قبره فنهيته عنه فامتنع. ثم تسلط عليه السلطان فأكل ماله. اه كلام بن الخطيب.

ومن كرماته قال الإمام الشريف أبو عبد اللله التلمساني أخبرني شيخنا الإبلي قال أخبرنا الفقيه أبو عبد الله بن الحداد قال ورد علينا بفاس العارف أبو زيد الهزميري وكنت أنتأ به بالزيارة وأتردد إلى الشيخ أبي محمد الفشتالي رضي الله عنهما. فكان يسألني عن الشيخ أبي زيد إلى أن قال لي في يوم جمعة ترى الشيخ أبا زيد أين يصلي الجمعة اليوم؟ فقلت لا أدره. فخرجت من عنده إلى الشيخ أبي زيد، فلما سلمت عليه قال لي سألك الشيخ أبو محمد أين أصلي الجمعة لقد حجبته تلك الركيعات أين يعلم أين أصلي. فعجبت من مكاشفته. ثم رجعت إلى الشيخ أبي محمد، فلما سلمت عليه قال لي قال لك الشيخ أبو زيد حجبته تلك الركيعات، قل له لا قطع الله عنه تلك الركيعات. قال الإمام الشريف التلمساني أشار الشيخ أبو زيد إلى اللذة العاجلة بالصلاة وأن الالتفات إليه حجاب وأشار الشيخ أبو محمد إلى ثوابها الأخروي الباقي. اه.

عبد الرحمن بن يوسف اب الحسن شهر بابن زانيف الفقيه أبو القاسم. كان ممن يتكلم على المدونة بفاس وأملى عليه إملاء حسناً. أخذ عنه عبد الرحمن بن عفان الجزولي. وتوفي سنة ثمان عشر وسبعمائة.

عبد الرحمن بن العشاب أبو زيد. قال أبو العباس الونشريسي: نقلت من خط الأستاذ أبي الحسن بن بري أن أبا زيد العشاب المذكور كان شاباً صالحاً قرأ بتازي، وأخذ على النحو وأكمل الإيضاح تفهماً. ثم نظر في المعقول وشارك في الحديث والتفسير. كان ثاقب الفهم شديد النظر معمور الأوقات بالبحث والمطالعة والمذاكرة. له ورد بالليل واجتهاد في العبادة على صغر سنه، لم يزل دؤ باً على الخير حتى توفي ليلة الجمعة ثاني رمضان عام أربعة وعشرين، ودفن عقب الجمعة، وسنه نحو عشرين سنة. وألفيت له تقييداً على كتاب الشمائل لم يكمله. اه.

قلت: وله أسئلة نفيسة في التفسير وغيره سأل عنها العلامة ابن البقال الآتي في حرف الميم، تدل على جلالة قدره ذكرتها في غير هذا الموضع.

عبد الرحمنابن محمد بن أحمد بن محمد بن شعيب بن عبد الملك بن سهيل القيسي أبو زيد وأبو القاسم. قال أبو عبد الله الحضرمي: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب البليغ القاضي العدل المحدث الراوية الصالح الفاضل المعظم أبو زيد، له تآليف حسنة منها أربعون حديثاً في الأحوال الإنسانية وبرنامج روايته ظهر فيه حفظه واتقانه، ورتب نوازل ابن الحاج الشهير، وكذا نوازل ابن رشد والخص المقنع للداني. مولده إثر صلاة الظهر يوم السبت الثاني والعشرين من المحرم عام ثلاثة وسبعين وستمائة، وتوفي ببلده المرية ليلة السبت تاسع عشر ربيع الأول عام سبعة وثلاثين وسبعمائة وله نيف وستون سنة، وحضر جنازته الخاص والعام وتبعه ثناء حسن، ورأيت له رؤياً تدل على سعادته. اه.

عبد الرحمن بن عفان الجزولي أبو زيد، صاحب تقاييد الرسالة المشهورة، الشيخ الفقيه الحافظ شيخ الرسالة والمدونة، كان علامة في المذهب ورعاً صالحاً. أخذ عن أبي الفضل راشد وأبي عمران الجورائي وأبي زيد الرجراجي وأبي محمد عبد الصادق الصبان. وكان للناس احتفال في مجلسه وانكباب في الأخذ عنه، قيدوا عنه تقاييد على الرسالة. وكان معمراً وما قطع التدريس على ضعفه. وسبب موته أنه خرج للقاء السلطان أبي الحسن المريني مرجعه من وعقة طريف، فنزل له عبد لقائه عن فرسه ونزل له السلطان أيضاً إجلالاً له، وسقط هو عن دابته إذ ذاك فتضغضعت أركانه، فمات من ذلك عام أحد وأربعين وسبعمائة. قال الإما م المقري في بعض تقاييده دخلت على عبد الرحمن الجزولي وهو يجود بنفسه وكنت رأيته قبل ذلك معافي، فسألته عن السبب فأخبرني أنه خرج إلى لقاء السلطان فسقط عن دابته فتداعت أركانه ثم ركب عليه. اه.

وذكر الشيخ زروق أنه مات عن مائة وعشرين سنة، وذكر غيره أنه مات عن نحو تسعين سنة وكأنه أشبه. أخذ عنه الشيخ الصالح يوسف بن عمر الأنفاسي ولإمام الحافظ أبو عمران العبدوسي وجماعة.

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام أبو زيد، الإمام العلامة الجليل الكبير المجحتهد، الشهير هو وأخوه شقيقة أبو موسى عيسى بابني الإمام التلمسانيان العالمان الراسخان والعلمان الشامخان المشهوران شرقاً وغرباً الحافظان العلامتان. ذكرهما ابن فرحون في الديباج قال: أبو زيد شيخ المالكية بتلمسان العلامة الأوحد أكبر الأخوين المشهورين بأولاد الإمام التنسي البرشكي، وهما فاضلا المغرب في وقتهما وكانا خصيصين بالسلطان أبي الحسن المريني، تخرج بهما كثير من الفضلاء. لهما التصانيف المفيدة والعلوم النفيسة. توفي أبو زيد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. اه.

قال تلميذهما الإمام المقري: كانا رحلا في شبابهما من بلدهما تلمسان إلى تونس فأخذا بها عن ابن جماعة وابن العطار والبطروني وتلك الطبقة وأدركا المرجاني من إعجاز المائة السابعة، ثم ورد في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المؤمنين وهو محاصر لها، وفقيه حصرته يومئذ أبو الحسن علي بن يخلف التنسي. ورحل الفقيهان إلى المشرق في حدود العشرين وسبعماشة، فلقيا علاء الدين القونوي وكان بحيث يقال لا نظير له، ولقيا أيضاً الجلال القزويني صاحب التلخيص، وسمعا البخاري على الحجار. وقد سمعت أنا عليهما، وناظرا التقي بن تيمية فظهرا عليه، وكان ذلك من أسباب محنته، وكان للتقي المذكور مقالات شنيعة من حمل حديث النزول على ظاهره وقوله فيه كنز ولي هذا. قلت وهذه الزيادة أعني قوله كنز ولي هذا أثبتها عليه ابن بطوطة، فذكر في رحلته أنه حضر ابن تيمية يوماً وهو على المنبر فذكر حديث النزول ثم قال كنز ولي هذا، فنزل عن درجة المنبر إلى التي تحتها. اه.

نعوذ بالله من تلك المقالة. ومنهم من قال لم يثبت عنه والله أعلم. قال المقري: وكانا يذهبان إلى الاجتهاد وترك التقليد وحسبك ما صار لهما من الصيت بالمشرق. ولما حللت ببيت المقدس وعرف مكاني من الطلب وتناظرت مع بعضهم أتى إلى بعض المغاربة فقال لي إن مكانك في النفوس مكين وقدرك عندهم رفيع وأنا أعلم أخذك عن أبني الإمام فإن سئلت فانتسب إليهما وقل سمعت منهما وأخذت عنهما ولا تعدل عنهما فتضع من قدرك فما أنت عند هؤلاء الناس إلا خليفتهما وإن الأمر فوقهما.

قال المقري وكان أبو زيد رحمه الله من العلماء الذين يخشون الله. حدثني أخير المؤمنين المتوكل على الله أبو عنان أن والده أمير المؤمنين أبا الحسن ندب الناس إلى الإعانة بأموالهم على الجهاد، فقال له أبو زيد لا يصلح لك هذا حتى تكنس بيت المال وتصلي فيه ركعتين كما فعل علي بن أبي طالب. قال وكان أبو زيد يقول فيما جاء من الأحاديث من معنى قول الرسالة وإذا سلم الإمام فلا يثبت ولينصرف أنه بقدر ما يسلم من خلفه لئلا يمر بين يديه أحد وقد ارتفع حكمه فيكون كالداخل مع المسبوق جمعاً بين الإدلة. قال المقري وهذا من مليح الفقه.

قال ابن خلدون في التأريخ الكبير ابنا الإمام كانا أخوين من أهل برشك من عمالة تلمسان، أكبرهما أبو زيد وأبوهما إمام برشك قتله المتغلب يومئذ على البلد زيوم بن حماد لإتهامه بوديعة من مال بعض أعدائه طالبه بها فامتنع. وارتحل ولداه إلى تونس آخر المائة السابعة، فقرآ العلم بها على تلاميذ ابن زيتون وتفقها على أصحاب أبي عبد الله بن شعيب الدكالي، وانتقلا للمغرب بحظ وافر من العلم. فأقاما بالجزائر يبثان العلم بها لامتناع برشك عليهما من أجل متغلبها زيوم. والسلطان أبو يعقوب صاحب المغرب الأقصى محاصر يومئذ لتلمسان حصارة الطويل قد غلب على نواحيها، فارتحلا إلى مليانة فقربهما منديل الكناني واتخذهما لتعليم ولده. ثم هلك يوسف بن يعقوب صاحب المغرب سنة خمس وسبعمائة، فملك حفيده واصطلح مع صاحب تلمسان، فعاد للمغرب مع الكناني وهذان الإخوان، فأوصلهما إلى أبي حمو، وأثنى عليهما فاغتبط بهما أبو حمو واختط لهما المدرسة بتلمسان، فأقاما عنده على هدى أهل العلم وسننهم، ثم مع ابنه أبي تاشفين إلى أن ملك أبو الحسن تلمسان سنة سبع وثلاثين. وكانت لهما من الشهرة في أقطار المغرب، ما أثبت لهما في أنفس الناس عقيدة صالحة فأدناهما وأشار تكرمتهما ورفعهما عن أهل طبقتهما وأجمل مجلسه بهما وحضرا معه واقعة طريف وعادا لبلدهما. فتوفي أبو زيد وتبوأ أبو موسى الكرامة، ثم صحبه إلى إفريقية سنة ثمان وأربعين مكرماً موقراً عالي المحل قريب المجلس، فلما استولى على إفريقية سرحه إلى بلده فأقام يسيراً ومات في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين. وبقي أعقابهما بتلمسان في تلك الكرامة طبقاً عن طبق إلى هذا العهد. اه.

قال المقري رحمه الله شهدت مجلساً بين يدي السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن موسى قرئ فيه على أبي زيد بن الإمام حديث لقنوا موتاًكم لا إله إلا الله، فقال له الأستاذ أبو إسحق بن حكم السلوي هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجاز، فما وجه ترك محتضركم إلى مواتاكم، والأصل الحقيقة. فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنع به، وكنت قرأت على الأستاذ بعض التنقيح، فقلت زعم القرافي أن الشيء إنما يكون حقيقة في الحال مجازاً في الاستقبال مختلفاً فيه في الماضي إذا كان محكوماً به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقاً إجماعاً، وعلى هذا لا مجاز لا يقال احتج عليه بما فيه نظر لأنا نقول له نقل الإجماع وهو أحد الأربعة التي لا يطالب مدعيها بالدليل كما ذكره هو. بل نقول أساء حيث احتج في موضع الوفاق، ثم أنا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة لأن تلقينه قبل ذلك إن لم يدهش فقد يوحش فهو تنبيه على محل التلقين أي لقنوا من تحكمون بأنه بيت أو نقول إنما عدل إلى الاختصار لما فيه من الإبهام. ألا ترى اختلافهم فيه هل أخذ من حضور الملائكة ولا شك أن هذه حالة خفية تحتاج في نصبها دليل الحكم والوصف ظاهر يضبطها وهو ما ذكرناه أو من حضور الموت وهو أيضاً مما لا يعرف بنفسه بل بعلامات. فلما وجب اعتبارها وجب كون التسمية إشارة إليها. اه بنقل ابن الخطيب في الإحاطة.

قلت: ومن تآليف أبي زيد شرحه على ابن الحاجب الفرعي ولا أدري هل كمل أم لا. وأخذ عنهما جماعة من الأئمة لا يحصون كالشريف التلمساني والمقري وأبي عثمان العقباني والخطيب ابن مرزوق الجد وأبيه وعمه وأبي عبد الله اليحصبي في آخرين.

وقال أبو العباس الونشريسي: وأما بنو الإمام فأعلاهم طبقة الشيخنان الرسخان الشامخان العالمان المفتيان الشقيقان الفقيه العلامة آخر صدور أعلام المغرب بشهادة أهل الإنصاف شرقاً وغرباً أبو زيد، والعلامة النظار آخر أهل النظر وجامع أشتات المعارف أبو موسى، ابنا الإمان، ثم الشيخ أبو سالم إبراهيم بن أبي زيد وابن عمه الشيخ الصالح أبو محمد عبد الحق بن أبي موسى، ثم العلامة القاضي الرحال أبو الفضل بن أبي سالم. لم يبق لهما الآن عقب بتلمسان إلا صاحبنا وتلميذه الخير الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي الفضل المذكور. اه.

عبد الرحمن بن سليمان اللجائي الشيخ أبو زيد بن أبي الربيع، أحد تلاميذ ابن البناء وأصحابه حقق عنه علومه، ووالده أبو الربيع أول من أدخل فرعي ابن الحجاب في المغرب وعنه أخذ وكان فقيهاً متفنناً له تآليف. توفي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. أخذ عنه ابن الخطيب القسنطيني. هكذا ذكره في ووفياته.

عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي البجائي، عالمها ومفتهها الفقيه العالم الصالح أبو زيد. قال ابن الخطيب القسنطيني: توفي سنة ست وثمانين وسبعمائة ببجاية. اه.

وله المقدمة المشهورة وفتاوي. أخذ عنه جماعة كابي الحسن علي بن عثمان وبلقاسم بن محمد المشذالي فقيه بجاية وغيرها.

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الحفيدة السجلماسي الفقيه الحافظ الحج أبو زيد. قال أبو زكرياء السراج لقيته بعد قفوله من الحاج عام أربعة وستين وسبعمائة. فناولني الجعبري وجميع تآليفه. ثم رحل عام سبعة للمشرق فلم أسمع له خبراً. أخذ عن عبد الله اليافعي والعلامة قاضي القضاة عز الدين بن جماعة والعفيف المطري. وحدثني أن شيخه اليافعي جاور بالحرمين نحو خمسين عاماً وهو يقول تعارضت عندي الأدلة في أيهما أفضل فأنا أقيم في كل واحدة سنة وأدعو الله أن يميتني في أحب البقاع إليه.

عبد الرحمن بن محمد الشهير بابن خير أبو القاسم جمال الدين الإسكندري، أخذ الفقه عن أبيه، وسمع منه ومن غيره، وناب في الحكم عن الربعي واشتهر بالديانة، وولي القضاء بعد عزل علم الدين البساطي في جمادي الأولى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وباشرها مباشرة حسنة، وكان عفيفاً كثير المحبة لأهل العلم وأهل الخير ملازماً، فلاعتكاف في شهر رمضان ضابطاً لنفسه حازماً في أموره لا يقبل الهدية مشدداً في ذلك مع المعرفة التامة بالشرط والخلاف. وله في استخراج معاًنيها عجائب. ثم عزل في جمادي الأخيرة سنة ست وثمانين، ثم أعيد بعد عزل ابن خلدون في جمادي الأولى سنة تسع وثمانين، وكان للناس بولايته فرح وسرور لشدة كراهيتهم لابن خلدون. فباشرها إلى أن مات في رمضان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. صح من الدرر الكامنة لابن حجر.

عبد الرحمن البرشكي أبو زيد، الشيخ الإمام العلامة الخطيب المدرس قاضي الخلافة العلية بتونس كان من أهل العلم والعمل به بمحل لا يجهل وأما أخلاقه المرضي ومكارمه السنية فكالغيث الواكف أحد أشياخ العلامة ابن مرزوق كذا ذكره بعضهم.

قلت: وهو من شيوخ أبي الطيب بن علوان المصري.

عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي، الشيخ الصالح الإمام النحوي أبو زيد الفاسي، ألف شرحاً مختصراً على الألفية اعتنى به الطلبة كثيراً، وآخر كبيرً لم يتم، أتلفه الحسدة إلأوائلة على ما قيل نقل عنه ابن غازي وغيره. وله شرح الجرومية ونظم المعرب من الألفاظ والمقصورة في مدحه صلى الله عليه وسلم على سنن مقصورة ابن دريد نحو ثلاثمائة بيت وفيها يقول:

مقصورة لكنها مقصورة * على امتداح المصطفى خير الورى
ما شبتها بمدح خلق غيره * لرتبة أحظى بها ولا جرى
فأفت علاء كل ذي مقصورة * وإن هم نالوا الأيادي واللهي
فحازم قد عد غير حازم * وابن دريد لم يفده ما درى

وله أيضاً رجز في التصريف نحو أربعمائة بيت وفيه يقول على جهة الفخر:

فلو نهوا عن الهوى النفوسا * وجانبوا النمويه والتلبيسا
لسلموا أني فيهم ماهر * ونور فهمي في العلوم باهر
لكن كبار أهل هذا العلم * يدرون تحصيلي له وفهمي

توفي سنة سبع وثمانمائة، هكذا رأيته مقيداً في غير موضع. وأخذ عنه الإمام الرباني الحفيد بن مرزوق، وأثنى عليه بالعلم والصلاح والفضل، وأبجب ولده حماد، وكان عالماً بانحو ولكن دون والده رحمهما الله.

عبد الحمن بن محمد بن محمد بن الحسين ابن محمد بن جابر بن خلدون الحضرمي الأشبيلي، الأصيل التونسي، المولد الإمام ولي الدين أبو زيد، قاضي القضاة العلامة الحافظ المؤرخ. قال ابن الخطي في تأريخ غرناطة: كان فاضلاً حسن الخلق جم الفضل باهر الخصال رفيع القدر ظاهر الحياء وقور المجلس عالمي الهمة قوي الجأش طامحاً لقنن الرئاسة متقدماً في فنون عقلية ونقلية متعدد المزايا سديد البحث كثير الحفظ صحيح التصور بليغ الخط مغري بالتجلة جواد الكف حسن العشرة بذول المشاركة مفخراً من مفاخر التخوم المغربية، من ذرية وائل بن ححر. أخذ القرآن عن بدال والعربية عن الزواوي وابن العربي وتأدب بأبيه، وأخذ عن المحدث ابن جابر الوادآشي وحضر مجالس ابن عبد السلام وروي عن الحافظ السطي والرئيس أبي محمد الحضرمي ولازم العالم الشهير الإبلي وانتفع به. وورد على الأندلس في ربيع الأول عام أربعة وستين وأكرمه سلطانها وأركب لتلقيه خاصته وخلع عليه، وأبره شرح البردة شرحاً بديعاً دل على تفننه وإدراكه وغزارة حفظه ولخص كثيراً من كتب ابن رشد وعلق تقييداً مفيداً في المنطق للسلطان ولخص محصول الفخر وألف في الحساب وفي أصول الفقه. مولده بتونس في رمضان عام اثنين وثلاثين وسبعمائة اه.

قال أبو جعفر البقني في مختصر الإحاطة وألف تأريخه المشهور الذي سحر به الخاص والجمهور سماه بكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، اخترع فيه مذهباً عجيباً وطريقاً مبتدعاً من الحديث على العلوم وتنقيح الفهوم وما يعرض في الإنىسان من الأعراض الذاتية ونالخيالات والحلوم. اه.

وقال بعضهم وخلدون بفتح الخاء المعجمة وآخره نون حفظ القرآن والشاطبي ومختصر ابن الحاجب الفرعي وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عبد الله الجياني وأبي القاسم بن العصير قرأ عليه التهذيب وعليه تفقه وحفظ المعلقات والحماسة وشعر حبيب وقطعة من شعر المتنبي وسقط الزند، وأخذ العربية عن والده وغيره وعبد المهيمن الحضرمي. وتولى كتابة العلامة عن صاحب تونس، ثم توجه لفاس واعتقل عند سلطانها، ثم قدم غرناطة وعظمه سلطانها، ثم توجه لبجاية، ثم لتونس، ثم رحل لمصر فولاه سلطانها الظاهر برقوق قضاء المالكية وتصدر للإقراء بالجلمع الأزهر، وصنف تأريخه الكبير في سبع مجلدات سماه العبر في تأريخ الملوك والأمم والبربر، وكان يسلك في إقرائه مسلك الأقدمين كالغزالي والفخر مع إنكار طريقة طلبة العجم. ويقول أن اختصار الكتب في كل فن والتعبد بالألفاظ على طريقة العضد وغيره من محمدثات المتأخرين والعلم وراء ذلك كله. وكان يقدم بديع ابن الساعاتي على مختصر ابن الحاجب ويقول أنه أقعد بالفن زاعماً أن ابن الحاجب لم يأخذه عن شيخ وفيه نظر. وتكرر عزله مراراً من القضاء وولايته نسب في تأريخه إلى عظيمة، نقلها عنه أبو الحسن بن أبي بكر. قال ابن حجر ولم يوجد في تأريخه. مات قاضياً فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة ثمان وثمانمائة عن ست وسبعين دون أشهر ودفن في مقابر الصوفية خارج باب النصر. اه.

قلت: وعرف هو بنفسه في تأريخه فأطال فيه نحو أربعة وأربعين ورقة من كامل الشامي، وذكر فيه أنه حين رجع لتونس ازدحم عليه طلبة بن عرفة وغيره وأنه وقع بينه وبين بن عرفة شيء. وممن أخذ عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد والشيخ البسيلي والبدر الدماميني والعلامة البساطي وغيرهم.

عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الشريف التلمساني المشهور بأبي يحيى الشريف، الإمام العلامة المحقق الأعرف بن الإمام العلامة المحقق أبي عبد الله الشريف. كان من الآيات في القيام بتحقيق العلوم والاتقان لها ومعرفتها محققاً نظاراً حجة. قال الإمام بن العباس الإمام العلامة الأوحد شريف العلماء وعالم الشرفاء آخر المفسرين من علماء الظاهر والباطن ابن العلماء الأئمة. اه.

وقال بعض من عرف به وبأبيه وأخيه: ولد آخر ليلة التاسع عشر من رمضان عام سبعة وخمسين وسبعمائة. وبشر به أبوه في منامه كأخيه. وكان ليلة مولده بات مع أبيه الفقيه أبو زيد بن خلدون والقاضي أبو يحيى بن السكاك فطلب منه كل أن يسميه باسمه، فسماه عبد الرحمن، وكناه أبا يحيى. وكان يحبه أبواه كثيراً شديداً ويتفرس فيه أبوه، قرأ عليه التقصي تفقهاً وابن الحاجب الأصلي ومثارات الغلط من تأليفه والموطأ، وحفظ ودرس في حياته. ثم لما مات أخذ عن أخيه علوماً جمة وقرأ عليه كتباً كثيرة، وعلى العالم الصالح أبي عثمان العقباني أصلي ابي الحاجب وإيضاح الفارسي وجمل الخونجي، وحضر عليه في التفسير، وعلى الأستاذ الصالح ابن حياتي الغرناطي المقرب والزجاج. وسمع من الشيخ العالم أبي القاسم بن رضوان صحيح مسلم وشفاء عياض وأجازه. وجد في الطلب حتى ارتفع قدره وتعجب منه الأشياخ. ولقد سمعت شيخنا الفقيه الصالح أبا يحيى المطغري يقول حضرت مجالس العلماء شرقاً وغرباً فما رأيت ولا سمعت مثل أبي عبد الله وولديه. ولما مرض أخوه عبد الله أمره بالجلوس في موضعه للإقراء فامتنع تأدباً حتى قدم عليه فساعفه سنة أربع وثمانين. وبلغ الغاية في العلم والنهاية في المعارف الإلهية وارتقى مراقي الزلفى ورسخ قدمه في العلوم. وناهيك بكلامه في أول سورة الفتح. ولما وقف عليه أخوه عبد الله كتب عليه: وقفت على ما أولتموه وفهمت ما أردتموه فألفيته مبنياً على قواعد التحقيق والإيقان مؤدياً صحيح المعنى بوجه الإبداع والاتقان بعد مطالعة كلام المفسرين ومراجعة الأفاضل المتأخرين وتلك شنشنة أعرفها من أخزم. اه ملخصاً.

قال أبو الفضل بن مرزوق الحفيد: توفي سيدنا الشريف العلامة أبو يحيى مع الفجر السادس والعشرين من رجب عام ستة وعشرين وثمانمائة. اه.

أخذ عنه جماعة كالشيخ أبي زيد الجاديري والعلامة ابن زاغو وأثنى عليه غاية واعتمد عليه والشيخ أبي عبد الله القيسي وكان قد دخل مدينة فاس وأقرأ بحضرة سلطانها وفقهائها رحمه الله.

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن عطية المديوني، ثم الجاديري، وبه اشتهر الفاسي الشيخ الفقيه العالم المؤقت الإمام، ولد سنة ست أوسبع وسبعين وسبعمائة، واستوطن فاساً وكان بها عدلاً مبرزاً، ولي التوقيت بجامع القرويين منها وكان متفنناً مقرئاً نحوياً حيسوبياً مؤقتاً، قرأ بالسبع على ابن عمر وأبي عثمان الرروالي وأبي عبد الله الفخار وأبي عبد الله القيسي، وروى عن الترجالي وبرهان الدين بن صديق وأبي الحسن ابن الإمام البخاري وغيرهم. له تآليف منها روضة الأزهار في علم وقت الليل والنهار واقتطاف الأنوار ذكر فيه مسائلها نثراً كالشرح لها ومختصر الاقتطاف المذكور وكتاب جمع فيه بين العمل بآلة الأسطرلاب وبالصفيحة الشكارية وبربع الدائرة والعمل بالحساب والجدول في اثنين وأربعين باباً وتنبيه الأنام على ما يحدث في أيام العام وشرح رجز أبي مقرع ومختصر شرح الخاقانية للداني ورجز سماه النافع في أصل حرف نافع وشرح رجز شيخه القيسي في الضبط وشرح الدرر اللوامع وله أيضاً المذكر والمؤنث وغيرها. توفي في نيف وأربعين وثمانمائة ودفن في داخل باب القتوح. هكذا وجدت ترجمته في بعض المجاميع.

وذكر الونشريسي في وفياته أن وفاته سنة تسع وثلاثين. وقال بعض أصحابنا كان من أعلام فاس محصلاً. أخذ عن جماعة وألف فهرستاً مليحة. اه.

ومن شيوخه أبو زيد المكودي روى عنه مقصورته وغيرها ذكره ابن غازي في الروض الهتون.

عبد الرحمن بن الشحنة الحلبي الشيخ فتح الدين ابن الشيخ كمال الدين، كان حنفياً ثم انتقل مالكياً، تولي قضاء المالكية. وكان من الفضلاء الأعيان وأحد النبلاء الأذكياء من بيت علم وكان حسن النظم. ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وتوفي ليلة عاشر المحرم سنة ثلاثين وثمانمائة. واستقر بعده في قضاء المالكية ولده الكمال إبراهيم. ومن نظمه في محنة توالت عليه وكثرت الأمطار تلك السنة:

لا تلوم الغمام إن حب دمعا * وتوالت لأجله الأنواء
فلليالي أكثرن فينا الرزايا * فبكت رحمة علينا السماء.

هكذا وجدت هذه الترحمة بخطي ولا أدري من أين نقلتها.

عبرد الرحمن الغرياني الطرابلسي، محشي المدونة أخذ عن أصحاب ابن عرفة كابي يوسف يعقوب الزغبي وغيره. قال الشيخ حلولو له معرفة بالفقه. اه.

فائدة: ذكر في حاشية المدونة عن شيخه الزغبي عن الإمام ابن عرف، قال: لا يجوز لأحد يقف في مسألة على نص بن رشد، ويأخذ فيها بكلام اللخمي. قال وسبب ذلك اختلاف كلامهمال في مسأفة، فأرداد قاضي الجماعة أن يحكم فيها بقول اللخمي، فأنكر عليه ابن عرفة وذكر ما تقدم. اه.

قلت: وهذا الذي نقله عن ابن عرفة وإن كان له وجه ما إلا أنه قد لا يوافق عليه فقد مشى خليل في مختصره في مواضع عديدة على كلام اللخمي دون ابن رشد مع وقوفه على كلامه في ذلك الموضع لنقله له في توضيحه كقوله في الجنائز وفي الصنف أيضاً الصف. وقد ذكر كلامهما في التوضيح، وله مثل ذلك في مواضع بينتها في غير هذا الموضع. اه.

عبد الرحمن الكاواني أبو زيد. قال ابن غازي في فهرسته شيخنا الفقيه المتفنن قدم علينا مكناسة متوطناً ودرس بها وقرأت عليه الرسالة قراءة تحقيق وفرئض التلقين تفقهاً وعملاً وسمعت عليه بعض المدونة والجلاب. وكان إماماً في الأصلين أدرك من الفاسيين الحاج أبا يعقوب الأغصاوي وأبا جعفر الزجاجي وأبا وكيل ميمون والمكودي وشيخ الجماعة عيسى بن علال سمع عليه المدونة وتلميذه العالم العلم أبا القاسم التازغدري وبه تفقه، وأخذ الأصلين عن أبي عبد الله العكرمي وأبي يعقوب يوسف السيتاني. أدرك بعض القرن الثامن، وتوفي في حديد التسعين وثمانمائة.

عبد الرحمن بن أبي القاسم القرموني الفيسي أبو زيد. قال تلميده ابن غازي هو الفقيه العاقل الصالح الزاهد جالسته كثيراً واستفدت منه وحضرته في الرسالة. كان متواضعاً جداً. أدرك أبا حفص الرجراجي وشيخ الجماعة ابن علال وأبا القاسم التازغدري وأبا مهدي عيسى المغراوي ومن المكناسيين الفقيهين الزاهدين عبد الله بن أحمد وابن فتوح التلمساني. ولد عام أحد وثمانمائة، وتوفي سنة أربع وستين. اه.

قال الشيخ أحمد زروق في نكاشته: عبد الرحمن القرموني فقيه مدرس رئيس خير من بيت خير كان مؤقتاً. وقال أيضاً كان من بيت علم وتصرف وفيه ديانة وكان مدرساً. اه.

عرد الرحمن المجدونلي المشهور بالتونسي. ابن غازي في فهرسته: كان قد برز في علم المعقول وعنه يؤخذ بفاس وكان لسانه لا يعينه على حسن الإلقاء. وأخذ عن أبي عبد الله الأبي وحضرته واستفتدت منه. اه.

وأخذ عنه الإمام زروق ونقل عنه أنه كان ينقل عن شيخه الأبي أنه كان يقول ما في علم الكلام أشكل من سمائل ثلاث، مسألة كلامه تعالى والقدرة الاكتسبية والرؤية، فعليك باعتقاد الحق في ذاك وترك ما سواه. اه، نقلته من حفظي.

عبد الرحمن بن عبد الوارث بن محمد بن عبد الوارث بن محمد ابن عبد العظيم بن يحيى بن يعقوب بن يحني بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، القاضي نجم الدين البكري. ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وحفظ الأحكام لابن دقيق العيد وفرعي ابن الحاجب وألفية النحو، واشتغل بالفقه على بهرام والجمال الأقفهسي قرأ عليهما بحثاً جميع المختصر، وناب عن الشمس المزني وابن خلدون وعن الجلال البلقيني، وفرض له ابن حجر وأفرض له السلطان وولي بعد والده القمحية. ثم رغب عنها وحج وأعطاه السلطان ألف دينار، ثم عاد فأعطاه خمسكائة دينار فلم يقبلها. وكان فاضلاً جواداً ظريفاً ا سطوة على المفسدين. ووصفه ابن حجر بالشيخ الإمام العلامة مفتي المسلمين وصدر المدرسين أقضى القضاة ولي أمير المؤمنين. توفي نصف ذي القعدة يوم الجمعة ثمان وستين وثمانمائة. صح من السخاوي.

قلت: وأخذ عنه السيوطي وذكره في معجمه.

عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجزائري، الشيخ الإمام الحجة العالم العامل الزاهد الورع ولي الله الناصح الصالح العارف بالله أبو زيد شهر بالثعالبي صاحب التصانيف المفيدة كان من أولياء الله المعرضين عن الدنيا وأهلها ومن خيار عباد الله الصالحين. قال السخاوي: كان إماماً علامة مصنفاً اختصر تفسير ابن عطية في جزأين وشرح ابن الحاجب الفرعي في جزأين وعمل في الوعظ والرقائق وغيرها. اه.

قال الشيخ زروق شيخنا الفقيه الصالح والديا <؟> عليه أغلب من العلم يتحرى في النقل، أتم التحري وكان لا يستوفيه في بعض المواضع. اه.

قال ابن سلامة البكري: كان شيخنا الثعالبي رجلاً صالحاً زاهداً عالماً عارفاً ولياً من أكابر العلماء. له تآليف جمة أعطاني نسحة من تفسير الجواهر لا بشراء ولا عوض عاوضه الله بالجنة. وقال غيره سيدنا ووسيلتنا لربنا الإمام الولي العارف بالله. اه.

قلت: وهو ممن اتفق الناس على صلاحه وإمامته، أثنى عليه جماعة من شيوخه بالعلم والدين والصلاح كالإمام الأبي والولي العراقي والإمام الحفيد ابن مرزوق. وقد عرف هو بنفسه في مواضع من كتبه. قال رحلت في طلب العلم من ناحية الجزائر في آخر القرن الثامن فدخلت بجاية عام اثنين وثمانمائة فلقيت بها الأئمة المقتدي بهم في العلم والدين والورق أصحاب الفقيه الزاهد الورع عبد الرحمن الوغليسي، وأصحاب الشيخ أبي العباس أحمد بن إدريس متوافرون يومئذ أصحاب ورع ووقوف مع الحد لا يعرفون الأمراء ولا يخالطونهم، وسلك أتباعهم مسلكهم كشيخنا الإمام الحافظ أبي الحسي علي بن عثمان المكلاتي وشيخنا الولي الفقيه المحقق أبي الربيع سليمان بن الحسن وأبي الحسن علي بن محمد البليليتي وعلي بن موسى والإمام العلامة أبي العباس النقاوسي، حضرت مجالسهم وعمدتي على الأولين. ثم دخلت تونس عام تسعة أوائل عشرة وأصحاب ابن عرفة متوافرون، فأخذت عنهم كشيخنا واحد زمانه أبي مهدي عيسى الغبريني وشيخنا الجامع بين علمي المنقول والمعقول أبي عبد الله الأبي وأبي القاسم البرزلي وأبي يوسف يعقوب الزغبي وغيرهم، وأكثر عمدتي على الأبي. ثم رحلت للمشرق وسمعت البخاري بمصر على البلالي وكثيراً من اختصار الإحياء له، وحضرت مجلس شيخ المالكية بها أبي عبد الله البساطي وحضرت كثيراً عند شيخ المحدثين بها ولي الدين العراقي وأخذت عنه علوماً جمع معظمها علم الحديث وفتح لي فتحاً عظيماً وأجازني. ثم رجعت لتونس فإذا في موضع الغبريني الشيخ أبو عبد الله القلشاني خلفه فيه عند موته فلازمته، وأخذت البخاري إلا يسيراً عن البرزلي، ولم يكن بتونس يومئذ من يفوتني في علم الحديث إذا تكلمت أنصتوا وقبلوا ما أرويه تواضعاً مهم وإنصافاً واعترافاً لحق، وكان بعض فضلاء المغربة يقول لي لما قدمت من المشرق كنت آية في علم الحديث، وحضرت أيضاً شيخنا الأبي وأجازني. ثم قدم تونس شيخنا ابن مرزوق عام تسعة عشر فأقام بها نحو سنة فأخذت عنه كثيراً وسمعت عليه الموطأ بقراءة الفقيه أبي حفص عمر القلشاني ابن شيخنا أبي عبد الله وغير شيء وأجازني وأذن لي هو والأبي في الإقراء وأخذت عن غيرهم. اه ملخصاً.

قلت: ومن شيوخه الشيخ المحمد عبد الواحد الغرياني وحافظ المغرب أبو القاسم العبدوسي وابن قرشية. وأما تآليفه فكثيرة

ذكر جميعها في فهرسته. ولد عام ست أو سبع وثمانين وسبعمائة، وتوفي كما ذكر الشيخ زروق سنة خمس وسبعين وثمانمائة، فعمره نحو تسعين سنة كما ذظره السخاوي. وقال زروق ثلاث وتسعون، والأول أشبه لما تقدم من ولادته، وقد ذكر هو عن نفسه أنه في عام أحد وأربعين وثمانمائة ابن خمس أو ست وخمسين سنة، فاعرفه. أخذ عنه جماعة كالشيخ العالم محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف والإمام السنوسي وأخيه لأمه علي التالوني والإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي. ومن فوائده وما ذكره في كثير من كتبه قال: ومما جربته من الخواص أن من أراد أن يستيقظ أي وقت شاء من الليل فليقرأ عند نومه عند غلبة النعاس بحيث لا يتجدد عقبها خواطر أية "أفحسب الذين كفروا" الخ السورة، فإنه يستيقظ في الوقت الذي نواه بلا شك، وهو من العجائب المقطوع بها. قال وفي الصحيح أن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعلطاه إياه، فإذا أردت معرفة هذه الساعة فاقرأ عند نومك "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" إلى آخرها. فإنك تستيقظ في الساعة بفضل الله تعالى وربما تقرر تيقظك لأمر أراده الله تعالى، وهذا مما ألهمت وما كتبته إلا بعد استخارة، وإياك أن تدعو فيه على مسلم وإن ظالماً وإلا فالله حسيبك وأنا بين يديه خصيمك، وهي فائدة عظيمة. اه ملخصاً.

فائدة: ذكر صاحب الترجمة في ورقات جمعها عدة مرائي رأيته في فصل تفسيره فما قال فيها حدثني والدي وعمي عن عمر بن مخلوف قالا بشرنا بك والدنا مخلوف، وقال: يولد لولدي محمد ولد يكون من شأنه كذا وكذا من أوصاف الخير، وكان جدي المذكور من أفراد الأولياء الراسخين وعباده المتقين بلغ في سلوك الطريق الغاية والنهاية وظهر له كرامات من أهل الرسوخ والتمكين، ما يخبرني بشيء إلا كان كذلك كأنه ينظر اللوح المحفوظ، وتأولت ذلك ما يسر الله لي من التصانيف لا سيما تفسير القرآن لانتفاع المسلمين به، ورأيته صلى اله عليه وسلم مراراً على نحو صفاته المذكورة في الكتب لم يختلف حاله علي قط في خلق ولا خلق وما رأيته إلا رأيت منه بشاشة وخلقاً كريماً الإمرة واحدة، فرأيته وأنا في تأليف هذا التفسير وقراءة البخاري وأنا في موضع عال مع أناس كثيرين وهو يفرق طعاماً في يده الكريمة وطمعت في نيل شيء منه وخشيت نفاده قبل وصوله إلي لكثرة الناس، فما كمل الخاطر إلا وهو صلى الله عليه وسلم واقف مقبل علي مسرور، فسألته أن يطعمني من الطعام فناولني من يده وأكلت منه صلى الله عليه وسلم، ونظر إلي قائلاً أليس إذا أطعم النبي أحداً شيئاً يتقيؤه، فقلت له أفأتقيؤه؟ وتهيأت للقيء، فقال لي ليس هذا أريد، ففهمت أنه لم يرد القيء بظاهره، وأولته على نشر العلم وبثه وفرحت، ورأيته مرة أيضاً عام ثلاثة وثلاثين وهو يحض صلى الله عليه وسلم على عمل الطب قائلاً وواعداً من اشتغل بتحصيله أن يسأل الله تعالى أن يجعله في جواره أو قال في درجته صلى الله عليه وسلم. وذكر الفقيه الصالح سعيد الهواري عن أناس: رأى رؤياً في فضل كتابي الجواهر الحسان كان منادياً ينادي أن الله قضى أنه لا يأتي بعده مثله وأنه تعالى جعل عليه القبول أو نحو ذلك. ثم ذكر سعيد المذكور أنه رأى لهذا التفسير ثلاثة آلاف رؤياً تقتضي خيره. اه ملخصاً، وقد ذكر كثيراً من ذلك.

عبد الرحمن بن موسى البرشوي أبو زيد. قال الشيخ زروق أحد المدرسين ببجاية وأئمتها. كان فقيهاً ذا دين وعفاف وسناء وتجمل وعقل صبار، توفي <بياض بالأصل>. صح من الكناشة.

عبد الرحمن بن سليمان التالي المعروف بالحميدي الفاسي. أخذ عن القوري وغيره. توفي في الحادي والعشرين من المحرم عام أربعة وتسعمائة. ذكره المنجور في فهرسته.

عبد الرحمن بن محمد الشهير بابن قاسم، قاضي القضاة بمصر جلال الدين العالم الصالح من المشهورين في العلم والصلاح رقيق القلب سريع الدمعة يتوجع لضرر المسلمين ومهماتهم. طلب منه السلطان الغوري استبدال مكان موقوف فامتنع، وقال ليس الاستبدال مذهبي فلا أباشر مالاً أعتقده. ثم طلبه لقضاء الفضة وصمم عليه في ذلك، فشرط على السلطان متى طلب أحداً من كبار الأمراء لا يتحامي عليه. فقال له أنا أكون لك رسولاً كل من طلبته على إحضاره فباشر بعفة وأمانة. ثم تعفف عنه وأقبل على مداومة الشغل بالعلم والتصنيف، وبذل الصدقة بحيث لا يرد سائلاً ولو بقليل. ألف شرح الرسالة وشامل بهرام وقطعة من المختصر قدر العبادات وحدود الأبدي. توفي بعد العشرين وتسعمائة. صح من ذيل البدر القرافي.

عبد الرحمن بن علي الأجهوري، بجيم بعد الهمزة ثم هاء مضمومة ثم راء فياء، نسبة إلى أجهور قرية بمصر. قال القرافي: شيخنا الفقيه العلامة الناسك الإمام العامل الزاهد بقية السلف تفقه بالشهاب الفيشي ثم بالشمس اللقاني وأخيه ناصر الدين وبرع في الفقه، تخرج به جماعة من الطلبة حتى وصل ملازموه المجدون عليه نحو مائة. ولازم إقراء خليل وأعان على كشف غوامضه، وصار مدرس مصر وطلبتها كلهم من طلبته. له حاشية عليه، وطرر على هوامش الشرح الكبير أحسن وأدق من حاشيته، كان أعرف من رأيناه بالفقه أية ظاهرة في تربية الطلبة، جاز في ذلك ثناء فاخراً واشتهاراً في حياة شيخه ناصر مع ما للناصر من الشهرة الذائعة. وقد عده شيخنا ولي الله عبد الوهاب الشعراني في طبقات الصوفية منهم وأثنى عليه. توفي في صفر سنة سبع وخمسين وتسمعمائة. اه

قلت: لقيه والدي رحمه الله لما حج سنة ست وخمسين وحاشته على خليل لطيفة لا تخلون في بعض المواضع عن نكتة.

عبد الرحمن بن الحاج أحمد المغربي الطرابلسي، الشهير بالتاجوري. وقال البدر القرافي: شيخنا العالم العامل الناسك صاحب الحقيقة والطريقة دخل بلاد الروم في دولة السلطان سليمان وعرف لغتهم ولا يتكلم بها إلا لضرورة له. اعتناء بالتهذيب والرسالة. أخذ الفقه عن الأخنين شمس الدين اللقاني وناصر الدين وغيرهما، وهو علامة الزمان في علم الميقات على الإطلاق، يدرس في الموطأ والتهذيب والرسالة. قرئ عليه يوماً قولها "وإنه فوق عرشه المجيد" فذكر ما قيل في الاعتذار بأن لفظة بذاته دست على الشيخ في كتابه. فأنكره بعضهم قائلاً كل عبارة اعترض يمكن الجواب عنها بذلك فلا يبقى على صاحب عبارة اعتراض، فغضب الشيخ وقال هذا إمام مجمع على جلالته لم يوصف بشيء مما يوهمه هذا اللفط. ثم التفت للسائل منكراً عليه فقال تسكت فإلا أتكلم وكرره. فقال له الطالب لوجه الله لا تتكلم، فأغلق الشيخ الكتاب وذهب مغضباً. ثم سئل الطالب بعد ذلك فقال خشيت فوت الدرس وأنا جنب فحضرت الدرس في المسجد جناباً فزجرنا الشيخ مما رأيتهم. توفي قريباً من الستين وتسعمائة. اه.

قلت: لقيه والدي وشيخنا محمد لما حجا وحضر شيخنا درسه رحمهم الله تعالى ونفعنا بمنه.

عبد الرحمن ابن محمد بن إبراهيم الدكالي، الفقيه الفقيه الموثق الأستاذ الواعظ أبو محمد، أخذ عن أبيه العباس الزقاق وأستاذ الجبال وابن هرون وعبد الواحد الونشريسي، ودرس في الرسالة في أول شبابه عام أحد عشر له، فيها مزيد على معاصريه يضرب مسائلها بعضها ببعض، قوي الحفظ يستحضر نصوصها ويطرز مسائله بنصوص تحرير المقالة لابن غازي والمنهج المنتخب للزقاق، ويعظ ويخشع له الناس مجلسه منور، وللفطه حلاوة وطلاوة وربما حضر مجلسه أبو محمد الونشريسي مع أنه أسن منه ويتعجب من فصاحته، وهو عمدة العامة في أمورهم ودينهم يلازم سماط الوثيقة ولا يترك معه تدريس المدونة والرسالة مقتصراً على حل اللفظ فقط. توفي سنة اثنين وستين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة، تأسف الناس عليه وأثنوا عليه خيراً، وكان كثير التنقل في آخر الليل. صح من فهرست المنجور.

قلت: أخذ عنه صاحبنا الشيخ المسن محمد بن قاسم القصار مفتي فاس اليوم.

عبد الرحمن بن علي بن أحمد القصري ثم الفاسي السفياني، عرف بسقين أبو محمد. قال المنجور في فهرسته: شيخنا الفقيه الأستاذ التحدث المسند المحقق الرحلة الحاج أخذ عن شيخ الجماعة ابن غازي والشيخ زروق وأدرك أبا الفرج الطلنجي وجود عليه وأبا مهدي الماواسي والفقيه أبا فارس اليوفرجي وأبا زيد الحميدي والزواوي، وشرق سنة تسع وتسعمائة فأخذ علم الحديث بمصر عن أصحاب بن حجر كالقلقشنري وغيره، وضبط فحسل له روأية واسعة لم يحصلها من الفاسيين. ثم آب لبلاد السودان ودخل كنو وغيرها وعظموه وأعطوه مالاً جزيلاً، وذكر عن نفسه أنه افتض هناك من الجواري المهداة قريباً من مائة جارية، وبقي هناك مدة. ثم رجع لفاس سنة أربع وعشرين، فتولى الخطابة بجامع الأندلس والفتوى بعد وفاة الفقيه محمد بن محمد ابن الإمام القوري. ثم عزل وتولاها ابن هارون. فأكب على رواية الحديث وإقراءه حتى توفي فاتح سنة ست وخمسين عن نحو ست وثمانين سنة. روى عنه اليسيتني وعبد الوهاب الزقاق وغيرهما، وانقطع الحديث بموته. لازم في حياته إقرء العمدة والموطأ مع رواية الكتب الستة والتفسير. قيد بخطه كثيراً من فوائد الحديث والأدب مع ضبط وشكل يقرب في الاتقان شيخنا ابن غازي. جمع كثيراً من الكتب مشاركاً في الأدب والتصوف والطب، يقرء ألفية ابن سيناء، مع تواضع يركب الحمار مع أشراف الناس. وكان ينكر على من يقرأ الفاتحة للناس أو يطلبها ويقول إنها بدعة لم ترد في حديث ورئ بعد موته. فسئل عن ذلك فرجع عنه بالجملة. فهو فيما وصفنا آخر الناس بفاس. اه كلام المنجور.

قلت: قال الشيخ زروق في بعض تآليفه: ما اعتاده أهل الحجاز واليمن ومصر ونحوهم من قراءة الفاتحة في كل شيء لا أصل له، لكن قال الغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة وتكرارها في كل ركعة. وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والدخائر. اه كلام زروق. أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء، قال: إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله تعالى. نقله الجلال السيوطا رحمه الله تعالى

بقية من اسمه مصدر بلفظ العبودية

عبد الرحميم بن محمد بن الفرج بن خلف بن سعيد ابن هشام الأنصاري الخزرجي، يعرف بابن الفرس أبو القاسم الغرناطي. قال ابن الأبار أخذ القرآن على موسى بن سليمان وطبقته والفقه والحديث والأدب على علماء المرية، وأخذ بدانية القراآت على أبي داود المقري وغيره واللغة والنحو على أبي الحسين بن سراج وابن أبي العافية، وسمع الحديث على أبي علي الغساني وأبي بكر بن عطية وأبي عبي بن سكرة، وتفقه بأبي محمد بن عتاب وسمع القاضي أبا الأصبغ بن سهل ودرس الفقه بجامع المرية ولازم الفتيا والشورى. وتولى الفضاء كرهاً، وكان فقيهاً حافظاً مبرزاً إليه الرحلة في وقته لتحققه بصناعة الإقراء. أخذ عنه الناس كثيراً وانتفعوا به، وحدث عنه جلة. وخرج من غرناطة عند انقراض دولة لمنون سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، فأقرأ بمدينة المنكب وبها توفي أواخر شعبان سنة اثنين وأربعين وخمسمائة، مولده في ربيع سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.

عبد الرحيم بن إبراهيم محمد الخزرجي، يعرف بابن الفرس أبو القاسم الغرناطي. قال ابن الأبار: سمع أبا عبد الله بن زرقون كان فقيهاً أصولياً محدثاً حافظاً متفنناً أديباً شاعراً. سمع منه أبو جعفر بن الدلال بغرناطة، وقال لي لم أر أحفظ منه لأسانيد الحديث. قتل ببعض نواحي مراكش سنة ستمائة.

عبد الرحيم بن جعفر الزياتي أبو القاسم. قال الأبار: كان حافظاً فقيهاً. أخذ عنه أبو عبد الله الأندي وتفقه به، وقال لم ألق أحفظ منه لمسائل المدونة إلا أفراداً من الرجال. لا عناية له برواية الحديث عليه الرأي.

عبد الرحيم بن محمد اليزناسني. قال الغبريني في عنوان الدراية: الشيخ الفقيه العالم الفاضل المحصل المتقن المجيد أحد العلماء الذين لهم السبق وهم بالتقدم أحق رحل للمشرق ولقي أفاضل وجد واجتهد وحصل، وكان صاحباً للنجم ابن شاس، وسمعت شيخنا أبا محمد عبد العزيز يقول: قال أبو زيد المذكور استشارني ابن شاس في وضع كتابة الجواهر فأشرت عليه أن لا تفعل فتركه، ثم لما مشيت للحج وجدته قد وضعه. وكان محققاً لمذهب مالك ولأصول الفقه على طريق الأقدمين من أهل الاجتهاد ولا شيء له من الدنيا. دخل بجاية على تلك الحالة فرفع أمره لواليها فأرسل إليه بطعام وجمال فلم يقبله ورده، ثم ارتحل لفاس فوطنها حتى مات، وكان له بها ظهور. اه.

عبد الملك بن أحمد ابن محمد الأزدي الغرناطي، يعرف بابن القصير أبو مروان. قال ابن الاباركان: فقيهاً جليلاً حافظاً مشاوراً مدرساً ولي قضاء بياسة وغيرها، وأخوه أحمد بن أحمد أبو الحسن من أهل المسائل والرواية. في لسانه حبسة ناظر عليه أبو إسحق الغرناطي وأبو خالد بن رفاعة في المدونة. توفي قبل الأربعين وخمسمائة.

عبد الملك بن محمد بن عمر النميمي، يعرف بابن ورد من أهل المرية أبو مروان أخو أبي القاسم بن ورد. لقي أبا علي الغساني والصدفي وغيرهما، محققاً حافظاً للمسائل من أهل الفتيا ببلده يقال أنه أوقف على المسائل خاصة من أخيه ويذكر أنه أتاه في النوم شيخ عظيم الهيئة فأخذ بعضديه من خلفه وهزه هزاً عنيفاً حتى أرعبه، وقال له قل ألا أيها المغرور ويحك لا تنم فلله في ذا الخلق أمر قد انحتم فلا بد أن يرزؤا بأمر يسوءهم فقد أحدثوا جحرماً على حاكم الأمم وكان هو بالمرية عام أربعين وخمسمائة ودخلها النصاري عام اثنين وأربعين. صح من ابن الأبار.

عبد العزيز بن خلف بن إدريس السلمي الشاطبي أبو الأصبغ، روى عن أبي جعفر ابن حجر وكان حافظاً للمسائل عارفاً بها بصيراً بالوثائق درياً بوجوه الفتيا والأحكام نافذاً في علم اللسان. توفي بشاطبة سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. روى عنه أبو جعفر بن أشكبند وابن سفيان.

عبد العزيز بن إبراهيم ابن أحد القرشي التميمي التونسي عرف ابن بزيزة أبو محمد، الإمام العلامة المؤلف المحصل الجامع المحقق نزيل تونس، كان رحمه الله حبراً صوفياً وعالماً فقيهاً جليلاً، له تآليف منها الإسعاد في شرح الإرشاد، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق إلإشبيلي، وتفسير القرآن، وشرح التلقين، وشرح يسمى إيضاح السبيل إلى مناهج التأويل. كان حياً سنة أربع وأربعين وستمائة، وهو من أئمة المذهب المعتمد عليهم اعتمد عليه خليل في التشهير. لم أقف على التأريخ وفاته.

ثم رأيت في تقييد البسيلي ما ملخصه أنه يكنى أبا فارس، له تفسير جمع فيه بين ابن عطية والزمخشري، وإن صاحب المشرق في علماء المغرب والمشرق. ذكره وقال أنه تفقه بأبي عبد الله السوسي وأبي محمد البرجبي والقاضي أبي القاسم ابن البراء، وكان حافظاً للفقه والحديث والشعر والأدب مشاركاً مصنفاً جمع بين تفسير ابن عطية والزمخشري، وشرح التلقين والأحكام والإرشاد، وكان من أهل الدين والعلم. ولد بتونس يوم الاثنين رابع عشر المحرم عام ستة وستمائة، ومات رابع ربيع الأول عام اثنين وستين وستمائة. اه. صوابه ثلاثة وسبعون وستمائة، فحققه.

عبد العزيز بن مخلوف العيسي. قال الغبريني: وعنوان الدراية الشيخ الفقيه الجليل القاضي العالم المتقن المحدث أبو محمد وأبو فارس خزانة مذهب مالك، كان فصيح العبارة حسن الإشارة، درس عليه العلم خلق كثير وانتفعوا به، أسند إليه قضاء الأنكحة ببجاية عن قضاتها واستقل بعد ذلك بقضاء بسكرة، ثم بقسنطينة ثم الجائر تكرر إليها مرتين وكان مشاوراً على فتياه العمل ولقي بها جماعة من الفضلاء كالشيخ أبي الحسن الحجرالي وأبي العباس الملتاني ولد بتلمسان يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأخيرة عام اثنين وستمائة. اه.

عبد العزيز بن محمد بن موسى الجاناتي الفاسي، من أعرف الناس بالتهذيب حسن الإلقاء للمسائل، لا يحسن العربية، جلس مجلس الشيخ أبي الحسن الصغير بعد موته. فقرئ عليه قول المدونة "والدجاج والأوز المخلاة" وغيرها فقسم تقسيماً حسناً وتكلم على المياة كلاماً حسناً وذكر أقوال العلماء، ولما فرغ كأنه أعجب بنفسه وقال انظر هل يقال الدجاج أو الجداد، والجداد أفصح لأنها لغة القرآن. قال تعالى دجج بيض وحمر. فضحك أهل المجلس وهم ينيفون على أزيد من أربعمائة فقيه فيهم مائة متعمم، وطارت سقطته في البلاد. ولد في حود سنة خمس وتسعين وستمائة، وتوفي عام ستة وأربعين وسبعمائة. صح من خط بعض أصحابنا.

عبد العزيز بن محمد القروي الفاسي، الفقيه الصالح أبو محمد من أصحاب الشيخ أبي الحسن الصغير. قال الإمام المقريء: هو أكبر تلاميذ أبي الحسن علماً وديناً. وكذا قال الإمام ابن مرزوق الحفيد: وزاد أن تقييده عنه على المدونة أحسن تقاييده. قال ابن الخطيب القسنطيني في رحلته: عبد العزيز هذا هو الذي قال له السلطان أبو الحسن المريني تخرج مع عامل الزكاة، فقال له عبد العزيز أما تستحي من الله تعالى تأخذ لقباً من ألقاب الشريعة وتضعه على مغرم من المغارم، فغضب السلطان وضربه بالسكين التي يحبسها في يده على عادته وهي في غمدها وضربه بها جملة، وقال له هكذا تقول لي؟ فبادر إليه الوزير وأخذ بيده وأخرجه إطفاء لغيظ السلطان. وقام السلطان إلى داره وقد اشتد وجع يده التي ضربه بها. ثم خرج وقال ردوه إلي. فردوه فاعتذر إليه، وقال له طيب نفسك علي فإني علمت ما قلت لي إلا الحق. فقال له يغفر الله لي ولك، فانصرف. وكان السلطان بعد هذا المجلس يزوره بداره، وكان من عاداته أنه لا يدخل شيئاً من الباب حتى يعطي المغرم المعلوم، ويقول أكره أن أمتاز على الناس بشيء وجمع تقييداً على الشيخ أبي الحسن الصغير وهو الآن بخطه محبساً بفاس، وأما التقييد الكبير فجمعه رجل من صدور الطلبة يقال له اليحمدثي. قال لي بعض الفقهاء دخلت عليه وهو محتزم في كسائه وكتب الفقه مبسوطة بين يديه وأعراقه تقطر عليه وكساؤه في غاية ما يكون من الوسخ، فقلت له أرفق بنفسك واغسل كساءك. فقال لي ستة أشهر نروم غسلها وما وجدت سبيلاً لذلك من أجل هذا الشغل. وتعجبت منه وانصرفت. وهو شيخ شيخنا الفقيه الحافظ أبي عمران العبدوسي. اه.

وتوفي سنة خمسين وسبعمائة، رحمه اللع تعالى.

عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي، الإمام الحافظ الفقيه الحمدث العلامة الجليل حامل لواء المذهب الحفظ في وقته أبو القاسم شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام أبي عمران العبدوسي الفاسي نزيل تونس. أخذ عن أبيه وغيره ووصل في قوة الحافظة الدرجة العظمى. قال القاضي أبو عبد الله بن الأزرق: كتب إلي الشيخ الفقيه الجليل أحد المتقين بتونس أبو عبد الله الزلديوي يعرفني حاله بالحفظ فيما يقضي منه العجب من الغرابة. قال ورد علينا في آخريات عام سبعة عشر وثمانمائة الفقيه العالم الحافظ أبو القاسم ابن الشيخ الإمام أبي عمران موسى العبدوسي بكتاب في يده من قبل الإمام أبي عبد الله محمد بن مرزوق ويقول لنا فيه يرد عليكم حافظ المغرب الآن، فقلنا لعل ذلك من تعسيل الإخوان لإخوانهم في الوصية بهم، فلما اجتمعنا به وأقام عندنا زيد من عام رأينا منه العجب العجاب من حفظ لا نتوهم يكون لأحد لما رأينا في بلادنا إفريقية ومجالس أشياخنا بتونس وبجاية، كان عندنا بتونس الشيخ أبو القاسم البرزلي سلم له أهل زماننا في حفظ الفقه وأشياخ المدونة، والناس دونه في ذلك ببجاية الشيخ الفقيه أبو القاسم المشذالي، حضرنا بجالسهم فما رأينا ولا سمعنا من يشبه العبدوسي في حفظه وعملنا. صدق ابن مرزوق فيما وصفه به، وإن من ورعه أن لا يذكر ولا يكتب إلا بما تحقق كما قال الشاعر:

فلما التقينا صدق الخبر الحبر * وقال الآخر بل صغر الخبر.

وكذلك فعلنا نحن، تركت مجلس تدريسي وحضرت عنده لآخذ شيئاً من طريقه وأقتطف من رأس يانع تحقيقه. فلما حضرت رأيت شيئاً لا يدرك إلا بعناية ربانية موقوف ذلك على من رزقه الله الحفظ ينفق منه كيف يشاء. وأما غيره فلا لازمناه حضراً وسفراً. وعلمنا طريقه تفكراً ونظراً ولا يقدر على طريقته إلا من حاز فطنة كاملة الاستواء ممدة من جميع القوى، فمن طريقه إذا أقرأ المدونة فاستمع لما يوحى يبتدئ على المسألة من كبار أصحاب مالك، ثم ينزل طبقة طبقة حتى يصل إلى علماء الأقطار من المصريين والإفريقيين والمغاربة والأندلسيين وأئمة الإسلام وأهل الوثائق والأحكام حتى يكل السامع، وينقطع عن تحصيله المطالع. وكذا إذا انتقل إلى الثانية وما بعدها، هذا بعض طريقه في المدونة. وأما إذا ارتقى إلى كرسيه فترى أمراً معجزاً ينتفع به من قدر له نفعه من الخاصة والعامة يبتدئ بإذكار وأدعية مرتبة لذلك، يكررها كل صباح يحفظها الناس. ويأتونها من كل فج عميق يتسابقون في حفظها، وبعد ذلك يقرأ القارئ آية فلا يتكلم بشيء منها إلا قليلاً، ثم يفتتح فيما يناسبها من الأحاديث النبوية وأخبار السلف وحكايات صوفية وسير شريفة نبوية وصحابية وأخبار التابعين وتابعيهم، ثم بعدها يرجع إلى الآية وربما أخذ في نقل الأحاديث فيقول الحديث الأول كذا والثاني كذا والثالث إلى المائة فأزيد حتى يختمها، ثم كذلك في المائة الثانية، ونشك في المائة الثالثة، ويأتي في نظر ذلك ونقلها بأمر خارق للعادة هكذا فعل في مسجد القصر وغيره. وكان الناس يتسابقون إلى المواضع قبل الصبح رجالاً ونساء يزاحمون عليها، وفي خارج المسجد أكثر مما في داخله، وصوته جهير يسمع الكل. ومنع السلطان من يخلط عليه ويحيره من الطلبة، وإلا فطلبة تونس لا يردهم، ذلك عمن لا يشاركهم في علوهم يأتونه من قبلها، وما تصدى لمعارضته إلا شيخنا أبو العباس أحمد المعقلي حرض الطلبة تحريضاً عاماً ويقول إنا لله خلت تونس حتى صار هذا يتكلم فيها بما يشتهي، ولكن خافوا من السلطان رحمه الله تعالى. وهذه الطريق قالوا إن ابن أخيه عبد الله بفعلها بفاس بجامع القيرويين، وقالوا عملها بمصر فتعجبوا من حفظه ونقله المتين من الأحاديث وثباته عليها وترتيبه. ولكنهم فضلوا عليه سيدنا أبا عبد الله ابن مرزوق لمشاركته في العلوم ومفاوضته إياهم في علوم الحديث في طريق ابن الصلاح ونظمه في ذلك الأراجيز. وقيل له إن التونسيين يقولون إنك لا تحسن العربية، فأمرهم أن يقرؤا عليه كتاباً في العربية، أكبر ظني أنه ألفية بن مالك. فسلك في إقرائها طريقه في المدونة وبدأ لهم بأصحاب سيبويه، ثم نزل إلى السيرافي وشراح الكتاب وطبقات النحويين حتى مل الحاضرون وكلوا، وما زال يقنل حتى ذهبوا ولم يراجع في ذلك. وقد يقال اجتمع ليلة في جهاز بالشيخ أبي القاسم البرزلي وهو أعمى، ولما تكلم العبدوسي قال له البرزلي أهلاً بواعظ بلدنا، فقال له العبدوسي قل وفقيهها، فسكت البرزلي فعد ذلك من رجلة العبدوسي وسرعة جوابه رحمهم الله تعالى. اه ملخصاً ما كتب إلي به معرفاً بهذا الحافظ العظيم. والله يؤتي فضله من يشاء. اه كلام القاضي ابن الأزرق ملخصاً.

وقال الونشريسي في تحليته إنه الفقيه الحافظ المدرس المحدث الصدر الرواية المعتبر الأرفع الأفضل. اه.

وقال الشيخ الرصاع شيخنا الإمام العلامة المحمدث الصالح الرباني. اه.

وذكر الشيخ أبو عبد الله الراعي في كتابه انتصار الفقير السالك أنه لما وصل صاحب الترجمة سئل عن مالك والشافعي فقال للسائل أين قبر الشافعي فقيل بمصر العتيقة. وقال أين قبر مالك فقيل بالمدينة، فقال بينهما ما بين قبر بهما. اه.

ونقل عنه ابن ناجي في شرح المدونة والشيخ الثعالبي في شرح ابن الحاجب وذكر عنه أنه قال لا يلزم البراذعي مما تعقب به إلا حيث خالف ما في روايته من الأمهات عن موسى بن عقبة.

وذكر الونشريسي في وفياته أنه توفي بتونس في التاسع والعشرين في ذي القعدة عام سبعة وثلاثين وثمانمائة.

فائدة: ذكر الشيخ أبو عبد الله الرصاع أن صاحب الترجمة كان يقول في مجلسه بجامع القصر من تونس مما جرب لتسهيل الرزق والأمان والتحصن من آفات الزمان أن تكتب في ورقة ويجعل على الرأس مناقب السادات الكرام من الصحابة جمعهم من كتب عديدة أنثى عليهم سيد المرسلين صلى اله عليه وسلم. قال الرصاع وقد قيدتها قديماً ووجدت لها بركات في جميع الحالات. قال رضي الله عنه: وهي قال صلى الله عليه وسلم من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر بن الخطاب فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان بن عفان فقد استضاء بنور الله، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى. ألا وأن أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وأن أقواهم صلابة في دين الله عمر بن الخطاب وأن أشدهم حياء عثمان بن عفان وأن أقضاهم علي بن أبي طالب. ولكل نبي حواري وحواري الزبير. ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد من أحباب الرحمن وسعد بن أبي وقاص يدور مع الحق حيث ما دار وعبد الرحمن بن عوف تاجر الله وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر ومن أراد أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى زهد أبي ذر وإن الله ليرضى لرضا سلمان ويسخط لسخط سلمان، وإن الجنة لتشتاق إلى سلمان أشد من اشتثياق سلمان إلى الجنة. ولكل أمة حليم وحليم هذه الأمة أبو هريرة وحذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن، وإن أعلم الناس بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وإن أعلم الناس بالفرائض زيد بن ثابت، وإن أفرأ أمتي أبي بن كعب، وحمزة أسد الله وأسد رسوله وخالد بن الوليد سيف الله وسيف رسوله، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين في الجنة يطير بهما فيها حيث يشاء، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما، والعباس عمي وصنوابي، ورضيت لأمتي ما رضي لها عبد الله بن مسعود، وسخطت لها ما سخط لها عبد الله ابن مسعود، وصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة أو خير من فئة، ولكل نبي خادم وخادمي أنس بن مالك، ولكل نبي خليل وخليلي سعد بن معاذ، ولكل أمة فارس وفارس القرآن عبد الله بن العباس، وأول من يقرع باب الجنة بلال، وإن أول من يأكل من ثمارها أبو الدحداح، وإن أول من تصافحه الملائكة أبو الدرداء، وإن أول من يرد من حوضي صهيب بن سنان والمقداد بن الأسود من المجتهدين وعمار بن ياسر من الصديقين وعبد الله بن عمر من وفود الرحمن وإن أفضل النساء آسية ومريم وخديجة وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، ونسائي خير نساء هذه الأمة وأحبهن إلي عائشة، وأصحابي كلهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ومن أحب أصحابي فقد أحبني، ومن أبغض أصحابي فقد أبغضني، ألا وأن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. هذه وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ساداتنا نفعنا الله بهم وحشرنا في زمرتهم. ونرغب من حامل هذا الكتاب أن يعطي منه نسخاً للمؤمنين والسلام من كاتبه. محمد بن قاسم الرصاع. اه، نقلته من خط والدي قائلاً نقلته من خط عبد العزيز بن إبراهيم ابن هلال. قال نقلته من خط الرصاع. وقد رأيت لعمي الولي الصالح الزاهد الورع الحاج المجاور أبي بكر بن أحمد بن عمر نزيل المدينة المشرفة شرحاً على هذه المناقب، رحمه الله تعالى.

عبد العزيز التكروري، ممن رحل للشرق في زمن أبي القاسم النويري في أواسط المائة التاسعة. وكان عالماً ويقال أنه عزي لأهل مصر جمع مسائل مختصر خليل لأصولها إلا نحو ثلاثة. سمعتها من شيخنا العالم محمد بن محمود بغيغ، ونقل عنه الحطاب في شرح خليل. وذكر السيوطي في معجمه عبد العزيز التكروري، وهو فيما يظهر غير هذا فانظره.

عبد العزيز الورياغلي أبو محمد الفاسي. قال الشيخ زروق في كناسته الفقيه الخطيب البليغ المصوت الرئيس كان جلداً في ذات الله صلباً في دين الله تعالى يلقي بنفسه في العظائم ولا يبالي له أخبار كثيرة. توفي سنة إحدى وثمانين ومولده اثنين. اه. وقال معضهم كان فقيهاً خطيباً بالقرويين صاعقة الزمان وعلى يده كان القيام على عبد الحق المريني. اه.

عبد العزيز بن محمد البوفرجي، الفقيه الصالح الورع الخطيب بالقرويين بفاس. توفي بها سنة تسع وتسعين وثمانمائة. وتولى خطابته بعده أبو الحجاج يوسف الفندلاوي شهر بالمكناسي. صح من خط بعض أصحابنا.

عبد العزيز بن عبد الواحد اللمطي الفاسي، نزيل طيبة المشرفة الإمام العالم العلامة المتفنن الفصيح الناظم الناثر، له عدة منظومات في فنون، وقفت على كثير منها من الأصلين والفرائض والتصوف والبيان والمنظق والجدل وغيرها ولقيه والدي رحمه الله بالمدينة عام ستة وخمسين وحادثه. وقال المنجور في فهرسته قرأ بفاس على أبي العباس الزقاق وكان آية في التوسع في العلوم والتفنن فيها، بعث لأخيه شيخنا عثمان اللمطي منظومة له فيها نيف وعشرون فناً، ونظمه حلو رشيق يدل على تفننه وتحقيقه. حج أزيد من ثلاثين حجة ومات بالمدينة وبها سكناه. اه. وقال بعض أصحابنا ألف ألفية في النحو وضمن ألفية ابن مالك وله تقييد على مختصر خليل. اه.

من اسمه عبد الوهاب

عبد الوهاب بن يوسف بن عبد القادر، الفقيه الفاضل أحد الأفاضل الذي قل أن يسمح بمثله، قرأ ببجاية ولقي بها ناساً. ورحل للشرق ولقي أفاضل. حج مرتين. وله تحصيل جيد في الفقه ولأصلين ومعرفة بالحكمة وبراعة في المنطق خصوصاً على طريقة المتأخرين، ولم يكن في وقته أعلم منه بكشف الأسرار الذي وضعه الجوهري في علم المنطق وهو أعلم من واضعه. ولي قضاء جملة بلاد إفريقية كتوزر وقفصة وغيرهما. وحقه أن يتقدم على أكابر وقته، ولكن الحظوظ لا تجري على العقول والأرزاق قسم والعقول مثلها وكذلك الحظوظ. توفي بتونس في عشر الستين وستمائة. صح من عنوان الغبريني. قيل طريق المتأخرين طريق الإمام الفخر، والمتقدمين طريق الفارابي.

عبد الوهاب ابن محمد بن محمد بن محمد بن عيسى ابن أبي بكر الأخنائي. ولد سنة أحد وعشرين وسبعمائة. ولي قضاء بلده وباشره مباشرة حسنة. وولي قضاء مصر في رجب سنة سبع وسبعين وباشرها مباشرة حسنة. وكان كثير التلاوة والحج والمجاورة حسن المحاضرة، وحج مع الأشراف، واستقر عوضه العلم البساطي، ثم أعيد إلى القضاء سنة تسع وسبعين وسبعمائة في صفر، ثم صرف وأعيد العلم فلزم داره إلى أن مات في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين. صح من الدررالكامنة.

عبد الوهاب بن أحمد ابن علم الدي بن محمد بن أبي بكر الأخنائي. تولي القضاء ثم عزل في آخره أي آخر عمره سنة تسع وسبعين وسبعمائة، فأقام معزولاً، وحج وجاور في الرجبية. ومات سادس عشر رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة. صح من أنباء الغمر.

عبد الوهاب بن محمد بن علي الزقاق التجيبي الفاسي. قال تلميذه أحمد المنجور: كان شيخنا الأستاذ أبو محمد علامة متفنناً حافظاً فهامة آية الله في الحفظ والفهم، لا يجاري في حفظ مختصر خليل وفهمه يضرب أوله بآخره ويأتي بنصوصه في كل باب، يلازم درسه عن ظهر قلب. وكذا عمه أبو العباس وجده الشيخ أبو الحسن معروفون باتقان هذا المختصر، لهم عليه تقاييد كثيرة وبه اعتناء كبير. شرح من قواعد جده أبياتاً قليلة بكلام حسن مختصر، لازم عمه الإمام المتفنن أبا العباس، وأخذ عن العباس الحباك وسقين وابن هارون وعبد الواحد الونشريسي وأكثر عليهما، وقرأ القرائض على الحاج الفرضي عبد الواحد الشريف وأجاز له الخطيب المحدث الحاج أبو عبد الله محمد بن أحمد حفيد الفقيه المحدث الخطيب ابن مرزوق حين قدم على فاس كان. يقرئ خليلاً وجمع الجوامع وألفية ابن مالك وتفسير ابن عطية وغيره والبخاري بابن حجر، فصيح العبارة غزير الحفظ والرسالة، ينزل عليها فروع خليل وينقل كلام ابن عباد على الحكم بلفظه مشاركاً في الأدب والأصلين والطب. ولد عام خمسة وتسعمائة. قتل ضرباَ بالسياط في ذي القعدة سنة إحدى وستين وتسعمائة.

عبد الجليل بن مخلوف الصقلي المالكي. قال ابن مسير أفتى بمصر أربعين سنة. ومات سنة تسع وخمسين وأربعمائة. صح من تأريخ مصر.

عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل الأنصاري الأوسي أبو محمد. روى عن أبي الحسن بن حنين وأبي نصر فتح بن محمد المغربي وأبي الحسن علي بن خلف بن غالب وحدث بكتاب اليقين من تأليفه وكان متقدماً في علم الكلام مشاركاً في العربية وغيرها متصوفاً. له تآليف منها كتاب تفسير القرآن، وشعب الإيمان، وكتاب المسائل والأجورة، وتنبيه الأفهام في مشكل أحاديثه عليه السلام. قال شيخنا أبو عبد الله الأزدي أنه صاحب أحوال ومقامات وعلم ومعاملات وزهد وتبتل. توفي عام ثمانية وستمائة أفاد نيه شيخنا أبو الحسن بن الحداد القصري. صح من ابن الأبار.

عبد الكبير بن محمد بن عيسى بن محمد بن بقي الغافقي أبو محمد. روى عن أبيه وابن سعادة وأبي بكر بن الجد وأبي الوليد بن رشد، وأجازه أبو الحسن بن هذيل. كان فقيهاً حافظاً حسن الهدى والسمت مشاركاً في الحديث بصيراً بالشروط قائماً على مذهب مالك متقدماً في الفتيا مع تفنن في طب وغيره. له مختصر في الحديث، وتفسير جمع فيه بين ابن عطية والزمخشري. ولي قضاء رندة وغيرها. توفي بإشبيلية عام ستة عشر وستمائة وقيل سبعة عن نحو ثمانين سنة. مولده سنة ست وثلاثين ومسكائة.

من اسمه عبد الحق

عبد الحق بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الفيسي المرسي أبو محمد ابن بنت عبد الحق بن عطية وبه سمي. قال ابن الأبار: روى عن أبي القاسم بن حبيش وأبي عبد الله بن حميد وغيرهما. كان متفنناً في علوم الشرع والنظر مع جودة النظر ودقة الذهن مشاركاً في الأدب وافر الحظ من قرض الشعر. مولده سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وتوفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.

عبد الحق بن عبد الله بن عبد الحق الأنصاري، قاضي الجماعة بإشبيلية ومراكش أبو محمد مهدوي الأصل من ذرية الإمام المازري. تولى قضاء غرناطة ثم إشبيلية ثم مراكش في عام تسعة عشر وستمائة، وامتحن فيها بالفتنة المتفاقمة بها حينئذ. كان أحد العلماء المتفننين في وقته فقيهاً بمذهب مالك حافظاً نظاراً ذاكراً للخلاف مشاركاً الأصول بصيراً بالأحكام جزلاً صلباً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم مهيباً معظماً عند الولاة مكين الجاه. له كتاب في الرد على ابن حزم الظاهري دل على حفظه وعمله أفاد فيه. لقيته بإشبيلة سنة ثمان عشرة وستمائة. وتوفي بمراكش في شوال سنة إحدى وثلاثين. صح من ابن الأبار.

عبد الحق بن محمد بن إبراهيم بن سبعين المرسي. قال الغبريني في عنوانه: الشيخ الفقيه الجليل العارف النبيل الفصيح. له حكمة وعلم ومعرفة ونباهة وبراعه وبلاغة ومشاركة في المنقول والمعقول أحد الفضلاء. له أتباع كثيرة من الفقراء والعامة وموضوعات كثيرة موجودة بين أصحابه. فيها ألغاز وإشارات بحروف أبجد وتسميات مخصوصة في كتبه في نوع الرمز وتسميات ظاهرة كالأسامي المعهودة وشعر في الطريق. توفي تاسع شوال سنة تسع وستين وستمائة. اه.

قلت: وقد ذكر ابن الخطيب في الإحاطه في ترجمته أن الناس اختلفوا فيه من القطبانية إلى الزندقة، وهو أحد من بالغ أبو حيان في تفسيره النهر في تضليلهم. فقف عليه، وعند الله يجتمع الخصوم.

عبد الحق بن ربيع بن أحمد الأنصاري. ولد ببجاية وقرأ بها على مشايخ، وكان روح بلده ومصره وواسطة نظام أهل عصره، عبده فنون من العلم من فقه وأصلين ومنظق وتصوف والكتابتين الشرعية والأدبية، حسن الخلق. إذا أثني عليه به يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن ومن لم يكن عنده أول ما يوضع في ميزانه لم يكن عنده غيره لأنه الأساس. ناب عن القضاة في الأحكام وهو المشاور عيدهم والمعول عليه بل هو القاضي على القضاة في الحقيقة لرجوعهم إليه. كان سليم الباطن سمعته يقول والله ما بت قد وفي نفسي شر لمسلم —جزاه الله عن نيته— وكان مفوهاً حسن العبارة. عرض عليه قضاء بجاية فامتنع. توفي ثنامن وعشرين من ربيع الأخير سنة خمس وسبعين وستمائة ببجاية. صح من عنوان الدراية.

عبد الحق بن سعيد بن محمد المكناسي. قال في الروض الهتون نقلاً عن ابن الخطيب في نفاضة الجراب: كان من أهل المعرفة والفصاحة قائماً على كتاب ابن الحاجب ممتازاً به فيما دون تلمسان، قرأه على الشيخين علمي الأفق القبلي أبي موسى وأبي زيد أبي الإمام وتصدر لإفرائه وما شئت من اصطلاح ومعرفة، وقيد جزأ نبيلاً على فتوى الإمام أبي بكر بن العربي المسمى الحاكمة، وسماه الخارجة على الرسالة لحاكمة أجاد فيه وأحسن، قرأت عليه بعضعه وأذن لي في تحمله. كان حياً سنة إحدى وستين وسبعمائة.

عبد الحق بن محمد الراموذي، الشيخ الفقيه الخطيب بجامع الأندلس نيابة أبو محمد. سمع العقيدة البرهانية على الخطيب الصالح يوسف بن عمر الأنفاسي والفقيه القاضي أبي عبد اللمحمد ابن علي الملليلي. صح من فهرست أبي زكريا السراج.

عبد الحق ابن علي، قاضي الجزائر الفقيه العالم المفتي بن الشيخ الصالح أبي الحسن في طبقة الإمام محمد ابن العباس التلمساني. نقل عنه المازوني والونشريسه فتاوي في كتابيهما، ووقع اسمه في كتاب العلوم الفاخرة للثعالبي، ووصفه بالفقيه القاضي. لم أقف على ترحمته.

عبد الحق المصمودي. قال الشيخ المنجور في فهرسته: الشيخ الصالح الزاهد الفرضي العددي أبو محمد شيخ الجماعة، في ذلك قرأ الفرائض والحساب على إمامهما إبراهيم المصمودي. وقرأ عليه هو كثير من أشياخنا وغيرهم وتخرجوا به، وقل متناول لذلك الفن، والإقراء عليه لحسن نيته ونصحة لا يقرأ عليه بأجر. حضرت عليه الحوفي والتلخيص. وتوفي سنة خمس وخمسين عن نحو ثمانين سنة.

من اسمه عبد القادر

عبد القادر ابن عبد الوارث بن عبد القادر الطويل الأنصاري الاسكندري، قاضي قضاة اسكندرية وشيخ الشيوخ. ولد في شوال سنة ستين وسبعمائة بثغر الاسكندرية، وتوفي حادي عشر رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة.

عبد القادب بن أبي القاسم أحمد المالكي السعدي العبادي، ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، شهر بالمكي. ولد ثاني عشر ربيع الثاني سنة أربع عشرة وثمانمائة. قال البرهان البقاعي: كان رجلاً صالحاً فقيهاً نحوياً مفتياً قاضياً مسدداً في قضائه لم تحفظ له نقيصة. كف بصره ثم أبصر بعده فاستمر مدة عديدة إلى أن مات قاضياً. وبلغنا وفاته سنة ثمانين. اه.

قال السيوطي: هو شيخنا محي الدين قاضي القضاة نحوي مكة العلامة المتفنن، ففي التفسير كشاف خفياته، وفي الحديث إليه الرحلة في رواياته ودراياته، والفقه فمالك زمانه وناصب أعلامه، وفي النحو محيي دارس رسومه ومبدئ فهم علومه لو رآه سيبويه لأقر له لا محالة وآدابه ومحاضراته، حدث عن البحر ولا حرج، فمجالسه أبهى من الروض الأنوف إذا فتح زهره وأرج، وزهده في قضاياه سارت به الركبان ومحاسنه يقصر عن سردها اللسان والبنان، ففي العلم بحر، وفي الرشد نجم، ولطلابه محط الرحال، نشأ بمكة صيناً خيراً وسمع بها من التقى الفاسي وأبي الحسن بن سلامة وجماعة وأجازه بالافتاء البساطي والتدريس، وأخذ عنه الفقه والعربية وبرع فيهما وكتب الخط المنسوب وتصدى للافتاء وتدريس الفقه والتفسير والعربية وغيرها، فهو إمام علامة بارع في هذه العلوم الثلاثة، بل ليس بعد شيخي الكافيجي والشمني أنحى منه مطلقاً، يتكلم كلاماً حسناً في الأصول حسن المحاضرة جداً كثير الحفظ للآداب والنوادر والأشعار والأخبار وتراجم الناس وأحوالهم فصيح العبارة جداً طلق اللسان لا تمل مجالسته كثير العبادة والصلاة والقراءة والتواضع ومحبة أهل الفضل والرغبة في مجالستهم ولم ينصفني في مكة غيره ولا ترددت فيها لغيره. كان دخل القاهرة واجتمع بفضلائها، ولي قضاء المالكية بعد أبي عبد الله النويري سنة ثلاث وأربعين فباشره بعفة ونزاهة، وعزل وأعيد مراراً. ثم أضر فقدم له فأبصر فأعيد واستمر إلى اآن. له تصانيف منها شرح التسهيل يعتني بضبط ألفاظه وتفسيرها خصوصاً ما يتعلق باللغة لم يتم وحاشية على توضيح ابن هشام وعلى شرح الألفية للمكودي وغيرهما. اه.

قلت: وله أيضاً شرح خطبة خليل، وشرح قواعد الإعراب لابن هاشم، وأما شرح التسهيل فانتهى فيه إلى باب نون التوكيد، وشرح منه ثلاث قولات على ما أخبرني به سيدي يحيى الحطاب مكانية من مكة، وهو شرح جليل في غاية الحسن جمع فيه زبدة شرح المؤلف وأبي حيان والمرادي والسمين وابن عقيل وناظر الجيش والدماميني ينقل عنهم ويبحث معهم أحياناً، ويتكلم على شواهد مع ضبط ألفاظ اللغة والواقعة في شروحه. وبه قرأت التسهيل على شيخنا الفقيه العالم الفهماة محمد بغيغ، وكان يثني عليه كثيراً.

عبد القادر بن أحمد بن محمد الدميري، عرف بابن تقي. ولد في جمادي الأخيرة سنة أربع وعشرين وثمانمائة. تفقه على الشيخ عبادة والشيخ ظاهر وأبي القاسم النويري وأذن له، وناب في الفتيا عن الولي السنباطي فمن بعده، وأشير إليه بالفضل ودرس للمالكية بالشيخونية بعد الحسام بن حريز. وحج مرتين، وزار بيت المقدس، وكتب على الفتيا وعكف بمنزله على الفتيا والتدريس إلى أن استدعاه قايتباي في سنة نيف وثمانين وثمانمائة بعد صرف البرهان اللقاني فولاه قضاء المالكية، وحمد الناس تواضعه وتودده. توفي ثامن عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثمانمائة.

عبد القادر بن عبد الرحمن بن عبد الوارث البكري، عرف بجده حفظ القرآن ومختصر بن بشير وابن الحاجب الفرعي والمنهاج الأصلي والمنحة وغيرها، وعرض على ابن عمار والشيخ البساطي والشيخ أبي الفتح بن مرفا، وأخذ الفقه عن الشيخ عبادة والشيخ طاهر، لازم ابن حجر حتى قرأ عليه البخاري والموطأ، وبرع في الفقه وأصوله والعربية وغيرها، وأذن له غير واحد — نهم الولي السنباطي— في لإفتاء والتدريس وإقراء الطلبة، وقصد بالفتاوي، وكان قوي الحافظة. ولي قضاء المالكية بدمشق وحمدت سيرته. ولد يوم الخميس ثامن عشر شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وتوفي في جمادي الثانية سنة أربع وثمانمائة. صح من السخاوي.

من اسمه عبد المنعم

عبد المنعم بن مروان بن عبد الملك بن سمجون اللواتي الطنجي أبو محمد. قال ابن الأبار: نشأ بغرناطة، وتفقه بها على عبد الواحد بن عيسى الهمداني، وسمع الحديث من أبي علي الغساني. وكان فقيهاً جليلاً جزلاً مهيباً. ولي قضاء إشبيلية بعد صرف أبي مروان الباجي ثاني مرة، ثم نقل لقضاء غرناطة في زمان علي بن يوسف بن تاشفين، ثم إلى قضاء المرية بعد أبي الحسن بن أضحى. فاشتد على أهل الشر وعدل في الأحكام وزهد في الكسب. ثم عيد لقضاء إشبيلية بعد أبي القاسم بن ورد، ثم لقضاء غرناطة واستعفى وألح فلم بعفه السلطان، فاستناب وصار إلى المرية. فتوفي بها سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن عتيق الغساني الفقيه القاضي الفاضل أبو محمد، لقي الشيوخ الذين لقيهم عبد الحق بن ربيع، وكان له رواء وسمت حسن وفصاحة وبيان معظماً عند أهل بلده وولاة الأمور، وبحضوره تنعقد المجالس. وكان كثيراً ما ينشد:

فيا ليت شعري أين أو كيف أو متى * نقدر ما لا بد أن سيكون

وكان يحب الجري على طريقة سحنون ويؤثره لأن سحنوناً قاضي قضاة المغرب، وبقوله العمل بالمغرب كما كان العلم بمصر، على قول محمد ابن المواز. صح من عنوان الدراية لأبي العباس الغبريني.

عبد الكريم بن عبد الواحد الحسني، الفقيه الصالح الفاضل المدرس أبو محمد، من أصحاب الشيخ أبي زكرياء الزواوي من قرابته. كان من أهل الفضل والوجاهة والنزاهة. صح من عنوان الدراية.

عبد الخالق بن علي بن الحسين المعروف بابن الفرات، من أهل الفضل، أخذ الفقه على الشيخ خليل بن إسحق واشتهر به، وشرح مختصره، وأخذ عن غيره أيضاً. وبالغ أبو البركات في الحض على شرحه إلى الغاية، وذكر أنه كان حنفي المذهب ثم انتقل لمذهب مالك ولم يحصل له فيه كبير اشتغال. هذا ما قال، ولم أقف على وفاته، وهو الذي ذكر أنه رأى خليلاً بعد موته، فقال غفر الله لي ولكل من صلى علي.

عبد القوى بن محمد بن عبد القوى، يعرف بجده. قدم مصر فأخذ بها عن الشرف الرهوني، وكان عارفاً بالفقه مستحضراً لكثير من الأحاديث والحكايات. قال ابن حجر تفقه وأفاد ودرس وأعاد وأفتى، وكان خيراً ديناً. جاوز الستين. صح من الضوء اللامع.

عبد النور بن مخحمد بن أحمد الشريف العمراني الفاسي، الإمام العلامة. قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا السيد الشريف القاضي المدرس العالم الحظي الوجيه أبو محمد بن السيد الشريف الحاج أبي عبد الله بن أبي العباس الحسني أحمد الصدور كان ذا معرفة تامة بالفقه ومشاركة في أصوله وأصول الدين من أهل الشورى ومقدميهم، وقلمه أفصح من لسانه. له اعتناء بطريقة القوم ومحبة فيمن ينتسب إليها، قريب الدمعة مكرماً لأهل الدين محباً لهم. أخذ عن الأستاذ المحدث العلم أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي وأبي عبد الله محمد بن يحيىالحسني. مولده عام خمسة وثمانين وستمائة. اه ملخصاً.

قلت: له تقييد على المدونة وقتاوي، نقل عنه بعضها في المعيار.

عبد المعطي بن خطيب المحمدي، نسبة لعرب بالمغرب التوني. أخذ الفقه وأصوله عن عيسى الحصيني وعلى الحسناوي وأبي القاسم المصمودي، والتقى الفاسي تلميذ ابن عرفة وعبد الغني النجمي، وحضر درس أحمد القلشاني وأخيه عمر ومحمد بن عقاب في آخرين. وتميز في فنون العلم. ولد سنة تسع وعشرين وثمانمائة. صح من الضوء اللامع.

قلت: وأخذ عنه العالم محمد بن عبد الرحمن الحطاب الكبير وغيره.

عبد المعطي بن أحمد بن محمد السخاوي المدني، الفقيه العالم المصنف الجامع. له تآليف عدة منها تفسير القرآن سماه فتح الحميد في ستة أسفار، وتأريخ المدينة، وشرح الشامل وغيرها. لقيه والدي بالمدينة، وكان حياً في القرب من ستين وتسعمائة، وهو من بيت علم.

عبد الغني المعروف بالعسال من أهل مصر، روى عن ابن وهب وابن عينة وعنه النسائي. وقال لا بأس به. كان حافظاً فقيهاً مفتياً مذكوراً في فقهاء المالكية. مات سنة أربع وخمسين ومائتين. صح من تأريخ مصر للسيوطي.

عبد الغني بن أحمد بن محمد الدميري بن تقي أخو عبد القادر المتقدم، أخذ العربية والفقه عن أبي القاسم النويري والزيني، ثم عن السنهوري، وقرأ عنده الحسام بن حريز عدة كتب، وكثر الثناء عليه بعد موت أخيه، واطمأنت الأنفس الزكية لاستقراره في المنصب بعده. وتوقف قاسم بن قاسم في قبول النيابة عنه لكونه يتوقع استقلاله. اه من السخاوي.

قال غيره توفي يوم الثلاثاء أواخر ربيع الأول عام ستة وتسمائة وتولى بعده البرهان الدميري.

من اسمه عبد الواحد

عبد الواحد ابن <بياض بالأصل> أبو محمد الصفاقسي، الشهير بابن التين صاحب شرح البخاري المشهور. لم أقف على ترجمته. وشرحه متداول كان قبل المائة التاسعة.

عبد الواحد بن منديل بن عبد الواحد الأنصاري الفاسي. قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه الكاتب العدل المتدين ابن الفقيه الكاتب المعروف بالزيتوني أخذ عن الفقيه المحدث الراوية أبي القاسم ابن يوسف النجبي السبتي والأستاذ النحوي أبي عبد الله بن هانئ وجماعة كثيرة. وتوفي بفاس سنة ثمان وسبعين وسبعمائة.اه ملخصاً

عبد الواحد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني، قاضي الجماعة بتلمسان. توفي عام ستة وتسعيو وثمانمائة.

عبد الواحد بن أحد بن يحيى بن علي الونشريسي، قاضيها ثم مفتيها. قال الشيخ المنجور في فهرسته: شيخنا الفقيه المحقق المفتي الموثق النحوي الأديب الخطيب الفصيح الناظم النائر أبو محمد ولد بفاس بعد الثمانين وثمانمائة، أخذ عن أبيه أبي العباس والشيخ ابن غازي والأستاذ ابن الحباك والهبطي وأبي زكرياء السوسي ختم عليه الألفية أزيد من عشر مرات وابن هارون وغيرهم. كان رائف الخط فائق الإشاء والشعر متقدماً في الوثائق والمكاتبات بأبدع كلام بلا تكلف. هو الذي يكتب لابن غازي ما يحتاجه وحين زوجه أبوه أطلق القاضي المكناسي يده للشهادة عام عشرة فقال هديتي للعروس ذلك فخرج من العروس للسماط ولما توفي أبوه ظن كثير أنه لا يقوم بموضعه في التدريس لأنه إنما يتقن الوثيقة مع النحو وقال ابن غازي مع غيره بل يتقن ذلك قال ابن غازثي فإن لم يتقنه نبت عنه حتى يحسن فحضر ابن غازي جلوسه لكرسي المدوهة بالمصاحبة فأجاد كما ينبغي ففرح بذلك ابن غازي لأنه تلميذه وصاحب أبيه فلما نزل قبل بين عينيه ودعا له واعترف بنجابته كان يقرئ ابن الحاجب بالتوضيح من غير استيفاء مع زيادة طرر أبيه ويحضره اليسيتني وعبد الوهاب الزقاق وابن مجبر والتفسير بنقل ابن عطية والصفاقسي وموضع بمن الزمخشري ومن الرصاص على المغني والبخاري وابن حجر مستوفياً له لأنه شرط الحبس تولى القاء ثمانية عشر عاماً ثم تولى الفتيا بعد مون أبي هارون ونكان عدلاً مهيباً ذا سمت وتؤدة وسكون فصيح العبارة آية في إنشاء الخطب البليغة قويم الطبع ورقيقه يهز لسماع الألحان وآلات الطرب اجتاز عليه يوعا عمارية معها طرب من الزمارة المسماة بالغياطية وطبل وبوقات فأصغى إليها وقال ما تأتي هذه العمارية لهم حتى اتفقوا مالاً ونحن سمعناه مجاناً وفتاويه محررة محققة يطالع الكتب والنوازل. له نظم كثير في مسائل كشهادة السماع ومفيتات البيع الفاسد وما يفيته حوالة السوق ومواضع الإقالة في البيع وغيرها جمعها أبو زيد الكلالي وله نظم قواعد أبيه إيضاح المسالك نظماً مستوفياً وزادها قواعد بأمثلها وصوراً وةمثلاً انتزعها من مختصر ابن عرفة ولم تتم الزيادة وقد شرحته شرحاً وافياً مفيداً توفي مقتولاً في ذي الحجة سنة خمس وخمسين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة ويذكر عن الفقيه أبي شامة أنه رآه بعد وفاته فسأله عن حاله فأنشده:

لقد عمني رضوان ربي وفضله * ولم أر إلا الخير في وحئة القبر
وإني أسأل الإله بفضه * ليحفظني يوم الخروج إلى الحشر
وما بعد ذاك من أمور عسيرة * كنشر الكتاب والجواز على الجسر.

اه كلام المنجور ملخصاً.

قلت: وله شرح على ابن الحاجب الفرعي في أربعة أسفار أخبرني به من رآه.

من اسمه عيسى

عيسى بن مع النصر الشريف الحسني الفاسي أبو موسى المومناني، الفقيه المدرس الصالح المفتي، كان إماماً كاد أن يبلغ الاجتهاد، اعترف له علماء الأمصار بسعة العلم، حتى أن القاضي عياضاً ينقل عنه ويقول: قاله أبوه موسى المومناني فقيه أهل فاس. كان من أهل الله المخلصين مجاب الدعوة جم الفضائل. كتب لبعض الملوك أن اطلق فلاناً المسجون قبل أن يرميك رجل أشعث أغبر بسهم لا يخطئك يقطع به أصل دولتك، فلما وصل كتابه للسلطان بكي فسأل ما الخبر. فقال أمرنا هذا قد انقرض. فقيل له سبحان الله. وماذاك. فأراهم الكتاب. فقيل لا بأس عليك إنه علف على عدم قضائها فاقضها له وأصلح خاطره. قال لهم جهلتم لكلام هذا الرجل صولة في القلوب وما قال ما قال إلا وقد تغيرت نفسه، وهم لا يخطئ سهامهم. فكان الأمر كما قال. ذكره ابن الأحمر.

عيسى بن مخلوف بن عيسى المغيلي الشيخ شرف الدين. ذكره ابن فرحون في الأصل وقال كان من فضلاء المالكية وأعيانهم بمصر. ولي القضاء بها فحمدت سيرته. توفي سنة ست وأربعين وسبعمائة. اه.

وقال الخالد البلوي في رحلته: شيخنا العالم الأوحد أبو الأصبغ أحد الأعلام لجلة وعلماء الملة إمام الأئمة وعلم الأعلام في الفروع والأصول والكلام مصيباً في اختياراته من استقصاء واقتصار واستيفاء واختصار فات قدره الأقدار في ضبط الفوائد ولقط الفرائد، فهو على الإطلاق العالم الصدر العالي القدر جمع إلى معارفه بين كرم ومروءة وظرف وفتوة مع آداب روايات وعقل وحصاة وفضائل غير مستقصاة. رحل للعراق فأحرز خصال السباق واكتسب بخطه الأصول العتاق صحح متونه وحدق للصواب عيونه وتبدو لها بشر ونشر كإنما تبلج وجه الصبح أو تفح العطر. سمعت فوائد من لفظه وقيدت شوارد من حفظه. قرأت عليه بعض مختصرالجلاب للعز النيلي المختصرالأكبر وأذن لي في روايته عنه قائلاً تفقهت فيه على مؤلفه ببغداد وأذن لي في تدريسه وأجاز عامة. اه ملخصاً.

عبيسى بن محمخد بن عبد الله بن الإمام أبو موسى، أحد الإخوين المعروفيه بأبناء الإمام التلمساني، تقدم كثير من حاله في ترجمة أخيه أبي زيد. قال الفاضي أبو عبد اله المقري: سألت أبا موسى بن الإمام آخر فقهاء تلمسان عما يكتب الموثقون من الصحة والطوع والجواز على ظاهر الأمر الذي لا تفيد ما بنيت عله الشهادة من اليقين لانكشاف الأمر كثيراً بخلافه. فقال لي ذلك غاية ما يمكن الوصول إليه غالباً من ذلك فلو كلف بغيره شق عليه وأوشك أن لا يصل إليه وتعطل بسببه حقوق كثيرة. قلت له فهلا كتبوا ظاهر الصحة والجواز والطوع فتبرؤا من عهدة ما وراء ذلك؟ فقال لي أيقام في الشهاجة ومبناها على العلم، فإذا تعذر أو تعسر وجب كتبها على ما لا ينافي أصلها حفظاً لرونقها واعتمد في ظاهر أمرها على ما جرت به العادة أن المعتبر في مثلها ظاهر الحال لتعذر غيره أو تعسره. اه.

سئل صاحل الترجمة عن ابن القاسم هل هو مجتهد في مذهب مالك مقلد له. فأجاب بأنه مجتهد في المذهب فقط لا مطلقاً، وأما اجتهاده في بعض المسائل فأما بناء على جواز تجزي الاجتهاد وهو اختيارنا كما أن المجتهد المطلق قد يقلد في بعضها لأمر ما فلا ينافي عروض اجتهاده في بعضها كونه مقلداً، كما أن المجتهد المطلق عروض التقليد لا يخرجه عن اجتهاده. والدليل على كونه مقلداً لمالك أقواله وأقوال الأئمة وبيانه أن المجتهد إنما يتبع الدليل من حيث هو والمقلد يقلد شخصاً. وإتباع ابن القاسم لقول مالك والتزامه مذهبه واضح لا يفتقر لبيان لمن له أدنى إطلاع. وذلك أن المجتهد إنما يجيب على المسائل باجتهاده في الأدلة وابن القاسم إنما يجيب حيث سئل بقوله. قال مالك كذا كما في الأسمعة والروايات، وهذا عين التقليد ليس في شيء من الاجتهاد. فإن قلت لعله إنما أجاب به قبل نظره لعجزه، قلت لا يجوز تقليد قبل النظر على الصحيح لآية فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله، ومن أمكنه الرد إليه تعالى فتركه عصى، وإنما ينظر ذلك عند العجز وأجوبته هو بقول مالك كثير بل لا يضيف لنفسه إلا عند خروج مالك عن قواعده واختياره هو أحد أقوال مالك وإن لم نقف نحن عليه كما يأتي. فإن قلت ولعل سائله إنما سأله عن مذهب مالك فقط، قلت علمنا جوابه بذلك مطلقاً سواء عين له السائل ذلك أم لا بدليل إطلاق الأسئلة عارية عن ذلك ولئن سلم فسؤالهم إياه عن مذهب مالك على اعتقادهم فيه أنه خزانة مذهب مالك وناشر أقواله فهذا دليل تقليده إذا المجتهد إنما ينظر في الأدلة مطلقاً وأيضاً فسؤال المجتهد عن مذهب غيره نادر جداً، وأيضاً فلم لا يسأل عن مذهب غير مالك وما وجه الخصوصية به، وأيضاً فعادته في جوابه عن مسائل لا تحصى ثم يقول لأن مالكاً قال كذا في كذا وقد قال مالك كذا فيحتج لصحة قوله بقول مالك وإنه جار على مذهبه، وإنما جواب المجتهد بالدليل لا بقول أحد، ويقول لو لا ما قاله مالك لقلت كذا فيترك مقتضى الدليل بقول مالك، وهذا غاية التقليد وقد نقل صاحب الاستيعاب عن ابن وهب وأحمد بن حنبل أنهما قالا إذا لم نجد أثر قلدنا قول مالك لأن قوله أثر من الأثار، ونقل عن ابن القاسم أنه قال اخترت مالكاً لنفسه وجعلته بينه وبين النار، ولا معنى لاختياره له إلا تقليده واعتقاده مذهبه. والمجتهد إنما يجعل بينه وبين النار الأدلة لا شخصاً معيناً. فإن قلت لعل ذلك لتعلمه منه أولاً لا لتقليده آخراً حين تبحر، قلت لا يجعل المجتهد حالة ابتدائه حجة لأنها انتسخت بأكمل منها فصار متبعاً للدليل مطلقاً مع أن ابتداءه لم يتمحض في مالك وإن لازمه أكثر من غيره فقد أخذ عن الليث وعبد العزيز بن الماجشون وابن أبي جازم وغيرهم، وأيضاً فقد قال الشرف التلمساني أحد محققي الأمة المتأخرين لما مثل مجتهد المذهب الذي يخرج الوجوه على نصوص إمامه قال كابن سريج وأبي حامد في مذهب الشافعي وابن القاسم وأشهب في مذهب مالك وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، فهذا نص منه على تقليده لمالك، ويؤيده قول ابن وهب لابن ثابت إن أردت هذا الشأن يعني فقه مالك فعليك بابن القاسم فإنه انفرد به وشغلنا عنه بغيره، ولهذا رجح القاضي أبو محمد مسائل المدونة لرواية سحنون لها عن ابن القاسم وانفراده بمالك وطول صحبته له لم يخلط به غيره، فهذا دليل تقليده له وأنه خزانة علمه ولا يوصف المجتهد بأنه لم يخلط به غيره. وقد حكى الحارث بن راشد القفصي وكان ثقة مجاب الدعوة يختم في كل ليلة من رمضان القرآن أنه لما وادع هو وابن القاسم وابن وهب مالكاً أنه قال لابن وهب اتق الله وانظر عمن تنقل ولابن القاسم اتق الله وانشرما سمعت، فهذا مالك أصل إفادته يأمره بنشر ما سمع وناشر ما سمع بمعزل عن الاجتهاد المطلق، وبعيد أن يجهل مالك من حاله ما يعلمه غيره وقد علم هو بما أوصاه به ووثق الناس بروايته عنه واختياراته وقبلوا منه ما لم يرضوه من نظرائه. قال النسائي ابن القاسم رجل صالح ثقة ما أحسن حديثه وأصحه عن مالك لا يختلف في كلمة ولم يرو أحد الموطأ عنه أثبت من ابن القاسم وليس أحد من أصحابه مثله لا أشهب ولا غيره، عجب من العجب زهد وفضل وحسن الحديث. اه.

ولهذا شرط أهل الأندلس في سجلات قرطبة قطب مدنها علماً أن لا يخرج القاضي عن قول ابن القاسم ما وجده احتياطاً ورغبة في صحة الطريق الموصل لمذهب مالك الذي قلدوه لصحة روايته وطول صحبته له لم يخلطه بغيره، و لو كان مجتهداً مطلقاً لكانوا إنما قلدوه دون مالك، وهو خلاف ما علم من أشمتهم حيث توغلوا في تقليده حتى شنع عنهم ابن حزم أحد حفاظها. فقال قد وصل أهل الأندلس في تقليد مالك حتى وعرضوا كلامه تعالى وكلام رسوله على مذاهب إمامهم، فإن وافقاه وإلا طرحوه وأخذوا بقول صاحبهم مع أنه غير معصوم، ولا نعلم بعد الكفر بالله تعالى معصية أعظم من هذا. فهذا ما وصفهم به من تقليد مالك. وإن كان على كلامه حديث ليس هذا محله وهم حين فتح الأندلس التزموا مذهب الأوزاعي حتى قدم عليهم الطبقة الأولى ممن لقي ما لكاكزياد بن عبد الرحمن والغازي بن قيس وقرعوس ونحوهم فنشروا إمامته وفضله. فأخذ الأمير هشام الناس حينئذ فالتزموا مذهبه من يومئذ وحملوا عليه بالسيف إلا من لا يؤبه به حتى أن الأمير الحكم بن المستنصر، وكان ممن بحث عن أحوال الرجال بحثاً يقصر عنه كثير من العلماء، حتى أن خزائن من كتبه في غاية الصحة بحيث إذا اطلع على ما قوبل بأصل منها ولو بوسائط اطلع في غاية الصحة كتب إلى الفقيه أبي إبراهيم رسالة فيها، وكل من زاغ عن مذهب مالك فإنه ممن رين على قلبه وزين له سوء عمله، وقد نظرنا طوللاً في أخبار الفقهاء إلى الآن فلم نر مذهباً أسلم منه فإن في المذاهب الحهمية والرافضة والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك. فما سمعنا عن أحد قلدوه بشي من البدعة فالتمسك به نجاة إن شاء الله. اه.

فهل نرى مع هذا التصميم في هذا الاعتقاد خلفاً عن سلف إن يمنعوا الخروج عن قول ابن القاسم لاجتهاده وتركه قول مالك، بل ذلك لتقليده إياه وطول ملازمته له واطلاعه على مآخذه. وأيضاً فلا ينكر أحد أنه مالكي المذهب وناشره والمجتهد مطلقاً لا ينسب لأحد سواه لا يقال إنما صدقت النسبة لأجل الاستفادة، لأنا نقول يبطل بالشافعي فهو من الطبقة الوسطى من أصحاب مالك وكان يقول مالك معلمي ومنه تعلمنا العلم، وما أحد آمن علي من مالك، وعنه أخذت العلم. وشبه هذا ولا يصدق عليه أنه مالكي لاجتهاده وكون مستنده الدليل. فإن قلت يدل على اجتهاد ابن القاسم مطلقاً مخالفة مالك في مسائل كثيرة وحظ المقلد إتباع مقلده، قلت إنما تتحقق مخالفته إن لم يكن لمالك في المسألة إلا الرأي خالفه فيه، ولعل له قولاً آخر رجحه ابن القاسم. فإن قلت قوله أرى أو هو رأي أناطة للحكم برأيه فحمله على ما قلت خلاف الظاهر، قلت ترجيحه ما صار إليه رأى حقيقة بلا تأويل يؤيده ما ذكره الباجي في فرق الفقهاء. قال جمع أبو عمر الإشبيلي أقوال مالك في كتاب كبير يزيد عىل مائة جزء قرأت بعضه وكان شيوخنا يقولون لا يكاد يوجد قوله لأصحابه إلا وهي لمالك في ذلك الكتاب لأن الحكم ابن عبد الرحمن أخرج الأسمعة من خزانته لأبي عمر وأمره بجمع أقواله حيث كان بقول الشيوخ لا يكاد يوجد الخ، دلل لما قلناه وفيه بيان لما تقدم من صرفهم الهمة إلى أقوال مالك وتقليده واختبارهم لابن القاسم لصحة التوصل لمذهبه، ونحو ذلك أيضاً ما ذكره بعض الأئمة أن ابن القاسم وأشهب اختلفا في قول مالك في مسألة فحلف كل على نفي قول الآخر لسألا ابن وهب، فأخبرهما أن ما لكاً قالهما معاً، فحجا قضاء ليمينهما. فهما إمامان لازما مالكاً غاب عليهما قوله، فكيف بمن تأخر عنهما. ولو سلمنا عدم وجود مختاره لمالك فلا يدل على اجتهاده لجواز أنه رأى خروج مالك عن أصوله سهواً فقاسه هو عليها، فلا يخرج بذلك عن تقليده. ذكر أبو إسحاق الشيرازي أن أسداً أتى إلى ابن وهب وسأله أن يجيبه في مسائل أبي حنيفة على مذهب مالك، فتورع فذهب إلى ابن القاسم فأجابه عنها بما حفظ عن مالك، وفي غيره يقول سمعته يقول في مسألة كذا وكذا ومسألتك مثلها ومنها ما أجابه على أصول مالك فهذا يحقق ما قلناه فهذه الأسدية أصل مدونة سحنون، أصلح ابن القاسم منها أشياء على يد سحنون. وأيضاً سلمنا اجتهاده في بعض المسائل لكن لا يخرجه عن التقليد كما أن تقليد أقواله. وقد قال إسماعيل بن أبي أويس قيل لمالك قولك في الموطأ الأمر المجتمع عليه والأمر عندنا وببلدنا وأدركت أهل العلم، فقال أما أكثر ما في الكتاب فرأيي، ولعمري ما هو رأيي بل سماعي عن غير واحد من أهل العلم المقتدي(ن) بهم فكثروا علي فغلب رأيي وهو رأيهم ورأي الصحابة أدركوهم عليه وأدركتهم أنا عليه وراثة توارثوها قرناً عن قرن إلى وقتنا. وما كان رأيي فهو هكذا، والأمر المجتمع ما اجتمعوا عليه بلا اختلاف، وقولي الأمر عندنا فما عمل به الناس عندنا وببلدنا وجرت به الناس وعرفه الجاهل والعالم. وما قلت بعض أهل العلم فشيء استحسنته من قول العلماء، وما لم أسمع منهم اجتهدت على مذهب من لقيت حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة. وإن لم أسمع شيئاً نسبته إلى بعد اجتهادي مع السنة وما عليه أهل العلم والأمر المعمول به عندنا من زمنه صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده فهو رأيهم ما تركته لغيره. فإن قلت يلزم على هذا إما تقييد مالك لغيره أو كون ابن القاسم مجتهداً لتفسيركم رأيه باتباعه قواعد مالك وترجيحهه عليها لأن إتباع شخص إن أوجب تقليده لزم الأول وإلا لزم الثاني، قلت لا بل إتباع قول مالك ليس بمجرد قول غيره بل لدليل عنده مطلقاً كعمل الصحابة أو إجماع أهل المدينة أو استحسان وافق رأيه وغير ذلك كما أشار إليه وهذا حال المجتهد المطلق إتباع الدليل وابن القاسم إما يرجح ويخرج على أصول مالك كما تقدم فهو مقلده إذ إتباع شخص من حيث هو غير إتباع الدليل المطلق والله أعلم. اه جوابه ملخصاً.

وهذا الذي اختاره هو ما اختاره أخوه الإمام أبو زيد المتقن وغيرهما وسيأتي له مزيد بعد إن شاء الله تعالى.

فائدة: قال الخطيب ابن مرزوق سمعت شيخنا الإمام أبا موسى بن الإمام وغيره من شيوخ المغرب يستحسنون ما أحدثه العزفي وولده أبو القاسم بالمغرب في ليالي المولد وهما من الأئمة ويستصوبوه قصدهما فيه والقيام به ونقل عن بعض علماء المغرب إنكاره وإلا ظهر عندي ما قاله بعض المغاربة استعمال الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في هذه اللية وإحياء سنته ومعونة آله وتعظيم حرمهم، وفعل أنواع البر أفضل مما سواها مما أحدث إذ لا يخلو من مزاحم في النية أو مفسد للعمل أو دخول شهوة وطريق الحق والسلامة معروف فالأضل تكثير الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأعمال البر. اه ملخصاً.

عيسى بن أحمد بن محمد بن محمد الغبريني أبو مهدي التونسي، قاضي الجماعة بها وعالمها وصاحلها وحافظها وخطيبها. قال الشيخ الثعالبي: شيخنا أوحد زمانه علماً وديناً. اه.

ووصفه تلميذه أبو القاسم بن ناجي أنه ممن يظن به حفظ المذهب بلا مطالعة، وبالغ في الثناء عليه في غير موضع، بل نقل عنه عصريه أبو القاسم البرزلي في ديوانه في غير موضع. قال السخاوي في تأريخ أهل المائة التاسعة فيه: قاضي تونس وعالمها، أخذ عنه أحمد القلشاني والشرف العجيسي وغيرهما. مات عام ستة عشر وثمانمائة. اه.

قلت: بل أخذ عنه غالب تلاميذ ابن عرفة المتأخرة وغيرهم كالبسيلي وأبي يحيى بن عقيبة وعمر القلشاني وأبي القاسم القسنطيني وأبي الحسن علي بن عصفور وابن ناجي والزلديوي في خلق كثير. قال ابن ناجي: ما رأيت أصح منه نقلاً ولا أحسن منه ذهناً ولا أنصف منه مع كمال الرئاسة، وشاهدت بعض جهال الطلبة، وكان مؤدباً تلقاه لما قام في مجلسه وسجد بين يديه مشتكياً له بإنسان، فصاح عليه وانتهره وهرب منه وغضب لمخالفته السنة وحلف له لا أسمع منه الآن كلمة واحدة. اه.

وقال تلميذه الأمير أبو عبد الله المدعو الحسين بن السلطان أبي العباس القلشاني: استناب ابن عرفة وقت سفره للحج تلميذه القاضي الجليل أبا مهدي الغبريني على إمامة جامع الزيتونة، وهو المشار إليه في كلامه وتلميذه حينئذ قاضي الجماعة. ثم استقل بالإمامة المذكورة بعد وفاته، وبقي عليها حتى توفي ليلة السبت سابع عشرين من ربيع الثاني عام خمسة عشر وثمانية. اه

عيسى بن علال المصمودي ويقال الكتامي أبو مهدي الفاسي، شيخ الجماعة فقه فاس وقاضيها. أخذ عن الحافظ أبي عمران العبدوسي وغيره وصاحب الشيخ عمر الرجراجي. وله رحلة سمع فيها. توفي سنة ثلاث وعشرين. ويقال أن له استدراكات على مختصر ابن عرفة. قال السخاوي: وهو إمام جامع القرويين، له تعليقة على مختصر ابن عرفة، وكان زاهداً ورعاً ولي القضاء. مات قريباً من عشرين وثمانمائة. وقال ابن غازي: هو شيخ الجماعة الخطيب الحجة المشاور، أخذ عنه القوري والأستاذ الصغير في جماعة. اه.

عيسى بن أحمد الهنديسي، بفتح الهاء فنون ساكنة فدال مهملة مكسورة فياء تحتية فسين مهملة، البجائي عالمها، يعرف بابن الشاط. قال السخاوي: تقدم في الفقه وأصوله والعربية وغيرها حفظاً لها وفهماً لمعانيها مع فروسية وتقدمة في أنواعها وديانة وتصدي للإفتاء والإقراء، وناب في الخطابة بجامع بجاية الأعظم، وهو الآن في سنة تسعين وثمانمائة شيخ وقدوة أهلها يزيد على ستين سنة. اه.

قال الشيخ زروق: الشيخ الفقيه الإمام الصدر العالم أبو مهدي مفتي بجاية من صدور الإسلام في وقته علماً وديانة. اه.

قلت: له تعليق لطيف على مسلم في كراريس اقتطفه من شرح الأبي عليه. ووقع بينه وبين شيخه الإمام العلامة محمد بن بلقاسم المشذالي الآتي منازعة في مسألة ترافعا فيها إلى الإمام المفتي قاسم العقباني، فأجابهما، نقل الجميع في نوازل المازوني مع عدة فتاوي له.

عيسى بن الدكالي. قال في فهرست ابن غازي: كان فقيهاً حافظاً. اه.

عيسى بن أحمد بن مهدي الماواسي البطوي الفاسي، فقهها ومفتيها العالم. قال الشيخ أحمد المنجور: كان أستاذاً فقيهاً خطيباً مفتياً، أخذ العلوم عن شيوخ فاس وتلمسان كالشيخ الإمام أبي محمد عبد الله العبدوسي وغيره. توفي سنة ست وتسعين على سن عال. حكي أنه خطب بفاس الجديد نحو ستين سنة. اه. ونقل عنه فتواي في المعيا.

قلت: ومن شيوخه الإمام القوري. وتولى الفتوى بعده وأخذ عنه الشيخ زروق.

من اسمه عمر

عمر ابن محمد التميمي، شهر بالعطار الشيخ أبو حفص. قال الشيخ أبو زيد الدباغ في كتابه مناقب صالحي القيروان: هو الفقيه العالم، كان من المجتهدين المبرزين وأئمة القرويين المعدودين، انتفع به خلق كثير حتى كان يقال الذكر لأبي بكر بن عبد الرحمن، والتعليم لأبي حفص العطار، لأن أبا بكر هو شيخه وبرع عليه حتى ناهزه أو قارب، وكان موفقاً في أجوبته لم ير بالقيروان معلم أحسن تعليماً منه ،ومات قبل شيخه أبي بكر بن عبد الرحمن. فقال الشيخ رحمك الله: يا أبا حفص فقد كنت تنصرني وتكفيني كثيراً من الفتيا. وله تعليق نبيل جداً على المدونة أملاه سنة سبع وعشرين وسنة ثمان بعده وأربعمائة. اه.

عمر بن محمد بن واجب بن عمر بن واجب عمر بن واجب القيسي البلنسي، صاحب الأحكام. سمع أباه وأبا بحر الأسدي وابن العربي وابن السيد، وأجازه ابن رشد وأبو الحسن شريح، وتفقه بأبي محمد بن سعيد قاضي بلنسية ولازمه طويلاً، وعرض تهذيب البراذعي أربع عشرة مرة. وكان فقيهاً حافظاً للمسائل بصيراً بالأحكام مقدماً في الشورى محسناً للفتيا. درس الفقه، وأخذ عنه ونوظر عليه في حياة أبيه وبعده. ولم يعتن بالحديث، غلب عليه الفقه، مع تواضع ونزاهة وهدى حسن ولين جانب واكتفاء بالكفاف والانقباض عن السلطان وتودد الناس وإعطاء السوية من نفسه مع رئاسة وجلالة متوارثة. ناب لأبيه في الأحكام وقت قضائه ببلنسية وشاطبة وغيرهما. حدث عنه حفيده شيخنا أبو الحطاب أحمد بن محمد بن عمر وابن عياد. توفي ببلنسية يوم الجمعة آخر رمضان سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ودفن يوم الفطر. مولده سنة ست وسبعين وأربعمائة عن اثنين وثمانين سنة، وكان جنازته مشهودة. وهو آخر حفاظ المسائل بشرق الأنتدلس. صح من ابن الأبار.

عمر بن عزوز السلمي، الشيخ الفقيه الجليل الفاضل المحصل، أبو علي، رحل للشرق وقرأ بها ومهر. ووصل لبجاية وظهر واستمر وقضى وشوور وأفتى وعليه مع الفقيه أبي عبد الله الأريس يتوقف حال القاضي أبي محمد بن حجاج. صح من عنوان الدراية.

عمر بن محمد بن علوان التونسي. قال أبو محمد التجاني: شيخنا الإمام أبو علي ألف تأليفاً في موجبات أحطام مغيب الحشفة ذكر فيه ما قاله غيره وزاد عليه أحكاماً كثيرة استخرجها بكثرة اطلاعه وقوة استنباطه وتبحره في العلم واتساعه نكان يزعم أنه لا يكاد يوجد حكم شذ عن كتابه، وقرأته عليه في ذي القعدة عام اثنين وسبعمائة ورأيته قد ترك أحكاماً كثيرة فحملتني الحداثة إذ ذاك وحب الطهور علي أن استدركت في مؤلف وضعته نحو خمسين واتسعت في التعليل وبسط الخلاف فجاء تأليفاً مستقلاً وأوقفته عليه فعظمه غاية التعظيم وتلا وفوق كل ذي علم عليم وتوفي رابع شعمان سنة ست عشر وسبعماة.

عمر بن محمد بن حمد بن خليل السكوني أبو علي، نزيل تونس الفقيه العالم العلامة السني له تآليف منه التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في الكتاب العزيز في سفرين ووقفت عليه وجزء لطيف في البعد.

عمر بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي المعروف بالقرشي. قال الحضرمي في مشيخته: كان شيخنا أبو علي هذا رجلاً خيراً لا يختلف في فضله وعفته وسلامة مذهبه اثنان، كثير الحياء والصمت شديد الانقباض ملازم الخلوة لين الجانب دمث الخلق ظاهر الحسب حسن اللقاء مولعاً بالتصوف كثير المطالعة لكتبه كلفاً بأفعال الخير مبادراً لقضاء الحوائج على سنن الصالحين. إذا رأيته سرك أن ترى ابن سيد المرسلين. شرق وحج ولقي شيوخاً جلة وأعلاماً مشاهيراً، وأخذ عنهم وروى وقيد كثيراً، وخطب بالجامع الأعظم نيفاً على اثنين وثلاثين سنة من عام واحد وسبعمائة إلى وفاته. صنف في التصوف مطالع أنوار التحقيق والهداية. مولده تقريباً عام ثمانية وستين وستمائة. وتوفي بغرناطة سحر الخميس ثالث وعشرين من صفر عام أربعة وأربعين وسبعمائة. وكان يوماً مشهوداً احتفل الناس بجنازته وتزاحموا تزاحماً بعد العهد بمثله. سمعني يوماً أنشد قول بعض الغرباء بعد أن شكوت ما لحقني من الغربة لبعض الأصحاب:

رحم الله من دعا لغريب * شتته العدا عن الأوطان
ورماه الزمان منه بصرف * آه والله من صروف الزمان

فأخذ يسليني، وقال لي: لا تكترث فلقد شكوت حالي أيام حلتي لشيخنا الإمام ناصر الدين المشذالي ببجاية. فقال لي عن بعض المشايخ أنه كان يقول إن الله عز وجل يثير الهمم لسعي القدم لرزق قسم أو موت حتم. اه ملخصاً.

عمر بن عثمان الونشريسه المكناسي أبو حفص. قال الن الخطيب في نفاصة الجراب: كان فقيهاً مدرساً أستاذاً في فن العربية. حضرت مذاكرته في مسأله أعوزت عليه وطال سؤاله عنها، وهي قول الشاعر:

الناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً * ما لم يروا عنده آثار إحسان

وصورة السؤال كيف صح وقوع أفعل بين شيئين لا اشتراك بينهما في الوصف، إذ أوقع الشاعر أكيس بين الناس وبين أن يمدحوا، هو مؤول بالمصدر وهو المدح، ولا يوصف بذلك. اه من الروض الهتون لابن غازي.

وفي وفيات الونشريسي أنه توفي بفاس عام ستة عشر وثمانمائة.

عمر ابن محمد الرجاجي أبو علي الفاسي. قال ابن الخطيب القسنطيني: كان من أولياء الله تعالى وصدور العلماء وشهرته بالصلاح أكثر من شهرته بالعلم، لازمته وقرأت عليه الحوفية في الفرائض، وحضرت معه مجالس العلم كمجلس الحافظ الفقيه القباب في الحديث والفقه والكلام، ومجلس الفقيه العالم الصالح مفتي فاس الوانغيلي الضرير وهو قارئ مجلسه وانتفعت به كثيراً، وإذا قصدته فيما عسر على فهمه أجلسني مع السارية وجلس هو بين يدي كأنه السائل لتواضعه وإخفائه. وقال لي بعض الطلبة ما الذي يقرأ عليك سيدي عمر لما رأى من هيئته في جلوسه. وإذا راجعته في مسألة حتى يطلعني على نص ما قاله هو في كتاب يبسطه ويشير إلى المحل من غير أن يقول لي شيئاً. ومن ورعه وتحفزه أنه لا يحبس الكتب المنسوبة لقوم ليست لهم كشرح الرسالة المسوب للجزولي ونحوه. وكان كثير الخلوة بنفسه لا يعرف أحد أين هو، ويلبس التليس يباشره بجسده ويستره بجبة، وعيشه من حبك البرانس في بعض الأوقات، وغلة دويرة ورثها من أبيه. وقال لي ليس لي عادة في غذاء وعشاء بل آكل إذا احتجت بلا توقيت. وسرق لي يوماً نعلي في صلاة العصر فجلست ولم أعلم به أحداً، فجاء هو على عادته للحضور وجلس بجنبي ساعة، ثم قام خلاف عادته وجاء بقبقابه مختفياً وقال امش بهذا وطيب نفسك على السارق، فقبلته متعجباً منه. وكنت إذا عسر علي أمر دنيوي قصدته وقلت له أريد كذ وكذا، فيسكت وتدمع عيناه، ثم يقول لي نعم يكون إن شاء الله فييسر الله تعالى ذلك، وما زلت أفعله معه. وقدم الخطابة جامع الأندلس بفاس. فخطب بعض جمعة من غير أن يغير ثيابه، ثم فر منها ويزوره السلطان ويجلس معه ويحصه على الخير ومراعاة من يستند إلى الله وإن كان كاذباً فييمتثل السلطان أمره، وسعى في هذا الوقت في تغيير المنكر بنفسه وأقام الحد على من لا يجسر عليه. ويسر الله له في ذلك فأعانه الخاصة والعامة بحيث لو قال اقتلوا هذا لقتل قبل تمام كلامه. وتفقد أمر القضاة وأصحاب الأحباس وغير على من لا يصلح، وصار الخاصة والعامة تحت طاعته من خوفه لله تعالى فخاف منه كل شيء. اه كلام ابن الخطيب.

قال ابن غازي في فهرسته: هو الشيخ العالم المتفق على عمله وصلاحه تاج الزهاد وإمام العباد ولي الله تعالى. اه.

وقال السخاوي عن الرجراجي: نسبة لقبيلة بالغرب إمام بجامع الأندلس، الغالب عليه الزهد والورع مع تقدمه في الفقه. مات عام عشرة وثمانمائة. اه.

ويقال أن شيخ الجماعة الإمام أبا مهدي عيسى بن علال لما فرغ من بناء داره وشيدها نادى شيخه صاحب الترجمة مع جماعة للطعام، فلما دخل سيدي عمر الدار رآها قال له يا عيسى أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون فوالله لا أكلمك أبداً. ثم خرج ولم يأكل طعامه ولا كلمه حتى مات رحمه الله. زادني بعض أصحابنا في القصر أن شيخ الجماعة أبا مهدي أدركته الشفقة من كلامه، وقال دار حرمتني كلام الشيخ عمر، لمشئومة فلم يسكنها حتى مات رحمه الله تعالى. هاز

وكان إماماً في الفرائض والحساب ويقال إنه من زار قبره وسأل أن يفتح عليه في حاجة فتح عليه فيها.

عمر بن إبراهيم المسراني أبو علي. أخذ عنه ابن ناجي ونقل عنه في شرح المدونة.

عمر بن يوسف ابن عبد لله اللخمي الاسكندري يعرف بالتلقوني، بحث على محمد بن يعقوب الغماري كثيراً في فروع المالكية وأصول الفقه والنحو، وأذن له في الإفتاء والتدريس وإقراء النحو، وتكلم أيضاً مع أبي القاسم العبدوسي فوجده أهلاً لإقراء كل علم فأذن له في ذلك. وصنف في أنواع العلوم، ثم حصل له ضرر بعينه. ونظم المنظومات المتباينة كالجوهرة الثمينة في مذهب عالم المدينة في ستمائة بيت، ورجز آخر في العبادات نحو خمسين بيتاً، وشرحها في أربعة كراريس، وله عدة أراجيز في العربية، وأخرى ضمنها ما في التلخيص من الزيادة في مائتي بيت ونيف، وأفرد أصول أبي عمر في بحر الشاطبية ورويها، وتفسير الفاتحة ومن سورة النساء إلى آخر القرآن في مجلد. ولد في شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة، وتوفي سنة اثنين وأربعين وثمانمائة. صح من السخاوي.

عمر بن محمد بن عبد الله البجي ثم التونسي عرف بالقلشاني، أصله من باجة تونس لا باجة الأندلس، قاضي الجماعة بتونس، الفقيه العالم الإمام العلامة المحقق النظار الحافظ الحجة الإمام المطلق الجليل أبو حفص نخبة الزمان وفريد الوقت ممن قل سماح الزمان بمثله علماً وجلالة، ابن الشيخ الإمام العالم الصالح القاضي أبي عبد الله محمد بن الشيخ الفقيه الصالح عبد الله القلشاني. كان رحمه الله من أكابر علماء تونس ومحققيهم وحفاظهم الأجلاء. أخذ عن جماعة كوالده أبي عبد الله، والقاضي أبي مهدي الغبريني والإمام الأبي، والإمام محمد بن مرزوق وغيرهم. وأخذ الطب عن إمام فنه الشريف الصقلي. قال السخاوي: وهو أخو أبي العباس أحمد القلشاني شارح الرسالة ولي قضاء الجماعة بتونس، وأقرأ الفقه والأصلين والمنطق والمعاني والبيان والعربية وحدث بالبخاري عن ابن مرزوق. وشرح الطوالع شرحاً حسناً وصل فيها إلى الإلهيات في أكثر من مجلد. وأخذ عنه خلق، وغالب الأعيان منهم ولده قاضي الجماعة محمد بن عمر وإبراهيم الأخضري وأبو عبد الله التريكي وآخرين ممن لقيناهم كابن عران. ولي أولاً قضاء الأنكحة ببلده كأبيه، ثم قضاء الجماعة بعد موت أبي القاسم القسنطيني. وكان أبو القاسم المذكور قام على أخيه أحمد شارح الرسالة بسبب ما وقع فيه من نقل كلام بعض المفسرين في قصة آدم عليه السلام بل أفتى أخوه صاحب الترجمة بذلك قبل علمه. اه.

قلت: وممن أخذ عنه اعلامة حلولو والشيخ عبد المعطي بن خصيب والشيخ الصالح الرصاع والشهاب الأبدي وغيرهم. وله شرح عظيم على بن الحاجب في غاية الحسن والاستيفاء والجمع مع تحقيق بالغ ينقل كلام ابن عبد السلام ويذيله بكلام غيره من الشراح كابن راشد وابن هارون والناصر المشذالي وخليل وابن عرفة وابن فرحون وغيرهم مع البحث معهم ويظرزها بنقل كلام فحول المذهب كالنوادر وابن يونس والباجي واللخمي وابن رشد والمازري وابن بشير وسند وابن العربي وغيرهم مع البحث في ألفاظ المتن أفراداً وتركيباً بما يدل على سعة علمه وقوة إدراكه وجودة نظره، إمامته في العلوم وقفت على أوائله. توفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، هكذا ذكره الونشريسه في وفياته وهو أصح مما رأيته في بعض المجاميع بخزانة جامع الشرفاء بمراكش أن وفاته سنة اثنين وأربعين، بل لا يصح أصلاً. نقل عنه المازوني والونشريسي جملة من فتاويه. وتقدم تعريف جده عبد الله وعمه أحمد وأخيه أحمد، وستأتي ترجمة أبيه وولده إن شاء الله تعالى.

عمر بن أبي بكر بن محمد ابن حريز، (تصغير حرز) أخو قاضي القضاة الحسام بن حريز، قرأ الفقه على الزين عبادة والشيخ طاهر النويري. ولد سنة تسعة عشر وثمانمائة وصار في قضاء أخيه يكتب على الفتوى، بحيث ذكرت فضيلته واستحصاره الفروع مع الديانة والإعانة والتصلب في دينه. واستقر في القضاء بعد موت أخيه في شعبان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، فشكرت سيرته. وحكم في قضايا وبرز في مواطن جبن غيره فيها وأعرض عن تدريس الشيخونية فاستقر فيها لمحيي بن تقي، وعن تدريس جامع طولون فاستقر فيها النور التنسي، ثم عزل سادس صفر سنة سبع وثمانين، وتولى البرهان اللقاني. وتوفي في جمادي الأولى سنة اثنين وتسعين وثمانمائة. صح من السخاوي.

عمر بن عبد الرحمن بن يوسف الكزنائي الفاسي، أحد فقهائها. كان شيخاً معمراً نيف على الثمانين سنة. له تعاليق رد في بعضها على مواضع من الشفاء وعلى الخطيب الجد بن مرزوق. وتعقب عليه فيها الإمام أبو العباس الونشريسي وغيره. كان حياً عام أحد عشر وتسعمائة. نقل عنه في المعيار في كتاب الجنائز، وأخذ عنه علي بن هارون وغيره.

عمر بن محمد الكماد الأنصاري القسنطيني عرف بالوزان. قال المنجور في فهرسته: هو القفقيه العالم الكبير المتفنن المحقق الراسخ الصالح أبو حفص، كان آية يبهر العقول في تحقيق فنون المنقول والمعقول، من عباد الله الصالحين. رحل إليه شيخنا أبو زكرياء الزواوي يسمعه يقرر الفقه بنقل اللخمي وغيره ويقرئ الفنون فكان إذا ذكره يعجب ويعجب ويرجحه عن كل علماء عصره. حدثني من أثق به من أهل بلده أنه يقرئ الجن. أخذ عنه شيخنا اليسيتني الأصلين والبيان وغيرها وقرأ عليه معالم الفخر قراءة بحث وتحقيق. توفي بقرب الستين وتسعمائة. له تآليف منها الرد على الشبوبية المرابط عرفة القيرواني وصحبه، كتاب حفيل مد فيه النفس، فما يعلم أنه من أهل التصوف، وتأليف على طريق الطوالع والمواقف سماه البضاعة المزجاة في غاية التحقيق والإيضاح لتلك الأعراض، وفتاوي في الفقه والكلام وغيرهما أبدع فيهما ما شاء. سأله عن بعضها الفقيه الكبير المحقق الصالح أبو زكرياء يحيى بن عمر الزواوي. اه.

قلت: ومن تآليفه تعليق على قول خليل "وخصصت نية الحالف"، وحاشية على شرح الصغرى للسنوسي. أخذ عنه جماعة كعبد الكريم الفكون وأبي الطيب البسكري ويحيي بن سليمان. وأخبرني بعض أصحابنا أن وفاته سنة ستين والله أعلم.

من اسمه عثمان

عثمان بن مالك، فقيه فاس وزعيم فقهاء المغرب في وقته. أخذ عنه فقهاء فاس كابنه أبي بكر وأبي بكر بن الحناط وغيرهما، وتفقهوا عنه. له تعليق على المدونة ذكره ابن سهل في مختصر المدارك. صح من خط بعض أصحابنا.

عثمان بن دعمون الغرناطي، ألف برنامجاً على كتاب البيان والتحصيل. توفي سنة تسع وسبعمائة.

عثمان بن أبي بكر النويري، أحد أشياخ المالكية ومدرسيهم بالديار المصرية، شيخ جليل من أئمة الحديث حفظاً واتفاناً وضبطاً. ها هكذا ذكره تلميذه العلامة ابن مرزوق الحفيد.

عثمان بن عبد الواحد المكناسي اللمطي، نسبة لقبيلة من زناتة. كان مجيداً للقرآن حفظاً وأداء ورسماً وضبطاً وعلماً بأحكامها والنحو الغزير، كاد يحفظ كافية ابن مالك عالماً بالعروض يديم مطالعة ابن عطية مع زهد وصلاح، قرأ بالسبع على ابن غازي وأجازه ولازمه في التفسير وغيره، وقرأ على الأستاذ الصالح أبي العباس الحباك، وعلى ابن هارون التفسير، وعلى أبي محمد الونشريسي ابن الحاجب، وعلى اليسيتني. كان مقبلاً على شأنه منفرداً عن الناس متواضعاً منصفاً. توفي سنة أربع وخمسين عن نحو سبعين سنة، حضر جنازته السلطان وغيره وأثنوا عليه خيراً، وهو جدير به. صح من فهرست المنجور. زاد غيره أن مولده عام ثمانية وثمانين وثمانمائة. اه. وتقدم أخوه العلامة.

من اسمه علي

علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حرزهم، كذا ذكره التادلي وضبطه بعضهم بن حرازم. قال الساحلي في بغية السالك الأول أصوب. قال كان فاسياً عالماً فقيهاً محدثاً حافظاً مدرساً زاهداً في الدنيا سالكاً في طريق القوم من أهل التحقيق مشاركاً في علوم الشريعةـ لكنه أميل لعلوم الباطن. أحكم كتاب إحياء الغزالي وضبط مسائله فكان يستحسنه ويثني عليه. وترك والده مالاً عريضاً، فقال لأخيه تركت لك حقي منه، فأبى، فعزم عليه وقال إن لم تقبله تصدقت به علي الجذمي، فقبله. فخرج عن أسباب الدنيا وتجرد للعبادة والزهد. ورد عليه الشيخ أبو مدين شعيب وتردد إلى مجلسه، قال كنت يتعلق بقلبي كل ما سمعته منه فأنتفع به وما أسمع من غيره لا يتعلق بقلبي، فذكرته له فقال إن الكلام إذا خرج عن صدق من القلب صادف القلب فانتفع به، قال ولازمته فانتفعت به. قيل أنه دعا لبعض أصحابه بالعفو والعافية، ثم قال له رأيت رب العزة في المنام فقال لي ما حاجتك؟ فقلت أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، فقال لي قد فعلت. ثم قال فلا أبالي بشيء يتقي فقد آمنني رب العزة ولذلك دعوت لك بهذا. قال المدعو له: والله ما نالني مكروه قط بعد دعائه. رحل لمراكش فدرس بها العلم وتوب ناساً وزهد أميرها في الدنيا وكثر أتباعه وتلاميذه. وأخذ عنه ناس الطريق ففتح لهم كالشيخ أبي مدين وأبي عبد الله التاودي فكانا إخوين فاضلين عارفين. أخذ هو عن جماعة اعتمد، منهم عمه أبا محمد وشيخه ابن العربي. وكان نعى نفسه للناس، فقال لا أصوم رمضان الآتي، ثم بعد أيام قصد صاحباً له فقال له قدم لي طعاماً آكله فطعامك حلال، فقدم له خبزاً ولبناً فأكل، ثم دخل الحمام، وقال لخدمة الحمام لم يبق لكم من خدمتي إلا هذا اليوم. فلما خرج منه أتى منزله فاستلقى على فراشه. فلما حان وقت صلاة العصر أتاه بعض تلامذته ليوقظه للصلاة، فوجده ميتاً. وقبره بفاس من مزاراتها المتبرك بها المجاب عنده الدعاء. توفي آخر شعبان سنة تسع وخمسين وخمسمائة. اه ملخصاً.

قلت: قد زرت قبره مراراً بفاس والحمد لله تعالى.

علي بن محمد بن عبد الله الجذامي المري، يعرف بالبرجي بفتح الباء أبو الحسن. قال ابن الأبار: أخذ القراآت عن أبي داود المقري وسمع الحديث من أبي علي الغساني والصدفي وتصدر للإقراء والإسماع. وكان مقرئاً ماهراً فقيهاً مفتياً من أهل الخير والصلاح والتفنن في العلوم. وجرت له قصة غريبة مع قاضي المرية مروان بن عبد الملك في إحراق ابن حمدين كتاب الغزالي فأفتى فيها بتأديب محرقه وتضمينه قيمته، وتبعه عليه أبو القاسم بن ورد وأبو بكر عمر بن الفصح. أخذ عنه أبو العباس بن القريف وأبو بكر بن نمارة وغيرهما. توفي بالمرية سنة تسع وخمسمائة.

علي بن مسعود بن علي بن مسعود بن عصام الخولاني أبو الحسن. كان فقيهاً مشاوراً حافظاً للمدونة بارعاً في الوثائق. له حظ وافر من الأدب. ولي قضاء ميورقة. توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة. صح من ابن الأبار.

علي بن محمد بن أحمد الأزدي يعرف بالبن الصيقل أبو الحسن، روى عن أبي القاسم بن ورد وأبي العباس بن عيسى، سمع منه السنن سنة تسع وعشرين وغيرهما. وكان فقيهاً مشاوراً حافظاً للمسائل يناظر عليه في المدونة. تفقه به أبو الحجاج بن أيوب.

علي بن يوسف بن خلف بن غالب العبدري أبو الحسن يعرف بابن أبي غالب. قال ابن الأبار: أخذ اللغة والأدب عن ابن أبي الخصال وأبي بكر اللياتي، وأجازه المازري. وكان فقيهاً مشاوراً عالماً بالفتيا صدراً فيها حافظاً للمسائل عارفاً بالشروط أديباً بليغاً مدركاً نحوياً لغوياً فكه المجلس. له حظ من قرض الشعر. ولي الأحكام وأفتى إلى أن مات. مولده ثالث عشر صفر سنة اثنين وثمانين وأربعمائة. وتوفي آخر سنة اثنين وستين وخمسمائة. وقيل سنة تسع وخمسين.

علي بن محمد هذيل البلنسي أبو الحسن. قال ابن الأبار: روى عن سليمان بن نجاح المقري واختص به وتحقق، لازمه عشرين سنة، وأخذ عنه القراآت وسمع منه جل روايته وهو أثبت الناس فيه. سمع البخاري من أبي محمد الدكلي، ومسلماً وأبا داود من طارق بن يعيش، والترمذي من ابن سعادة، وأجازه أبو علي بن سكرة. وكان منقطع القرين في الفضل والدين والورع والزهد والصلاح مع ثعة وعدالة وتواضع وإعراض عن الدنيا والتقلل منها صواماً قواماً كثير المعروف والصدقة. إذا خرج لضيعته تبعه الطلبة من قارئ وسامع الحجيث، وهو منشرح الصدر منطلق الوجه طويل الاحتمال لا يضجر ولا يسام مع كبره أسن، وعمر وهو آخر من حدث عن أبي داود بالأندلس سماعاً، انتهت إليه رياسة الإقراء عامة عمره لعلو روايته وصحتها وإمامته فيه وشهرة عدالته، انتفع الناس به طويلاً ورحلوا إليه إقراء، وأسمع ببلنسية نيفاً وستين سنة. مولده بعد السبعين وأربعمائة، وقيل عام أحد وسبعين. توفي عن نيف تسعين في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة، وحضر جنازته السلطان وغيره، وتبعه ثناء جميل وتزاحم الناس على نعشه يتمسحون به. وكان يسأل الله في مرضه موته يوم الجمعة حتى عرف من حاله، ثم قبض يوم الخميس ودفن يوم الجمعة.

عبي بن صالح بن أبي الليث العبدري أبو الحسن يعرف بابن عز الناس، قال ابن الأبار سمع من ابن الصقيل وجال في الأندلس، ولقي أبا القاسم بن ورد وابن العربي فأخذ عنهما وسمع منهما. وكان فقيهاً حافظاً متفنناً عالماً بالأصول والفروق دقيق النظر جيد الاستنباط فصيح العبارة لسناً أديباً يقرض الشعر صاحب ضبط واتقان يغلب عليه الأصول واصطنعه ابن غانية لنباهته وشهرة معرفته. ثم انقلب لشرق الأندلس فكان كبير فقهائها ورأس مفتيها ومشاوريها. له تآليف ككتاب العزلة في شرح معاني التحية، درس وحدث. أخذ عنه ولده محمد وأبو عمر بن عبادة. مولده سنة ثمانة وخمسمائة، وقتل مظلوماً في رمضان سنة ست وستين وخمسمائة. وكان قتله لسعاية عبد السلطان محمد بن سعد.

علي بن أحمد بن عبد الرحمن ابن يعيش من ذرية عبد الرحمن ابن عوف القرشي الزهري، قاضي إشبيلية أبو الحسن. سمع أبا الحسن سريجاً ابن بقي وابن مغيث. وأخذ العربية عن ابن الأخضر، وأجازه أبو عمران بن أبي تليد وغيره. كان من أهل العلم والفهم فقهاً مشاوراً محدثاً عدلاً متقدماً بذاته وشرفه. له تآليف في مناسك الحج حدث به. أخذ عنه أبو بكر بن أبي زمنين وأبو الخطاب بن واجب. توفي في ربيع الأول سنة سبع وستين وخمسمائة وكانت جنازته مشهورة وأثنوا عليه جميلاً. مولده بباجة سنة تسعين وأربعمائة. صح من ابن الأبار.

علي بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأنصاري أبو الحسن المتيطي وبه اشتهر، صاحب الوثائق المشهورة، ومتيطة قرية من أحواز الجزيرة الخضراء بالأندلس. لازم بمدينة فاس خاله أبا الحجاج المتيطي وبين يديه تعلم عقد الشروط، واستوطن مدينة سبتة ولازم بها مجلس أبي محمد عبد الله ابن القاضي أبي عبد الله بن عيسى للمناظرة والتفقه، ومهر في كتابة الشروط واستقل حتى لم يكن في وقته أقدر منه عليها. وكان له في السجلات الطوال طبع موات لا يواتيه في سواها، وكان طبعه فيها أكثر من فقهه. كتب بسبتة للقاضي أبي موسى عمران بن عمران وبإشبيلية وناب عنه في الأحكام بإشبيلية. وولي قضاء شريش مستقلاً وأصابه عذر لازمه نحو عامين. ومات مستهل شعبان سنة سبعين وخمسمائة. هكذا أفادني ترجمته صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب رحمه الله تعالى.

علي بن عبد الله بن خلف بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المالك الأنصاري أبو الحسن يعرف بابن النعمة. ولد بالمرية وسكن بلنسية. أخذ عن أبي الحسن بن شفيع وسمع بابن أبي الحسن بن سرحان، ولازم أبا محمد البطليوسي زمناً طويلاً، وروى عن أبي بحر، وأدرك بقرطبة أعلامها الجلة، فتفقه بابن راشد وابن الحاج، وسمع الحديث من أبي محمد بن عتاب وأبي الحسن بن مغيث وأبي القاسم بن بقي وأخيه أبي الحسن وجماعة، وببلنسية من ابن العربي، وبالمرية من أبي علي الصدفي. وأجازه جماعة كأبي عمران بن أبي تليد وشريح. وله برنامج حافل تصدر ببلنسية لإقراء القرآن وإسماع الحديث وتدريس الفقه وتعليم النحو مثابراً على الإفادة راغباً فيها يعين تلاميذه ويبذل أحواله عالماً متفنناً حافظاً للفقه والتفسير والسنن والآثار متقدماً في عمل اللسان فصيحاً مفوهاً فاضلاً ورعاً معظماً عند الخاصة والعامة محبباً إليهم بحسن خلقه ولين جانبه معروفاً بمعاناة الرواية ومتانة الديانة. كتب بخطه كثيراً. ولي الشورى ببلنسية مع الصلاة والخطبة دهراً طويلاً. انتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى رأس المشاورين بها. له تآليف مفيدة جليلة كري الظمآن في تفسير القرآن عدة أسفار كبار، والإمعان في شرح سنن النسائي أبي عبد الرحمن لم يتقدمه أحد لمثله بلغ فيه الغاية احتفالاً وإكثاراً. أخذ عنه الناس وانتفعوا به ووصفوه بالجلالة والرسوخ في العلم والدين، وهو خاتمة العلماء بشرق الأندلس. توفي ببلنسية في رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة. مولده بعد التسعين، وقيل سنة تسعين وأربعمائة. صح من ابن الأبار. وقد ذكره ابن عبد الملك في التكملة وأثنى عليه جداً.

علي بن حرزهم. تقدم أول العلويين، ولكن هذا موضعه. قال ابن الأبار منسوب لجده من أهل فاس: كان عالماً فقيهاً متفنناً بالرواية، غلب عليه الزهد والورع والتصوف. دخل الأندلس. وأخذ عنه جماعة كأبي الحسن بن خيار. اه.

علي بن الحسين المواتي الفاسي أبو الحسن. قال ابن الأبار: روى ببلده عن أبي جعفر بن باق وأبي الحجاج الضريري وغيرهما، وأخذ بالأندلس عن ابن الأخضر العربية وعن غيره الحديث. كان فقيهاً حافظاً مشاوراً مفتياً فارضاً مقدماً في الشروط عدلاً فاضلاً. أخذ عنه جماعة منهم أبو عبد الله بن عبد الحق التلمساني. توفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. مولده سنة تسع وسبعين وأربعمائة.

علي ابن يحيى بن القاسم الصنهاجي أبو الحسن. قال ابن الأبار: نزل الجزيرة الخضراء فنسب إليه ودرس بها الفقه وعقد الشروط، وولي قضاءها. وكان متواضعاً كثير الأوراد صاحب علم وعمل. وله في الشروط مختصر مفيد جداً سماه المقصد المحمود في تلخيص العقود. كثر استعمال الناس له. فجودته تدل على معرفته. توفي في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وخمسمائة عن نحو ستين سنة.

علي بن سعيد أبو الحسن الرجراجي. أنا صاحب منهاج التحصيل في شرح المدونة الشيخ الإمام الفقيه الحافظ الفروعي الحاج الفاضل الخص في شرحه المذكور ما وقع للأئمة من التأويلات، واعتمد على كلام القاضي ابن رشد والقاضي عياض وتخريجات أبي الحسن اللخمي. كان ماهراً في العربية والأصليين. لقي بالمشرق جماعة من أهل العلم منهم الفرموسي الجزولي لقيه على ظهر البحر وتكلم معه في مسائل العربية. وأخذ عنه كثير من أهل المشرق. هكذا نقلت هذه الترجمة من خط أبي العباس الونشريسه.

علي بن محد بن محمد، إشبيلي الأصل، ولد بفاس وسكن سبتة أبو الحسن. أخذ عن أبي القاسم بن حبيش وغيره. أقرأ أصول الفقه وألف فيه وفي الناسخ والمنسوخ، وكتاب البيان في تنقيح البرهان، وكتاب المدارك في وصل مقطوع حديث مالك، وعقيدة أصول الدين وشرحها في أربعة أسفار. حدث عنه عبد العظيم المنذري. توفي في حدود عشر وستمائة. صح من ابن الأبار.

علي بن المفضل بن علي أبو الحسن المقدسي ثم الاسكندري، الحافظ العلامة شرف الدين المالكي. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتخرج علي السلفى وكان من حفاظ الحديث وأئمة المذهب العارفين به. وله تصانيف. مات بالقاهرة سنة إحدى عشرة وستمائة. صح من تأريخ مصر للسيوطي.

علي بن محمد بن عبد المالك بن يحيى ابن إبراهيم بن يحيى الكتامي الحميدي من أهلا فاس قرطبي الأصل أبو الحسن يعرف بابن القطان، سمع أبا عبد الله بن الفخار وأكثر عنه، وأبا الحسن بن النقرات، وبقرطبة أبا ذر الخشني، وأبا الوليد زكرياء بن عمر، وأبا عبد الله التجيبي وغيرهم. وكتب إليه أبو جعفر بن مضاء وأبو محمد بن الفرس وابن زرقون وأبو الحسن ابن كوثر. كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لرجاله وأضدهم عناية بالرواية مع تفنن ومعرفة ودراية. جمع برنامجاً مفيداً في شيوخه، رأس طلبة العلم بمراكش، ونال دنيا عريضة في خدمة السلطان. ألف كتاب النزع في القياس، وشرح أحكام عبد الحق، ومقالات في الأوزان وغيرها. درس وحدث، وأخذ عنه. وامتحن في فتنة حديث بالمغرب أول سنة إحدى وعشرين وستمائة، فخرج من مراكش وعاد إليها. واضطرب أمره إلى أن توفي بسجلماسة وهو قاضيها بالبطن في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة. صح من ابن الأبار.

قلت: وهو مالكي المذهب، صرح به سيدي محمد الحطاب في شرح خليل. وله كتاب النظر في أحكام النظر.

علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم التجيبي المعروف بالحرالي. قال ابن الأبار: أندلس الأصل، ولد بمراكش ونشأ بها. أخذ عن ابن خروف وأبي الحجاج بن نموي وغيرهما. رحل وحج ولقي جماعة من العلماء وناظر معهم فبرع وجال في البلاد وشارك في فنون، ومال إلى النظريات وعلم الكلام. وأخذ عنه وتوجه ثانية للشرق وتوفي فجأة في الشام سنة سبع وثلاثين وستمائة. اه.

قال غيره: الشيخ الفقيه الإمام المطلق الزاهد الورع بقية السلف وقدوة الخلف أبو الحسن كان بدء أمره بمراكش، ثم تخلي عن الدنيا ورحل للشرق ولقي جلة العلماء شرقاً وغرباً، فمن أهل الغرب ابن خروف وأبو الحجاج بن نموي وأبو عبد الله القرطبي وإمام الحرم الشريف وغيرهم. قال أبو العباس الغبريني في عنوانه تعلمنا عليه الفاتحة في نحو ستة أشهر يلقي في التعليم قوانين تتنزل في علم التفسير منزلة أصول الفقه من الأحكام حتى من الله تعالى ببركات ومواهب لا تحصى، وعلى أحكام تلك القوانين ألف كتابه مفتاح اللب المقفل على فهم القرآن المنزل، وهو ممن جمع العلم الاعمل. كان أعلم الناس بالأصلين والمنطق والطبيعيات والإلهيات. صنف فيها تآليف أخبرنا الفقيه أبو محمد عبد الحق. قال كنا نقرأ عليه النجاة لابن سينا فينقضه عروة نقضاً نقضاً، وأعلم الناس بالفقه معقوله ومنقوله. أخبرنا شيخنا عبد العزيز بن مخلوف قال: لما ظهر له في اعتقاد فقهاء وقته قصور باعه في مذهب مالك لاستغراقه في فنون العلم أقرأ التهذيب فبين في كثير من مواضعه مخالفته لأصل المدونة ومغايرته لها، فيأمر بالأصل فيساق فيبين المخالفة بينهما. وأما علم التفسير فكان يورده ويناسقه نسقاً بديعاً. وله تفسير سلك فيه سبيل التحرير تكلم عليه لفظة لفظة. ووقع الكلام بينه وبين الشيخ عز الدين بن عبد السلام إمام مصر في زمنه على التبسير طلب أن يقف على شيء منه، فلما وقف عليه قال: أين قول مجاهد أين قول ابن عباس أين قول قتادة وكثر القول في مثلها. ثم قال يخرج من بلادنا، فلما بلغ كلامه الشيخ قال هو يخرج ويقيم عبد الله، فكان كذلك. وله تقدم في علم الحديث وعلو سند وله تقدم في العربية نحواً ولغة وأدباً
له فيه التآليف الحسنة والشعر الرائق، وفي علم القرائض ما لم يسبق إليه. وأما علم التصوف فهو الإمام فيه ولعمري ما رأيت مثل كتابه الوافي في الفرائض وكان أحسن الناس خلقاً قال أقمت في مجاهدة النفس سبعة أعوام حتى استوى عندي من أعطيني ديناراً
أو يزدريني. وكان زهده حقيقياً ظاهراً وباطناً. أصبح ذات يوم لا شيء لأهله وكانت جاريته أم ولده تسمى كريمة سيئة فاشتدت عليه في الطلب وأن الأصاغر لا شيء لهم. قال لها الآن يأتي من قبل الوكيل ما نتقوت به. فبينما هما كذلك إذ الحمال يضرب الباب بشكارة قمح. فقال لها يا كريمة ما أعجلك هذا الوكيل بعث بالقمح، فقالت ومن يصنع فأمر فتصدق به. وقال لها يأتيك ما هو أحسن منه فانتظرت يسيراً وبدا لها، فتكلمت بما لا يليق. فبينما هم كذلك فإذا بحمال شكارة سميد، فقال لها هذا سميد أيسر وأسهل من القمح، فلم يقنعها ذلك فأمر بصدقته أيضاً. فلما تصدق به زادت في المقال وإذا برجل على رأسه كأملي. فقال لها يا كريمة قد كفيت المؤنة، علم الوكيل بحالك. ومن كراماته أيضاً أن بعض طلبته اجتمعوا في نزهة وأخذوا حلياً من زينة النساء فزينوا به بعضهم، ثم جاؤا بعد لمجلس الشيخ، فتكلم الذي كان في يده الحلي وأشار بيده. فقال الشيخ: يد يجعل فيها الحلي لا يشار بها في الميعاد. ومنها أنه أصاب الناس جفوف ببجاية فأرسل إلى داره من يسوق ماء للفقراء فامتنعت كريمة وانتهرت رسوله. فسمع كلامها، فقال للرسول: قل فها يا كريمة والله لأشربن من ماء المطر الساعة. فرمق السماء بطرفه ودعا ورفع يده به وشرع المؤذن في الأذان. فما ختم أذانه حتى أمطرت كأفواه القرب. توفي بحماة من الشام سنة سبع وثلاثين. اه كلام الغبريني.

ويذكر أن بعض تلاميذه كان مولعاً بالخمر، فاعتكف عليها ليلة وسقط على وجهه زجاجة فأثرت فيه. فلما أصبح جاء إلى الشيخ وفي وجهه أثرها. فأنشد مكاشفاً:

لا تسفكن دم الزجاجة بعدها * إن الجروح كما علمت قصاص

فحشم الطالب وتاب. قال الذهبي أبو الحسي الحرالي: أندلسي، ولد بمراكش وحرلة قرية من أعمال مرسية. له تفسير فيه أشياء عجيبة، لم أتحقق ما تنطوي عليه العقيدة غير أنه تكلم في وقت خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج. ورأيت شيخنا المجد التنسي يتغالي في تفسيره. ورأيت غير واحد معظماً له، وتكلم جماعة في عقيدته. كان من أعلم الناس. وقال لنا شرف الدين البارزي: تزوج بحماة وكانت زوجته تؤذيه وتشتمه وهو يتبسم ويدعو لها. وإن رجلاً راهن جماعة على أن يخرجه، فقالوا لا نقدر. فأتاه وهو يعظ وصاح قائلاً له: كان أبوك يهودياً فأسلم، فنزل من الكرس فظن الرجل أنه غضب وأنه تم له ما رامه، فوصل إليه فخلع قرظية عليه فأعطاها له، وقال بشرك الله بالخير لأنك شهدت لأبي بالإسلام. اه.

قال بعضهم ما نقله الذهبي في عقيدته عن بعضهم لا يسلم له، لأن الغبريني أعلم به، لأن أهل كل قظر أعلم ببعضهم، والموجود من تفسيره من أوله إلى قول تعالى في آل عمران "كلما دخل عليها زكريا المحراب" وهو تفسير حسن، وعليه نسج البقاعي مناسباته، وذكر أن هذا القدر هو الذي وقف عليه منه. اه.

علي الزيات، الشيخ الفقيه الصالح الأصيل الفاضل المتعبد أبو الحسن، حافظ المذهب محصل. له متقن مجيد قرأ بالأندلس واستوطن بجاية وأقرأ بها وانتفع الناس بعلمه ودينه. ثم رحل لحاضرة إفريقية وكان يقرأ عليه كتب المذهب كالتهذيهب والرسالة والجلاب والتلقين وغيرها، إلى أن توفي بها. يأكل من كديمينه معرضاً عن خطط الفقهاء، ولو أرادها ما تعذرت عليه. اه من عنوان الدراية.

قلت: وهو من شيوخ العارف باله بابن أبي جمرة.

علي بن أبي نصر فاتح بن عبد الله البجائي. قال ابن الأبار: كان أبوه رومياً أسلم، وكان ذا وجاهة يكنى أبا الحسن. دخل الأندلس، وسمع بمكة يونس بن يحيى الهاشمي وبالقدس أبا الحسين بن جبير وبدمشق الدمياطي وبالاسكندرية الأبياري. وعاد إلى بجابية فأقرأ وأسمع. كان متقناً ضابطاً أميناً ثقة علدلاً صدراً في الزهد والورق والانقباض. توفي بها آخر جمادي الأخيرة سنة ست وستين وخمسمائة. اه.

ورأيت بخط بعضهم أنه كان من حفاظ فقهاء مذهب مالك. اه.

علي بن عبد الله النميري أبو الحسن الشهير بالششتري. قال الشيخ زروق: هو الشيخ العارف أحد الصوفية من أبنا الملوك، ثم صار من سادات الصوفية. كان يقرأ عليه القرآن والسنن عارف بالحديث. وأما علم الأسرار والأنوار والحكم والأذواق فحاز فيه قصب السبق، وكتبه دائرة على تحقيق العلم. ونسبته لششتر قرية منالأندلس بمعجمتين فمثناة [فمعناه؟] فوقية فراء. دخل بجاية وأقام بها وشيخه ابن سبعين وهما ممن تكلم فيه. توفي بالطينة من عمالة القدس. قال له أصحابه من الفقير؟ قال الذي يمشي بعد موته ثمانية عشر ميلاً، وذلك يوم الثلاثاء سابع صفر سنة ثمان وستين. وستمائة وقد استحسن مقطعاته جماعة من أهلا فضل كابن عباد وغيره، ووجد بالخاصية أنها محفوظة من الفسقة أن يذكروها في فسقهم. ومن ذكرها كذلك أصابه بلاء يدفع فيه إلى قطع رقبته، وهو محتوية على ثلاثة معان "تغزل" وهو أقل ما فيها و"سلوك" وهو مستوفي في بعضها و"فناء" وأحكامه، وقد نسج الناس على منواله كثيراً، فما أبرقوا ولا أرعدوا ولا قاموا ولا قعدوا إلا من قل وندر لأنهم إن أصابوا علماً أخطؤا حالاً وبالعكس، وقد نسب إليه كثير مما ليس له وجملة ما يوجد في المنسوب إليه نحو سبعين مقطعة. اه.

وقال الغبريني في عنوانه: هو الفقيه الصوفي عالم بالحكمة وطريق الصوفية متقدم في علم النظم والنثر أكثرالشيوخ يرجحونه على شيخه ابن سبعين. ولما وصل ساحل الشام قال: ما اسم هذه البلدة؟ قيل له الطينة. قال لهم حنت الطينة إلى الطينة، فتوفي بها. ومن كراماته أن رجلاً من أصحابه أسر، فسمعه الفقراء يقول: إلينا يا أحمد. وقيل من أين أحمد الذي ناديته يا سيدي في هذه البرية؟ قال: من تسرون به غداً إن شاء الله. ففي الغد ورد هو وأصحابه بلاد باس، فإذا بالرجل المأسور، فقال لهم هنيئاً لنا باقتحام العقبة، صافحوا أخاكم المنادي. توفي سابع عشر صفر سنة ثمان وستين وستمائة. اه.

قلت: القول بالحلول، قال الشيخ زروق: رمى جماعة بالقول بالحلول والظهور، مع أنه كفر كالحلاج والشردي وابن أحلي وابن قسي وابن ذو سكين والعفيف التلمساني والعجمي الأيك والأقطع والششتري وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين وآخرين، ذكرهم بذلك أبو حيان. والظن بهم البراءة مما رموا به، ولكن ضاقت عليهم العبارة عن حقائق تصريح العلم، فأدت بظاهر ما يتوهم أنهم برآء منه. هذا معتقدنا فيهم، وعند الله تعالى الموعد. اه.

وممن بالغ في الحط عليهم وكفرهم الشيخ برهان الدين اليقاعي في تأليف له في ابن القارض. وعند الله يجتمع الخصوم.

علي بن عبد الله المتيوي، الفقيه الحافظ المدرس الصالح الورع أبو الحسن. كان من حوز سبتة ونزل بها ودرس بها. كان من حفاظ فروق المذهب، يحكى عنه أنه عرض المدونة يوماً واحداً عن ظهر قلب، ثم صار بعد يجعل الكتاب تحت ركبتيه، ويلقي من حفظه شرح الرسالة شرحاً نقل فيه أقوال الأئمة الذين تدور عليهم الفتوى في المذهب، ولم يتعرض لألفاظها، انتهى فيه لأحكام الدماء. فمات ومن ورعه أنه أعاد الصلاة ثلاثين سنة من عمره .قال شغلنا إذ ذاك بالمسائل وعمارة الفكر بها في الصلاة وقت الشباب. توفي في ذي الحجة عام تسع وستين وستمائة، ذكره ابن خمسين في الأعلام. صح من الكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد.

علي ابن وهب بن دقيق العيد، العلامة مجد الدين والد تقي الدين، نزيل قوص. كان جامعاً لفنون العلم موصوفاً بالصلاح والتأله معظماً في النفوس. روى عن علي بن الفضل وغيره. مات في المحرم سنة سبع وستين وستمائة عام ستة وثمانين. صح من تأريخ مصر.

علي بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن المختار بن أبي بكر بن علي الجذامي الاسكندري أبو الحسن الشيخ زين الدين بن المنور شارح البخاري أخو ناصر الدين. ذكره في الأصل وقصر فيه جداً. وقال العبدري في رحلته: شيخنا الفاضل الفقيه العامل الكامل الرئيس الأوحد القاضي الجليل العدل شرف الفقهاء والمفتيين واسطة قلادة المدرسين صدر البلغاء ورأس الكتاب والناظمين وحيد العلماء وفخر المصنفين ذو المآثر السنية والمفاخر، زين الدين بن المنير بحر علم تفيض أمواجه وغيث سماح لا يغيض لجاجه متصرف في العلم وفنونه ومتحقق بتمييز إبكاره وعوانه متسلط بثاقب ذهنه على استنباط عيونه، وما رأيت من اجتمع له من حسن الحفظ وجودة اللفظ وذكاء الفهم ما اجتمع له، ولا رئيساً يجعل العلم قيد همته كما جعله استظهر في صغره دواوين العلم، ولم يتغير حفظه لها في كبره مع ما منح من حسن الخلق وجميل العشرة وكمال الإنصاف إلى طلاقة الوجه واليد واللسان. وله اقتدار حسن على التأليف ومكنة في إجادته. شرح البخاري شرحاً مؤسس المباني محقق المعاني حسن العبارة، إن تم كان مفتاحاً يعول عليه في حل المشكلات، ومصباحاً في إزاحة ظلام الشكوك. ولما وقف الشيخ الصالح رئيس العلم بمكة المحب الطبري عليه استحسنه وقرظه، وكذا العلم العراقي. وكان أخوه ناصر الدين تكلم على أربعمائة ترجمة مشكلة، فحل إشكالها في تأليف. وسمعت شيخنا هذا يذكر تأليف أخيه، ثم قال لا يعدم فيما تخلص من تأليفنا هذا أربعة آلاف ترجمة كلها مشكل. اه

وهو ممن يسر بمعرفته ويطنب في صفته على أنه قد ترجم على كماله عدم إضرابه في القطر وإشكاله. اه ملخصاً.

قال في الديباج: لم أقف على وفاته.اه.

قلت: وقد ذكرها أبو القاسم التجيبي في رحلته فقال: صلينا بالاسكندرية بعد صلاة الجمعة ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وستمائة على جماعة منهم الشيخ الفقيه الفاضل زين الدين ابن الإمام الفاضل وجيه الدين أبي المعالي محمد بن منصور بن المنير الاسكندري أخو ناصر الدين، كان أحد الفضلاء المدرسين بهذا الثغر الموصوفين بالحفظ والاتقان، ألف وصنف وأفاد. اه.

علي بن مخلوف بن ناهض النويري. ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة، واتصل بالملك المنصور قلادون، فصيره وصيا على ولده محمد، وعرض عليه الوزارة، فامتنع وولي القضاء سنة خمس وثمانين، ثم ولي نظر الخزانة. واستقر بعد موت تقي الدين بن شاس فباشر نحواً من ثلاثين سنة، لكنه عزل، وفي طول هذه المدة كان يقول للناصر أنا وصي عليك. فيقول بل علي إخوتي. فيقول بل وعليك، فيغضب ويعزله ويسرع بإعادته، ولا يرجع عن دعواه. وأقام في قضية فتح الدين بن التقي حتى أثبت زندقته فضرب عنقه وهو يصيح أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. اه من الدرر الكامنة.

قال السيوطي: قاضي القضاة زين الدين ولي قضاء الديار المصرية ثلاثاً وثلاثين سنة وكان مشور السير. مات سنة ثمان عشر وسبعمائة.

علي بن عبد الرحمن بن تميم اليفرني شهر بالطنجي، الفقيه الحافظ الفرضي الحسابي. له تقييد على المدونة. أخذ عن أبي الحسن الزرويلي، وأخذ عنه الحافظ السطي. وتوفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.

علي بن يونس بن عبد الله الهواري التونسي نور العين أبو الحسن. قال خالد البلوي في رحلته: من العلماء المتبحرين شيخاً عالماً مصنفاً حل كنف العلم والعلا وحل قدره في الجلة الفضلاء، قطع الليالي ساهراً فارتوى من المعارف فأثمر وأورق وغرب وشرق وجمع وفرق، وفي فنون العلم استغرق فأدرك غاية المجد وجمع أشتات الفضائل ورفع ألوية الفواضل، فلا نرى أزين من لقائه ولا أحسن من إلقائه ولا أحلى من محادثته ولا أجلى من منافثته. لقي أكابر الشيوخ، لقيته بالاسكندرية فسمعت منه جملة من تخميس ابن مهيب لعشر ينيات الفازازي وحدثني بها سماعاً عن أبي العباس الأبلي عن ناظمه ابن مهيب. شرح ابن الحاجب الأصلي وتنقيح القرافي. ولد في ذي الحجة عام ثمانية وستين وستمائة. اه ملخصاً.

علي بن محمد بن أبي القاسم جنة الله الأنصاره الخزرجي أبو الحسن نجم الدين بن زين الدين أبي عبد الله بن جمال الدين أبي القاسم الاسكندري. قال خالد البلوي: الشيخ العلامة كان عالماً بالأحكام والشروع مفتي الأمة في الخطب المروع إماماً في الحديث والنحو والفروع، فهو النجم في أوجه والبحر متدفقاً لموجه، له عقل راجح وعلم واضح ونور لائح، صالح للخيرات إبضاعه وخبه بالصالحات غرامه وحبه. ولي قضاء بلده وحسن سيرته وامضائه في حالتي سطوته وإغضائه. ثم تركه متطبعاً وطبعاً واشتغل بربه قلباً وذهناً وبصراً وسمعاً، وأقبل على العبادة والإفادة بإخلاص يقين. رحل وحج عدة مرار لا ينفك عنه يومه إلا وهو ذاكر ولا ليلة إلا وهو راكع. ورزق أولاداً حملة علم وفضل وحلم، بلغوا من بره فوق مراده وعكفوا على تقبيل رجله فضلاً عن يده. وعلامة الصالح نجابة ولده. وعمرت بفوائده المدارس فعظم الانتفاع بها في المجالس. أخذ عن قاضي القضاة الزين أبي القاسم بن الحسن بن رشيق والتاج العراقي الشريف وغيره. مولده في جمادي الأولى سنة سبع وسبعين وستمائة. اه ملخصاً.

علي المنتصر أبو الحسن التونسي صالحها. قال خالد البلوي: كان من الأولياء والأفراد والعلماء الزهاد، الشيخ العالم الولي. اه.

وقال غيره: كان صالحاً زاهداً صوفياً مبرزاً. له كرامات. توفي ليلة الخميس خامس جمادي الأولى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهو أحد الرجلين اللذين قال ابن عرفة لم أدرك في زماني مبرزاً إلا هما، والآخر أحمد بن عاشر. نفعنا الله بهم.

علي بن محمد بن سليمان بن حسن بن الجياب الأنصاري الغرناطي. ذكره في الأصل وقال: أبو عبد الله الحضرمي في فهرسته شيخنا الشيخ الفقيه الجليل شيخ الكتبة ورئيسها وكبير الطبقة وعالمها العالم المتفنن الأوحد الفاضل الأديب البليغ الشهير الصالح الخاشع النبيه المبارك. أخذت عنه جمالة من تأليفه وسمعت عليه كثراً في فنون. وأنشدني لنفسه:

أرى الدهر في ألوانه متقلبا * فاياك لا تأمنه يوما فتخدعا
فما هو إلا مثل ما قال قائل * مكر مفر مقبل مدبر معا.

توفي قدس الله روحه ثالث عشر شوال سنة تسع وأربعين، وحضر جنازته السلطان فمن بعده. وولد يوم السبت ثالث جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وستمائة. اه.

علي بن عبد الحميد السخاوي. كان فقيهاً عارفاً بمذهبه اعترف به أهل عصره بالتقدم في ذلك وصفوه بأنه أحفظ أهل زمانه لمذهب مالك مع الدين المتين والإمانة والصيانة. حج مرات وقدم إلى دمشق ثم إلى مصر، فتولى القضاء عوضاً عن التاج الأخنائي فباشر مباشرة حسنة نيفاً وسبعين يوماً مع ضعفه في أكثرها. ثم مات في جمادي الأولى سنة ست وخمسين وسبعمائة. فلما مات أعيد تاج الدين. قال ابن حبيب: كان رأساً في مذهب مالك. وقال العراقي: كان شيخ المالكية وفقيههم بديار مصر والشام.

علي بن عبد الصمد الجلاوي أبو الحسن. قال الشهاب ابن الهائم الفرضي في شرح ألفيته في الفرائض: شيخنا الإمام أبو الحسن الجلاوي —بكسر الجيم— نسبة لجلاوة قبيلة، كان إماماً للعلوم جامعاً وفي فنونها بارعاً مقدماً فيها على أقرانه منفرداً بالفرائض في زمانه، لا يشق له غبار في صناعة الغبار، ولا يجري معه غيره في مضمار، وكأنه الإمام في علم الكلام. كان شيخاً مباركاً ولطريق السلف سالكاً ولأرباب الدنيا تاركاً وللفقراء في خشن العيش مشاركاً، يرغب في الخمول ولا يحب الفضول، لا يكاد يعرفه من لا يسائله ولا يعلم رتبته من لا يبادله. بلغ في السخاء وحسن الخلق رتبة معروفة، وأوقاته كلها في الخير مصروفة إما في نظر وفكر وإما في تلاوة. وذكروا ما في استفادة أو إفادة أو في طاعة، وعبادة طباعه على الخير مجبولة وفكرته بالعلوم مشغلولة، درباً في التعليم والتحصيل متمكناً من التصوير والتمثيل، حريصً على التقبيب والتسهيل مجتهداً في تقرئة الطالب والتكميل، شديد العناية بكتب المتقدمين يرغب فيها الطلبة والمشتغلين، ويرى أن تعليم الطلبة أهم من التصنيف. وكان ينهي الطالب عن الاعتناء بالمناقشة في الحدود والتزييف، ومناقبة كثيرة لا تحصى ولا تكاد تستقصى. توفي يوم الأربعاء ثالث وعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وثمانين وسبعمائة بمنزله بمصر بقرب جامع عمرو بن العاص، ودفن بالقرافة. اه.

ثم قال ابن الهائم: وفرائض الحوفي الكبرى كتاب نفيس ليس للمالكية في الفن أنفس منه فيما أعلم. قرأته أجمع على أستاذي أبي الحسن الجلاوي المالكي. اه.

علي بن محمد بن منصور العماري أبو الحسن عرف بالأشعب. قال تلميذه الإمام ابن مرزوق الحفيد في حقه: شيخنا العلامة توفي بفاس، وقد أرسل إليها من تلمسان عام أحد وتسعين وسبعمائة. اه.

وقال المنتوري في فهرسته: شيخنا الأستاذ الحج الراوية نور الدين أبو الحسن توفي بفاس يوم الجمعة خامس رمضان عام أحد وتسعين. اه.

وممن أخذ عنه بالأندلس القاضي أبو بكر بن عاصم والشيخ أبو جعفر البقني الجد شارح البردة وغيره.

علي بن عبد الله بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي المالقي النباهي الشهير بابن الحسن، قاضي الجماعة بغرناطة الفقيه العالم العلامة من أكابر المشهورين بها ذوي الفصاحة والبلاغة والجلالة والإنصاف بالعلم والتفنن في العلوم منقولها ومعقولها. ذكره ابن الخطيب في الإحاطة وذكر ولادته عام ثلاثة عشر وسبعمائة. هكذا في حفظي عنه. وقال ابن الخطيب في ترجمتة السلطان محمد بن الأحمر: وقدم للقضاء الفقيه الحسيب أبا الحسن بن الحسن وهو عين الأعيان بمالقة مخصوص برسم التجلة والقيام بالعقد والحل يسدد ويقارب وحمل الكل وأحسن فصاحة الخطبة والخطة خع نزاهة ولم يقف في حسن التأني على غاية وبرز تسمياً وحفظاً فاتفق على رجاحته. اه.

وقال أبو زكرياء السراج في فهرسته: الشيخ الفقيه الراوية قاضي الجماعة بالأندلس وخطيبها أبو الحسن أخذ عن أبي محمد عبد الله بن أحمد التجيبي الموطأ والشفاء وأكثر الصحيحين، وعن الخطيب الطنجالي والقاضي العارف أبي القاسم بن سعيد الحميري والوزير أبي بكر بن الحكيم والقاضي أبي جعفر بن عبد الحق وأبي القاسم الهنا، وقرأ على الفقيه الحاج أبي القاسم بن أحمد بن عمران الحضرمي بعض مختصر ابن الحاجب ومختصر الجلاب والحاج أبي عبد الله محمد أبي عبد الله محمد بن علي الكوني الخطيب الساحلي وأبي الحجاج المتشافري. قدم رسولاً بفاس عام سبعة وستين، ثم عام ثمانية وثمانين. اه ملخصاً.

وله المرقاة العليا في مسائل القضاء والفتيا في جزأين، وبحث في مسألة الدعاء بعد الصلاة رام فيه الرد على الإمام أبي إسحق الشاطبي. كان حياً عام اثنين وتسعين، ولم أقف على وفاته. ولابن الخطيب فيه هجو في كتاب إعلام الأعلام بمن بويع من ملوك الإسلام قبل الاحتلام.

علي بن محمد بن محمد بن وفا القرشي أبا الأنصاري أما الشاذلي، العارف الكبير أبو الحسن القطب ابن العارف الكبير ابن العارف الكبير. قال السيوطي: ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة. وكان يقظاً حاد الذهن مالكي المذهب. له نظم كثير، وكان أبوه معجباً به وأذن له في الكلام على الناس وهو دون العشرين. مات سنة سبع وثمانمائة. اه.

قال أبو الطيب بن علوان: هو سيدنا وجه الطبقة ونقطة الدائرة على الإطلاق لجميع الأنام قطب الوجود ونقطة أهل الشهود أبو الحسن ابن سيدنا الإمام القطب أبي عبد الله ابن قطب زمانه، وأستاذ عصره وأقرانه أبي القاسم محمد الأنصاري، أمهات القرشي آباء حضرت مشاهده كثيراً. وسمعت منه كثيراً وحكمه أكثر من أن نأتي عليها. وسمعت من حكمه قوله: العادة ما فيه حظ للنفوس، والعبادة ما كان محضاً للملك القدوس، قرب [=فرب] قيام وصيام عادة، ورب طعام ومنام عبادة، كونوا أرباب العبادات ولا تكونوا عبيد العادات، فمن ملكته عاداته فسدت عليه عباداته. وقال: الإنكار مانع كنز الأنوار. وقال: من شهد نور الحق ولم يخدمه استخدمته نفسه لمن لم يرحمه. ومن دعائه: رب إني مغلوب فانتصر واجبر قلبي المنكسر واجمع شملي المنتشر، إنك أنت الرحمن لنقتدر، أكفني يا كافي فأنا العبد المفتقر. وأما نظمه ونظم والده البديع فكثير، ربما جمعت منه مجلداً على حروف أبجد من سائر ضروب الشعر. فمن نظمه سنة ثمانمائة بدع ذكره حكاية تلخيصها برؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين في المكتب، فأقرأه سورة "والضحى" حتى حفظها من فيه صلى الله عليه وسلم. قال وعليه قميص قطن يبلغ كمه رسغة. قال فلما كمل سني خمسة وعشرين صليت يوماً الصبح فرأيته صلوات الله عليه ولست إذ ذاك بنائم وعليه ذلك القميص فنزعه وألبسنيه، ثم ضمني لصدره الشريف قائلاً "وأما بنعمة ربك فحدث". فقال ارتجالاً

دع الحساد هلكي في المحال * فقد وجبت لك الرتب العوالي
تنعم أنت في دعة وكشف * وذرهم في التحالف والجدال
إذا أسبحت للرحمن فآمن * بعون الله من خوف الزوال
فمثلك لا يخف لمستفز * ولو نالت هواه الجوالي
وعرش الحي لا يهتز إلا * لمن مقداره في الحب عال
توجه للحبيب بلا التفات * وخل الغير في شغل الخيال

في قصيدة تنيف عن أربعين بيتاً. ولد لثيلة الأحد حادي وعشرين من المحرم عام أحد وستين. توفي ليلة الخميس عشرين من ذي الحجة عام سبعة وثمانمائة. وكان أخوه أحمد عظيم الشأن نقطة دائرة العرفان، ولد عام سنة وخمسين وسبعمائة، وتوفي العشرين من شوال عام اثني عشر وثمانمائة. اه كلام أبي الطيب ملخصاً

قلت: وبينهم بمصر على ما قيل بيت كبير ظهر فيه جماعة من الأولياء والصالحين بعد هذين الإخوين، وآخرهم سيدي إبراهيم، وفيهم إلى الآن بقية بمصر.

علي بن يوسف القاضي نور الدين البيدي المصري. قال السخاوي: اشتغل بالفقه وبرع في زمانه وصار يتعاطي غرائب المنقولات، واشتدت مع ذلك مخالفته لأهل مذهبه مع المعرفة بالأحكام, وناب في القضاء مدة. ثم استقل به في المحرم سنة ثلاث وثمانمائة بعد صرف ابن خلدون مع قصر مدته دون ستة أشهر، عارض الصدر المناوي في واقعة فغضب منه وأفحش في خطابه فتأثر ولم يستطع أن يجيبه، فحصل له انكسار ومن سافر مع العسكر إلى قتال اللفك، فمات قبل أن يصل. اه.

علي بن عثمان المنجلاتي الزواوي البجائي، من علمائها وفقهائها الجلة. أخذ عن الشيخ عبد الرحمن الوغليسي وغيره وهو والد العلامة أبي منصور مفتي بجاية الآتي في حرف الميم. قال الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في حقه: شيخنا أبو الحسن الإمام الحافظ وعليه كانت عمدة قراءتي ببجاية. اه.

وله فتاوي نقل معضها في المازونية والمعيار.

علي بن مكي من فقهاء مليانة. أخذ عن الإمام عبد الرحمن الوغليسي. له ذكر في نوازل المازوني. لم أقف على ترجمته.

علي بن محمد بن سمعة الأندلسي الغرناطي أبي يحيى بن أبي بكر بن عاصم، ونقل عنه في مواضع من شرحه لمنظمة والده في الأحكام والشيخ أبي عبد الله الداعي. وذكر عنه أنه كان يقول شيآن لا يصحان: توبة الزمخشري من الاعتزال ولإسلام إبراهيم بن سهل الإسرائيلي. وذكر عنه أيضاً أنه كان لا ينطق بكلام فيه فحش، وأنه متى وجده في شعر بدله، وكان يقرأ قول ابن مالك أو مفهم ذات حرذات، كذا قال ابن عاصم. وله مسائل وإشكالات شتى وجهها لإفريقية، فأجابه عنها الأمير أبو عبد الله محمد الحسن الحفصي. اه.

ولم أقف على زيادة على هذا.

علي بن موسى البجائي أحد شيوخ عبد الرحمن الثعالبي ابن عبد الله بن محمد بن هيدور التادلي. كان إماماً في القرائض والحساب حسن الخط كثير التقييد. له مسائل في فنون شرح تلخيص ابن البناء وقيد على رفع الحجاب له. توفي عام ستة عشر وثمانمائة.

علي بن موسى بن عبد الله اللخمي البسطي عرف بالقراباقي، الفقيه المؤقت. قال تلميذه القصادي في رحلته: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام الصدر العلم الخطيب الخطير الكبير الشهير أحد الزمان وفريد البيان العديم الأقران المفتي المؤلف المدرس المصنف الذاكر لأحوال العرب وأنسابها حافظاً للغاتها وآدابها. له في العربية أوفر نصيب وفي التفسير والحديث والأصول والطب سهم مصيب، حتى ارتقى لدرجة عالية ورتبة سامية. فشهد له بالفضل في الغيبة والعيان. وأقر له صديقه وحاسده للدليل والبرهان. قرأت عليه التلقين والإيضاح للفاسي وأبعاضاً من الجلاب وابن الحجاب الفرعي وتنقيح القرافي وفصيح ثعلب وألفية ابن مالك وأدب الكاتب لابن قتيبة وتأليفه المسمى بالتبصرة الكافية في علمي العروض والقافية على الخزرجية. وحضرت عليه كثيراً من التفسير. وكتب متعددة في علوم شتى. وكان كثيراً ما يتمثل بقول الشاعر:

وزهدني في الناس معرفتي بهم * وطول اختباري صاحبا بعد صاحب
فلم ترن الأيام خلا تسرني * مبادية إلا ساءني في العواقب
ولا قلت أرجوه لدفع ملمة * من الدهر إلا كان إحدى المصائب

ولذا كان لا يخالط الناس مع نزاهة نفس وارتفاع همة كثير الصمت فصيح اللسان، لم أسمع مثل خطبه ووعظه فيما رأيت من البلدان. وغضب عليه بعض الجبابرة فأخرجه من بسطة البرشانة، فأقام بها عشرة أشهر. ثم عاد لبسطه إلى أن توفي بها في الوباء عاشر صفر عام أربعة وأربعين وثمانمائة. وصلى عليه خارج المدينة لكثرة الناس في جنازته. اه ملخصاً.

قلت: ووقع بينه وبين الإمام أبي القاسم بن سراج مفتي غرناطة نزاع في مسائل، منها مسألة قبلة جوامع الأندلس المستقبلة لجهة الجنوب وغيرها، نقل بعضها في المعيار.

علي بن عصفور أبوا الحسن أحد أصحاب الإمام أبي مهدي عيسى الغبريني. نقل عنه صاحبه أبو القاسم بن ناجي في شرح المدونة.

علي بن ثابت بن سعيد بن علي بن محمد بن علي بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن يحلف بن عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن يس بن عبد الملك بن محمد ابن قيس بن أحمد بن محمد بن أبان بن عثمان بن عفان القرشن الأوي. هكذا نسبه شيخه الإمام ابن مرزوق الحفيد في أجازته له. كان مقطوع النظير في الورع والاجتهاد والدين قائم الليل صائم النهار. له من التآليف نحو ثمانية وعشرين تأليفاً أكثرها في أصول الدين والحديث والتأريخ والطب، منها ثلاثة شروح على البردة الكبير والوسط والصغير، وشرح لتنقيح القرافي، وشرح عقيدة الضرير. أخذ عن الإمام ابن مرزوق. وتوفي في ذي الحجة متم عام تسعة وعشرين وثمانمائة، وسنة سبع وخمسون سنة. هكذا أصبته.

علي الزروالي أبوا الحسن، الشيخ الصالح المشهور. توفي بفاس سنة ثمان وستين وثمانمائة. صح من خط بعض أصحابنا.

علي بن محمد الحلبي الجزائري، فقيهما وعلامتها ومفتيها من معاصري الإمام محمد بن العباس التلمساني. له فتاوي نقل كثيراً مها في المازونية والمعيار.

علي بن عبد الرحمن الأنفاسي. قال الشيخ أحمد زروق في فهرسته: الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن خطيب جامع الأندلس وإمامها، انتفع به جماعة كثيرة في قراءة المدونة. قال: كان يقرؤها بابن يونس، والغالب عليه المسكنة والديانة. طلب الناس منه أن يستسقي لهم، فوعدهم ثالث يوم في الغد. أخرج ما عنده من الزرع فتصدق به. وكان كثيراً رأيته بعيني صبرة في صحن المسجد، وقال الآن أبكي مع المسلمين. ثم استسقى لهم فما رجع إلا بالمطر. توفي سنة ستين وثمانمائة وقد طعن في السن. صليت خلفه كثيراً وكان على جانب عظيم من الصلاح.

علي بن منون أبو الحسن الشريف الحسني المكناسي. قال ابن غازي في فهرسته: الشيخ الأستاذ النبيل الذكي الشريف. ختمت عليه القرآن مراراً، وتمرنت عليه في الفرائض والوثائق وإعراب القرآن، واستفدت منه كثيراً. أدرك الفقيه المفتي أبا الحسن علي بن عمر وأبا حفص الرجراجي وأبا مهدي بن علال وأبا يعقوب يوسف بن منحوت وأبا زيد الجادري وأبا وكيل ميمون وأبا عبد الله النجار. وكانت فيه دعابة أنشدني لبعضهم:

يا معشر الإخوان أوصيكم * وصية الوالد والوالدة
لا تعلموا الأقدام إلا لمن * كانت لكم في وصله فائدة
إما لعلم تستفيدونه * أو لكريم عنده مائدة

وله سنة تسعين وسبعمائة ومات بعد السبعين وثمانمائة بمكناسة. اه.

علي بن يوسف أبو الحسن، الشيخ المتفنن. هكذا وقع فيفهرست ابن غازي.

علي بن قاسم الشهير بالحداد. قال القلصادي في فهرسته: هو الشيخ الفقيه الصدر اجتمعت به بوهران. اه.

عبي بن محمد بن أحمد بن محمد التنسي ابن أخي البدر محمد بن أحمد الآتي شقيق الشهاب أحمد الماضي. أخذ عن أبي القاسم النويري والآمدي وأبي الفضل المشذالي المغربي، وأخذ عن الأخيرين الأصول، والعضد عن الثاني، وعن الشمني والكافيجي المعاني، والبيان وعلوم الحديث عن الشمني. ودرس الفقه بالجمالية بعد منازعة القرافي وبجامع طولون بعد الحسام بن حريز. ثم ترفع عن تعاطيه وتصدي للإقراء تخرج به جماعة، وربما كتب على الفتوى. ثم استقر في قضاء الشام بعد أن تعب فيه ناظر الخاص وتألم أكثير الناس لفقده من الديار المصرية. ولد عام أحمد وثلاثين وثمانمائة، وتوفي في سابع شوال سنة خمس وسبعين وثمانمائة. صح من السخاوي.

علي بن عبد الله الشيخ نور الدين ئهر بالسنهوري، نسبة لقرية من قرى مصر. حفظ القرآن ثم تحول للقاهرة فقطن الجامع الأزهر وحفظ الشاطبيتين وألفية ابن مالك وأصلي ابن الحاجب وشرح العضد والرسالة وابن الحاجب إلا كراساً من آخره. وأخذ عن الزين طاهر الفقه المختصر وثلثي ابن الحاجب وقطعة من المدونة، وأخذ الفقه أيضاً عن الزين عبادة سمع منه ابن الحاجب والرسالة والمختصر وعن أبي القاسم النويري وأحمد البجائي والبساطي وإبراهيم الزواوي ويحيى العلمي وأبي عبد الله الراعي والبدر التنسي والولي السنباطي، وعن أبي الجود الفرائض، والحساب عن ابن المجد، والعربية عن ابن الهمام والشمني وطاهر، وغير هذه العلوم عن القاياتي والشمني والأقصوائي. وحج وجاور وأقرأ هناك في العضد وغيره، ودرس للمالكية بالبرقوقية والأشرفية نيابة. وصار بآخره شيخ المالكية، وازدحم عليه الفضلاء حتى صار حلقته بعيد النمانين من أجل حلق دروس العلم. وشرح المختصر والجرومية بشرحين. ولد سنة أربعة عشر وثمانمائة، وتوفي تاسع عشر رجب سنة تسع وثمانين وثمانمائة. اه من الضوء اللامع.

قلت: وشرحه على المختصر وصل فيه من أوله إلى الاعتكاف ومن البيوع إلى الحجر وهو حسن جيد العبارة، اعتنى بالأجوبة عن اعتراضات البساطي. وذكر تلميده أبو الحسن المنوفي أنه لو تم لم يكن له نظير. اه.

وله تعليق على التلقين. على ما قيل أخذ عنه الإمام زروق. ونقل عنه أنه رآه إذا توضأ يغسل تحل حلقه. قال زروق: ولا أدري يفعله لورع أم غيره إلا أنه من العلماء العاملين. اه.

وقال في أول شرح الإرشاد: كان شيخنا فقيهاً صالحاً قدوة محققاً ناصحاً. قرأت عليه الإرشاد بالقاهر سنة ست وثمانين وثمانمائة. وسمعته يقول إنه جامع لما في الجلاب والرسالة والتلقين بزيادات مع أن كلاً منهما أكبر منه جرماً. وتأملته أنا فوجدته قد انتقى أمهات مسائل ابن الحاجب وجواهر درره وتفصيل مسائله غالباً في الجواهر. اه.

وقال في فهرسته: كان شيخنا السنهوري حافظاً للفقه عارفاً بالنحو والأصول. له شرح الجرومية وشرح المختصر وهو الآن يصنف فيه. قرأت عليه أوائل المختصر. اه.

وقال أبو الحسن المنوفي في حقه أنه رأس محققي زمانه. وأخذ عنه أيضاً الحطاب الكبير والد شارح خليل والشمس التتائي وغيرهم.

علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي البسطي، نزيل غرناطة الشهير بالقلصادي، الشيخ الفقيه العالم الصالح المؤلف الفرضي الرحلة آخر من له التآليف الكثيرة من أئمة الأندلس. قال القاضي بن الأزرق: هو الشيخ الفقيه الأستاذ العالم المتفنن المصنف الرواية الرحال الحاج الصالح. اه.

قال تلميذه أبو عبد الله الملالي: كان عالماً فاضلاً صالحاً شريف الأخلاق سالم الصدر. له تآليف أكثرها في الحساب والفرائض كشرحه العجيب على تلخيص ابن البنا وشرحه العجيب على الحوفي. انتفق عليه خلق كثير. وأخذ عنه شيخنا أبو عبد الله السنوسي جملة من الفرائض والحساب وأجازه جميع ما يرويه. ثم لما قدم من الأندلس استقر عند سيدي محمد بن مرزوق يعني الكفيف ولد الإمام الحفيد ابن مرزوق ففقرأ عليه جم غفير من الناس. وأخذت عنه أنا تأليفه في العربية. انتهى.

وقال تلميذه الشيخ أحمد بن علي بن داود البلوي: شيخنا الإمام العالم الصالح خاتمة الحساب والفرضيين أبو الحسن. أصله من بسطة وبها نفقه على شيخ طبقتها وبقية شيوخها أبي الحسن علي القرباقي. ثم انتقل لغرناطة فاستوطنها لأخذ العلم، وأخذ بها عن جملة شيوخها كالأستاذ أبي إسحق بن فتوح والإمام المشاور أبي عبد الله السرقسطي وغيرهما. رحل للشرق فلقي كثيراً وانتفع به. ومن شيوخه بتلمسان الأئمة أبو الفضل قاسم العقباني وابن مرزوق الصوفي وأبو العباس أحمد بن زاغو وغيرهم ولقي بتونس الإمام أبا عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن عقاب الجذامي تلميذ ابن عرفة والإمام أبا العباس القلشاني والشيخ أبا العباس أحمد بن عبد الرحمن الشهير بحلولو وغيرهم. ثم حج ولقي أعلاماً، وعاد إلى غرناطة فوطنها حتى حل بوطنه ما حل، فتحيل في تخليصه من المشرك. فأدركته المنية بباجة من إفريقية منتصف ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وثمانمائة. وكان على قدم في الاجتهاد ومواظبة الإقراء والتدريس. ومن تآليفه:

اه كلام ابن داود ملخصاً.

وقال الحافظ السخاوي: درس على ابن مرزوق التفسير والحديث والفقه والفرائض والنحو والمعاني والبيان والهندسة وبتونس على ابن عقاب التفسير والحديث والفقه وروى عنه كتب شيخه ابن عرفة والقلصادي، بالقاف والصاد واللام المفتوحة. اه.

قلت: ومن شيوخه بتلمسان يوسف بن سليمان والعلامة محمد بن النجار والشريف محمد المعروف محمو وبالشرق الحافظ بن حجر والزين طاهر النويري وأبو القاسم النويري وأبو الفتح المراعي والجلال المحلي والشمني وغيرهم ممن ذكرهم في رحلته.

علي بن أحمد بن داود البلوي الأندلسي الغرناطي، والد أحمد ابن علي المتقدم. قال ابن غازي في فهرسته: العالم العلامة الأكمل الثقة. وقال السخاوي: أخذ عن إبراهيم بن فتوح الغرناطي العقليات ونحوها وعن محمد السرقسطي الفقه، وتميز في الثقة والعربي وتصدر للإقراء والإمامة والخطابة والتدريس وغيرها. ثم تورع عن القضاء نحو شهر، وهو الآن في سنة ست وستين وثمانمائة لم يكمل الستين خيراً متواضعاً. اه.

قلت: وكان حياً سنة ست وتسعين. انتقل مع أولاده من الأندلس لتلمسان بعد تسعين.

علي بن محمد التالوتي الأنصاري أخو الإمام محمد بن يوسف السنوسي لأمه. قال تلميذه الملالي: شيخنا الفقيه الحافظ المختقن العالم المتفنن الصالح أبو الحسن كان محققاً متقناً حافظاً يحفظ كتاب ابن الحاجب ويتحضره بين عينيه، قل أن ترى مثله حافظاً. قرأ عليه أخوه محمد السنوسن الرسالة في صغره، وكان من أكابر أصحاب الحسن أبركان. ما رأيته قط مشتغلاً بما لا يعنيه بل إما ذاكراً أو قارئاً للقرآن أو مشتغلاً بمطالعة أو نحوه، يحفظ الرسالة وابن الحاجب والتسهيل لابن مالك وغيرها، جعل له ورداً كل يوم. قرأت عليه ابن الحاجب قراءة بحث وإفادة. وسألته عن وضع الكتاب في الأرض، فقال حكى شيخنا الحسن أبركان فيه قولين لمتأخري أهل تونس وبجاية جوازاً ومنعاً. وسألته عن مستند الناس في عادتهم من عدم أخذ الرجل المقصّ من صاحبه بل يضعه على الأرض فيأخذه حينئذ، فقال سألت عنه شيخنا الحسن أبركان، فقال هكذا رأينا شيوخنا يفعلون. ثم قال سيدي علي ولعله علم نسبي. اه.

قلت: وقد ذكر السيد الشريف السمهودي الشافعي في كتابه جواهر العقدين حكمة منعه عن بعض شيوخه، فانظره فيه. قال الملالي وسألته على الدابة. اه.

قل وهذا الأخذ نقله ابن ناجي عن بعض الشيوخ. قال الملالي رأيت بخطه عن بعض الصالحين أن من نزل منزلاً وجمع أثقاله وخط على حواليه خطاً وهو في داخل الخط ويقول في داخله ثلاثاً "الله الله ربي لا شريك له" لم يضره لص ولا عدو ولا غيره ويكون مع ثقله في حرز الله وهو مجرب. اه.

وتوفي في صفر عام خمسة وتسعين وثمانمائة، ورأى أخوه السنوسي قبل موته في المنام داراً عظيمة فيها فرش مرتفع فقيل له هي لأخيك علي يدخل فيها عروساً. اه من الملالي.

علي ابن عياد التستري البكري الفاسي المغربي. أخذ عن أبي بكر البرجي الفقه، وأسئلة كثيرة عن محمد القوري. وسمع الحديث على عبد الرحمن الثعالبي. ومن تآليفه لطائف الإشارات في مراتب الأنبيا في السموات. ولد سنة ثلاثين وثمانمائة. من السخاوي.

قلت: وتأليفه المذكور في كراسة ذكر في آخره أنه فرغ منه في ذي الحجة عام ثمانين وثمانمائة.

علي بن قاسم بن محمد التجيبي، شهر بالزقاق أبو الحسن، من أهل فاس. قال سيدي أحمد المنجور: كان عارفاً بالفقه متقناً لمختصر الشيخ خليل كثير الاعتناء به والتقييد والبحث عن مشكلاته مشاركاً في فنون من النحو والأصول والتفسير والحديث والتصوف خيراً ديناً فاضلاً ذا سمت حسن وهدى مستحسن مقبلاً على ما يعنيه زواراً للصالحين كثير التقييد للعلم. أخذ عن الفقيه الحافظ العلامة أوحد زمانه أبي عبد الله القوري وغيره من الفاسيين. ودخل غرناة وأخذ عن العالم العامل الصوفي المواق وغيره. خطب آخر عمره بجامع الأندلس. وتوفي عن سن عالية سنة ثنتي عشرة وتسعمائة. ووجدت بخطه في شهرته بالزقاق أن سببه أن جده كان ذا مال ولا يعيش له. ذكر فدل على أن يصب زقاً من زيت على ما يولد له من ذكر يسخمه به، ثم يتصدق به. فعاش ذو الرق واشتهر به، فبقي شهرة في ولده. و"تجيب" بضم التاء وفتحه قبيلة من قبائل اليمن. اه.

وتقدم ترجمة ولده أحمد وحفيده.

علي بن موسى بن جلال البحيري، الشيخ نور الدين. ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بالبحيرة ونشأ بها. ثم قدم القاهرة وحفظ بها القرآن والمختصر وألفية ابن مالك والتلخيص وجمع الجوامع، وأخذ الفقه عن البرهان اللقاني والسنهوري، واشترك مع البرد بن المحب والشهاب القيشي والتقسيم على السنهوري، وسمع على الشاوي وحفيد يوسف العجمي، وقرأ على التقي الحصني. وحج في سنة خمسة وتسعين وثمانمائة وجاور. صح من السخاوي.

علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي من أهل سوس. كان عالماً وحوياً شاعراً، أخذ عن إبراهم بن هلال بن غازي، ولقي السنوسي وطلب منه قراءة الحوفي فوجده غير فارغ. درس بسوس وأخذ عنه بها. كان رجلاً صالحاً. دخل مراكش ودرس بها النحو. وحضر قيام الشرفاء بسوس، فهرب من ذلك وطلع الجبل. ومات في الوباء عام ثمانية وعشرين وتسعمائة. هكذا كتبه لي بعض أصحابنا.

علي ابن محمد بن محمد بن محمد ثلاثاُ ابن يخلف بن جبريل المنوفي المصري مولداً الشذلي طريقة وبها عرف الشيخ نور الدين أبو الحسن ابن المرحوم ناصرالدين. قال البدر القرافي: قرأت بخط بعض أصحابنا أنه ولد بالقاهرة بعد العصر ثالث رمضان عام سبعة وخمسين وثمانمائة. وتفقه بالنور السنهوري والشهاب ابن الأفطع والإخوين عبد القادر وعبد الغني بن تقي والسراج عمر النتائي. وأخذ النحو وغيره عن جماعة من العلماء كالنور الفيومي والزين عبد الرحمن الأنفاسي والتقي الحصني والشمس الجودري والكمال ابن أبي شريف والشهاب الصيرفي وخاتمة الحفاظ الجلال السيوطي ولازمه الشريف النور السمهودي والزين عبد القادر بن شعبان الشمس السنباوي والحافظ الديمي ومشايخ الإقراء عبد الغني الهيتمي وعبد الدائم الأزهري والسراج النسائي ووالده شمس الدين. وصنف تصانيف نافعة، ففي الفقه عمدة السالم على مذهب مالك، ومختصرها، وتحفة المصلي، وشرحها، وستة شروح على الرسالة الأول غاية الأماني، والثاني تحقيق المباني، والثالث توضيح الألفاظ والمعاني، والرابع تلخيص التحقيق، والخامس الفيض الرحماني، والسدس كفاية الطالب الربنان، وشرحان على الخطبة والعقيدة، وشرح القرطبية، وشرح مختصر خليل، ومقدمة في العربية، وفي الحديث أربعون حديثاً، وشرح البخاري سماه معونة القارئ، وآخر سماه صيانة القارئ عن الخطأ واللحن في البخاري، وشرح مسلم وشرح ترعيب المنذري والنجاة في الإذكار في عمل الليل والنهار، وفي الأصول حاشية على شرح العقائد للتفتازاني، وشرح عقيدة السنوسي، وفي القرائة الوافي لما في التيسير، والكافي والوقاية في التجويد، والبداية فيه أيضاً، وفي الخط وفي التصوف زاد المسافر، ونجاة المكلفين، وحادي الأرواح، وهداية الكفار، وروضة المتعبدين، وشرح منازل السائرين، وفي اللغة ونحوها شفاء الغليل في شرح لغات خليل، ومختصره، والكواكب المضيئة في شرح الجرومية، والدرر الوضيئة، والجوهرة الضوية، وشرح مرشد الطلاب، وشرح شواهد الجرومية، وشرح المدخل في المعاني والبيان، وعير ذلك. توفي يوم السبت رابع صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. اه.

وأخبرنا بعضهم أن شرحيه على المختصر لم يكملا. اه.

قلت: أشهر شروحه على الرسالة التحقيق ووضع عليه القبول فاعتنى به الناس وانتشر بينهم كثيراً وكان على ما قيل رجلاً صالحاً. اه.

علي بن موسى بن علي بن هرون وبه الشتهر المطغري بالطاء مطغرة تلمسان أبو الحسن. قال المنجور: شيخنا الفقيه الفرضي العددي الأستاذ المؤقت التفنن الخطيب المفتي لازم ابن غاري بعد انتقاله لفاس عام أحد وتسعين، وهو قارئ دروسه في المدونة والموطأ والعمدة والتفسير وخليل والعربية والحساب والفرائض وغيرها، جمع عليه سبعاً وحصل عنه علماً جماً حتي قيل له خزانة علم لكثرة الفنون عنده. أجازه ابن غازي عام ستة وتسعمائة. وختم عشرين ختمة بعد السبع وغيرها والبخاري نحو عشرة ختامات والموطأ بالباجي وغيره قراءة بحث وتحقيق وجامع الأصول لابن الأثير وترغيب المنذري واكتفاء أبي الربيع بقراءة ولد الشيخ أحمد ابن غازي وانتفع عليه في هذه الكتب وفي شروحها وغريبها، وكذا في الأصول كالسلالجية وعقيدة ابن أبي زيد وأصلي ابن الحاجب ومختصر ابن عرفة وقانون ابن العربي وجمع الجوامع وموافقات الشاطبي والتنقيح، وفي الرسالة أربع ختمات والمدونة والمختصر مرتين وابن الحاجب وبعض التوضيح وابن عرفة والألفبية مراراً واللامية والجرومية والمغني والشاطبية الكبرى والتيسير وابن بري ومورد الظمآن والتلخيص مع شرح السعد والبردة بشرح ابن مرزوق مراراً وابن أبي جمرة على البخاري والحكم مع شرحها لابن عباد ومختصر الإحياء للبلالي وجمل الخونجي إلى لوح القضايا وبعض مقدمة ابن الحاجب والحوفي وشرحه عليه والتلمسانية ورجز الونشريسي وشرحها ابن عيسى وتلخيص ابن البنا ومنية الحساب والخزرجية مرتين وذيلها من تآليفه ونظم ابن جماعة للحباك شيخه ونظم شيخه القوري أيضاً ورجز العبدوسي في شهادة السماع ومثلي الطريقة لابن الخطيب وشيئاً من المدارك وابن خلدون ورسالة القشيري وكثيراً من مقتطعاته ومنظوماته في الفقه والأدب وغيرها. وأجازه في الجميع مع جميع ما يجوز له وعنه عام ستة وتسعمائة، ثم لازمه بعد ذلك أربعة عشر عاماً حتى مات. وأخذ أيضاً عن أبي العباس الونشريسي والقاضي المكناسي والأستاذ الموقت أبي العباس الزاجني وأدرك المواسي والطنجي وأقرأ المدونة في حياة ابن غازي. أخذ عنه الواحد الونشريسي واليسيتني والزقاق وغيرهم. وسألت اليسيتني أيهما أفقه هو أو عبد الواحد الونشريسي؟ فقال لي ابن هارون أفقه لأنه لازم ابن غازي تسعة وعشرين عاماً في البحث والتحقيق، وعبد الواحد الونشريسي لم يخدم الفقيه ما يقرب من ذلك، وإن كان دراكاً سالم الذهن بل كان يتأدب مع ابن هارون . توفي في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين، وقد ناق عن ثمانين، وإفادته لا ساحل لها حتى كلأنه لا يتنفس إلا بفائدة. كان غاية في حفظ لا يقف لم يختلف بعده في فنه مثله متواضعاً منصفاً كثير التلاوة وعيادة المرضى وحضور الجنائز، حضر جنازته السلطان فمن دونه. اه ملخصاً.

علي بن أبي بكر بن عثمان المصمودي السكتي قاضي، مراكش، فقيه نوازلي فرضي نحوي. قال المنجور: فصيح بحفظ النقول في درسه من تفسير وفقه ونحو وغيره. دأب على التدريس والمطالعة، لا يمل ذاكراً للنوازل بحاثاً عنها، استنسخ نوازل الونشريسي وهو أول من أخرجها بعد اللتيا والتي شرح مختصر خليل إلى النكاح. كان متواضعاً منصنفاً يطلب العلم أين كان. توفي شهيداً آخر أربع وستين، ولم يكمل ستين. أخذ عنه اليستيني. اه.

زاد بعض أصحابنا وعن أبي مجبر وغيره: رحل وحج ودرس بمركش فقهاً وأصولاً ونحواً وتفسيراً. اه.

علي ابن سليمان نور الدين الديلمي، العلامة المحقق فهامة زمانه. أخذ العلوم على صهره العلامة الناصر اللقاني وغيره. كان آية في فهم كلام العلماء مع سكينة وتؤدة وأمانة وديانة وفقر إلى الغاية. أخبر أنه أصبح يوماً لا يمك شيئاً فتعلق به أولاده جوعاً، فخرج لزيارة ابن القاسم وأشهب بقرب القرافة ودعا الله عندهما، وخرج على بابهما فإذا شخص ملم فارس دفع له ورقة بشرعة، فأخذها ما شدة خوفه منه. قال ففتحت الورقة عند جامع الأزهر فإذا فيها عدة دنانير، فتوسعت بها. فذكرها لصهره اللقاني، فقال ليتك لم تخبر بذلك ليعود عند ضيق الحال. له طرر على نسخته من خليل فيها تقييدات وتحريرات من تقرير صهره المذكور، ومعرفته بالعلوم العقلية أشهر من الفقه، ولم يزل على ملازمة العلم مع زهد وورع وإفادة حتى مات سنة سبع وأربعين وتسعمائة. صح من ذيل القرافي ملخصاً

بقية الأسماء في حرف العين

عاصم بن خلف بن عقاب التجيبي البلنسي أبو محمد. روى عن القاضي أبي الحسين بن واجب، وتفقه بأبي محمد عبد الله بن سعيد الوجدي، وأخذ عن أبي محمد البطليوسي. وكان لسناً فصيحاً جزلاً مهيباً صادعاً بالحق مقلاً صابراً من أهل الرأي درس المدونة دهراً طويلاً لااعتناء له بالحديث. توفي مسجوناً في جمادي الأولى سنة سبع وأربعين وخمسمائة. صح من ابن الأبار.

عليم بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن هانئ العمري من ذرية عمر بن الخطاب أبو محمد شاطبي. قال ابن الأبار: سمع بها ابن أبي عبد الله بن معاوز وتفقه به وبغيره، وسمع بالمرية من أبي القاسم بن ورد بن يسعون، وكان أحد العلماء الزهاد. أقرأ القرآن ودرس الفقه وأسمع الحديث. وكان يبصره مشاركاً في الأدب وعلم الكلام والتفسير وفنون كثيرة، ويجتمع إليه في المدونة وغيرها من كتب الفقه فيستظهرها. وهود أبه في كتب الحديث والسنن سيما الموطأ والصحيحين يلقي الأحاديث من حفظه وينصها كأنه ينظر في كتاب ويأتي فيه بأمر معجز. قال ابن سفيان: قال لنا ما حفظت شيئاً فنسيته، وأكثر ميله للسنن والآثار وعلوم القرآن مع حفظ من علم العبارة وقرض الشعر وزهد وتواضع وورع ورفض الدنيا. قال ابن عباد: كان فقيهاً عالماً حافظاً متفنناً واسع المعرفة حافل الأدب شاعراً غاية في الحفظ والذكاء حسن العشرة مسرعاً لقضاء حوائج الناس سنداً لهم فيها يظل يومه ساعياً في مآربهم مهتماً بأمورهم معظماً عند الخاصة والعامة مع زهده وانقباضه، وتصاونه لين الجانب والتواضع وبذاذة الهيئة من بيت علم وفقه وخير. قال وأحفظ من رأيته أبو محمد الغلني وأبو الوليد بن خيرة القرطبي وأبو الوليد بن الدباغ الرندي وأبو محمد هذا، وأزهد من رأيته أربعة أبو محمد طارق بن يعيش وأبو الحسن ابن هذيل وأبو بكر بن رزق وأبو محمد عليم. ولد بشاطبة في آخر سبع وخمسمائة، وتوفي ببلنسية خامس عشرين من ذي القعدة سنة أربعة وستين وخمسمائة وقيل سنة خمس وستين، وقد قارب الستين.

عتيق بن أسد بن عبد الرحمن الأنصاري أبو بكر. قال ابن الأبار: أخذ القراآت عن أبي الحسين بن البيان وابن فرج المكناسي وأكثر من السماع على الصدفي. ثم مال إلى علم الرأي وحفظ المسائل، ودرس الفقه ولازم أبا محمد بن أبي جعفر وتفقه به وتميز بالشفوف، فكان الفقه أغلب عليه من علم الحديث. ولي قضاء شاطبة وخطابة جامعها ثم الشورى، ودارت الفتيا عليه وعلى أبي محمد عاشر وكان نسيج وحده في الفقه ومعرفة وجوه الفتاوي والبصر بالأحكام والشروط. وله فيها مجموع صغير كبير الفائدة مع مشاركة في الأدب واللغة والنحو وقرض الشعر والإنصاف بالبلاغة والبيان والخطب وحفظ الأخبار. درس الفقه وأسمع الحديث. حدث عنه أبو إسحق بن جماعة في ديوانه، وروى عنه أبو بكر بن مفوز وأبو محمد بن سفيان، وكان جده لأمه. توفي بشاطبة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ليلة الجمعة أواخر جمادي الأخير.

عقيق بن محمد بن عقيق الأنصارث البلنسي، يعرف بابن المؤذن أبو بكر. قال ابن الأبار: سمع من أوى الحسن بن هذيل وابن النعمة وأبي عبد الله بن سعادة. ولي قضاء المرية. كان فقيهاً حافظاً للمسائل مشاركاً في العربية متصفاً بذكاء وفهم. أقرأ في زمن شيخه ابن النعمة، وأنابه القاضي أبو بكر بن أبي جمرة لخطة الشورى. وكان شيخنا ابن نوح يثني عليه ويصف زكاءه وذكاءه وحسن عبارته وبيانه. توفي ببلده سنة أربع وستين وخمسمائة وثكله أبوه. مولده سنة سبع وعشرين وخمسمائة.

عقيق ابن علي بن سعيد العبدري أبو بكر. قال ابن الأبار: أخذ القراآت عن أبوي الحسن بن النعمة وابن هذيل وأبي بكر بن نمارة، وأجازه ابن بشكوال وأبو محمد عليم وعبد الحق الإشبيلي والسلفي. قعد لتعليم القرآن مدة، ثم عقد الشروط. كان من أهل التحقيق والتجويد عالماً بحقيقة الإداء، تحقق الفقه وحفظ المسائل وتبصر الوثائق. ولي قضاء بلنسية وخطب بجامعها وفي أحكامه شدة وفي خلقه حدة. أخذ الناس عنه وسمعوا منه إلى حسن الخط وجودة الضبط. توفي آخر ذي الحجة سنة ستمائة. مولده بطرطوشة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.

عمران ابن موسى المشسذالي البجائي الأصل نزيل تلمسان أبو موسى صهر ناصر الدين المشذالي. كان فقيهاً حافظاً علامة محققاً كبيراً. أخذ عنه العلامة المقري وغيره. قال المقري: رأيته إذا دخل المسجد بعد المغرب قبل الإقامة يثبت قائماً إلى أن تقام الصلاة، وأنا لا أدري ذلك بل يركع الداخل لانتهاء وقت المنع بالغروب، وما وقع في المذهب في ذلك فللمبادرة للصلاة وهو لم يفعل. فإن كان ترك الركوع حسماً للذريعة فلا فرق بين قيامه وجلوسه، ألا ترى أن داخل المسجد إذا تحدث قائماً حتى انصرف أو بدا في المسجد بغير صلاة ولم يجلس ما امتثل الأمر على ما مر. والمراد بحديث لا يجلس داخل المسجد حتى يصلي ركعتين افتتاحه بالصلاة. وذكر الجلوس خرج مخرج الغلب لا مفهوم له، فله صلاة التحية جالساً الجلوس إن لم يتمكن من الصلاة. اه.

قال المقري فر صاحب الترجمة من حصار بجاية إلى الجزائر فبعث إليه فيه صاحب تلمسان، وقربه وأحسن إليه. فدرس بها الحديث والفقه والأصلين والفرائض والمنطق والجدل، وكان كثير الاتساع في الفقه والجدل مديد الباع في غيرهما، مما ذكر سألته عن قول ابن الحاجب في السهو: فإن أخال الإعراض فيبطل عمده. فقال معناه إن أخال غيره أنه معرض فحذف المفعول الأول وأقام المصدر مقام المفعولين كما يقوم مقامهما ما في معناه من أن نحو أحسب الناس أن يتركوا المقري، وأقوى من هذا كون المصدر هو المفعول الثاني وحذف الثالث اختصاراً لدلالة المعنى أي أخال الإعراض كقولهم خلت ذلك وقد أعربت الآية بالوجهين، وهذا عندي أغرب، ومنه قول القضاة أعلم باستقلاله أي أعلم الواقف عليه بأنه مستقل فحذفوا الأول وصاغوا المصدر مما بعده المقري. شهدت مجلس أبي تاشفين صاحب تلمسان ذكر فيه أبو زيد بن الإمام أن ابن القاسم مقلد لمالك ونازعه أبوه موسى عمران المذكور وادعى أنه مطلق الاجتهاد واحتج بمخالفته لمالك في كثير وذكر منه نظائر قال فلو قلد لم يخالفه لغيره فاحتج أبو زيد بنصر الشرف التلمساني أنه مثل مجتهد المذهب بابن القاسم في مذهب مالك والمزني في مذهب الشافعي ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة. فأجابه عمران بأنه مثال والمثال لا يزلم صحته. فصاح عليه أبو موسى ابن الإمام وقال لأبي عبد الله بن عمر تكلم. فقال لا أعرف ما قاله هذا الفقيه، والذي ذكره أهل العلم أنه لا يلزم من فساد المثال فساد الممثل. فقال أبو موسى للسلطان هذا كلام أصولي محقق. قال المقري فقلت لهما وأنا يومئذ حديث السن ما أنصفتماه فإن المثل كما تؤخذ على جهة التحقيق تؤخذ أيضاً على جهة التقريب، ومن ثم جاء ما قاله ابن أبي عمر وكيف لا، وهذا سيبويه يقول وهذا مثال ولا يتكلم به فإذا صح أن المثال يكون تقريباً لم يلزم صحة المثال ولا فساد الممثل بفساده فالقول من أصل واحد.اه بنقل ابن الخطيب فيالإحاطة.

قلت: وبنحو ما استدل به عمران على اجتهاد ابن القاسم من مخالفته لمالك استدل ابن عبد السلام لذلك وتعقبه ابن عرفة بأنه مزجي البضاعة في الحديث، ونكت ابن غازي على تعقبه بأنه كيف يثبت الاجتهاد لشيوخه كابن عبد السلام وغيره وينفيه عن شيخ هداية المالكية بعبارة فظيعة.

قلت: ولا ريب في إمامة ابن القاسم في الحديث وناهيك بثناء النسائي عليه فيه كما تقدم، والعجب من الإمام ابن عرفة كيف يثبت الاجتهاد لابن دقيق العيد ونظرائه ثم يقول وفي المازري نظر هل لحقه أم لا ومعلوم أن ابن عبد السلام وابن دقيق العيد لا يبلغان درجة المازري في تفقهه وإمامته. قال بعض شيوخ العصر من الأدلة القطعية عندي أن ابن دقيق العيد والسبكي ما بلغوا رتبة الاجتهاد المطلق فأحرى الجلال السيوطي وأضرابه الذين ادعوا هذه المرتبة، وأين مرتبتهم من مرتبة الغزالي وإمام احرمين في الفقه والإمامة وقوة الذهن تالله لا نسبة بينه وبينهما في شيء من ذلك. اه.

قلت: والذي يظهر أن الاجتهاد المذهبي مرتبة متسعة تتفاوت بقوة المتكن وضعفه فبالاتصاف بأدنى درجاتها يدعيها مدعيها ومع الاتساع الحفظ ومعرفة الأحاديث بل والوقوف على الأحاديث ربما يخيل لصاحبها مع ذلك وصول درجة الاجتهاد المطلق مع كون من فوقه في تمكن النظر وقوة التفقة ومعرفة المذهب ومداركه لا يدعي تلك الرتبة لعمد اتساعه في الحفظ ومعرفة الأحاديث فتأمل ذلك. فهذا قاسم العقباني والمسناوي والجائي من أهل المائة التاسعة يصرحون ببلوغ درجة الاجتهاد، والإمام الشاطبي والحفيد ابن مرزوق ينفون ذلك عن أنفسهما، ومعلوم أنهما أقوى علماً وأوسع باعاً من الذين ادعوها. والله أعلم فتأمل ذلك. مولد عمران المشذالي سنة سبعين وستمائة، وتوفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وله مقالة مفيدة في اتخاذ الركاب من خالص الفضة. نقل عنه في المعيار في مواضع.

عمران بن موسى الجاناتي أبو اموسى المكناسي الفقيه الحافظ، أخذ عن الإمام الحافظ موسى العبدوسي، وهو المقيد عنه التقييد البديع على المدونة في عشر مجلدات، وقفت على بعضها وعليه أعتمد في قراءتها. قاله الشيخ ابن غازي وغيره. أخذ عنه الإمام القوري. توفي سنة ثلاثين وثمانمائة.

العاقب بن عبد الله الأنصمني المخسوفي، من أهل أكدس بلدة قريبة من بلاد السودان عمرها صنهاجة، فقيه نبيه ذكي الفهم حاد الذهن وقاد الخاطر مشتغل بالعلم، في لسانه حدة. له تعاليق من أحسنها تعلقه على قول خليل "وخصصت نية الحالف" حسن مفيد جداً، اختصرته مع كلام غيره في جزء سميته "تنبيه الواقف على تحرير وخصصت نية الحالف". وألف جزأ في وجوب الجمعة بقرية انصمن، خالف غيره من شيوخ بلده وأرسلوه لعلماء مصر فصوبوه، والجواب المجدود عن أسئلة القاضي محمد بن محمود، وأجوبة الفقير عن أسئلة الأمير أجاب فيها السلطان أسكن [أسكيا؟] الحاج محمد وغيرها. أخذ عن الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي وعن الإمام السيوطي لما حج وغيرهما. ووقع له منازعة مع الحافظ مخلوف البلبالي في مسائل. كان حياً قريباً من الخمسين وتسعمائة.

العاقب بن محمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر ابن علي بن يحيى قاضي تنبكت. كان رحمه الله مسدداً في أحكامه صلباً في الحق ثبتاً فيه لا تأخذه في الله لومة لائم قوي القلب مقداماً في الأمور العظام التي يتوقف فيها غيره جسوراً على السلطان فمن دونه. وقع له معهم وقائع وكانوا يخضعون له ويطاوعونه في كل ما أراد. إذا رأى ما يكره عزل نفسه عن القضاء وسد بابه، ثم يلاطفونه حتى يرجع. وقع له مراراً موسعاً عليه في دنياه مجدوداً في أموره مع التحري والتوقي. أخذ عن أبيه وعمه ورحل وحج ولقي الناصر اللقاني وأبا الحسن البكري والشيخ البسكري وتلك الطبقة. أجازه اللقاني جميع ما يجوز له وعنه، وأجازني هو كذلك وكتب لي بخطه. مولده سنة ثلاثة عشر وتسعمائة، وتوفي حادي عشر رجب عام أحد وتسعين.

حرف الفاء

فرج بن قاسم بن أحمد بن لب الثعلبي الأندلسي الغرناطي أبو سعيد، إمامها ومفتيها وعالمها، الإمام المشهور. ذكره ابن فرحون في الأصل وقال: ابن الخطيب في الإحاطة من أهل الخير والطهارة والذكاء والديانة وحسن الخلق رأس بنفسه وحي بفضل ذاته، وبرز بمزية إدراكه وحفظه، فأصبح حامل لواء التحصيل، عليه مدار الشورى وإليه مدار الفتوى ببلده لغزارة حفظه وقيامه على الفقه واضطلاعه بالمسائل. أقرأ بالمدرسة النصرية ثامن عشر رجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة معظماً عند الخاصة والعامة مقروناً اسمه بالتسديد، وهو الآن بحاله الموصوفة عارفاً بالعربية واللغة مبرزاً في التفسير قائماً على القراآت مشاركاً في الأصلين والفرائض والأدب جيد الخط والنظم والنثر. قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ، وولي خطابة الجامع معظماً عند الناس. قرأ على أبي الحسن القيجاطي والعربية على ابن الفخار البيري، وروى عن ابن جابر الوادآشي. اه.

وقال أبو زكريا السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب الأستاذ المقري العالم العلم الصدر الأوحد الشهير ابن الشيخ الأجل الفاضل كان شيخ الشيوخ وأستاذاً لأساتذة بالأندلس إليه انتهت رئاسة الفتوى في العلوم. كان أهل زمانه يقفوه عبد ما يشير إليه، قرأ بالسبع على الحسن القيجاطي وتفقه عليه في العلوم ولازمه إلى موته وأجازه وعليه اعتمد. وقرأ على أبي جعفر بن الزيات وقاضي الجماعة المحدث أبي عبد الله بن بكر سمع عليه البخاري وتفقه عليه، وقرأ عليه عقيدة المقترح وبعضاً من الإرشاد والتهذيب، وأبي محمد بن سلمون وأبي عبد الله الهاشمي الطنجالي. وأجازه ناصر الدين المشذالي وابن عبد الرفيع والأصولي المحدث أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن حماد اللبيدي والفقيه الراوية أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن البراء وابن عبد النور والتاج الفاكهاني وفخر الدين بن المنير وأبو حيان، والتقى الصائغ في جماعة. مولده عام أحد وسبعمائة، وتوفي في ذي الحجة متم عام اثنين وثمانين. اه.

وكذا ذكر مولده ووفاته تلميذه المنتوري في فهرسته فقال: شيخنا الأستاذ الخطيب المقري المتفنن المفتي، وهما أعلم به من ابن حجر، فإنه ذكر أن وفاته سنة ثلاث وثمانين، والله أعلم. قال ابن حجر: أخذ عنه شيخنا إجازة قاسم بن علي المالقي، وصنف كتاباً في الباء الموحدة. اه.

قلت: وبالجملة فهو من أكابر علماء المذهب المتأخرين ومحققيهم ممن له درجة الاختيارفي الفتوى إلى التحقيق بالعلوم والقيام التام على الفنون. قال المواق: شيخ الشيوخ أبو سعيد الذي نحن على فتاويه في الحلال والحرام. اه.

وله اختيارات خارجة عن مشهور المذهب وقل بالأندلس في وقته من أئمتها الجلة من لم يأخذ عنه، ومن أكابرهم الإمام الشاطبي وأبو عبد الله الحفار وابن بقي وابن الخشاب وأبو محمد محمد بن جزي والخطيب السلماني والحافظ ابن علاق والأستاذ أبو عبد الله القيحاطي والكاتب ابن زمرك في خلق كثير من الأمئة، ومن الطبقة الثانية أبو يحيى بن عاصم والقاضي أبو بكر بن عاصم وأبو القاسم بن سراج والمنتوري وغيرهم. له تآليف كشرح جمل الزجاجي وشرح تصريف التسهيل وتآليف صغار في مسائل عدة كمسألة الدعاء أثر الصلوات على الهيئة المعروفة، وكينبوع عين الشره في مسألة الإمامة بالأجرة، والقول المجتاز في مسألة ابن المواز، والرد على ابن عرفة في مسألة القراءة بالشاذ في الصلاة في مقدار كراسين ضمنه كل أصيل من الرأي وصحيح من النظر وغيرها.

فائدة: قال الإمام الشاطبي: لقيت يوماً بعض أصحابنا شيخنا الأستاذ المشاور أبا سعيد بن لب أكرمه الله، فقال أردت أن أطلعكم على بعض مستنداتي في الفتوى الفلانية وما شاكلها ووجه قصدي للتخفيف فيها، وكان أطلعنا على جواب بخطه عن سؤال أفتى فيه بمراعاة اللفظ والميل إلى جانبه، فنازعنا فيه وانفصل المجلس عن المنازعة، وأرانا مسائل في النهاية وأحكام ابن الفرس وغيرهما وبسط لنا ما يقتضي الاعتماد على ألفاظ الحالف وإن كان فيه خلاف ما لنيته بناء على قول من يقول به من أهل المذهب وغيرهم. وقال أردت أن أنبهكم على قاعدة في الفتوى نافعة جداً ومعلومة من سند العلماء، وإنهم كانوا ما يشددون على السائل في الواقع إن جاء مستفتياً. قال الشاطبي: وكنت قبل هذا المجلس تترادف على وجوه الإشكال في أقوال مالك وأصحابه فبعد ذلك المجلس شرح الله بنور ذلك الكلام صدري فارتفعت ظلمات تلك الإشكالات دفعة واحدة، لله الحمد وجزاه الله عنه خيراً وجميع معلمينا. اه.

وقال أيضاً: سألني الأستاذ الكبير الشهير أبو سعيد عن قول ابن مالك في التسهيل في باب الإشارة "وقد يغني ذو البعد عن ذي القرب لعظمة المشير أو المشار إليه"، ومثله في الشرح بقوله تعالى "وما تلك بيمينك يا موسى"، ولم يبين وجه ذلك، فما وجهه؟ ففكرت فلم أجد. فقال لي وجهه أن الإشارة بذي القرب ههنا قد يتوهم فيها القرب بالمكان والله تعالى يتقدس عن ذلك، فلما أشار بذي البعد أعطى بمعناه أن المشير مباين للأمكنة بعيد عن أن يوصف بالقرب المكاني فأتى بالبعد في الإشارة منبهاً على بعد نسبة المكان عن الذات العلية وأنه يبعد أن يكون في مكان أو يدانيه. اه.

قال المواق: حدثني شيخي المنتوري قال حدثني شيخ الشيوخ ابن لب قال خطر لي خاطر خير والعاصي قد يخطر له خاطر خير فأردت أن أجعل على نفسي وظيفة من ذكر أو تلاوة وترددت أيهما أفضل فأنشدت في النوم:

إذا الأحباب فاتهم التلاقي * فما صلة بأفضل من كتاب

فلما استيقظت علمت أن قراءة القرآن أفضل. اه.

ومن نظمه:

وهبك وجدت العفو عن كل زلة * فأين مقام العفو من مقعد الرضا
وكيف بثوب حالك اللون رمت أن * يصير كثير لم يزل قط أبياضا

حرف القاف

القاسم بن محمد بن أحمد بن سليمان الأوسي الأنصاري القرطبي يعرف بابن الطيلسان. روى عن جده لأمه أبي القاسم الشراط وخاله أبي بكر بن غالب وأبي محمد بن عبد الحق الخزرجي، نافت شيوخه على مائتين تصدر للإقراء والإسماع، وكان مع معرفته بالقراآت والعربية متقدماً في صناعة الحديث معنياً وبروايةه وتقييده ضابطاً متقناً مشاركاً في فنون. ألف تأليفاً في التغليظ على شربة الخمر، وله كتاب المنن على قارئي السنن والمسلسلات، وزهر البساتين في غرائب خبر المسندين، ومنقب المهتدين، واختصاره اعتطاف الأنوار واختطاف الأزهار من بساتين العلماء الأبرار، وكتاب في أخبار صالحي الأندلس. أخذ عنه جماعة. خرج من قرطبة عند تغلب العدو عليها آخر ستة وثلاثين إلى مالقة، فتولى إمامتها وخطبة قصبتها. توفي آخر ربيع الأخير سنة اثنين وأربعين وستمائة، مولده سنة خمس وسبعين. صح من ابن الأبار.

القاسم ابن أبي بكر بن مسافر بن أبي بكر بن أحمد اليمني التونسي أبو القاسم عرف بابن زيتون. ذكره ابن فرحون في الديباج وزيد هنا ما نصه. وقال العبدري في رحلته: ولقيت بتونس الفقيه الحسيب العالم الفاضل الكامل الزكي الرضي مفتي إفريقية والمنظور إليه بها قطب أصولها وفروعها والمرجوع إليه في أحكامها غير مدافع ولا منزع أبو القاسم بن زيتون. وكلامه في المسائل كلام ممارس للعلم طويل الخدمة له، يدل على الخوض فيه غير هيوب ولا فرق، وحق له ذلك لأنه زاوله جمعاً وفرقاً، وطلبه غرباً وشرقاً وخدمه من لدن شب إلى أن دب وأولع به ولوع متيم صب يحب بحبه كل من تم إليه ويعطف بكليته عليه لم يتفرغ للرواية لكثرة شغله بالمسائل. رحل قديماً للشرق فلقي جماعة من أحبار العلماء وأخيار الفضلاء وسمع منهم وأجازوه كالزكي المنذري ولاشرف المرسي وعز الدين بن عبد السلام، سمع تأليفه مختصر الرواية وقواعده المسماة مصالح الطاعات والرشيد العطار، وعبد الغني بن سليمان بن بنين والخسر وشاهي وغيرهم. اه ملخصاً.

وقال التجيبي في رحلته أبو القاسم السبتي صاحب الرحلة المشهورة: وكان عالماً بارعاً محدثاً حافظاً متقناً عارفاً بالحديث قيماً على أنواعه ضابطاً ثقة. ولد عام ستة وستين وستمائة. ورحل عام ستة وتسعين إلى الأندلس، ثم للشرق ولقي جلة من العلماء الأكابر وأخذ عنهم. فمن شيوخه أبو بكر بن عبيدة وأبو القاسم بن الشاط وابن العمار وأبو القاسم القبتوري وأبو عبد الله بن شعيب والناصر المشدالي وابن دقيق العيد وأبو القاسم اللبيدي وعبد الله الصودي الجدميوي العرضي في خلق، ذكرهم في رحلته وهو كتاب نفيس في ثلاث مجلدات فيها قوائد كثيرة سيما نكت الحديث وفنونه. توفي سنة ثلاثين وسبعمائة. أخذ عنه أبو عبد الله الرعيني وعرف به في فهرسته.

القاسم بن إبراهيم بن محمد النويري الشيخ زين الدين، تفقه وقرأ المواعد وأعاد للمالكية وتصدر بالجامع الأزهر وغيره. قال ابن حجر: سمعت بقراءته كثيراً على شيخنا السراج البلقينس. مات في المحرم سنة تسع وتسعين عن نحو ستين سنة. اه من أنباء الغمر له.

القاسم بن علي بن محمد الفاسي أبو القاسم. خرج له غرس الدين الأقفهسي مشيخة. حدث به ابن حجر. قال السخاوي لقيته بالقاهر.

قاسم بن علي بن محمد الشروطي الفاسي المالقي أبو محمد. أخذ عن شيخ الشيوخ ابن لب، وأخذ عنه القاضي إبراهيم البدوي الأندلسي وغيره. وانظره مع الذي قبله، ولعلهما واحد، والله أعلم.

قاسم بن محمد بن محمد بن أحمد القسنطيني الوستاني أبو الفضل وأبو القاسم التونسي. رأيت بخط بعضهم في وصفه أنه الإمام العالم العلامة مفتي الأنام ورئيس الفقهاء الأعلام فريد دهره وحجة عصره شيخنا قاضي الجماعة بتونس شيخ الشيوخ الحجة الرسوخ جامع أشتات العلوم معقولها ومنقولها. اه.

قال السخاوي: أخذ عن أبي مهدي الغبريني وغايره، ولي قضاء الجماعة وإمامة جامع الزيتونة. كان لا يخاف في الله لومة لائم، وقام في أيام قضائه على الإمام أحمد بن عمر القلشاني شارح الرسالة، ورام قتله فلم يمكن منه، لكنه عزر بالحبس وغيره. واتفق أن ابن أبي القاسم المذكور مات مقتولاً، يقال ناله ذلك من جهة حكمه وهو بمحراب جامع الزيتونة من صلاة الصبح يوم الخميس تاسع صفر سنة سبع وأربعين وثمانمائة. اه.

قلت: ومن شيومخه أبو يوسف يعقوب الزغبي. وأخذ عنه هو أبو القاسم بن ناجي ونقل عنه في شرح المدونة. ووقع في زمن القاضي يعقوب الزغبي مسألة في رجل أوصى لأول ولد بتزايد عند ابنته، فولدت ولداً ميتاً فاختلف فتواهم حينئذ. بقيت المسألة حتى تولى صاحب الترجمة القضاء فحكم فيها بأن المراد أول ولد يولد حياً لأن القصد بها النفع ولا ينتفع بها إلا من كان حياً. اه.

قلت: وقد ذكر الشيخ حلولو هذه المسألة في شرح خليل فانظره.

قاسم بن عيسى بن ناجي أبو الفضل وأبو القاسم، شارح المدونة والرسالة الشيخ العالم الفقيه الحافظ الزاهد الورع القاضي، أخذ بالقيروان عن الشبيبي وغيره وعن ابن عرفة وكثير من أصحابه كأبي مهدي الغبريني والأبي والبرزلي ويعقوب الزغبي وأبي القاسم السلاوي وأبي عبد الله الوانوغي وقاسم القسنطيني وعن القاضي أبي عبد الله بن قليل الهم والفقيه عمر المسراتي القيرواني وأبي علي السواني وأبي عبد الله بن محمد بن بندار المرادي القيرواني والقاضي أبي عبد الله بن أبي بكر الفاسي القيرواني وغيرهم. ولي القضاء بمواضع كباجة وجربة وقيروان. وكان معه تفقه عظيم وقيام تام على المدونة واستحضار للفروع. له شرح الرسالة حسن مفيد، ويذكر أن المغيلي بالغ في الثناء على هذا الشرح ويقول له المهذب وشرحان على المدونة: الشتوى في أربعة أسفار والصيفي في سفرين. أخذ عنه الشيخ حلولو وغيره. توفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. قاله الونشريسي في وفياته.

قاسم بن سعيد ابن محمد العقباني التلمساني الإمام أبو الفضل وأبو القاسم، شيخ الإسلام ومفتي الأنام الفرد العلامة الحافظ القدوة العارف المجتهد المعرد ملحق الأحفاد بالأجداد القدوة الرحلة الحاج، أخذ عن والده الإمام أبي عثمان وغيره وحصل العلوم حتى وصل درجة الاجتهاد. وله اختيارات خارجة عن المذهب نازعه في كثير منها عصريه الإمام ابن مرزوق الحفيد. قال في حق تلميذه محمد بن العباس: شيخنا مفتي الأمة علامة المحققين وصدر الأفاضل المبرزين آخر الأئمة. اه.

وقال يحيى المازوني: شيخنا شيخ الإسلام علم الأعلام العارف بالقواعد والمباني أبو الفضل العقبان

وقال الحافظ التنسي: شيخنا الإمام اعلامة وحيد دهره وفريد عصره. وقال القلصادي في رحلته: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام المعمر ملحق الأصاغر بالأكابر العديم النظير والإقران مرتقي درجة الاجتهاد بالدليل والبرها[ن] أبو الفضل، وكان ذا أبهة وبهاء وفروة [= وفورة] مملوءة من علم خلية من ازدهاء وخلقت سمت في مطالع الحسن إلى أنهى كمال وأكمل انتهاء، انقرد بفني المعقلول والمنقول واتحد في علم اللسان والبيان وهو فيما عداه من الفنون يفوق الصدور ويفيض على مزاحمه البحور. ولي خطة القضاء بتلمسنان في ضغره، ورأى أمله من ذريته في كبره. وأحرز في العلوم قصب السبق وحازه وقطع فيه صدر العمر واستقبل إعجازه. عكف على تعليم العلوم وعلى تدريس المغدوم منها والمعلوم، فأفاد الأفراد وامتع جهابذة النقاد وأسمع كل الإسماع ما اشتهى وأراد. لازمته بعد وفاة أحمد بن زاغو حتى رحلت من تلمسان، ولما عدت إليها وجدته حياً قرأت عليه بعض مختصر المدونة لابن أبي زيد ومختصر خليل وحكم ابن عطاء الله مع شرح ابن عباد والحوفي بطريق الصحيح والمكسور والمناسخات من شرح والده ومختصره في أصول الدين وغيرها وحضرته في كتب عديدة في فنون شتى، وكانت خلقته حسنة مرضية قل أن يرى مثلها. توفي في ذي القعدة عام أربعة وخمسين وثمانمائة، وصلى عليه في الجامع الأعظم وحضر جنازته السلطان فمن دونه ودفن قرب الشيخ ابن مرزوق. اه. ملخصاً.

وتوفي عن سن عالية. رحل للحج في سنة ثلاثين وحضر بمصر إملاء ابن حجر واستجاز ابن حجر فأجازه وحضر أيضاً درس العلامة البساطي. له تعليق على ابن الحاجب الفرعي أرجوزة تتعلق بالصوفية في اجتماعهم على الذكر وغيره. أخذ عنه جماعة منهم أبو البركات النالي وولده أبو سالم العقباني وحفيده محمد بن أحمد والعلامة ابن زكي والكفيف ابن مرزوق وأبو العباس الونشريسي ومن تقدم ذكره في خلق. وسبق ترجمة والده وولديه أحمد وإبراهيم وسيأتي حفيده القاضي محمد.

الكنى:

أبو القاسم بن مخلوف المغربي ثم الاسكندري، أحد المالكية الكبار تفقه به أهل الثغر مدة. مات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. قاله في العبر. صح من تأريخ مصر.

أبو القاسم بن أبانة الإشبيلي. قال ابن الأبار: كان مقرئاً مفتياً مفتي القضاة في نوازل الأحكام أحد أئمة الصلاة بإشبيلية.

أبو القاسم بن ياسين، من أهل المرية من أئمة فقهائها وأعلامها ونبهائها. صح من ابن الأبار.

أبو القاسم بن حماد بن أبي بكر الحضرمي اللبيدي التونسي. قال العبدري في رحلته: الشيخ الجليل الفاضل العالم العامل المسن المسند بقية السلف ذو الدين المتين صالح العلماء وعالم الصلحاء أوحد وقته علماً وديناً واجتهاداً ومواظبة وحسن ظن وغزارة دموغ معدوم النظير في عصره، لا يفتر عن العبادة وحضور الجماعة والمجلس لإسماع العلم من ضعفه وفرط ساحته وضرارة بصره لا يتخلف عن المسجد ليلاً ولا نهاراً ولا يقطع عن إسماع العلم وتعليمه وإقراء القرآن، وقد أنهكت التسعون قواه ولكن ذهنه ما تغير مع غاية التواضع وقوة الرجاء، يروي البخاري عن الإمام المحدث الرواية أبي زكريا يحيى البرقي والمعلم للمازري عن الفقيه أبي يحيى بن الحداد قراءة على مؤلفه الإمام. مولده عام ستمائة. اه ملخصاً.

أبو القاسم بن محمد الغماري النارلي. كان فقيهاً محدثاً حافظاً درس المدونة بفاس من أحفظ أهل زمانه وكان ينشد:

قنوع النفس يعقبها رواحا * وحرص النفس يدني للتداني
ولبس بزائد في الرزق حرص * وليس بناقص منه التواني
إذا ما الله سبب رزق عبد * أتاه في التواني والتداني.

كان حياً في حدود العشرين وسبعمائة ظناً. صح من خط بعض أصحابنا.

أبو القاسم السلمي أبو الفضف، من فقهاء تونس المنتصبين للتدريس بها. قال أبو العباس أحمد بن محمد القلشاني: كان شيخاً فقيهاً محققاً" من أهل بلدنا باجة من أهل الدين والفضل والعلم التام سمعت بعض القضاة يحكي عنه أن ثمرة الخلاف فيمن حلف واستثنى هل استثناؤه حل لليمين أو رفع للكفارة فولان تظهر إذا حلف واستثنى ثم حلف أنه لم يحلف وفي هذا ضعف وما أظن السلمي يقوله ولعله إنما قال إذا حلف بالله ثم استثنى ثم حلف ليس عليه يميه فعلى أنه حل لليمين لا شيء عليه لأن اليمين انحلق بعد انعقادها فهو اطلآن لا يمين عليه وعلى أنه رفع للكفارة فاليمين ما زالت منعقدة ولهذا يحكم عليه أنه مول في أحد القولين يكون حانثاً في يمنينه. توفي بتونس في غرة المحرم عام تسعة وتسعين وسبعمائة. اه.

أبو القاسم الشريف الإجريسن السلاوي وله اشتهر أبو الفضل، أحد الأعلام من أكابر تلامذة ابن عرفة، أخذ أيضاً عن أحمد بن إدريس البجائي وغيرهما. أخذ عنه أبو القاسم بن ناجي ونقل عنه في شرح المدونة. ومن تآليفه تقييد في التفسير عن ابن عرفة في مجلدين، وإمكال الإكمال على مسلم في مجلد ضخم كبير اقتصر فيه غالباً على أبحاث ابن عرفة وأصحابه نفيس إلى الغاية. لم أقف على وفاته.

أبو القاسم بن داود. قال الراوية أبو زكرياء السراج: هو الفقيه الأديب الشاعر المكثر الأصولي الفرضي المتخلق الفاضل نادرة الوقت. اه.

أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل البلوي القيرواني ثم التونسي الشهير بالبرزني الإمام المشهور نزيل تونس مفتيها وفقيها وحافظها العلامة أحد الأئمة في المذهب صاحب الديوان المشور في الفقه والنوازل من كتب المذهب الأجلة أجاد فيه ما شاء. كان رحمه الله إماماً علامة بارعاً حافظاً للفقه متفقهاً فيه بحاثاً نظاراً مستحضراً للفقه. أخذ عن جماعة، رأيت في بعض إجازاته ما ملخصه أنه قرأ على الفقيه المحدث الراوية الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق شيئاً من الصحيحين والشاطبيتين وتكملة القيجاطي والدرر اللوامع يرويهما عن مؤلفهما والعمدة وغيرها، وعلى الفقيه المحدث الراوية المسن الصالح أبي الحسن البظروني القراءة السبعة وكتباً كثيرة وأحزاب الشاذلي عن الشيخ ماضي عنه، وعلى الإمام المؤلف الفقيه الصالح المتفنن العلم أبي عبد الله بن عرفة لازمه ما ينيف على ثلاثين سنة، وقرأ عليه بعض مسلم وسمع جميعه عليه وجميع البخاري والموطأ والشفاء وعلوم الحديث لابن الصلاح وجميع التهذيب مراراً وابن الحاجب الفرعي وكثيراً من الأصلي ومعالم التلمساني الفقيه وجمل الخونجي وكثيراً من المحصل وإلقاء التفسير مراراً وقرأ عليه مختصره المنطقي وفي الأصلين وأكثر مختصره الفقهي وأجازه الجميع وغيرها وكتب له بخطه مراراً. وقرأ على الفقيه المقري الراوية أحمد بن مسعود البلنسي. عرف بابن الحاجة القراآت السبعة وغيرها وعلى الفقيه الصالح الراوية المتفنن أبي محمد الشبيبي القراآت السبعة وغيرها والتهذيب والجلاب والرسالة وغيرها والموطأ ومسلماً وعلم النحو والحساب والفرائض والتنجيم ولازمه من حدود ستين وسبعمائة إلى عام سبعين، وعلى الفقيه الصالح القاضي العدل الحافظ أحمد بن حيدرة التوزري لازمه كثيراً وأخذ عنه مسائل كثيرة. وقرأ على الفقيه الصالح العدل أبي العباس المومناني الصحيحين والشفاء وغيرها وكذا أخوه الفقيه الصالح القاضي العدل أبو زيد عبد الرحمن وقرأ عليه شيئاً من أصلي ابن الحاجب وأذن له في إقرائه، وعلى الفقيه المحدث الراوية برهان الدين الشامي قرأ عليه أبعاضاً من البخاري والترمذي والشفاء والشاطبية وغيرها وناوله فهرسته، وعلى الراوية المحدث المعمر أبي إسحق بن صديق الرسام. اه ملخصاً.

وذكر في فتاويه أنه لازم ابن عرفة نحو أربعين عاماً وأخذ هديه وعلمه وطريقته وجالس غيره كثيراً في الفقه والرواية في الحديث وغيره وحصل بذلك علماً كثيراً. اه.

وقال السخاوي: كان البرزلي أحد أئمة المالكية ببلاد المغرب وصاحب الفتاوي المتداولة. قدم القاهرة حاجاً سنة ست وثمانمائة وأجاز لشيخنا، أخذ عنه غير واحد ممن لقيناهم كأحمد بن يونس. توفي بتونس سنة أربع وأربعين على ما قيل أو سنة ثلاث عن مائة وثلاث سنين وحينئذ، فهو آخر من في القسم الأول من معجم الحافظ ابن حجر وكان موصوفاً بشيخ الإسلام. اه.

قلت: ورأيت في بعض التقاليد أن وفاته سنة اثنين وأربعين، ومولده على ما قال السخاوي في حدود أربعين وسبعمائة. وممن أخذ عنه الشيخ أبو القاسم بن ناجي والثعالبي والرصاع والشيخ حلودلو غيرهم. اه.

أبو القاسم العبدوسي، الإمام الحافظ اسمه عبد العزيز. تقدم ذكره.

أبو القاسم بن حبيب الحريشي المكناسي. قال ابن غازي في الروض الهتون: كان فقيهاً مفتياً مشاوراً حجة، أدركته بالسن فقط. وكان عبد الله العبدوسي يثني عليه في مجلسه. اه.

أبو القاسم بن إبراهيم بن حسين بن علي بن عبد الله الماجري الزموري. قال بعضهم الفقيه العالم الورق الحافظ الخطيب.

أبو القاسم الكنابشي البجائي. ذكر الملالي أنه كان إماماً عالماً صالحاً ورعاً قرأ عليه الإمام السنوسي وأخوه الحسن التالوتي إرشاد أبي المعالي، وعنه أخذ السنوسه التوحيد.

حرف الكاف

ابن الكدوف، من أهل المذهب. له كتاب سماه الكافي نقل عنه سيدي مخحمد الحطاب في شرح المختصر في غير موضع. لم أقف على ترجمته.

كريم الدين البرموني، من شيوخ العصر. أخذ عن الناصر اللقاني وغيره. له حاشية على مختصر خليل في مجلدين. كان حياً بمكة سنة ثمان وتسعين وتسعمائة. كذا أرخه بعض أصحابنا.

حرف الميم، من اسمه محمد

محمد بن يحيى التزار الأسواني أبو الذكر، الفقيه المالكي صاحب التصانيف في الأصول والفروع. روى عن أبي مسلم الكجي. ونزل بمصر وبها توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. قاله الذهبي فيالعبر فيمان غبر.

محمد بن عبد الله البغدادي أبو الطاهر. قال في العبر: كان مالكي المذهب فصيحاً مفوهاً شاعراً أخبارياً حاضر الجواب غزير الحفظ. ولي قضاء واسط ثم قضاء بعض بغداد ثم قضاء دمشق ثم قضاء الديار المصرية واستناب على دمشق. حدث عن بشر بن موسى وأبي مسلم الكجي وطبقتهما. توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة عن قرب من ستين. قال ابن ماكولا: كان يذهب إلى قول مالك وربما اختار، وكان متفنناً في علوم. له تصانيف. اه.

محمد بن مسلم بن محمد بن أبي بكر القرشي الصقلي المازري. سكن الاسكندرية. قال القاضي عياض في غنية: أخذ عن شيوخ صقلية سمع الحديث من أبي بكر الطرطوشي ودرس الكلام والأصول على أبي محمد الحنفي والنحو على أبي القاسم بن القطاع وأبي حفص السوسي. غلب عليه الكلام والتحقيق وتقدم فيه تقدماً برز على أهل وقته فيه، وصنف فيه تصانيف قوية كباراً ككتاب البيان لشرح البرهان، وكتاب تأييد التمهيد وتقييد التجريد، وكتاب المهاد في شرح الإرشاد. ورحل إليه الناس في هذا الشأن وناظر الفرق وكتب إلي من مصر يجيزني تآليفه. وعمر فكانت وفاته [بياض الأصل]. صح منه.

محمد بن عبيد الله الإشبيلي أبو عبد الله بن مجاهد، زاهد الأندلس. كان رحمه الله علامة العلماء في وقته وشيخ مشيخة الصوفية. غلب عليه الزهد والانقطاع مقتدياً في جميع أحواله بالصحابة والسلف بعيداً عن الملوك مع شدة رغبتهم فيه. قال القاضي بن عبد الملك: كان ابن مجاهد واحد وقته علماً وزهادة واجتهاداً في العبادة معدوداً من الأولياء ذوي الكرامات الشهيرة وإجابة الدعاء من الأبدال والأفراد لا يمثل إلا بالصدر الأول، منافراً للملوك مع شدة رغبتهم فيه لا يقبل منهم كثيراً ولا قليلاً. له غرائب أحوال منها أن بعض أمراء الموحدين تشفع إليه في قبول صلة بعثها إليه، فبعد وفاة ابن مجاهد وجدت في تركته مكتوباً عليها لفلان بن فلان وذكر الأستاذ ابن طلحة أن بعض السلاطين قدم إشبيلية فاستدعاه مع العلماء لمجلسه ليشاركهم في أمور المسلمين. فلما انصرفوا عن الأمير قال لأصحابه هذا ابن مجاهد لا مطمع لأحد فيه أما رأيتموه حين دخل علينا قدم رجله اليسرى فلما خرج قدم رجله اليميني. ولما ملك منصور الموحدين وكان غاية في العلوم والتفنن فيها قدم إشبيلية لرؤية ابن مجاهد والتبرك به فحاول بكل وجه أن يصل إليه، فامتنع من ذلك، فبينما هو ذات ليلة في داره إذا بأمير المؤمنين في خاصته يدق عليه الباب فأذن له فدخل عليه وسأله الدعاء وانصرف فرحاً مسروراً بإقباله عليه ودعائه له. وكان قوته من الخبز قرصة في يومين وكثيراً ما يتصدق بها ويبقى طاوياً يوماً أو يومين إلى أن توفي سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وذكر الإمام أبو إسحاق الشاطبي أن ابن مجاهد كان محافظاً على ترك الدعاء بأثر الصلوات على الهيئة تصميماً منه على مذهب مالك أنه كروه. فنزل في جواره رجل من عظماء الدولة وأهل الوجاهة وأمره أن يدعو فأبى وبقي على عادته ثم صلى العشاء في المسجد وخرج لداره. قال لمن حضره قلت فهذا الرجل يدعو بعد الصلوات فأبى، ففي غد أضرب رقبته بهذا السيف وأشار لسيف في يده. فخافوا على ابن مجاهد منه فرجعت الجماعة إلى ابن مجاهد بجملتها، فقال ما شأنكم؟ قالوا والله خفنا عليك من هذا الرجل اشتد غضبه عليك في تركك الدعاء. فقال لهم لا أخرج عن عادتي. فأخبروه بالقصة، فتبسم فقال انصرفوا ولا تخافوا فهو الذي تضرب رقبته غداً بذلك السيف بحول الله. ودخل داره وانصرفوا عن ذعر. ففي الغد جاء إلى دار الرجل قوم من صنفه مع عبيد المخزن وحملوه فتبعه قوم من أهل المسجد ممن على خبر البارحة حتى وصلوا به إلى دار الإمارة فضربت رقبته بسيفه ذلك تحقيقاً للكرامة. اه.

محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن فرج بن أحمد بن حريث الغافقي أبو القاسم يعرف باللأحي. كان محدثاً راوية أديباً مؤرخاً فاضلاً جليلاً. قال ابن الزبير: كان من أفضل الناس وأحسنهم عشرة وألينهم كلمة وأكثرهم خلقاً. وذكره صاحب الذيل والأستاذ الطراز والقاضي ابن عبد الملك وأطنب فيه وغيرهم. أخذ عن جماعة كأبي بكر بن طلحة بن عطية وعبد المنعم بن عبد الرحيم وأبي الحسن بن كوثر وأبي بكر ابن أبي زمنين وغيرهم. وكان كثير الرواية من أهل الضبط والتقييد والاتقان بارع الخط حسن الوراقة أديباً بارعاً ذاكراً للتأريخ نقاداً حافظاً للأسانيد ثقة عدلاً مشاركاً في فنون. روى عنه ابن المرابط. ألف تأريخ علماء البيرة واحتفل فيه، وكتاباً في الإنساب، والأربعين حديثاً، وفضائل القرآن، وبرنامج رواياته. ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وتوفي في شعبان سنة تسع عشرة وستمائة ببلده. اه ملخصاً من الإحاطة لابن الخطيب.

محمد بن إبراهيم المشتهر بالأصول من أهل بجاية. تقضى في مدن من الأندلس وبمراكش وببجاية ثلاث مرار، آخرها سنة ثمان وستمائة. وكان جلداً صلباً قوي الجأش. ومن ظرفه أنه حضر مجلس السلطان وأحضرت فيه لآلئ نفيسة في طبق وعرضت على حاضري المجلس فاستحسنوها وعدت ففقدت منها واحدة. فهم أمير المؤمنين يفتشهم فأشار عليه بإحضار قلة ماء مملوءة ويدخل فيها كل إنسان يده يستبرأ على الفاعل، فسيقت القلة فلما انتهت إليه ليدخل يده فيها امتنع، وقال صبوها فإن وجدتم حاجتكم وإلا فهي عندي. فصبوها فوجدوها فخلص من الشك وهذا من نبله وسياسته. كان عالماً بالفقه والأصلين والخلاف والجدل شديداَ على الولاة. جرى بينه وبين والي بجاية كلام فيه غلظة، فقال له الوالي والله لقد أصاب فيكم أمير المؤمنين المنصور. فقال إن كان أصاب المنصور فأخطأ أمير المؤمنين الناصر فأفحمه، فرجع الوالي واسترضاه. توفي ذبيحاً ببجاية أواخر سنة اثنتي عشرة وستمائة. صح من عنوان الجراية للغبريني.

محمد بن عيسى بن مع النصر المومناني أبو عبد الله. كان شريفاً حسنياً فاسياً يدعي بالإمام لسعة علومه في المنقول والمعقول. ولي قضاء قرطبة ومراكش زمن الموحدين. كان فقيهاً عالماً صالحاً مستبحراً مفتياً مدرساً من أهل الرأي مقدماً في الفتوى شديد الفهم كثير الحفظ عارفاً بالأصول والفروع والحديث وعلله وأسانيده وتخريجه. ذكره ابن الأحمر في حديقته ولم يذكر وفاته.

محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ عرف بابن المناصف الأزدي القرطبي، من أعيانها يكنى أبا عبد الله، وبيته بيت علم. ورى عن جماعة من أهل بلده. وأخذ الناس عنه كثيراً. تولى قضاء بلنسية. وكان فقيهاً جليلاً أديباً متفنناً عالماً. ألف كتاب الاتحاد في أبواب الجهاد وهو كتاب مفيد استوعب فقه الجهاد مع حسن اختياره واتقان تأليفه لم يؤلف في بابه مثله، ونظم الرجز المسمى بالمذهب في الحلي والشيات وغيرها بمراكش في جمادي الأولى عام عشرين وستمائة. مولده بامهدية من إفريقية. قال ابن الزبير: أخذعنه جماعة من شيوخنا كأبي الحطاب بن خليل وأبي القاسم بن ربيع وأخيه أبي الحسن وغيرهم. اه من رحلته.

محمد بن أحمد بن عيسى عرف بابن الطير. قرأ بتونس، ثم رحل للشرق وحج ولقي ناساً، ورجع لإفريقية وكان عالماً بالفقه وأصوله مع رئاسة ونزاهة. أكره على قضاة بجاية، ثم عزل. ولما وصله عزله سجد الله شكراً. اختصر كتاب المستصفى اختصاراً حسناً ذكره شيخنا أبو محمد بن عبادة. صح من عنوان الدراية.

محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن عرف بابن محرز، الشيخ الفقيه الحافظ اللافظ المحدث المتقن اللغوي التأريخي. قرأ بالأندلس ولقي بها أفاضل وله مكارم، ثم ارتحل عنها بعد الأربعين وستمائة إلى بجاية فاستوطنها معظماً عند أهلها ومكرماً عند الملك. روى عنه بها كثير، تقرأ عليه كتب الفقه والحديث واللغة والأدب مجيداً محصلاً، فهذه الفنون قيد عنه أصحابه كثيراً. وذكر لي أن له تقييداً على التلقين حسن الحجج. وكان رأس الجماعة بالأندلسية. فتوفي ببجاية يوم الأحد ثامن عشر شوال سنة خمس وخمسين وستمائة، مولده في آخر جمادي سنة تسع وستين وخمسمائة. صح من عنوان الدراية.

محمد بن يوسف المزدغي، الفقيه المفتي. كان عالماً بالأصول والكلام وله معرفة باللسان وتصرف في جميع العلوم العقلية والنقلية محدث حافظ. ألف تفسيراً انتهى فيه إلى سورة الفتح ومات، وأنوار الإفهام في شرح الأحكام إلى الأقضية، ومقالة في الوباء، وأخرى فيما يجوز للفقراء المضطرين في أموال الأغنياء، وعقيدة. أخذ الحديث عن أبي ذر ابن أبي ركب وعبد العزيز بن زيدان، وروى بقرطبة وإشبيلية. وروى عنه أبناه أبو جعفر وأبو القاسم ومحمد بن عبد الرحمن بن راشد العمراني والحافظ ابن عبد الملك صاحب التكملة. توفي في رابع عشر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة عن اثنين وثلاثين، وصحبه طير من داره إلى قبره.

محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الخزرجي التلمساني المالكي نزيل ثغر الاسكندرية، كان من صلحاء العلماء. سمع بسبتة الموطأ على أبي محمد بن عبد الله الحجري. مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة عن اثنين وسبعين سنة. صح من تأريخ السيوطي.

قلت: وهو شارح الجلاب المشهور، والله أعلم.

محمد بن أحمد بن عبد الله بعرف بابن سيد الناس، الشيخ الفقيه الحافظ الخطيب اللغوي أبو بكر، لقي مشايخ منهم والده الفقيه أبو العباس والشيخ أبو العباس أحمد بن عيسى وغيرهما، وأقرأ بإشبيلية. كان راوية حافظاً للحديث يقوم قياماً حصناً على البخاري وكان إذا قرأ الحديث أسنده إلى أن ينتهي للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يتكلم على رجاله الصحابة والتابعين فمن بعدهم واحداً فواحداً ويعرفهم نسباً واسماً وصفة وتأريخاً إلى شيخه، فيذكر ما فيه وأنه لقيه وقرأ عليه وسمع منه، ثم يذكر لغة الحديث وغريبة وفقهه والخلاف العالي ودقائقه ورقائقه والمستفاد منه بفصاحة. واستدعاه المنتصر بالله لإفريقية، ولما دخل عليه سأله قراءة آية من القرآن، فاستفتح بالاستعادة ثم قرأ "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فاظاً" الآية. فكان ذلك سبب حظوته وإجزال عطيته. ويذكر أنه يستظهر ستة آلاف حديث بأسانيدها ويذاكر بها مع ما يتبعها من لغة ونحو. وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم ومسح بيده الكريمة على صدره. قال فما حفظت شيئاً ونسيته، وهذا من كراماته. وكان يكتب جيداً وينظم حسناً. توفي في ثالث عشر جمادي الأخير سنة سبع وخمسين وستمائة.

محمد بن محمد بن أبي بكر القلعي. كان عالماً بالفقه والفرائض والحساب. له مجلس يقرأ عليه فيه التهذيب من العدول المرضيين. توفي ببجاية في عشر الستين وستمائة صح من الغبريني.

محمد بن عبد الرحمن بن يعقوب الخزرجي الأنصاري الشاطبي، الفقيه القاضي الصدر المتقن المحصل المجيد. له علم محكم وعقد صحيح مبرم. رحل للشرق وحج وكانت رحلته بعد تحصيله فزاد فضلاً إلى فضل ونبلاً على نبل. كان متثبتاُ في فقهه لا يستحضر كثير النقل ولكن ما يحتاج إليه عالماً بالعربية وأصول الفقه مشاركاً في أصول الدين كشرح الجزولية. وكان أبوه قاضياً وبيتهم بيت علم وقضاء وتوارث سؤدد. ولي قضاء بجاية فكان على سنن الفضلاء وطريق الأولياء العقلاء قائما بالحق مع الصدق معارضاً للولاة، لا يرى تقديم الشهود إلا عند الحاجة فإذا حصل من تقع به الكفاية فلا يقدم سواهم لأن الكثرة مفسدة. طلب منه الملك تقديم رجل فقال له مشافهة إن شئتم قدمتموه وأخروني. وكان إذا جرى الأمر في تحري الشهادة ويجري ما قاله فيه القاضي أبو بكر بن العربي وغيره من أنها قبول قول الغير بغير دليل يرى أن هذا أمر عظيم لا يليق أن يمكن منه إلا لآحاد الذين بان فضلهم في الوجود. وكان يرى أن جنايات الشاهد في صحيفة من يقدمه لحديث من سنة حسنة. وقد سئل من أولياء الله فقال شهود القاضي لأنهم لا يأتون كبيرة ولا يواظبون على صغيرة، فإن كانت الشهادة بهذه الصفة فلا شيء أجل منها وإن كانت خطه فلا شيء أخسن منها. ولما كانت واقعة ابن مرين بطنجة عرض عليه أهلها أن يتقدم وأن يبايعوا، فقال والله لا أفسد ديني. ولما توفي عجز القاضي بعده عن سلوك منحاه واقتفاء سننه. صح من الغبريني في تأريخ أهل المائة السابعة ببجاهة.

محمد بن شعيب الهسكوري، الفقيه العالم الفاضل والإمام المجتهد الجليل العابد أبو عبد الله من أهل العلم والعمل متفنناً في العلوم كالفقه والأصلين والتصوف محصلاً لمذهب مالك. ثم رحل للشرق ولازم الاشتغال وأقام بالاسكندرية ثلاثاً وعشرين سنة. ثم رجع لتونس وظهر حاله ودرس عليه الناس وانتفعوا. ثم عرض عليه القضاء فامتنع فأكره فأشار عليه بعض أصحابه أن يتصرف في أموره التصرف الشرعي ليكون سبب عزله، فكان كذلك. ولي ولده القيروان، فوقعت المعارضة بين المكاسين وبعض أهلها، فدعي إليه، فقال ليس في الشريعة مكس. وضرب المكاس وضيق به، فأنهى الأمر إلى الولاة بحاضرة إفريقية فأمروا بعزله، وقالوا لا يصلح للولاية، فوصل سريعاً مكرماً. صح من عنوان الدراية.

محمد بن علي بن معلي القيسي السبتي، صاحب المناسك المشهورة. قال صاحب الكوكب الوقاد: هو الفقيه الإمام المتفنن المحقق الأعرف المعظم العامل الخاشع العالم الخاشي التقي الورع أبو عبد الله. كان في الدولة العزافية معظماً عندهم متبركاً بدعائه ومناسكه تدل على مكانه من العلم، وقد اشتهرت في البلاد وانتفع بها الناس. وتوفي سنة [بياض بالأصل] وستمائة. اه ملخصاً.

محمد أبو عبد الله الهزميري، الشيخ الصالك العالم الزاهد الولي العارف بالله أخو أبي زيد الولي المتقدم وهو أسن منه. كان من الفقهاء المتصدرين للإقراء والتدريس. قال ابن الخطيب القسنطيني: حدثني ثقات أنه كان يوماً يتكلم على مسألة في مجلس إقرائه، فتكلم رجل من طرف الحلقة فيها معه فلم يجبه، والرجل لا يعرف وعليه مرقعة، فنظر إليه الحاضرون استهزاء. فقال له الرجل: يا فقيه أدرك أمك فقد حضر أجلها، ثم قال الله، فطار في الهواء. فعجب الحاضرون من ذلك فقام ضجيج في المسجد، وغشي على الشيخ ساعة وانصرف إلى منزله فوجد أمه منتظرة إليه وكانت من الصالحات، فقالت: يا ولدي حضر أجلي وأردت حضورك وأعياني انتظارك. فجلس عندها حتى قبضت. ولما فرغ من دفنها خرج عن الدنيا وانقطع إلى الله تعالى وبلغ أمله في مقات الأولياء. وجاهد ما لم يجاهد غيره فمن مجاهاته أنه أمر ببناء باب البيت وأن لا يحل إلا بعد ستة أشهر ولم يدخل معه غير الماء وحده. وسئل بعد خروجه عن حاله، فقيل له كيف كنت في هذه المدة؟ فقال كالميت إلا أني أجد قوة عند الصلاة ببلد أغمات. وقفت على قبره متبركاً به مترحماً عليه. اه.

قلت: وله كرامات كثيرة أفردها مع كرامات أخيه أبي زيد الشيخ أبو عبد الله بن تجلات الأغماتي بتأليف سماه أثمد العينين في مناقب الإخوين ذكر منها كثيراً، وقفت عليه بمراكش، وذكر أنه توفي عصر يوم السبت آخر يوم من شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة عن نيف ستين سنة، ودفن بعد العصر من يوم الأحد. اه.

وقد زرت قبره بأغمات مراراً وتوسلت عنده، والله الحمد.

محمد بن إبراهيم بن أحمد بن حسن الطائي الأندلسي أبو عبد الله ويعرف بابن مسمعور. قال ابن الزبير: كان مقرئاً متقناً محكماً للقرآن حافظاً ضابطاً آخر أهل الشأن بغرناطة والأندلس اتقاناً وضبطاً وتجويداً وورعاً. لازمته سنين كثيرة، فما سمعته يتكلم بغيبة أحد ولا منتصراً بل مشتغلاً بنفسه مقبلاً على ما يعنيه، ما استعمل قط لأبناء الدنيا ولا وقف على باب أحد بوجه. عرضت عليه نيابة الجامع الكبير من غرناطة فامتنع جملة استصغاراً لنفسه مع أنه أهل لما فوق ذلك، وافر الحظ من العربية أقرأها عمره، أخذ عن الأستاذ المحديث الطراز والأستاذ المقري الجليل أبي محمد الكواب. أخذ عنه السبعية وغيرها ولازمه. توفي آخر يوم من ربيع الأول سنة سبعين وستمائة.

محمد بن الحسين بن عقيق بن رشيق الربعي المصري، علم الدين شيخ المالكية. كان من سادات المشايخ جمع بين العلم والعمل والورع. ولي قضاء الاسكندرية. ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة ومات ثمانين وستمائة. وولي ولده زين الدين أبو القاسم محمد بن العلم قضاء الاسكندرية اثنتي عشرة سنة. كان مالكياً وروى عن ابن الجميزي. وله نظم وفضائل. مات في المحرم سنة عشرين وسبعمائة عن اثنين وتسعين سنة. صح من تأريخ مصر.

محمد بن إبراهيم السبتي، نزيل قوص أبو الطيب. قال السيوطي: كان من أوحد العلماء العاملين فقيهاً مالكياً متفنناً في علوم متورعاً. أخذ عنه أبو حيان وغيره. مات سنة خمس وتسعين وستمائة. قال الكمال الأدفوي في الطالع السعيد بعد ذكره ما تقدم: حكى لنا صاحبنا العدل ناصر الدين محمود بن العماد أنه كان يجوز بالمكتب في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم فيقول يا فقيه هذا يوم سرور اصرف الصبيان فيصرفنا قال السيوطي وهذا منه دليل على تقريره وعدم إنكاره.

محمد بن فتح بن علي الأنصاري. قاضي الجماعة أبو بكر. كان طرفاً في الدهاء والتخلق والمعرفة بمقاطع الحقوق ومغابن البيب وعلل الشهادات فدا في إجلالة والصرامة مقدماً بصيراً بالأمور حسن السيرة عذب المفاكهة. خرج من إشبيلية عند تغلب الروم عليها فولي قضاء مالقة وبسطة ثم غرناطة فاستمر ثلاثين عاماً. فتوفي في ربيع الأول عام ثمانية وتسعين وستمائة. صح من تأريخ غرناطة لابن الخطيب.

محمد بن أحمد بن يحيى بن إبراهيم بن غالب الكلابي الطريفي، عرف بن غالب. قال الحضرمي: كان شيخنا مسناً فاضلاً نبيهاً حسناً مليح المجلس أديباً عالي الطبقة ذا نظم كثير. ولي قضاء بلس ومالقة وغيرهما ودرس وأفتى. ذكره الوزير الكاتب البليغ الحافل الصدر ابن الخطيب في كتابه عائد الصلة وعاقد الأشباه المنفصلة الذي وصل به صلة بن الزبير: توفي عن سن عالية عشرين من شوال عام تسعة وعشرين وسبعمائة. مولده في المحرم عام ستة وخمسين وستمائة.

محمد السكوني المفتي. [بياض بالأصل].

محمد ابن محمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن غريون أبو عبد الله الأنصاري البجائي، عالمها وخطيبها. قال الحضرمي: شيخنا الخطيب الصالح. اه.

محمد بن محمد بن علي شهر بابن البقال، العلامة المحقق الفقيه أبو عبد الله. قال أبو العباس الونشريسي: نقلت من خط الفقيه الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن بري أن أبا عبد الله المذكور كان من العلماء المحققين المحصلين المشاركين. أخذ أولاً بتازي علم الفرائض والعدد على أبي عبد الله العباس بن مهدي، والنحو والكلام على أبي عبد الله الترجالي. واستوطن فاساً ودأب على القراآت واستفرغ وسعه في المعقول سنين عديدة حتى حصل التعاليم واتقنها. ثم أخذ أخيراً في التفسير والفقه الخلافي. كان له حظ وافر من اللغة والأدب والبيان والعروض والشعر والكتابة وكان آخر عمره كثير التلاوة للقرآن محافظاً على صلاة الجماعة. له ورد من الليل، وبالجملة ما رؤي في وقته من حصل من علوم الفلاسفة مثل ما حصله مع الديانة والوقوف مع الشريعة. وأخذ في آخر عمره في تدريس الفقه فكان آية. وتوفي بفاس سنة خمسين وعشرين وسبعمائة، ودفن إثر صلاة الحجمعة داخل باب الفتوح وقد قارب الخمسين. اه.

قلت: وله أجوبة حسنة في التفسير والأصول، أجاب بها أبا زيد بن العشاب المتقدم.

محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف القرشي الهاشمي التونسي عرف بابن القوبع. ذكره ابن فرحون في الديباج، وقال: شيخ الديار المصرية والشامية العلامة في فنون العلم نزيل القاهرة لم يخلف بعده مثله. مولده سنة أربع وستين وستمائة، وتوفي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. زاد السيوطي عن الصدفي أنه ولد بتونس في رمضان وقرأ النحو على يحيى بن الفرج بن زيتون والأصول على محمد بن عبد الرحمن قاضي تونس. وقدم سنة تسعين فسمع بدمشق من ابن القواس وأبي الفضل بن عساكر وجماعة ودرس بالمنكوتمرية وأعاد بالناصرية وغيرها ودرس الطب بالبيمارستان. وكان يتوقد ذكاء ومهر في فنون حتى إذا تحدث في شيء من العلوم تكلم في دقائقه وغوامضه حتى يقول القائل أنه أفنى عمره في ذلك. وكان التقى السبكي يقول: ما أعرف أحداً مثله. وقال ابن سيد الناس لما قدم قعد بسوق الكتب والشيخ بهاء الدين بن النحاس هناك ومع المنادي ديوان ابن هاني فنظر فيه ابن القوبع فترنم بقوله:

فتكات لحظك أم سيوف أبيك * وكؤس خمرك أم مراشف فيك

فقرأ بنصب الجميع، فقال له ابن النحاس: يا مولانا هذا نصب كثير. قال له بشدة: أنا أعرف ما تريد من رفعك على أنه أخبار مبتدآت مقدرة والذي ذهبت له أنا أغزل وأمدح وتقريره: أقاسي فتكات لحظك. فقال له: يا مولانا فلم لا تتصدر وتشغل الناس؟ فقال وأي شيء هو النحو في الدنيا حتى يذكر. وكان فيه بادرة واحدة، وكان يتردد إلى الناس من غير حاجة لأحد ولا سعي في منصب، وناب في الحكم في القاهرة ثم تركه قائلاً يتعذر فيه براءة الذمة. وكان كثير التلاوة حسن الصحبة كثير الصدقة سراً، ولا يخلي مطالعة الشفاء لابن سينا كل ليلة مع سآمة وملل. شرح ديوان المتنبي وغيره والقوبع بضم القاف فيما اشتهر على الألسنة، وقال هو بفتحها اسم طائر. اه.

قبل هو من شيوخ الشيخ عبد الله المنوفي، ذكره خليل في ترجمته.

محمد بن حسن بن محمد اليحصبي أبو عبد الله يعرف بابن الباروني من أهل تلمسان، وأخذ بفاس عن أبي الحسن الصغيروأبي زيد الجزولي والأستاذ يوسف الجزولي وأبي زيد الرجراجي وحضرالموطأ على المزدغي، وكان من صدور الفقهاء. توفي بتلمسان ثالث عشر شوال سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. هكذا كتبه لي صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب رحمه الله. وفي مشيخة المقري محمد ابن الحسين البروني: الشيخ أبو عبد الله قدم علينا من الأندلس وأقام بتلمسان إلى أن مات. وسمعته يقول البقر العدوية كالإبل المهملة في الصحراء لا يجوز بيعها بالنظر إليها لكن بعد أن تمسكها وتستولي عليها. اه.

فتأمله أهو الذي قبله أم لا.

محمد بن أحمد بن فرج اللخمي الغرناطي يعرف بالطرسوني. كان قائماً على النحو والفقه والقراءة مجيد في ذلك محكماً لما يأخذ فيه مشاركاً في الأصلين والمنطق بفضل نباهته وذكائه وشعوره. رتب العلوم بالأندلس دون شيخ أرشده يجمع إلى ذلك خطباً وظرفاً وفكاهة وسخاء نفس وجميل مشاركة لأصحابه بأقصى قدرته صنع اليدين، يسفر ويحكم تراكيب الطب، وبالجملة فمن أجل نبلاء عصره الذين قل أمثالهم. أخذ القراءة عن الأستاذ أبي الحسن ابن أبي العباس وبه تفقه بالمرية وقرأ على الأستاذ ابن الزبير والخطيب ابن الزيات أبوي جعفر وأبي الحسن بن مسمعور وأبي عبد الله الطنجالي وأبي الحسن القيجاطي وابن رشيد وغيرهم. توفي ببلد العناب بعد أن أجلاه عن الأندلس وزيرها ابن المحروق آخر ثلاثين وسبعمائة.

محمد بن يعقوب بن يوسف المنجلاتي الزواوي ابجائي أبو عبد الله يعرف بالزواوي. كان حافظاً فقيهاً مستبحراً في حفظ المسائل والفروع. ولي قضاء بجحاية. ثم أخر عنه. وكان صديقاً للناصر المشذالي. قال الحضرمي في فهرسته: أخبرنا ولده صاحبنا الفقيه الخير أبو يوسف يعقوب، قال لما صرف والدي عن قضاء بجاية لقيه شيخنا الإمام ناصر الدين المشذالي وكان صديقه وسأله عن حاله. واعتذر له وعلمه أن صرفه عن القضاء شق عليه. وأنشد في الحال وحفظه والدي من فيه:

يعز علينا أن نرى ربعكم يبلي * وكانت به آيات حكمكم تتلى

فشكره والدي وأثنى عليه خيراً. ورد علينا أبو عبد الله المذكور المرية رسولاً، وأقرأ فرائض مختصر ابن الحاجب بحضرة جماعة من شيوخنا كأبي عثمان بن ليون والقاضي أبي الحسن البلوي والكاتب المتفنن أبي عبد الله بن عمر وغيرهم. وكان القاضي أبو عبد الله المذكور فقيهاُ ابن فقيه مليح البحث حسن النظر حافظاً مستبحراً في علم المسائل والفروع وقوراً مشاركاً في فنون العلم فاضلاً عنده حظ من الأدب. أخذ عن والده وعن الشيخ المحدث أبي محمد عبد العزيز بن مخلوف بن كحيلا وغيرهما. توفي يوم الجمعة ثاني شوال عام ثلاثين وسبعمائة. والزواوي نسبة لقبيلة كبيرة من البربر بفتح الزاي وكسرها عنهم. وولده صاحبنا أبو يوسف المذكور كان فقيهاً معظماً خيراً فاضلاً. اه من فهرست الحضرمي.

محمد بن محمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن سلامة البلوي القضاعي المالكي الاسكندري. قال خالد في رحلته: قال خالد في رحلته: هو الشيخ الزاهد جمال الدين أبو الفرج ابن الفقيه نجم الدين أبي البركات ابن الفقيه الصالح شرف الدين من كبار علماء المسلمين أعلم الناس بمذهب مالك وأعلاهم في دلالة تلك السبل والمسالك، نسب أشهر من الشمس في السماء وحسب كاتساق النجوم في الظلماء مع سبق في المنطق والجدل وحذق في الأصول والفروع وتشبث بالأدب وتمسك بالرواية وشأنه عجيب في طرق العلم وبلوغه أعلى مراتب التقي والحلم أطبق الناس على تعظيمه وحبه مع انقباضه عنهم وانقطاعه لربه يضرب به المثل في العلم والزهد وعند كلامه يقف البحث في الفتوى مقبلاً على الآخرة معرضاً عن زخرف الدنيا إلا ما يتخذه من ثوب حسن جيد، فترى رجلاً زينه الله بهيبة وجلال وأكرمه أن يشغله بأهل أو مال وحفظ عليه شبابه فلم تتغير ديباجته. أفادني من فنون المحفوظ والمفهوم ما لا يفيد إلا الأعلام الجلة. اه.

محمد بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية بن المسلم بن التنخي اللخمي الاسكندري المالكي ئهر بابن عطية. قال خالد البلوي في رحلته: الشيخ العالم المسنهد سديد الدين أبو عبد الله ابن الشيخ عز الدين أبي القاسم ابن الشيخ شهاد الدين ابن الشيخ الدين ابن الإمام مفتي المسلمين جمال الدين أبي الماضي عطية كان من أهل المجد والعلم والعبادة بل أوحد من برع في العبادة والزهد وذروة العلم. له مزية الرفعة وفعة المزية فهو حبر الأكارم وبحر المكارم وتاج المفاخر وحجة المفاخر، ودليلكم ترك الأول للآخر. مولده عام خمسن وستمائة. اه ملخصاً.

محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم الأنصاري الساحلي المالقي. قال الحضرمي في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب البليغ العابد المجتهد المتبتل الخاشع الناسك السالك الصالح ولي الله ذو المقامات والأحوال والكرامات الشهير الكبير الراسخ القدم في الولاية أجازني عامة ما رواه. وسمعت من كلامه: كل حقيقة لم تتقيد بالشريعة فهي باطلة، وكل شريعة لم تتقيد بالحقيقة فصاحبها محجوب. توفي قدس الله روحه بمالقة آخر ساعة يوم الجمعة قبيل المغرب في شوال عام خسمة وثلاثين وسبعمائة عن سعب وثمانين. مولده سنة ثمان أو تسع وأربعين وستمائة. وحضر جنازته العام والخاص وتزاحموا عليها، وكان رجلاً كبيراً من المشيخة المحققين والأولياء المجتهدين ذا قدر وديانة وعبادة مقيماً للسنن والإذكار بقية الصالحين. وله تآليف وشعر كثير. اه.

قلت: وقد ذكر ولده العلامة الجليل أبو عبد الله الساحلي في كتابه بغية السالك: له ترجمة مليحة، وذكر أنه ألف في مناقبه التفحة القدمية في الأخبار الساحلية، وكذا عرف به في الإحاطة بترجمة حسنة جداً تركناها خوف الطول.

محمد بن جعفر بن يوسف بن مشتمل الأسلمي. قال الحضرمي في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي الراوية الأفضل أبو عبد الله من أهل الخير متمعشاً في التوثيق. ولي قضاء غربي مالقة وناب في شرقيها. توفي عام ستة وثلاثين وسبعمائة، وولد في رجب عام ثمانية وستين وستمائة. أشندني لأبي الحسن بن جبير بسنده إليه:

من الله فاسأل كل أمر تريد * فما يملك الإنسان نفعاً ولا ضرا
ولا تتواضع للولاة فإنهم * من الكبر في حال يموج بهم سكرى
وإياك أن ترضى بتقبيل راحة * فقد قيل فيها إنها السجدة الصغرى. اه.

قلت: وعن سفيان الثوري تقبيل يد الإمام العادل سنة وعن الحسن طاعة، وفي إحياء الغزالي قبل أبو عبيدة بن الجراح يد عمر بن الخطاب فما أنكره. وقد ألف في رخصة تقبيلها الحافظ أبو بكر بن العربي جزأ لطيفاً، ولله أعلم.

محمد بن عبد الله بن راشد البكري نسباً القفصي بلداًنزيل تونس ويعرف بابن راشد شارح ابن الحاجب. ذكره في الأصل ونزيد هنا ما ذكره هو في نفسه. قال ملخصه: قرأت العربية والفرائض والحساب وأدركت بتونس جلة من النبلاء وصدوراً من النحاة والأدباء فأخذت عنهم. ثم تشاغلت بالأصول والفقه زماناً. ثم رحلت إلى الاسكندرية في زمن الملك السعيد فلقيت بها صدوراً أكابر وبحوراً زواخر كقاضي القضاة ناصر الدين بن المنير وكان ذا علوم فائقة والكمال بن التنسي يدعي مالكاً الصغير يدرس التهذيب وقاضي القضاة ناصر الدين بن الأبياري تلميذ أبي عمرو بن الحاجب وضياء الدين بن العلاق وكان فروعياً مجيداً ومحيي الدين حافي رأسه نحوياً أدبياً. أنشدني لنفسه:

عتبت على الدنيا لتقديم جاهل * وتأخير ذي فضل فقال خذ العذرا
ذو والجهل أبنائي وكل فضيلة * فأربابها أبناء ضرتي الأخرى

فأخذت عنهم. ثم رحلت للقاهرة إلى شيخ المالكية في وقته فقيد الأشكال والأقران نسيج وحده وثمر سعده ذي العقل الوافي والذهن الصافي الشهاب القرافي. كان مبرزاً على النظار محرزاً قصب السبق جامعاً للفنون معتكفاً على التعليم على الدوام فأحلني محل السواد من العين والروح من الجسد فجلت معه في المنقول والمعقول فحفظت الحاصل وقرأته مع المحصول فأجازني بالإمامة في علم الأصول وأذن في التدريس والإفادة. وترددت في إثناء ذلك إلى مجلس الإمام الأوحد العارف بالأصلين الجامع للمذهبين قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العبيد، كان يدرس مختصر ابن الحاجب ويثني عليه كثيراً ويقول إنه احتوى على أربعين ألف مسألة فاتكف على حفظه ودرسه، وإلى شيخ العقليات بحرالمعاني الشمس الإصبهاني استفدت منه طريقته الرشيقة وأبحاثه الأنيقة وكان يشكر ذهني ويفضلني على غيري، وإلى الشرف الكركي وكان لي معه أبحاث ومذاكرات وغيرهم ممن لا يحصى كثرة. ولما ظفرت من العلوم بما أردت رجعت إلى وطني فشرعت في الدروس ومالت إلي النفوس. ولما توليت القضاء ضاق بأناس متسع القضاء فسلقوني بألسنة حداد، ولي أسوة بمن تقدم وكان ذلك سبباً في الظهور وتضاعف الخسران عليه حتى سكنوا القبور. وفي أيام الامتحان ألفت في الأصول مختصراً سميته تلخيص المحصول في علم الأصول وسهلته بأمثلة، ثم الفائق في معرفة الأحكام والوثائق في سبعة أسفار من القالب الكبير، ثم المذهب في ضبط مسائل المذهب في ستة أسفار من القالب الصغير، ثم النظم البديع في اختصار التفريع، ثم الموهبة السنية في العربية، ثم المرقية العليا في تعبير الرؤيا، ثم شرح ابن الحاجب المسمى الشهاب الثاقب في شرح لفظه وحل مشكلاته وإيضاح رموزه وإضاراته وعزو مسائله وتقرير دلائله وقد استخرجت مسائلها في أماكنها ولم يبق منها إلا نحو خمس مسائل لم أقف على النقل فيها وكذا بعض الأقوال. اه ملخصاً.

وذكر ابن فرحون أنه لم يقف على وفاته، وأنه حي في وقت وصول أبي الحسن المريني لتونس. اه.

وفيه نظر لأن أبا الحسن إنما ملك تونس ودخلها في عام ثمانية وأربعين وسبعمائة.

فائدة: ولما زعم صاحب الترحمة في شرح قول ابن الحاجب في الفصاص "فإن كان فيهم صغير" فثلاثة لابن القاسم وعبد الملك وأشهب أن المؤلف خالف عادته وتمشية الأقوال إذ مقتضى عادته أن يجعل الأول لعبد الملك والثاني لابن القاسم إذ عادته جعل الثبوت للقول الأول والسلب للثاني. اه.

قال ابن عبد السلام هذا الذي قال أنه عادة المؤلف في هذا الكتاب ليس كذلك وإنما يفعل هذا إذا صدر كلامه بالثبوت، كما قال "فإن كان فيهم صغير" ففي انتظار بلوغه ثلاثة ولما قال هنا ثالثها لم يكن قريباً من المراهق لم ينتظر ومفهوم الشرط يدل على أنه إن كان قريباً من المراهقة انتظر كان هذا القول مركباً من هذين الجزأين، الأول منهما هو القول الأول وهو عدم الانتظار مطلقاً وهو لابن القاسم، والجزء الثاني هو القول الثاني الانتظار مطلقاً وهو لعبد الملك وهذا أجلى من كلام المؤلف معلوم من عادته يعرفه الصبيان الذين تدربوا بنظر هذا الكتاب وخفي على هذا الشارح وهو يزعم أن له فهماً لا يشاركه غيره فيه. اه.

قال الشيخ أحمد الوشريسي: قد أفرط ابن عبد السلام رحمه الله في الرد على ابن راشد مع ما له من مزية التقدم في العلم والصلاح واتكار الشرح ونهج السبيل، نفعنا الله بهم ويرحم الله الشيخ أبا عبد الله بن الحباب. فإنه لما توفي القاضي ابن راشد رحمه الله بتونس حضر جنازته الأعلام كابن هارون وابن عبد السلام وابن الحباب وغيرهم. وكان ابن عبد السلام وابن هارون مستندين إلى حائط جبانة وجلس ابن الحباب إلى ظهر الحائط من الجانب الآخر. ثم ترحم ابن الحباب على ابن راشد وذكر مآثره وتفننه في العلوم وقال: لو لم يكن من فضائله لا ابتكاره لشرح بن الحاجب. قال وجاء هؤلاء السراق بعده يشير إلى ابن عبد السلام وابن هارون فسرقوا كلامه ونسبوه لأنفسهم وأشار إليهما وهما يسمعان. اه.

فرحمة الله تعالى عليهم ونفعنا بهم.

محمد بن عبد الستار أبو عبد الله التونسي. قال الشيخ خالد في فهرسته: وهو ثاني أبي الحسن المنتصر في الفضل والولاية والعلم المستمع الراوية العالم العامل خطيب جامعه الأعظم إمام من أئمة الفروع والتفسير وسراج يقتدي به، انتمى من الفضل إلى أقصى أمده وكرع في بحره لا في ثمره، أصاب بأنوار معارفه البلاد وترادف على محله العلي القصاد وعلا سنه وسناه، وبلغ من المعارف الدينية والأحاديث النبوية قصده ومناه. له جلالة السبق ومهابة الولاية والصدق ومكانة القبول عند الخالق والخلق زاهداً في الدنيا وزهرتها يدرس العلوم من التفسير والحديث والفروع والأصول. لازمته وانتفعت به وشاهدت له كرامات ومقالات لا تصدر إلا عن مثله. رحل وحج، فلما عاد لوطنه أعاد جميع صلوات سفره، وقد نيف الآن على التسعين، فما ضعفت له قط مواد العبادة ولا تعطلت مدرسته عن دولته المعتادة. اه ملخصاً.

محمد بن أحمد بن ثعلب المصري شهر بابن كشتغدي، القاضي مدرس المالكية بمصر أحد شيوخ ابن مرزوق الخطيب. قال في مشيخته: قرأت عليه بمنزله جملة مختصرة وشرحه على ابن الحاجب الفرعي ولم يكمله وجملة وافرة من الطرر للفقيه سند ومن شرحه لمختصر أبي الحسن الطليطلي الذي ألفه باقتراح الأميرموسى سلطان مالي ملك السودان. وكان من أحسن الناس سيرة وأطعمهم للطعام وأشهرهم تواضعاً. له كلام مستعذب في التصوف، وقلمه أفصح من لسانه. اه.

محمد بن حسن بن عبد الله الفرشي الزبيدي أبو عبد الله، العالم الصالح الزاهد النسابة بقية الشيوخ وزين عصره. قال الشيخ الرحلة ابن بطوطة في رحلته: توفي عام أربعين وسبعمائة، وهو أحد الفضلاء. والزبيدي نسبة لقرية بساحل المهدية.

محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن بكر بن سعد الأشعري المالقي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن بكرمن ذرية أبي موسى الأشعري. قال في الإحاطة: كان من صدر العلماء وأعلام الفضلاء سذاجة ونزاهة ومعرفة وتفنناً فسيح الدرس أصيل النظر واضح المذهب مؤثراً للإنصاف عارفاً بلأحكام والقراءة مبرزاً في الحديث تأريخاً وإسناداً وتعديلاً وجرحاً حافظاً للأنساب والأسماء والكني قائماً على العربية مشاركاً في الأصول والفروع واللغة والعروض والفرائض والحساب مخفوض الجناح حسن الخلق عطوفاً على الطلبة محباً في العلم والعلماء مطرح التصنع عديم المبالاة بالملبس بادي الظاهر عزيز النفس نافذ الحكم تقدم للشياخة بمالقة ناظر في أمور العقد والحل ومصالح الكافة. ثم ولي القضاء فأعز الخطة وترك الهوادة وأنفذ الحق ملازماً للقراءة والإقراء محافظاً للأوقات حريصاً على الإفادة. ثم ولي القضاء والخطابة بغرناطة محرم سبعة وثلاثين، فقام بالوظائف وصدع بالحق وبهج الشهود فزيف منهم ما ينيف على سبعين، استهدف بذلك إلى معادات ومناضلة، خاض ثبجها وصادم تيارها غير مبال بالمغبة ولا حامل بالتبعة. فناله لذلك من المشقة والكيد العظيم ما نال مثله حتى كان لا يمشي إلى الصلاة ليلاً ولا يطمئن على حالة، وجرت له في ذلك حكايات إلى أن عزم الأمير أن يرد للعدالة بعض من أحطه فلم يجد في قناته مغمزاً ولا في عوده معجماً تصدر. لبث العلم بالحضرة يقرئ فنوناً جمة فنفع وخرج وأقرأ القرآن ودرس الفقه والأصول والعربية والفرائض والحساب وعقد مجالس الحديث شرحاً وسماعاً على انشراح صدر وحسن تجمل وخفض جناح.

قال القاضي المؤرخ أبو الحسن بن الحسن في وصفه: كان شيخنا أبو عبد الله بن بكر صاحب حزم ومضاء وحكم صادع وقضاء أخرق قلوب الحسدة وأعز الخطة بإزالة الشوائب وذهب وفضض كواكب الحق ونفذ في المشكلات وثبت في المذهلات واحتج وبكت وتفقه ونكت. قال: حدثنا صاحبنا أبو جعفر الشقوري قال كنت قاعداً بمجلس حكمة فرفعت إليه امرأة رقعة مضمنها أنها محبة في مطلقها وتبتغي الشفاعة لها في ردها فتناول الرقعة وأوقع لها على ظهرها بلا مهلة "الحج لله من وقف على ما بالقلوب" فليصغ لسماعه إصاغة مغيث وليشفع للمرأة عند زوجها تأسياً بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لبريرة في مغيث، والله تعالى يسلم لنا العقول والدين ويسلك بنا مسلك المهتدين والسلام من كاتبه. قال صاحبنا فقال لي بعض الأصحاب هل لا كان هو الشفيع لها؟ فقلت الصحيح أن الحاكم لا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه على المنصوص. قرأ على الأستاذ المتفنن ابن السداد الباهلي القرآن جمعاً وإفراداً والعربية والحديث ولازمه وتأدب به وعلى الشيخ الصالح أبي عبد الله بن حريث كثيراً من كتب الحديث سمع عليه جميع صحيح مسلم إلا دولة واحدة وأخذ عن خاتمة المقرئين أبي جعفر بن الزبير والخطيب ابن رشيد والولي الصالح أبي الحسن بن فضيلة والأستاذ أبي عبد الله بن الكماد وأجازه أبو فارس عبد العزيز بن الهواري وأبو إسحق التلمساني، ومن إفريقية أبو المعمر محمد بن هرون ومحمد بن محمد بن سيد الناس والشرف الدمياطي وجماعة من أهل مصر والشام والحجاز. فقد في المصاف يوم المناجزة بطريف، زعموا أنه وقع عن بغلة يركبها. وأشار إليه بعض المنهزمين بالركوب فلم يقدر. وقال له انصرف هذا يوم الفرح إشارة فقوله تعالى في الشهداء "فرحين بما آتاهم الله من فضله" وذلك ضحى الاثنين سابع جمادي الأولى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. اه.

قال الحضرمي في مشيخته: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب قاضي الجماعة الإمام العدل النزيه العالم المفنن الصالح الخاشع الشهيد الفاضل أبو عبد الله بن بكر توفي شهيداً بوقيعة طريف مقبلاً غير مدبر. مولده بمالقة في أواخرشهر ذي الحجة عام أربعة وسبعين وستمائة.

محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن جزي، بضم الجيم وفتح الزاء بعدها يا ساكنة ثم همزة، أبو القاسم ويعرف بابن جزي. ذكر في الأصل نقلاً عن الإحاطة. وقال الحضرمي في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ المقرئ الخطيب العالم المتفنن المصنف الحسيب الماجد المثيل الصدر المعظم الفاضل الشهيد بوقيعة طريف. قال الفقيه المحدث الوزير أبو بكر ابن ذي الوزارتين ابن الحكيم: أنشدني يوم الوقيعة من آخر شعره قوله:

قصدي المؤمل في جهري وأسراري * ومطلبي من إلهي الواحد الباري
شهادة في سبيل الله خالصة * تمحو ذنوبي وتنجيني من النار
إن المعاصي رجس لا يطهرها * إلا الصوارخ من إيمان الكفار

ثم قال في اليوم أرجو أن يعطيني الله ما سألته في هذه الأبيات. قال الوزير فقلت له وجعلت للكفار يميناً [إيماناً؟]؟ فلو كان غيرهذا اللفظ موضعه. فقال لي والحطمة في الناس من أيدي الكفار. قال فكان آخر عهدي به رحمه الله. قال الحضرمي: كان رجلاً ذا مروءة كاملة حافظاً متفنناً ذا أخلاق فاضلة وديانة وعفة وطهارة وشهرته ديناً وعلماً أغنت عن التعريف به له جملة تآليف في غير فين وبرنامج لا بأس به ولد تاسع عشر من ربيع الأول عام ثلاثة وتسعين وستمائة. اه.

ومن خطه نقلت.

محد بن يحيى بن عمر بن الحباب وبه عرف التونسي، أحد معاصري ابن عبد السلام. أخذ عن ابن زيتون وغيره، وكان إماماً بارعاً محققاً علامة أصولياً جدلياً نحوياً متفنناً. وقع له مع ابن عبد السلام مناظرات، وعنه أخذ ابن عرفة الجدل والمنطق والنحو ونقل عنه في مختصروغيره أشياء، وأخذ عنه الإمام المقري والشيخ خالد البلوي. وعرف به في رحلته فقال: واحد الزمان وفريد البيان والتبيان العديم النظراء والأقران المرتقي درجدة الاجتهاد بالدليل والبرهان العالم المشاور أبو عبد الله بن الحباب، حبر بحر حافظ لافظ ذو أبهة وبهاء وحبوة مملوءة من علم خالية من ازدهاء وخلقة سمت في مطالع الحسين إلى أنهى كمال وأكمل انتهاء برع بأحسن الصور وبرع من الجمال أرفق الصورة، انفرد بفني المنقول والمعقول واتحد في علمي اللسان والبيان فما يجاري في شيء من ذلك ولا يباري وهو فيما عدا ذلك من الفنون يفوق الصدور ويفيض على مزاحمة البحور ويحلي من فرائد فوائده النحور. له تآليف وتصانيف فيها من العلوم صنوف وهي في الآذان شنوف تقضي له بالظهور على غيره وشفوف وقلائد قصائد تتحلي بجمانها الخرائد وتحسد حسنها نيرات الفراقد ونثر بل نور أو أجم زهر. كان أول طلبه رئيس الإنشاء بتونس فأحرز قصب السبق. ثم عطف إلى تعليم العلوم وعكف على تدريسها فأفاد الأفراد وأمتع جهابذة النقاد وأسمع الإسماع ما اشتهى كل وأراد إلا أنه مؤثر للرحلة. قل ما ينضبط للطالب ولا يغتبط إلا لذي فهم ثاقب وسهم في العلوم مسدد صائب، فمجلسه مجلس علم وإيناس وتقريب لأناس وإبعاد لأناس، وكنت من الفريق الأول لا بالشك ولابالتأول، فأخذت عنه وأجازني. اه ملخصاً

قال ابن عرفة: دخلت مرة عليه داره فسألته عن شيء. فقال لي انظر في ذلك الكتاب وأشار لبعض كتبه. قال فجعلت أنظر كتبه فنهاني، فقال لا ينبغي للشيخ أن يطلع تلميذه على جميع أسراره. اه بنقل السلاوي في إكمال الإكمال. ومن تأليفه تقييد على معرب ابن عصفور، نقل عنه فيه الجمال ابن هشام في شرح التسهيل. ويذكر عنه أنه دخل على سلطان وقته بتونس أظنه أبا عصيدة فوجده قد أكل، فأنشد:

لقد فاتك الجدي يا بن الحباب * بخبز سميذ كثير اللباب
ولم يبق منه سوى عظمه * وذاك لعمري طعام الكلاب

فلما وصل في إنشاده إلى قوله طعام بادر الفقيه ابن الحباب فقال به طعامكم طعامكم. قال بعض أصحابنا: ففي كلامه تورية عجيبة، ولكن لا ينبغي مثل هذا مع الملوك لقول أهل السياسة إذا داعبت الملك فاجمل الأدب ووفه حق اللعب. اه.

توفي عام أحد وأربعين وسبعمائة.

محمد بن عمر بن علي بن محمد بن إبراهيم عرف بابن عمر المليكشي البجائي ثم التونسي الجزائري. كذا بخطه نسبة إلى جزائر إفريقية لا إلى بلد جزيرة لأن النسب إليها جزيري. قال الحضرمي في مشيخته: كان صدراً في الطلبة والكتاب فقيهاً كاتباً أديباً حاجاً راوية متصوفاً فاضلاً صاحب خطة الإنشاء بتونس شهيراً ذا تواضع وإيثار وقبول حسن. رحل وحج، روى عن جماعة بالحجاز ومصر والاسكندرية كالرضى الطبري سمع عليه الكتب الخمسة والسراج محمد بن طراد قاضي المدينة وخطيبها وأبي محمد الدلاصي والنجم الطبري وغيرهم وله شعر رائق ونثر فائق وكتابة بليغة وتآليف مستظرفة توفي بتونس غرة المحرم فاتح أربعين وسبعمائة. اه ملخصاً وقد ذكره خالد في رحلته فأثنىعليه فانظره.

محمد بن أحمد بن علي بن الزيات الكلاعي أبو بكر ابن الخطيب أبي جعفر. قال ابن الخطيب في عائد الصلة: يشبه أباه في هديه وسمته ووقاره حافظاً للرتبة مقيماً للأبهة بقية أبناء المشائخ ظرفاً وأدباً مروءة إلى رواية كثيرة مشاركاً في فنون من فهم وقراءة وعربية وأدب وفريضة ومعرفة الوثائق والأحكام. تولى قضاء بلده بلش وإمامته وخطابته وأقرأ بها فانتفع به. قرأ على الأستاذ ابن أبي السداد الباهلي وشيخ الجماعة ابن الزبير، وأخذ عن خال أبيه العارف أبي جعفر بن الخطيب وأبي عبد الله بن رشيد والخطيب الرباني أبي الحسن بن فضيلة. اه.

محمد بن يحيى الباهلي البجائي عرف بالمسفر، عالمها وفقيهها. ذكره ابن فرحون في الأصل، وقال إنه الإمام العلامة المتفنن المصنف الأوحد نادرة العصر. توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. اه

وقال أبو العباس بن الخطيب القسنطيني: هو الشيخ الإمام العالم المحقق المدرس المفتي الصالح الشهير قاضي الجماعة ببجاية شهير الذكر رفيع القدر رقيق القلب غزير الدمعة. لقي أبا الحسن الصغير المغربي صاحب التقاييد وتحدث معه في الفقه، ورد عليه ملحونة. فلما فارقه أبو الحسن قال لأصحابه: بم يدرك هذا؟ فقالوا له: بعرفة فصيح ثعلب. قالوا فحفظه في ليلة واحدة. ومجلس المسفر ببجاية معروف باجتماع الفقهاء والفضلاء والصلحاء، أخذ عن ناصر الدين المشذالي. وله إملاء عجيب على بعض فرعي ابن الحاجب، وقصيدة بديعة سماها فوائد الجوهر في معجزات سيد الأوائل والأواخر مطلعها:

تبدت فغبت واختفت فتجلت * وشاهدتها حالي حضوري وغيبتي

وشرح الأسماء الحسنى، وكلام عجيب في التصوف، وتقاييد في أنواع فنون العلم. وله شعر فائق وخط رائق من فصحاء الفقهاء، وأجوبته في الفتيا تدل على مكانته العلية وسيادته السنية. يتولى قضاء حوائجه في السوق بيده ولعمه. ومكانته بل وأمانته وفصاحته يتوجه في رسائل السلطان كثير التواضع والملاقاة، وهو على الجملة ممن يفتخر بلقائه. توفي سنة أربع وأربعين وسبعمائة. اه ملخصاً.

أخذ عنه جماعة كمنصور الزواوي والخطيب بن مرزوق والإمام المقري. باحثته واستفدت منه. وسألني عن ضبط صحاح الجوهري. فقلت منهم من يفتح ومنهم من يكسر. فقال لي إنما هو بالفتح بمعنى الصحيح كما ذكره في باب الصحيح. وقال بعضهم يحتمل كونه مصدر صح كحنان. اه.

محمد بن محمد بن سلامة الأنصاري التونسي، الشيخ الفقيه العالم الصالح العابد. أخذ عنه العلامة المقري والشيخ ابن عرفة وغيرهما. قال بعض أصحابنا: توفي سنة ست وأربعين وسبعمائة.

محمد الرندي الفاسي أبو عبد الله، الفقيه الحافظ. كان قائماً على المذهب إماماً في العربية مقدماً في النظر انتفع به خلق. توجه مع أبي الحسن المريني لإفريقية. فمات سنة ست وأربعين وسبعمائة. له تأليف حسن في شرح الجلاب أبان فيه عن فضله وتصرفه. صح من خط بعض أصحابنا.

محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الجذامي المالكي الاسكندري أبو البركات. قال خالد البلوي في رحلته: الشيخ الفقيه العدل شرف الدين ابن الشيخ الإمام فخر الدين أبي بكر ابن الإمام العالم المصنف شهاب الدين أبي محمد. كان من العلماء النفاد. له حسب صميم وسلف في العلم قديم ومنهج على ألسنة قويم وبيت. له بالعلم تعظيم وتفخيم فهو كريم النجار كبيرالكبار خير الأخيار كامل الأدوات عالي الروايات عالم بالشرعيات واقف على الطبيعيات سهل العبارة نبيه التنبيه والإشارات ذاكر للحديث والفروع سالك سنن المشروع عارف بعقد الشروط ناظم لتلك السموط عاقد مجيد باحث مفيد إمام مفت عالم عدل مبرز من معشر أوصافهم كالمسك لذ لمن نشق فحديث آخرهم زكاء وحديث أولهم بسبق. أجازني عامة. اه ملخصاً.

محمد بن محمد بن المنير الاسكندري. قال خالد البلوي: الشيخ العالم الأصيل جمال الدين ابن شرف الدين ابن المنير، ممن له البيت الذي بني على قواعد الأديان الصحيحة وسما على عمد الأعمال الصالحة والعلم الذي أنارت مفاخره ومآثره في أقطار الآفاق وآفاق الأقطار وطارت نزاهته وعدالته كل مطار، وسمرت أمثال علمه كباسمات الأزهار، واستدار فلك مجده على قطبي العلم والدين، واستدار قمر هديه أشرق من صبح مبين فسعى في العلم راسخ القواعد مشاراً إليه من كل غائب وشاهد مشاوراً في النوازل مستفتي في المشكلات تصطفيه الرتب العلية وتنافس الخطط الشرعية فطوراً مقدماً في أندية الوزراء الأعيان وتارة صدراً في قضاة العدل والإحسان، فاعتزف بإرشاده الخاص، والعام خلاله عن طريق المجد، حاسده ومن يساجل صوب العارض الهطل، علم وحلم ورأى محصل وذرى سبحان جامع هذا الفضل في رجل. سمعت عليه أكثر تآليف عمه العالم الكبير قاضي القضاة ناصر الدين ابن المنير كأرجوزته الكبرى التي فسر بها القرآن العظيم وتراجم البخاري. له وجزه في أحكام السماع وشروطه وغيرها. اه ملخصاً.

محمد بن يحيى بن علي بن النجار التلمساني، بادرة اللإعصار. قال العلامة الإبلي ما قرأ على أحد حتى قلت له لم يبق عندي ما أقول لك غير ابن النجار. قال المقري ذكرت يوماً ما حكاه ابن رشد في الخمر: أنها إذا تخللت بنفسها طهرت، واعترضته بما في الإكمال عن ابن وضاح لا تطهر. فقال لي لا تغتز بقول ابن وضاح فإنه يلزم عليه تحريم الخل لأن العنب لا يصير خلاً حتى يكون خمراً. وذكرت يوماً قول ابن الحاجب فيما يحرم من النساء بالقرابة وهي أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا، فقال إن تركب لفظية النسبة العرفية من الطرفين حلت وإلا حرمت. فتأملته فوجدته كما قال، لأن أقسام هذا الضابط أربعة التركيب من الطرفين كابن العم وابنة العم مقابله كالأب والبنت التركيب من قبل الرجل كابنة الأخ والعم مقابله كابن الأخ والخالة. اه بنقل ابن الخطيب في تأريخ غرناطة.

ونقله الونشريسي في فوائد المقري أيضاً: ولما أوقفت شيخنا الفهامة محمد بن محمود بغيغ على هذه الفائدة أعني قوله أن تركب الخ تأملها. وعجب بها كثيراً وصار ينقلها في دروسه رحمه الله. قال المقري لم يكن ابن النجار بصيراً بالفقه وإنما عنده ذكاء زائد. اه.

قلت: وإنما ذكرته في هذا الذيل لهذه الفائدة.

محمد الآجمي، أحد فقهاء تونس وقاضي الأنكحة بها. أخذ عنه الإمام المقري، وقال إنه حافظ فقهائها في وقته. اه.

وأخذ عنه أيضاً الخطيب ابن مرزوق وابن عرفة ونقل عنه في مختصره قصة في أجرة الشهادة. توفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. أفاد نيه [نية؟] بعض أصحابنا.

محمد بن عبد الله بن عبد النور الندرومي أبو عبد الله، الفقيه قاضي فاس وقاضي عسكر أبي الحسن المريني. قال ابن حلدون: كان مبرزاً في الفقه على مذهب مالك تفقه بالإخوين ابني الإمام ولما فتح أبو الحسن تلمسان ورفع منزلة ابني الإمام واختصهما بالشورى وكان يستكثر من العلماء ويعمر بهم مجلسه طلب منهما أن يختارا له من أصحابهما من ينطقه في فقهاء مجلسه فأشارا عليه بابن عبد النور هذا فأدناه وولاه قضاء عسكرة توفي بتونس في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائاة. اه.

محمد بن محمد بن غالب، أحد أصحاب أبي الحسن الصغير نقل عنه في المعيار. ولم أقف على ترجمته.

محمد بن عبد السلام الهواري التونسي، قاضي الجماهة بها وعلامتها وإمامها شيخ الإسلام الإمام المحقق المشهور، ذكره في الأصل وأثنى عليه وقال: خالد البلوي في رحلته البحر المتلاطم الأمواج والمنهل الذي يعذبه بقاع الوهاد والتلاع العجاج نزلت بساحته متفرقات العلوم نزول الماء النجاج، قاضي القضاة وإمام الفقهاء والنحاة العالم العلامة قطب الشورى وعماد قدوة علماء الإسلام. نشأ في عفة وصيانة وتبوأ ذروة طهارة وديانة وصعد من هضبة التقي على أعلا مكانة لم تعرف له قط صبوة ولا حلت له إلى غير الطاعة حبوة. فالمسهب في أوصافه سكيت وقاصد، وهيهات يضرب في حديد بارد، ومن رام بيده لمس الشمس وتعاطي برجله لحاق البرق وصرف همته العلية وفكرته الوقادة الزكية لا نتحال فنون العلم وفتح مختومها، فملك أعنتها وقاد أزمتها وأوضح أشكالها وحل أقفالها، فهو وحيد الأوان وعلامة الزمان والمشار إليه بالبنان والبيان. ما قرن به فاضل من العلماء إلا رجحه ولا ألقى إليه منهم من العلوم إلا كشفه وأوضحه عدلاً في أحكامه جزلاً من إقباله في فعله وكلامه. له صادقات عزائم لا تأخذه معها في الله لومة لائم إلى نزاهة عن الدنيا وهمة نيطت بالثريا، وله فيها ترقرق ماء البشر فأحيا وحيا. سمعت في درسه أنيق الفوائد وأخذت عنه شرحه لابن الحاجب. ولده سنة ست وسبعين وستمائة. سمعت عليه جميع الموطأ وقرأه هو على أبي العباس الطبراني والمعمر أبي محمد بن هارون. اه ملخصاً.

توفي عام تسعة وأربعين.

محمد بن هارون الكناني التونسي، الإمام العلامة الحافظ أحد مجتهدي المذهب. وصفه ابن عرفة ببلوغه درجة الاجتهاد المذهبي. له تآليف كشرح مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي واختصار المتيطية في قدر ثلثها أسقط وثائقها وتكرارها، وشرح المدونة وقعت على أسفار من الجميع. ووقع بينه وبين ابن عبد السلام نزاع في مسائل. تولى القضاء بغير تونس. أخذ عنه الأئمة كالمقري والخطيب ابن مرزوق وابن عرفة وخالد البلوي، وذكره في رحلته وبالغ في ثنائه فقال: الشيخ الفقيه الإمام أبو عبد الله بن هارون إمام في الفقه وأصوله وعلم الكلام وفصوله متوصل بالجد لحصوله علم من أعلام المعارف ومعلم لأعلام الحلل الدينية والمطارف. نفع بما وعى في العلم وتنفع فاستفاد من علماء تونس بما استفاد من علماء الشرق، وظفر في رحلته بمبرزي العلماء، فآب بعد قضاء فرضه وقد كمل فضله واشتمل على الكمال عقله ونقله فانبسط في العلم بنباهته والقبض عن العالم بنزاهته ولزم مطالعة دواوينه وحدق إليها عيون فهمه ودينه فانتفع به بشر كثير وأودع له في القلوب من القبول حظ كبير، ولو لا زهده وقناعته لتولى قضاء الجماعة، فقام العباد بحقه وصدقوا فيه الخبر النبوي فلم يتماروا في صدقه فهو السابق في المضمار لا يترشح أحد لسبقه، فازدحم عليه الناس واقتبسوا من أنواره التي لا تنقص بكثرة الاقتباس فأقرت له السادات بالتسديد، وأحيا الله به سنة الاجتهاد حين وقف غيره مع التقليد فبرز في تدريسه بما برز وأحرز من السبق ما أحرز من جلالة قدر وسعة صدر وحسن خلق وإعدال خلق وسهولة عبارة وصناعة صوغ كلام البداوة والحضارة وقمع الباحث الملد ومزج الهزل بالجد إلى تآليف أحكم أصولها وأتقن فصولها مع توفية الأغراض باختصار وإيجاز ومآخذ تكاد تنسب للإعجاز فإليها يطمح الأمل وبها الاعتماد وعليها العمل، هذا مع حسن إلقاء وملاحة إشارة وإيماء ونبل تنبيه ولطف توجيه وإصابة تنظير وإجادة تنقير، وقل ما ترى العين أن تسمع الأذن بآصل في الأصول، وأفرع للفروع وأبرع في نقد الفروع واعترف بتأليف ابن الحاجب وفتح مقفلاته وحل مشكلاته. قرأت عليه نصف مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي قراءة بحث وسمعت عليه كثيراً من التهذيب وغيره من كتب الفقه والأصول والعربية ومن تآليفه كشرح مختصري ابن الحاجب، وشرح المعالم الفقهية، ومختصر التهذيب، وشرح التهذيب في مجلدات عديدة، وشرح الحاصل وغيرها. مولده سنة ثمان وستمائة. اه ملخصاً.

قلت: وتوفي في الوباء العام سنة خمسين وسبعمائة. ذكره ابن الخطيب القسنطيني. والعجب من ابن فرحون حيث لم يذكره في الديباج أصلاً مع كثرة نقله عنه في تبصرته وشرحه.

محمد بن سليمان السطي، الفقيه حافظ المغرب العلامة الفرضي الجليل.قال ابن خلدون: وسطة بطن من أوربة بنواحي فاس. اخذ العلم عن إمام المالكية بالمغرب الطائر الذكر أبي الحسن الصغير وتفقه عليه، وكان أحفظ الناس للمذهب وأفقهم فيه. وأخذ الفرائض عن الشيخ أبي الحسن الطنجي ختم عليه الحوفية ثمان ختمات، وكانت له في فهمه وإفرائه وحل عقده اليد الطولى. واختاره السلطان أبو الحسن المريني مع جماعة من العلماء لصحبته، وكان أبو الحسن لدينه وسرارته وبعد شأوه في الفضل يتشوق لتنويه مجلسه بهم، فقدم السطي معه تونس وشهدنا وفور فضائله وكان في الفقه نبيهاً لا يجاري حفظاً وفهماً. وكان أخي محمد يقرأ عليه تبصرة اللخمي ويصححها عليه من إملائه وحفظه في مجالس عديدة وهذا أكثر حاله في أكثر ما يعاني جملة من الكتب. وحضر مع السلطان أبي الحسن واقعة القيروان وخلص معه إلى تونس وأقام معه بها نحواً من سنتين. ثم غرق في سواحل بجاية مع من غرق من الفضلاء وغيرهم. اه.

وقال بعض أصحابنا: كان السطي إماماً جليلاً حافظاً مقدماً في الفقه من أكبر تلامذة أبي الحسن الصغير في الفقه مع المشاركة في الأصلين والعربية مع دين تام حظي الجاه عند أبي الحسن المريني يؤم به ويخطب ويقرأ مكباً على المطالعة والنظر يسرد الصوم لا يتكلم حتى يسأل. أخذ عنه ابن عرفة والعقباني وابن خلدون. توفي غريقاً سنة تسع وأربعين.

قلت: بل في شوال سنة خمسين كما ذكره ابن الخطيب في رقم الحلل. وممن أخذ عنه من الأئمة المقري والعبدوسي الكبير والخطيب ابن مرزوق القباب وغير واحد. قال معضهم: كان خزانة المذهب مع مشاركة تامة في علوم وديانة شهيرة وصلاح متين. كان مدرس حضرة أبي الحسن ومفتيه وخطيبه مقبلاً على ما يعنيه لا تراه إلا مكباً على النظر والقراءة والتقييد حتى في مجلس السلطان. اه.

وناهيك من جلالته أنه لما وصل تونس طلب منه ابن عرفة قراءة الحوفية، فقال بلغني أنك قرأته على ابن عبد السلام. فقال له نعم ولكن وقف عليه منه مواضع. قال ابن عرفة، فقال لي ليس لي وقت إلا ساعة خروجي من عند السلطان، قال فكنت أنتظره قرب الزوال حتى يخرج من عند السلطان، فإذا خرج قرأت عليه حتى إذا وصلنا إلى تلك المواضع التي توقف فيها ابن عبد السلام من المناسخات والإقرارات، فقررها لي أقرب ما كان. وأحسنه نقله الرصاع. ومن تآليفه تعليق صغير على المدونة، وشرح جليل على الحوفية، وتعليق على ابن شاس فيما خالف فيه المذهب ذكره تلميذه ابن عرفة عنه. قال الأبي كان السطي ممن يقتدي به. وذكر شيخنا ابن عرفة أنه رآه إذا عطس السلطان لا يشمته بشيء لا برحمة ولا دعاء. قال ابن عرفة فكنت أقول سراً يرحمك الله لأخرج من عهدة الرد في مثل هذا المحل ومن الضر للسطي. والله أعلم بما يتقي من ذلك. اه.

فائدة: كان السطي يقول في قول ابن الحاجب "والثمن والسدس والثلث من أربعة وعشرين" لا يصح هذا إذ لا يجتمع الثلث والثمن في فريضة، وسبقه لهذا الوهم صاحب المقدمات. قال العلامة المقري وسألت عنه ابن النجار. فقال لي إنما أراد المقام لأنه يجتمع مع الثلثين والإنصاف أنه لا يحسن التعبير بما لا تصح إرداة نفيه عن غيره، فالوجه أن يقول الثلثان أو مقام الثلث لأن الثلث إنما يدخل هنا تقديراً لا تحقيقاً كما في الجواهر وفي باب مدبر الحوفية موافقة لعدد لا يوافقه، فهو من باب الفرض وعليه ينبغي حمل كلام ابن الحاجب. اه.

محمد ابن الصباغ الخزرجي المكناسي. قال ابن خلدون: كان مبرزاً في المنقول والمعقول عارفاً بالحديث ورجاله، إماماً في معرفة كتاب الموطأ وإفرائه. أخذ العلوم عن مشيخة مكناسة، ولقي شيخنا أبا عبد الله الإبلي ولازمه، وأخذ عنه العلوم العقلية. فاستفاد بقية طلبه عليه. فبرز آخراً واختاره السلطان فاستدعاه ولم يزل معه حتى هلك غريقاً في ذلك الأسطول. اه.

يعني أسطول أبي الحسن آخر سنة خمسين وسبعمائة. قال الشيخ ابن غازي في الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون: كان ابن الصباغ المذكور فقيهاً شهيراً عالماً علامة حاز قصب السبق في المعقول والمنقول. قد ذكره ابن مرزوق الجد في كتابه في مناقب أبي الحسن وابن الخطي السلماني في بعض فهارسه وابن خلدون، وكان من كبار العلماء الذين استصحبهم السلطان أبو الحسن في حركة إفريقية، واجتمع هناك بالإمامين ابن عبد السلام وابن هارون والإمامين أبي زيد وأبي موسى ابني الإمام. أخذ معهم في العلم وأعطى. وحدثني شيخنا أبو الحسن بن منون الحسني أنه بلغه أنه أملى في مجلس درسه بمكناسة على حديث أبي عمير ما فعل النغيرأربعمائة فائدة، زاد ابن غازي في بعض كتبه أن ذلك كان آخر ما أقرأ بها أو من آخر ما أقرأ بها، فلم ينشب أن استدعاه السلطان أبو الحسن لصحبته في وجهة إفريقية فلم يجد مندوحة. فكان أحد من غرق من العلماء ببحر تونس حينئذ، رحم الله تعالى الجميع. اه.

وقال الإمام القوري لم نزل نسمع من شيخنا محمد بن جابر حكاية ظريفة وقعت لابن عبد السلام التونسي مع الفقيه ابن الصباغ، وذلك أن ابن الصباغ اعترض عليه في أربعة عشر مسألة لم ينفصل عن واحدة منها بل أقر فيها بالخطأ، إذ ليس ينبغي اتصاف بالكمال إلا لربي الكبير المتعال. اه.

وفي الروض الهتون: حدثني بعض الأعيان أنه بلغه أن الفقيه ابن الصباغ سمع بمقصورة بتلمسان ينشد كالمعاتب لنفسه:

يا قلبي كيف وقعت في إشراكهم * ولقد عهدتك تحذر الإشراكا
أرضى بذل في هوى وصبابة * هذا لعمر الله قد أشقا كا

وممن مات معه في ذلك الأسطول الفقيه الحافظ السطي والأستاذ الزواوي وغير واحد. وله نظم في علاقات المجاز. اه.

محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري التلمساني عرف بالإبلي، الإمام العلامة المجمع على إمامته أعلم خلق الله بفنون المعقول. قال تلميذه الإمام المقري: هو الإمام نسيج وحده ورحلة وقته في القيام على الفنون العقلية وإذراكه وصحة نظره. قال ابن خلدون: أصله من الأنلس من أهلة إبلة من بلاد الجوف، انتقل منها أبوه وعمه فخذما يغمراسن صاحب تلمسان، وتزوج أبوه بنت القاضي محمد بن غليون، فولدت له شيخنا هذا، ونشأ في كفالة جده القاضي بتلمسان فانتحل العلم فسبق لذهنه محبة التعاليم، فبرع فيها وعكف الناس عليه في تعلمها. فلما أخذ يوسف بن يعقوب تلمسان استخدمه، فكره ذلك وسار إلى الحج. قال فلما ركبت البحر من تونس لاسنكندرية اشتدت علي الغلمة في البحر واستحييت من كثرة الغسل فأشير علي بشرب الكافور، فشربت منه غرفة فاختلطت. فقدمت الديار المصرية وبها ابن دقيق العيد وابن الرفعة والصفي الهندي والتبريزي وغيرهم من فرسان المعقول. فلم يكن قصارى إلا تمييز أشخاصهم. فحججت ورجعت لتلمسان، وقد أفقت من اختلاطي فقرأت المنطق والأصلين على أبي موسى ابن الإمام. ثم أراد أبو حمو صاحب تلمسان كراهه على العمل ففر لفاس واختفى هناك عند خلوف اليهودي شيخ التعاليم، فأخذ فنونها وحذق. ثم دخل مراكش في حدود عشر وسبعمائة ونزل على شيخ المعقول والمنقول المبرز في التصوف علماً وحالاً الإمام ابن البنا فلازمه وتضلع عليه في المعقول والتعاليم والحكمة. ثم صعد إلى الجبل عند علي بن محمد شيخ الهساكرة فقرأ عليه واجتمع عليه طلبة العلم فكثر إفاته واستفادته. ثم رجع لفاس فانثال عليه طلبة العلم من كل ناحية فانتشر علمه واشتهر ذكره. ولما لقي السلطان أبو الحسن عبد فتح تلمسان أبا موسى ابن الإمام أثنى عليه ووصفه بتقدمه في العلوم، وكان يعتني بجمع العلماء لمجلسه فاستدعاه من فاس فنظمه في طبقة العلماء فعكف على التدريس والتعليم ولازمه، وحضر معه وقعة طريف والقيروان. قال ابن خلدون: لازمته وأخذت عنه فنوناً. ثم طلبه أبو عنان بتلمسان فنظمه في طبقة علماء أشياخه، وكان يقرأ عليه حتى مات بفاس سنة سبع وخمسين وسبعمائة. وأخبرني أن مولده سنة إحدى ومانين وستمائة. اه.

قال تلميذه المقري: أخذ بتلمسان عن أبي الحسن التنسي وابن الإمام. ورحل في آخر السابعة للشرق فدخل مصر والشام والحجاز والعراق. ثم رجع لتلمسان ثم للغرب فأخذ عن ابن البنا، وساءل كثيراً من علمائه. قال لي قلت لأبي الحسن الصغير ما قولك في المهدي؟ فقال علام سلطان. ولقيته بعد فتح تلمسان وأخذت عنه. اه.

قال المقري: ولما قدم شيخنا ابن المسفر الباهلي فاساً رسولاً عن صاحب بجاية زاره الطلبة، فحدثهم أنهم كانوا في زمن ناصر الدين يستشكلون ما وقع في تفسير الفخر في سورة الفاتحة ويشتشكله الشيخ معهم وهذا نصه: ثبت في بعض العلوم العلية أن المركب مثل البسيط في الجنس والبسيط مثل المركب في الفصل وأن الجنس أقوى من الفصل. فلما رجعوا إلى الشيخ الإبلي أخبروه بذلك فاستشكله ثم تأمله. فقال فهمته وهو كلام مصحف وأصله أن المركب قبل البسيط في الحسن والبسيط قبل المركب في العقل وأن الحسن أقوى من العقل. فرجعوا إلى ابن المسفر فأخبروه. فلج فقال لهم الشيخ اطلبوا النسخ فوجدوا في بعضها كما قال الشيخ. اه بنقل ابن الخطيب الإحاطة.

قال المقري: وحدثني الإبلي أن عبد الله بن إبراهيم الزموري أخبره أنه سمع من ابن تيمية ينشد لنفسه محصلاً في أصول الدين حاصله من يعد تحصيله علم بلا دين أصل [= أضل] الضلالة والإفك المبين، فما فيه فأكثره وحي الشياطين. قال وبيده قضيب فقال والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب كذا، ثم رفعه ووضعه. اه.

قال المقري: وسمعته يقول ما في الأمة المحمدية أشعر من ابن الفارض. قال وقال طالب له يوماً مفهوم اللقب صحيح، فقال له الشيخ قل زيد موجود. فقال زيد موجود. فقال له الشيخ أما أنا فلا فقول شيئاً. فعرف الطالب ما وقع فيه فخجل. قال وقال لي كنت عند القاسم بن محمد الصنهاجي إذ وردت عليه رقعة من القاضي أبي الحجاج الطرطوشي فيها خيرات ما تحتويه مبذولة ومطلب فيها تصحيف مقلوبها. فقال لي مطلبه. فقلت تاريج. اه، أي فإن مقلوبه تأريخ وتصحيفه تارنج. قال أيضاً وسمعته يقول إنما أفسد العلم كثرة التآليف وأذهبه بنيان المدارس، وكان ينتصف من المؤلفين والبانين وأنه لكما. قال بيد أن في شرحه طولاً وذلك أن التأليف نسخ الرحلة التي هي أصل جمع العلم. فكان الرجل ينفق فيها مالاً كثيراً وقد يحصل له من العلم إلا نزر يسير لأن غايته على قدر مشقته في طلبه. ثم يشتري أكبر ديوان بأبخس ثمن فلا يقنع منه أكثر من موقع عوضه فلم يزل الأمر كذلك حتى نسي الأول بالآخر وأفضى الأمر إلى ما يستخرج منه الساخر. وأما البناء فلأنه يجذب الطلبة لما فيه من مرتب الجرايات فيقبل بهم على ما يعينه أهل الرئاسة للإجراء والإقراء منهم أو من يرضى لنفسه دخوله في حكمهم ويصرفهم عن أهل العلم حقيقة الذين لا يدعون إلى ذلك وإن دعوا لم يجيبوا وإن أجابوا لم يوفوا لهم بما يطلبون من غيرهم. اه.

قلت: ولعمري لقد صدق في ذلك وبر فلقد أدى ذلك لذهاب العلم بهذه المدن الغربية التي هي من بلاد العلم من قديم الزمان كفاس وغيرها حتى صار يتعاطي الإقراء على كراسيها من لا يعرف الرسالة أصلاً فضلاً عن غيرها بل من لم يفتح كتاباً بالقراءة قط فصار ذلك ضحكة، وسبب ذلك أنها صار بالتوارث والرئاسات أعادنا الله حتى خلت هذه الساعة عمن يعتمد عليه في علمه مصداق قوله ما ورد في ذلك. قال المقري ولقد استباح الناس النقل من المختصرات الغريبة أربابها ونسبوا ظواهر ما فيها لأمهاتها. وقد نبه عبد الحق في التعقيب على منع ذلك لو كان من يسمع وذيلت كتابه بمثل عدد مسائله أجمع ثم تركوا الرواية فكثر التصحيف وانقطعت سلسلة الاتصال فصارت الفتاوي تنقل من كتب لا يدري ما زيد فيها مما نقص منها لعدم تصحيحها وقلة الكشف كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغوه الفتيا من تبصرة اللخمي لأنها لم تصحح عن مؤلفها ولم تؤخذ عنه وأكثر ما يعتمد اليوم هذا النمط. ثم انضاف إلى ذلك عدم اعتبار الناقلين فصار يؤخذ من كتب المسخوطين كالأخذ من المرضيين بل لا تكاد تجد من يفرق بين الفريقين ولم يكن هذا فيمن قبلنا حتى تركوا كتب البراذعي على نبلها ولم يستعمل منها على كره من كثير منهم غير التهذيب وهو المدونة اليوم لشهرة مسائله وموافقته في أكثر ما خالف فيه المدونة لأبي محمد ثم كا أهل هذه المائة عن حال من قبلهم من حفظ المختصرات وشق لشهرة مسائله وموافقته في أكثر ما خالف فيه المدونة لأبي محمد .ثم كل أهل هذه المائة عن حال من قبلهم من حفظ المختصرات وشق الشروح والأصول الكبار فاقتصروا على حفظ ما قل لفطه ونزر حظه وأفنوا عمرهم في حل لغوزه وفهم رموزه ولم يصلوا لرد ما فيه إلى أصوله بالتصحيح فضلاً عن معرفة الضعيف والصحيح بل حل مقفل وفهم أمر مجمل ومطالعة تقييدات زعموا أنها تستنهض النفوس فبينما نستكثر العدول عن كتب الأئمة إلى كتب الشيوخ أتيحت لنا تقييدات للجهلة بل مسودات المسوخ فإنا لله وإنا إليه راجعون. فهذه جملة تهديك إلى أصل العلم وتريك ما غفل الناس عنه. اه.

قال المقري وسمعت العلامة الإبلي أيضاً يقول لو لا انقطاع الوحي لنزل فينا أكثر مما نزل في بني إسرائيل لأنا أتينا أكثر مما أتوا، يشير إلى افتراق هذه الأمة على أكثر مما افترقت عليه بنو إسرائيل واشتهار بأسهم بينهم إلى يوم القيامة حتى ضعفوا بذلك عن عدوهم وتعدد ملوكهم لاتساع أقطارهم واختلاف أنسابهم وعوائدهم حتى غلبوا بذلك على الخلافة فنزعت من أيديهم وساروا في الملك بسير من قبلهم مع غلبة الهوى واندراس معالم التقوى. لكنا آخر الأمم أطلعنا الله من غيرنا على أقل مما ستر منا وهو الرجو أن يتم نعمته علينا ولا يرفع جميل ستره عنا. فمن أشد ذلك إتلافاً لغرضنا تحريف الكلم عن مواضعه الصحيحة إذ ذاك لم يكن بتبديل اللفظ إذ لا يمكن ذلك في مشهورات كتب العلماء المستعملة فكيف في الكتب الإليهية وإنما ذلك بالتأويل كما قال ابن عباس وغيره. وأنت تنظر ما اشتملت عليه كتب التفسير من الخلاف وما حملت الآي الأخبار عليه من ضعاف التأويلات. قيل لمالك لم اختلف الناس في تفسير القرآن؟ فقال قالوا بآراءهم فاختلفوا اين هذا من قول الصديق أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتابه عز وجل برأيي كيف نبعض ذلك قد انحرف عن سبيل العدل إلى بعض الميل. وأقرب ما يحمل عليه معظم خلافهم كون بعضهم علم فقصد إلى تحقيق تزول الآية بسبب أو حكم أو غيرهما. وبعضهم لم يعلموا ذلك تعيبنا فلما طال بحثهم وظنوا عجرهم صوروا المسألة بما يسكن النفوس إلى فهمها في الجملة ليخرجوا عن حد الأبهام المطلق فذكروا ما ذكروه تمثيلاً لا قطعاً بالتعيين بل منه مالاً يعلم أنه أريد لا عموماً ولا خصوصاً لكنه يجوز أن يكون المراد أو قريباً منه وما يعلم أنه مراد بحسب الشركة والخصوصية. ثم اختلط الأمر أن الحق أن تفسير القرآن من أصعب الأمور فالإقدام عليه جرأة. وقد قال الحسن لابن سيرين تعبر الرؤيا كأنك من آل يعقوب فقال له تفسر القرآن كأنك شهدت التنزيل وقد صح أنه عليه السلام لم يفسر من القرآن إلا آيات معدودة وكذا أصحابه والتابعون بعدهم. وتكلم أهل النقل في صحة ما نسب لابن عباس من التفسير إلى غير ذلك ولا رخصة في تعيين الأسباب والناسخ والمنسوخ إلا بتوقيف صحيح أو برهان صريح وإنما الرخصة في تفهيم ما تعرفه العرب بطبائعها من لغة وإعراب وبلاغة وبيان إعجاز ونحوها. اه.

قلت: وأخذ عن صاحب الترجمة من لايعد كثرة من الأئمة كابن الصباغ المكناسي والشريف التلمساني والشرف الرهوني وابن مرزوق الجد وأبي عثمان العقباني وابن عرفة والولي ابن عباد وابن خلدون في خلق أجللاء.

محمد بن حيدرة أبو عبد الله التونسي. قال ابن خلدون في رحلته: إمام المعارف وفرع الأصل العزيز المعترف له في البلاغة والبراعة بالسبق والتبريز برع في الأدب والتصوف ونبغ في المعقول والمنقول مع نفس عصامية وفكرة إياسية، انقبض في منزله بعد وفاة أصحابه على عبادة ربه إلا عن محتاجي إفادته فتراكم الخلق عليه، فمجلسه بتونس مجتمع أصناف أهل العلم أولي التقي والفهم فهو اليوم كعبة العلوم حببه الله للأنفس مع صدق مصاحبة وحسن مداعبة وكثرة خشية ومراقبة إلى قريحة وقادة وفطنة نقادة وخوض في العلوم الشرعية والطبيعية والمشارب الذوقية والعطايا الحاتمية والزهد في الدنيا الدنية وإجابة الدعوة والخلق من الزهد والنخوة. لازمته لما رأيت من نجاح دعواته. قلت له: يا سيدي علم الله إني أحبك. فقال لي: أبشر فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي يا محمد رزقك الله التقوى وحببك إلى خلقه وجعل من يحبك من عباده المؤمنين. قال فمن علمت أنه يحبني علمت أنه من المؤمنين. مولده في ثاني عشرين ربيع الثاني عام اثنين وثمانين وستمائة. اه ملخصاً.

محمد بن أحمد بن شاطر المراكشي. قال ابن الخطيب في نفاضة الجراب: كان فقيهاً عدلاً خيراً متصدراً لقراءة الشفاء النبوي، ولديه جملة حسنة من أصول الفقه أشف بها على كثير من نظرائه قرأها على الإمام أبي عبد الله بن الصباغ وشاركه في قرامتها على الإمام أبي عبد الله الإبلي. اه من الروض الهتون.

محمد بن محمد البدوي الأندلسي، الخطيب ببلش، أبو عبد الله. قال في الإحاطة: كان حسن التلاوة ذا قدم في الفقه ومعرفة بالأصلين شاعراً مجيداً فصيخاً بليغ الخطبة حسن الوعظ سريع الدمعة. حج ولقي جلة وأقرأ ببلده بلش وانتفع به ولقي شدائد أصلها الحسد. قرأ على أبي جعفر بن الزيات وابن الكماد، وأخذ الأصلين والعربية على الأستاذ أبي عمر بن منظور ولازمه وانتفع به، والفقه على القاضي أبي عبد الله بن عبد السلام بتونس. ومن شعره في النسيب:

خال على خدك أم عنبر * ولؤلؤ ثغرك أم جوهر
أوريت نار الحب في الحشا * فصارت الناس به تسعر
لوجت لي منك برشف اللما [= الما] * لقلت خمر عسل سكر
دعني في الحب أذب حسرة * سفك دم العاشق لا ينكر

توفي عام خمسين وسبعمائة.

محمد بن محمد بن محارب الصريحي المالقي يعرف بابن أبي الجيش. قال ابن الخطيب في عائد الصلة: كان من صدور المقرئين وأعلام المتصدرين تفنناً وإطلاعاً وإدراكاً ونظراً إماماً في الفرائض والحساب قائماً على العربية مشاركاً في الفقه والأصول وكثير من المعقول. قعد للإفراء بمالقة وخطب. قرأ على الأستاذ القاضي ابن بكر، ثم ساء ما بينهما في مسألة وقعت وهي تجويز الخلف في وعد الله شنع فيها على شيخه المذكور ونسبه إلى أن قال وعده تعالى ليس بلازم بل يجوز فيه الخلف إذ الأشياء في حقه تعالى متساوية. وكتب فيها أسئلة لعلماء المغرب، فقاطعه وهاجره. ولما ولي شيخه القضاء وجه إليه إثر ولايته فلم يشك في الشر، فلما دخل عليه رحب به وأظهر له القبول والعفو عنه واستأنف مودته. قعد ذلك في مآثر القاضي. وأخذ بسبتة على أبي إسحاق الغافقي وغيره. ثم رجع لمالقة فدرس بها حتى توفي في الطاعون آخر ربيع الأخير عام خمسين وسبعمائة، بعد أن تصدق بمال كثير وحبس كتبه على الطلبة شرح التسهيل لابن مالك بشرح في غاية النبل والاستيفاء لم يكمل. اه.

محمد بن عبد الرزاق الجزولي. قال ابن خلدون: شيخنا شيخ وقته جلالة وتربية وعلماً وخبرة بأهل بلده وعظمة فيهم. نشأ بفاس وأخذ عن مشيختها. ورحل لتونس فلقي القاضيين ابن عبد الرفيع وأبا عبد الله النفراوي وطبقتهما، أخذ عنهم وتفقه عليهم. ورجع للمغرب ولازم الأكابر والمشايخ إلى أن ولاه السلطان أبو الحسن قضاء فاس فبقي عليه إلى أن عزله بالفقيه المقري. ثم لما جمع شيوخ العلم للتحليق بمجلسه والإفادة منهم استدعاه معهم، فلم يزل كذلك إلى أن هلك قبل مهلك أبي عنان بيسير. اه.

قال صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب المراكشي: كان فقيهاً قاضياً معمراً راوية من الفضلاء. روى عنه ابن مرزوق الخطيب. وتوفي سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بفاس.

محمد بن علي بن أبي رمانة أبو عبد الله المكناسي، قاضيها. قال الخطيب ابن مرزوق: قال ابن الخطيب في نفاضة الجراب: كان شيخاً فقيهاً خيراً فاضلاً من أهل الحياء والحشمة وذوي السذاجة والعفة. اه من الروض الهتون لابن غازي.

محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن القرشي التلمساني شهر بالمقري، بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة. كذا ضبطه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في كتابه العلوم الفاخرة. وكذا الونشريسي، وزاد أنها قرية من قرى بلاد الزاب من إفريقية سكنها سلفه، ثم تحولوا لتلمسان وبها ولد ونشأ وأقرأ وقرأ. وضبطه ابن أحمر في فهرسته، والشيخ زروق بفتح الميم وسكون القاف، الإمام العلامة النظار المحقق القدوة الحجة الجليل أحد مجتهدي المذهب وأكابر فحوله المتأخرين الأثبات، قاضي الجماعة بفاس. ذكره ابن فرحون في الأصل وأثنى عليه ونزيد هنا ما تيسر. قال ابن الخطيب في الإحاطة: كان مشاراً إليه اجتهاداً ودؤباً وحفظاً وناية واطلاعاً ونقلاً ونزاهة يقوم أتم قيام على الفقه والتفسير والعربية ويحفظ الأخبار والحديث والتأريخ ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والجدل والمنطق ويكتب ويشعر مصيباً غرض الإجادة ويتكلم في طريق الصوفية ويعتني بالتدوين فيها. شرق وحج ولقي أجلاء كأبي حيان والشمس الإصبهاني وابن عدلان وبمكة الرضى إمام المقام وبدمشق ابن قيم الجوزية وصنف في الفقه والتصوف. اه.

قال الخطيب ابن مرزوق الجد: كان صاحبنا المقري معلوم القدر مشهور الذكر ممن وصل إلى الاجتهاد المذهبي ودرجة التخيير والتزييف بن الأقوال وتبعه بعد موته من حسن الثناء وصالح الدعاء ما يرجى له النفع به يوم اللقاء، وعوارفه معروفة عند الفقهاء مشهورة بين الدهماء. اه.

وقال ابن خلدون في تأريخه الكبير: أخذ المقري العلم بتلمسان عن أبي عبد الله السلوي. ثم لازم بعده شيخنا الإبلي وابني الإمام واستبحر في العلوم وتفنن. ولما نقض السلطان أبو عنان بيعة أبيه ندبه لكتابة البيعة فكتبها وقرأها على الناس في يوم مشهود. وارتحل معه لفاس فعزل قاضيها الشيخ المعمر ابن عبد الرزاق وولاه. فلم يزل قاضياً بها حتى سخطه لبعض النزغة الملوكية فعزله، وولى الفقيه أبا عبد الله الفشتالي آخر ست وخمسين. ثم بعثه سفيراً للأندلس، فامتنع من الرجوع. فأنكر السلطان على صاحب الأندلس ابن الأحمر تمسكه به وبعث إليه يستقدمه منه. فلاذ منه ابن الأحمر بالشفاعة فيه واقتضى كتب أمان له بخط السلطان أبي عنان فأوفده مع الجماعة من شيوخ العلم بغرناطة، ومنهم القاضيان بغرناطة شيخنا شيخ الدنيا جلالة وعلماً ووقاراً ورئاسة أبو القاسم الشريف السبتي وشيخنا شيخ المحدثين والفقهاء والأدباء والصوفية والخطباء سيد أهل العلم بإطلاق أبو البركات ابن الحاج البلفيقي. فوفدوا به على السلطان شافعين على عظيم نشوبه للقائهما. فقبلت الشفاعة وأنجحت الوسيلة وحضرت يوم قدومهما مجلس السلطان سنة سبع وخمسين وكان يوماً مشهوداً. فاستقر القاضي المقري في مكانه بباب السلطان عطلاً من الولاية والجراية. وامتحنه السلطان بعد ذلك بسبب خصومة وقعت بينه وبين أقاربه امتنع من حضوره معهم عند القاضي الفشتالي. فتقدم السلطان لبعض أكابر الورعة ببابه بأن يسحبه لمجلس القاضي حتى أنفذ نيه [= فيه] حكمه. فكان الناس بعدونها محنة. ثم ولاه السلطان بعد ذلك قضاء العساكر في دولته عند ارتحاله إلى قسنطينة. فلما فتحها وعاد إلى ملكه بفاس آخر ثمان وخمسين اعتل القاضي المقري في طريقه ومات عند قدومه لفاس. اه.

قال الونشريسه: لما تولى قضاء فاس قام بإعبائه علماً وعملاً. وحمدت سيرته ولم تأخذه في الله لومة لائم. ولما توفي نقل إلى بلده تلمسان. اه.

وأما شيوخه فذكر هو ما ملخصه ممن أخذت عنه: بتلمسان علماها الشامخان وعالماها الراسخان ابنا الإمام وحافظها ومفتيها عمران المشذالي ومشكاة الأووار الأستاذ إبراهيم بن حكيم البلوي وعالم الصلحاء وصالح العلماء أبو محمد المجاصي والقاضي الشريف الرحلة أبو علي حسين السبتي وقاضي الجماعة الكاتب أبو عبد الله بن هدية ومحمد بن حسن الزهري التونسي وإمام الحديث والعربية عبد المهبمن الحضرمي والفقيه المحقق السطي والقاضي أبو إسحاق بن أبي يحيى والشقيقان أبو عبد الله محمد وأبو العباس أحمد ابنا ولي الله محمد بن محمد بن مرزوق العجيسي في جماعة آخرين.

قلت: وأبو العباس بن مرزوق هذا والد الخطيب ابن مرزوق الجد وأبو عبد الله المذكور عمه فأعلمه. ثم قال وسيج وحده أبو عبد الله الإبلي وابن المسفر وقاضي بجاية محمد ابن الشيخ أبي يوسف يعقوب الزواوي فقيه ابن فقيه وإمام المعقولات أبو علي حسن بن حسن والخطيب أحمد بن عمران اليانيوسي وبنتونس ابن عبد السلام والآجمي وابن هارون وابن الحباب وابن سلامة وأبو الحسن المنتصر، وبمصر فذكر من تقدم كالشيخ الصالح عبد الله المنوفي والتاج التبريزي وخليل المكي وابن تامتيت والقاضي شمس الدين ابن سالم والفقيه ابن عثمان وغيرهم. اه ملخصاً.

وقد أطال في الإحاطة في ترجمته فلنذكر هنا بعض فوائده. فمنها قال تكلم العلامة أبو زيد ابن الإمام في الجلوس على الحرير فقال له الأستاذ ابن حكم مقتضى حديث أنس المنع لقوله فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فقال أبو زيد لا نسلم أن مراده الجلوس لاحتمال كون ذلك الحصير يغطي وذكر حديثاً فيه تغطية الحصير وكان الرجل واعية.

قلت: وللأستاذ أن يقول الغالب خلاف ذلك. فيجب العمل عليه حتى ينص على غيره بالدليل على أنه روى نصاً في صحيح البخاري وغيره الجلوس عليه ومنها شهدت الوقفة سنة أربع وأربعين وسبعماءة وكانت جمعة فذكر الخطيب بالمسجد الحرام للناس أن جمعة وقفتهم هذه خاتمة مائة جمعة وقف بها من الجمعة التي وقف بها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. فشاع في الناس وكان علم ذلك مما تواتر عندهم والله أعلم، وهم يزعمون أن الجمعة تدور على خمس سنين، وهذا مناف لذلك، لكن كثير منهم ينكر إطراد هذا ويقول إنها قد تنقل إلى أكثر من ذلك

ومنها قال كنت عند الإبلي بتلمسان إذ دخل عليه أبو عبد الله المالقي المتطبب. فكان فيما تكلم به أن قال أستجري أديباً كريماً بهذا الشطر. ثم جيب فلم ينصف. قال لنا ما أراد. فجعلنا ندبر الحيلة فيه والشيخ ينظر في الهواء فسبقنا بفضل ذهنه. فقال تقولون أو نقول فسألناه التربص علينا. ثم كنت أول من عثر عليه فقلت قضيت ملف شحمي.

ومنها قال لي أبو القاسم ابن محمد اليماني، أحد مدرسي دمشق ونحن يومئذ بها، قال شيخ صالح برباط الخليل عليه السلام نزل بي مغربي فمرض مرضاً طويلاً فدعوت الله أن يفرج عني وعنه بموت أو صحة. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي اطعمه الكسكسون. قال يقوله هكذا بالنون. فصنعته له فكأنما جعلت له فيه الشفاء. فكان أبو القاسم يقوله بالنون يخالف الناس في حذفه من هذا الاسم ويقول لا أعدل عن لفظه عليه السلام. قال المقري قلت وجه هذا من الطب أن هذا الطعام معتاد المغاربة ويشتهونه على كثرة استعمالهم له. فربما نبه شهوة أو رده إلى عادة والله ورسوله أعلم.

ومنها قال حدثني القاضي الظريف أبو عبد الله بن عبد الرزاق الجزولي عن الشيخ النخبة ابن قطرال أنه سمعه يقول سمع يهودي بحديث "نعم الأدام الخل" فأنكر ذلك حتى كاد يصرح بالقدح فبلغ بعض العلماء فأشار على الملك بقطع الخل وأسبابه عن اليهود سنة. قال فما تمت سنة حتى ظهر فيهم الجذام.

ومنها قال قال صاحبنا عبد الله بن عبد الحق. قال لي أبو عبد الله بن قطرال كنت بالمدينة إذ أقبل رافضي بفحمة في يده فكتب بها في جدار هناك:

من كان يعلم أن الله خالقه * فلا يجب أبا بكر ولا عمر

فانصرف بألقى علي من الفطنة وحسن البديهة ما لم أعهد مثله من نفسي قبل. فجعلت مكان "يحب" "يسب" ورجعت لموضعي فجاء الرافضي. فوجده كما أصلحته فالتفت يميناً وشمالاً كأنه يطلب من صنعه ولم يتهمني فأعياه ذلك وانصرف.

ومنها قال سمعت الأبلي يقول سمعت أبا عبد الله بن رشيد يقول أن خطيباً بتلمسان كان يقول في خطبته "من يطع الله ورسوله فقد رشد" بالكسر، وكان الطلبة ينكرون عليه، فلا يرجع. فلما قفلت من رحلتي تلك دخلت على الأستاذ ابن أبي الربيع بسبتة فهنأني بالقدوم وقال لي فيما قال: رشدت يا بن رشيد ورشدت لغتان صحيحتان حكاهما يعقوب في الإصلاح. قال المقري وهذه كرامة للرجلين أو الثلاثة.

ومنها قال من عجائب تفسير الرؤيا أن أبا عبد الله القرقوني كان في سجن السلطان يوسف بن عبد الحق مع غيره من التلمسانيين أيام حصره فرأى أبا جمعة على الجرائحي منهم كأنه قائم على سانية دائرة وجميع أقداحها وأقواسها تصب في نقير في وسطها فجاء يشرب فاغترف الماء فإذا فيه فرث ودم. فأرسله واغترف فإذا هو كذلك ثلاثاً أو أكثر. ثم عدل إلى خصة ماء فجاءها وشرب منها. ثم استيقظ وهو في النهار فأخبره. فقال إن صدقت الرؤيا فنحن على قليل خارجون من هذا السجن. قال كيف؟ قال الساقية الزمان والنقير السلطان وأنت الجرائحي تدخل يدك في جوفه فينالها الفرث والدم وهذا لا نجاح معه. فلم يكن إلا ضحوة الغد فإذا النداء عليه فخرج فوجد السلطان مطعونا بخنجر، فأدخل يده في جوفه فناله الفرث والدم فخاط جراحته وخرج. فرأى خصة ماء فغسل يده وشرب فلم يلبث السلطان أن توفي وسرح المسجنون.

ومنها قال شهدت الشمس ابن قيم مقيم الحنابلة بدمشق وهو أكبر أصحاب ابن تيمية وقد سئل عن حديث "من مات له ثلاث من الولد كانوا له حجاباً من النار". كيف إن أتى بعده بكبيرة؟ فقال موت الولد حجاب والكبيرة خرق لذلك الحجاب وإنما يحجب الحجاب إذا لم يخرق فإذا خرق لم يكن حجاباً بدليل حديث الصوم "جنة ما لم يخرقها".

ومنها قال سألني السلطان عمن لزمته يمين على نفي العلم فحلف جهلاً على البت هل يعيد أم لا؟ فأجبته بإعادتها. وقد أفتاه من حضر من الفقهاء بأن لا تعاد لانه أنى بأكثر مما أمر به على وجه يتضمنه. فقلت له اليمين على وجه الشك غموس. قال ابن يونس والغموس الخلف على تعمد الكذب أو على غير يقين ولا شك أن الغموس محرمة منهي عنها والنهي يدل على الفساد ومعناه في العقود عدم ترتب أثره فلا أثر لهذه اليمين فوجب أن تعاد. وقد يكون من هذا اختلافهم فيمن أذنها السكوت فتكلمت هل يجتزئ بذلك والأجزاء هنا أقرب لأنه الأصل والصمات رخصة لغلبة الحباء. —فإن قلت البت أصل وإنما يعتبر نفي العلم إذا تعذر—قلت ليس رخصة كالصمات.

ومنها قال سألني بعض الفقراء عن سوء بخت المسلمين في ملوكهم إذ لم يل أمرهم من سلك بهم الجادة وحملهم على الواضحة بل يعتز في صلاح دنياه غافلاً عن عقباه فلا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة ولا يراعي عهداً ولا حرمة. فأجبته بأن ذلك لأن الملك ليس في شريعتنا بل كان شرع من قبلنا. قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل: وجعلكم ملوكاً. ولم يقله في هذه الأمة بل جعل لهم خلافة. قال تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم الآية. وقال تعالى: وقال لهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً وقال سليمان رب اغفر لي وهب لي ملكاً فجعلهم ملوكاً. ولم يجعل لنا إلا الخلفاء فأبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فهمه الناس عنه فهماً وأجمعوا على تسميته بذلك. ثم استخلف عمر فخرج بها عن سنن الملك الذي يرثه الولد عن والده إلى سنن الخلافة الذي هو النظر والاختيار ونص في ذلك على عهده. ثم اتفق أهل الشورى على عثمان فأخرجها عمر عن بنيه إلى الشورى دليلاً على أنها ليست ملكاً. ثم تعين علي بعد إذ لم يبق مثله فبايعه من آثر الحق على الهوى والآخرة على الدنيا، ثم الحسن كذلك. ثم كان معاوية أول من حولها ملكاً والخشونة ليناُ. ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم فجعلها ميراثاً. فلما أخرجت عن موضعها لم يستقم ملك فيها. ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز كان خليفة لا ملكاً لأن سليمان رغب عن بني أبيه إيثار الحق المسلمين. ولأل يتقلدها حياً وميتاً. وكان يعلم اجتماع الناس عليه. فلم يسلك طريقة الاستقالة بالناس قط إلا خليفة. وأما الملوك فعلى ما ذكرت إلا من قل غالب أحواله غير مرضية. اه.

ومنها ما ذكره عند أنه يحضر مجلس السلطان أبي عنان لبث العلم، وكان مزوار الشرفاء بفاس إذا دخل مجلس السلطان قام له السلطان وجميع من في مجلسه إجلالاً له إلا الشيخ المقري، فلا يقوم معهم. فأحس المزوار من ذلك وشكاه للسلطان. فقال له السلطان هذا رجل وارد علينا نتركه على حاله حتى ينصرف. فدخل المزوار يوماً فقام له السلطان وغيره على العادة فنظر المزوار إلى المقري فقال له: أيها الفقيه ما لك لا تقوم كما يفعل نصره الله وأهل مجلسه إكراماً لجدي وشرفي، ومن أنت حتى لا تقوم لي؟ فنظر إليه المقري فقال له: أما شرفي فمحقق بالعلم الذي أنا أبثه ولا يرتاب فيه أحد وأما شرفك فمظنون، ومن لنا بصحته منذ أزيد من سبعمائة عام؟ ولو قطعنا بشرفك لأقمنا هذا من هنا وأشار للسلطان أبي عنان وأجلسناك مجلسه فسكت المزوار. اه.

قال العلامة أبو عبد الله بن الأزرق وعلى اعتذاره ذلك يكون الشرف الآن مظنوناً. فمن معنى ذلك أيضاً ما يحكي عنه أنه كان يقرأ بين يدي السلطان وأبي عنان صحيح مسلم بحضرة أكابر فقهاء فاس وخاصتهم فلما وصل إلى أحاديث الأئمة من قريش قال الناس أن أفصح بذلك استوغر قلب السلطان وإن ورى وقع في محظور، فجعلوا يتوقعون ذلك. فلما وصل إلى أحاديث الأئمة من قريش قال بحضرة السلطان والجمهور أن الأئمة من قريش ثلاثاً ويقول بعد كل كلمة وغيرهم متغلب. ثم نظر وقال: لا عليك فإن القرشي اليوم مظنون، أنت أهل للخلافة إذ توفرت فيك بعض الشروط والحمد لله. فلما انصرف لمنزله بعث له السلطان ألف ديانار. اه.

قال القاضي ابن الأزرق يلزم من اعتذاره أن قيام السلطان لذي الشرف المحقق بالعلم أولى في المحافظة على حرمات الله. وقد روى أن بعض الأمراء تكبر عن ذلك واستخف بمنزلة من عظم به غيره، فسلب ملكه وملك بنيه بعده. اه.

قلت: وقوائده ولطائفه وتحفه وظرفه لا تحصى فلنكتف بما ذكرنا وله تآليف ككتاب القواعد اشتمل على ألف قاعدة ومائتي قاعدة قال الونسريسه وهو كتاب غزير العلم كثير الفوائد لم يسبق بمثله بيد أنه يفتقر إلى عالم فتاح، وكتاب الحقائق والرقائق في التصوف لطيف الإشارة بديع المنزع موجود بأيدي الناس شرحه الشيخ زروق، وكتاب التحف والطرف غاية في الحسن والطرف قاله الونشريسه، واختصار المحصل لم يتم، وشرح الخونجي لم يتم، وكتاب عمل من طب لمن حب مشتمل على فنون فيه أحاديث حكمية كالشهاب على كليات فقهية على أبواب الفقه في غاية الإفادة وعلى قواعد وأصول وعلى اصطلاحات وألفاظ قال الونشريسي رأيته عند الفقيه عبد الله بن عبد الخالق فتلطفت في استنساخه فلم يسمح به، وكتاب المحاضرات مشتمل على حكايات وإشارات وفوائد وقال الوشنريسي ولقد استوفى شيخ شيوخنا المحقق النظار أبو عبد الله بن مرزوق ترجمته في كتاب سماه النور البدوري في التعريف بالفقيه المقري. اه.

وممن أخذ عنه من العلماء الإمام الشاطبي وابن الخطيب السلماني وابن خلدون والكاتب ابن زمرك وأبو محمد بن جزي والأستاذ القيجاطي والحافظ ابن علاق في خلق.

محمد بن إبراهيم الصفار المراكشي، الأستاذ إمام القراءة في وقته أخذ عن كثير من شيوخ الغرب كبيرهم شيخ المحدثين أبو عبد الله ابن رشيد. صح من ابن خلدون وقال غيره. ألف تأليفاً في القراآت. أحضره أبو عنان أخيراً عنده، فكان يعارضه القرآن، وهو الذي غسله لما مات. وتوفي بعده سنة إحدى وستين.

محمد بن علي ابن العابد الأنصاري الفاسي الأصل ثم الأندلسي أبو عبد الله. قال في الإحاطة: كان إماماً في الكتابة والأدب واللغة والإعراب والتأريخ والفرائض والحساب والبرهان عليه. أربى على الموثقين من فحول المبرزين في نظم الشعر وحفظه حافظاً مبرزاً درس الحديث وحفظ أحكام عبد الحق الإشبيلي ونسخ كبار الدواوين وضبط كتب اللغة وقيد على كتب الحديث. واختصر تفسير الزمخشري وأزال اعتزاله. لم يفتر قط من قراءة أو درس أو نسخ أو مطالعة ليله ونهاره، لم نكن في وقته مثله. أخذ بفاس عن أبي العباس بن أبي القاسم وابن البقال الأصولي وأبي عبد الله بن البيوت المقري وأبي الحسن الموالي الزاهد وغيرهم. توفي بغرناطة عام اثنين وستين وسبعمائة في ذي القعدة.

محمد ابن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهم البلفيقي السلمي أبو البركات شهر بابن الحاج المري، من ذرية العباس بن مرداس الصحابي. ذكره في الديباج ونقل ترجمته من الإحاطة. قال الحضرمي في مشيخته: شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ القاضي العدل النزيه الخطيب البليغ المتفنن العالم الصالح الفاضل عماد الدين قاضي القضاة علم الرواية وفخر الولاة الإمام الخاشع الشهير الأصيل المعظم. اه.

قال ابن خلدون: شينخنا شيخ المحدثين والفقهاء والأدباء والصوفية والخطباء بالأندلس وسيد أهل العلم بإطلاق والمتفنن في أساليب المعارف وآداب، صحبة الملوك فمن دونهم. اه.

وقال أبو زكريا السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي الخطيب البليغ الأستاذ المقري العالم المحدث المسند الراوية المكثر المحقق المتخلق سليل العلماء ونتيجة البررة الأولياء ابن الشيخ الفقيه الجليل السنن السني الصالح الزاهد الخاشع الحسيب أبي بكر بن الشيخ الأستاذ المحدث الرحال الناقد الراوية الشهير المتبرك به أبي إسحاق كان شيخاً محدثاً حافظاً متفنناً متمسكاً بطريق القوم مؤثراً لها حسن التلاوة طيب النغمة بالقراءة مع خشوع وبكاء حسن المجالسة مليح المداعبة صدراً في عدول القضاة وأئمة الرواية من ذوي الإحساب الطاهرة الأصلية والبيوت الرفيعة الجليلة. رحل في طلب العلم قديماً وحديثاً وحصل من المعقول والمنقول بغية أربه. طلع بالأندلس شمساً منيرة ونزع باجتهاده في المعارف والروايات إلى مناحيه الشهيرة. أخذ عن عمه الفقيه المحدث أبي القاسم محمد والخطيب أبي الحسن بن أبي العيش وأبي جعفر اللورقي وابن الزبير والقاضي ابن فركون وابن رشيد وأبي الحسن القيجاطي والقاضي ابن بكر وابن أبي العاصي وأبي محمد بن سلمون وابن الكماد وابن الفخار ولأركشي وأبي الحسن عبيد الله بن منظور وأبي عبد الله الهاشمي والقاضي بن البنا الهمداني المالقي وأبي إسحاق الغافقي وابن حريث الفقيه المحدث الرحلة المحقق أبي القاسم التجبي والعلامة أبي القاسم بن الشاط وابن هانيء والفقيه الصالح أبي بكر محمد بن أحمد بن خليل السكوني والحافظ ابن سليمان القرطبي والنظار المتفنن أبي العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن البنا العددي والخطيب أبو غربون والناصر المشذالي في خلق كثيرين. وله سماع كثير. ولم ألق في هذه الطريقة أكبر منه ولا أعلم منه بهذا الشأن. اه.

قال الحضرمي: كان على جلالته وتبحره في فنون المعارف شاعراً مفلقاً وأديباً بارعاً خطيباً مفوهاً مصنفاً. له ديوان كبير سماه العذب والأجاج من شعر أبي البركات ابن الحاج أتى فيه بالعجب العجاب. أنشدني لنفسه كثيراً. ومما أنشدني في التحذير من بذل الوجه للناس لغيره:

إذا أظمأتك أكف اللئام * كفتك القناعة شبعاً وريا
فكن رجلاً رجله في الثرا * وهامة مهمته في الثريا
أبيا لنائل ذي ثروة * تراه بما في يديه أبيا
فإن إراقة ماء الحيا * ة دون إراقة ماء المحيا.

وسمعته ينشد وقد سئل عن سنه وكان مذهبه أن لا يخبر به ولا بتأريخ مولده.

احفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال إن سئلت ومذهب
فعلي الثلاثة تبتلي بثلاثة * بحاسد ومكفر ومكذب.

ومن المأثور عن مالك ليس من المروءة إخبار الرجل بسنه. فقيل له: لم؟ قال: لأنه إن كان صغيراً استحقر أو كبيراً استهرم. وتوفي شيخنا أبو البركات وقت الزوال يوم الجمعة أواخر رمضان عام أحد وسبعين وسبعمائة عن نحو تسعين سنة تخميناً، وكانت جنازته حافلة وتبعه ثناء حسن. اه ملخصاً.

محمد بن أحمد بن علي بن يحيى بن علي بن محمد بن القاسم بن حمود بن ميمون بن علي بن عبد الله بن عمر بن إذريس ب نإذريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. هكذا وجدته بخط ولده عفا الله عنه الشريف أبي عبد الله التلمساني. قال ابن خلدون: يعرف بالعلوني نسبة لقرية من أعمال تلمسان تسمى العلونين، ونسبة بيته لا يدافع فيه، وربما غمص فيه بعض الفجرة ممن لا يزعه دينه ولا معرفته بالإنساب فيعد من اللغو. اه.

ويعرف أيضاً بالشريف التلمساني علامة تلمسان، بل إمام المغرب قاطبة الإمام ابن مرزوق الحفيد شيخ شيوخنا أعلم أهل عصره بإجماع. اه.

وقال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الإمام العالم الشهير الكبير الصدر القدوة الشريف نسباً العظيم قدراً ومنصباً أبو عبد الله بن الشيخ الفقيه الجليل الوجيه العاقل العدل المبرز أبي العباس، كان أحد رجال الكمال علماً وذاتاً وخلقاً وخلقاً عالماً بعلوم جمة من المنقول والمعقول، بلغ رتبة الاجتهاد أو كاد، بل هو أحد العلماء الراسخين وآخر الأئمة المجتهدين. نشأ بتلمسان، وقرأ القرآن على الشيخ أبي زيد بن يعقوب، وأخذ عن الإمامين ابني الإمام والقاضي أبي عبد الله بن هدية القرشي والولي الصالح عبد الله المجاصي والقاضي التميمي وأبي عبد الله محمد بن محمد البروني وعمران المشذالي والقاضي ابن عبد النور والقاضي أبي العباس بن الحسن والقاضي علي بن الرماح وابن النجار، ولازم الإمام الإبلي كثيراً وانتفع به. وأخذ أيضاً عن ابن عبد السلام التونسي والعالم السطي بمدينة فاس وغيره. حضرت عليه الأحكام الصغرى لعبد الحق والتهذيب وبعض الموطأ والصحيحين لما قدم رسولاً لفاس عام سبعة وستين وسبعمائة. اه.

قلت: ومما صرح ببلوغه درجة الاجتهاد عصريه الإمام الخطيب ابن مرزوق الجد في رسالته إلى رد فيها على أبي القاسم الغبريني وأثنى عليه كثيراً. قال ابن خلدون: أخذ العلم بتلمسان عن مشيختها واختص بأولاد الإمام وتفقه عليهما في الأصول والكلام. ثم لزم شيخنا الإبلي وتضلع من معارفه واستبحر وتفجرت ينابيع العلوم من مداركه. ثم رحل لتونس سنة أربعين فلقي شيخنا ابن عبد السلام وأفاد منه واستعظم رتبته في العلم، وكان ابن عبد السلام يصغي إليه ويؤثر محله ويعرف حقه حتى زعموا أن عبد السلام يخلو به في بيته فيقرأ عليه أي على الشريف فصل التصوف من إشارات ابن سينا لأن الشريف قد أحكم الكتاب على الإبلي وقرأ علي ابن عبد السلام أيضاً فصل التصوف من شفاء ابن سينا ومن تلاخيص أرسطو لابن رشد ومن الحساب والهندسة والهيئة والفرائض علاوة على ما كان الشريف يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشريعة. وله اليد الطولى في الخلافيات وقدم عالية [؟]، فعرف له ابن عبد السلام ذلك كله وأوجب حقه. فرجع لتلمسان وانتصب للتدريس وبث العلم فملأ المغرب معارف وتلامذ إلى أن اضطرب المغرب بعد واقعة القيروان. ثم ملك أبو عنان تلمسان بعد مهلك أبيه سنة ثلاث وخمسين. فاختار الشريف لمجلسه العلمي مع من اختار من المشيخة ورحل به لفاس فتبرم الشريف من الغربة. واشتكى فغضب السلطان لذلك. ثم بلغه أن عثمان بن عبد الرحمن سلطان تلمسان أوصاه على ولده وأودع مالاً له عند بعض الأعيان من التلمسانيين وأن الشريف علام بذلك، فسخط على الشريف واعتقله ثم سرحه عام أول ست وخمسين وأفصاه ثم أعتبه بعد فتح قسنطينة فرده لمجلسه. ثم هلك أبو عنان وملك أبو حمو بن عبد الرحمن تلمسان فاستدعى الشريف من فاس، فسرحه الوزير القائم بالأمر عمر بن عبد الله. فرجع لتلمسان فتلقاه أبو حمو براحتيه وأصهر له في بنته فزوجها له وبنى له مدرسته. فقام يدرس حتى هلك سنة إحدى وسبعين. وأخبرني أن مولده عام عشرة. اه.

قال الونشريسه هذا هو الصحيح في ولادته، وأما وفاته فرابع ذي الحجة من عام إحدى وسبعين. وكان شيخاً حبراً إماماً محققاً نظاراً. شرح جمل الخونجي، وألف كتاب المفتاح في أصول الفقه. اه.

وممن أخذ عنه ولده أبو محمد والإمام الشاطبي وابن زمرك وإبراهيم الثغري أبو عبد الله القيسي وابن خلدون وابن عباد وابن السكاك والفقيه ابن محمد بن علي الميروقي والولي إبراهيم المصمودي وغيرهم. وذكر أبو زكريا السراج والبسيلي أن مولده عام ستة عشر، وما تقدم أصح. وبعد أن كتب ما تقدم وقف على جزء لبعض التلمسانيين عرف صاحبه بالشريف وولديه. فلخصته في جزء سميته القول الميففي ترجمة الإمام أبي عبد الله الشريف. فلنذكر هنا بعض ما تيسر منه: قال صاحب الجزء المذكور: وكان آخر الأئمة المجتهدين. ولد عام عشرة وسبعمائة فنشأ عفيفاً صيناً فتعلم العلم في صغره بأخلاق مرضية نسيج وحده وفريد عصره، انتهت إليه إمامة المالكية بالمغرب، وضربت إليه آباط الإبل شرقاً وغرباً، فهو علم علمائها ورافع لوائها أحيا السنة وأمات البدعة وأظهر من العلم ما بهر العقول نجب في القرآن على ابن يعقوب. فلما ظهرت نجابته أحبه خاله عبد الكريم فكان يلازمه في مجالس العلم صغيراً. حضر يوماً مجلس أبي زيد ابن الإمام في تفسير القرآن فذكر نعيم الجنة. فقال له الشريف: هو صبي هل يقرأ فيها العلم؟ قال له: نعم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. فقال له: لو قلت لا لقلت لك لا لذة فيها. فعجب منه الشيخ ودله. ثم قيض الله له الإبلي بما عنده من العلوم الجزيلة والتحقيق التام فانتفع به انتفاعاً عظيماً واعتمد عليه. ثم استفرغ وسعه في طلب العلم حتى حدث معضهم أنه لازمه أربعة أشهر. فلم يره نزع ثوبه ولا عمامته لشغله بالنظر والبحث. فإذا غلبه النوم نام نوماً خفيفاً، فإذا أفاق لم يرجع إليه أصلاً ويقول أخذت النفس حقها فيتوضأ، والوضوء من أخف الأشياء عليه. ثم رجع للنظر. ابتدأ الإقراء وهو ابن أحد عشر سنة. أخذ عن ابني الإمام وكانا من أجلة العلماء لم يكن في زمانهما أعظم منهما قدراً و لا أعلى قدراً ولا أوقع عند الملوك نهياً وأمراً. فتضلع وأخذ عن غيرهما. فذكر من تقدم وشهد له شيوخه كلهم بوفور العقل وحضور الذهن. فاتسع في العلم باعه وعظم قدره فأقرأ العلوم في زمن شيوخه، وأقبل عليه الخلق مع سلامة العقل جارياً على نهج السلف عالماً بأيام الله مائلاً للنظر والحجة أصولياً متكلماً جامعاً للعلوم العقلية القديمة والحديثة. لقي بتونس ابن عبد السلام فلازمه واتفع به. وذكر ولده أبو محمد عبد الله أنه لما حضر مجلس ابن عبد السلام جلس حيث انتهى به المجلس، فتكلم الشيخ في الذكر: هل هو حقيقة في ذكر اللسان؟ فقال له أبو عبد الله: يا سيدي الذكر ضد النسيان ومحل النسيان القلب لا اللسان وتقرر أن الضدين يجب اتحاد محلهما. فعارضع ابن عبد السلام بأن الذكر ضد الصمت والصمت محله اللسان فيجب كون اللسان محل ضده الذي هو الذكر فيكون حقيقة فيه. قال أبو عبد الله فسكت عن مراجعته تأدباً معه. وقد علمت أن الصمت إنما ضده النطق لا الذكر. فلما جاء في الغد جلس في موضعه فقام نقيب الدولة فأجلسه بجنب ابن عبد السلام بأمره بذلك، فلما فرغ من القراءة قال: أنت أبو عبد اللله الشريف؟ قال: نعم. فأكرمه فكان يجلس بجنبه وكان يقرأ على الشيخ في داره. ولقي أكابر التونسيين بمجلسه فتعجبوا منه فكل يوم يزداد عندهم جلالة. ثم رجع لبلده فدرس العلوم وأحيا الشريعة. كان من أحسن الناس وجهاً وقوراً مهيباً ذا نفس كريمة وهمة نزيهة رفيع الملبس بلا تصنع سري الهمة بلا تكبر حلماً متوسطاً في أموره قوي النفس مؤيداً بطهارة ثقة عدلاً ثبتاً، سلم له الأكابر بلا منازع أصدق الناس لهجة وأحفظهم مروءة مشفقاً على الناس رحيماً بهم يتلطف في هدايتهم ويعينهم بجهده حسن اللقاء كريم النفس طويل اليد يعطي نفقات عديدة ذا كرم واسع وكنف لين وصفاء قلب.

دخل عليه طالب فصيح فأعطاه وفراً، ثم دخل عليه مرة بفاس فسأله عن حاله. فذكر له أنه قرأ القرآن بالقرويين فما أعطاه أحد شيئاً. فتأسف الشيخ لحاله، ففي الغد بعث أربعة من طلبته بأربعة قراطيس دراهم وقال لهم: احضروا مجلسه فإذا قرأ فارموا القراطيس بين يديه. ففعلوا فأخذها الطالب ودعا لهم فعرف الناس حالته فانثالت عليه العطايا. وسأله السلطان يوماً عن مسألة ابن الحاجب الأصلي فقال له إنما يفهم هذه المسألة الطالب الفلاني وكان محتاجاً. فطلبه السلطان فقيل أنه بسجلماسة، فوجه لعاملها أن يعطيه نفقة وكسوة ويوجهه. فوصل في أسرع وقت فبين المسألة بين يدي السلطان، فسئل عمن استفادها فقال: من سيدي أبي عبد الله الشريف.

وكان الطلبة في وقته أعز الناس وأكثرهم عدداُ وأوسعهم رزقاً فنشروا العلم واستعانوا بحسن إلقائه وسهولة فيضه وحلاوته مع بشاشة لا يؤثر على الطلبة غيرهم يحملهم على الصدق ويبث لهم الحقائق يرتب كلاً في منزله ويحمل كلاً منها على أحسن وجوهه يبرزه في أحسن صورة يترك كل أحد وما يميل إليه من العلوم ويرى الكل من أبواب السعادة ويقول من رزق في باب فليلازمه مع كرم أخلاق قائماً بالعدل، لا يغضب وإذا غضب قام وتوضأ، جميل العشرة بساماً منصفاً يقضي الحوائج سمحاً متورعاً يوسع في نفقة أهله ويصل رحمه لله ويواسيهم بجرايات كثيرة من ماله يكرم ضيفه ويقرب له ما حضر ويطعم الطلبة طيب الأطعمة. وبيته مجتمع العلماء والصلحاء. كان أشياخه يجلونه حتى قال ابن عبد السلام: ما أظن أن في المغرب مثل هذا. وكان الإبلي يقول: هو أوفر من قرأ على العلاً وأكثرهم تحصيلاً. وقال أيضاً: قرأ على كثير شرقاً وغرباً فما رأيت فيهم أنجب من أربعة، أبو عبد الله الشريف أنجحهم عقلاً وأكثرهم تحصيلاً، وإذا أشكلت مسألة على الطلبة عند الإبلي أو ظهر بحث دقيق يقول انتظروا أبا عبد الله الشريف. قال له الشيخ ابن عرفة غايتك في العمل لا تدرك. ولما سمع بموته قال: لقد ماتت بموته العلوم العقلية. وحضر بفاس في بدايته مجلس عبد المؤمن الجاناتي. فاتفق بحث فأبدى فيه وجهاً بديعاً فنظر إليه الشيخ عبد المؤمن فقال: ما ذكرته من عندك أو من نقل؟ فقال: من عندي. فسأله عن بلده ونسبه ولأي شيء جاء، فقال: جئت للقرائة على الإبلي. فقال له: الحمد لله الذي وفقك، ودعا له. وبحث يوماً مع أبي زيد ابن الإمام في حديث وتجاذبا فيه الكلام جواباً واعراضاً حتى ظهر، فأنشده الشيخ:

أعلمه الرماية كل يوم * فلما اشتد ساعده رماني.

قال الشيخ أبو يحيى المطغري: لما اجتمع العلماء عبد أبي عنان أمر الفقيه العالم المقري بإقراء التفسير. فامتنع منه وقال: الشريف أبو عبد الله أولى مني بذلك. فقال له السلطان: تعلم أنت علوم القرآن وأهل تفسيره فاقرأه. قال له: إن أبا عبد الله أعلم بذلك مني فلا يسعني الإقراء بحضرته. فعجبوا من إنصافه. ففسر أبو عبد الله بحضرة العلماء كافة في دار السلطان. ونزل عن سرير ملكه وجلس معهم على الحصير فأتى بما أدهش الحاضرين حتى قال السلطان عند فراغه: إني لأرى العلم يخرج من منابت شعره. وجاء إليه القاضي الفشتالي بعد خروجهم فطلب منه تقييد ما صدر منه ذلك اليوم. فقال: إنه من كتاب كذا وكذا، وذكر كتاباً معروفة عندهم. فعلم القاضي أن الحسن للشنب وأن الأمر غير مكتسب. قال الخطيب ابن مرزوق: لما سافر أبو عبد الله لتونس كرهت مفارقته ولكن حمدت الله على رؤية أهل إفريقية مثله من المغرب. وكان الفقيه الكبير الصالح موسى العبدوسي كبير فقهاء فاس يبحث عما يصدر من أبي عبد الله من تقييد أو فتوى فيكتبه وهو أسن من أبي عبد الله. وكان الفقيه المحدث القاضي أبو علي منصور بن هدية القرشي يقول: كل فقيه قرأ في زماننا هذا أخذ ما قدر له من العلم إلا أبا عبد الله الشريف، فإن اجتهاده يزيد والله أعلم حيث ينتهي أمره. وسمعت أبا يحيى المطغري يقول: حضرت مجلس كثير من كبار العلماء فما رأيت مثل أبي عبد لالله وولديه. اه.

ووصل في التفنن في العلوم إلى الغاية جمع بين الحق والحقيقة لا يشق غباره بل حظ العلماء السماع منه. فسر القرآن خمساً وعشرين سنة بحضرة أكابر الملوك والعلماء والصلحاء وصدور الطلبة لا يتخلف منهم أحد عالماً بقراءته وروايته وفنون علومه من بيان وأحكام وناسخ ومنسوخ وغيرها مع إمامته في الحديث وفقهه وغريبه ومتونه ورجاله وأنواع فنونه إلى الإمامة في أصول الدين قائماً بالحق صحيح النظر كثير الذب عن السنة وإزاحة الإشكال متدرباً في تعليم غوامضها حسن البسط في التأليف ألف كتاباً في القضاء والقدر وحقق فيه مقدار الحق بأحسن تعبير عن تلك العلوم الغمضة، وإليه يفزع علماء المغرب في حل المشكلات. وجه العالم المحقق يحيى الرهوني من بلاد توزر أسئلة فأوضح مشكلها. وكان من أئمة المالكية ومجتهديهم فقيه النفس قائماً على الفروع والأصول ثبتاً وتحصيلاً عالماً بالأحكام واستنباطها قوي الترجيح سريع النظر متورعاً في الفتوى متحرياً في مسائل الطلاق يدفعها عن نفسه ما استطاع بدرس الفقه في كثير أوقاته، وغالبها يقرأ المدونة بعد التفسير حتى مات. لم ينتفع الطلبة بأحد في مصر من الأمصار ما انتفعوا به في زمانه.

وذكر بعض فقهاء فاس للسلطان أبي عنان أنه غير متبحر في الفقه حسداً. فبعث السلطان حينئذ للفقهاء فحضروا وأمره بقراءة حديث "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم" يختبر به حاله في الفقه. فأخذ فيها من غير نظر فأول ما قال في هذا الحديث خمسة وعشرون فرقة فسردها. ثم تكلم على أخذها من الحديث وترجيح ما رجح كأنه يمليها من كتاب. فلما رأى السلطان ذلك أقبل على الطاعنين وقال لهم: هذا الذي قلتم إنه قاصر في الفقه وكان لكلامه حلاوة ورونق وطلاوة قوة علمه فيه ظاهرة وأنواره باهر. ألف في أصول الفقه مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول طبق فيه مسائل الفقه مع الأصول من أعلم الناس بالعربية وعلوم الأدب نحواً وبياناً حافظاً للغة والغريب والشعر والأمثال، وأخبار الناس ومذاهبهم وأيام العرب وسيرها وحروبها وأخيار الصالحين وسيرهم وإشارات الصوفية ومذاهبهم حسن المجلس كثير الحكايات ممتع المحضر عذب الكلام منصفاً في البحث والمناظرة كثير البسط بلا عار ولا سرف خيراً بأخبار النفس وتزكيتها وتطهيرها مذللاً صعاب الأمور إماماً في العلوم العقلية كلها منطقاً وحساباً وفرائض وتنجيماً وهندساة وموسيقاً وتشريحاً وفلاحة وكثيراً من العلوم القديمة. شرح جمل الخونجي من أجل كتب الفن. انتفع به العلماء قراءة ونسخاً وتأليفاً في المعاوضات. وكان قليل التأليف أكثر اعتنائه بافقراء.

فتخرج به من صدور العلماء وأعيان الفضلاء ونجباء الأولياء من لا يحصى وكان مهيباً محبباً جعل الله محبته في القلوب من رآه أحبه وإن لم يعرفه يجله الملوك ويقدمونه في مجالسهم يلاطفهم تارة ويفصح بالحق تارة وينصر المظلوم ويقضي الحوائج. وقال لبعض الملوك وقد أمر بضرب فقيه: إن كان عندك صغير فهو عند الناس كبير وإنه من أهل العلم. فنجا الفقيه وسرح مكرماً. ودخل بعض المرابطين على السلطان أبي حمو في أول أمره فلم يقبل يده ولا بايعه بل سلم وانصرف. فاشتد عليه غضبه، فقال: ما له لا يباعني وهم بشر؟ فقال له أبو عبد الله: هذه عادته مع من تقدم من الملوك وهو من أهل الله. فانكسر غضبه وأكرم المرابط وولاه قبيلة كلها. وكان يجلسه الملوك في أرفع المجالس ينصتون له فيقيم الحق لا يخدمهم بدينه ولا يسألهم حوائج نفسه ولا يخاطبهم إلا بما يسوع شرعاً يعظم أهل الحق في قلوبهم ولا ينتصر لنفسه ويدفع حاسده بالتي هي أحسن يلتمس لأولى الفضل في عثر أنهم أحسن الوجوه ويتغافل عن غيره مع ما له من جميل الذكر وبعد الصيت وعلو النصب لا يماري العلماء في مجالس الملوك ولا يرد على أحد ولا يخطئ المفسرين ولا ينصر العامة ولا يجرئهم على المعاصي بل يعظم منصب العلم، مجلسه مجلس نزاهة ودراية وتحقيق. إذا تكلم في مسألة أوضحها نهاره كله بين إقراء ومطالعة وتلاوة يقسم الوقت على الطلبة بالرملية. ينام ثلث الليل وينظر ثلثه ويسلي ثلثه. يقرأ كل ليلة ثمانية أحزاب في صلاته ومثله في أول النهار ويواظب قراءة الحزب دائماً ويقرأ في التفسير نحو ربع حزب كل يوم مع البحث. وإذا طال بحث الطلبة أمرهم بالتقييد في المسألة. ثم يفصل بينهم يطالع كتباً كثيرة حدثني بعضهم أنه وجد بين يديه سبعين كتاباً قوي اليقين بعيد النفس عن الطمع. لا يشغله أمر الرزق ارتاض نفسه للطلب حتى سهل عليه. فنال خيرات الدنيا والآخرة. وكان علماء الأندلس أعرف بقدره وأكثرهم تعظيماً له حتى أن العالم الشهير لسان الدين ابن الخطيب صاحب الأنباء العدجيبة والتآليف البديعة إذا ألف تأليفاً بعثه إليه وعرضه عليه وطلب منه أن يكتب عليه بخطه. وكان الشيخ الإمام الصدر المفتي أبو سعيد بن لب شيخ علماء الأندلس كلما أشكل عليه شيء كاتبه ليبين له ما أشكل مقراً له بالفضل. وأما زهده ومروءته ودينه فمعلوم. كان غني النفس بربه ساكن الجأش كثير النفقة لا يهتم في أمرها حتى ذكره ولده عبد الله أنه بقي في بعض الأزمنة ستة أشهر مشتغلاً بالعلم لم ير فيها أولاده لأنه يقوم صبحاً وهم نائمون ويأتي ليلاً وهم ناشمون. وذكر أنه لم يأخذ مرتباً في مدرسته ولا غيرها في زمن طلبه وإنما ينفق من مال أبيه وربما وضع له طيب الطعام ليفطر به في رمضان وغيره فيشتغل عنه بالنظر حتى لسحوره فيتركهما حتى يصبح ويواصل الصوم بالنظر مصون العرض منزهاً عن الريب. اتفق العدو والصديق على نزاهته وصدق لهجته وتساوي في محبته البر والفاجر مواظباً على الفكرة واقفاً مع الحدود مسلماً للعبودية كثير الجد في الأمر والنهي لا تعدل الدنيا عنده شيئاً يتباعد عن الملوك مع إقبالهم عليه وحرصهم على قربه ورفعته ما تولى أمراً من أمور الدنيا بل يقف مع العلم حيث وقف مع تمكنه.

وكان السلطان أبو سعيد يحبه حباً عظيماً ويخاطبه بسيدي. فلما انحل ملكه عرض عليه مالاً وديعة فامتنع بالكلية فأودعه عند غيره وأشهده. ثم رفع الأمر لأبي عنان بعد ملكه وأخبر به فوجه فيه وعانبه شديداً حين لم يرفع الأمر إليه وأمن عليه بتقريبه ورفعه على العلماء فأجابه. وقال إنما عندي شهادة لا يجب على رفعها بل سترها. وأما تقريبك إياي فقد ضرني أكثر مما ينفعني ونقص به ديني وعلمي. وشدد القول عليه أي على السلطان فغضب لذلك وسجنه. ثم ورد إثر ذلك يعقوب بن علي شيخ إعراب إفريقية على السلطان فسأله عما يقول الناس فيه بإفريقية. فقال: خيراً غير أنهم سمعوا بسجنك عاماً شريفاً كبير القدر فلامك فيه الخاصة والعامة. فأمر بإطلاقه والإحسان إليه بلا تسبب منه ولا معرفة، وهو أعظم محبة امتحن بها. وما زال السلطان يعتذر له عنها حتى مات. وكان أميناً مأموناً حافظاً لسره مالكاً لنفسه مقبلاً على شأنه يركن إليه أهل الدين والدنيا من القريب البعيد.

وكان قاضي قسنطينة حسن بن باديس وضع عنده أمانة في قرطاس فوضعها في بيته. فلما طلبه صاحبه أخرجها فوجد مكتوباً على ظاهر القرطاس مائة ذهب، فحله وعدها فإذا خمس وسبعون ذهباً. فزاد فيها خمسة وعشرين فأعطاه له. فمكث عنده يومين فرجع إليه وقال: يا سيدي وجدت في الأمانة زيادة خمس وعشرين. فقال: إنه لم أعدها عند أخذها منك فلما وقع بصري على الخط اختبرتها فلم أجد العدد فكملتها ظاناً ضياعها عندي. فقال: يا سيدي لم أعط إلا خمسة وسبعين. فرد الزيادة وشكره وحمد الله على وجود مثله. وكان متمسكاً في أموره بالسنة راكباً لأهلها كثير الاتباع شديداً على أهل البدع ذا بأس وقوة في نصر الحق لا تشاهد في قطره بدعة ولا يضع أسرار الشريعة في غير محلها ولا يشوش على أحد ويزجر من أخذ فوق قدره. سأله بعض مفقهة عن تفضيل أبي بكر على عمر فزجره. وكان يحضر مجلسه كبير وزراء الدولة فمال يوماً على بعض الأئمة فنظر إليه نظرة غضب وعنفه. فسكت الوزير ولم يقطع المجلس. وقرأ عليه بعض الطلبة كتب الغزالي على وجه التجمل بها فرأى الشيخ في المنام كأنه يضع كتبه في موضع قذر، فتركه ولم يعد لتعليمه. وكان كثير التدبر للآيات والنظر في الملكوت بعبرة وفكرة. له كرامات كثيرة:

منها أنه اشتد الغلاء بقسنطينة في محلة أبي عنان حتى بلغ الفول ثمانية بدرهم. وعظم الحال فكانت تصله الكتب وفي عنوانها تدفع لسيدي أبي عبد الله، فإذا فتحها وجدها بيضاء فيها ذهب لا يعرف من أين هي، فيستعين بها على شأنه حتى خلصه الله.

ومنها أنهم أتوا في واد حامل لا يجوزه إلا الفرسان، وكانت معه حمارة يحمل عليها فجازت مع الفرسان سالمة فنزلت المحلة قرب الوادي. فاتفق ضرب خبائه بموضع مرتفع هناك. ففي نصف الليل جاء سيل عم المحلة وطلع في أخبتهم وانهدت أبنية السلطان فباتوا في أسوأ حال وهو في منزله لم يصله الماء. فكان السلطان ينظر إليه في تلك الحال ويقول: كيف علم بما يتفق الليلة ولم يعلمنا به؟ ولما وصل في تفسيره الأخير إلى قوله تعالى "يستبشرون بنعمة من الله" مرض ثمانية عشر يوماً ثم مات ليلة الأحد رابع ذي الحجة متم عام أحد وسبعين. وحدث الخطيب الصالح علي بن مزية والفقيه راشد وغيرهما أنهم رأوه حين موته كأنه يجلس من يدخل عليه فكانوا يظنونه الملائكة. وذكر ولده أبو يحيى أنه في مرضه قبل المصحف ومسح به وجهه وقال: اللهم كما عززتني به في الدنيا فاعززني به في الآخرة. ورآه بعض الصلحاء بعد موته فقال له: أين أنت؟ فقال: في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وتأسف لموته السلطان وقال لولده عبد الله: ما مات من خلفك وإنما مات أبوك لي لأني أباهي به الملوك. ثم أعطاه المدرسة ورتب له جميع مرتبه. اه ملخصاً من الجزء المذكور.

فائدة سئل رحمه الله من غرناطة عن قول الإمام المرجوع عنه وما ينقله أهل المذهب عنه في مسألة واحدة قولين مختلفين وثلاثة يقولون وقع له في المدونة كذا وفي المزوازية كذا ويعتقدونها خلافاً فيفتون بها من غير تعيين للمتأخر منها يجب الأخذ به من المتقدم الذي يترك مع التقليد لصاحبها، وهو واحد مع اتفاق أهل الأصول على أنه إذا صدر القولان عن عالم لم يعلم المتأخر منهما لا يؤخذ بواحد منهما لاحتمال كون المأخوذ المرجوع عنه. فصارا كدليلين نسخ أحدهما، فلم يعلم بعينه لا يعمل بمقتضى واحد منهما. وأما المجتهد فيأخذ برأيه من حيث اجتهاده وقد وقعت هذه عندنا وتردد النظر فيها أياً ما فلم يوقف إلا أن الضرورة داعية إلى ذلك وإلا ذهب معظم فقه مالك ومستند الأخذ مع الضرورة أن مالكاً لم يقل بالأول إلا بدليل وإن رجع عنه. فنأخذ به من حيث الديل وأيضاً غالب أقواله قال بها أصحابه فيعمل بها من حيث اجتهادهم. وأيضاً فجميع المصنفين سطروا هذه الأقوال وأفتوا بها من غير تعرض لهذا الإشكال فبعيد اجتماعهم على الخطأ هذا ما ظهر لنا.

وقد أجاب القرافي عن هذا الأخير في شرح التنقيح بما في علمهم فأجاب رحمه الله: اعلموا أن المجتهد إما مطلق وهو من أطلع على قواعد الشرع وأحاط بمداركها ووجوه النظر فيها فهو يبحث عن حكم نازلة بنظره في دلالتها على المطلوب فينظر في معارض السند والتخصيص والتقييد والترجيح وغيرها إن لم يعلم المتأخر فيعمل بالراجح أو الناسخ حيث ظهر ويصير المتقدم لغواً كأنه لم يذكر ألبتة هذا نظره، وإما مجتهد في مذهب معين وهو من أطلع على قواعد إمامه وأحاط بأصوله ومآخذه وعرف وجوه النظر فيها ونسبته إليها كالمجتهد المطلق في قواعد الشريعة كابن القاسم وأشهب في المذهب والمزني وابن سريج في مذهب الشافعي. وقد كان ابن القاسم وأشهب والشافعي قرؤا على مالك وأما الشافعي فترقى للاجتهاد المطلق فكان ينظر في الأدلة مطلقاً بما أداه إليه اجتهاده وابن القاسم فيقول سمعت ماكاً يقول كذا أو بلغني عنه كذا وقال في كذا كذا ومسألتهك مثلها فهذه رتبة الاجتهاد المذهبي. وقد قال في غصب المدونة في الغصب والسارق يركبان المغصوبة أو المسروقة بعد حكايته قول مالك، ولو لا ما قاله مالك لجعلت على الغصب والسارق كراء ركوبه، الخ. فأنت ترى شدة اتباعه لمالك وتقليده له. وأما مخالفته له في بعض المسائل كقوله: يتعين ثلاث بنات لبون في مائة وإحدى وعشرين من الإبل، كقول ابن شهاب ومالك يخيره في ذلك أو حقتين. وفيمن قال لعبده أنت حر بتلاً وعليك مائة دينار، فقال مالك هو حر وبتبع بها، وابن القاسم لا يتبع بشيء كقول ابن المسبب. وفي الغرماء يدعون على الوصي التقاضي يحلفهم مالك في القليل وتوقف في الكثير، ويحلفهم ابن القاسم مطلقاً كقول ابن هرمز وغيرها. فيحتمل أنه رأى أن ما قاله هو في هذه المسائل هو الجاري على قواعد مالك فلذا اختاره. فلم يخرج عن تقليده فيها ويحتمل أنه اجتهد فيها مطلقاً بناء على جواز تجري الاجتهاد. وأما أصبغ فقال أخطأ ابن القاسم لما رآه خالف فيها مالكاً إما لأنه رآه خارجاً عن أصوله وصريح قوله. وأما أشهب فالمحققون على أنه مقلد لمالك غير مجتهد، وقوله في مسألة من حلف بعتق أمته أن لا يفعل كذا فولدت بعد اليمين وقبل الحنث لا يعتقون معها قيل له أن مالكاً قال يعتقون معها، قال وإن قاله مالك فلسنا له بمماليك يقتضي اجتهاده، كما قال ابن رشد خلاف ما قاله الجمهور أنه مقلد له. فإذا تقرر هذا فالقولان لمالك الذي لم يعلم المتأخر منهما ينظر مجتهداً لمذهب أيهما أجرى على قواعد إمامه وتشهد له أصوله فيرجحه ويفتي به. وإذا علم المتأخر من قولي الإمام فلا ينبغي اعتقاد أنهما كأقوال الشارع بحيث يلغي الأول البتة لأن الشارع واضع ورافع لا تابع. فإذا نسخ الأول رفع اعتباره أصلاً وإمام المذهب لا واضع ولا رافع بل هو في اجتهاده طالب حكم الشرع متبع لدليله في اعتقاده، وفي اعتقاده ثانياً أنه غالط في اجتهاده الأول ويجوز على نفيه في اجتهاده الثاني من الغلط ما اعتقده في اجتهاده الأول ما لم يرجع لنص قاطع. وكذلك مقلدون يجوزون عليه في كلا اعتقاديه ما جوزه هو على نفسه من غلط ونسيان. فلذلك كان لمقلده اختيار أول قوليه إذا رآه أجرى على قواعده إن كان مجتهداً مذهبه وإن كان مقلداً صرفاً تعين عليه العلم بآخر قوليه لأغلبية إصابته على الظن. فهذا شر الفرق بين صنفي الاجتهاد وفصل القضي فيهما.

وحاصله أن أقوال الشارع إنشاء وأقوال المجتهد إخبار وبهذا يظهر غلط من اعتقد من الأصوليين أن حكم القول الثاني من المجتهد حكم الناسخ من قولي الشرع ويظهر صحة ما ذكره ابن أبي جمرة في أقليد التقليد أن المجتهد إذا رجع عن قول أو شك فليس رجوعه عنه مما يبطله ما لم يرجع لقاطع. قال لأنه رجع من اجتهاد لاجتهاد عند عدم النص. فيرجح أصحابه فيأخذ بعضهم بالأول. قال وفي المدونة من ذلك مسائل هذا كلامه ولم أر من اعترض عليه بأن من أخذ بالقول المرجوع عنه. فإن ذلك لقوة مداركه عنده لا أنه قلد ما لكافيها كما أشير إليه في السؤال. وإنما لم يصب لأن نظر من أخذ بالقول الأول من أصحابه نظر مقد بقواعده لا نظر مطلق كالمجتهد. فلذا كان مقلداً له لتمسكه بأصول مذهبه وقواعده وإن خالف نص إمامه ففي العتبية في سماع عيسى فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن كلمتني حتى تقولي أحبك، فقالت: غفر لاله لك إني أحبك. فقال حانث لقولها غفر الله لك قبل قولها أحبك. ولقد اختصمت أنا وابن كنانة لماكل فيمن قال إن كلمتك حتى تفعلي كذا فأنت طالق ثم قال لها نسقاً فاذهبي الآن فقلت حانث. وقال ابن كنانة لا يحنث فقضى لي مالك عليه فمسألتك أبين من هذا. وصوب أصبغ قول ابن كنانة. ولما تكلم ابن رشد على هذه المسائل وشبهها اختار قول ابن كنانة. ثم قال يوجد في المذهب مسائل ليست على أصوله تنحو لمذهب أهل العراق فأنت ترى ابن رشد اختار خلاف قول ابن القاسم كما اختاره أصبغ جرياً على أصل المذهب ولم يبالوا بقضاء مالك لابن القاسم لما رأوه خارجاً عن أصول مذهبه، حتى قال ابن رشد إن في المذهب مسائل ليست على أصوله أترى من خالف في تلك المسائل جرياً منه على قواعد المذهب ومداركه يعد شاقاً لإمام المذهب كلا بل هو أولى بالاتفاق وأحق بالتقليد، وقولكم اتفق أهل الأصول على عدم العمل بمقتضى القولين المتضادين اللذين لا يعلم المتأخر منهما فلا أعرف في كتبهم إلا في المقلد تفريعاً على أن أحدهما مرجوع عنه. قالوا لا يعمل بواحد حتى يظهر المتأخر وقد قدمنا أن مجتهد المذهب ينظر في ترجيح أحدهما فيعمل بما يوافق المذهب كفعل المجتهد في أقوال الشارع، وبينا أن قولي الإمام ليسا كنسبة الناسخ والمنسوخ بما لا مزيد عليه وقولكم إن الضرورة داعة إلى العمل بمثل ذلك وإلا بطل معظم الفقه قلنا كان ماذا وأين هذه الضرورة من وجوب التوقف في أقوال الشارع إذا لم يعلم المتأخر إذ لا يعمل بواحد منهما قبل التبين، وقولكمم في المستند الأخذ بها إن مالكاً لم يقل بكل إلا بدليل فلنأخذ به من حيث ذلك الدليل.

قلنا لا يصح هذا المستند عنه من يقول إن القولين كدليلين نسخ أحدهما الآخر ولم يعلم الناسخ ولا اعتبار للدليل مع نسخه. نعم إنما يتم ذلك المستند على ما أصلناه من أن الشارع رافع وواضع والإمام بان على دليله وتابع. وقولكم إن غالب أقوال مالك أخذ بها أصحابه فنعمل بها من حيث اجتهادهم فأين هذا من قولكم أولاً أنهم يعملون بها مع تقليد صاحبها اللهم إلا أن يحقق ما ذكرنا من علم أصحابه بأول أقواله بناء على اعتقادهم جريه على قواعده وأصوله فلم يزالوا في ذلك التقليد وإن أجتهدوا في المذهب. وأما إن عملوا به بناء على الاجتهاد المطلق فقد بطلت وحدة الإمام ولزم الخروج عن مذهبه. وقولكم إن الصنفين سطروا الأقوال إلى قولكم بعيد أن يجمعوا على الخطأ فهو رد إجمالي ما تبين فيه نكتة مستندها الإجماع السكوتي وهي ما أشرنا إليه. وأما جواب القرافي فضعيف عند التأمل والله أعلم. انتهت فتواه ملخصاة. فتأملها مع ما فيها من التحقيق فبعض الشيء يؤذن بكله. وربك الفتاح العليم.

محمد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني الغرناطي قرطبي الأصل أبو عبد الله لسان الدين ويعرف بابن الخطيب، الإمام الأوحد الفذ صاحب الفنون المنوعة والتآليف العديبة ذو الوزارتين. قرأ القرآن على الشيخ الصالح أبي عبد الله العواد والقرآن والعربية على أبي الحسن القيجاطي وأبي القاسم بن جزي. ولازم في العربية والفقه والتفسيرابن الفخار البيري المجمع على إماته في العربية المفتوح عليه فيها حفظاً واصطلاحاً ونقلاً وتوجيهاً بما لا مطمع فيه لسواه، وعلى القاضي أبي بكر. وتأدب بأبي الحسن بن الجياب. وروى عن كثير كأبي عبد الله بن جابر وأخيه أبي جعفر وأبي البركات ابن الحاج وأبي محمد بن سلمون وأبي عمر بن أبي جعفر بن الزبير وأبي الحسن التلمساني وأبي القاسم بن البنا والقاضي أبي عبد الله المقري والخطيب ابن مرزوق وأبي عثمان بن ليون وأبي الحجاج المتشافري في خلق كثيرين. وألف تآليف عديدة أكثرها في الأدب والتأريخ والطب، منها كتاب الإحاطة في تأريخ غرناطة في ثمانية أسفار، وريحانة الكتاب في ثمانية أيضاً، وكتاب المحبة في شفرين، والصيب والجهام في مجموع شعره، ومفاضلة مالقة وسلا، ورسالة الطاعون والتاج المحلي في سفرين، وعائد الصلة في سفرين وصل بها صلة ابن الزبير، ونفاضة الجراب في أربعة أسفار، والبيطرة في سفر في محاسن الخيل وغيرها، والوصول لحفظ الصحة في الفصول في سفر، ورجز في الطب، ورجز في للأغزية، ورجز في السياسة، وكتاب الوزارة رسالة الغيرة على أهل الحيرة، وحمل الجمهور على السنن المشهور، والزبدة الممخوضة المنحوضة في الرد على أهل الإباحة، وسد الذريعة في تفضيل الشريعة، وتقريب الشبه وتحرير الشبه، وكتاب كبير له فيه شجرات عشرة شجرة السلطان ثم الوزارة ثم العمل ثم الجهاد أسطولاً وخيولاً ثم المضطر إليهم في باب السلطنة من الأطباء والمنجمين الندماء والشعراء وغيرهم ثم الرعايا في عدة أسفار، وتلخيص الذهب في اعتبار عيون كتب الأدب، وطرفة العصر في دولة بين نصر في سفرين، وكتاب إعلام الأعلام فيمن بويع من ملوك الإسلام قبل الاحتلام في ثلاثة أسفار وهو من أواخر ما ألف. مولده عام ثلاثة عشر وسبعمائة. وتوفي مقتولاً فاتح عام ستة وسبعين وسبعمائشة في خبر طويل ذكرناه في غير هذا الموضع نقلاً عن ابن خلدون وغيره.

محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي الفاسي، قاضي الجماعة بها وسلفه من أهل الصلاح والخير فيها. كان من أكابر الفقهاء المشاركين من العلوم، لكن غلب عليه الفروع واقتصر على حفظ المسائل. وتقدم في علم الوثائق واشتهر بها. كان منقبضاً عن الناس كثير الصمت متحفظاً للسانه لا يتكلم إلا في ضرورة. تقلد خطة القضاء بفاس وسلك سيرة قضاة العدل. له نظم حسن، وكتابة رائقة يضن فهماً، فمنها رفعه لأبي عنان قوله:

أيا إماما ندى كفيه قد وكفا * حسب اعتصامي بجبل منكم وكفى
وكيف أصرف وجه القصد عن مالك * ما صدعني سنا بشر ولا صرفا

في أبيات هكذا أصبت هذه الترجمة في بعض المجاميع بخزانة جامع الشرفاء بمراكش. وقال ابن الخطيب في الإحاطة في ترجمة: له أبوة صالحة وأصلة زاكية قديم الطلب ظاهر التخصيص مفرطاً الوقار صدر الصدور في الوثيقة والأدب فاضل النفس جميل العشرة مديد الباع في الأدب شاعر مجيد كاتب بليغ علم من أعلام المشيخة. قدمه السلطان العالم أبو عنان لقضاء حضرته واختصه واشتمل عليه فعرف حقه. وتردد للأندلس سفيراً فذاع فضله وعلم قدره. اه ملخصاً.

قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب البليغ المدرس العالم العلم المتفنن الصدر الأوحد قاضي الجماعة كان عالماً بالفقه مشاركاً في غيره من العلوم مسدداً في الفتاوي عارفاً بأخذ الشروط. له حظ وافر من الرواية شاعر مجيد وكاتب بليغ حسن المعاملة للطلبة مستحسناً لأبحاثهم متمماً لنقصها مغضياً متغفلاً عممن يورد زالاً يحسن صدراً في القضاة ذا سمت فيه. لم أر بعده من يشبهه منهم ولا من ينحو نحوه. أخذه عن الأستاذ أبي الحسن بن سليمان والشيخ الصدر وحيد عصره ونسيج دهره قاضي الجماعة ابن عبد الرزاق سمع عليه الترمذي، وعن الإمام السطي والصدر المحقق أبي عبد الله بن آجروم والحافظ الناقد المحقق أبي زكرياء ابن واثق والفقيه الخير العالم أبي عبد الله الرندي والخطيبين أبي عبد الله الطنجالي وأبي جعفر الزيات والمحدث ابن جابر الوادآشي وعبد المهيمن الحضرمي. اه ملخصاً.

وقال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا قاضي الجماعة، له عقل وسمت لم يكن لغيره من القضاة. وله مجلس جليل في العلم. توفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة. أخذ عنه شيخنا القباب. اه.

قلت: وله تأليف في الوثائق مشهور مليح، وكلام في الدعاء بعد الصلاة على الهيئة المعهودة رد عليه فيه الإمام أبو يحيى بن عاصم الشهير في تأليفه الذي رد فيه على شيخ الشيوخ ابن لب منتصبراً للإمام الشاطبي.

محمد بن الحسن بن محمد المالقي نزيل دمشق. قال ابن حجر في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثمنة: كان من أئمة المالكية وشيوخ العربية حسن التعليم متواضعاً. شرح التسهيل، وشرع في شرح فرعي ابن الحاجب وانتفع به الطلبة. ولي مشيخة التجيبية. ومات في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.

محمد بن يوسف الرجراجي الشيخ شمس الدين. قدم من المغرب وقد راهق أو بلغ، فلازم الاشتغال على شيوخ عدة، ومهر في المعقول وقرأ الأصلين والعربية وكان غاية في الذكاء وحصل ظرفاً جيداً من الفقه. ولما اشتهر أمره نازع البرهان الأخنائي في تدريس المنصورية. وكان كثير الاستهتار بالكبار والاستهزاء بالصغار. فكتبوا فيه بحضوره نسبوه لعمل السحر والنجوم. فخلصه أكلم الدين. ثم ولاه نور الدين الأخنائي مدرسة الحجازية تصدر بالجامع الأزهر. ثم درس الفقه بالشيخونية فقرره أكمل الدين ثم بغيرها. واتصل بالملك الظاهر وأجلسه عنده يوم الممالآت. ثم فسد ما بينه وبين أكمل الدين، فآل أمره إلى أن أهانه منطاش وأمر بضربه. ثم قيد فلم يثبت القيد في رجله فأعيد فيها فانكسر. فتحيروا في أمره، فبعضهم قال إنه سحر، وبعضهم. قال إنه صلاح، وبعضهم وقع اتفاقاً. اه من الدرر الكامنة.

محمد بن حسن بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسيني أبو القاسم. قال الشيخ يحيى السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل العلم الصدر الشهير الماجد الأصيل الفاضل ابن الفقيه الجليل القاضي الشريف المحدث الراوية الرحلة الحاج أبي علي، كان حسن الخلق والخلق ساعياً في حوائج معارفه وغيرهم باذلاً جهده فيه معظماً عند الأمراء والخاصة والعامة. فصيح الكلام والكتب ناظماً مجيداً عارفاً بأصول الفقه واللغة مشاركاً في بقية العلوم. لازم والده كثيراً، فسمع وقرأ وأخذ عن الإخوين الإمامين الفذين أبني الإمام أبي زيد وأبي موسى وابن جابر الهواره والمسند عبد المهيمن الحضرمي. وأجازه من الشرق الشرف الدمياطي والتاج الشرافي والشراف الطبري وغيرهم. مولده عام ثمانية عشر وسبعمائة. وتوفي موفي عشرين من ذي القعدة عام أحد وثمانين.

محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم الغساني البرجي من برجة الأندلس الغرناطي. قال في الإحاطة: فاضل مجمع على فضله صاحل الأبوة طاهر النشأة بادي الصيانة طرف في الخير والحشمة صدر في الأدب جم المشاركة ثاقب الذهن جميل العشرة ممتع المجلس حسن الخط والشعر والكتابة فذ في الانطباع، يحكم كثيراً من الآلات العملية ويجيد تفسير الكتاب. رحل للعدوة. فاشتمل عليه السلطان الكبير أبو عنان فنوه به وملأ بالخير يده. فاقتنى جدة وحظوة وشهرة انقباضاً مع استرسال الملك. وآثر الدعة ومهد في رحلة طلب المشرق فأسعف به. ثم تولى قضاء فاس، فسد دمع نزاهة، وهو الآن بحاله الموصوف من مفاخر بلده نسيج وحده في السلامة والتخصيص واجتناب الفضول. واستعمل سفيراً عند الفشتالي وغيره. اه.

قال ابن خلدون: كان كاتب السلطان أبي عنان وصاحب الإنشاء والسر مختصابه. نشأ بالأندلس واجتهد في علم والتحصيل وقرأ وسمع. وتفقه على شيوخ الأندلس واستبحر في الأدب وبرز نظماً ونثراً. وكان لا يجاري في كرم الطبع وحسن العشرة ولين الجانب وبذل البشر والمعروف. رحل لبجاية في عشر الأربعين وسبعمائة فتولى خطة الإنشاء بها. ثم نزل تلمسان بعد تملك أبي الحسن المريني بجاية. ثم استكتبه أبو عنان. ثم تولى قضاء فاس في زمن أبي سالم فلم يزل عليها. ثم مات بعد الثمانين وسبعمائة. وأخبرني أن مولده سنة عشرة. اه ملخصاً.

وقال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي النزيه الخطيب البليغ الراوية المتفنن الفاضل المتخلق أبو القاسم ابن الفقيه الجليل الأستاذ المقري نشأ بغرناطة وقرأ. ثم انتقل لفاس فنوه به أبو عنان واشتهر في زمانه. ورحل حينئذ وحج ورجع فحظى عند ملوك الغرب ولي الخطابة والقضاء بالحضرة ودأب عليه محمود السيرة. توفي في ثالث صفر سنة ست وثمانين وسبعمائة. وتولى قضاء الجماعة بفاس. كان فاضلاً بليغاً ذا سمت حسن فتفنناً في معارف صدراً في الطلب علماً في الأدب مائلاً بطبعه للتصوف مؤثراً له محباً في أهله مليح الخطابة جيد الخط والشعر والكتابة ثاقب الذهن بعيداً من فضول القول والعمل جميل العشرة والمجلس صنع اليدين جملة فاضلة. أخذ السبع عن والده وغيره، وعن الإمام الولي أبي إسحاق بن أبي العاصي الكتب الخمسة في الحديث وغيرها، وعن العالم المحقق الولي الطندالي وأبي جعفر بن الزيات وعبد المهنمن الحضرمي وابن جابر الوادآشي وابن هدية القرشي والمجاصي وإمام الموقف خليل المكي وعبد الله اليافعي. اه ملخصاً.

محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن مرزوق الخطيب شمس الدين شهر بالخطيب وبالجد ابن مرزوق، شارح العمدة في الحديث والشفاء. ذكره ابن فرحون في الأصل أي في الديباج وأثنى عليه وذكر شيوخه ولنذيله هنا بما لم يذكر هنا.

قال ابن خلدون صاحبنا الخطيب أبو عبد الله التلمساني: كان سلفه نزلاء إلى مدين بالعباد متوارثين تربته من زمن جدهم خادمه في حياته، وجده الخامس والسادس أبو بكر بن مرزوق معروف بالولاية فبهم. وولد صاحب الترحمة على ما أخبرني عام عشرة وسبعمائة. ورحل مع والده للشرق سنة ثمان عشرة وسمع ببجاية على ناصر الدين. ولما جاور أبوه بالحرمين رجع هو للقاهرة فأقام وقرأ على البرهان السفاقسي وأخيه وبرع في الطلب والرواية وكان يجيد الخطين. ورجع سنة ثلاث وثلاثين للمغرب ولقي السلطان أبا الحسن محاصر التلمسان، وقد بنى مسجداً عظيماً بالعباد، وكان عمه محمد بن مرزوق خطيباً به على عادتهم، وتوفي فولاه السلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمه. وسمعته يشيد بذكره في خطبته ويثني عليه فقربه وهو مع ذلك يلازم ابني الإمام ويلقي أكابر الفضلاء ويأخذ عنهم، وحضر معه وقعة طريف وأرسله للأندلس وفشتالة في الصلح. وفك ولده المأسور. ورجع بعد وقعة القيروان مع زعماء النصارى وافدين على أبي عنان بفاس مع أمه حظية أبي الحسن. ثم رجع لتلمسان وأقام بالعباد وبها يومئذ أبو سعيد عثمان وأخوه أبو ثابت والسلطان أبو الحسن بالجزائب وقد حشد هناك. فأرسل أبو سعيد بن مرزوق إليه سراً في الصلح. فلما أطلع أبو ثابت على الخبر أنكره على أخيه فبعثوا من حبس ابن مرزوق ثم أجازوه البحر للأندلس. فنزل على أبي الحجاج سلطان غرناطة فقربه واستعمله على الخطبة بجامع الحمراء فبقي عليها حتى استدعاه أبو عنان سنة أربع وخمسين بعد مهلك أبيه واستيلائه على تلمسان وأعمالها فنظمه في أكابر أهل مجلسه. ثم بعثه لتونس عام ثمان ليخطب له بنت السلطان أبي يحيى فردت الخطبة واخفت بتونس. ووشي لأبي عنان أنه مطلع على مكانها، وسخطه وأمر بسجنه فسجن مدة ثم أطلقه قبل موته. ولما تولى أبو سالم آثره وجعل الأمور بيده. فوطئ الناس عقبه وغشي أشراف الدولة بابه وصرفوا إليه الوجوه. فلما وثب الوزير عمر بن عبد الله بالسلطان آخر اثنين وستين حبس ابن مرزوق ثم أطلقه بعد طلب كثير من أهل الدولة قتله. فمنعه منهم ولحق بتونس سنة أربع وستين ونزل على السلطان أبي إسحاق وصاحب دولته أبي محمد بن تافراكين. فأكرموه وولوه خطابة جامع الموحدين وأقام بها حتى هلك أبو يحيى سنة سبع وولي ابنه خالد. ثم لما تولى أبو العباس الأمر بعد قتله خالداً وبينه وبين ابن مرزوق شيء لميله مع ابن عمه محمد صاحب بجاية عزله عن الخطبة. فوجم لها فأجمع الرحلة للشرق وسرحه السلطان فركب السفينة للاسكندرية ثم للقاهرة ولقي أهل العلم وأمراء الدولة فنفقت بضائعه عندهم. وأوصلوه للسلطان الأشرف فولاه الوظائف العملية مرشحاً للقضاء ملازماً للتدريس حتى هلك سنة إحدى وثمانين. اه ملخصاً.

وقال في الإحاطة: كان من طرف دهره ظرفاً وخصوصية ولطافة مليح التوسل حسن اللقاء مبذول البشر كثير التودد نظيف البزة لطيف التأني خير البيت طلق الوجه حلو اللسان طيب الحديث مقدر الألفاظ عارفاً بالأبواب درباً بصحبة الملوك والأشراف ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالنسك والحشمة بالبسط عظيم المشاركة لأهل وده والتعصب لإخوانه ألفاً مألوفاً كثير الاتباع غاص المنزل بالطلبة منقاد للدعوة بارع الخط أنيقه عذب التلاوة متسع الرواية مشاركاً في فنون من أصول وفروع وتفسير، يكتب ويشعر ويقيد ويؤلف فلا يعدوه السداد في ذلك فارس منبر غير جزوع ولا هيابة. رحل للشرق في كنف وحضمة مع والده. فحج وجاور ولقي جلة. ثم فارقه وقد عرف حقه بالشرق. ورجع للغرب فاشتمل عليه أبو الحسن وجعله مفضي سيره وإمام جمعه وخطيب منبره وأمين رسالته. وقدم الأندلس وسط عام اثنين وخمسين فقلده سلطانه خطبة مسجده وأقعده للإقراء بمدرسته. ثم صرف عنه جفن سره من أسره من أسلوب طماح ودالة. فاغتنم الفترة وانتهز الفرصة فانصرف عزيز الرحلة مغبوط المنقلب في شعبان عام أربعة وخسين. فاستقر عند أبي عنان في محل تجلة وبساط قربة مشترك الجاه مجريا التوسط. اه ملخصاً.

قال الحافظ ابن حجر: ولما وصل تونس أكرم إكراماً عظيماً فخطب ودرس في أكثر المدارس. ثم قدم القاهرة فأكرمه الأشرف شعبان ودرس بالشيخونية والصرغتمشية والنجمية. وكان حسن الشكل جليل القدر. مات في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين. اه.

قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب. توفي بالقاهرة ودفن بين ابن القاسم وأشهب. له طريق واضح في الحديث ولقي أعلاماً. سمعنا منه البخاري وغيره في مجالس ولمجلسه لياقة وجمال. وله شرح جليل على العمدة في الحديث. اه.

قلت: وقرأت بخط العالم أبي عبد الله بن الإمام بن العباس التلمساني ما ملخصه: كتب بعض السادات للإمام زعيم العلماء الحفيد بن مرزوق أنه وجد بخط جده الخطيب بن مرزوق لما نفقه عمر بن عبد الله على يد الشيخ أبي يعقوب. كتب ما نصه: الحمد لله على كل حال خرج الطبري في منسكه وأبو حفص الملائي في سيرته عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمر. قالا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الثنية التي بأعلى مكة وليس بها يومئذ مقبور، فقال: يبعث الله من هاهنا سبعين ألقاً يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ووجوههم كالقمر ليلة البدر. فقال أبو بكر: من هم يا رسول الله؟ فقال: هم الغرباء من أمتي الذين يدفنون هانا. ففي الموضع دفن والدي رحمه الله بعد سماعه الحديث بسبعة أيام. أفتراه لا يشفع فيمن أقال عثرة ولده؟ أفما يشتري هذا بأموال الأرض؟ أفلا يراعي لي ثمانية وأربعين منبراً في الإسلام شرقاً وغرباً وأندلساً؟ أفلا يراعي لي أنه ليس اليوم يوجد من يسند أحاديث الصحاح سماعاً من باب اسكندرية إلى البريق والأندلس غيري؟ وقرأت عن نحو مائتين وخمسين شيخاً. والله ما أعلمه لكني حرمني الله منه فنبذت الاشتغال به وآثرت اتباع الهوى والدنيا فهويت اللهم غفرانك أفلا يراعي لي مجاورة نحو اثني عشر عاماً؟ وختم القرآن في داخل الكعبة والإحياء في محراب النبي صلى الله عليه وسلم والإقراء بمكة ولا أعلم من له هذه الوسيلة غيري. أفلا يراعي لي الصلاة بمكة ستة وعشرين سنة وغربتي بينكم ومحنتي في بلدي على محبتكم وخدمتكم من الناس يخرج على هذا الوجه. أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله من ذنوبي، ذنوبي أعظم وربي أعلم وربي أرحم. والسلام. اه.

وفيه دليل على قدر الرجل ومكانته ديناً ودنياً ورأيت له في بعض المجاميع ما ملخصه: ومن أشياخ والدي سيدي محمد المرشدي. لقيه في ارتحالنا للشرق وحملني إليه وأنا ابن تسعة عشر سنة. فنزلنا عنده وقت صلاة الجمعة. ومن عادته أن لا يتخذ إماماً للمسجد وحضر حينذ من أعلام الفقهاء من لا يمكن اجتماع مثلهم في غير ذلك المشهد فقرب وقت الصلاة فتشوق من حضر من الفقهاء والخطباء للتقديم، فخرج اللشيخ فنظر يميناً وشمالاً وأنا خلف والدي فوقع بصره علي فقال لي: يا محمد تعال. فقمت معه إلى موضع خلوة فباحثني في الفروض والشروط والسنن. قال فتوضأت وأخلصت النية فأعجبه وضوئي ودخل معي المسجد وقادني للمنبر وقال لي: يا محمد ارق المنبر. فقلت له: يا سيدي والله ما أدري ما أقول. فقال لي ارقه، وناولني السيف الذي يتوكأ عليه الخطيب عندهم وأنا جالس مفكر فيما أقول إذ أفرغ الأذان. فلما فرغوا ناداني بصوته وقال لي: يا محمد قم وقل بسم الله. قال فقمت واطلق لساني بما لا أدري ما هو إلا أني أنظر إلى الناس فينظرون إلي ويخشعون من وعظي، فأكملت الخطبة. فلما نزلت قال لي: أحسنت يا محمد وقرأك عندنا أن نوليك الخطابة وأن لا تخطب بخطبة غيرك ما وليت وحييت. ثم سافرنا فحججنا وأراد والدي الجوار وأمرني بالرجوع لتلمسان لأونس عمي، وأمر لي بالوقوف على سيدي المرشدي هنالك فوقفت عليه. وسألني عن والدي فقلت له يقبل أيديكم ويسلم عليكم. فقال لي تقدم يا محمد واستند لهذه النخلة فإن شعبنا يعني أبا مدين عند الله عندها ثلاث سنين. ثم دخل خلوة زماناً ثم خرج. فأمرنا بالجلوس بين يديه. ثم قال يا محمد أبوك من أحبابنا وإخواننا إلا أنك يا محمد إلا أنك يا محمد، فكانت إشارة منه لما امتحنت به من مخالطة أهل الدنيا والتخليط. ثم قال يا محمد أنت مشوش من جهة أبيك تتوهم أنه مريض ومن بلدك أما أبوك فبخير وعافية وهو الآن عن يمين منبر الرسول عليه السلام وعن يمينه خليل المكي وعن يساره أحمد قاضي مكة. وأما بلدك فسم الله فخط دائرة في الأرض. ثم قام فقبض إحدى يديه على الأخرى وجعلهما خلف ظهره وجعل يطوف بتلك الدائرة ويقول: تلمسان تلمسان، حتى طاف بها مرات. ثم قال لي يا محمد قد قضى الله الحاجة فيها. فقلت له كيف يا سيدي؟ فقال ستر الله إن شاء الله على ما فيها من الذراري والحريم ويملكها هذا الذي حصرها فهو خير لها. ثم جلس وجلست بين يديه. فقال لي يا خطيب. فقلت يا سيدي عبدك ومملوكك. فقال كن خطيباً أنت الخطيب وأخبرنا بأمور، وقال لي لا بد أن تخطب بالجانب الغربي وهو الجامع الأعظم بالاسكندرية. ثم أعطاني شيئاً من كعيكعات صغار زودني بها وأمرني بالرحيل. وأما خبر تلمسان فدخلها المريني كما ذكر وستر الله على ما فيها من الذرارى والحريم. وحان هذا المرشدي يتصرف في الولاية كتصرف أبي العباس السبتي. نفعنا الله بهما. اه.

ولصاحب الترجمة تآليف كشرحه لجليل على عمدة الأحكام في أصفار خمسة جمع فيها بين ابن دقيق العيد والفاكهاني مع زوائد، وشرحه النفيس على الشفا ولم يكمل، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق، وشرح فرعي ابن الحاجب سماه إزلاة الجاجب ولا أدري كمل أم لا. وبيته بيت علم ودراؤة ودين وولاية كعمه وأبيه وجده وجد أبيه وكولديه محمد وأحمد وحفيد الإمام النظار الحفيد بن مرزوق وولد حفيده المعروف بالكفيف وحفيد حفيده المعروف بالخطيب. وهو آخر فقهائهم فيما أعلم.

محمد بن علي ابن أحمد بن محمد الأوسي البلنسي أبو عبد الله، من علماء غرناطة يعرف بالبلنسي. قال في الإحاطة: كان حسن اللقاء عفيف النشأة مكباً على العلم والاستفادة قائماً على العربية والبيان ذاكراً لكثير من المسائل متقناً حسن الإلقاء والتقرير. تولى بعض أمور المتغلب على الدولة فجرت عليه نكبة. ثم خلص منها بحسن قراءته. لازم شيخ الجماعة ابن الفخار وانتفع به وأعاد دول دروسه، وقرأ على غيره له تفسير كبير على القرآن وتأليف في مبهماته. وهو من فضلاء جنسه. اه.

قلت: وأخذ عنه الإمام أبو إسحق الشاطبي والقاضي أبو بكر بن عاصم والمنتوري. ولد يوم الاثنين خامس عشر ذي الحجة عام أربعة وعشرين وسبعمائة، وتوفي يوم السبت خامس ربيع الأول عام اثنين وثمانين كذا وجدت بخطه.

محمد بن عبد المؤمن، من فقهاء فاس في طبقة موسى العبدوسي. نقل عنه في المعيار. ولم أقف له على ترجمة.

محمد بن عبد الله الهاروني الفقيه أبو جابر مشهور بكنيته. كان ماهراً في مذهبه كثير المخالفة في الفتوى كثير الاستحضار. توفي سنة ست وسبعين وسبعمائة. اه من أنباء الغمر.

محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن محمد بن علي الأنصاري شهر بابن الخشاب الغرناطي. قال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الأستاذ الجليل الخطيب البليغ المقري الرواية المسند أبو القاسم ابن الفقيه العدل أبي عبد الله. كان رواية عارفاً بالوثائق خطيباً بليغاً كثير التلاوة للقرآن وقوراً حسن السمت والملبس مليح الشيبة. أخذ عن والده وخاله الأستاذعبد الله بن سلمون والقاضي ابن بكر سمنع عليه مسلماً والنسائي وابن ماجة والخطيبين الصالحين أبي الحسن القيجاطي وأبي علي عمر بن عتيق وأبي القاسم بن جزي وأبي الحسن بن الحباب والأستاذ البياني وابن الفخار البيري وأجازه المزري والبرزلي وأبو حيان والشهاب أبو العباس بن كشنغدي، ومن تونس الشريف محمد بن يحيى الحسني اليجائي وابن عبد السلام وابن جابر، ومن المغرب القاضي ابن عبد الرزاق وابن أبي يحيى وعبد المهيمن الحضرمي في جماعة يقاربون أربعمائة شيخ جمعهم في معجم كبير نحو عشسرين جزأ. أجازني عام اثنين وسبعين وسبعمائة. اه ملخصاً.

محمد بن سعيد بن عثمان بن سعيد الصنهاجي الهنائي البرنسي الزموري الدار شهر بانقشابو، الشيخ الفقيه القاضي العدل الأرضي المحدث الراوية الواعية المدرس المتقن المتفنن أبو عبد الله الفقيه المفتي المدرس المصنف القاضي الحاج الرحلة. أخذ عن أبي حيان والقاضي ابن عبد الرزاق الجزولي وأبي العباس بن عبد الرحمن المكناسي. عرف بالمجاصي والحافظ العلامة المقري وغيرهم وأجازني. صح من فهرسة ابن الأحمر.

قلت: له تآليف كشرح فرعي ابن الحاجب سماه معتمد الناجب في إيضاح مبهمات ابن الحاجب في ثلاثة أسفار، وذكر فيه أنه حضر قراءته على مشايخ مصر والاسكندرية، وذكر في باب الحج منه ما نصه: حدثني شيخي شيخ المالكية بمكة خليل أنه حدثه من يثق به من الأولياء المجاورين بمكة أنه رأى الجمار ترفع إلى السماء. اه.

وله أيضاً كنز الأسرار ولاقح الأفكار جزء مليح وقفت عليه.

محمد بن محد ابن عمران الفنزاري السلويعرف بالجراد، فهو عبد الله فقيه محمد مدرس صالح. أخذ عن ابن الفخار الحولاني وأبي الفضل بن الحسن المزدغي وغيرهما. وتوفي عام ثمانية وسبعين وسبعمائة.

محمد ابن علي بن البقال الأنصاري الفاسي. قال ابن الأحمر في فهرسته: الفقيه العدل الكثير الحياء والصمت أبو عبد الله ابن الفقيه المدرس. أخذ عن والده وعن الإمام أبي العباس بن البنا العددي. وتوفي بفاس عام ثمانية وسبعين وسبعمائة. أجازني عامة. اه.

محمد بن سعيد بن محمد بن عثمان الرعيني الأندلسي الفاسي مولداً ووفاة، من أعلامها. قال أبو زكريا السراج في فهرسته: شيخنا المسن الفقيه الحاج الصالح الفاضل أبو عبد الله كان فاضلاً ديناً خيراً حسن الخلق متواضعاً مولعاً بالتقييد والتصنيف. قل ما تراه إلا ناظراً أو مقيد الفائدة مقتر الرزق صابراً عليه. تفقه على أبي الحسن الصغيروالحافظ عبد الرحمن الجزولي وأبي سالم اليزناسني وأبي الحسن المزدغي. وأخذ عن جماعة شرقاً وغرباً كأبي الحسن بن سليمان والمفسر أبي عبد الله بن أيوب الصنهاجي والإمام ابن البنا الأزدي، سمع عليه. من تآليفه تفسير الباء من بسم الله، وتفسير الاسم وتأوله، وتفسير سورة الكوثر، ومراسم الطريقة في فهة الحقيقة من حال الخليقة، ومقالة في المكاييل الشرعية، والكلام على القبلة. وعن الشيخ الفقيه الراوية الرحلة المحدث المحقق الضابط أبي القاسم التجيبي السبتي لقيه بفاس وأجازه برنامج روايته ومؤلفاته، والخطيب الراوية المحدث ابن رشيد والشيخ المسند الراوية أبي بكر محمد بن محمد بن أبي عمر محمد بن خليل السكوني والأصولي النظار قاسم بن الشاط. قال: كان شيخنا ابن رشيد يقول: ما رأيت عالماً بالمغرب إلا ابن البنا بمراكش وابن الشاط بسبتة. وعن القاضي أبي عبد الله القرطبي السبتي وابن عبد المنعم والناصر المشذالي وابن عبد الرفيع وابن فداح وأثير الدين أبي حيان وابن سيد الناس في جماعة كثيرة ذكرهم في برنامجه. وتوفي ثامن صفر عام تسعة وسبعين وسبعمائة. اه ملخصاً.

وقال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المعمر المحدث الصالح الرحال الجامع أبو عبد الله الفاسي يعرف بالرعيني وبالسراج. توفي عام ثمانية وسبعين. أخذعن جماعة فذكر بعض من تقدم. وقال بعضهم: كان من فقهاء فاس، نسخ بخطه أزيد من مائة وخمسين كتاباً وألف في فنون، منها تحفة الناظر ونزهة الخواطر في غريب الحديث، والجامع المفيد في سفرين، والمغرب في حثالة صلحاء المشرق والمغرب، والقواعد الخمس والمقامات، وشرحها، والوعظ والشعر والمهاد والاعتماد في الجهاد، وتنبيه الغافل وتعليم الجاهل، واختص[ا]ر مقدمات ابن رشد، والأسئلة والأجوبة، واختصار حدود الشيرازي ونظم مراحل الحجاز، والروضة البهية في البسملة والتصلية. وروي عن نحو ستين شيخاً غرباً وشرقاً منهم ابن الشاطا وابن رشد وأبو حيان وأبو الحسن الصغير والناصر المشذالي وأبو الربيع اللجائي. هكذا وجدت بخطه رحمه الله.

محمد الغرياني التونسي أبو عبد الله. قال البرزلي: الفقيه العدل المدرس. اه.

وهو من معاصري ابن عرفة، تنازع معه في مسألة القبطان المكاس القائل لرجل في محاورة "أنا عدوك وعدو نبيك" فأفتى صاحب الترجمة بأنه مرتد وأفتى ابن عرفة بأنه منتقص يقتل بلا استتابة. وجرى في ذلك بحث لابن عرفة مع الأبي وغيره.

محمد بن علي بن حياتي الغافقي، الأستاذ النحوي. قال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ المقرئ النحوي المحقق الصدر المتخلق الفاضل كان شيخ الجماعة بقطرنا والمنفرد بالإمامة في النحو في أفقنا. حي به ما درس من رسمه على يديه ونفع به أكثر من قرأ عليه. نشأ بغرناطة وقرأ بها ولازم المحقق شيخ الجماعة ابن الفخار البير قرأ عليه بالسبع ثمان ختمات وعرض عليه الرسالة حفظاً وقرأ عليه كثيراً. وانتقل لفاس وأخذ بها عن الأستاذ أبي العباس اليفرني الكناسي والفقيه قاضي الجماعة ابن عبد الرزاق وغيرهما. ولد سنة ثمانية عشر وسبعمائة، وتوفي يوم الخميس ثامن جمادي الأولى عام ثمان وثمانين وسبعمائة.

وقال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الأستاذ، له تحقيق في النحو والقراآت. طلب منه بعض الناس قراءة الجزولية. فأخذها الأستاذ في يده وقصد شيخنا أبا العباس أحمد بن الشماع المراكشي لمعرفته بالمنطق وقرأ عليه استفتاحها في الجنس والنوع وأنا حاضر، ثم أقرأها عشية يومه، وهذا من إنصافه وتحقيقه. توفي بفاس عام أحد وثمانين. اه.

وهو خلاف ما تقدم في وفاته والأول أشب. وأخذ عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد.

محمد بن سعد بن أحمد بن لب بن حسن بن بقي، وبهذا الأخير يعرف، من علماء غرناطة. كان خطيباً أستاذاً راوية. قال في الإحاطة: كان فاضلاً حسن الخلق جميل العشرة كريم الصحبة مبذول المشاركة معروف الذكاء والمعرفة مبسوط الكف مع الانقباض عفة مع الحشمة، تسع الطوائف أكناف خلقه ويعم المتضادين رحب ذرعه محصل حصيف العقل حسن المشاركة في فنون من فقه وقراءة ونحو وغيرها، حلق للتعليم في الجوامع فانثال عليه المتعلم والمستفيد لإجادة بيانه وحسن تفهمه. قرأ بنافع على أبيه وعلى الخطيب ابن طرفة وابن عامور والعربية على إمام فيها الأستاذ ابن الفخار وجود عليه بالسبع وعلى الأستاذ ابن لب. أنشدني إثر موارات جنازة:

كم أرى مد من لهو ودعه * لست أخلو ساعة من تبعه
كان لي عذر لدي عصر الصبا * وأنا آمل في العمر سعه
أو ما يوقظنا من حالنا * ألف لقبره قد شيعه
سيما وقد بدا بمفرق * ما أخال الموت قد جاء معه
فدعوني ساعة أبكي على * عمرا مسيت ممن ضيعه

وأنشدني في النوم وهو يكرره كثيرا:

أباد البين أجاد التلاق * وحالت بيننا خيل الفراق
فجودوا وارحموا وارثوا ورقوا * على من جفنه سكب المآق

ولد عام اثنين وعشرين وسبعمائة. اه ملخصاً.

ورأيت في موضع آخر: ولد يوم الجمعة ثاني عشر صفر عام اثنين وعشرين وسبعمائة، وتوفي يوم الجمعة ثاني عشرين من ذي القعدة عام أحد وتسعين. أخذ عنه العلامة الراوية المنتوري وغيره. وهو جد الإمام المواق لأمه.

محمد ابن أحمد البطروني الأنصاري التونسي محدثها أبو الحسن. قال البرزلي: شيخنا الفقيه الراوية المحدث المسن المقرئ الصالح الزاهد. اه.

وقال أبو الطيب بن علوان: سيدنا الإمام الخطيب الراوية المتقن الأصيل المشاور ولي الله أبو الحسن ابن الحافظ أبي العباس، أخذ عن والده والقطب ماضي ابن سلطان خادم أبي الحسن الشاذلي. يروي عنه جميع أحزابه وأجازه نور الدين بن فرحون والعز بن جماعة. مولده عام ثلاثة وسبعمائة. وتوفي تاسع عشر ذي القعدة عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة. اه.

وقال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه الخطيب الصالح ابتدأ الرواية عام تسعة وسبعين. اه.

وممن أخذ عنه البسيلي والوانوغي وغيرهم.

محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر، وبه اشتهر، اللخمي الفاسي أبو عبد الله، الأستاذ السالح. قال السراج في فهرسته: شيخنا الشيخ الفقيه المسن الأستاذ الجليل المقرئ الراوية المتخلق الصالح الفاضل انفرد بعلو الرواية في قطرنا وجلس لللإقراء بفاس مواظباً عليه صابراً محتسباً لله. قرأ عليه خلق كثير حتى كبر وضعف وعجز عن الخروج. فأقرأ بداره مدة. ثم اشتد ضعفه فصار يقرئ في بعض الأوقات. أخذ عن أبي الحسن بن سليمان القرطبي القراآت وعن قاضي الجماعة ابن عبد الرزاق. ولد عام ثلاثة وسبعمائة، وتوفي ليلة الأحد ثاني عشر المحرم عام أربعة وتسعين. اه مختصراً.

محمد بن موسى بن عامر أبو عبد الله الغماري، نزيل مكة. كان كثير العناية بالعبادة. يحكى عنه أنه أصابته فاقة زائدة، فبينما هو طائف بالكعبة اذ رأى المطاف ممتلئاً ذهباً بحيث غاصت رجلاه فيه إلى فوق قدميه. فقال يعني للذهب تقربني ولم يتناول منه شيئاً. وكان قدومه مكة سنة ثمانين وسبعمائة.

محمد بن عمر بن علي بن عبد الدار الغماري النحوي، الشيخ شمس الدين. قال ابن حجر: أخذ العربية والقراآت عن أبي حيان وغيره. وأخذ عن الشيخ خليل وحدث وكان عارفاً باللغة والعربية بارعاً فيهما كثير الحفظ للشعر سيما الشواهد قوي المشاركة في الأدب. قال السيوطي: قال بعضهم: تفرد على رأس المائة الثامنة خمسة بخمسة البلقيني بالفقه والعراضي بالحديث والغماري هذا بالنحو والشيرازي صاحب القاموس باللغة وابن المقن بكثرة التصانيف. وتوفي في شعبان سنة اثنين وثمانمائة، وولد في ذي القعدة سنة عشرين ةسبعمائة. اه.

قلت: ويزاد على الخمسة، فيقال وابن عرفة بجمع العلوم والتحقيق، والشريف الصقلي بمعرفة الطب. وممن أخذ عن الغماري الكما الدميري الشافعي والإمام ابن مرزوق الحفيد في شعبان الأثاري وغيرهم.

محمد بن محمد بن عرفة والورغمي التونسي، إمامها وعالمها وخطيبها الإمام العلامة المحقق القدوة النظار شيخ الإسلام العالم المبعوث على رأس المائة الثامنة، حسبما ذكره السيوطي في نظمه. عرف به في الديباج وأثنى عليه غاية ولنذيله بما قال غيره.

قال الشيخ الرصاع: هو شيخ الإسلام الإمام الأعلم الصالح القدوة الفهامة البركة الحاج الأنزه الأكمل. كان والده خيراً صالحاً متعبداً. جاور بالمدينة الشريفة على ساكنها الصلاة والسلام ولازمها حتى توفي. كان يدعو آخر الليل لولده بعد تهجده ويصلي على النبي ويسلم عليه. ثم يقول: يا نبي الله محمد بن عرفة في حماك، يقوله في كل ليلة. فصحبه اللطف الجميل في حياته. وظهر عليه آثار البركة بعده. وكان أبوه صاحب جد وولاية يناول عصى الخطيب لولي الله خليل المكي، فإذا ناوله يقول: يا سيدي ادع لمحمد ولدي، فكان له بذلك الكرامات. كان الشيخ رضي الله عنه في صغره مشهوراً بالجد والاجتهاد والمطالعة والمذاكرة. لازم الشيوخ الجلة. أخذ عن الإمام ابن عبد السلام القراآت العشر والحديث ولازمه كثيراً، وأخذعنه علماً غزيراً، والقرائض على الشيخ السطي والعلوم العقلية على ابن أندراس والإبل وابن الحباب والنحو والمنطق والجدل على ابن الحباب والحساب وسائر المعقول على الإبلي وكان يثني عليه. وقرأ بالسبع على ابن سلامة والفقه على ابن عبد السلام وابن قداح وابن هارون والسطي. وأما جده واجتهاده في الطاعات من صلاة وصيام وصدقة، فيقال إنه بلغ درجة كثير من التابعين، وحكاية حاله في ذلك تحتاج لتأليف. ألف تآليفه العجيبة كمختصره الفقهي لم يسبق به في تهذيبه وجمعه وأبحاثه الرشيقة وحدوده الأنيقة، وتأليفه في المنطق فيه من القواعد والفوائد على صغر جرمه ما يعجز عنه الفحول، وتأليفه في الأصلين، وغيرهما من إملاآته الحديثية والقرآنية والحكم الشرعية. وكان مسعوداً في دنياه مرضياً عنه في أخراه مع طول عمره. هابته الملوك وقامت بحقه ومن معادته أنه لم يبتل بتولية القضاء مع قدرته على تحصيله حفظاً من الله تعالى له. تولى إمامة الجامع الأعظم سنة خمسين وسبعمائة، وقدم لخطابته عام اثنين وسبعين، وللفتوى عام ثلاثة وسبعين. ولم يقع له عذر في صلاة من الصلوات إلا زمن أمراضه الثلاثة وزمن خروجه في مصلحة المسلمين، بعثه الملك الهمام أبو العباس، جمع الله له خيري الدنيا والآخرة. كان رحمه الله ولياً صالحاً ذكياً قدوة سنياً عارفاً محققاً صاحب سعادة نهاية في المنقول والمعقول بقية الراسخين آخر المتعبدين، تواتر هديه وغزارة علمه وقوة فهمه، ألقى الله محبته في القلوب شيخ كثير من شيوخنا. وكان شيوخنا الآخذون عنه يقفون عند حده معظمين لقدره مسلمين لفهمه وتلقيناً عنهم كراماته ومحاسنه وحسن دينه وطريقته وكتبه جامعة مانعة شافية مبرز الفقهاء. قل من يفك رموزه ويفهمها يتفاخرون بذلك خلفاً عن سلف. اه كلام الرصاع ملخصاً.

قال القاضي ابن الأزرق ووقف في مكتوب لابن عرفة وفيه إنه قرأ على ابن الحباب جملة من كتاب سيبويه قراءة بحث وتحقيق وجملة من التسهيل على بعض شيوخه وسمع إلقاء ابن عبد السلام والتفسير من أول القرآن العظيم لآخره بما يجب لذلك من تحقيق أحكام الاعتقاد والفقه وقواعد العربية والبيان وأصول الفقه وغيرها مما تتوقف هذه المذكورات عليه مع مراجعة وبحث وأسئلة وجواب وقرأ عليه جميع صحيح مسلم بلفظه إلا يسيراً سمعته بقراءة غيره وسمعت عليه بعض البخاري والوطأ وقرأت عليه جملة من التهذيب وسمعت عليه سائره أزيد من ختمة قراءة بحث وفقه ونقل فروع الأمخهات وأحاديث الأحكام مع التنبيه عليها تصحيحاً وتحسيناً وتعقب ما تعقبه الأئمة وغيرها مما قرئ عليه مما قرأه على شيوخه مع ما أفاد من ذكر الأدب في الاشتغال بالتعلم خصوصاً حكل البحث والمراجعة وتوجيه الأسئلة. اه.

وقال تلميده الإمام الأبي: كان شيخنا من حسن الصورة والكمال على ما هو معروف وكان شديد الخوف من أمر الخاتمة يطلب كثيراً الدعاء له بالموت على الإسلام ممن يعتقد فيه خيراً. أعطاني يوماً شيئاً مما يتصرف به الأولاد، وقال: أعطه للولد الذي عندك، وكان ولداً سباعياً، وقل له يدعو لي بالموت على الإسلام رجاء قبول دعاء الصغير، فلحقني منه عبرة وشفقة. وكان يقول في حديث أو علم ينتفع به بعده: إنما تدخل التآليف في ذلك إذا اشتملت على فوائد زائدة وإلا فهو تخسير للكاغد ويعني بالفائدة الزائدة على ما في الكتب السابقة عليه. أما إن لم يشتمل التأليف إلا على نقل ما في الكتب فهو الذي قال فيه تخسير للكاغد. وهكذا يقول في حضور مجالس التدريس إنه إن لم يكن فيها التقاط زيادة من الشيخ فلا فائدة في حضور مجلسه، بل الأولى لمن حصلت له معرفة اصطلاح وقدر على فهم ما في الكتب أن ينقطع لنفسه ويلازم النظر. ونطم ذلك في أيات فقال:

إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة * وتقرير إيضاح لمشكل صورة
وعز وغريب النقل أو فتح مقفل * أو إشكال أبدته نتيجة فكرة
فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد * وإياك تركا فهو أقبح خلة

قال الأبي: وقلت مجيباً:

يميناً بمن أولاك أرفع رتبة * وزان بك الدنيا بأكمل زينة
لمجلسك الأعلى كفيل بكلها * على حين ما عنها المجالس ولت
فأبقاك من رقاك للخلق رحمة * وللدين سيفا قاطعا كل فتنة

ثم قال وإني لبر في قسمي هذا فلقد كنت أقيد من زوائد إلقائه وفوائد إبدائه في دوله الخمس التي تقرأ في مجلسه من تفسير وحديث وثلاثة في التهذيب نحو الورقتين كل يوم مما ليس في الكتب، قدس الله تعالى روحه. فقد كان الغاية وشاهد ذلك تآليفه وناهيات مختصره الفقهي الذي ما وضع في الإسلام مثله لضبطه فيه المذهب مسائل وأقوالاً مع زواد مكملة والتنبيه على مواضع مشكلة وتعريف الحقائق الشرعية. قال: وقال يوماً: لو لا خوف الحاجة في الكبر ما بت وعندي عشرة دنانير. ثم حبس آخر عمره قبل موته من الربع ما يفرق من أكريته آخر كل شهر نحو اثنين وعشرين ديناراً. اه.

وقال تلميذه البرزلي: أدركناه يقرأ في الصيف الأصلين والمنطق والفرائض والحساب والقراآت في آخر عمره، وجالسناه نحو أربعين عاماً وأخذنا عنه علومه وهديه. اه.

وقال تلميذه البسيلي بعد إيراد أسئلة وأجورة، وهذه الأسئلة والأجوبة مما تقع بين الطلبة في مجلس شيخنا ابن عرفة أو بينه وبينهم مما يدل على علو رتبته وعظم منفعته ولذا كان الحذاق يفضلون على غيره من مجالس التدريس.اه.

قال الحافظ بن حجر في أنباء الغمر: شيخ الإسلام بالمغرب، سمع من ابن عبد السلام وابن سلامة وابن بلار، واشتغل ومهر في الفنون واتقن المعلول حتى صار المرجع في الفنون إليه ببلاد الغرب معظماً عند السلطان فمن دونه مع دين متين وصلاح له تصانيف، منها المبسوط في المذهب سبعة أسفار إلا أنه شديد الغموض، ونظم قراءة يعقوب. أجازني وكتب لي خطه لما حج بعد التسعين. وعلق عنه بعض أصحابنا كلاماً في التفسير في مجلدين كثير الفوائد كان يلتقطه في حال قراءتهم عليه ويدونه أولاً فأولاً وكلامه دال على توسع في الفنون واتقان وتحقيق. اه.

وقال تلميذه أبو الطيب ابن علوان: كان شيخنا ابن عرفة إماماً علامة محققاً مفتياً مدرساً خطيباً صالحاً حاجاً. فاز من كل فن بأوفر نصيب وحاز في الأصول والفروع السهم والتعصيب. رمى لهدف كل مكرمة بسهم مصيب. وأطلعت سماء إفاداته. ذراري علم عيشهم، وإبل مرعاهم خصيب. فمنفعته بعد موته دائمة وبركاته بعد وفاته وتلامذته وأوقاته قائمة، جميع بين طرفي العمل والعلم. وشغل أوقاته بخير، فليس وقت منها بهزل. أيامه صيام ولياليه قيام وركوع وسجود. جاهد هجوم الليل، وآثر السجود على النوم والهجود. اه.

وقال تلميذه الشمس بن عمار: اجتمعت به سنة ثلاث وتسعين. وأخذ عنه المصريون، وهو إمام حافظ وقته مذهبه شرقاً وغرباً. انتهت إليه الرئاسة في قطره. أجمع في الفنون والتحقيق والمشاورة مع خشونة جانبه وشدة عارضته وبراءته من المداهنة وحرز من المخاشنة. اه.

وقال القاضي ابن الأزرق: حال الشيخ ابن عرفة في بلوغه أقصى مراتب الغاية العلمية لا ينكر ومقامه في المجاهدة العلمية من أشهر ما يذكر. فقد أخبرني الفقيه القاضي الأجل خاتمة السلف أبو عبد الله الزلديوي نزيل تونس مكاتبة قال: كان ابن عرفة في العلوم كما دلت عليه تآليفه فيها، وفي العبادة بالمزية الأعلى. قال سمعت شيخنا الإمام المعظم قاضي الجماعة أبا مهدي الغبريني يقول: لا يرى ولا يسمع مثل سيدي الفقيه في ثلاثة أشياء الصيام والقيام وتلاوة القرآن إلا ما يذكر عن رجال رسالة القشيري فلا تراه أبداً إلا صائماً ويقرأ عشرين حزباً في ساعة معتدلة وقيامه معلوم يقوم في جامع الزيتونة العشر الأواخر من رمضان في كل عام حتى عجز عنه قرب وفاته. قال الزلديوي المذكور: أول ما لقيناه عام ثلاثة وتسعين، وله سبع وسبعون سنة. وقرأنا عليه جميع صحيح البخاري بقراءة شيخنا قاضي الجماعة أبي مهدي المذكور، وحضر هذه الختمة جميع أعلام تونس وعلماؤها وطلبتها صغاراً وكباراً. وكانت من الغرائب قراءة عالم على عالم وهما علماء وقتهما، وذلك في رمضان أول عام من هذا القرن. وسبب القراءة ما أصاب أمير المؤمنين حجة الله على السلاطين أبا فارس بجبل أوراس، فأمر بقراءته لأنه ترياق الشدائد، فقرئ كذلك. ثم أجازا كل من حضر أبو مهدي بقراءته والشيخ الإمام بالقراءة عليه. اه.

قال ابن الأزرق: وأفادني الفقيه العالم المتفنن أبو الحسن القلصادي قال: أفادني شيخنا الإمام العلامة محمد بن عقاب وغيره من علماء تونس أن الإمام ابن عرفة كان إماماً في علوم، صنف في كثير وغالب كلامه الاختصار. اشتغل آخراً بالفقه خصوصاً من حين تولى الفتيا يعتني بالمدونة غاية ملازماً لنظرها. قرأ بالسبع على ابن سلمة من طريق الداني وابن شريح وعلى بن برا من طريق الداني وأصول الدين على ابن سلمة وابن عبد السلام وأصول الفقه على ابن علوان والنحو على ابن نفيس والجدل على ابن الحباب والفقه على ابن عبد السلام. وسار المعقولات على الشيخ الإبلي وكان يثني عليه كثيراً ويقول إنه لم ير ممن قرأ عليه مثله، والشريف التلمساني. ولي إمامة جامع الزيتونة عام ستة وخمسين وخطابته عام اثنين وسبعين والفتوى عام ثلاثة وسبعين. وابتدأ تصنيف المختصر الفقهي عام اثنين وسبعين وكمله عام ستة وثمانين واستخلف حين حج على الإمامة قاضي الجماعة عيس الغبريني وعلى الخطابة الولي الصالح أبا عبد الله البطروني، وعاد لخططه عام ثلاثة وتسعين لما رجع إلى موته. وكان مجدوداً في دنياه موسعاً عليه فيها مالاً وجاهاً ونفوذ كلمة. اه.

وقال تلميذه أبو حامد بن ظهيرة المكي في معجمه: هو إمام علامة برع أصولاً وفروعاً وعربية ومعاني وبياناً وقراءة وفرائض وحساباً رأساً في العبادة والزهد والورع ملازماً للشغل بالعلم. رحل إليه الناس وانتفعوا به، ولم يكن بالمغرب من يجري مجراه في التحقيق ولا من اجتمع له من العلوم ما اجتمع له. تأتي إليه الفتوى من مسيرة شهر. له مؤلفات مفيدة لم يخلف بعده مثله. اه.

قلت: قوله ولم يكن بالمغرب من يجري مجراه الخ يعني والله أعلم بالنسبة لآخر عمره أو ببلاده إفريقية فقط، وإلا فقد كان بالمغرب الأوسط والأقصى والأندلس من هو مثله ومن لا يتقاصر عن رتبته فيما ذكر من جمعه وتحقيقه. فهذا الإمام الشريف التلمساني والإمام المقري والقاضي أبو عثمان العقباني في تلمسان وشيخ الشيوخ أبو سعيد بن لب والإمام النظاري أبو إسحق الشاطبي بغرناطة والإمام القباب بفاس. فهؤلاء أمثاله في علومه بلا شك. بل قال ابن مرزوق في حق الشريف أنه أعلم أهل وقته بإجماع كما تقدم، ونذكر ما وقع بين ابن عرفة وابن لب وكذا بينه وبين الشاطبي في المراجعات والأبحاث في عدة مسائل. نعم هؤلاء ماتوا قبله بزمن بل تأخر عن المقري بأزيد من أربعين عاماً وعن الشريف بأزيده من ثلاثين وعن ابن لب بأزيد من عشرين وكذا عن القباب وعن الشاطبي بأزيد من عشر سنين إلا العقباني وحده والله تعالى أعلم. نعم إنما فاقهم بتأليفه الفقهي. وقال البسيلي وغيره: ولده ليلة سابع وعشرين من رجب سنة ست عشرة وسبعمائة، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادي الأولى عام ثلاثة وثمانماءة، فعمره سبع وثمانون عاماً إلا نحو شهرين. وحبس قبل موته كثيراً من الرباع وتصدق قرب موته بمال كثير، وكان قدر تركته ثمانية عشر ألفاً ذهباً دنانير ما بين عين وحلي ودرهم وطعام ورباع. وكتب وكان مجاب الدعاء. ومما رأيت من بركته إذا جلس قبالته في درسه فربما هم تكلعي [= هو تكلمني؟] بما يقع في خاطري. وأخبرني عم والدي الشيخ الصالح عبد العزيز البسيلي أنه رأى في نومه بعض معاصريه وهو الفقيه المفتي القاضي أحمد بن حيدرة، وكان في نفسه منه شيء، فقال له: اطلب لي منه السماحة لأني رأيت له منزلة عظيمة عند الله تعالى. قال لي: نعم فالتقيت بالشيخ ابن عرفة وأخبرته بذلك. فقال لي الملتقى بين يدي الله تعالى، ولم يزد على ذلك. اه.

قال أيضاً، ومن نظمه قرب وفاته:

بلغت الثمانين بل جزتها * فهان على النفس صعب الحمام
وأحاد عصري مضواً جملة * وعادوا خيالاً كطيف المنام
وأرجو به نيل صدر الحديث * بحب اللقاء وكره المقام
وكانت حياتي بلطف جميل * لسبق دعاء أبي في المقام

وأشار بقوله وأرجو البيت لحديث من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه الحديث وصدره أوله وأنشدني بعض الحذاق من الطلبة تخميساً لنفسه:

علمت العلوم وعلمتها * ونلت الرئاسة بل جزتها
فهاك سنيني عددتها * بلغت الثمانين البيت
فلم يبق لي في الورى رغبة * ولا في العلي والنهي بغية
وكيف أرجيهما لحظة * وآحاد عصري البيت
ونادى الردي بي وما لي مغيث * وحث المطية كل الحثيث
وإني لراج وحي أثيث * وأرجو به نيل البيت
فيا ري حقق رجاء الذليل * ليحظي بداريك عما قليل

فيسمى رجائي بموت كفيل وكانت حياتي البيت. اه.

قلت: والخمس هو الإمام الأبي كما ذكره. وقال تلميذه ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الإمام الحجة له مصنفات، أرفعها مختصره الكبير في المذهب قرأت عليه بعضه سنة سبع وسبعين وهو على حال اجتهاد في العلم. ثم لقيه قبل وفاته وبه ضعف وبعض نسيان وأم بجامع الزيتونة خمسين عاما. اه.

وقد مدحه الأبي بقصيدة مطلعها:

أيا طالبي العلم يبغون حفظه * هلموا فإن العلم هانت سبيله
فهذا هديتم للصواب ابن عرفة * أتاكم بوضع لم يشاهد مثيله
فدونكم يغني عن الكتب كلها * وإن قل حجما والعيان دليلة
وحل من التحقيق أرفع رتبة * وهذب مبناه فصحت نقوله
وأحكم من كل الحقائق رسمها * فلا خلل يخشى لديها حلوله
ورد من التخريج والنقل واهيا * وأورد تنبيها فحق قبوله
كذا أفليكن وضع التآليف لو يدم * ولا غر وذاك العلم هذا قليله
فإن جاء فرضا من يريد اعتراضه * فدع أمره إن التعسف قيله

وقال بعض تلاميذه:

وعلامة من نعته العلم الفرد * وبعض سجاياه السماحة والرفد
تفرد في عليائه وذكائه * وفي خلق حلو حكي طعمه الشهد
إذا فسر التنزيل أعجز أو عزا * حديثا فلا يسأل زهير ولا عبد
ومهما نحا نحوا وفقها وأصله * وعلم كلام سلمت له ألسن لد
وإن قسم الميراث أوجز عادلا * بفرض يحلي وجه سنته الرشد
لقد حف بالحوفي منه مسدد * متى رامه حيف فبينهما سد
فلو مالك العلم الإمام بطيبة * رآه لو لاه وقال لك العهد
إمام أمام والورى من ورائه * يؤمون مصباحا يصاحبه رشد

إلى أن قال في مختصره:

أبان لغيره ما لم يبنه لذي النهي * بيان ابن رشد ما ابن رشد وما رشد

في أبيات تزيد على خمسين بيتاً. وقل بتونس من لم يأخذ عنه. فمن أصحابه غير ما تقدم الشريف السلاوي والإمام ابن مرزوق الحفيد وأبو مهدي عيسى الوانوغي وأبو العباس المريض وابن قليل الهم وأبو عبد الله القلشاني وأخوه الحاج أحمد القلشاني وولده أحمد القلشاني شارح الرسالة وأبو يعقوب الزغبي ولأمير أبو عبد الله ابن السلطان أبي العباس الحفصي والعلامة ابن عقاب وأبو يحيى بن عقيبة وابن ناجي والشريف العجيسي والإمام الزلديوي، في خلق لا يحصون غرباً وشرقاً كالبرد الدماميني وغيره من الأئمة الأجلاء.

محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين الدين البكري الشيخ شمس الدين. برع في الفقه وولي تدريس الظاهرية، وعين للقضاء فامتنع. مات في ربيع سصنة ثلاث وثمانمائة، وقد بلغ ستين سنة. صح من تأريخ مصر.

محمد بن يوسف الإسكندري يعرف بالمسلاتي، بقية أهل الثغر درس وأفتى وكان عارفاً بالفقه مشاركاً في غيره، انتهت إليه رئاسة العلم مع دين وصلاح. مات سنة خمس وثمانمائة. صح من السخاوي.

محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن عباد النفزي الرندي شهر بابن عباد، الفقيه الصوفي الزاهد الولي العارف بالله. قال ابن الخطيب القسنطيني فيه: الخطيب الشهير الصالح الكبير. وكان والده خطيباً نجيباً فصيحاً. وكان والده هذا إذا [= ذا] عقل وسكون وزهد بالصلاح مقرون يحضر معنا مجلس شيخنا الفقيه أبي عمران العبدوسي وهو من أكابر أصحاب ابن عاشر وخيارهم. له كلام عجيب في التصوف وصنف فيه، وله فيه قلم انفرد به وسلم له فيه بسببه. ألف شرح حكم ابن عطاء الله في سفر، ورأيت في ظهر نسخة منه مكتوباً خا نصه:

لا يبلغ المرء في أوطانه شرفاً * حتى يكيل تراب الأرض بالقدم.

ومن كلامه: الاستئناس بالناس من علامة الأفلاس وفتح باب الأنس بالله تعالى الاستيحاش من الناس، ومن لازم الكون وبقي معه وقصر عليه همته لم تفتح له طريق الغيوب الملكوتية ولا خلص له بئر إلى فضاء مشاهدة والوحدانية فهو مسجون بمحيطاته محصور في هيكل ذاته، إلى غيرها من كلامه. وكان يحضر السماع ليلة المولد عند السلطان وهو لا يريد ذلك. وما رأيته قط في غير مجلس العلم جالساً مع أحد، وإنما حظ من يراه، الوقوف معه خاصة. وكنت إذا طلبته بالدعاء أحمر وجهه واستحيا كثيراً، ثم دعا لي. وأكثر تمتعه من الدنيا بالطيب والبخور الكثير، يخدم نفسه لم يتزوج ولم يملك أمة. ولباسه في داره مرقعة يسترها إذا خرج بثوب أخضر أو أبيض. له تلاميذ أخيار مباركون، بلغني عن بعضهم إنه تصدق حين تاب على يده بعشرة آلاف دينار ذهباً. وهو الآن إمام جامع القرويين وخطيبه، وأكثر قراءته في صلاة الجمعة "إذا جاء نصر الله" وأكثر خطبه وعظ، ومثله يعظ الناس لا تعاظه في نفسه. أوحى الله لعيسى عليه السلام: يا عيسى عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني، ذكره الغزالي. وهو على صفة البدلاء الصادقين النبلاء، كثر الله أمثاله. اه.

قال صاحبه الشيخ أبو زكريا السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب البليغ الخاشع الخاشي الإمام العالم المصنف السالك العارف الرباني المحقق ذو العلوم الباهرة والمحاسن المتظاهرة سليل الخطباء ونتيجة العلماء ابن الفقيه الواعظ الخطيب البليغ العلم الحظي الوجيه الحسيب الأصيل إبراهيم ابن أبي بكر بن عباد كان حسن السمت طويل الصمت كثير الحياء والوقار جميل اللقاء حسن الخلق والخلق عالي الهمة متواضعاً معظماً عند الخاصة والعامة. نشأ ببلده رندة على أكمل طهارة وعفاف وصيانة وحفظ القرآن ابن سبع سنين، ثم طلب العلوم بعده نحواً وأدباً وأصولاً وفروعاً حتى حصلها ورأس فيها. ثم أخذ في التصوف وبحث عن الأسرار الإلهية حتى أشير إليه وتكلم في علم الأحوال والمقامات والعلل والآفات. وألف فيه تأليف عجيبة بديعة. وله أجوبة كثيرة في مسائل العلوم نحو مجلدين. ودرس كتباً وحفظها أولجها كالشهاب القضاعي والرسالة ومختصر ابن الحاجب وتسهيل ابن مالك ومقامات الحريري وفصيح ثعلب وقوت القلوب وغيرها. وأخذ ببلده عن أبيه القرآن وغيره، وعن خاله القاضي الفقيه عبد الله الفربسي العربية وغيرها، والخطيب أبي الحسن الرندي عرض عليه الرسالة، والإمام العلامة المحقق الشريف التلمساني جمل الخونجي تفقهاً وغيره، والقاضي العالم المقري كثيراً من مختصر ابن الحاجب الفرعي وفصيح ثعلب وبعض صحيح مسلم كلها تفقهاً، والعالم الفقيه عبد النور العمراني الموطأ والعربية، والإمام الإبلي إرشاد أبي المعالي وجميع أصلي ابن الحجب وعقيدته تفقهاً، والفقيه الحافظ أبي الحسن الصرصري بعض التهذيب تفقهاً، والأستاذ أحمد بن عبد الرحمن المجاصي شهر بالكناسي جمل الزجاج والتسهيل، والفقيه الصالح أبي مهدي عيسى المصمودي جميع فرعي ابن الحاجب والحاجبية له تفقهاً. وتفقه على الفقيه أبي محمد الوانغيلي في ابن الحاجب الفقهي. وأخذ عنه حرف نافع وعن الفقيه الصالح المدرس أبي محمد عبد الله الفشتالي كثيراً من التهذيب وعن قاضي الجماعة وخطيب الحضرة أبي عبد الله محمد بن أحمد الفشتالي كثيراً من من التهذيب تفقهاً وعن غيره. ولقي بسلا الزاهد الورع الحاج ابن عاشر وأقام معه وأصحابه سنين عديدة. قال قصدتهم لوجدان السلامة معهم. ثم رحل لطنجة فلقي الشيخ أبا مروان عبد الملك الصوفي. قال لازمته كثيراً وقرأت عليه، وتردد بيننا مسائل في إفامته بسلا وانتفعت به عظيماً في التصوف وغيره. مولده عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، وتوفي بعض عصر الجمعة رابع رجب عام اثنين وتسعين. وحضر جنازتته الأمير فمن دونه، وهمت العامة بكسر جنازته، ولم أر أحفل ولا أكثر خلقاً منها، ورثاه الناس بقصائد كثيرة. اه.

زاد الشيخ زروق أنه رحل لفاس وتلمسان فقرأ أبهم الفقه والأصول والعربية. ثم عاد وصحب بسلا أفضل أهل زمانه علماً وعملاً أحمد بن عاشر، فظهر عليه من بركته ما لا يخفى. ثم نقل بعد وفاة الشيخ فجعل خطيباً بجامع القرويين بفاس وبقي بها خسمة عشر عاماً حتى توفي. وكان ذا صمت وسمت وتجمل وزهد معظماً عند الكافة معولاً في حل المشكلات على فتح الفتاح العلي.

ومن علمه أن ليس يدعي بعالم * ومن فقره أن لا يرى يشتكي الفقا
ومن حاله أن غاب شاهد حاله * فلا يدعي وصلاً ولا يشتكي هجرا

وكتبه شاهدة بكماله علماً وعملاً كافية في تعريفه وكان الذي طلبه في وضع الشرح على الحكم أبو زكريا السراج وله أكثر رسائله وأبو الربيع سليمان بن عمر. اه.

وقال في موضع آخر الفقيه العارف المحقق الخطيب البليغ نسيج وحده من شيوخه الشريف التلمساني والإبلي مزيته معروفة شرقاً وغرباً. ورأيت تألثيفاً له في الإمامة سماه تحقيق العلامة في أحكام الإمامة. وقال لي شيخنا القوري وكان معتنياً بكتبه معولاً عليه في حاله أظنه لوالده إبراهيم كان خطيباً بالقصبة. اه.

وله خطب حسنة الموقع عظيمة الفصاحة. اه.

وقال أبو يحيى بن السكاك: شيخي ابن عباد شرح الحكم ونظمها نظماً بديعاً. وجمعت من إنشائه رسائل تدور على الإرشاد إلى البراءة من الحول والقوة فيها نبذ كأنفاس الأكابر مع حسن التصرف في طريق الشاذلي وجودة تنزيله على صور جزئية وبسط التعبير مع أقصى غاية البيان والتفنن في تقريب الغامض للأذهان بأمثلة وضعية قرب بها حقائق الشاذلية تقريباً لم يسبق إليه كما قرب الإمام ابن رشد مذهب مالك تقريباً لم يسبق إليه آية في التحقيق بالعبودية والبراءة من حول وقوة لا يبالي بمدح ولا ذم بل مقاصده نفيسة في الأعراض عن الخلق وعند المبالاة بهم وكان عظيم الاضطراب ذا حضر حيث ينسى فيه الحق لا سيما إن كان ذلك لأجله فيضيق صدره غاية على اتساعه. وقال بعض خواص أصحابه: لما مات الشيخ وتبصرت من أحواله وأفعاله مما شاهدته منه ما يدل على القطع بصديقيته. فلاح لي أن صفات رجال الرسالة القشيرية مشخصة فيه. ولو لم أره لقلت ما رأيت كمالاً وهو على الجملة واحد عصره بالمغرب. وذكر عن قطب المعقول شرقاً وغرباً الإبلي أنه كان يشير إليه يعني ابن عباد في حال قراءته عليه ويقول إن هناك علماً جمالاً يوجد عند مشاهير أهل ذلك الوقت إلا أنه لا يتكلم، وشهد له المقطوع بولايته بتقدمه وشيوخه كسيدي سليمان اليازغي ومحمد المصمودي وسليمان بن يوسف بن عمر الأنفاسي وأمثالهم. وكان شيخه ابن عاشر يشيد بذكره ويقدمه على أصحابه ويأمرهم بالأخذ عنه والتسليم له، ويقول إنه أمة وحده ولا شك أنه كذلك كان غريباً إذ العارف غريب الهمة بعيد القصد لا يساعد على قصده. وكان الغالب عليه الحياء من الله وتنزيل نفسه منزلة أقل الحشرات، لا يرى لها مزية على شيء لغلبة هيبة الجلال عليه وشهود المنة، ينظر لجميع العباد بعين الرحمة والشفقة والنصيحة مع توفية الحقوق والوقوف مع الحدود الشرعية واعتبار مراد الله. هذا دأبه مع الطائع والعاصي، إلا أن يظهر له من أحد حب التكبر والمدح والتجبر على المساكين من الدعوى التي لا تليق بالعبد. ومن حاله تألف قلوب الصغار فهم يحبونه محبة تفوق محبة والديهم ينتظرون خروجه للصلاة وهم عدد كثير يأتون من كل أوب من مكاتب بعيدة. فإذا رأوه تراحموا على تقبيل يده. وكذا ملوك وقته يزدحمون عليه متذللين له. فلا يحفل بذلك وذكر لي بعض أصحابه أن أقواله لا تشبه أفعاله لما منح من فنون الاستقامة مع حلاوة كلامه ونوره حتى استفزت عقول المشارقة بحيث صار لهم بحث عريض على تآليفه. اه ملخصاً.

قلت: وقد وقفت على رسائله الكبرى والصغرى، وشرح الحكم، ونظمها رجزاً في ثمانمائة بيت.

محمد بن علي بن قاسم بن علي بن علاق وبه عرف الأمي الأندلسي الغرناطي، حافظها ومفتيها وخطيبها وقاضي الجماعة بها أبو عبد الله سبط الإمام أبي القاسم ابن جزي المفسر. قال تلميذه المنتوري: شيخنا الأستاذ الخطيب المفتي الحافظ قاضي الجماعة توفي يوم الخميس ثاني شعبان عام ستة وثمانمائة. اه.

له شرح مطول على ابن الحاجب الفرعي في عدة أسفار، وشرح فرائض ابن الشاط وغيرهما. أخذ عن شيخ الشيوخ ابن لب والإمام المقري والخطيب ابن مرزوق وغيرهم. وأخذ عنه جماعة كالمنتوري والقاضي ابن سراج والقاضي أبي بكر بن عاصم وغيرهم. له فتاوي نقل بعضها في المعيار ونقل عنه المواق في غير موضع.

محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن سعد الأنصاري الشهير بالحفار الغرواطي، إمامها ومحدثها ومفتيها، الشيخ المعمر ملحق الأحفاد بالإجداد الفقيه الصالح العلامة. قال في الإحاطة: فاضل خير طرف في الخير والعفاف حسن الخلق والعشرة كثير الصمت خاص التمعش ظاهر الاقتصاد متفنن في المعارف شتى من قرآن ونحو وفقه وتأريخ. نشأ بالحضرة لم بعدها ولا سورها مكباً على العلم مشتملا
ً بالعفاف بعيدأً من اللهو والبطالة ولما بان فضله وظهر اضطلاعه وحفظه جعلت بيده صدقة المساكين والضعفاء من جهة السلطان فكرم أثره وحسنت القيلة فيه قرأ العربية على الأعستاذ البياني والقرآن على أبي عبد الله بن العواد ولازم أبا سعيد بن لب وبه جل انتفاعه في الفنون وهو الآن بحاله الموصوفة على سنن الفضلاء. اه.

أخذ عنه خلق كابن سراج والقاضي أبي بكر بن عاصم وغيره وبالا جازة الإمام الحفيد بن مرزوق له فتاوي نقل بعضها في المعيار وتوفي عام أحد عشر وثمانمائة عن سن عالية.

محمد بن علي بن إبراهيم الكناني القيجاطي الغرناطي، الأستاذ المحقق الإمام الشهير أبو عبد الله. قال في الإحاطة: طالب عفيف، له عرق من جده شيخنا الأستاذ أبي الحسن. لازم واجتهد وعرف نبله، وظهرت في علم القرآن والعناية بخابته ووسمه وفي العربية .قرأ على الأستاذ الفقيه البياني والأستاذ ابن الفخار البيري والأستاذ أبي سعيد بن لب والقاضي أبي البركات ابن الحاج والقاضي أبي القاسم الحسني والخطيب اللوشي وابن يبيش والقاضي المقري والخطيب ابن مرزوق والخطيب أبي جعفر الشقوري. اه.

قال تلميذه المنتوري: شيخنا الأستاذ إمام القراء ومعلم الأداء. قال أبو جعفر البقني: شيخنا الأستاذ الإمام. اه.و

وممن أخذ عنه القاضي أبو بكر بن عاصم وغيره وبالإجازة الحفيد بن مرزوق. توفي سية عشر أو أحد عشر وثمانمائة. وله تآليف في القراآت وغيرها وهو حفيد الإمام أبي الحسن القيجاطي المعرف به في الإحاطة والديباج فاعلمه.

محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الصريجي أبو علبد الله يعرف بابن زمرك. قال في الإحاطة: ولد هذا الفاضل بغرناطة ونشأ بها وهو من مفاخرها صدرأً من صدور طلبتها وأفراد نجبائها مختصاً مقبولاً هشاً خلوباً عذب الفكاهة حلو المجالسة حسن التوقيع خفيف الروح عظيم الانطباع شره المذاكرة فطناً بالمعاريض حاضر الجواب شعلة من شعل الذكاء كثير الرقة فكهاً غزلاً مع حياء وحشمة جواداً بما في يديه مشاركاً لإخوانه. نشأ عفاً طاهراً كلفاً بالقراءة عظيم الدؤب ثاقب الذهن أصيل الحفظ ظاهر النبل بعيد مدي الإدراك جيد الفهم واشتهر فضله وذاع أرجه وفشا خبره اضطلع بكثير من الأغراض وشارك في فنون فأصبح متلقف كرة البحث وصارخ الحلقة وسابق الحلبة ومظنة الكمال. ثم ترقى للمعرفة والاضطلاع وخاض لجة الحفظ فقيد وعلق وسود وتكلم للناس فوق الكرسي بين الحفل المجموع مستظهراً بفنون بعد شاوه فيها من عربية وبيان وأخبار وتفسير متشوقاً معها للسلوك مصباحاً للصوفية. ريض نفسه وجاهد، ثم عانى الأدب فكان أملك به. رحل في طلب العلم. كتب عن ولد السلطان أبي سالم بالمغرب وعرف بالإداة. ثم رجع مع السلطان ابن الأحمر لما رجع لملكه. فخصه بكتابة سره معروف الانقطاع كثير الدالة مضطلعاً بالخطة خطاً وإنشاء ولساناً ونقداً. فاشتهر فضله وظهرت مشاركته ووسع الناس تخلقه وامتد في النظم والنثر باعه، فصدر عنه قصائد بعيدة الشأو في الإجادة في أغراض متعددة وهو بحاله الموصوفة. أخذ عن ابن الفخار البيري ثم على إمامها القاضي الشريف أبي القاسم الحسني إمام فنون اللسان والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد بن لب واختص بالفقيه المحدث الصدر ابن مرزوق وروى عنه كثيراً وذاكر القاضي المقري لما قدم الأندلس وقرأ الأصول على أبي علي منصور الزواوي وبوى عن القاضي أبي البركات ابن الحاج والمحدث أبي الحسن التلمساني والخطيب اللوشي والمقرئ أبي عبد الله بن يبيش وقرأ بعض الفنون العقلية بفاس على أبي عبد الله الشريف التلمساني العلوني واختص به اختصاصاً لم يخل فيه من استفادة وحنكه في الصناعة وشعره مترام إلى نمط الإجادة. خفا جي النزعة كلف ببديع المعاني وصقيل الألفاظ غزير المادة. ولد في رابع شوال عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة. اه من الإحاطة.

قلت: تولى الكتابة عن السلطان ابن الأحمر بعد ابن الخطيب وحظي عنده جداً وبقي عليها زمناً طوليلاً. وكان حياً سنة اثنين وتسعين وسبعمائة كما ذكره في الكوكب الوقاد. ولم أقف على وفاته. ونقل عنه صاحب الإمام الشاطبي في إفادته أشياء ومن شعره في الفخر. قال ابن الخطيب، وقد صدق فيه قوله:

أيا لائمي في الجود والجود شيمتي * جبلت على إيثارها يوم مولدي
ذريني فلو أني أخلد بالغنى * لكنت ضنينا بالذي ملكت يدي

وله أيضاً:

لقد علم الله أني أجر * رثوب [وثوب؟] العفاف القشيب
فكم غمض الدهر أجفانه * وفازت قداحي بوصل الحبيب
وقيل رقيبك في غفلة * فقلت أخاف الإله الرقيب

وله أيضاً:

مولي بحمل الهون يدان * من بعد ما أعوز التداني
أصبحت أشكوك من زمان * ما بت منه على أمان
ما بال عينيك تسجمان * والدمع يرفض كالجمان
ما ذاك والألف عنك وان * والبعد من بعده كواني
يا شقوة النفس من هوان * مذ لججت في أبحر الهوان
لم يثنني عن هواك ثان * يا بغية النفس قد كفاني.

محمد بن موسى بن محمد بن معطي العبدوسي أبو عبد الله بن أبي عمران. وصفه بعضهم بالفقيه المدرس العالم الخيرالأزكي الورع الصالح العلامة ابن الإمام العلامة. اه.

كان حياً بعد التسعين وسبعمائة وهو والد الإمام عبد الله العبدوسي المتقدم، وأخو أبي القاسم العبدوسي المتقدم أيضاً، وسيأتي ولده الحافظ موسى بعد.

محمد بن عبد الرحمن الكفيف المراكشي عرف بالضرير. قال ابن الخطيب القسنطيني في وفياته: الفقيه الحافظ الأستاذ الجليل أبو عبد الله، ولد سنة تسع وثلاثين مسبعمائة، وتوفي آخر عام سبعة وثمانمائة. اه.

ومن تآليفه إسماع الصم في إثبات الشرف من جهة الأم تأليف حسن في كراريس أملاه سنة إحدى وثمانمائة كما وقفت عليه في نسخة صحيحة منه، ووقع للسخاوي أنه أملاه سنة عشر وثمانمائة وليس كذلك لما تقدم من وقاته لابن الخطيب وهو أعلم به. أخذ عن علماء بني باديس وغيرهم. وورد تونس وحضر مجلس ابن عرفة، ورأى ما يقع هناك من الأبحاث وقام عنهم. ونظم بيتين في هجو المجلس، فبلغ ذلك ابن عرفة فتغير من ذلك كثيراً وأجابه بقوله:

وما بال من يهجو أخاه بلفظة * لدي ذاكر المروي عند الأئمة
في أبيات تركها أولى * والله يغفر للجميع بمنه.

وله منظومة في البيان وغيرها.

محمد بن أبي البركات ابن السكاك العياضي. قال في الكوكب الوقاد: شيخنا الأستاذ الأصولي البياني الفاسي الأصل انتقل منها صبياً مع والده التلمساني فنشأ بها وقرأ على شيوخها كالإمامين العلمين الشريف التلمساني والمحقق أبي عبد الله الإبلي والعبدري. ولي قضاء سبتة مراراً وقضاء الجماعة بفاس في زمن موسى بن أبي عنان. ثم أعيد لقضاء سبتة وغيرها. حضرت دوله في التفسير وأصلي ابن الحاجب ومستصفي الغزالي بقراءة صاحبنا أبي زيد بن أبي حجة ووثائق الجزيري وجواهر ابن شاس وغيرها. وليس له اعتناء بالرواية. كان سكوناً رابط الجأش جزلاً مهبباً لا يعبأ بأهل الباطل مهيناً لهم. حضر عنده يوماً والي سبتة في ميراث فنهاه فلم يقبل فقال أعوذ بالله من خطاب من لا يفهم ولعلك تريد الاستبداد والجور وأغلظ له. فخرج الوالي وقد انكسرت شوكته ولم ينل مراده. ثم أتاه الغد وقد أحدق به الطلبة فما التفت إليه. فقال له الوالي: يا سيدي والله أنا خائف منك وأعتذر. فقال له الشيخ: الآن أنت مسلم ولم يزد عليه شيئاً. ثم توفي القاضي في محرم فاتح ثمانمائة وهو في ثمانين من عمره. اه.

وفي وفيات الونشريسي: محمد بن أبي غالب بن أحمد بن علي بن أحمد المكناسي، ثم العياضي القاضي الإمام المفسر أبو يحيى عرف بابن السكاك قاضي الجماعة بفاس. شرح الشفاء. وأخذ عن جماعة كالشريف التلمساني. توفي بفاس سنة ثمان عشرة وثمانمائة. زاد صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب ما نصه: سمعت أنه بات عنده ليلة مع أبي زيد بن خلدون، فولد له تلك الليلة ولد فسماه عبد الرحمن باسم ابن خلدون، وكناه أبا يحيى كنية ابن السكاك تبركاً بهما. فخرج الولد عالماً جليلاً وهو أبو يحيى الشريف. شرح صاحب الترجمة الشفاء وأجاده. وله تآليف في الأدعية، وآخر سماه نصح ملوك الإسلام بالتعريف بما عليهم من حقوق أهل البيت عليهم السلام. توفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة. اه.

فانظره مع ما تقدم فبينهما بون والله أعلم.

محمد بن أبي بكر الفاسي القيرواني. قال ابن ناجي: شيخنا القاضي العدل أبو عبد الله ابن الشيخ القاضي أبي بكر. تولى قضاء القيروان. اه.

ونقل عنه في شرح المدونة.

محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي ثم المكي. تفقه بالشيخ موسى المراكشي وبأبيه وخلفه بالمسجد الحرام. فأفاد وأجاد وكان من خيار الفضلاء. توفي يوم الاثنين سادس شوال سنة ست وثمانمائة. من السخاوي.

محمد بن محمد بن أبي القاسم المراغي، أحد المالكية بمصر برع في الفقه والعربية والفرائض والتأريخ. مات في ذي الحجة سنة إحجى عشرة وثمانمائة. اه من الضوء اللامع للسخاوي.

محمد بن يوسف القيسي التلمساني علرف بالثغري. وصفه المازوني في نوازله بالشيخ الفقيه الإمام العلامة الأديب الأريب الكاتب أبي عبد الله. أخذ عن الإمام الشريف التلمساني وغيره. ولم أقف له على ترجمة.

محمد بن محمد بن محمد بن محمد مكرراً أربع مرات ابن عاصم يكنى أبا يحيى الشهيد الأندلسي الغرناطي، الأستاذ العالم العلم الراسخ الشهيد. قال ابن الأزرق: هو الشيخ العلامة الصالح السيد صاحب الإمام أبي إسحاق الشاطبي ووارث اطريقته. أخذ عنه شيخنا أبو إسحاق بن فتوح. وحكي عنه أنه إذا سئل عن طالب لم يقرأ عليه لا يشهد فيه بشيء. وإن كان قد ظهر بالاشتغال على غيره إطراحاً لاعتبار ما لم يعلمه عياناً . اه. وقال ابن أخيه قاضي الجماعة أبو يحيى بن عاصم: في عمي أبو يحيى رحمه الله سابغ الدين رائق الزهد خصيف الورع فضفاض الصلاح متلاحك الحزم مسدول الهيبة مطبق الأعضاء مبسوط الإيثار بليغ الصدق حمي الأنفة نافذ البصيرة رصين الحلم وضاح الفهم ساطع الحجة عباب العلم متين الحفظ قوي المناظرة مديد التحصيل متسع المعرفة سديد الرواية متعدد الإفادة عربية أصلية متمكنة التنظير موصلة القواعد مستحضرة الشواهد ومنزهة عن ارتكاب الشواذ والنوادر ومستوفاة المتعلقات من علمي البيان والغريب والقافياة والعروض والفقه مع الوقوف على واضحة الجادة من المشهو يحوط بصلب العلم عن إتباع الرخص ويغني بواضح السنة عن البعد ويطلق من كنه التصرفات الاجتهادية على الغاية إلى القيام على الأصلي قياماً. سلب به الفخر الإمامة وطوق به أبا هاشم وأباه الملامة. اه ملخصاً لأنه أطال في تعريفه وتحليته في عدة أوراق.

ثم قال: وفاته فقد يوم المناجزة الكبرى بظاهر انتقيرة الجاري على المسلمين فيها التمحيص العظيم، صابراً محتسباً رابط الجأش ثابت القدم في ذلك الموقف الصعب. وقد طاشت الأحلام ودهشت الأعلام. عرض عليه بعض من معه التحيز بعد الوصول للمحلمة من غير طرس وهو انكشف عنها المسلمون. فأبى ذلك وقال له: لا يجوز لهم تجاوز محلتهم إذ هي الفئة المتحيز إليها. فتركه وقد أقبل بوجهه على الكفرة القاصدة له يدافعهم بجهده ورماحهم تنوشه. وانصرف عنه الحاكي. فكان آخر العهد به، وذلك في صدر المحرم عام ثلاثة عشر وثمانمائة. اه.

ومن تآليفه جزء كبير في الانتصار لشيخه الإمام الشاطبي، والرد على شيخه الإمام أبي سعيد بن لب في الدعاء بعد الصلاة في غاية النبل، والجودة. وستأتي ترحمة أخيه بعد ثمان تراجم.

محمد بن أحمد بن عطاء الله القاضي جمال الدين التنسي، ولد القاضي ناصرالدين المتقدم. تولى قضاء المالكية يسيراً. قال السخاوي: أظنه الذي غرق سنة أربع عشرة وثمانمائة مع جماعة، منهم ابن وفاء والذي جزم به شيخه ابن حجر في أبناء الغمر. ورفع الاصران الذي غرق من أولاد التنسي هو القاضي عبد الله بن أحمد والله أعلم. وسيأتي أخو صاحب الترجمة واسمه أيضاً محمد.

محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر الوانوغي التونسي العلامة أبو عبد الله شهر بالوانوغي، نزيل الحرمين. قال السيوطي: كان عالماً بالتفسير والأصلين والعربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والمنطق ومعرفته بالفقه دون غيره. ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بتونس. ونشأ بها وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العباس البطروني خاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة. وسمع أيضاً من ابن عرفة وأخذعنه الفقه التفسير والأصلين والمنطق، وعن أبي زيد بن خلدون الحساب والهندسة والأصلين والمنطق والنحو عن أبي العباس القصار. وكان شديد الذكاء سريع الفهم حسن الإيراد للتدريس والفتوى وإذا رأى شيئاً وعاه وقرره وإن لم يعتن به. له تأليف على قواعد ابن عبد السلام وعشرون سؤالاً في فنون العلم تشهد بفضله، بعث بها للقاضي جلال الدين البلقيني. فأجاب عنها فرد ما قاله البلقيني. وقد وقفت على الأسئلة وأجوبتها دون الرد. وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء ومراعاة السائلين في الإفتاء. أجاز لغير واحد من شيوخنا المالكيين. اه.

وقال الحافظ ابن حجر: وعنى بالعلم وبرع في الفنون مع الذكاء المفرط وقوة الفهم حسن الإيراد كثير النوادر المستظرفة كثير الواقعة في أعيان المتقدمين وعلماء العصر وشيوخها شديد الإعجاب بنفسه والازدراء بمعاصريه. فلهجوا بذمه وتتبعوا أغلاطه في فتاويه. وله انتقاد على قواعد ابن عبد السلام. ثم أقام بمكة فجاوز مقبلاً على الاشتغال والتدريس والإفادة. اجتمعت به بالمدينة. وله أسئلة كتب بها للجلال القاضي البلقيني، فأجابه عنها وكان يعيب الأجوبة. توفي سابع عشر ربيع الأخير سنة تسع عشرة وثمانمائة. اه.

وقال السخاوي: كان عارفاً بالتفسير والأصلين والعربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة ومعرفته بالفقه دونها. له أجوبة على مسائل عبد النجم بن الفهد. اه.

وذكر الشيخ بدر الدين القرافي أن له حاشية على التهذيب للبراذعي في غاية الجودة محتوية على أبحاث جليلة مرتبة على مقدمات منطقية. اه.

قلت: محشي المدونة إنما هو أبو مهدي عيسى الوانوغي كما ذكر المشذالي في أول تكميلته وهو أيضاً من أصحاب ابن عرفة. حج عام ثلاثة وثمانمائة، ورجع لبلاده كما في الحاشية. وصاحب الترجمة بقي بالمشرق حتى مات كما تقدم، والله أعلم.

محمد بن معد القدسي عرف بالمدني. كان مؤذناً بالمسجد النبوي. ولي قضاء المالكية مرتين الأولى في سنة اثني عشر وثمانمائة والثانية بعده. ثم عزل في عام ستة عشر. ومات في ربيع الأول سنة تسعة عشر وثمانمائة عن سبعين سنة. صح من الدرر الكامنة لابن حجر.

محمد بن جابر الغساني المكناسي، الفقيه العالم الناظم، نظم المرقبة العليا في تعبير الرؤيا لابن راشد. ونظم رجزاً بديعاً في التعريف ببلده سماه نزهة الناظر لابن جابر. وله تأليف في رسم القرآن. أخذ عنه الحافظ القوري. قال ابن غازي في الروض الهتون: شيخ شيوخنا الأستاذ المقرئ الشاعر المجيد المحسن ذو التصانيف الحسان والقصائد العجيبة، له تسميط البردة للبوصيري، ورجز في بلده. اه.

وتوفي سنة سبع وعشرين وثمانمائة.

محمد بن أحمد بن محمد بن علوان المصري أبو الطايب، العالم الراوية الرحلة أخذ بتونس عن والده وأبي القاسم الغبريني والقاضي ابن حيدرة والخطيب ابن مرزوق وأبي الحسن البطروني والإمام ابن عرفة وابن الحاجة، وبالشرق عن الحافظ المصنف الشهاب الفرنوي والحافظ الكبير زين الدين العراقي وولده ولي الدين أبي ذرعة وصهره النور الهيثمي والولي القطب علي بن وفا والشيخ جلال الدين بن نصر البغدادي والمؤرخ ناصر الدين بن الفرات والبرهان بن العداتي الحنفي والزين البشكيلي والكمال الدميري والشمس البرشنسي أحد فضلاء الشافعية. والتقى الدجوي والشهاب ابن الزاهد بن سرارة الناس والجمالين المحلي والرشيد في جماعة كثيرة. ذكرهم في إجازته للحفيد ابن مرزوق وله. جزء في الاجتماع على الذكر. ورأيت بخط بعضهم أن صاحب الترجمة كان مثل والده علماً وديناً [ر] وصلاحاً ورواية وزهداً وسلوكاً، وأنه توفي أواسط ذي القعدة عام سبعة وعشرين وثمانمائة. اه.

وتقدمت ترجمة والده في الأحمدين.

محمد بن خلفة بن عرم التونسي الوشتاني شهر بالأبي، الإمام العلامة المحقق المدقق البارع الحافظ الحاج الرحلة. أخذ عن الإمام ابن عرفة ولازمه واشتهر في حياته بالمهارة والتقدم في الفنون. وكان من أعيان أصحابه ومحققيهم. وأبة بضم الهمزة قرية من تونس. قال السخاوي: كان سليم الصدر. ذكر ذلك جماعة عنه مع مزيد تقدم في الفنون. له إكمال الإكمال في شرح مسلم في ثلاث مجلدات جمع فيه بين المازري وعياض والقرطبي والنووي مع زيادات مفيدة من كلام ابن عرفة شيخه وغيره. وله شرح المدونة أيضاً. وله نظم. وكثر انتقاده لشيخه مشافهة، وربما رجع عليه سيما في تعريفه الطهارة ووصفه ابن حجر في المثبتة بالأصولي عالم المغرب بالمعقول. وقال إنه سكن تونس وسما والده خلفاً. توفي فيما قيل سنة سبع وعشرين. وخلفة بكسر المعجمة وفتحها ثم لام ساكنة بعدها فاء. اه.

قلت: قرأت بخط سيدي يخلفتيه حفيد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي أن وفاته سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. اه.

ويذكر أن الإمام ابن عرفة ليم على كثرة الاجتهاد وتعبه نفسه في النظر. فقال كيف أنام وأنا بين أسدين الأبي بفهمه وعقله والبرزلي بحفظه ونقله. اه.

ووصفه أبو عبد الله المشذالي بالفقيه المحقق العالم. وأخذ عنه جماعة من الأئمة كالقاضي عمر القلشاني وأبي القاسم ابن ناجي وعبد الرحمن المجدولي والثعالبي والشرف العجيسي وغيرهم. وقال الثعالبي فيه: شيخنا مولاي الإمام الحجة الثقة إمام المحققين الجامع بين حقيقتي المنقول والمعقول ذو التصانيف الفائقة البارعة والحجج الساطعة اللامعة. اه.

وأما شرحه لمسلم ففي غاية الجودة ملأه بتحقيقات بارعة وزيادة حسنة نافعة سيما أوائله. قال الثعالبي: حضرته عليه قراءة بحث وتحقيق وتدقيق من أوله إلى الطهارة متوالياً وكثيراً من الطهارة وأكثر كتاب الصلاة وكثيراً من أواخر مسلم أو كله، ومن المدونة والرسالة وابن الحاجب كلها قراءة بحث وتحقيق، وأكثر إرشاد أبي المعالي وتفسير القرآن. وأذن لي في إقرائها كلها سنة تسعة عشر وثمانمائة. اه ملخصاً.

وسمعت والدي الفقيه أحمد رحمه الله يحدث عن بعض المشارقة أنه رأى له تفسير القرآن في ثمان مجلدات. اه.

محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن يحمد بن سليمان القرشي المخزومي الاسكندري بدر الدين الدماميني، الإمام العلامة الأديب المشهور. قال الشيخ عبد القادر المكي والسخاوي والسيوطي ثلاثتهم: ولد بالديار الاسكندرية سنة ثلاث وستين وسبعمائة. وتفقه وتعانى الأدب ففاق في النحو والنظم والنثر والخط ومعرفة الشروط وشارك في الفقه وغيره بسرعة إدراكه وقوة حافظت،ه وناب في الحكم ودرس بعدة مدارس، وتقدم واشتهر ذكره. ومهر وتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو. ثم رجع للاسكندرية واستمر يقرئ بها ويحكم ويتكسب بالتجارة. ثم قدم القاهرة وعين للقضاء فلم يتفق له، واستمر مقيماً إلى شوال سنة تسع عشرة. فحج ودخل دمشق سنة ثمانمائة وحج منها وعاد لبلده وتولى خطابة الجامع، وترك نيابة الحكم وأقبل على الاشتغال. ثم اشتغل بأمور الدنيا فعانى الحياكة وصار له دولاب متسع فاحترقت عليه داره، وصار عليه مال كثير. ففر إلى الصعيد. فتبعه غرماؤه وأحضروه مهاناً إلى القاهرة. فقام معه تقي الدين الشيخ ابن حجة وكاتب السر ناصر الدين البارزي حتى صلحت حاله. وحضر مجلس الملك المؤيد. ثم حج سنة تسع عشرة ودخل إلى اليمن سنة عشرين ودرس بجامع زيدة نحو سنة، فلم يرج له بها أمر. فركب البحر إلى الهند فحصل له إقبال كثير وأخذوا عنه وعظموه وحصل له دنيا عريضة. فبغته الأجل ببلد كلبرجا من الهند في شعبان سنة سبع وقيل ثمان وعشرين وثمانمائة، قتل مسموماً. وله من التصانيف تحفة الغريب في حاشية مغني اللبيت، وشرح البخاري، وشرح التسهيل، وشرح الخزرجية، وجواهر البحور في العروض، والفواكه البدرية من نظمه، ومقاطع الشرب، ونزول الغيث وهو اعتراضات على الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم للصفدي، وشرح مصدر الجواهر. وقد عمل حاشنة على المغني، ثم أشهد على نفسه بالرجوع عنها لما دخل الهند. وألف هناك تحفة الغريب ومن شعره:

رماني زماني بما ساءني * فجاءت نحوس وغبت سعود
وأصبحت بين الورى بالمشيب * عليلا فليت الشباب يعود

وله أيضاً:

لا ما عذاريك هما أوقعا * قلب المعنى الصب في الحين
فجد له بالوصل واسمح به * ففيك قد هام بلامين

قال السخاوي: وأكثر الشمتي من تعقب كلامه في حاشيته على المغني. وكان غير واحد من فضلاء تلاميذته ينتصر لصاحب الترجمة. وله أيضاً مجلد في الإعراب وعين الحياة مختصر حياة الحيوان. وممن أخذ عنه الزين عبادة ورافقه إلى اليمن حتى أخذ عنه حاشية المغني وفارقه لما توجه للهند. وكان أحد الكمل في فنون الأدب معروفاً باتقان الوثائق. اه.

قلت: وأخذ عن الناصر التنسي وابن عرفة وابن خلدون والجمال إبراهيم الأميوطي والجلال البلقيني وغيرهم. وأخذ عنه الشيخ عبد القادر المكي وغيره.

فائدة: قال صاحب الترجمة: من أظرف الحكايات التي أذكرها أني كنت يوماً بمجلس شيخنا ابن عرفة عند قدومه للاسكندرية في رمضان سنة اثنين وتسعين بالمثناة في الأول، وأنا أقرأ عليه درساً في كتاب الحج من مختصره، وكان شخص من الطلبة الموسومين بالتشدق والتكثر بما لم يعط حاضراً بالمجلس، فمر بموضع من كلام الشيخ عائد فيه ضمير على مضاف إليه. فقال ذلك الشخص بجرأة: النحويون يقولون لا يعود الضمير على المضاف إليه، فكيف أعدتموه؟ فقال الشيخ على الفور بلا تعلم: قال تعالى كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ولم يزد على ذلك. وفيه من اللطف ما لا يخفي. ولا شك أن النحاة لم يقولوا ما نقل هذا الرجل عنهم وإنما قالوا إذا وجد الضمير يمكن عوده إلى المضاف وإلى المضاف إليه، فعوده إلى المضاف أولى لأنه المحدث عنه، ولم يمنع أحد عوده إلى المضاف إليه. اه.

قلت: والمسألة ذكرها في التسهيل في باب الضمير.

محمد بن أحمد بن عبد الله الزفري. وصفه الإمام ابن حجر بالشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة، درس وأم السلطان، وولي بعد أبيه إفتاء دار العدل ومشيخة القمحية بمصر. ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.

محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم، القاضي أبو بكر الأندلسي الغرناطي قاضي الجماعة بها العلامة الرئيس. قال ولده القاضي أبو يحيى في التقييد المذكور قبل: كان رحمه الله علم الكمال ورجل الحقيقة وقاراً لا يخف راسيه ولا يعرى كاسيه، وسكوناً لا يطرق جانبه ولا يرهب غالبه، وحلماً لا يزل حصاته ولا تعمل وصاته، وإقباضاً لا يتعدي رسمه ولا يتجاوز حكمه، ونزاهة لا ترخص قيمتها ولا تلين عزيمتها، وديانة لا تحسر أذيالها ولا يشف سرباً لها، وإدراكاً لا يفل نصله ولا يدرك خصله، وذهناً لا يخبأ نوره ولا ينبو مطروره، وفهماً لا يخفى فلقه ولا يلحق طلقه، وصدقاً لا يخلف موعده ولا يأسن مورده، وحفطاً لا يسبر غوره ولا يذبل نوره بل لا يتوق بحره ولا يعطل نحره، وتحصيلاً لا يفك قنيصه ولا يسأم حريصه بل لا يحل عقاله ولا يصدأ صقاله، وطلباً لا تنحد فنونه ولا تتعين عيونه بل لا تحصر معارفه ولا تقصر مصارفه. يقوم أتم قيام على النحو على طريقة متأخري النحاة جمعاً بين القياس والسماع وتوجيهاً لأقوال البصرية واستحضاراً للشواهد الشعرية واستظهاراً للغات والأعربة واستبصاراً في مذاهب المعربة محلياً أجياد تلك الأعاريب من عملي البديع والبيان بجواهر أسلاك ومجلياً في آفاق تلك الأساليب من فرائد هذين القنين زوائد أفلاك إلى ما يتعلق بها من قافية وميزان وما للشعر من بحور وأزان [= أوزان]. وتضلع بالقراآت أكمل اضطلاع مع تحقيق واطلاع. فيقنع ابن الباذش من إقناعه ويشرح لابن شريح ما أشكل من أوضاعه ويقصي الداني عن رتبته المختصة ويجوز أوزان حرز الأماني صدر المنصة ويشارك في المنطق وأصول الفقه والعدد والفرائض والأحكام مشاركة حسنة ويتقدم في الأدب نظماً ونثراً وكتباً وشعراً إلى براعة الخط وأحكام الرسم واتقان الصنائع العملية كالتفسير والتذهيب وغيرهما. نشأ بالحضرة العلية لا يغب عن حلقات المشيخة ولا يغيب عن مظان الاستفادة ولا يفتر عن المطالعة والتقييد ولا يسأم عن المناظرة والتحصيل مع محافظة لا ينخرم ومفاوضة في الأدب والنظم وفكاهة لا تقدح في وقار. اه ملخصاً.

وقلد أطال فيه في أوراق. ثم قال مولده في الربع الثالث من يوم الخميس ثاني عشر جمادي الأولى من عام ستين وسبعمائة. نقلته من خط أبيه. وله مسائل متعددة في فنون شتى ضمنها كل سديد من البحث وصحيح النظر. وأما كتبه فالدر النفيس والياقوت الثمين والروض الآنق والزهر والنضير نصاعة لفظ وإصالة غرض وسهولة تركيب ومتانة أسلوب. ومن نشيوخه مفتي الحضرة وقطب الجملة الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب وإمام الأدباء الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي وناصر السنة أبو إسحاق الشاطبي وقاضي الجماعة أبو عبد الله بن علاق وخالاه قاضي الجماعة أبو بكر ورئيس علوم اللسان أبو محمد عبد الله ابنا أبي القاسم ابن جزي والشريف الشهير أبو محمد عبد الله ابن الشريف العلم التلمساني والقاضي الرحلة أبو إسحاق ابن الحاج والحاج الراوية أبو الحسن علي بن منصور الأشهب والأستاذ أبو عبد الله البلسني. نظم أراجيز تحفة الحكام ورجز منيع الوصول في علم الأصول أصول الفقه والرجز الصغير سماه مرتقى الأصول في الوصول كذلك ونيل المني في اختصار الموافقات رجز وقصيدة إيضاح المعاني في قراءة الداني وقصيدة الأمل المرهوب في قراءة يعقوب وقصيدة كنز المفاوض في الفرائض ورجز الموجز في النحو. حاذى رجز ابن مالك في غرض البسط له ومحاذاة قصده وكتاب الحدائق في أغراض شتى من الأدب والحكايات. وتوفي بعد عصر يوم الخميس حادي عشر شوال عام تسعة وعشرين وثمانمائة. اه.

محمد بن عبد السلام بن إسحاق بن أحمد الآمدي، الشيخ الفقيه اللغوي، مؤلف كتاب تنبيه الطالب لفهم لغات ابن الحاجب بين فيه الألفاظ الواقعة في فرعي ابن الحاجب حسن مفيد ذكر فيه أنه يروي المختصر المذكور عن شيخه السراج البلقيسني والشمس الغماري وأنه قرأه أيضاً على الشيخ المسند الرحلة أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك العزي عرف بابن الشيخة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. ولا أعرف من حاله زيادة على هذا.

محمد بن يعقوب بن يحيى بن عبد الله الجميل. ذكر حفيده أنه أخذ عن الوانوغي وغيره وارتحل للعجم وأقام هناك أربع سنين. وأخذ عن شيوخه في العقليات وتميز، ودرس وناب في قضاء المدينة الشريفة. وألف في الفقه ومقدمة في المنطق وخمس البردة. توفي قرب الثلاثين والثمانمائة. صح من الضوء اللامع.

محمد أبو عبد الله القاضي التلمساني، يعرف بحمو الشريف. أخذ عنه أبو زكريا المازوني ونقل عنه فتاوي في نوازله. قال الونشريسي في وفياته: توفي سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة. وقال صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب: توفي سنة اثنين أو ثلاث وثلاثين. اه.

وسيأتي بعد نحو ثلاثة وعشرين ترجمة محمد الشريف التلمساني من شيوخ القلصادي، وهو غير هذا، والله أعلم لاختلاف وفاتيهما، فتأمله.

محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي رضي الدين أبو حامد. تفقه بأبيه والزين خلف التحريري وأبي عبد الله الوانوغي قرأ عليه أصلي ابن الحاجب. وكثرت عنايته في الفقه ومهر فيه وأذن في الإفتاء والتدريس وتصدر لذلك. وكتب على مختصر الشيخ خليل وشارحه صدر الدين عبد الخالق بن الفرات وبهرام في قدر ثلاثة كراريس. فلم يعترض عليه علماء القاهرة. وعلق شيئاً على ابن الحاجب بين فيه الراجح مما فيه الخلاف سماه إداء الواجب في إصلاح ابن الحاجب. ولد في رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وتوفي في منتصف ربيع الأول سنة أربع وعشرين وثمانمائة. اه من السخاوي.

وتقدم أخوه شقيقه قبل تراجم.

محمد بن عبد العزيز التازغديري أبو القاسم. قال بن غازي: شيخ شيوخنا الفقيه العالم العلامة الحافظ المحقق النظار الحجة. وقال غيره: الفقيه المعظم العلم الأوحد الصدر المعتبر الشهير المفتي المحقق المتفنن المشاور الخطيب الأفصح البليغ الأحفل. اه.

أكثر ابن غازي من النقل عنه في كتبه. وله فتاوي في المعيار. وقال السخاوي: التازغدري نسبة لموضع من نواحي طنجة المغرب. أخذ عن عيسى بن علال. وله تعليقة على شرح المدونة لأبي الحسن الصغير. مات مقتولاً غدراً بعد الثلاثين وثلاثمائة، ولم يعرف قاتله. أفادنيه بعض أصحابنا. اه.

قال أصحابنا محمد بن يعقوب الأديب في وصفه: مفتي فاس وحافظها وخطيب جامعها الأعظم، توفي قتيلاً سنة اثنين وثلاثين. وسمعت بعض الشيوخ يذكرانه كثيراً ما يفضل بين الأنبياء عليهم السلام. فمات مقتولاً لجري العادة بذلك فيما قيل والله أعلم. اه.

محمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الملك القيسي المنتوري وبه الشتهر الغرناطي، الأستاذ المقري الخطيب المحقق الراوية إمام الإقراء ومعلم الأداء الأصولي. كذا وصفه بعضهم. وقال صاحبه أبو زكريا السراج في فهرسته: صاحبنا الفقيه القاضي الأستاذ النزيه المحقق الحافظ أبو عبد الله ابن الشيخ الحاج الفاضل أبي مروان المنتوري أخذ عن الفقيه الأستاذ الجليل النحوي المقري المدرس المصنف إمام الأئمة في الإقراء أبي عبد الله القيحاطي قرأ عليه بالسبع والروايات الأربعة عشر المسطورة في سبعة عشرة ختمة، وقرأ عليه جميع تآليفه من القراءات وغيرها وسمع عليه غيرها وعليه اعتمد في الاتقان والتجويد وأجازه عامة، وعن الأستاذ الفقيه شيخ الجامعة ابن لب قرأ عليه بالسبع قرض عليه كتباً، وعن صهره الأستاذ ابن بقي والأستاذ عبد الله بن عمر وغيرهم. وأجاز لي ولولدي وهو يقيد الحياة. اه.

قلت: ومن شيوخه الأستاذ البلنسي وقاضي الجماعة أبو بكر ابن جزي والشيخ الحفار والفقيه محمد بن محمد بن يوسف الرعيني وأبو الحسن علي بن منصور الأشهب التلمساني، وأجازه ابن عرفة والحافظ العراقي. وأخذ عنه القاضي أبو يحيى بن عاصم ونقل عنه في مواضع من شرح التحفة والعلامة المواق. ومن تآليفه شرح ابن بري في قراءة نافع ذكر في طالعته أنه طالع عليه مائة وتسعة وتسعين مجموعاً سبعة وعشرين من كتب القراآت والباقي من غيرها وفهرستاً حافلة. قال صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب: كان فقيهاً كبيراً محدثاً جليلاً راوية. اه.

وتوفي عصر يوم الاثنين ثالث ذي الحجة متم عام أربعة وثلاثين وثمانمائة. هكذا وجدته مقديداً. والمِنتوري بكسر الميم وأسكان النون وضم التاء المثناة من فوق وآخره مهملة، كذا ضبطه العلامة أحمد بن داود البلوي أحد تلاميذ المواق.

محمد بن علي بن عبد الملك الألبيري الغرناطي شهر بابن مليح، قاضيها وقع النقل عنه في شرح التحفة لابن عاصم وكان حياً عام اثنين وثلاثين.

محمد بن عبد الله القلشاني، الفقيه العالم العلامة الصالح القدوة والد القاضيين للجماعة أبي العباس أحمد وعمر القلشانيين. كان رحمه الله تعالى من أكابر علماء تونس أحد أصحاب الإمام ابن عرفة. أخذعنه وعن القاضي أبي العباس بن حيدرة التوزري وغيرهما. وتولى تدريس أبي مهدي عيسى الغبريني بعد وفاته بإشارة منه. قال السخاوي: تولى قضاء الأنكحة بتونس والتدريس بها وكان عالماً صالحاً. توفي أوائل سلطنة السلطان عثمان حفيد أبي فارس. اه.

فائدة: وقال ولده أبو العباس أحمد القلشاني: توفي والدي محمد القلشاني يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الثاني عام سبعة وثلاثين وثمانمائة بتونس عن ثلاثة وثمانين سنة وخمسة أشهر غير ستة أيام... وشرحي ابن الحاجب في ميزان حسناته إذ هو الآمر به. اه.

ومولده على ما ذكر سابع عشر ذي القعدة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة. وفي سنة سبع وثلاثين المذكورة توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس الحفصي صاحب تونس فجأة بجبل ونشريس. ذكره الونشريسن في وفياته.

فائدة: قال ولده أبو العباس القلشاني: لما توليت القضاء بقسنطينة أوصاني سيدي الوالد أبو عبد الله يعني صاحب الترجمة فقال لي: عليك بتقوى الله سراً وعلانية وأوصيك مع ذلك بآية وحديث، أما الآية فقوله تعالى "وقولوا للناس حسناً". والحديث قوله عليه السلام "حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل". قال وأوصي صديق صديقه. وقد ولي أمر الناس بقوله صن أذنيك عن أخبارهم تسلم من عداوتهم، وأوف لذوي الحقوق حقوقهم تستجلب مودتهم، وشاور ذوي العقل والدين يقل عتبهم عليك وتجاوز عن جفوة ذي الهفوة يقل ندمك وتأن في الحكم يقل خطؤك. واصبر على ما تكره تصل لما تحب والسلام. اه.

ويقال إنه كان إذا رأى من ولده عمر القلشاني فتوراً في وقت طلبه أنشده قول الشاعر:

إذا أخرج الدهر حبراً نجيباً * فكن في ابنه فاسد الاعتقاد
فلست ترى من نجيب نجيباً * وهل تلد النار غير الرماد

يحثه بذلك على الطلب.

قلت: وأخذ عنه الإمام أبو زيد الثعالبي ولازمه وذكره في بعض كتبه. وتقدم ترحمة أبيه عبد الله، وأخيه أحمد، وولديه أحمد وعمر، وتأتي ترجمة حفيده محمد بن عمر قاضي الجماعة إن شاء الله تعالى.

محمد ابن عمر بن الفتوح التلمساني ثم المكناسي أبو عبد الله. قال ابن غازي: الشيخ الفقيه الصالح الزاهد ولي الله تعالى. حدثني شيخنا أبو زيد القرموني وكان ارتحل إليه من فاس وإلى رفيقه عبد الله بن حمد فخدمهما تسعة أعوام أن سبب انتقاله من تلمسان أنه كان من نجباء طلبتها وكان شاباً حسن الصورة مليح الشارة، فمرت به امرأة جميلة فجعل ينظر لمحاسنها من طرف خفي. فقالت اتق الله يا ابن الفتوح، يعلم خائنة الأعين وما تخلي الصدور. فانتفع بكلامها فزهد في الدنيا فخرج من وطنه ولحق بفاس وهو أول من أشاع فيها مختصر خليل. وقال في الروض الهتون أول من أدخل المختصر لفاس هو عام خمسة وثمانمائة. انتقال لفاس فأخذ الفقه عن شيخ الجماعة أبي موسى عيسى بن علال المصمودي ويقرئ ألفية ابن مالك بمدرسة أبي عنان يقيم حاله بمرتبها. ثم عرضت عليه رئاسة درس الفقه بمدرسة العطارين فاستخار الله تعالى فرأى في منامه عجوز شمطاء سيقت له في عمارية بأنواع الملاهي فعلم أنها الدنيا فلم يقبلها. وكان يضيق ذرعه من مخالطة من لا يحفظ لسانه عن الغيبة وغيرها مما لا يليق. ويتمنى أن يجد من يعينه على الخير، فدله بعض النصحاء على الصالح عبد الله بن حمد وأصحابه. فرحل إليه لمكحناسة فظفر ببغيته وكان كما قيل وافق شنا طبقه وافقه فاعتنقه. وحدثني والدي عنه أنه يقصد المساجد الخالية ويعمرها بقراءة القرآن العزيز، وأنه أصابه الطاعون وهو يقرأ البخاري في مكناسة عند خزانة الكتب عام ثمانية عشر وثمانمائة. فحلم لبيته في المدرسة فلقن عند الموت فقال له الشغل بالذكر عن المذكور غفلة. وحدثني شيخنا العلامة القوري عنه أن سبب ارتحاله لفاس في طلب الفقه مسألتان سألنا عنهما فلم يحضرنا فيهما شيء مع شهرتهما: مسألة المكثر من النذر وهي في كتاب الإيمان والنذور من المدونة، ومسألة من اشترى جارية بشرط أنها ثيب فألفاها بكراً. ما حضر أصحابنا فيها شيء غير أنهم قالوا هذا كمن تلف له قب ووجد حماماً وهي منصوصة في نوازل ابن سهل أنه إن شرطه لغرض ككونه شيخاً كبيراً لا يطيق الافتراع أو حلف أن لا يطأ بكراً أو لا يملكها فله ردها وإلا فلا. وحدثني شيخنا القوري أيضاً أنه مرضت إحدى يديه فلم يتمكن له مسح أذنيه إلا باليد الصحيحة فمسح اليمنى وأراد مسح اليسرى فأشكل عليه الأمر في استئناف الماء ولم يذكر فيه نصاً. وجدد وكان بينه وبين شيخ الجماعة عبد الله العبدوسي ود وإخاء وكل منهما يفيد صاحبه فكتب إليه يخبره بما فعل وهل عنده فيها نص، فأجابه لا أذكر فيها نصاً ولو نزل بي مثله لفعلت فعلك. اه.

محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني، الإمام المشهور العلامة الحجة الحافظ المحقق الكبير الثقة الثبت المطلع النظار المصنف التقى الصالح الزاهد الورع البركة الخاشي لله الخاشع الأواب القدوة النبيه الفقيه المجتهد الأبرع الأصولي المفسر المحدث الحافظ المسند الراوية الأستاذ المقرئ المجود النحوي اللغوي البياني العروضي الصوفي المسلك المتخلق الولي الصالح العارف بالله الآخذ من كل فن بأوفر نصيب الراعي في كل علم مرعاه الخصيب حجة الله على فلقه المفتي الشهير السني الرحلة الحاج فارس الكراسي والمنابر سليل أفاضل الأكابر سيد العلماء الجلة وصفي أئمة الملة وآخر السادات الأعلام ذوي الرسوخ الكرام بدر التمام الجامع بين المعقول والمنقول والحقيقة والشريعة بأوفر محصول شيخ الشيوخ وآخر النظار الفحول صاحب التحقيقات البديعة والاختراعات الأنيقة والأبحاث الغريبة والفوائد الغزيرة المتفق على علمه وصلاحه وهديه، السيد الزكي الفهامة القدوة الذي قل سماح الزمان بمثله أبداً أحد الأفراد العلية في جميع الفنون الشرعية ذو المناقب العديدة والأحوال الصالحة العتيدة شيخ الإسلام وإمام المسلمين ومفتي الأنام ذو القدم الراسخ في كل مزلق ضيق والرحب والواسع في حل كل مشكل مقفل صاحب الكرامات والاستقامات حامل لواء السنة وداحض شبه البدعة سيف الله المسلول على أهل البدع والأهواء الذائعة الذي أفاض الله تعالى على خلقه به بركته ورفع بين البرية محله ودرجته ووسع على خليقته به نحلته معدن العلم وزناد الفهم وكيمياء السعادة وكنوز الإفادة ابن الشيخ الفقيه العالم أبي العباس أحمد ابن الفقيه الولي الصالح الخاشع محمد ابن الولي الكبير ذي الأحوال الصاحلة والكرامات محمد بن أبي بكر بن مرزوق. كان رحمه الله آية الله في تحقيق العلوم والاطلاع المفرط على النقول والقيام الأكمل على القنون بأسرها. أما الفقه فهو فيه مالك ولازمة فروعه حائز ومالك. فلو رآه الإمام لقال له تقدم فلك العهد والولاية وتكلم فمنك يسمع فقهي لا محالة، أو ابن القاسم لأقربه عيناً وقال له طالما دفعت عن المذهب عيباً وشيناً، أو أدرك الإمام المازري لكان من أقرانه الذي معه يجاري، أو الحافظ ابن رشد لقال له هلم يا حافظ الرشد، أو اللخمي لأبصر منه محاسن التبصرة، أو القرافي لاستفاد منه قواعده المقررة إلى ما انضم لذلك من معرفة التفسير ودرره والاطلاع بحقائق التأويل وغرره، فلو رآه مجاهد لعلم أنه في علوم القرآن العزيز مجاهد، أو لاقاه مقاتل لقال تقدم أيها المقاتل، أو الزمخشري لعلم أنه كشف النكت على الحقيقة وقال لكتابه تنح لهذا الحبر عن سلوك تلك الطريقة، أو ابن عطية لعلم كم لله تعالى من فضل وعطية، أو أبو حيان لاختفى منه إن أمكنه في نهره ولم تسل له نقطة من بحره إلى الإحاطة بالحديث وفنونه وحفظ رواياته ومعرفة متونه ونظم أنواعه ووصف فنونه فإليه الرحلة في رواياته ودراياته وعليه المعول في حل مشكلاته وفتح مقفلاته. وأما الأصول فالعضد ينقطع عنه مناظرته ساعده والسيف يكل عند بحثه حده حتى يترك ما عنده ويساعده والبرهان لا يهتدي معه لحجة والمقترح لا يقترح عنده بحجة. وأما النحو فلو رآه الزمخشري لتجلجل في قراءة المفصل واستقل ما عنده من القدر المحصل أو الرماني لاشتاق لمفاكهته وارتاح واستجوى من ثمار فوائده وامتاح، أو الزجاج لعلم أن زجاجه لا يقوم بجواهره وأنه لا يجري معه في الفن إلا في ظواهره، بل لو رآه الخليل لأثنى عليه بكل جميل وقال لفرسان النحو ما لكم إلى لحوقه من سبيل. وأما البيان فالمصباح لا يظهر له ضوء مع هذا الصبح وصاحب المفتاح لا يهتدي عنده للفتح. وأما فهمه فعنه تنحط الشهب الثواقب وبمطالعة تحقيقاته يتحير الناظر فيقول كم لله تعالى من مواهب لا تسعها المكاسب إلى غيرها من علوم عديدة وفضائل مأثورة عتيدة. وأما زهده وصلاحه فقد سارت به الركبان واتفق على تفضيله وخيرته الثقلان هو فاروق وقته في القيام بالحق ومدافعة أهل البدع بالصدق هو البحر بل دون علمه البحر هو البدر بل دون فلقه البدر هو الدربل دون منطقه الدر. وبالجملة فالوصف يتقاصر عن مزاياه ويعجز عن وصفه ويتحاماه، فهو شيخ العلماء في أوانه وقطب الأئمة والزهاد في زمانه شهد بنشر أصبحت علومه العاكف والبادي وارتوي من بحر تحقيقاته الظمآن والصادي

حلف الزمان ليأتين بمثله * حنثت يمينك يا زمان فكفر

وربك الفتاح العليم غير أنه كما قيل يا له من عالم وإمام جمع العلوم بأسرها ولكن بخسته الدار فالله تعالى يرحمه ويرضى عنه وينفعنا به آمين. وما قلناه من أوصافه فمما علم من حاله فلا يحتاج لنقله عن معين، ومتى احتاج شمس الضحى لدليل على أنا نذكر بعض ما قيل فيه شاهداً لما قلناه.

قال تلميذه أبو الفرج بن أبي يحيى الشريف التلمساني: شيخنا الإمام العالم العلم جامع أشتات العلوم الشرعية والعلقية حفظاً وفهماً وتحقيقاً راسخ القدم رافع لواء الإمامة بين الأمم ناصر الدين بلسانه وبيانه وبالعلم محيي السنة بفعاله ومقاله وبالشيم قطب الوقت في الحال والمقام والنهج الواضح والسبيل الأقوم مستمر الإرشاد والهداية والتبليغ والإفادة ذو الرواية والدراية والعناية ملازم للكتاب والسنة على نهج الأئمة المحفوظين من البدع في زمن من لا عاصم فيه لأمر الله إلا من رحم، ذو همة علية ورتبة سنية وخلق رضية وفضل وكرم إمام الأئمة وعالم الأمة الناظر للحكمة ومنير الظلم سليل الصالحين وخلاصة مجد التقي والدين نتيجة مقدمات البنين حجة الله على العلم والعالم جامع بين الشريعة والحقيقة على أصح طريقة متمسك بالكتاب لا يفارق فريقة الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد. اتصلت به فأويت منه إلى ربوة ذات قرار ومعين فقصرت توجهي عليه ومثلت بين يديه فأنزلني أعلا الله قدره منزلة ولده رعاية للذمم وحفظاً على الود الموروث من القدم فأفادني من بحار علمه ما نقصر عنه العبارة ويكل دونه القلم فقرأت عليه جملة من التفسير ومن الحديث الصحيحين والترمذي وأبا داود بقراءتي والموطأ سماعاً وتفقهاً والعمدة وأرجوزته الحديقة في علم الحديث وبعض أرجوزته الروضة فيه تفقهاً ومن العربية نصف المقرب وجميع كتاب سيبويه تفقهاً وألفية ابن مالك وأوائل شرح الإيضاح لابن أبي الربيع وبعض مغني ابن هشام وفي الفقه التهذيب كله تفقهاً وابن الحاجب وبعض مختصر خليل والتلقين وثلثي الجلاب وجملة من المتيطية والبيان لابن رشد والرسالة تفقهاً وتفقهت عليه في كتب الشافعية في تنبيه الشيرازي ووجوز الغزالي من أوله إلى كتاب الإقرار ومن كتب الحنفية مختصر القدوري تفقهاً ومن كتب الحنابلة مختصر الحرقي تفقهاً ومن الأصول المحصول ومختصر ابن الحاجب والتنقيح وكتاب المفتاح لجدي وقواعد عز الدين وكتاب المصالح والمفاسد له وقواعد القرافي وجملة من الإشباه والنظائر للعلائي وإرشاد العميري وفي أصول الدين المحصل والإرشاد تفقهاً وفي القراآت الشاطبية تفقهاً وابن بري وفي البيان التلخيص والإيضاح والمصباح كلها تفقهاً وفي التصوف إحياء الغزالي إلا الربع الأخير منه وألبسني خرقة التصوف كما ألبسه أبوه وعمه وهما ألبسهما أبوهما جده. اه ملخصاً.

وكتب الإمام صاحب الترحمة تحفة صدق السيد أبو الفرج ابن السيدي فيما ذكر من القراءة والسماع والتفقه وبر وقد أجزته في ذلك كله فهو حقيق بها مع الإنصاف وصدق النظر جعلني الله وإياه ممن علم وعمل لآخرته واعتبر. قاله محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق. اه.

وقال تلميذه الإمام الثعالبي وقدم علينا بتونس شيخنا أبو عبد الله بن مرزوق فأقام بها وأخذت عنه كثيراً وسمعت عليه جميع الموطأ بقراءة صاحبنا أبي حفص عمر ابن شيخنا محمد القلشاني وختمت عليه أربعينيات النووي قراءة عليه في منزله قراءة تفهم. فكان كلما قرأت عليه حديثاً يعلوه خشوع وخضوع ثم أخذ في البكاء فلم أزل أقرأ وهو يبكي حتى ختمت الكتاب وهو من أولياء الله تعالى الذين إذا رؤا ذكر الله [وجلت قلوبهم] وأجمع الناس على فضله من المغرب إلى الديار المصرية واشتهر فضله في البلاد فكان يذكره تطرز المجالس جعل الله حبه في قلوب العامة والخاصة فلا يذكر في مجلس إلا والنفوس متشوقة لما يحكي عنه وكان في التواضع والإنصاف والاعتراف بالحق في الغاية وفوق النهاية لا أعلم له نظيراً في ذلك في وقته فيما علمت. ثم ذكر كثيراً جداً مما سمعه عليه من الكتب وأطال فيه وقال أيضاً في موضع آخر هو سيدي الشيخ الإمام الحبر الهمام حجة أهل الفضل في وقتنا وخاتمتهم ورحلة لنقاد وخلاصتهم ورئيس المحققين وقادتهم السيد الكبير والذهب الإبريز والعلم الذي نصبه التمييز ابن البيت الكبير والفلك الأثير ومعدن الفضل الكثير سيدي أبو عبد الله بن الإمام الجليل الأوحد الأصيل جميل الفضلاء سليل الأولياء أبي العباس أحمد ابن العالم الشهير تاج المحدثين وقدوة المحققين أبي عبد الله بن مرزوق. وقال أيضاً في موضع آخر لشيخي الإمام العلم الصدر الكبير المحدث الثقة المحقق بقية المحدثين وإمام الحفظة الأقدمين والمحدثين سيد وقته وإمام عصره ووقع زمانه وفاضل أقرانه أعجوبة وقته وقاروق أوانه ذو الأخلاق المرضية والأحوال الصالحة السنية والأعمال الفاضلة الزكية أبو عبد الله ابن سيدنا الفقيه الإمام أبي العباس أحمد بن مرزوق. اه.

وقال المازوني في أول نوازله: شيخنا الإمام الحافظ بقية النظار والمجتهدين ذو التآليف العجيبة والفوائد الغريبة مستوفي المطالب والحقوق. اه.

وقال تلميذه الحافظ التنسي بعد ذكره قضية مالك في أربعين مسألة فقال: في ست وثلاثين لا أدري ما نصه لم نر فيما أدركنا من شيوخنا من تمرن على هذه الخصلة الشريفة وكثر استعمالها غير شيخنا الإمام العلامة رئيس علماء المغرب على الإطلاق أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق. اه.

وقال تلميده أبو الحسن القلصادي في رحلته: أدركت بتلمسان كثيراً من العلماء والعباد والصلحاء وأولاهم بالذكر والتقديم الشيخ الفقيه الإمام العلامة الكبير الشهير شيخنا وبركتنا أبو عبد الله بن مرزوق العجيسي رضي الله عنه حل كنف العلم والعلا وجل قدره في الجلة الفضلا قطع الليالي ساهراً واقتطف من العلم أزاهر فأثمر وأورق وغرب وشرق حتى توغل في فنون العلم واستغرق إلى أن طلع للأبصار هلالاً لأن المغرب مطلعه وسما في النفوس موضعه فلا ترى أحسن من لقائه ولا أسهل من إلقائه لقي الشيوخ الجلة الأكابر وبقي حمده مغترفاً من بطون الكتب وألسنة الأقلام وأفواه المحابر. كان رضي الله عنه من رجال الدنيا والآخرة وأوقاته كلها معمورة بالطاعة ليلاً ونهاراً من صلاة وقراءة قرآن وتدريس علم وفتيا وتصنيف. وله أوراد معلومة وأوقات مشهودة وكانت له بالعلم عناية تكشف بها العماية ودراية تعضدها الرواية ونباهة تكسب النزاهة قرأت عليه بعض كتابه في الفرائض وأواخر إيضاح الفارسي وشيئاً من شرح التسهيل وحضرت عليه إعراب القرآن وصحيح البخاري والشاطبيتين وفرعي ابن الحاجب والتلقين وتسهيل ابن مالك والألفية والكافية وابن الصلاح في علم الحديث ومنهاج الغزالي والرسالة. توفي يوم الخميس عصر رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة وصلي عليه بالجامع الأعظم بعد صلاة الجمعة حضر جنازته السلطان فمن دونه لم أر مثله قبله وأسف الناس لفقده وآخر بيت سمع منه عند موته:

إن كان سفك دمي أقصى مرادكم * فما غلت نظرة منكم بسفك دمي. اه ملخصاً.

وفي فهرست ابن غازي في ترجمة شيخه أبي محمد الورياجلي ما نصه: إنه لقي بتلمسان الإمام العلامة العلم الصدر الأوحد المحقق النظار الحجة العالم الرباني أبا عبد الله بن مرزوق وإنه حدثه بكثير من منقبه وصفة إقرائه وقوة اجتهاده وتواضعه لطلبة العلم وشدته على أهل البدع وما اتفق له مع بعضهم إلى غيره من شيمه الكريمة ومحاسنه العظيمة. اه.

وقال غيره: كان يسير سيرة سلفه في العلم والعمل والشفقة والحلم وحب المساكين آية الله في الفهم والذكاء والصدق والعدالة والنزاهة واتباع السنة في الأقوال والأفعال ومحبة أهلها في جميع الأحوال مبغضاً لأهل البدع ومحباً لسد الذرائغ. اه.

أخذ العلم عن جماعة كالسيد الشريف العلامة أبي محمد عبد الله ابن الإمام العلم الشريف التلمساني والإمام عالم المغرب سعيد العقباني ولولي الصالح أبي إسحاق المصمودي أفرد ترجمته بتأليف والعلامة أبي الحسن الأشهب العماري وعن أبيه وعمه ابني الخطيب ابن مرزوق وبتونس عن الإمام ابن عرفة وأبي العباس القصار وبفاس عن الأستاذ النحوي ابن حياتي الإمام والشيخ الصالح أبي زيد المكودي والحافظ محمد بن مسعود الصنهاجي الفيلالي في جماعة وبمصر عن الأئمة السراج البلقيني والحافظ أبي الفضل العراقي والسراج ابن الملقن والشمس الغماري والمجد الفيروزبادي صاحب القاموس والإمام محب الدين بن هشام ولد صاحب المغني والنور النويري والولي ابن خلدون والقاضي العلامة ناصر الدين التنسي وغيرهم. وأجازه من الأندلس الأئمة كابن الخشاب وأبي عبد الله القيجاطي والمحمد الحفار والحافظ ابن علاق وأبي محمد ابن جزي وغيرهم. وأخذ عنه جماعة من السادات كالشيخ الثعالبي وقاضي الجماعة عمر القلشاني والإمام محمد بن العباس والعلامة نصر الزواوي وولي الله الحسن أبركان وأبي البركات الغماري والعلامة أبي الفضل المشذالي والسيد الشريف قاضي الجماعة بغرناطة أبي العباس بن أبي يحيى الشريف وأخيه أبي الفرج وإبراهيم بن فائد الزواوي وأبي العباس أحمد ابن عبد الرحمن الندرومي والعلامة المؤلف علي بن ثابت والشهاب ابن كحيل التجاني وولد العالم محمد ابن محمد بن مرزوق الكفيف والعلامة أحمد بن يونس القسنطيني والعالم يحيى بن بدير وأبي الحسن القلصادي والشيخ عيسى بن سلامة البسكري والعالم يحيى المازوني والحافظ التنسي والإمام ابن زكري في خلق كثيرين من الأجلاء.

وقال الحافظ السخاوي: هو أبو عبد الله حفيد ابن مرزوق ويقال له أيضاً ابن مرزوق تلا بنافع على عثمان الزروالي وانتفع في الفقه بابن عرفة وأجازه ابن الخشاب والحفار والقيجاطي وحج قديماً سنة تسعين وسبعمائمة رفيقاً لابن عرفة وسمع من البهاء الدماميني والنور العقيلي بمكة وقرأ بها البخاري على ابن صديق لازم المحب ابن هشام في العربية ثم حج سنة تسعة عشر وثمانمائة ولقيه رضوان الزيني بمكة وكذا لقيه ابن حجر. اه.

وأما تآليفه فكثيرة، منها:

ومولده كما ذكره هو في شرحه على البردة ليلة الاثنين رابع عشر ربيع الأول عام ستة وستين وسبعمائة، قال وحدثتني أمي عائشة بنت الفقيه الصالح القاضي أحمد بن الحسن المديوني. وكانت صالحة ألفت مجموعاً في أدعية اختارتها ولها قوة في تعبير الرؤيا اكتسبتها من كثرة مطالعة كتب الفن أنه أصابني مرض شديد أشرفت منه على الموت ومن شأنها وأبيها إنهما لا يعيش لهما ولد إلا نادراً وسموني أبا الفضل أول الأمر، فدخل عليها أبوها أحمد المذكور فلما رأى مرضي وما بلغ بي غضب وقال: ألم أقل لكم لا تسموه أبا الفضل؟ ما الذي رأيتموه له من الفضل حتى تسموه أبا الفضل؟ سموه محمداً لا أسمع أحمداً يناديه بغيره إلا فعلت به. وفعلت يتوعد بالأدب. قالت: فسميناك محمداً ففرج الله عنك. اه ملخصاً

وتوفي كما قاله القصادي وزروق والسخاوي وغيرهم يوم الخميس رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة. ولم يخلف بعده مثله في فنونه في المغرب. وصلي عليه يوم الجمعة بالجامع الأعظم من تلمسان رحمه الله تعالى. وسيأتي ترجمة ولده الكفيف، وحفيده ابن ابنته محمد بن مرزوق الخطيب ابن حفصة إن شاء الله تعالى.

فائدة: قال صاحب الترجمة: حضرت مجلس شيخنا العلامة نخبة الزمان ابن عرفة رحمه الله أول مجلس حضرته، فقرأ "ومن يعش عن ذكر الرحمن" فجرى بيننا مذاكرة رائقة وأبحاث حسنة فائقة، منها أنه قال: قرئ "يعشو" بالرفع ونقيض بالجزم. ووجهها أبو حيان بكلام ما فهمته وذكر في النسخة خللاً وذكر بعض ذلك الكلام فاهتديت إلى تمامة. فقلت: يا سيدي معني ما ذكر أن جزم نقيض بمن الموصولة لشبهها بالشرطية لما تضمنتها من معنى الشرط وإذا كانوا يعاملون الموصول الذي لا يشبه لفظه لفظ الشرط بذلك فما يشبه لفظه لفظ الشرط أولى بتلك المعاملة. فوافق رحمه الله وفرح كما أن الإنصاف كان طبعه وعند ذلك أنكر على جماعة من أهل المجلس، وطالبوني بإثبات معاملة الموصول معاملة الشرط. فقلت نصهم على دخول الفاء في خبر الموصول في نحو الذي يأتيني فله درهم من ذلك. فنازعوني في ذلك، وكنت حديث عهد بحفظ التسهيل. فقلت: قال ابن مالك فيما يشبه المسألة وقد يجزمه متسبب عن صلة الذي تشبيهاً بجواب الشرط. وأنشدت من شواهد المسألة قول الشاعر:

كذلك الذي يبغي على الناس طالما * تصبه على رغم عواقب ما صنع

فجاء الشاهد موافقاً للحال. اه من اغتنام الفرصة.

وقد ذكر الشيخ ابن غازي الحكاية في فهرسته في ترجمة شيخه النبيحي الشهير بالصغير، وفيها بعض مخالفة لما تقدم فلنسقه. قال حدثني أنه بلغه عن ابن عرفة أنه كان يدرس من صلاة الغداة للزوال يقرأ فنوناً يبتدئ بالتفسير. وإن الإمام ابن مرزوق أول ما دخل عليه وجده يفسر آية "ومن يعش" فكان أول ما فتحه أن قال: هل يصح كون من هنا موصولة؟ فقال ابن عرفة: كيف وقد جزمت. فقال له: تشبيهاً لها بالشرط. فقال ابن عرفة: إنما يقدم على هذا بنص من إمام أو شاهد من كلام العرب؟ فقال: أما النص فقول التسهيل كذا، وأما الشاهد فقول الشاعر:

فلا تحفرن برأ—تريد بها أخاً * فإنك فيها أنت من دونه
تقع كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً * تصبه على رغم عواقب ما صنع.

فقال ابن عرفة: فأنت إذاً ابن مرزوق؟ قال: نعم. فرحب له. اه.

وهو خلاف ما تقدم ورأيت في بعض المجاميع زيادة، وهي أن ابن عرفة اشتغل بضيافته لما انفصل المجلس. اه.

فائدة أخرى: ذكر الشيخ ابن غازي أن الإمام ابن مرزوق صاحب الترجمة كان يصرف لفظ أبي هريرة وأن الأشياخ الفاسيين بلغهم ذلك فخالفوه فيه. قال وقال لمذهبهم شيخاي النيجي والقدري لوجوه طال بحثي معه فيها ليس هذا موضعه. اه.

قلت: وللإمام ابن العباس التلمساني فيه تأليف سماه الإنصاف في ذكر ما في لفظ أبي هريرة من الإنصرف أجاد فيه.

محمد الرياحي. أقام بالبرلس من قرى مصر نحو ستين سنة، وانتفع به جماعة من أهلها وغيرهم. وكان بارعاً في الفقه والأصلين. أخذ عن ابن مرزوق وغيره. ومات بعد الأربعين راجعاً من زيارة بيت المقدس. وكان حسن الخلق. كذا في الضوء اللامع للسخاوي.

محمد بن محمد ابن يحيى الأندلسي اللبسي، بباء موحد فسين مهملة. أخذ عن ابن حجر ونوه به عند الأشرف حتى ولاه قضاء المالكنية. وسار سير السلف الصالح ثم. حنق على نائبها في بعض الأمور وسافر إلى حلب مظهراً إرادة السماع على حافظها البرهان. ووصفه في بعض المجاميع بالشيخ الإمام العالم العلامة في الفنون قاضي الجماعة. وقال إنه إنسان حسن إمام في علوم، منها الفقه والنحو وأصول الدين، مستحضر للعلوم كأنها بين عينيه. ووصف أيضاً بعلامة دهره وخلاصة عسره وعين زمانه وإنسان أوانه جامع العولم وفريد كل منثور ومنظوم قاضي القضاة لا زالت رايات الإسلام به منصورة وأعلام الإيمان منشورة ووجوه الأحكام الشرعية بحسن نظره محبورة. ولد سنة ست وثمانمائة، وتوفي ببرصا من بلاد الروم في أواخر شعبان سنة أربعين وثمانمائة. اه من الضوء اللامع للسخاوي.

محمد أبو عبد الله العكرمي، الفقيه العالم من أصحاب ابن عرفة. أخذ عنه وهو شيخ الأستاذ النيجي الصغير. وذكر عن ابن غازي أنه كان يقول سمعت العكرمي يقول سمعت ابن عرفة يقول إن الإمام ابن القاسم ضعيف في الأصول. اه.

وتوفي سنة اثنين وأربعين وثمانمائة.

محمد ابن أحمد بن عثمان بن نعيم بن محمد بن حسن بن غنائم بن مقدم بكسر الميم الطائث البساطي، وبه عرف، قاضي القضاة أبو عبد الله شمس الدين العلامة المالكي. ولد في جمادي الأولى سنة ستين وسبعمائة، كذ قال الحافظ بن حجر. قال السيوطي: رأيت بخط صاحبنا النجم بن فهد في أواخر المحرم ببساط، وانتقل بمصر سنة ثمان وسبعين فاشتغل بها كثيراً في عدة فنون. وكان نابغة الطلبة في شبيبته واشتهر أمره وبعد صيته وبرع في فنون المعقول والعربية والبيان والأصلين وصنف فيها وفي الفقه وعاش دهراً في بؤس بحيث أنه كان يتام على قشر القصب. ثم تحرك له الحظ فتولى تدريس المالكية، ثم مشيخة تربة الملك الناصر، ثم تدريس البرقوقية، ثم تدريس الشيخونية. وناب في الحكم عن ابن عمه. ثم تولى القضاء بالديار المصرية سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فأقام فيها عشرين سنة متوالية لم يعزل منه. ورافقه من القضاة خمسة من الشافعية الجلال البلقيني والولي العراقي وشيخنا العلم البلقيني وابن حجر والهروي، ومن الحنفية الشمس الدين وولده سعد الدين والتفهني والعيني، ومن الحنابلة ابن معلي والمحب البغدادي والعز المقدسي. وكان سمع الحديث من التقي البغدادي وغيره ولم يعن به. اه.

ومن تصانيفه المغني في الفقه متن جعله على تصحيح ابن الحاجب وشراحه لم يكمل وقفت منه إلى الحج، وشفاء الغليل في شرح مختصر خليل في سفرين أكثر فيه من الأبحاث اللفظية قليل الفقه على نقص فيه من السلم إلى الحوالة والفرائض، وتوضيح المعقول وتخريج المنقول على مختصر ابن الحاجب الفرعي لم يكمله أيضاً، وحاشية على المطول، وحاشية على المطالع، وحاشية على المواقف، ونكت على الطوالع، ومقدمة في علم الكلام. أخذ عنه جماعة من أهل المذهب كالشيخ عبادة وأبي القاسم النويري والكمال ابن الهمام والشيخ الثعالبي والنور السنهوري والقلصادي ومحمد بن إبراهيم بن فرحون والتقى الشمني ومحيي الدين عبد القادر المكي والشمس السخاوي وغيرهم. قال السخاوي: كان إماماً علامة عارفاً بفنون المعقول والمنقول متواضعاً سريع الدمعة رقيق القلب محباً في الستر والصحف طارحاً للتكلف. ربما صاد السمك ونام على قشر القصب. تزاحم الأئمة من سائر المذاهدب والطوائف في الأخذ عنه. وأول شيوخه نور الدين الجلاوي المغربي لازمه نحو العشرين سنة في الفقه والعقليات وغيرها، ولما مرض أشار عليه أن يقرأ في المعقولات على العز بن جماعة فلازمه. وكذا انتفع مع فنون كثيرة بابن خلدون والمعقولات على الشيخ قنبر العجمي وخصه بالإجماع دون الجماعة الذين خرجوا يوم قدوم الظاهر برقوق. فقال قدموا بنا يا بني الدنيا على بني الآخرة. وأخذ أصول الفقه والعربية على الشمس الرجراجي والفقه على ابن عم أبيه القاضي سليمان والتاج بهرام وعبيد البشكالي ويعقوب الرجراجي والفرائض والحساب على ابن الهائم والقراآت على الشيخ نور الدين أخي بهرام، وأخذ المعقول على الشيخ أكمل الدين، وسمع البخاري على ابن أبي المجد. وأول تدريس وليه الشيخونية عقب موت تاج الدين بهرام ثم الصالحية ثم الجالية بعد أن كان يتوقع من صاحبها سوأ لكونه أفتى بالمنع من قتل شخص له غرض في قتله، وقد نبه على ذلك في شرحه لمختصر خليل في باب الردة، ثم مشيخة الناصرية فرج بن برقوق. ثم الستقر في قضاء المالكية في يوم السبت خامس عشر جمادي الأولى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة بعد موت الجمال الأقفهسي في آخر الدولة المؤيدة وقدم على قريبه الجمال يوسف البساطي لما ذكر من فاقته وسعة عمله ومعرفته بالفنون. ورغب عن الشيخونية للشهاب ابن تقي واستقر في قضاء المالكية نحو عشرين سنة إلى أن مات بحيث أنه حج سنة ثلاث وثلاثين وجاور بكة سنة أربع وهو على قضائه وكان خليفة الشهاب ابن تقي. وهم الأشرف بعزله وعين للقضاء الشهاب ابن تقي بسبب كائنة ابن العربي حيث نازع العلاء البخاري في تصريحه بذمه وتكفير من يقول بمقالة ابن عربي والله أعلم وبالإنكار على من يقول بالوحدة المطلقة مع ثوب رفيقه الحافظ بن حجر موافقاً للعلاء حتى صرح بأن من أظهر لنا كلاماً يقتضي الكفر لا نقره عليه. فقال إنما ينكر الناس ظاهر الألفاظ التي يقولها وإلا فليس في كلامه ما ينكر بضرب من التأويل وأما أنتم فما تعرفون الوحدة المطلقة فاستشاط العلماء غضباً وأقسم بالله للسلطان إن لم يعزله من القضاء ليخرجن من مصر. ووصل خبر ذلك للسلطان فاستدعى بالقضاة عنده ودار بين الحافظ بن حجر والبساطي في ذلك كلام فتبرأ من مقالة ابن عربي وكفر من يعتقدها. فصوب ابن حجر قوله وأفتى حيث أنه السلطان ماذا يجب عليه وهل يستحق العزل بأنه لا يجب عليه شيء بعد اعترافه بهذا. قال الحافظ بن حجر وعلقت من فوائده حال سفرنا مع الأشرف في سنة ست وثلاثين ما معناه لأنه سئل بحضرة السلطان الظاهر ططر وهو حينئذ أمير عن قول يعقوب عليه السلام لأولاده لما رجعوا من عند يوسف عليه السلام وقالوا له إن ابنك سرق إلى قوله تعالى "بل سولت لكم أنفسكم أمراً" ما هو الذي سؤلته أنفسهم لهم مع أنهم لم يكن لهم في الفضية تصنع ولا تسبب من أخذ أخيهم منهم بل جهدوا على أن يأخذوا بدله فلم يجابوا إلى ذلك. قال وكان في المجلس جمع من الفضلاء فكثروا الخبط وما تحصل من جوابهم شيء. قال فنمت تلك الليلة فرأيت قائلاً يقول هل تعرف جواب السؤال الذي سئلته؟ فقلت لا. فقال إن يعقوب عليه السلام أشار إلى أنهم ما يصحوا في قولهم جزاؤه من وجد في رحله لأن شرعهم إنما كان من يسرق يسترق في جناية السرقة ولا بد من تحقيق السرقة ووجد أن المفقود في رحل الشخص لا يثبت سرقته فلو قالوا جزاؤه إن سرق أن يؤخذ مثلاً لنصحوا. قال الحافظ ابن حجر فقلت له بل الذي يظهر أن يعقوب عليه السلام لما عادوا إليه بدون أخيهم تذكر صنيعهم في يوسف فأشار إلى ما صنعوا بيوسف بقوله سولت أنفسكم أمراً فإن قصتهم مع يوسف كانت مبدأ عزله وهو الذي تفرع منه جميع ما اتفق له ويؤيده قوله عقب كلامه. وقال يا أسفي على يوسف وقوله قبل ذلك عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم وقوله تالله تفتؤا تذكر يوسف وقوله إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه فإن ذلك كله يدل أنه لم يكن ليأس من حياة يوسف وأشار إلى أنه كان ظن أنه في الجهة التي فيها أخوه والله سبحانه أعلم. وظهر في جواب آخر وهو أن متعلق التسويل في هذه القصة غير متعلق التسويل في قصة يوسف فالذي في قصة يوسف أنهم زينت لهم أنفسهم أن يبعدوه عن أبيه فصنعوا وأظهروا أن الذئب أكله والذي في قصة أخيه تحتمل أن يكون المراد به الإشارة إلى علمه بالقرينة وهي وجدان الصاع في رحله فكأنه قال لهم جواباً لقولهم إن ابنك سرق لا لم يرق بل زينت لكم أنفسكم أنه سرق بكون الصاع في رحله ولم يكن في باطن الأمر كذلك ولم يرد أن أنفسهم زينت لهم إعدامه كما في قصة يوسف والله تعالى أعلم. اه.

ولصاحب الترجمة جواب عن سؤال الإمام البدر الدماميني عن المحليين من كلام الكشاف أحدهما في قوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعماً هي الآية والثاني في قوله تعالى وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين وقد ذكرهما معاً مع جوابه عليهما الحافظ السخاوي في ترجمة القاضي محب الدين بن الشحنة وتركته لتصحيف في النسخة فراجعه. ثم قال السخاوي: ومن تآليف فذكر ما تقدم وزاد قائلاً منها مقدمة على مقاصد الشامل في علم الكلام، وآخر في أصول الدين، وفي العربية، وكتب على مفردات ابن البيطار، وله شرح قصة الخضر، وشرح الدريوية في العربية، ورسالة في المفاخرة بين مصر والشام بديعة، وتقريظ على الرد الوافر لابن ناصر حافظ الشام، ونسب ابن تيمية ولمح فيه بالحط على العلاء البخاري، وشرح التائية لابن الفارض وغيرها. وله نظم ونثر من قبيل المقبول. فمن نظمه عقب رجوعه من المجاورة لمكة:

ولم أنس ذاك الإنس والقوم هجع * ونحن ضيوف والقرى تتنوع
وعشاق ليلي بين باك وصارخ * وأحسن مصروع بوصل يمتع
وآخر في السر الإلهي متيم * تغوص به الأمواج حينا وترفع

في أبيات. وكان يضربه القولنج وينقطع لأجله أياماً ثم يسكن ويفيق فثار به. ثم عوفي وحضر سماع الحديث وسلم على السلطان وسر بعافيته ثم في ثالثة حضر عند مجلس بالصالحية وكتب على الفتاوي إلى يوم الخميس، ثار عليه الوجع آخر النهار فصرع وغشي عليه. ثم مات ليلة الجمعة ثالث عشر رمضان سنة اثنين وأربعين. وصلى عليه الحافظ ابن حجر إماماً واستقر بعده في القضاء البدر التنسي وفي القمحية ولداه وفي المشيخة الناسرية فرج أصغرهما وفي البرقوقية ابن عمار. ورثاه الشهاب ابن أبي مسعود المتوفي بقوله:

مات قاضي القضاة يا علم ما هجع * واطؤمن بعده بساط البساطي
وإنك شمسا أغارها القبر وأفرش * للثرى وجنتيك بعد البساطي

وحكى الشيخ نور الدين السنهوري أنه كان بعض طلبته بحضر له طعاماً بدرهم، ففي بعض الليالي أحضر له طعاماً فلما أصبح قال للطالب: من أين لك هذا الطعام فإنه لما أكلته وكان لي عادة أن أنظر في شيء من العلوم في الليل فرأيت قلبي أسود؟ وكان الطالب فقيه والي القاهرة والطعام المذكور من طعام الجبابرة وهذا مما يدل على صلاحه. اه كلام السخاوي رحمه الله تعالى.

محمد بن عمر الهواري، الشيخ الولي الصالح العارف بالله القطب أبو عبد الله، كان كثير السياحة شرقاً وغرباً براً وبحراً. أخذ بفاس عن موسى العبدوسي والقباب وببجاية عن شيخه أحمد بن إدريس وعبد الرحمن الوغليسي. وكان يثني على أهل بجاية كثيراً لمحبتهم للغرباء والفقراء ومحافظاتهم في معاملاتهم على الخلل. وسافر من فاس للشرق للحج فدخل مصر فلقي بها الحافظ العراقي وغيره وأخذعنهم. وجاور مدة بالحرم الشريف بين مكة والمدينة. ثم سافر للقدس وجلا ببلاد الشام وكان في جامع بني أمية يأوي في سياحته لغيضة ملتفة فـأوى إليه السباع والوحوش العادية. ثم استقر أخيراً بوهران مثابراً على العلم والعمل والصدق في الأحوال وانفع به جمع. وعند قرب أجله كان أكثر كلامه في مجالسه في التبشير بسعة رحمة الله وعفوه. قال بعضهم وكان مقطوعاً بولايته. وعنه أخذ الإمام إبراهيم التازي كما تقدم في ترجمته وهو صاحب التنبيه المتقدم. قال الشيخ أبو عبد اله ابن الأزرق ووقفت لبعض العصريين أن الشيخ الولي الشهير الهواري نزيل وهران لما ألف السهو الذي عمل عليه التنبيه. أخذه الفقيه أبو زيد عبد الرحمن المعروف بالمقلاشي فوزن فيه أشياء وأعرب فيه أشياء فأتى به الشيخ وقال له: يا سيدي إني أصلحت سهوك. فقال له الشيخ هذا السهو يقال له سهو المقلاش وأما سهوي فهو أن الفقراء إنما ينظرون فيه إلى المعنى ومن أين العربية والوزن لمحمد الهواري بل سهوي يبقى على ما هو عليه. اه.

قال ابن الأزرق وفي مراعاة هذا المعنى على الجملة أنشد غير واحد:

وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقي * وما ضر ذا تقوى لسان معجم. اه.

وذكر أبو عبد الله الملالي أن شيخه أبا الحسن التالوتي كان كثير المطالعة لكتاب السهو والتنبيه للهواري كل يوم ورأيت بخطه ما نصه: ضمن مؤلفعه رحمه الله لكل من قرأ سهوه واعتنى به أن لا يجوع ولا يعرى ولا يعطش وأنه ضامنه في الدنيا والآخرة. كذا نص عليه في التنبيه الذي جعله في فضل السهو. وسمعناه من سيدي إبراهيم التازي. ورأيتناه يختم السهو بالنظر في كل يوم للتبرك غير مرة. اه.

وذكر أيضاً أن هذا السهو جعله المؤلف للاولاد ولم يتعرض لوزن شعر ولا عربية. فإياك والاعتراض، تأمل واقرأ تنتفع. كذا سمعناه من سيدي إبراهيم التازي. اه.

وقال بعضهم: كان الشيخ آية الله في فنونه ومكاشفاته. ومن كراماته أن بعض العرب ومفسديهم أخذ مال بعض أصحابه. فبعث فيه الشيخ إليه فأخذ رسوله فقيده وحبسه حين أغلظ القول. فبلغ الخبر الشيخ فقام من مجلسه وقد أسود وجهه لشدة غضبه قال: سيدي إبراهيم التازي. فلما دخل خلوته سمعته يقول مفرطخ مفرطخ يكرره مراراً. ففي الوقت قام الظالم يلعب بخيله في بعض عرسهم. فلما حرك خيله والناس ينظرون فإذا رجل أبيض الثياب أخذه على فرسه وضربه بالأرض أسرع من طرفة عين، فإذا هو ميت بلا روح. مفرطخ دخل رأسه في جوفه من شدة ضربه منكساً. فأطلقت أمه رسول الشيخ وقالت لولدها الميت: حذرتك دعوة الشيخ وشوكته، فأبيت فلا حيلة لي فيك اليوم. اه.

توفي بوهران سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. وقد استوفى كراماته مع صاحبه إبراهيم التازي والحسن أبركان وأحمد بن الحسن الغماري الشيخ ابن صعد في روضة النسرين في مناقب الأربعة الصالحين فلينظر منها.

محمد بن أحمد بن علي تقي الدين الفاسي، سمع بالمدينة من إبراهيم بن فرحون، وأخذعلم الحديث على القراقي وغيره والفقه على ابن عم أبيه عبد الرحمن بن الخير والتاج بهرام والزين خلف وأبي عبد الله الوانوغي، وأدنوا له في الإفتاء والتدريس. وأخذ أصول الفقه على أبي الفتح بن صدقة والبرهان الأنباسي. وكتب تأريخاً حافلاً سماه شفاء الغرام بأخبار بلد الله الحرام واختصره مراراً، وعمل العقد الثمين في تأريخ البلد الأمين في أربع مجلدات. وله ذيل على سير النبلاء، وعلى التقييد لابن نقطة، وكتاب في الآخريات سود غالبه. واختصر حياة الحيوان، وخرج الأربعين المتباينات والفهرسة. وكذا خرج لجماعة من شيوخه. وضاع أكثر تصانيفه لاشتراطه أن لا يعار لمكي ولي قضاء المالكية في شوال سنة سبع وثمانمائة. قال الحافظ ابن حجر: وافقني في السماع بمصر والشام واليمن وغيرها وكنت أوده وأعظمه. توفي في شوال سنة اثنين وأربعين وثمانمائة. اه من السخاوي في أهل المائة التاسعة.

محمد بن محمد بن محمد بن أحمد. قال السيوطي: الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو ياسر ولد كما كتبه بخطه يوم السبت العشرين من رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة والشتغل قديماً ولقي المشايخ وتفقه بابن عرفة وسمع الحديث من السويداوي والتنوخي والتاج ابن الفصيح وأضرابهم. وكان صاحب فنون حسن المحاضرة محباً في الصالحين. ولي تدريس المسلمين بمصر سنة ثلاث وثمانمائة فتوزع فيها بأن شرط وافقها أن يكون المدرس في حدود الأربعين فأثبت محضراً بأن سنه حينئذ خمس وأربعون سنة. فيكون مولده على هذا سنة ثمان وخمسين. اه.

قلت: ولا يبعد أن يكون ما وجد بخطه من أن مولده سنة ثمان وستين سبق قلم أبدل فيه خمسين بستين والله أعلم. ثم قال السيوطي: وله مجاميع كثيرة وشرح التسهيل سماه جلاب الموائد، والمغني لابن هشام سماه الكافي الغني ثلاث مجلدات، وألفية الحديث، والعمدة. واختصر كثيراً من المطولات وحصل له عرق جذام فاستحكم به. فمات ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وثمانمائة. اه.

وقال الحافظ السخاوي: الشيخ شمس الدين بن عمار الإمام العلامة في الفقه وأصوله والعربية والتصريف مشاركاً في كثير من الفنون ممتع الحاضرة والفوائد أماراً بالمعروف كثير الابتهال قرأ على المحب ابن هشام في النحو واللغة ولازم العز بن جماعة في كثير من الفنون. وأخذ أصول الفقه على ابن خلدون ولقي أبا عبد الله بن عرفة فقرأ عليه قطعة من مختصره الفقهي. وأخذ الفقه أيضاً عن بهرام وعبيد البشكالي وابن خلدون وغيرهم. سمع أشياء من الحديث يطول ذكرها. ووافق الحافظ ابن حجر في كثير من شيوخه في الحديث. وأقام بالاسكندرية وأذن له معظم شيوخه في الإفتاء والإقراء، وأذن له بن عرفة في إقراء الفقه وغيره. ثم ولي تدريس المالكية بالمسلمية القديم وتوزع فيها بأن شرط واقفها أن يكون المدرس في حدود الأربعين فأثبت أنه زاد عليها. ثم ولي تدريس قبة الصالح عن شيخه ابن خلدون والبرقوقية عوضاً عن البساطي. وناب في القضاء عن شيخه ابن خلدون ثم عن الشمس البساطي. وحج حجة الإسلام وسمع وهو بعرفة قائلاً لم ير شخصه لا إلاه إلا الله مات البلقيني، فكان كذلك. وابتدأ بالتصنيف في حياة كثير من شيوخه منها غاية الإلهام في شرح عمدة الأحكام ثلاث مجلدات، قرئ عليه وشرح غريبها في جزء لطيف سماه الأحكام في شرح غريب عمدة الأحكام، والتفسير والتقريب في اختصار الترغيب والترهيب للمنذري، والفتح الشافي في تحرير أحاديث الكشاف لم يكمل، والغيوث الثجاجة في مختصر ابن ماجة، وشرحها سماه الديباجة لتوضيح منتخب ابن ماجة. وعلق على مختصر السنن لأبي داود شرحاً سماه المواهب والمنن في التعريف والإعلام بفوائد السنن. وله أسئلة سماها فتح الباري ومفاتح السعدية في شرح الألفية الحديثية للعراقي، والسعادة والبشرى في التعريف بمولد المصطفى والمعراج والإسراء بمنتهى المرام في تلخيص مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام للحافظ أبي التتاء، وزوال المانع في جمع الجوامع وغذاء الأرواح في كشف القناع عن عروس الأفراح للباء السبكي لم يكمل، والمستغاث بالرسول في شرح مقدمة ابن الحاجب المنطقية لمختصره في الأصول، وجلاب الموائد في شرح تسهيل الفوائد في ثمان مجلدات، والكافي الغني في شرح مغني ابن هشام في أربعة مجلدات بيض منه نحو الثلث الأول فأزيد. واختصر توضيح ابن هشام سماه تنقيح التوضيح وشرحه، والملحة والدرة الرحمانية في شرح االميدانية في التصريف لأبي الفضل الميداني، واللطائف الشهية فيما وقع لابن عبد السلام من اللطائف الفقهية، والنحوية، وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعي على سبيل الاختصار كتب منه إلى إثناء النكاح وقطعة من آخره، واللباب في تعداد الحساب، والنصرة على الدوام في المنع من مقالات العوام في ثلاث مجلدات، وبغية الصالحين في تعداد الطواعين، وتظهير الشريعة في قتل ابن صنيع ، والفتح الناصح في إجلاس الصالح تكلم فيه على آية أن ولي الله الذي نزل الكتاب، واللطف المبرور في لغة الصدور، والعناية الإلهية في الخطط المدنية. ولد أذان العصر يوم السبت العاشر من جمادي الأخير سنة ثمان وستين وسبعمائة، وتوفي رابع عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وثمانمائة. اه.

محمد بن محمد الأنصاري الزموري نزيل طيبة. ولد بزمورة من أقصى الغرب وبها نشأ ثم استوطن المدينة، منشداً قوله:

ببابكم حط الفقير رحاله * وما كان عند منكم متوسلا
لقد جاء يبغي من نداكم قراءة * وللعفو والإحسان أم موملا

ثم رجع إليها منشداً لغيره:

لا كالمدينة منزل وكفى بها * شرفاً حلول محمد بفناها
حظيت ببهجة خير من وطئ الترى * وأجلهم قدراً فكيف تراها

وكان عالما مدرساً في الفقه والعربية واستفاض بين كثير في المدينة أنه يختم القرآن بين المغرب والعشاء وممن أخذ عنه الشهاب أحمد بن عقبة القفصي وتأخر إلى بعد الأربعين. اه من الضوء اللامع للسخاوي.

محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن الإاما أبي الفضل التلمساني، الإمام العالم العلامة الحجة النظار المحقق العارف الأدرى الرحلة أحد أقران الإمام ابن مرزوق الحفيد شهر بابن الإمام من بيت علم وشهرة وجلالة. قال الحافظ التنسي: شيخنا صدر البلغاء وتاج العارفين وأظروفة الزمان أبو الفضل. اه.

قال السخاوي: ارتحل في سنة عشر وثمانمائة فأقام بتونس شهراً ثم قدم القاهرة فحج منها وعاد إليها. ثم سافر في اثني عشر للشام فزار القدس. وتزاحم عليه الناس بدمشق حين علموا فضله وأجلوه. ذكره المقريزي في عقوده وقال: إنه صاحب فنون عقلية ونقلية، قل علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة. اه.

وقال أبو العباس الونشريسي: هو شيخ شيوخنا، له قدم راسخ في البيان والتصوف والأدبيات والشعر والطب وهو أول من أدخل للمغرب شامل بهرام وشرح المختصر له وحواشي التفتازاني على العضد، وابن هلال على ابن الحاجب الفرعي وغيرها من الكتب الغربية. وتوفي عام خمسة وأربعين وثمانمائة. اه.

وذكره القلصادي في رحلته فقال: حضرت مجلسه وكان فقيهاً إماماً صدراً عالماً بالمعقول. اه.

قلت: وله كلام وأبحاث في التفسير تكلم فيها مع الإمام المقري في مسائله التفسيرية مفيدة كتبتها في غير هذا الموضع مع ما كتبت من فوائده التفسيرية. وأخذ عنه محمد بن مرزوق الكفيف ووصفه بشيخنا الإمام العالم النظار الحجة أبو الفضل ابن الإمام. وممن أخذ عنه بالشرق التقي الشمني شارح المغني، وذكر ما نصه: حدثنا شيخنا العلامة أبو الفضل ابن الإمام التلمساني إجازة أن لم يكن سماعاً. قال أخبرنا شيخنا القاضي سعيد العقباني قال: اجتمعت بمدينة مراكش بيهود يشتغل بالعلوم، فقال: ما دليلكم على عموم رسالة نبيكم؟ قال قلت: قوله بعثت للأحمر والأسود. فقال لي: هذا خبر آحاد لا يفيد إلا الظن والمطلوب في المسألة القطع. فقلت له قوله تعالى "وما أرسلناك إلا كافة للناس". فقال هذا لا يكون حجة إلا على من يقول بصحة تقدم الحال على صاحبه المجرور وأنا لا أقول بصحته. اه.

قال الشمني ويجاب بعد قيام البراهين القاطعة على رسالة نبينا صلا الله عليه وسلم كما هو مذكور في الكتب بأن هذا الحديث وإن كان آحاداً في نفسه متواتره معنى لأنه نقل عنه صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الدالة على عموم رسالته ما بلغ القدر المشترك منه التواتر وأفاد القطع وإن كانت تفاصيله آحاداً كجود حاتم وشجاعة علي. اه هذا ما قال، فتأمله.

قلت: والحجة القاطعة في ذلك قوله تعالى يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فهو نص قطعي ولعلهم لم يستحضروه ولله الحمد.

محمد بن سعيد الحباك القيجميسي المكناسي، أخو أحمد بن سعيد الخطيب المتقدم وشيخه. قال ابن غازي في الروض الهتون: شيخ شيوخنا الفقيه الصالح الزاهد الرباني المربي أبو عبد الله، كان والله أعلم في مقام الجلال لأن الغلب عليه القبض. وكان معاصره أبو محمد بن حمد في مقام الجمال لأن الغالب عليه البسط. اه.

محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز المعروف بالحاج عزيوز الصنهاجي المكناسي. قال ابن غازي: الشيخ الذكي المتفنن الحجة الحاج الرحلة أبو عبد الله، جود القرآن على الأستاذ ابن جابر وحفظ الحديث والتأريخ ونبغ في الطب. وارتحل للشرق ولقي به جماعة من الأعلام وأخذ عنهم كالإمام الحفيد وغيره. ورجع لبلده مكناسة وانتفع به شيخنا القوري كثيراً. وحدثني عند أنه نزل ببعض المشارقة فقدم له طعاماً عندهم يقال له البازين فلم يصب منه كبير شيء. فقال له ما لك لا تأكل؟ فقال إنه لم يكن بأرض قومي. فأجدني أعافه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فعلم أنه من أهل الحديث فبالغ في إكرامه.اه.

ثم رحل ثانية فمات هناك. فتزوج أبي زوجته رحمة بنت الجنان وهي أمي وكانت حفظت منه حديثاً كثيراً من الصحاح وكانت تحيط بحفظ الأدعية الواردة في الحصاح فحفظت منها كثيراً في صغري فلم أتعب في حفظها بعد الكبر. وعلمها كثيراً من تفسير قصص القرآن وأخباره. وكان جيد القريحة في الشعر. حدثني الشيخ المعمر أبو عبد الله بن الأستاذ ابن جابر، قال خرج مرة ينزههم وغفل عن تلميذه ابن عزوز فلم يدعه فعاتبه في ذلك يقوله:

ليت شعري وذاك ليس بمغن * ما يرد الفوات حرف التمنى
أي ذنب قارفته يا عمادي * فحرمنا من قربكم قرب عدن
ومنحنا الإعراض إذ أعرض النا * س فأعظم بذلك الذنب منه
وهب الذنب فيه يعظم هلا * منكم كان حسي عفو وظن

في أبيات.

محمد بن محمد بن إبراهيم الغرناطي، شهر بالصناع. قال أبو زكريا السراج في فهرسته: الشيخ الفقيه الخطيب المتخلق أبو عبد الله ابن الشيخ الفقيه الصالح المتبرك به السالك الناسك أبي عبد الله شهر بالصناع، شيخ خير من أهل الفضل متنواضع حسن الظن محب في طريق الصوفية مؤثر لأهلها. أخذ عن الأستاذ أبي محمد بن سلمون والمحدث أبي عبد الله محمد بن الولي أبي عبد الله الطنجالي وأبي عبد الله الساحلي وأبي الحجاج يوسف الفهري وأبي الحسن بن الحباب والقاضي المقري والخطيب ابن مرزوق التلمسانيين والخطيب اللوشي وغيرهم وأجازني وولدي. اه.

قلت: حق هذه الترجمة جعلها بأثر ترجمة الحفار فإنه من تلك الطبقة ووقع هنا في غير موضعة.

محمد بن محمد بن محمد بن حسن الشمني المغربي. اشتغل بالعلم في بلده ومهر فيه. وأخذ عن العراقي وتخرح به وبالبدر الزركشي في الحديث وتقدم فيه وتصرف ونظم نخبة الفكر وعمل متناً مستقلاً ومن نظمه:

من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة * يكن من الزيغ والتصحيف في حرم
ومن يكن آخذ للعلم عن صحف * فعلمه عند أهل العلم كالعدم

وولد سنة ست وستين وسمعمائة. اه من السخاوي

قلت: وهو والد العلامة تقي الدين الشمني الحنفي.

محمد بن أحمد الحفصي، الأمير ابن السلطان أبي العباس التونسي أخو السلطان أبو فارس صاحب تونس يعرف بالحسين. كان من جلة فقهاء تونس وعلمائها. كان علامة محققاً. أخذ عن ابن عرفة والقاضي أبي مهدي عيسى الغبريني وغيرهما. وله أجوبة مسائل الإمام أبي الحسن بن سمعة الأندلسي المنوعة حين وجهها إلى إفريقية، ذكرها القاضي الوزير أبو يحيى بن عاصم ونقل عنه أبو القاسم بن ناجي في شرح المدونة ونقل عنه في المعيار. ولم أقف على تأريخ وفاته.

محمد المسناوي، من معاصري ابن ناجي، نقل عنه في شرح المدونة. ولم أقف له على شيء.

محمد بن أحمد بن النجار التلمساني، الفقيه الفلامة الأصولي أبو عبد الله. أخذ عنه القلصادي وغرف به في رحلته، فقال: شيخنا الفقيه الإمام العلامة المتفنن السيد، كانت له مشاركة في العلوم النقلية والعقلية. قرأت عليه أبعاضأً من مختصر الشيخ خليل ومستصفى الغزالي وأصلي ابن الحاجب وحضرت عليه تفسير القرآن وبعض إرشاد إمام الحرمين ومنهاج البيضاوي والسلالجية وجمل الخونجي وتلخيص المفتاح غير مرة وقواعد القرافي وتنقيحه وبعض الأفية والمرادي والجمل وشيئاً من المدونة. وتوفي عام ستة وأربعين وثمانمائة. اه.

محمد أبو عبد الله الشريف التلمساني. قال القلصادي في رحلته: شيخنا الفقيه الإمام الصدر العلم الحسيب الأصيل السيد الشريف إمام مسجد الخراطين اختصر شرح التسهيل لأبي حيان قرأت عليه تلخيص المفتاح وبعض التسهيل لابن مالك ومفتاح الأصول للشريف التلمساني وحضرت عليه الألفية وبعض المرادي عليها وحمل الزجاجي وتنقيح القرافي. توفي عام سبعة وأربعين وثمانمائة. اه.

قلت: وتقدم الشريف أحمد التلمساني وهو غير هذا كما تقدم، فهما شخصان، والله أعلم.

محمد بن محمد بن سراج أبو القاسم الأندلسي الغرناطي، مفتيها وقاضي الجماعة بها الإمام العالم العلامة الحافظ الجليل حامل راية الفقه والتحصيل علامة بارعاً جليلاً جامعاً للفنون محصلاً قدوة. أخذ عن شيخ الشيوخ ابن لب والأستاذ الحفار والقاضي الحافظ ابن علاق وغيرهم. واشتهر بالعلم والإمامة. له تآليف منها شرحه الكبير على مختصر خليل أكثر المواق من النقل عنه في شرحه على المختصر. وله فتاوي كثيرة ذكر جملة وافرة منها في المعيار. ارتحل إلى تلمسان ولقي بها الإمام ابن مرزوق الحفيد وناظره، وإلى إفريقية ولقي بها جملة وناظرهم. ثم رجع للأندلس. أخذ عنه جماعة من الأئمة لكبار كالإمام العلامة قاضي الجماعة أبي يحيى بن عاصم الوزير والإمام المفتي أبي عبد الله السرقسطي والإمام إبراهيم بن فتوح والعلامة الراعي وقاضي الجماعة أبي عمرو بن منظور والعلامة المواق وغيرهم من الأكابر. وتوفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. قاله الونشريسي في وفياته.

محمد أبو عبد الله البياني، الأستاذالأندلسي الغرناطي. أخذ عن الإمام أبي إسحاق الشاطبي، وعنه القاضي الوزير أبو يحيى ابن عاصم، ونقل عنه في شرح التحفة.

محمد بن يوسف الصناع الأندلسي الغرناطي، أحد شيوخ أبي عبد الله المواق نقل عنه في غير موضع ونقل عنه في المعيار. لم أقف له على ترحمخة.

محمد بن عالم بن حسن البطرني الزياتي، الإمام أبو عبد الله. مات بتونس في ليلة العاشر من رمضان سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. اه من السخاوي.

قلت: وهو من شيوخ الرصاع نقل عنه في شرح آيات المغني.

محمد بن أحمد بن زاغو التلمساني، الفقيه العالم ابن الإمام العلامة. توفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة إثر قدومه من الحجاز. قاله الونشريسه في وفياته.

محمد بن محمد بن إبراهيم بن عقاب، وبه اشتهر الجذامي التونسي، قاضي الجماعة بها وأحد الأئمة القفيه العالم الحجة المحصل المحقق النافذ الناقد النظار ذو الفنون الصافية والتحقيقات البارعة .أخذ عن الإمام ابن عرفة وغيره وأجازه سعيد العقباني. كان أحد مدرسي تونس في الفنون. قال السخاوي: كان إماماً فقيهاً جليلاً رحلة. أخذ عن ابن عرفة. وله تلاميذ مشتهر بالفضل. أخذ عنه القلصادي وغيره. اه.

قلت: وممن أخذ عنه القاضي محمد بن عمر القلشاني والشيخ الرصاع والشيخ محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف. وذكره القلصادي في رحلته فقال: شيخنا وبركتنا أوحد زمانه العديم النظراء في عصره وأوانه الفقيه المحدث الأستاذ المقرئ الإمام العلامة القاضي العدل الأرضى أبو عبد الله بن عقاب، كان إماماً في الفقه والأصلين متوصل الجد لتحصيله وحصوله علماً من أعلام المعارف ومعلماً لأعلام الحلل المرضية والمطارف تفع بما وعى من العلم الأصلي المغرق وشفع ما استفاده من علماء تونس ما ساد به من النور المشرق. فنفع الله به بشراً كثيراً وجلع له في قلوب عباده من القبول حظاً كبيراً فتولى قضاء الجماعة وأجل المدارس فحصل له البغية وبه الإفادة وبرز في ميدان تدريسه بما برز وأحرز من خصال السبق ما أحرز من جلالة القدر وسلامة الصدر وحسن الخلق واعتدال الخلق وسهولة الإشارة وصياغة العبارة للبداوة والحضارة. فقام العباد بحقه وصدقوا أن لا يترشح أحد لسبقه فازدحموا لإفادته واقتسبوا من علمه ونور مشكاته. ثم تولى أخيراً إمامة جامع الزيتونة وكان من أذكياء تلاميذ ابن عرفة له ذهن وقاد وعقل منقاد وهمة عالية ودين متين كثير الخشوع عند قراءة القرآن. لازمت مجلسه وحضرت عليه في التفسير من سورة الحشر إلى آخر البروج وبعض مسلم والموطأ وكتباً شتى من التهذيب والرسالة والجلاب وفرعي ابن الحاجب، وسمعت عليه رواية جميع البخاري غير مرة وشفاء عياض، وقرأت عليه أبعاضاً من العمدة والتيسير والشاطبيتين والحوفية والجعدية في الميراث ومختصر ابن عرفة الفقهي والمنطق والطوالع وجمل الخونجي والحصار. وناولني الجميع وأجازنيه. وحضرت عليه مستصفى الغزالي والمنهاج والأربعين ومختصر الحوفية والبردة والشقراطيسية وأحكام الآمدي وتنقيح القرافي وذخيرته ونهاية الأصول وأبكار الأفكار وبعض نوادر ابن زيد وقواعد عياض وجمع الجوامع وروض الأزهار. وأجازني الجميع وكتب لي خطه. ثم بلغني وأنا بمكة بعد مفارقته أنه توفي يوم الاثنين سابع عشر جمادي الأولى عام أحد وخمسين وثمانمائة رحمه الله تعالى. اه ملخصاً.

محمد بن عبد القوري ابن محمد البجائي، عرف بأبيه وتفقه على أبيه والزين عبد الرحمن الفاسي والبساطي أيام مجاورته بها. وبلغني أنه أذن له هي الفتيا. ولد سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وتوفي سنة اثنين وخمسين وثمانمائة صح من السخاوي.

محمد بن عبد الحليم التجيب أبو عبد الله، يعرف بالجزائري، الفقيه الكاتب البارع. توفي سنة ثلاث وخمسين وثمانمائةز قاله الونشريسي.

محمد بن أحمد بن محمد بن عطاء الله، المتقدم أخوه بنحو ثلاث وأربعين ترجمة. أخذ الفقه عن الجمال الأقفهسي والشيخ محمد بن مرزوق الحفيد والشمس البساطي، وأخذ الحديث عن الولي العراقي والحافظ ابن حجر. وكان يذكر أن ابن عرفة أجاز له وليس ببعيد. استخلفه شيخه البساطي شريكاً للشهاب ابن تقي عند سفره ومجاورته ثم استقل في ذلك بعد وفاة البساطي. ومن نظمه ما ذكر أنه نظمه في منامه أيام طاعون سنة سمع وأربعين وثمانمائة وأوصى أن يدفن معه:

إله الخلق قد عظمت دنوبي * فسامح ما لعفوك من مشارك
اغث يا سيدي عبداً فقيراً * أناخ ببابك العالي ودارك
قال السخاوي: وله مما يقال على قافيتين مما ابتكره شيخنا:
جفوت من أهواه لا عن قلي * فظل بجفوني يروم الكفا
ثم وفى لي زائراً بعده * خطاب شهير من حبيب وفا

وكان رئيساً عالماً فصيحاً طلقاً مفرط الذكاء جيد التصور سخياً في إسداء المعروف للطلبة كثير المداراة مهيباً. توفي يوم الاثنين ثالث عشر صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. واستقر بعده في القضاء ولي الدين البساطي. اه من السخاوي.

محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل الأندلسي الغرناطي، شهر بالراعي، الفقيه النحوي العالم العلامة أبو عبد الله. أخذ العلم ببلده عن شيوخها الجلة كالإمام المحقق أبي الحسن ابن سمعة والإمام القاضي ابن القاسم السراج وغيرهما. ثم ارتحل إلى مصر في حدود خمس وعشرين وثمانمائة فقلي بها الحافظ ابن حجر وأخذ عنه. قال السيوطي: ولد بغرناطة سنة نيف وثمانين وسبعمائة واشتغل بالفقه والأصول والعربية ومهر فيها واشتهر بها. ودخل القاهرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة. وحج واستوطنها وأقرأ بها وانتفع به جماعة وأم بالمؤيدية. وله نظم وشرح الأففية والآجرومية. حدث عنه ابن فهد. ومات سابع عشر رجب سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. اه.

قلت: وأخذ عنه البرهان البقاعي. قال السخاوي: وله شرح القواعي ونظم وسط. اه.

قلت: ومن تآليفه كتاب انتصار الفقيه السالك لمذهب الإمام الكبير مالك في أربعة كراريس حسن في موضوعه. وله النوازل النحوية في عشرة كراريس فيه فوائد حسنة وأبحاث رائقة تكلم معه في بعضها أبو عبد الله ابن الإمام محمد بن العباس التلمساني اآتي. وذكر بعضهم أنه احتصر شرح الإمام ابن مرزوق على خليل من الأقضية لآخره. قالوهو مما يدل على شرف الشرح المذكور وكونه في الذروة العليا. اه.

وله شرحان على الجرومية.

محمد بن أحمد بن العافية المعروف بالأجول المكناسي. قال في الروض الهتون: شيخ شيوخنا الفقيه الخير الصالح الناصح أبو عبد الله، كان عيبة نصح لشيخنا الفوري وانتفع به كحثيراً. وله موضوع في المسائل الواقعة في المدونة في غير مواضعها. وكان أبوه أبو العباس أحمد قاضياً بالمدينة المذكورة، فعرضت عليه الخطة بعد أبيه فزهد فيها. اه.

محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الفاسي الأصل القسنطيني التونسي. كان بارعاً في الفقه متقدماً فيه. صح من الضوء اللامع.

محمد بن إبراهيم بن علي بن فرحون أبو عبد الله، الفقيه العالم مؤلف المسائل الملقوطة جمع فيها فروعاً حسنة. أخذ عن الجمال الأقفهسي وأبي عبد الله الوانوغي والشمس البساطي وغيرهم. ولم أقف على وفاته.

محمد بن علي المديوني أبو عبد الله شهر بابن آملال الفاسي، الفقيه المدرس الأفضل العلم الأجل الأوجه الأكمل. كذا وصفه بعضهم. وقال الشيخ أحمد زروق: الشيخ الفقيه الصدر العلم مفتي المسلمين أبو عبد الله عرف بابن آملال، كان متواضعاً حضرياً فقيهاً فهاماً ضخماً. ولي الفتيا بعد تأخير الشيخ القوري أياماً. ثم مات فعادت إليه. صليت خلفه بمدرسة الخلفاء وبين أيام ولايته وحضرت جنازته يوم مات سنة ست وخمسين. ومات معه في ذلك اليوم الفقيه المزروالي، وكان لهما مشهد عظيم. وذكروا أنه مات في باب الفتوح رجل بالزحام للجنازة. صح من كناشته. ونقل عنه ابن غازي في غير موضع، ووصفه بالإمام المحقق. أخذ عنه الشيخ إبراهيم بن هلال الفيلالي ووصفه في نوازله بالعلم التحقيق.

محمد بن إبراهيم الصباغ الأندلسي الغرناطي. نقل عنه الراعي في شرح الألفية. ولم أقف على ترجمته.

محمد بن محمد بن علي بن محمد أبو القاسم النويري، نسبة إلى قرية من قرى صعيد مصر الأدنى. ولد بالميمون بقرب نويرة وقدم القاهرة فحفظ القرآن ومختصر ابن الحاجب الفرعي وألفية ابن مالك والشاطبيتين. ولازم البساطي في الفقه وغيره من العلوم العقلية وأذن له في الإفتاء والتدريس. وأخذ العربية والفقه عن الشهاب الصنهاجي والفقه عن الجمال الأقفهسي. وناب في القضاء عن شيخه الشمس البساطي. ثم تركه ولم يزل يدأب في التحصيل حتى برع في الفقه والأصلين والنحو والصرف والعروض والقوافي والمنطق والبيان والمعاني والحساب والقراءة. وصنف في أكثرها وأكمل شرح المختصر لشيخه البساطي وذلك من السلم إلى الحوالة في كراريس، وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعي سماه بغية الراغب، وعلى أصليه أيضاً لكنهما في المسودة، وتنقيح القرافي في مجلد سماه التوضيح على التوضيح، وأرجوزة في النحو لطيفة الحجم ومنظومة سماها المقدمات وفي القراآت الثلاثة الزائدة على السبعة لأبي جعفر ويعقوب وخلف، وشرحها، ونظم النزهة لابن الهائم في أرجوزة نحو مائتي بيت، وشرحها في كراريس، وعمل قصيدة دون ثلاثين بيتاً في علم الفلك، وشرحها، وشرح طيبة النشر في القراآت العشر لشيخه ابن الجزري في مجلدين، والفول الجاذ لمن قرأ بالشاذ، وكراسة تكلم فيها على قوله تعالى "إنما يعمر مساجد الله"، وأخرى فيها أجوبة على إشكالات معقولية، وأخرى من نظمه فيها أشياء فقهية. ومن نظمه:

وأفضل خلق الله بعد نبينا * عتيق ففاروق فعثمان مع علي
وسعد سعيد وابن عوف وطلحة * عبيدة منهم والزبير فتم لي.

ولد في رجب سنة إحدى وثمانمائة، وتوفي بمكة رابع جمادي الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة.

محمد ابن إبراهيم الشران الأندلسي الغرناطي. وصفه بعضهم بالشيخ الفقيه الرئيس الصدر العلامة العماد الذخر العلم الأرفع الأوحد الأمجد الذي لا يجاري في الإنشاء والاختراع كلاماً جزلاً وقولاً فضلاً رئيس كتبة الحضرة العلية أبو عبد الله ابن الشيخ الفاضل الماجد الرفع الأعز الأوجه أبي إسحق. كان حياً سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. له منظومة حسنة في الفرائض وقفت عليها، وشرحها القلصادي كما تقدم في ترجمته. ومن نظمه:

داوم حال من المحال * واللطف موجود على كل حال
والنصر بالصبر محلي الظبا * والجد بالجد مريش النبال
وعادة الأيام معهودة * حرب وسلم والليالي سجال
وما على الدهر اتنقاد على * حال فإن الحال ذات انتقال
من الليالي بائتلاف وكم * من اعتبار في اختلاف الليال
أخذ عطاء محنة منحة * تفرق جمع حلال جمع جمال
حي انتظام وانتثار معا * كأنما هذي الليالي لآل
وهل سنا الصبح وجنح الدجا * لخلقه الأضداد الأمثال
الظلم الحمك على نورها * تدل والعسر بيسر بدال
والسيف قد يصدأ في غمده * ثم يخلي صفحتيه الصقال
والشمس بعد الغيم تجلى كما * للغيث بعد القنوط انهمال
والفرج الموهوب تجري به * لطائف لم تجر يوماً ببال
فصابر الدهر بحاليه من * حلو ومر واعتداء واعتدال
فما له صبر على حالة * وإنما الصبر حلي الرجال
ولا يضق صدرك من أزمة * ضاقت فصنع الله رحب المجال.

وله أيضاً:

لما اختفت شمسك عن ناظري * أرسلت منه مطر الدمع
وأقبلت ظلمة ليل النوى * فما ترى في رخصة الجمع

حكاية: ذكر أنه لما صرف الفقيه أبو الفضل ابن جماعة عن رئاسة الكتابة بغرناطة إلى قضاء الجماعة بها وولي مكانه صاحب الترحمة أبو عبد الله الشران لقي بعض رؤساء الدولة ابن جماعة يوماً فقال له: إن السر الذي عهدناه في الحضرة غاب عنها بغيبتك. فقال له وكيف لا وقد تركتم الفضل المجموع وأخذتم الشر المكرر. ثم إن ابن جماعة كان عنده اعذار فدعا أعيان البلد ولم يدع الشران. فكتب إليه الشران:

ماذا أعد المجد من إعذاره * في ترك دعوتنا إلى إعذاره
إن كان رسم دون محضرنا اكتفى * لا بد أن يبقى على إعذاره.

قال الحافظ التنسي بعد نقله ما تقدم والشران المذكور ممن له باع مديد في الشعر وتصرف حسن. اه.

محمد بن محمد بن يحيى عرف بابن المخلطة، بكسر اللام كما ضبطه ابن فرحون والمحفوظ الفتح. اشتغل بالفقه على أئمة عصره كالجمال القفهسي والساطي ومن هو أقدم منهما. وناب في القضاء قديماً وتصدر لذلك وراج أمره فيه لمعرفة الأحكام واستحضاره لفروع مذهبه. وكان مقداماً بحيث يندب لأمور ذوي الوجاهات. واستقر في تدريس الفقه بالأشرفية على الزين عبادة وذكر للقضاء الأكبر. ولد تقريباً سنة تسعين وسبعمائة، وتوفي في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثمانمائة. صح من السخاوي.

محمد ابن سعيد بن محمد الزموري، عرف بابن سارة. تفقه بعالم بلده القاسم ابن إبراهيم وأخيه محمد. وقدم تونس في رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. ثم قدم مكة في موسمها. وكان كثير التلاوة صلباً في دينه لا يعرف الهزل فضلاً عن الكذب. ووصفه ابن عرفة بشيخنا وفقيهنا. توفي في صفر سنة ستين وثمانمائة.

محمد بن محمد التميمي المعلقي. قال ابن سلامة البسكري: شيخنا الإمام العالم العلامة الحافظ المحقق. أخذ عن الإمام إمام المغمرب محمد بن مرزوق. وحدثني عنه أنه أراد ركوب البحر من تونس في مركب فأخذ الفأل في المصحف فوقع له و"اترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون"، فترك الركوب في ذلك الوقت، فغرق ذلك المركب. ثم إنه أتى مركب آخر فأراد الركوب فأخذ المصحف ونظر فوقع له قوله وقال "اركبوا فيها" الآية فركب رحمه الله ولقي السلامة. قال البسكري في هذا دليل جواز أخذ الفأل من المصحف مع أنه مكروه فهو كرامة في حق الشيخ رحمه الله تعالى. اه.

قلت: بل ذلك يدل على جوازه عنده إذ مثله لا يقدم على ما هو مكروه لجلالته علماً وديناً على أن الشيخ أبا الحسن الزرويلي حكى في التقييد على الطرطوشي أن أخذه الفأل من المصحف من الاستقسام بالأزلام، وأقره، وأظنه في آخر كتاب الصيد والضحا يا فانظره.

محمد ابن محمد بن عبد اللطيف الأموي المحلي شهر بالسنباطي، بسين مهملة ثم نون ثم باء موحدة، نسبة لقرية من قرى مصر، الشيخ ولي الدين. قال السخاوي: أخذ الفقه عن الأقفهسي والبساطي وغيرهما، وسمع الحديث على علاء ابن أبي المجد والحافظ ابن حجر. وأذن له الأقفهسي في التدريس والإفتاء بما يراه مسطوراً لأهل المذهب في سنة تسع عشرة وثمانمائة. وناب بالقاهرة عن الشمس المدني، وعين للقضاء بالقاهرة وتولاه بعد البدر التنسي في تاسع صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. والتمس منه البقاعي الحكم بصحة التزام مطلقة أنه كلما تحركت لطلب ولده المرضع منه أو التمست نظره عليها كان عليها خمسمائة دينار ونحو ذالك. فصمم على الامتناع. وكان إنساناً حسناً متواضعاً لين الجانب متردداً ثبتاً في الأحكام وفي أمر الدماء. وله نظم حسن، فمنه أول قصيدة حين حج:

يا هجرة المختار خيرالورى * محمد الهادي سواء السبيل
لعل قبل الموت إني أرى * ضريحك السامي وأشفي الغليل.

توفي يوم الخميس في رجب سنة إحدى وستين وثمانمائة. واستقر بعده في القضاء الحسام ابن حريز. اه من الضوء اللامع.

محمد بن سعيد التونسي، يعرف بالغفقي، من نظراء أبي القاسم القسنطيني ترافقاً في الأخذ عن يعقوب الزغبي وغيره ممن تقدم في الفقه. ودرس وأفتى وانتفع الناس به. مات بعد الستين. صح من السخاوي.

محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، مكرر خمس مرات، ابن عاصم القيسي الغرناطي الأندلسي، قاضي الجماعة بها أبو يحيى العلامة الحافظ النظار الوزير الجليل الرئيس المعظم الكاتب الخطيب البليغ الشاعر الفصيح الجامع الكامل. ذكر أنه تولى اثنتي عشر خطة في وقت واحد من القضاء والوزارة والكتابة والخطابة والإمامة وغيرها مع إمامته وتقدمه في العلوم والفنون وتضلعه بالحفظ والتحقيق من أكابر علمائها وفقهائها الجلة. أخذ عن الإمام المحقق أبي الحسن بن سمعت والإمام القاضي ابن سراج والمحدث الراوية المنتوري وأبي عبد الله البياني والشريف أبي جعفر بن أبي القاسم السبتي وغيرهم. وذكر في شرحه على تحفة والده في الأحكام أنه تولى القضاء عام ثمان وثلاثين وثمانمائة. وله تآليف منها شرحه الحسن على تخفة الحكام لوالده القاضي أبي بكر بن عاصم في الأحكام وفيه فقه متين وتصرف عجيب ونقل صحيح. وله الروض الأريض في ذيل الإحاطة لابن الخطيب في أسفار، وجنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى وتآليف وتعاليق في مسائل. ووقع بينه وبين عصريه الإمام المفتي الصالح أبي عبد الله السرقسطي نزاع في مسائل ومراجعات مع التزام كل منهما حسن الأدب مع صاحبه شأن سادات العلماء. نقل عنه في المعيار في مواضع. توفي على ما قيل ذبيحاً من جهة السلطان، ولم أقف على وفاته.

محمد بن قاسم الأنصاري أبو عبد الله التلمساني، ويعرف بالمري. قال الونشريسه في وفياته: شيخنا ومفيدنا المقدم. توفي بعد عيد الأضحى سنة أربع وستين وثمانمائة.

محمد بن سليمان بن داود الجزولي أبو عبد الله. ولد بجزولة واشتغل بها ستة عشر عاماً في الفقه والعربية والحساب على أبي العباس الخلقاني وأخيه عبد العزيز وقاضيها وآخرين. ولقي بتونس حين دخلها أبا القاسم البرزلي وغيره، بالقاهرة في أواخر سنة أربعين البساطي. ودخل مكة في سنة إحدى وأربعين. ثم سار منها إلى المدينة. ثم عاد إلى مكة وتصدر للتدريس مع الإفتاء. وكان بارعاً في الفقه والأصلين متقدماً في العربية. ولد سنة ست وثمانمائة، وتوفي في يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأخير سنة ثلاث وستين وثمانمائة. اه من الضوء اللامع. وليس هذا صاحب دليل الخيرات، وإن توافقا اسماً واسم أب ونسباً وزماناً وسيأتي هو قريباً.

محمد بن أبي القاسم ابن محمد بن عبد الصمد المشذالي، البجاتي العلامة أبو الفضل ابن العلامة أبي عبد الله. قال السيوطي: هو أحد أذكياء العالم، اشتغل بالمغرب وقدم في حياة والده وأقرأ بمصر وغيرها وأبان عن تفنن في العلوم فقهاً وأصولاً وكلاماً ونحواً وغيرذلك. وأخذ عنه طلبة العصر. ومات بحلب سنة نيف وستين وثمانمائة. اه.

وقال غيره أبو الفضل المشذالي: ولد العلامة أبي عبد الله حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ونصف. ورحل في سنة أربعين وثمانمائة إلى تلمسان فبحث على الحفيد الإمام ابن مرزوق العالم الشهير وأبي القاسم العقباني وأبي الفضل ابن الإمام وأبي العباس بن زاغو وأبي عبد الله محمد النجار. وقال البقاعي في العنوان حدث عن العلامة ابن مرزوق وقاسم العقباني وابن الإمام وغيرهم من فضلاء المغاربة وقال ابن مرزوق: ما عرفت العلم حتى قدم على هذا الشاب. فقيل له كيف؟ قال لأني كنت أقول فيسلم لي كلامي، فلما جاء هذا الفتى شرع بغاز فشرعت أتحرز وانفتحت لي أبواب المعارف. وقال السخاوي: ولد ليلة نصف رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. قال السيوطي في أعيان الأعيان: هو محمد بن محمد بن أبي القاسم المشذالي الإمام العلامة نادر الزمان أبو الفضل المغربي ابن الشيخ العلامة الصالح أبي عبد الله الشهير في الغرب بابن أبي القاسم. ولد بعد عشرين وثمانمائة واشتغل في الفنون على والده ومشايخ بلده في أنواع العلوم العقلية والنقلية واتسعت معارفه وبرز على أقرانه بل على مشايخه وشاع ذكره وملأ الأسماع وصار كلمة إجماع، كان أعجوبة الزمان في الحفظ والذكاء والفهم وتوقد الذهن. شرح جمل الخونجي. ومات سنة خمس وستين وثمانمائة. اه.

وقال القلصادي في رحلته: وقع إجتماعنا في مصر بصاحبنا الفقيه الإمام الفذ في وقته ذي العلوم الفائقة والمعاني الرائقة أبي الفضل المشذالي. لم أر مثله في تحصيل العلوم وتحقيقها. أخذ في كل علم بأوفر نصيب وضارب فيه بسهم مصيب وتذكرنا أزماناً مضت لنا بتلمسان، فيا له من ليال وأيام مع سادات أعلام:

أحاديث أحلى في النفوس من المن * وألطف من مر النسيم إذا سرى. اه.

محمد بن أبي محمد بن القاسم، أخو الذي قبله وشقيقه. قال بن عزم: كان فقيهاً. توفي في محرم عام تسعة وخمسين وثمانمائة. اه من السخاوي في تأريخ أههل المائة التاسعة. اه.

فعلى هذا وما تقدم يكون مات هو وأخوه مما قبل أبيهما والله أعلم.

محمد بن أحمد بن يحيى التلمساني شهر بالحباك، الشيخ الفقيه العالم العلامة الأجل الصالح والعدل الفرضي العددي أحد شيوخ الإمام السنوسي، قرأ عليه على ما قاله تلميذه الملالي كثيراً من علم الأسطولاب. وشرح أرجوزته فيه المسماة بغية الطلاب في علم الأسطولاب، ونقل عنه فيه أشياء من فوائد هذا العلم. وله أيضاً شرح تلخيص ابن البنا، ونظم رسالة الصفار في الأسطولاب. وفي وفيات الونشريسه: توفي الفقيه الفرضي العددي أبو عبد الله الحباك شارح تلخيص ابن البنا ورجز التلمساني في سنة سبع وستين وثمانمائة. اه.

محمد ابن الحسن بن مخلوف الراشد شهر بأبركان أبو عبد الله. وصفه الشريف محمد بن علي التلمساني: شارح الشفا بالعالم الحافظ أبي عبد الله ابن الشيخ الشهير بالولاية والزهد والعلم. اه.

وله تآليف منها ثلاثة شروح على الشفا أكبرها في مجلدين سماه الغنية ذكرها التلمساني المذكور في طالعة شرحه. وله أيضاً تعليق رجال ابن الحاجب وغيرها. قال الونشريسي في وفياته: توفي المحدث الحافظ أبو عبد الله بن الحسن بن مخلوف سنة ثمان وستين وثمانمائة. اه.

محمد بن أحمد بن عمر ابن شرف، عرف بالقرافي، العلامة شمس الدين سبط العارف بالله أبي حمرة. قال السخاوي: ولد في العشر الأخيرة من رمضان سنة إحدى وثمانمائة، وحفظ القرآن وصلى به عشراً والعمدة والرسالة والشاطبية وألفيتي العراقي وابن مالك والمنحة والحاجبية وغالب التسهيل. أخذ النحو عن والده وناصر الدين البارنباري وغيرهما والفقه عن الجمال الأقفهسي والشمس الدفزي وأصوله عن المجد البرماوي والصنهاجي والفرائض والحساب ومصطلح الحديث عن ابن حجر ولازم البساطي كثيراً وانتفع به في الفقه والنحو والأصلين والمعاني وسمع عليه غالب شرحه لمختصر الشيخ خليل. وجود الخط على ابن الصائغ. وسمع الحديث على غير واحد كالشرف ابن الكويك والجمال ابن الحلي وابن فضل الله والشموس الشامي وابن البيطار وابن الجزري والزين والزركشي نوالولي العراقي. ودخل الاسنكدرية مراراً. وحج مرتين وجاور سنة ست وثلاثين. ودخل دمشق فسمع بها على ابن ناصر الدين وبيت المقدس. ودخل دمياط وبرع في الفقه وأصوله والعربية وغيرها. وفاق الناس في التدقيق بحيث كان يملي في وقت واحد على اثنين من مسطورين مختلفين بل على ثلاثة ولا يجف قلم واحد منهم فيما بلغني. اه.

قلت: وأعظم من هذا ما ذكر عن لسان الدين ابن الخطيب السلماني صاحب تأريخ غرناطة أنه كان يملي في وقت واحد على سبعة أنفس من إنشائه بأمور مختلفة ولا يجف لواحد منهم قلم، وهذا غاية ما يكون من البراعة يكاد أن لا يقبله العقل، أخبرني به بعض أصحابنا بمراكش والله أعلم بصحته. قال السخاوي: كان صاحب الترحمة يتوقد ذكاء مع الخط البديع والعبارة الرائعة قل أن تجتمع محاسنه في غيره حسنة من حسنات الدهر. ناب عن شيخه البساطي بعد سنة خمس وثلاثين فحمدت سيرته وصار بالمحل الجليل عند الأكابر مع بذل الجهد في إنفاذ الأحكام. وكان قاضي المذهب ودرس بالقمحية عقب البساطي والبرقوقية عقب أبي الجود وتصدر بجامع عمرو. وصار الاعتماد في الفتاوي عليه لمزيد اتقانه واختصاره وتحريره وحسن إدراكه لمقاصد السائلين. وحدث وعظمت رغبته في السماع والإسماع. توفي بعد مرضه بالريق والسعال وحبس الإراقة وضيق النفس ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجة سنة سبع وستين وثمانمائة. اه.

وقال البقاعي في العنوان: صلى عليه العلم صالح البلقيني ودفن بالقرافة بقرب تربة جده. وتأسف عليه الناس وهو جدير بذلك فإنه لم يخلف في مالمكية مصر مثله. اه.

قال حفيده البدر القرافي العصري: كتب على الثلث من مختصر خليل إلى قولة في أول النكاح، وشرحاً لطيفاً على الجرومية سماه الدرر المضيئة. وأخبرني والدي أن له كراسة في مسألة إحداث الكنائس. اه.

محمد بن مبارك القسنطيني، نزيل المدينة المشرفة استوطنها مدة. تقدم في العلوم حتى أقرأ في الفقه والعربية. مات سنة ثمان وستين وثمانمائة. اه من السخاوي.

محمد بن سليمان الجزولي، الشيخ العالم العارف الولي الصالح القطب. كان فقيهاً. ألف في التصوف، وله كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عمت بركته في الأرض. قال بعضهم في وصفه نخبة الدهر ووحيد العصر محيي الطريقة بالمغرب بعد درسها وشمس الحقيقة عند طمسها. وكان ببلاده وقت قتال انفصل فيه الصفان عن قتيل تبرأ كل من قتله، ولم يحضره هو فأراد إصلاحهم، فقال لهم أنا قتلته، وعادتهم إخراج القاتل من بينهم فيسطلحوا. فخرج لطنجة فلقي بها صديقة فمنعته من سفر الشرق. وكان يحفظ فرعي ابن الحاجب فرجع لفاس وقيد بها دلائل الخيرات وفيها لقيه الشيخ زروق. ثم رجع للساحل ولقي به أوحد وقته الحفيد أبا عبد الله امغار الصغير فأخذ عنه. ثم انقطع في الخلوة أربعة عشر سنة، ورده نهاراً أربعة عشر ألف بسملة وسلكتين من دلائل الخيرات وبالليل سلكة منه وربع القرآن. ثم خرج للانتفاع به وظهر له كرامات. ولما نقل تابوته الذي دفن فيه بعد سبع وسبعين سنة وجد لم يتغير منه شيء، حدث بذلك من شاهده. اه.

وتوفي مسموماً في الركعة الأولى من صلاة الصبح سادس ربيع الأول عام سبعين وثمانمائة.

محمد القماح المغربي، أحد تلاميذ أبي القاسم البرزلي. وذكر أنه سأل البرزلي عما جرى به العمل فيمن أشهد على نفسه جماعة يعرفه بعضهم أن لمن لا يعرفه منهم أن يشهد عليه أنه يذكر في شهادته عليه ما نصه: ولمعرفته بالموجب. وقال إنه زيادة حسنة. فقال صاحب الترجمة للبرزلي: ما معناها عندهم؟ فأجابه بأن الموجب بكسر الجيم وأن ذلك يقوله الشاهد فيمن عرف عينه واسمه وجهل نسبه ومسكنه ووقع التعريف به في ذلك وذكره تقوية، فإن كان مشهوراً فلا يحتاج إلى حضوره، وإلا فلا بد من الشهادة على عينه عند الحكم. اه.

قال العلامة ابن غازي والذي ينقدح لنا فيه أن المصدر مضاف للمفعول وأن المعنى أن الشاهد يشهد بمعرفة المشهود عليه بالوجه الذي يوجب صحة الشهادة عليه، فهو إحالة على فقه المسألة من خارج كقولهم وحازه بما يحاز به الجزء المشاع وحينئذ يتناول مسألة البرزلي.

محمد بن علي، القاضي نور الدين الرهوني. أخذ عن أبيه وعن البساطي وغيرهما. وناب عن البساطي فمن بعده. وكان فاضلاً فهماً في الفقه والفرائض والعربية. مات سنة سبعين وثمانمائة.

محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي، شهر بابن العباس التلمساني، الإمام العلامة المحقق المتفنن المحصل القدوة الحجة المفتي الصالح الحافظ المتقن البركة، هكذا وصفه بعضهم. كان إماماً نظاراً. وقال القلصادي في رحلته: كان إماماً فقيهاً متفنناً في علوم. وقال المازوني في أول نوازله: شيخنا الإمام الحافظ المتفنن بقية الناس أبو عبد الله بن العباس. وقال الخطيب ابن مرزوق حفيد الحفيد: شيخنا ومفيدنا العالم المطلق الإمام الشهير الكبير السيد. وقال ابن غازي في ترجمة شيخه الورياجلي من الفهرست عنه، وقال: ومن شيوخي العالم المحقق أبو عبد الله ابن العباس قرأت عليه جملة صالحة من شرح التسهيل لمؤلفه وبعض جمل الخونجي. وجالسته في مهمات من مسائل الفقه، فرأيت دخلته مملوأة الجراب. اه.

وبالجملة فهو من أكابر علماء تلمسان وأكبر أئمة وقته بها. أخذ عن الإمام ابن مرزوق الحفيد وقاسم العقباني وغيرهما، وعنه جماعة كالمازوني وابن زكري والتنسي والكفيف ابن مرزوق والسنوسي والونشريسه وابن صعد والخطيب الحفيد ابن مرزوق وغيرهم. وله تآليف كشرح لأمية الأفعال في التصريف، وشرح جمل الخوندجي، والعروة الوثقى في تنزيه الأنبياء عن فرية الإلقاء في كراريس وغيرها، وفتاوي عدة مذكور بعضها في المازونية والمعيار. توفي بالطاعون آخر عام أحد وسبعين ودفن بالعباد. وقال الونشريسه في وفياته: توفي شيخ شيوخنا شيخ المفسيرين والنحاة العالم على الإطلاق ثامن عشر ذي الحجة عام أحد وسبعين. اه.

محمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني التلمساني، الفقيه العالم العلامة الحاج الرحلة المتقن البارع ولي قضاء الجماعة بتلمسان. أخذ عن جده الإمام قاسم وغيره. وأخذ عنه أبو العباس الونشريسي وأحمد بن حاتم وغيرهما. وقال الشيخ زروق في كناشته: كان فقيهاً عارفاً بالنوازل وملكة في التصوف. اه.

توفي سنة إحدى وسبعين وثمانمائة في الثالث والعشرين من ذي الحجة.

محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري اللخمي المكناسي ثم الفاسي أندلسي الأصل شهر بالقَوري، بفتح القاف وسكون الوا وثم راء، نسبة لبلدة قرية من إشبيلية، الإمام العلامة المحقق. قال الوشريسي في رحليته: الفقيه البركة المعظم المفيد الصدر الأوحد العلامة الجامع المشار إليه في سماء تحقيق العلوم العقلية والنقلية الرفيع القدر والشأن لم يختلف في فضله وسعة علمه اثنان، تاج الأئمة الحفاظ ممن تكل عن ذكر أوصافه العلمية الألفاظ السيف الأقطع والبدر الأسطع الإمام القدوة المولى العماد المشاور حامل راية النص والقياس رأس العلماء والناس مفتي فاس العالم العامل، برز في تحقيق العلوم وفاز وعقد له في قلم الفنون اللواء والحفاز ابن الشيخ الفاضل الحسيب الأصيل الناصح الصالح الكامل النافع الخاشع المبرور أبي الفضل قاسم. اه.

وقال تلميذه ابن غازي في فهرسته: شيخنا الإمام الفقيه العالم العلم العلامة المفتي المشاور الحجة الأنوه الحافظ المكثر أبو عبد الله كان آية في التبحر في العلم والتصرف فيه واستحضار نوازل الفقه وقضايا التواريخ، مجلسه كثير الفوائد مليح الحكايات. وكان له قوة عارضة ومزيد ذكاء مع نزاهة وديانة وحفظ مروءة لا يأتي الزمان بمثله. لازمته في المدونة أعواماً ينقل عليها كلام المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء والموثقين ويطرز ذلك بذكر مواليدهم ووفياتهم وحكاياتهم وضبط أسمائهم والبحث في الأحاديث المستدل بها في نصر آرائهم، فمجلسه نزهة السامعين. سمعت عليه كثيراً من الموطأ وبعض سير ابن إسحاق بحثاً وبعض المدارك والجوزقي ووثائق الجزيري ومختصر خليل والمدونة والرسالة والتفسير والمرادي. أدرك من شيوخ مكناسة أبا موسى عمران الجاناتي رواية أبي عمران العبدوسي الذي جمع عنه التقييد البديع على المدونة وعليه اعتمد في قراءتها والشيخ المتفنن أبا الحسن علي بن يوسف التلاجدوتي أخذ عنه العربية والحساب والعروض والفرائض، عن الشيخ ابن جابر الغساني القراآت السبع، وعن أبي عبد الله الحاج عزوز الحديث والتأريخ والسير والطب، وعن الشيخ ابن غياث السلوي علم الطب وكان مجيداً فيه، وبفاس عن الشيخ المتفنن الفقيه العالم المحقق أبي القاسم التازغدري والشيخ الفقيه المحدث الحافظ أبي محمد العبدوسي باحثه كثيراً واستفاد منه مشافهة ومكاتبة وهو الذي ولاه التدريس بفاس، وولى الله الشيخ الصالح الفقيه الزاهد عبد الله بن حمد وغيرهم وإفاداته وإنشاآته لا ساحل لها، كان لايتنفس إلا بالفوائد. وكنت بمكناسة لما ارتحلت إليه أكاتبه بكل ما يعرض لي فيجيبني بما أحب وكان لسانه رطباً بلا إله إلا الله نسمعها جارية على لسانه في أثناء حديثه رحمه الله. ولد بمكناسة أول القرن، وتوفي عام اثنين وسبعين وثمانمئاة بفاس، ودفن بباب الحمراء. اه.

ثم ذكر ابن غازي اتصال سنده في الفقه لسحنون. وقال السخاوي في الضوء اللامع: كان متقدماً في حفظ المتون وفقيهاً. علق شيئاً على المختصر ولم ينشر وانتفع به الطلبة. أخذ عنه الفاضل أحمد زروق، وقال إنه مانت آخر ذي القعدة عام اثنين وسبعين وأنه سئل عن ابن عربي فقال اختلف الناس ما بين مكفر ومقطب والأولى الوقوف. اه.

قلت: أخذ عنه جماعة من أهل فاس وغيرهم كالشيخ إبراهيم بن هلال والشيخ عبد الله الرزوري شارح الشفا وأبي الحسن الزقاق القاضي المكناسي والمفتي أبي مهدي الأواسي وابن غازي وغيرهم. وأما شرحه على المختصر فذكر أبو الحسن المنوفي شارح الرسالة في شرح خطبة المختصر أن القوري شرحه في ثمان مجلدات. اه.

ولم أره لغيره ولا ذكر له البتة عند أهل فاس، والله أعلم.

فائدة: قال الشيخ ابن غازي حدثني صاحب الترجمة عن شيخه أبي عبد الله بن عبد العزيز أنه قال: سمعت العالم المحدث الحافظ الربان البلالي بمصر يقول حديث الباذنجان لما أكل له أمثل إسناداً من حديث ماء زمزم لما شرب له. قال شيخنا القوري وهذا عكس المعروف. اه.

قلت: ولعل النقل انقلب على ناقله سهواُ وإلا فالذي نقل البلالي المذكور في مختصر الإحيا خلافه بل صرح بأن حديث الباذنجان موضوع وضعته الزنادقة وأن حديث ماء زمزم صحيح وقد استوفيت كلامه وكلام غيره في تقييدي على المختصر في كتاب الحج والله أعلم.

محمد بن محمد بن عامر العامري. أخذ عن البساطي والشهاب ابن تقي. وناب في القضاء مدة عن البساطي. وولي قضاء دمشق ثم عزل. فتصدر للقراءة واستقر في تدريس الفقه بالشيخونية بعد الزين عبادة، ثم انتزع منه. وقد كتب على مختصر الشيخ خليل شرحاً سماه تفكيك الرموز والتكميل على مختصر خليل لم يكمل، وقفت منه على مجلد وصل فيه إلى الحج، وامتنع ابن عمار من التفريط عليه لكثرة أوهامه، وكتب ابن حجر على المجلد المشار إليه: الحمد لله الفاح العلي،

لعمري لقد أوضحت مذهب ماك * بتفكيل رمز لائح للمسافر
وجودت ما سطرت منه مهذاباً * ومن أين للتجويد مثل ابن عامر.

محمد بن محمد بن محمد بن يحيي بن محمد الشيخ بدر الدين ابن المخلطة، تقدم أبوه. وأخذ الفقه عن أبيه وأبي القاسم النويري والبدر التنسي والزين طاهر ولازمه فيه وفي غيره، ولازم الشمني في الأصلين والتفسير والمعاني والبيان وغيرهم وقرأ عليه التلخيص وشرح المختصر والموقف الأول من المواقف وأماكن من شرح السيد والمقصد الأول من المقاصد ونبذة من المقصد الخامس ومعظم المطول وأصلي ابن الحاجب. وشرح العضد وحاشية التفتازاني. وأخذ عن الشمس الشرواني وابن الهمام، وسمع على ابن حجر وغيره. وكتب خطاً منسوباً وأذن له في الإفتاء والتدريس. وعظمه الأكابر كالشمني وابن الهمام وكان يعجبهما مناسبة تحقيقه وتدقيقه وجودة إدراكه وتأمله. وحج وجاور. وناب في القضاء عن الولي السنباطي واختص بالحسام ابن حريز وقرأ عليه في الجواهر لابن شاس ودرس للمالكية بالمؤيدة عوضاً عن الولي السنباطي. ودرس بأمر السلطان بالقميحية والإعادة بالصالحية وغيرها من الجهات. وشرع في شرح مختصر ابن الحاجب فكتب مواضع متعددة. وكان إماماً علامة ذكياً متقناً جم الفضائل وافر الفضل ذا سياسة ودربة. وتوجه في القضاء بالاسكندرية وأثنوا عليه فتعلل فاستأذن في القدوم فأجيب وقدم فلم تطل مدته. ومات بعد أيام ليلة السبت تاسع عشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة. اه من السخاوي.

محمد بن أبي بكر بن محمد عرف بابن حريز، قاضي القضاة حسام الدين الشريف الحسني. ولد في العشر الأخير من رمضان سنة أربع وثمانمائة، وتفقه بالزين عبادة والعماد المقرئ، وسمع على الولي العراقي بعض الحديث. ولازم المطالعة في كتب العلم والتفسير الحديث والتأريخ والأدب. استقر بعد موت القاضي ولي الدين السنباطي في تاسع عشر رجب سنة إحدى وستين وثمانمائة برأي القاضي جمال الدين ناظر الخاص، وقد قتل لسيف الشرع جماعة من المفسدين. واستقر بعده أخوه عمر المتقدم في المنصب. وتوفي مستهل شعبان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة. اه من السخاوي.

محمد ابن محمد بن محمد عرف بابن أبي القاسم النويري. حفظ الفرقان وتهذيب البرادعي ومختصر الشيخ خليل وألفيتي الحديث والنحو وألفية والده في النحو والصرف والعروض والقافية المسماة بالمقدمات ومختصره في العروض والشاطبيتين ونخبة ابن حجر وأصلي ابن الحاجب وغيرها. وأخذ عن التقي الحصري والسنهوري وغيرهما. وقرأ على بن أبي اليمين في فرعي ابن الحاجب وغيره. وما زال يترقي الخير بحيث صار يدرس. ولد سنة أربع وثمانمائة بالقاهرة، وتوفي ليلة الخميس تاسع رمضان سنة ثلاث وسبعين مطعناً. صح من السخاوي في الضوء اللامع.

محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي شهر بالجلاب التلمساني، الفقيه العالم العلامة أحد شيوخ الونشريسي والإمام السنوسي. كان السنوسي يقول عنه: إنه حافظ لمسائل الفقه. قال الملالي: ختم عليه السنوسي المدونة مرتين. اه.

وله فتاوي في المازونية والمعيار. ووصفه المازوني بصاحبنا الفقيه. قال الونشريسه في وفياته: شيخنا الفقيه المحصل الحافظ. توفي سنة خمس وسبعين وثمانمائة.

محمد البياني الأندلسي. قال القلصادي في رحلته: الشيخ الفقيه الوجيه الخطيب أبو عبد الله. قرأت عليه رسالة ابن أبي زيد وأواخر الألفية والنصف الأول من إيضاح الفارسي، وحضرت عليه كتباً في الفقه والعربية وغيرهما. توفي آخر شوال عام ستة وسبعين وثمانمائة. اه.

وتقدم لنا بياني آخر أقدم من هذا طبعة، فاعلم.

محمد بن محمد بن يحيى بن جابر الغساني المكناسي. قال ابن غازي: شيخنا الثبت الذكي الواعية أبو عبد الله ابن الشيخ الأستاذ الحافظ. استفدت منه كثيراً، ومن أغبط ما أخذت منه المصافحة المروية من طريق الخضر. اه.

محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد النميري الحميدي شهر بالسراج. قال ابن غازي في فهرسته: كان رواية عن أبيه وجده الشيخ الراوية المكثر الحافظ المسند الأكمل أبي زكرياء. أجاز جميع ما رواه من ذلك لي آخر ربيع الثاني عام ستة وسبعين وثمانمائة.

محمد بن أحمد بن محمد العمراني الفاسي الشريف الحسني الفقيه العالم المحصل [...]

محمد بن قاسم بن توزت التلمساني. قال تلميذه الإمام السنوسي: كان شيخاً صالحاً عالماً بالمنقول والمعقول والحساب والفرائض والأوفاق والخط والهندسة وبكل علم. قال: وما رأيته قط نظر في كتاب الأمرة واحدة أشكلت عليه مسألة هندسية، فنظر فيها كتباً كثيراة أياماً فلم يجده، فقال هكذا أتعب نفسي بالمطالعة فتركها وتدبر المسألة بعقله حتى أتقنها. قال: وكان شيخاً حسن الأخلاق سليم الصدر يقول لكم من جاءه للقراءة اقرأ في أي علم شئت. وليس له طعام مخصوص إنما يأكل من طعام مخلوط بطعام يعطي للسعاة من الديار. قال وكنت أحضره مع شبان لهم فهم ثاقب في الفرائض، فبنفس ما يشير عليهم بشيء فهموه وحصلوه. وأنا لا أفهم شيئاً فتخلفت عن مجلسه أياماً، ثم جئته ووجدته وحده. فقال لي تغيبت عنا؟ فقلت يا سيدي أنا لا أعرف شيئاً ولا أفهم شيئاً. فقال لي إن أردت القراءة تأتيني وحدك بعد العشاء. فكنت إذا صليت المغرب رفعت عشاء إلى الشيخ فيأكل كل منها حتى يكتفي. فإذا صليت العشاء يقول لي اقرأ فقرأت عليه جملة من الفرائض والحساب. ولازمته كثيراً وكنت أقرأ عليه جل الليل ولم أره يرقد إلا في بعض الليالي ينام وهو مستقبل. اه.

محمد بن الحسين بن محمد بن جماعة الأوربي النيجي شهر بالصغير. قال ابن غازي: شيخنا الأستاذ العالم الإمام العلامة الشهير الخطير الكبير وحيد دهره وفريد عصره. ما رأت عيناي قط مثله خلقاً وخلقاً وإنصافاً وحرصاً على العلم ورغبة في نشره واجتهاداً في طلبه وإدماناً على تلاوة القرآن وحسن نغمة وتواضعاً وخشية ومروءة وصبراً واحتمالاً وحياء وصدق لهجة وسخاء وإيثاراً مع قيام ليل وتبحر في القراءة وأحكامها وبلغ في علم النحو ما لم يصل إليه أشياخه ولا أترابه مع مشاركة في سائر العلوم الشرعية وحسن إدراك وقوة فهم وحب الخير للمسلمين. وربما حسد فدفع بالحسنة وصفح. لازمته كثيراً ختمت عليه بالسبع، وحدثني به عن شيخه أبي العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي موسى شهر بالفلالي وأبي الحسن والوهري وشيخه محمد بن أبي سعيد السلوي والحافظ الحجة أبي محمد العبدوسي. وأخذت عنه كثيراً من كتب القراآت والحديث دراية ورواية، ولازمته سنين في التفسير ينقل كلام ابن عطية والصفاقسي ويضيف إليه كلام الزمخشري والانتصاف والطيبي وغيرها وفي الألفية بالمرادي مستوفي مع أبحاث من كلام ابن أبي الربيع وأبي حيان وابن هانئ وأبي إسحق الشاطبي وغيرهم وأبعاضاً من كتاب سيبويه والإضاح والتسهيل والمغني وشرح بانت سعاد لابن هشام والبداية للغزالي وغيرها. وأجازني الجميع. ومن عادته إطالة البحث عما أشكل عليه حتى يقف عليه وعود لسانه، لا أدري يكررها مراراً في مجلس واحد وربنا قالها فيما يدري وربما حرر مسألة أتم تحرير، ثم يقول إنما خرجتها فعليكم بمطالعتها في كذا وكذا. وإذا تراخي من طلبته أحد أنشده:

ما هكذا يا سعد تورد الإبل *

أدرك شيخ الجماعة أبا مهدي بن علال وتلميذه أبا القاسم التازغدري والعكرمي وابن أملال وأبا راشد يعقوب الحلفاوي وأبا الحسن الأنفاسي والشيوخ المتقدمة وغيرهم، وكان ينشدني محضاً على الجد متمثلاً:

والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى يسير تقنع

ومات يطلب العلم وقد ناف على ثمانين، وأنشدني عن العكرمي عن أبن عرفة لنفسه:

صلاة وصوم ثم حج وعمرة * عكوف طواف وائتمام تحتما
وفي غيرها كالطهر والوقف خيرن * فمن شاء فليقطع ومن شاء تمما

وكان مولعاً بالمصراع الرابع من قوله:

وقائلة لم عرتك الهموم * وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت: ذريني على حالتي * فإن الهمون يقدر الهمم.

ولما وصل في إقرائه شرح البردة لقطب المغرب الإمام الأكبر ابن مرزوق إلى إنشاده:

أعاذ لتي [= لي؟] على إتعاب نفسي * ورعي في الدجا روض السهاد
إذا شام الفتي برق المعالي * فأهون فائت طيب الرقاد.

طرب وجرياً على لسانه كثيراً ذكر لي أن مولده ببلاد نيجة بطن أورية عام ثلاثة وثمانمائة، وتوفي بفاس ليلة الجمعة سادس شعبان عام سبعة وثمانين، ودفن قريباً من قبر الولي أبي زيد الهرميزي رحمه الله تعالى.

محمد ابن محمد بن علي الزواوي البجائي شهر بالفراوصني، الشيخ الصوفي الصالح. ذكر في تأليفه في شرح حديث "اذكروا الله حتى يقولوا إنه مجنون" أخذ العلم عن جماعة كالفقيه أبي زيد عبد الرحمن بن أحمد اليحمدي الزواوي والفقيه الصالح أبي العباس أحمد بن موسى بن عزيز الزواوي والقاضي أبي القاسم بن سراج الغرناطي وشيخ الإسلام الفقيه الصدوق محمد بن مرزوق. وأظروفة زمانه الفقيه أبي الفضل ابن الإمام والفقيه الصالح الحاج أبي زيد بن عبد الله القسنطيني عرف بالباز والولي الأكرم أبي العباس أحمد الماكري. وأخذ علم الباطن عن الشيخ الإمام الولي خطيب جامع بجاية أبي العباس أحمد بن إبراهيم الزواوي والولي الصالح الخطيب بها أبي عبد الله بن يحيى اليجري وقطب العارفين وتاج الأولياء أبي عثمان سعيد الصفراوي التونسي. قال: قرأت عليه كتباً في هذا الشأن والتزم النسبة إليه دنيا وآخرة قائلاً وعزة الله لا أفارقك حتى للجنة بعد قسمي عليه أن لا يفارقني بهمته حياً وميتاً حتى للجنة، والإمام المحدث الولي الكبير شرف الدين أبي الفتح المراغي المدقي. اه.

قال الشيخ زروق في كناشته: لقيت بمكة الشيخ الفراوصني الزواوي، ولم آخذ عنه لأمر عرض له في سنة خمس وسبعين وثمانمائة. جاورت معه بالمدينة ثلاثة أشهر وتكلمت معه مراراً. اه.

وقال في غير الكناشة: وشرح الحكم الشيخ الفراوصني، فما قام ولا قعد ولا وصل ولا كمل، وكان يدعي مرائي خارجة عن الإضمار في جنب النبي صلى الله عليه وسلم، فامتحن لذلك. ومات مرفوضاً والعياذ بالله سنة اثنين وثمانين وثمانمائة. اه.

قلت: وقد وقعت على مرائية في جزء بمراكش وفيها أزيد من مائتي رؤيا فيها عجائب وغرائب مما خاطبه به النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

محمد بن زغران التونسي الشيخ أبو المواهب. قال الشيخ زروق: رحل لمصر وتوطنها وأخذ عن بيت الوفائية وبشر به بعضهم قبل قدومه. وكان حسن الأخلاق متجملاً جداً ذا لسان عظيم في كلام القوم، يرى أن ليس في المغربة من يفهم الطريقة. وشرح حكم ابن عطاء الله ونحا في شرحه نحو شقاشق الفلاسة ودقائقهم فالله أعلم بمراده ولم يكمل. توفي سنة اثنين وثمانين وثمانمائة.

محمد بن محمد بن عيسى بن علال المصمودي، الفقيه القاضي بفاس يكنى أبا عبد الله. قال الشيخ زروق: كان فقيهاً قاضياً عدلاً نيراً صالحاً حفيد السلف الصالح عيسى بن علال. وكان ثقة مأموناً عدلاً جميلاً متجملاً تقياً قائماً بما يجب لخطته محصلاً أكثر مسائل البيان. قرأ المدونة على الأنفاسي. وكان صلباً في دين الله تعالى ولا يخاف لومة لائم. توفي قرب سنة أربع وثمانين وثمانمائة. اه.

وقال الونشريسه في وفياته: وفي سنة خمس وثمانين وثمانمائة توفي قاضي الجماعة بفاس أبو عبد الله بن علال. وزاد صاحبنا المؤرخ محمد ابن يعقوب الأديب ليلة الخميس ثالث عشر رمضان، ودفن خارج باب الفتوح. اه.

محمد بن محمد بن محمد بن محمد مكرراً أربع مرات، ابن منظور الأندلسي الغرناطي، قاضي الجماعة بها يكنا أبا عمرو، الإمام العالم العلامة الفقيه الجليل القاضي الجليل أبي بكر بن أبي العرب. كان قاضياً بغرناطة سنة أربع وستين. وصفه أحمد بن داود بالإمام الكبير فارس البراعة. أخذ عن أبيه القاضي أبي بكر وعن العالم القاضي ابن سراج وغيرهما. ونقل عنه عصريه الإمام الواق في سنن المهتدين وشراح خليل له في باب الميراث. وله فتاوي مذكور بعضه في المعيار. وكان حياً سنة سبع وثمانين وثمانمائة. وفي تلك الحدود مات عن سن عالية. وأخذ عنه الخطيب الصالح أبو القاسم بن أبي الطاهر الفهري الأندلسي أحد شيوخ أحمد بن داود، وأجاز الحافظ التنسي.

ولنا أبو عمرو بن منظور شخص آخر اسمه عثمان من أهل المائة الثامنة. له تآليف وفتاوي عدة، ذكر جملة منها في المعيار. سأله عن بعضها شيخ الشيومخ ابن لب وهو الذي عرف به في الإحاطة والديباج، فاعلمه.

محمد بن عمر بن محمد بن عبد الله القلشاني التونسي، قاضي الجماعة بها. أخذ عن أبيه القاضي عمر وعمه أبي العباس وأبي القاسم البرزلي وولي قضاء الجماعة بتونس في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة بعد صرف عمه أبي العباس فقام سبعة عشر سنة ثم جاء للقاهرة وراج أمره فيها ثم عاد إلى بلده لطلب قضاء الجماعة فلم يتيسر له إلا منصب القضاء بجامع الزينتونة ولي الخطابة بجامع الموحدين ثم صرف توفي فيما بلغنا سابع عشر جمادي الثانية سنة تسعين وثمانمائة. اه من السخاوي.

قلت: له فتاوي منقولة في المازونية والمعيار.

محد بن محمد بن موسى الطنجي الفاسي أبو الفرج. قال ابن غازي: الشيخ الأستاذ المحقق الصالح الورع أخذ عن أبي مهدي عيسى المغراوي وعبد الله العبدوسي والأستاذ أبي عمران موسى بن عبد المؤمن وشيخنا أبي عبد الله النيجي والفقيه القوري والفقيه أبي سعيد ابن أبي محمد السلوي وعن والده الفقيه أبي عبد الله. اه.

وذكر لونشريسه في وفياته ما نصه: وفي سنة تسع وثمانين وثمانمائة توفي الشيخ الورع الخطيب الصالح أبو الفرج الطنجي. اه.

ووقع في فهرسة الشيخ المنجور أنه توفي سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة والله أعلم.

محمد بن أحمد بن موسى السخاوي المدني قاضيها نحو خمسين سنة شمس الدين. قال السيوطي له نظم كثير سمعت منه. اه.

وتوفي بعد الثمانين، والله أعلم. وسيأتي ولده خير الدين.

محمد بن أحمد بن إبراهيم التريكي التونسي. أخذ الفقه عن جماعة منهم البرزلي وأبو القاسم القسنطيني، وكان يحذف الواو والهمزة من الكنية خروجاً من الخلاف، وعن عمر القلشاني ومحمد بن عقاب قاضي تونس. وقدم القاهرة وحج ورجع فأقام بالقاهرة. وتردد لابن حجر وأخذ عنه واغتبط كل منهما بالآخر. شرح جمل الخونجي في سفرين سماه إكمال الأمل بشرح الجمل جمع فيه شرح ابن واصل والشريف التلمساني وسعيد العقباني ومحمد بن مرزوق، وشرح الشمسية، وشرح ابن الحاجب. وكاد يلي قضاء مصر. وكانت وجاهة مع رسوخ في الفقه واستحضار كثير له ولغيره وكثير من العلوم وحافظة جيدة حتى كان ابن الهمام يقول إنه معجون فقه وأدب كثير ومحاضرة حسنة. وكذا كلامه وإشكالاته. توفي آخر سنة أربع وتسعين وثمانمائة. اه من الضوء اللامع للحافظ السخاوي رحمه الله.

محمد بن قاسم أبو عبد الله الأنصاري التونسي شهر بالرصاع، قاضي الجماعة بها الفقيه العالم العلامة الصالح المفتي. أخذ عن جماعة من أصحاب ابن عرفة وغيرهم كالبرزلي وأبي القاسم العبدوسي والإمام ابن عقاب المحقق عمر القلشاني والمفتي عبد الله البحيري وغيرهم. وألف تآليف كتذكرة المحبين في أسماء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم كتاب حسن في نوعه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وشرح حدود ابن عرفة في الفقه، وتأليف في الكلام على الآيات الواقعة في شواهد المغني لابن هشام في سفرين، وجزء في إعراب كلمة الشهادة، وشرح البخاري، والتشديد نسبة لأحد آبائه. أخذ عن الإخوين أحمد وعمر القلشانيين وابن عقاب والبرزلي. ولي قضاء المحلة ثم الأنكحة ثم الجماعة. ثم صرف نفسه في كائنة المريني والقتصر على إمامة جامع الزيتونة وخطابتها متصدراً للإفتاء وإقرار الفقه وأصول الدين والعربية والمنطق وغيرها. جمع شرحاً في الأسماء النبوية وآخر في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأفرد الشواهد القرآنية من المغني ورتبها على السور وتكلم عليها. وشرح حدود ابن عرفة. وبلغني أنه شرع في تفسير واختصر شرح البخاري لابن حجر. وعندي أنه انتقاء الاختصار. بلغنا أنه مات في سنة أربع وتسعين وثمانمائة. صح من الضوء اللامع.

محمد بن علي بن محمد الأصبحي الأندلسي الغرناطي، قاضي الجماعة بها الإمام العلامة يعرف ابن الأزرق. قال السخاوي: لازم الأستاذ إبراهيم ابن أحمد بن فتوح مفتي غرناطة في النحو والأصليين والمنطق بحيث كان جل انتفاعه به. وحضر مجالس أبي عبد الله محمد السرقسطي العالم الزاهد مفتيها أيضاً في الفقه ومجالس الخطيب أبي الفرج عبد الله بن أحمد البقني والشهاب قاضي الجماعة أحمد بن أبي يحيى ابن الشريف التلمسناني. اه.

قلت: ومن شيوخه القاضي أبو إسحاق إبراهيم البدري. وله تآليف منها بدائع السلك في السياسة السلطانية كتاب حسن مفيد في موضوعه لخص فيه كلام ابن خلدون في مقدمة تأريخه وغيره مع زوائد كثيرة لا يستغني عنه بوجه، ومنها روضة الأعلام بمنزلة العربية من علوم اللسان مجلد ضخم فيه فوائد، وشرح مختصر خليل مع مقدمة حافلة في أوله ولا أدري هل كمله أم لا، نقل عنه في المعيار. وكان حياً في حدود التسعين وثمانمائة. ارتحل لتلمسان لما استولى العدو على بلده ثم للشرق. ولم أقف على وفاته.

محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري شهر بالمواق الأندلسي الغرناطي، عالمها وصالحها وشيخها ومفتيها الإمام العلامة الصالح الحافظ المحقق القدوة الحجة مفتي الحضرة وخطيبها وآخر الأئمة بها. أخذ عن جماعة من الشيوخ كأبي القاسم بن سراج والأستاذ المنتوري والشيخ محمد بن يوسف الصناع وغيرهم. وأخذ عنه جماعة كالشيخ أحمد الدقون وأبي الحسن الزقاق وأحمد بن داود وغيرهم والمَوّاق بفتح الميم وشد الواو وآخره قاف. قال الشريف محمد بن علي الحسن في شرح الشفا في وصفه: الإمام العامل العامل العلامة الخطيب. كان حافظاً للمذاهب ضابطاً لفروعها مضطلعاً عليها من خباياها. اه. توفي كما رأيته بخط الأندلسيين في شعبان سنة سبع وتسعين وثمانمائة عن سن عالية. وأخبرني صاحبنا أبو عبد الله القصار مفتي فاس اليوم أنه لما استولى النصارى على غرناطة دمرهم الله وجدوه بها وهو حي، فسألوا عمن هو المقدم بها في العلم فأشير بالمواق. فأمروا بإحضاره عندهم فامتنع فكلمه الناس فحضر عند وزير الطاغية. فبسط الوزير له يده فقبلها المواق رحمه الله. فلما خرج من عنده أنكره الناس عليه، فلم تلبث يد الوزير الكافر المقبلة أن تورمت وتوجع منها، فأمر برد المواق إليه وطلب منه الدعاء. اه.

قلت: ودخول النصارى غرناطة في أوائل سنة سبع وتسعين وثمانمائة. وله تآليف منها شرحاه على مختصر خليل الكبير سماه التاج والإكليل والمختصر من مسودته وهما متقاربان في الجرم يزيد كل على الآخر في بعض المواضع نحا طريقاً انفرد به وهو الاقتصار على عزو مسائل الأصل. ونقل فقهه من أصول المذهب بما يوافقه أو يخالفه من غير تعرض لألفاظه البتة بحيث إن لم يقف على نص مسألة خليل بيض لتلك القولة. وهما في غاية الجودة في تحرير النقول مع الاختصار البالغ. وقد تتبعت أنا حاشية الشيخ ابن غازي فوجدته يعتمد فيها على المواقي ويتكلم فيها أحياناً على المواضع التي بيض لها المواق وعلى المواضع التي أشار المواق لاستشكالها، وربما ذكر بعض اصلاحاته وعزاه لبضهم والله أعلم. ومنها كتاب سنن المهتدين في مقامات الدين نحا فيها منحى الأستاذ ابن لب في طلب التأويل لكثير من المحدثات، وتكلم فيها على آية. ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا في تسع مقامات ترقياً وتدلياً بكلام حسن أبان فيه عن معرفته بالفنون أصولاً وفروعاً وتصوفاً وغيرها، وفيه مسائل وفوائد. وأرسله لمفتي تونس الشيخ الرصاع فأثنى عليه كثيراً قائلاً: لما طالعته رأيت كلاماً حسناً ونكتاً ومعاني أصولية ومسائل فقهية فعلمت أن الرجل من أهل العلم والفهم والتخلق بطريق السلف السالح فكتبت له بما ظهر لي. اه.

وقد أطنب فيما كتب له من الثناء عليه بما في جلبه طول.

محمد الجعدالة الأندلسي المالقي، من شيوخ أحمد بن داود من الفقهاء الجلة وعلماء الملة. له فتاوي منقول بعضها في المعيار. نقل عنه سيدي محمد الحطاب في شرح المختصر في باب إحياء الموات. وكان حياً سنة ثمان وثمانين وثمانمائة.

محمد الفخار الغرناطي، من علمائها، وكذا التراني الغرناطي، من علمائها. وكذا

محمد الذبح الغرناطي، أحد فقهائها، وكلهم أحياء في التأريخ المتقدم آنفاً. وكذا

محمد بن سيد بنوة الغرناطي، أحد علمائها، حي في التأريخ المتقدم. نقل عنهم في المعيار ولم أقف على تراجمهم.

محمد بن يوسف نب عمر شعيب السنوسني، وبه الشتهر نسبة لقبيلة بالمغرب، الحسني نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، قاله تلميذه الملالي في تأليفه، التلمساني عالمها وصاحلها وزاهدها وكبير علمائها الشيخ العلامة المتفنن الصالح الزاهد العابد الأستاذ المحقق المقرئ الخاشع أبو بعقوب يوسف، نشأ خيراً مباركاً فاضلاً صالحاً. أخذ كما قال تلميذه الملالي عن جماعة منهم والده المذكور والشيخ العلامة نصر الزواوي والعلامة محمد بن توزت والسيد الشريف أبو الحجاج يوسف بن أبي العباس بن محمد الشريف الحسني أخذ عنه القراآت، وعن العالم المعدل أبي عبد الله الحباب علم الأسطرلاب، وعن الإمام محمد بن العباس الأصول والمنطق، وعن الفقيه الجلاب الفقه، وعن الولي الكبير الصالح الحسن أبركان الراشدي حضر عنده كثيراً واتفع به وببركته وكان يحبه ويوثره ويدعو له فحقق الله فيه فراسته ودعوته، وعن الفقيه الحافظ أبي الحسن التالوتي أخيه لأمه الرسالة، وعن الإمام الورع الصالح أبي القاسم الكنابشي إرشاد أبي المعالي والتوحيد، عن الإمام الحجة الورع الصالح أبي زيد الثعالبي الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث وأجازه ما يجوز له وعنه، وعن الإمام العالم العلامة الولي الزاهد الناصح إبراهيم التازي ألبسه الخرقة وحدثه بها عن شيوخه وبصق في فمه وروى عنه أشياء كثيرة من السلسلات وغيرها، وعن العالم الأجل الصالح أبي الحسن القلصادي الأندلسي الفرائض والحساب وأجازه جميع ما يرويه وغيرهم وكان آية في علمه وهديه وصلاحه وسيرته وزهده وورعه وتوقيه. جمع تلميذه الملالي في أحواله وسيره وفوائده تأليفاً كبيراً في نحو ستة عشر كراساً من القالب الكبير واختصرته في جزء نحو ثلاثة كراريس، فلنذكر هنا طرفاً من ذلك. قال: له في العلوم الظاهرة أوفر نصيب جمع من فروعها وأصولها السهم والتعصيب لا يتحدث في فن إلا ظن سامعه أنه لا يحسن غيره سيما التوحيد والمعقول شارك غيره فيها. وانفرد بعلوم الباطن بل زاد على الفقهاء مع معرفة حل المشكلات سيما التوحيد. لا يقرأ علم الظاهر إلا خرج منه لعلوم الآخرة سيما التفسير والحديث لكثرة مراقبته لله تعالى كأنه يشاهد الآخرة. سمعته يقول ليس علم من علوم الظاهر يورث معرفته تعالى ومراقبته إلا التوحيد وبه يفتح في فهم العلوم كلها وعلى قدر معرفته يزداد خوفه تعالى. اه.

وانفرد بمعرفته إلى الغاية وعقائده كافية فيه خصوصاً الصغرى لا يعاد لها شيء من العقائد كما أشار إليه. وسمعته يقول العالم حقاً من يستشكل الواضح يوضح المشكل لسعة فهمه وعلمه وتحقيقه فهو الذي يحضر مجلسه ويستمع فوائده. اه.

وموته فقد من يتصف بها وإن كان العلماء الحافظون موجوين لكن المراد العلم النافع المتصف صاحبه بالخشية فهو في علوم الباطن قطب رحاها وشمس ضحاها. وقد غاب بكلامه فيها في غيب الله تعالى واطلع على معادن أسراره وطالع أنواره فيؤثر حب مولاه ويراقبه. لا يأنس بأحد بل يفر كثيراً إلى الخلوات يطيل الفكرة في معرفته فانكشف له عجائب الأسرار وتجلت له الأبصار فصار من وارثي الأنبياء جامعاً بين الحقيقة والشريعة على أكمل وجه. له لطائف الأحوال وصحائح الأقوال والأفعال باطنه حقائق التوحيد وظاهره زهد وتجريد وكلامه هداية لكل مريد كثير الخوف طويل الحزن يسمع لصدره أنين من شدة خوفه مستغرقاً في الذكر فلا يشعر بمن معه مع تواضع وحسن خلق ورقة قلب رحيماً متبسماً في وجه من لقيه مع إقبال وحسن كلام. يتزاحم الأطفال على تقبيل أطرافه ليناً هيناً حتى في مشيه. ما ترى أحسن خلقاً ولا أوسع صدراً وأكرم تبسماً وأعطف قلباً وأحفظ عهداً، منه يوقر الكبير ويقف مع الصغير ويتواضع للضعفاء معظماً جانب النبوة غاية لا يعارضه أحد إلا أفحمه. جمع له العلم والعمل والولاية إلى النهاية مع شفقته على الخلق وقضاء حوائجهم عبد السلطان والصبر على أذايتهم وضع له من القبول والهيبة والإجلال في القلوب ما لم ينله غيره من علماء عصره وزهاده. ارتحل الناس إليه وتبركوا به. وسمعته آخر عمره يقول من الغرائب في زماننا هذا أن يوجد عالم جمع له علم الظاهر والباطن على أكمل وجه بحيث ينتفع به في العلمين فوجود مثله في غاية الندور فمن وجده فقد وجد كنزاً عظيماً دنيا وأخرى فليشد عليه يده لئلا يضيع عن قرب فلا يجد مثله شرقاً وغرباً أبداً. اه.

وكأنه أشار به لنفسه فلم يلبث بعده حتى خطف فكأنه كاشفنا بذلك ولا شك أنه لا يوجد مثله أبداً وأما زهده وإعراضه عن الدنيا فمعلوم ضرورة عند الكافة. بعث إليه السلطان في أخذ شيء من غلات مدرسة الحسن أبركان فامتنع فألحوا عليه فكتب في الاعتذار كتابة مطولة فقبل منه. وسمعته يقول الولي الحقيقي من لو كشف له عن الجنة وحورها ما التفت إليها ولا ركن لغيره تعالى فهذه حقيقة العارف. اه.

فهذا حاله وأما وعظه فكان يقرع الأسماع وتقشعر منه الجلود. كل من حضره يقول معي يتكلم وإياي يعني جله في الخوف والمراقبة وأحوال الآخرة لا تخلو مجالسه منه مع حلاوة له لا توجد في كلام غيره يعظ كل أحد بحسب حاله. ما رأيته قط إلا وشفتاه متحركتان بالذكر، وربما يكلمه إنسان وأسمعه يذكرالله تعالى وتسمع لقلبه أنيناً من شدة خوفه ومراقبته على الدوام. سمعته يقول حقيقة العبودية امتثال الأمر واجتناب النهي مع كمال الذلة والخضوع. اه.

كان أورع زمانه يبغض الاجتماع بأهل الدنيا والنظر إليهم وقربهم. خرجنا معه يوماً صحراء فرأى على بعد ناساً راكبين على خيول مع ثياب فاخرة، فقال من هؤلاء؟ قلنا خواص السلطان. فتعوذ بالله ورجع لطريق آخر. ولقيهم مرة أخرى وما تمكن من الرجوع فجعل وجهه للحائط وغطاه حتى جازوا ولم يروه. ولما وصل في تفسيره سورة الإخلاص وعزم على قرائتها يوماً والمعوذتين يوماً سمع به الوزير وأراد حضور الختم، فبلغه ذلك فقرأ السور الثلاثة يوماً واحداً خيفة حضوره عنده. وطلبه السلطان أن يطلع إليه ويقرأ التفسير بحضرته على عادة المفسرين فامتنع فألحوا عليه فكتب إليه معتذراً بغلبة الحياء له ولا يقدر على التكلم هناك فأيسوا منه. وإذا سمع بوليمة أحد من أبناء الدنيا تخلف يومه عن الحضور خيفة أن يدعى فلا يظهر بالكلية حتى تمر أيام الوليمة وربما تخلف قبله أياماً. ولا يقبل عطية السلطان ومن لاذ به وربما تأتي لداره وهو غائب فإذا وجدها أنكر على أهل داره وتغير كثيراً. ويقبل عطية غيرهم ويدعوا لهم. وكان رفيع الهمة عن أهل الدنيا يتطارحون عليه فيعرض عنهم. أتى إليه ابن الخليفة يوماً ومعه عين فقبل يديه ورجليه وطلب منه قبوله، فتبسم في وجهه ودعا له وأبى فلما أيس منه قال له تصدق بها يا سيدي على من شئت من الفقراء فامنتع منها مع ما جبل عليه من الحياء حتى لا يقدر أن يخالف الناس في أغراضهم أو يقابلهم بسوء. وكان يكره الكتب للأمراء فإذا طلب بذلك كتب لهم حياء. وعاتبه أخوه علي التالوتي قائلاً يوماً لأي شيء تكثر الكتب للسلطان وغيره؟ فقال كافت به. فقال لا توافق عليه وقل لا أكتب. فقال والله يا أخي يغلب علي الحياء إلا وقدر على المنع. قال لا تستحي من أحد. فقال له إذا دخل النار أحد بالحياء فأنا أدخلها. وبالجملة فرفع همته عن الخلق معلوم عند الكافة لا يأنس بأحد ولا يتسبب في معرفته ويود أن لا يراه أحد. وقال لي يوماً والله يا ولدي لو صبت ما نرى أحداً ولا يراني أحد بن أشتغل وحدي وما يأتيني من قبل الناس إن قصدوا به نفعي سلمت لهم فيه لا حاجة لي بأحد ولا بماله. اه.

وكان مع ذلك حليماً كثير الصبر ربما يسمع ما يكره فيتعامي عنه ولا يؤثر فيه بل يتبسم وهذا شأنه في كل ما يغضبه ولا يلقي له بالاً بوجه ولا يحقد على أحد ولا يعبس في وجهه يفاتح من تكلم في عرضه بكلام طيب وإعظام حتى يعتقد أنه صديقه. وقع له ممن يدعي أنه أعلم أهل الأرض ينقصه فما بالى به. ولما ألف بعض عقائده أنكر عليه كثير من علماء أهل وقته وتكلموا بما لا يليق فتغير لذلك كثيراً وحزن أياماً، ثم رأى في منامه عمر بن الخطاب واقفاً على رأسه بيده سيف أو عصا فهزها على رأسه وهدده بها وكأنه قال ما هذا الخوف من الناس فأصبح قد زال حزنه واشتد قلبه على المنكرين. فخرست حينئذ ألسنتهم فحلم عنهم وسمح فأقروا بفضله. وبلغ من شفقته أنه مر به ذئب يجري معه الصياد والكلاب فحبسوه وذبح فوصل إليه ملقى على الأرض فبكى وقال لا إله إلا الله أين الروح التي يجري بها وسمعته يقول ينبغي للإناسا أن يمشي برفق وينظر أمامه لئلا يقتل دابة في الأرض. وإذا رأى من يضرب دابة ضرباً عنيفاً تغير وقال لضاربها ارفق يا مبارك. وينهي المؤذبين عن ضرب الصبيان. وسمعته يقول لله تعالى مائة رحمة لا مطمع فيها إلا لمن اتسم برحمة جميع الخلق وأشفق عليهم. وما رأيته قط دعا على أحد إلا مرة رأى في مسكن منكراً لا يقدر على صبره فغضب ودعا عليه بالجلاء فنفذ في أقرب مدة. وأتاه في مرضه بعض من يذمه من علماء عصره فطلب منه أن يسمح له فغفر له ودعا له ولما مات بكى عليه هذا العالم شديداً وتألم، ومتى ذكره بكى ويقول فقدت الدنيا بفقده. وسمعته يثني كثيراً على رجلين من علماء عصره ممن يذمونه ويسيئون إليه. وكان يصلح بين الخصام ويقضي الحوائج. ذكر أنه كتب يوماً ثلاثين كتاباً بلا فترة. قال كلفني بها إنسان لم أقدر على ردها. قال ولو كان إنسان ينسخ مثل هذا في كل يوم لظفر بعدة أسفار وهذي مصائب ابتلينا بها. ومن صبره كثرة وقوفه مع الخلق ولا يفارق الرجل حتى ينصرف وهذا كله مع إدامة الطاعات وسداد الطريقة وشدة التحرز والإسراع بوفاء حقوق العباد قبل استحقاقها. إذا أعار كتاباً رده في أقرب مدة قبل طلب صاحبه وربما كان سفر اضخمالاً يمكن مطالعته إلا في ثلاثة أيام فيطالعه يوماً واحداً ويرده وكان يأمر أهله بالصدقة سيما وقت الجوع ويقول من أحب الجنة فليكثر الصدقة خصوصاً في الغلاء. كثير التصدق بيده. ويكثر الخروج للخلوات ومواضع الخرب الباقية آثارها للاعتبار وإذا رأى ما كان منها متقناً ذكر حديث رحم الله عبداً صنع شيئاً فاتقنه ويقول أين سكانها وكيف يتنعمون وسمعته يقول كم من ضاحك مع الناس وقلبه يبكي خوف ربه فهذا شأن العارفين. سأله بعض أصحابنا ممن يبحث عن أحواله لأي شيء يتلون وجهك وتتغير كثيراً مع الانقباض؟ فأجابه بعد تمنع بشرط أن لا يخبر به أحداً. فقال نعم. فقال الشيخ أطلعني الله تعالى على رؤية جهنم وما فيها نعوذ بالله منها فمن حينئذصرت أتغير وأحزن إلى الآن فهذا سبب تغيري. وقال شيخنا بلقاسم الزواوي حفظه الله: من أكابر أصحابه سمعته يقول ضاقت علي العوالم كلها من العرش إلى الفرش ولم أر منها ما يسرني فلم أمل لشيء منها بالكلية. اه.

وحاله في الدنيا كالمسجون لشدة خوفه ومراقبته كل لحظة كثرة تفكره. كان يصوم يوماً بيوم صوم داود عليه السلام ويفطر على يسير طعام ولا يطلب يوم فطره ما يأكله. وربما بقي ثلاثة أيام أو أزيد لا يأكل ولا يشرب. إن أتى بطعام أكل وإلا بقي كذلك. وربما سألوه بعد مضي جل النهار: أمفطر هو؟ فيقول لا مفطر ولا صائم. فيقال له لم لا تعلمنا بفطرك؟ فتبسم. وربما مازح بعض أصحابه فلا ترى أحسن منه حينئذ لا يرفع صوته بل يعتدل فيه ويصافح الناس ولا يمنع من قبل يده. وليس له لباس مخصوص يعرف به بل معتاد الناس اليوم. ويكره الكلام بعد صلاة الصبح والعصر ويتراخي في تكبيرة الإحرام بعد الإقامة ولا يكبر إلا بعد حين. وأخبرتني زوجته أنه في بدء أمره إذا قام من الليل نظر السماء ويقول يا سعيد كيف تنام وأنت تخاف الوعيد؟ ثم التزم صوم عام إن رجع إلى النوم متى استيقظ منه فمن حينئذ لا يرجع إليه إذا استيقظ حتى مات ينام أول الليل ويحييه كله للفجر حتى أثر في وجهه. اه.

وكان لكثرة انقباضه لا ينبسط مع أحد ويشق عليه الخروج للمسجد للإقراء والصلاة لا يخرج في بعض الأيام إلا حياء ممن ينتظره. ولما أحس بمرض موته انقطع عن المسجد ولازم فراشه حتى مات. ومرض عشرة أيام ولما احتضر لقنه ابن أخيه مرة بعد مرة. فالتفت إليه وقال له وهل ثم غيرها؟ وقالت له بنته تمشي وتتركني؟ فقال لها الجنة مجمعنا عن قرب إن شاء الله تعالى. وكان يقول عند موته نسأله سبحانه أن يجعلنا وأحبتنا عند الموت ناطقين بالشهادة عالمين بها. وتوفي يوم الأحد ثامن عشر جمادي الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة. وشم الناس المسك بنفس موته رحمه الله. مولده بعد الثلاثين وثمانمائة. ومن عاداته أنه إذا صلى الصبح في مسجده وفرغ من ورده أقرأ العلم إلى وقت الفطور المعتاد. ثم خرج ووقف مع الناس ساعة بباب داره. ثم دخل وصلى الضحى قدر قراءة عشر أحزاب. ثم اشتغل بالمطالعة في وقت طول النهار وإلا ربما زالت الشمس وهو في الضحى وخرج بعد الزوال للخلوات فلا يرجع إلا للغروب أو يبقى في بيته فيتوضأ ويصلي أربع ركعات. ثم خرج لمسجده وصلى بالناس الظهر وتنفل أربعاً ويقرئ. ثم تنفل وقت العصر أربعاً ويصلي العصر ويقرأ أو يخرج لداره واشتغل بالورد إلى الغروب ثم خرج للمغرب وتنفل بست ركعات ويبقى هناك حتى يصلي العشاء ويقرأ ما تيسر ورجع لداره ونام ساعة. ثم اشتغل بالنظر أو النسخ ساعة وتوضأ ويصلي باقياً فيها أو في ذكر الطلوع الفجر هذا أكثر حاله. وأخبرني قبل موته بنحو عامين أن سنه خمس وخمسون منة. اه من الجزء الذي لخصته من تأليف الملالي.

قلت: ورأيت مقيداً عن بعض العلماء أنه سأل الملالي المذكور عن سن الشيخ. فقال له مات عن ثلاث وستين سنة والله أعلم. ورأيت مقيداً في موضع آخر من كراماته أن رجلاً اشترى لحماً من السوق فسمع الإقامة في المسجد فدخل واللحم في قبه فخاف من طرحة فوات [؟] ركعة فكبر كذلك. فلما سلم ذهب لداره فطبخ اللحم فبقي إلى العشاء فأرادوا طرحه فإذا هو بدمه لم يتغير. فقالوا لعله لحم شارف فباتوا يوقدون عليه إلى الصبح فلم يتغير عن حاله حين وضعوه. فتذكر الرجل فذهب إلى الشيخ فأعلمه. فقال له يا بني أرجو الله أن كل من صلى ورائي أن لا تعدو عليه النار ولعل هذا اللحم من ذلك ولكن اكتم ذلك. اه.

وسمعت أيضاً أنه كان في صغره إذا مر مع الصبيان على الإمام ابن مرزوق الحفيد وضغ يده على رأسه ويقول نقرة خالصة.

وأما تآليفه فقال الملالي منها:

قلت: سمعت أن له تعليقاً على فرعي ابن الحاجب وغيره نفعنا الله به.

قلت: أخذ عنه أعلام كابن صعد وأبي القاسم الزواوي وابن أبي مدين والشيخ يحيى بن محمد وابن الحاج البيدري وابن العباس الصغير وولي الله محمد القلعي ريحانة زمانه وإبراهيم الوجديجي وابن ملوكة وغيرهم من الفضلاء.

محمد بن عبد الجليل التنسي، وبه عرف التلمساني، الفقيه الجليل الحافظ الأديب المطلع من أكابر علمائها الجلة. أخذ عن الأئمة أبي الفضل بن مرزوق وقاسم العقباني وابن الإمام والإمام الأصولي محمد النجاروالولي إبراهيم التازي والإمام ابن العباس وغيرهم. واشتهر علمه حتى لقد ذكر عن الشيخ أحمد بن داود الأندلسي أنه سئل حين خرج من تلمسان عن علمائها، فقال: العلم مع التنسي والصلاح مع السنوسي والرئاسة مع بن زكري والله أعلم بصحته. ووصفه ابن داود المذكور فيما رأيته بخطه بشيخنا بقية الحفاظ قدوة الأدباء العالم الجليل ابن الإمام العلامة أبي محمد. اه.

وله تآليف منها نظم الدرر والعقبان في دولة آل زيان، وتآليف في الضبط، وراح الأرواح. وسمعت أن له تعليقاً على فرعي ابن الحاجب، وجواب مطول عن مسألة يهود توات أبان فيه عن سعة الدائرة في الحفظ والتحقيق وأثنى عليه عصريه الإمام السنوسي غاية، فمما قال: لقد ونقف لإجابة المقصد وبذل وسعه في تحقيق الحق وشفا غليل أهل الإيمان في المسألة، وما بالى لقوة إيمانه ونصوع إيقانه بما يشير إليه الوهم الشيطاني، الشيخ الإمام القدوة علم الأعلام الحافظ المحقق أبو عبد الله التنسي جزاه الله خيراً، قد أمد لإبانة الحق ونشر إعلامه النفس وحقق نقلاً وفهماً وبالغ فأبدى من نور إيمانه الماحي ظلمة الكفر أعظم قبس. اه ملخصاً.

أخذ عنه جماعة كالعلامة أبي عبد الله بن صعد والخطيب ابن مرزوق السبط وابن العباس الصغير. قال لازمت مجلس الفقيه العلم الشهير سيدي التنسي عشرة أعوام وحضرت إقرائه تفسيراً وحديثاً وفقهاً وعربية وغيرها. اه. والشيخ بلقاسم الزواوي وعبد الله بن جلال وغيرهم في وفيات الونشريسي. توفي الفقيه الحافظ التأريخي الأديب الشاعر أبو عبد الله التنسي في جمادي الأولى سنة تسع وتسعين وثمانمائة. اه.

ونقل عنه عدة فتاوي في معياره.

محمد بن محمد ابن أحمد ابن أحمد بن الخطيب الشهيرمحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي التلمساني، عرف بالكفيف، ولد الإمام أبي الفضل قطب المغرب الحفيد ابن مرزوق شارح المختصرالمتقدم. كان ولده صاحب الترجمة إماماً عالماً علامة، وصفه ابن داود البلوي بشيخنا الإمام علم الأعلام فخر خطباء الإسلام سلالة الأولياء وخلف الأتقياء المسند الراوية المحدث العلامة القدرة الحافل الكامل أبو عبد الله ابن سيدنا شيخ الإسمام خاتمة العلماء الأعلام الحبر البحر الناقد النافذ التحرير المشاور العمدة الكبير ذي التصانيف العديدة والأنظار السديدة أبي عبد الله بن مرزوق. أخذ العلم عن جماعة منهم أبوه شيخ الإسلام قرأ عليه الصحيحين والموطأ وغير كتاب من تآليفه وغيرها وتفقه عليه وأجازه ما يجوز له وعنه روايته، والإمام العالم النظار الحجة أبو الفضل ابن الإمام والإمام العلامة قاضي الجماعة المعمر المشاور أبو الفضل قاسم العقباني، والأستاذ المقرئ العالم أحمد بن محمد بن عيسى اللجائي الفاسي، والإمام العالم والولي الصالح المحدث عبد الرحمن الثعالبي، والإمام العالم الفقيه النظار أبو عبد الله محمد بن بلقاسم المشذالي، والإمام قاضي الجماعة العالم المحقق أبو عبد الله بن عقاب الجذامي التونسي، والإمام العالم الراوية الرحال قاضي الأنكحة أبو محمد عبد الله بن سليمان ابن قاسم البجيري التونسي. قرأ وسمع عليهم وأجازوه عامة. وأجازه مكاتبة من مصر شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر مع أولاد مرزوق عام تسعة وعشرين. ومولده ليلة الثلاثاء غرة ذي القعدة عام أربع وعشرين وثمانمائة. اه.

قلت: ومن شيوخه الإمام ابن العباس. قال الصخاوي: قدم صاحب الترحمة مكة فعرض عليه ظهيرة وأخذ عنه في الفقه وأصوله والعربية والمنطق في سنة إحدى وستين. وسمعت في إحدى وسبعين أنه حي. اه.

قلت: وفي وفيات الونشريسه أن وفاته عام أحد وتسعمائة. ووصفه بالفقيه الحافظ المصقع. وأخذ عنه الخطيب ابن مرزوق ابن أخته وابن العباس الصغير. ووصفه بشيخنا علم الأعلام وحجة الإسلام آخر حفاظ المغرب. قرأت عليه الصحيحين وبعض مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي، وحضرت عليه جملة من التهذيب والخونجي وغيرها. اه.

وبالإجازة ابن غازي نقل عنه في المازونية. وتقدم ترجمة جد والده الخطيب قريباً.

محمد بن أبي الفضل بن سعيد بن صعد, وبه عرف التلمساني، الفقيه العالم المحصل العلامة. أخذ عن الإمام خاتمة الأعلماء محمد بن العباس والحافظ التنسي والإمام السنوسي وألف كتاب النجم الثاقب فيما لأولياء الله من المناقب، وروضة النسرين في مناقب الأربعة الصالحين وهم الهواري وإبراهيم التازي والحسن أبركان وأحمد ابن الحسن الغماري. وله تأليف في صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه يقول محمد العربي الغرناطي:

إذا جئت لتلمسان فقل * لصنديدها ابن صعد
علمك فاق كل علم * مجدك فاق كل مجد

في أبيات. توفي بالديار المصرية في رجب سنة إحدى وتسعمائة. قاله الونشريسه في وفياته.

محمد بن إبراهيم بن عثمان الخطيب الوزيري. اشتغل في ابتدائه بالعربية على النور الوراق. ثم أخذ الفقه والعربية عن السنهوري وعن ابن أخت الشيخ مدين وحضر مجالس السادات الوفائية وربما أفتى. وسمعت أنه كتب على تفسير البيضاوي. وقال لي إنه شرح رسالة صوفية، واختصر شرح الأسماء الحسنى للغزالي. ولد سنة سبع وأربعين وثمانمائة. اه من السخاوي.

قلت: وله مراجعات في البيان والأصول مع الجلال السيوطي، ألف فيه السيوطي تآليف صغاراً.

محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني، خاتمة المحققين الإمام العالم العلامة الفهمة القدوة الصالح السني أحد الأذكياء ممن له بسطة في الفهم والتقدم متمكن المحبة في السنة وبغض أعداء الدين. وقع له بسبب ذلك أمور مع فقهاء وقته حين قام على يهود توات وألزمهم الذل بل قتلهم وهدم كنائسهم. ونازعه في ذلك الفقيه عبدا عصنوني قاضي توات. وراسلوا في ذلك علماء فاس وتونس وتلمسان. فكتب في ذلك الحافظ التنسي كتابة مطولة كما تقدم بصواب رأي صاحب الترجمة. ووافقه عليها الإمام السنوسن فمما كتب السنوسي له:

من عبيد الله محمد بن يوسف السنوسي إلى الأخ الحبيب القائم بما اندرس في فاسد الزمان من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي القيام بها لا سيما في هذا الوقت علم على الاتسام بالذكورة العلمية والغيرة الإسلامية وعمارة القلب بالإيمان السيد أبي عبد الله بن عبد الكريم المغيلي حفظ الله حياته وبارك في دينه ودنياه وختم لنا وله ولسائر المسلمين بالسعادة والمغفرة بلا محنة يوم نلقاه.

بعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته فقد بلغني أيها السيد ما حملتكم عليه الغيرة الإيمانية والشجاعة العلمية من تغيير إحداث اليهود—أذلهم الله—كنيسة في بلاد الإسلام وحرصكم على هدمها وتوقف أهل تمنطيطة فيه من جهة من عارضكم فيه من أهل الأهواء فبعثتم إلينا مستنهضين همم العلماء فيه، فلم أر من وفق لإجابة المقصد وبذل وسعه في تحقيق الحق وشفاء الغلة ولم يلتفت لقوة إيمانه ونصوع إيقانه لما يشير إليه الوهم الشيطاني من مداهنة من يتقي شوكته سوى الشيخ الإمام القدوة الحافظ المحقق علم الأعلام أبي عبد الله محمد بن عبد الجليل التنسي أمتع الله به، إلى آخر كلامه المتقدم بعضه.

وممن أجاب في المسألة الرصاع مفتي تونس وأبو مهدي الماواسي مفتي فاس وابن زكري مفتي تلمسان والقاضي أبو زكرياء يحيى ابن أبي البركات الغماري وعبد الرحمن بن سبع التلمسانيان. وحين وصل جواب التنسي ومعه كان السنوسن لتوات أمر صاحب الترجمة جماعته فلبسوا آلات الحرب وقصدوا كنائسهم وأمرهم بقتل من عارضهم دونها فهدموها ولم يتناطح فيه عنزان. ثم قال لهم من قتل يهودياً فله علي سبع مثاقيل وجرى في ذلك أمور. فنطم في تلك القضية قصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وذم اليهود ومن ينصر اليهود. ثم دخل بلاد أهر ودخل بلاد تكدة واجتمع بصاحبها وأبرأ أهلها وانتفعوا به. ثم دخل بلاد كنو وكشن من بلاد السودان واجتمع بصاحب كنو واستفاد عليه وكتب رسالة في أمور السلطنة يحضه على اتباع الشرع وأمر بالمعروف ونهي عن المكنر وقرر لهم أحكام الشرع وقواعده. ثم رحل لبلاد التكرور فوصل إلى بلدة كاغو واجتمع بسلطانها ساسكي محمد الحاج وجرى على طريقته من الأمر بالمعروف وألف له تأليفاً أجابه فيه عن مسائل. وبلغه هناك قتل ولده بتوات من جهة اليهود، فانزعج لذلك وطلب من السلطان قبض أهل توات الذين بكاغو حينئذ فقبض عليهم. وأنكر عليه ذلك سيدنا أبو المحاسن محمود بن عمر إذ لم يفعلوا شيئاً، فرجع عن ذلك وأمر بإطلاقهم. ورحل لتوات فأدركته المنية بها. فتوفي هناك سنة تسع وتسعمائة. ويقال إن بعض ملاعين اليهود أو غيرهم مشى لقبره فبال عليه فعمي مكانه. وكان رحمه الله مقداماً على الأمور جسوراً جرئ القلب فصيح اللسان محباً في السنة جدلياً نظاراً محققاً. له تآليف منها البدر المنير في علوم التفسير، ومصباح الأرواح في أصول الفلاح كتاب عجيب في كراسين أرسله للسنوسي وابن غازي فقرظاه، وشرح مختصر خليل مزجاً سماه مغني النبيل اختصر فيه جداً وصل فيه للقسم بين الزوجات. وله عليه قطع آخر من البيوعات وغيرها بل قيل إنه شرح ثلاثة أرباع المختصر، وحاشية عليه سماها إكليل المغني وقفت منها إلى التيمم، وشرح بيوع الآجال من ابن الحاجب فبحث فيه مع ابن عبد السلام وخليل، وتأليف في المنهيات، ومختصر تلخيص المفتاح، وشرحه، ومفتاح النظر في علم الحديث فيه أبحاث مع النووي في تقريبه، وشرح الجمل في المنطق، ومقدمة فيه، ومنظومة فيه سماها منح الوهاب العارفين، وشراح خطبة المختصر، ومقدمة في العربية، وكتاب الفتح المبين، وفهرسة مروياته، وعدة قصائد كالميمية على وزن البردة ورويها في مدحه صلى الله عليه وسلم. أخذ عن الإمام عبد الرحمن الثعالبي والشيخ يحيى بن يدير وغيرهما. وأخذ عنه جماعة كالفقيه أيد أحمد والشيخ العاقب الأنصمني ومحمد بن عبد الجبار والفجيجي وغيرهم. ووقع له مراسلة مع الجلال السيوطي في علم المنطق. فمما كتب للسيوطي فيه قوله:

سمعت بأمر ما سمعت بمثله * وكل حديث حكمه حكم أصله
أيمكن أن المرء في العلم حجة * وينهى عن الفرقان في بعض قوله
هل المنطق المعنى إلا عبارة * عن الحق أو تحقيقه حين جهله
معانيه في كل الكلام وهل ترى * دليلاً صحيحاً لا يرد لشكله
أرني هداك الله منه قضية * على غير هذا تنفها عن محله
ودع عنك أبداه كفور وذمه * رجال وإن أثبت صحة نقله
خذ الحق حتى من كفور ولا تقم * دليلاً على شخص بمذهب مثله
عرفناهم باحق لا العكس فاستبن * به لأنهم إذ هم هداة لأجله
لأن صح عنهم ما ذكرت فكم هم * وكم عالم بالشرع باح بضله

في أبيات تركتها. فأجابه السيوطي بقوله:

حمد إله العرش شكراً لفضله * وأهدى صلاة للنبي وأهله
عجبت لنظم ما سمعت بمثله * أتاني عن حبر أقر بنبله
تعجب مني حين ألفت مبدعا * كتاباً جموعاً فيه جم بنقله
أفرر فيه النهي وعن علم منطق * ما قاله الأعلام من ذم شكله
وسماه بالفرقان يا ليت لم يقل * فذا وصف قرآن كريم لفضله
وقال فيه فيما يقرر رأيه * مقالاً عجيباً نائياً عن محله
ودع عنك أبداه كفور وبعد ذا * خذ الحق حتى من كفور بختله
وقد جاءت الآثار في ذم من حوى * علوم يهود أو نصارى لأجله
يعزز به علماً لديه وإنه * يعذب تعذيباً يليق بفعله
وقد منع المختار فاروق صحبه * وقد خل لوحاً بعد توراة أهله
وقد جاء من نهي أتباع لكافر * وإن كان ذاك الأمر حقاً بأصله
أقمت ليلاً بالحديث ولم أقم * دليلاً على شخص بمذهب مثله
سلام على هذا الإمام فكم له * لدي ثناء واعتراف بفضله. اه

محمد بن عبد الرحمن الحوضي، الفقيه الأصول التلمساني العالم الشاعر المكثر. له نظم في العقائد، وشرحه الإمام السنوسي. وله غيره. قال الونشريسه توفي في ذي القعدة عام عشر وتسعمائة بتلمسان. اه.

محمد بن أبي العيش الخزرجي التلمساني، الفقيه الأصولي أبو عبد الله، من فقهائها. له فتاوي منقول بعضها في المعيار وتأليف كبير في الأسماء الحسنى في سفرين. توفي في صفر سنة إحدى عشرة وتسعمائة. ذكره في الوفيات للونشريسي.

محمد بن محمد بن محمد الديمي النحريري. أخذ الفقه عن أبي الجود والقاضي ولي الدين السنباطي ويحيى العلمي والسنهوري. وحضر دروس أبي القاسم النويري وتميز في الفضائل عن كثير من القضاة. ولد ثاني عشر إحدى الجمادين سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة. وبالجملة فهو من نوادر قضاة المالكية. اه من السخاوي.

محمد بن محمد بن أحمد بن موسى السخاوي المدني. قرأ الفقه على المحيي عبد القادر بن عبد الوارث، وأخذ أيضاً عن القرافي والعلمي والسنهوري واللقاني، ولازم أحمد بن يونس في كثير من الفنون. وأذن له القرافي بعده وكذا الحسام بن حريز وأخوه. وناب في القضاء وأوقفني على شرح لأماكن من المختصر وشرح منه كاملاً من القضاء لآخر الكتاب، وقرئ عليه بالمدينة. اه من الضوء اللامع للسنحاوي.

ورأيت في تأريخ المدينة لعبد المعطي السنحاوي أن صاحب الترجمة تولى قضاء المدينة ثلاثين سنة، وأنه توفي عام ثلاثة عشر وتسعمائة، وأن والده أحمد بن أحمد تولى القضاء بها نحو خمسين عاماً إلى قرب وفاته، فتولاها ولده المذكور. اه.

أخذ عنه سقين العاصمي رواية فاس.

محمد بن أبي جمعة المغراوي، الفقيه المدرس أبو عبد الله. توفي في يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة سبع عشرة وتسعمائة بعد صلاة الجمعة.

محمد بن أبي البركات النالي التلمساني، أحد المشهورين بها. له نظم حسن لم أقف على وفاته.

محمد بن أحمد بن عبد الله اليفرني الفاسي، قاضي الجماعة بها شهر بالمكناسي. أخذ عن القوري وغيره. قال بعض أصحابنا. كان فقيهاً قاضياً فرضياً حسابياً. تولى قضاء فاس أزيد من ثلاثين سنة لأنه ولي سنة خمس وثمانين إلى أن مات. وكان فاضلاً ذا سياسة. أخذ عن القوري وعن أبيه وهو من بيت علم من ذرية أبي الحسن الطنجي المعروف بالمكناسي. له تقييد على الحوفية. ولجده عبد الله أيضاً تقييد عليها أجاد فيه. توفي قاضياً سنة ثمان عشرة وتسعمائة. مولده سنة تسع وثلاثين وثمانمائة. اه.

قلت: وله تأليف في القضاء، نقل عنه عصريه الشيخ ابن غازي في تكميل التقييد وأنجب ولده. تولى الفتوى بفاس.

محد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني المكناسي ثم الفاسي، شيخ الجماعة بها الإمام العلامة البحر الحافظ الحجة المحقق الخطيب جامع شتات الفضائل خاتمة علماء المغرب وآخر محققيهم ذو التصانيف المفيدة العجيبة. قال تلميذه عبد الواحد الونشريسي: شيخنا الإمام العالم الأثير السيد أبو عبد الله كان إماماً مقرئاً مجوداً صدراً في القراآت متقناً فيها عارفاً بوجوهها وعللها طيب النغمة قائماً بعلم التفسير والفقه والعربية متقدماً فيها عارفاً بوجوهها ومتقدماً في الحديث حافظاً له واقفاً على أحوال رجاله وطبقاتهم ضابطاً لذلك كله معتنياً به ذاكراً للسير والمغازي والتأريخ والأدب فاق في كل أهل وقته. ولد بمكناسة الزيتون وأخذ العلم بها، وبفاس عن مشايخ جلة كالأستاذ النيجي والفقيه القوري وغيرهما ممن ذكره في برنامجه. أنفق عمره في طلب العلم وإقرائه والعكوف على تقييده ونشره. ألف في القراآت والحديث والفقه والعربية والفرائض والحساب والعروض وغيرها تآليف نبيلة. ولي خطابة مكناسة ثم بفاس الجديدة ثم الخطابة والإمامة بجامع القرويين آخراً. ولم يكن في عصره أخطب منه، وكان يسمع في كل شهر رمضان صحيح البخاري وله عليه تقييد نبيل. وتخرج بين يديه عامة طلبة فاس وغيرها. رحل الناس للأخذ عنه وتنافسوا فيه. كان عذب المنطق حسن الإيراد والتقرير فصيح اللسان عارفاً بصنعة التدريس ممنع المجالسة جميل الصحبة سري الهمة نقي الشيبة حسن الأخلاق والهيئة عذب الفكاهة معظماً عند الخاصة والعامة. حضرت مجالس إقرائه تفسيراً وحديثاً وفقهاً وعربية وغيرها وكلها في غاية الاحتفال وانتفعت به وبالجملة، فهو آخر المقرئين وخاتمة المحدثين. لم يزل باذل النصيحة للمسلمين محرضاً لهم في خطبه ومجالس إقرائه على الجهاد والاعتناء بأموره، حضر فيه بنفسه مواقف عديدة ورابط مرات كثيرة وخرج في آخر عمره لقصر كتامة للحراسة، فمرض ورجع لفاس فاستمر به إلى أن توفي إثر صلاة الظهر يوم الأربعاء تاسع جمادي الأولى سنة تسع عشرة تسعمائة، ودفن في عدوة فاس الأندلس صبح يوم الخميس. واحتفل الناس بجنازته عظيماً، حضرها السلطان ووجوه دولته فمن دونه، وتبعه ثناء حسن جميل وتأسفوا عليه عظيماً. اه من خط من نقله من خط عبد الواحد الونشريسه.

قلت: وممن أخذ عنه ابن العباس الصغير وأحمد الدقون والمفتي علي بن هارون في خلق لا يحصون. وأما تآليفه فمنها شفاء الغليل في حل مقفل خليل بين فيه هفوات وقعت لبهرام، ومواضع مشكلة من المختصر أجادها ما شاء من أحسن الموضوعات عليه متداول شرقاً وغرباً، وتكميل التقييد وتحليل التعقيد على المدونة كمل به تقييد أبي الحسن الزرويلي، وحل مشكل كلام ابن عرفة في مختصره في ثلاثة أسفار كبار. سمعت أن بعض معاصريه الفاسيين يقول أما التكميل فقد كمله، وأما التعقيد فما حله. اه.

وحاشية لطيفة على الألفية مفيدة نبه فيها على مواضع من كلام المرادي مع نقل زوائد الإمام الشاطبي وتحقيقاته العجيبة، ومنية الحساب في الحساب بديع النظم، وشرحها حسن مفيد سماه بغية الطلاب في مجلد، وذيل الخزرجية في العروض، ونظم مشكلات الرسالة، وفهرسة شيوخه، وحاشية لطيفة في أربعة كراريس على البخاري، وإنشاد الشريد في ضوال القصيد تكلم فيه على الشاطبية، والمطلب الكلي في محادثة الإمام القلي، والروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون في نحو كراس. وقد وقفـ على الجميع. ومما لم أقف عليه من تآليفه الجامع المستوفي بجداول الحوفي، والمسائل الحسان المرفوعة إلى حبر فاس وتلمسان، ونظم مراحل الحجاز، وشرحه. واستنبط من حديث أبي عمير ما فعل النغير مائتي فائدة، وترجمها وقد وقفت على التراجم. مولده عام أحد وأربعين وثمانمائة. قاله المنجور في فهرسته. ورثاه تلميذه العلامة شقرون بن أبي جمعة الوهراني بقصيدة مليحة تركتها لطولها.

محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن بحبش التازي، الفقيه الصالح الأديب الناظم الناثر أبو عبد الله. كان فقيهاً نحوياً عرضياً. له منفرجة مطلعه:

اشتدى أزمة تنفرج * قد أبدل ضيقك بالفرج
مهما اشتدت بك نازلة * فاصبري فعسى الفرج يجي

توفي عام عشرين وثمانمائة. كذا وجدته بخط بعض أصحابنا. وقال غيره: كان عالماً صالحاً فقيهاً شاعراً. له قضائد يندب الناس بها للجهاد عند كائنة غرناطة أعادها الله تعالى. اه.

قلت: وله قصائد في مدح تآليف الإمام السنوسن كالصغرى وشرح مسلم ومراسلات معه. ذكره تلميذه الإمام الملالي، ومن نظمه في الرد على البيتين اللذين ذكرهما الزمخشري في الطعن على السنة.

محمد بن أحمد بن محمد بن أبي يحيى بن أحمد بن الخطيب بن مرزوق، فيه اجتمع أبواه، وهو ولد الخطيب شمس الدين ابن مرزوق. قال أبو عبد الله بن العباس: الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيس التلمساني شهر بالخطيب سبط الإمام الحبر قطب المغرب الحفيد ابن مرزوق ابن بنته حفصة، وجد صاحب الترجمة أحمد المذكور هو والد الحفيد ابن مرزوق، وفيه اجتمع أبواه، وهو ولد شمس الدين ابن مرزوق. وقال أبو عبد الله ابن العباس في صاحب الترجمة: آخر علماء قطرنا الآخذ من كل فن بأوفر نصيب الحائز قصب السبق فيه خصوصاً علم الحديث فإنه حصل له بالفرض والتعصيب، صدر الحفاظ المبرزين وإمام الجهابذة النقاد المتقنين السيد الأعدل الأكمل ابن السيدة حفصة بنت زعيم العلماء وسيد الكملة الشرفاء العالم المطلق محمد بن مرزوق الحفيد. قرأت عليه أبعاضاً من شفاء عياض والبردة والشقراطيسة وشمائل الترمذي وتأليف جده الأعلى الخطيب المسمى عجالة المستوفز، وحضرت عليه تفسير القرآن، وسمعت عليه جملة الصحيحين. اه.

أخذ عن جاله الكفيف ابن مرزوق والإمام ابن العباس وغيرهما. وكان حياً في حدود العشرين وتسعمائة.

محمد بن أبي مدين التلمساني، تلميذ الإمام السنوسي. قال أبو عبد الله بن العباس: شيخنا السيد الفاضل العلامة أبو عبد الله محديي دارس علم الشريعة علم الأعلام حائز قصب السبق منقولاً ومعقولاً خصوصاً علم الكلام لو لا هو لتلاشي فن علم المعقول بأسره بمغربنا تفقهت عليه دراية في مقدمة السنوسن وصغراه وكبراه ومختصره المنطقي ودولاً من شرح الكبرى ومختصر الأبي على مسلم وابن الحاجب الأصلي وتلخيص المفتاح ودولاً من البخاري رواية. اه.

وكان حياً قرب العشرين وتسعمائة.

محمد بن محمد بن العباس التلمساني شهر ببو عبد الله، الفقيه العالم النحوي ابن الإمام العلامة المحقق ابن العباس. أخذ عن جماعة كالإمام السنوسي والكفيف ابن مرزوق والحافظ التنسي وابن زكري وغيرهم. ورحل لفاس وأخذ عن ابن غازي، ورجع لبلاده. له مجاميع وفوائد ومرويات وأبحاث، وقفت على بعضها. وكان حياً بعد العشرين وتسعمائة.

محمد الكفيف الأنفاسي، الأديب أبو عبد الله من أصحاب ابن غازي. ومن نظمه في تذليل بيت بعض القدماء، وهو:

لقد هتكت قلبي سهام جفونها * كما هتك اللخمي مذهب مالك
وصالت على الأوصال بالقد قدها * فأمست كأبيات بتقطيع مالك
وقلدت إذ ذاك الهوى في مرادها * كتقليد أعلام النحاة ابن مالك
وملكتها وقي لرقة عطفها * وإن كنت لا أرضاه ملكاً لمالك
وناديتها يا بغيتي بذل مهجتي * ومالي قليل في بديع جمالك.

توفي على ما قيل في حدود ثمان وعشرين وتسعمائة.

محمد بن موسى الوجحديجي التلمساني، أدرك السنوسن وطبقته من حفاظ مختصر ابن الحاجب معتنياً به. لقيه أبو العباس الزقاق وباحثه. وأخذ عنه شقرون بن هيبة والشيخ محمد بن جلال التلمساني وغيرهما. وكان حياً قرب الثلاثين وتسعمائة.

محمد بن أبي جمعة الهبطي، عالم فاس. توفي عام ثلاثين وتسعمائة.

محمدب بن محمد بن محمد القوري الفاسي، مفتيها الفقيه العالم. توفي بعد الثلاثين وتسعمائة.

محمد بن حسن بن علي بن عبد الرحمن شمس الدين اللقاني. قال البدر القرافي: شيخ شيوخنا الفقيه الصالح العلامة المحقق. قال في الضوء اللامع: ولد بلقانة من قرى مصر وحفظ بها القرآن والشاطبية والرسالة. ثم قدم القاهرة فحفظ مختصرالشيخ خليل وألفية ابن مالك. فلازم في الفقه البرهان اللقاني والسنهوري. وأخذ العربية عن الأخير، والأصول مع العربية عن الجوجري، والمنطق عن التقي الحصني. وجلس ببب البرهان اللقاني أيام قضائه. ولد وقت صلاة الجمعة عاشر المحرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة. اه من السخاوي.

قال القرافي: ومات كما وجدته بخط الداودي يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الثاني سنة خمسين وثلاثين وتسعمائة. اه.

ولم يخلف بعده مثله، وعم نفعه في الفتوى. عكف عليه الناس وتزاحموا عليه. انفرد بإقراء مختصر الشيخ خليل وتفقه عليه شيوخنا. وله تحريرات بديعة من الطرر عليه موجودة عند بعض الأصحاب، وذكر أنه كتب حاشية عليه. فلما ظهرت حاشية ابن غازي وجدت موافقة لما حرره بالمعنى، فامتنع من إظهار حاشيته. وكان ينفر من قراءة حاشية ابن غازي عنده في درسه. وله مكاشفات عديدة عجيبة. أخذ عن زروق وانتفع بعلمه وعمله وداوم خدمته وحصل له بذلك خير كثير. اه.

وقال أيضاً: هو وأخوه الناصر من العلماء الأجلاء العاملين عليهما مدار المذهب بمصر. وهو أكبر سناً وأكثر فقهاً. له قدم راسخ في الكشف. اجتمع بعده أولياء من المصريين والمغاربة. وأخوه ناصر الدين أكثر تحريراً وتحقيقاً في العلوم العقلية. زاد النفع به لطول عمره واشتغاله ليلاً ونهاراً وكثرت تلامذته. اه.

محمد بن أحمد بن أبي محمد التازخي. شهر بأيد أحمد بهمزة مفتوحة ثم ياء ساكنة ثم دال مفتوحة بعدها، اسم أحمد ومعناه بلغتهم أبركان شيخاً فقيهاً عالماً علامة محققاً فهامة محدثاً متفنناً متقناً رحلة شهيراً محصلاً نافذاً جيد الخط والفهم حسن الإدراك كثير انزاع قرأ ببلده على جدي الحاج أحمد بن عمر وعلى خاله الفقيه علي وحصل ثم رحل إلى تكدة فلقي بها المغيلي وحضر دروسه ثم الشرق صحبة سيدنا الفقيه محمود فلقي أجلاء كشيخ الإسلام زكريا والبرهانين والقلقشندي وابن أبي شريف وعبد الحق السنباطي في جماعة فأخذ عنهم على الحديث وسمع وروى وحصل ودأب حتى تميز في فنونه وصار في أعداد المحدثين ولقي الشمس اللقاني والناصر أخاه حضر دروسهم وتصاحب مع أحمد بن عبد الحق السنباطي وأجازه من أهل مكة أبو البركات النويري وابن عمه عبد القادر وعلي بن ناصر الحجازي وأبو الطيب البستي وغيرهم واجتهد حتى صار من محصلي العلماء ثم قفل للسودان فنزل بلدة كشن فأكرمه صاحبها غياة وولاه قضاءها وتوفي بها في حدود ست وثلاثين وتسعمائة عن نيف وستين سنة له تقاييد وطرر على مختصر خليلف وغيره.

محمد بن إبراهيم التتائي، بتاءين فوقيتين مخففتين أبو علد الله شمس الدين المطري قاضي القضاة بها. قال البدر القرافي: كان موصوفاً بدين وعفة وصيانة وفضل وتواضع. تولى القضء ثم تركه وأقبل على الاشتغال والتصنيف. له يد طولى في الفرائض. شرح المختصر بشرحين سمى الكبير فتح الجليل، والآخر جواهر الدرر، وشرح ابن الجادب الفرعي في سفرين لخصه من التوضيح، وشرح الإرشاد لابن عسكر، والجلاب، والقرطبية، والشامل ولم يكمله، ومقدمة ابن رشد، وألفية العراقي. وله حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع، وغيرها في الفرائض والحساب، والميقات كما وجدته بخط بعض أصحابنا. وأنكر بعض أصحابه أن يكون حشى على المحلي. سمعت بعض أشياخي يقول: أخذ ما تعب فيه أبو الحسن الشاذلي مما جمعه في شروحه على الرسالة الستة ووضعه في شرحه باختصار. توفي بعد الأربعين وتسعمائة. اه.

قلت: ما قاله بعض شيوخه غير مسلم، بل من وضع شرحه على خليل وغيره. ولا يصعب عليه وضع شرح على الرسالة حتى يستعين بما ذكره، وإنما هو تحامل وعصبية، اللهم غفراً. والله أعلم على أن شرحه الكبير على خليل فيه مواضع كثيرة جداً، حصل له فيها الوهم نقلاً وتقريراً وبحثاً، تتبعها سيد والده ثم شيخنا الفقيه محمد بغيغ كما سيأتي في ترجمته. أخذ صاحب الترجمة عن السنهوري والشيخ داود وأحمد بن يونس القينطيني وعن زكريا وسبط المارديني وغيرهم.

محمد بن عبد الرحمن بن حسين أبو عبد الله الرعيني أندلسي الأصل الطرابلسي ثم المكي، عرف بها بالحطاب. ولد بطرابلس وتفقه على محمد الفاسي وعلى أخيه في المختصر. ثم تحول مع أبويه وأخويه إلى مكة سنة سبع وسبعين وحضر عند السراج معمر في الفقه وجلس للإقراء في الفقه والعربية. ولد وقت صلاة الجمعة في العشر الأواخر من صفر سنة إحدى وستين وثمانمائة. اه من السخاوي.

قلت: وأخذ أيضاً عن السنهوري والشيخ عبد المعطي بن خصيب ويحيى العلمي وقاضي المدينة محمد بن أحمد السخاوي والإمام أحمد زروق والحافظ أبي الخير السخاوي المذكور والشمس الراعي بن الناصر الشفعيين وغيرهم. ذكر ذلك ولده العلامة محمد الحطاب. وأخذ عنه جماعة كولديه وغيرهما. وكان حياً في حدود أربع وأربعين وتسعمائة.

محمد ابن علي بن أبي الشرف التلمساني، الشريف الحسني. أخذ عن ابن غازي والدقون وغيرهما. له تعليق على شفاء عياض في سفر سماه المنهل الأصفى في شرح ألفاظ الشفا لخصه من شرح العلامة الحافظ محمد بن الحسن أبركان ومن شرح الزموري مع أشياء من كلام ابن مرزوق والشمني. كتب له على ظهره: ابن غازي طالعت بعض هذا المجموع فأعجبني، وذلك في عام ثمانية عشر وتسعمائة. اه.

ولم أقف على وفاته.

محمد بن عبد الكريم بن أحمد الدميري، نسبة لبعض قرى مصر بغريبها. قال سبطه البدر القرافي: ولد بها وحفظ القرآن. ثم قدم القاهرة فشغل بالعلم وبرع في الفقه. تولى قضاءها معتمداً عليه في المهمات ومشاراً إليه في علم القضاء والنوازل وصحيح الوثائق، لا يقر على باطل يضرب بوثيقته المثل يملي وثيقتين على كاتبين في وقت واحد لا يجف قلم أحدهما. أخذ عن الشمس التتائي وغيره. وخطب بالغورية ودرس بالطولوني الفقه والحديث وبالمنصورية والأشرفية والشيخونية وغيرها الفقه. وكان ذا همة وصرامة وشهامة منفذاً للأحكام يهابه الخصوم. استقر في القضاء منفرداً مع وجود شيوخه نائباً عن القاضي الرومي. وكان الناصر اللقاني إذا عرضت عليه فتوى تحرز فيها ويقول يحتمل أن يقول الدميري أردت وجهاً شرعياً بلفظ كذا. له نظم لطيف، وشرح من أول المختصر لصلاة السفر ومن البيوع للجراح. توفي ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة.

محمد ماغوش أبو عبد الله التونسي، عالمها وفقيهها الإمام العلامة الكبير الحافظ المحقق المعقولي البارع. قرأ بتونس فحصل وكان أعلم أهلها بالمعقولات. ثم لما أخذت تونس خرج عنها ورحل لبلد الروم فدخل اسطنبول فلقي بها علماءها فأثنوا عليه عند السلطان سليمان فأكرمه وطلب منه الإقامة بها، فامتنع ورجع إلى مصر واجتمع بعلمائها وتعجبوا من درجته في الفنون. فأدركته الوفاة بها في قرب ومات في حدود خمسين ظناً. وذكر من حفظة أنه يحفظ صحيح البخاري. أخذ عنه الشيخ اليسيتني الفاسي وغيره.

محمد بن حسن الشيخ ناصر الدين اللقاني، شيخ شيوخنا الإمام العلامة المحقق الفهامة بقية السلف ذو الفضائل العديدة والعلوم النفيسة. قال القرافي: شارك أخاه في غالب شيوخه وأخذ عن علامة المعقولات منلاعلي العجمي وغيره. وجلس لإقراء العلوم على اختلافها على وجه لم يشاركه فيه أهل عصره من فك العبارات وتحريرها والنظر فيها. فأقرأ تفسير البيضاوي وأصله والطوالع والعضد وتلخيص المفتاح وشرحي السعد والمحلي على السبكي والشمسية ومغني ابن هشام والألفية وشرحها والرضى وغيرها والتهذيب مرتين بمطالعة أبي الحسن الزرويلي وابن الحاجب بالتوضيح ومختصر خليل وغيرها من الفقه نحو ستين سنة لا يفتر عن الاشتغال والإشغال طول نهاره. ولذا لم يصنف أشياء إلا ما كتب من الطرر على نسخة التوضيح. وكنت سبباً في جمعه بعد موته فجاءت في مجلدين لطيفين بعد أن صمم وارثه على الامتناع من ذلك، فعم النفقع بها. ونسب إليه تقييد على المحلي شارح السبكي جرد من خطه، وعلى شرح السعد للعقائد، وعلى شرحه أيضاً للتصريف الغزي، وشرح خطبة المختصر. ودارت عليه الفتوى بمصر بعد موت أخيه لإشارته له بذلك. وكتب قليلاً في حياته. واستفتى من سائر الأقاليم في العلوم العقلية والنقلية. وكان حافظاً لناموس العلم. لا يدخل بيت أمير ولا غيره بل صلى نائب السلطان الجمعة بجامع الأزهر. وطلب الاجتماع به فأرسل إليه لا يأتيني ويتركني أدعو له في موضعي ولم يجتمع به. وامتنع من الولاة والدخول في دنياهم. وتجرد في آخر عمره عن الدنيا وفرق ماله بيده على أماثل طلبة الفقراء لوجهه تعالى. وأنكر على من حسن له إبقاءه بيده خوف الفقر في آخر العمر. وقال تريد أن تغشني في آخرتي؟ وأعرض عنه وبالجملة فهو آخر من انتهت إليه رئاسة العلم بمصر ممن رأيناه، لم يبق من أهل المذاهب المخالفة وغيرهم إلا من طلبته وطلبة طلبته. توفي في شعبان سنة ثمان وخمسين وتسعمائة. مولده كتبه بخطه سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة. وكثر النفع به لطول عمره وجميل صبره على الطلبة من المذاهب الأربعة في العلوم العقلية. فشيوخ الوقت كلهم من طلبته. وطلب وكيل السلطان الإجتماع به فقال إن عدل عن الاجتماع بي دعوت له وإلا فلا. اه ملخصاً.

قلت: وأخذ عنه شيوخنا كسيدي والدي أحمد بن أحمد وسيدي القاضي العاقب أجازه جميع ما يجوز له وشيخنا الفقيه محمد بغيغ وأخيه أحمد، والحمد لله تعالى.

محمد أبو السعادات بن أبي القاسم أحمد بن الشيخ عبد القادر المكي، من فقهائها. نقل عنه عصريه سيدي الحطاب في شرح المختصر. ثم رأيت في بعض تقاييده أنه أخذ عن جده قاضي القضاة عبد القادر المكي والشرف العلمي والعلامة الفهامة سعيد الدكالي المغربي ووالده العلامة الحافظ محمد بن سعيد الدكالي والعلامة العارب بالله أحمد زروق والعلامة سراج الدين البياني المغربي وعن الشمس السخاوي والشهاب أحمد الصنهاجي المغربي والعلامة القطب الطبري والعلامة المجد إسماعيل اليميني والعلامة الشريف عبد الله الأمحي الشافعي والعلامة العارف بالله البرهان المواهبي الحنفي وغيرهم، وأنه ولد في عاشر ذي الحجة عام سبعة وستين وثمانمائة. وكان حياً عام ثلاثة وعشرين وتسعمائة.

محمد بن محمد ابن عبد الرحمن بن حسن الرعيني المغربي الأصل المكي المولد شهر بالحطاب، شيخ شيوخنا الإمام العلامة المحقق البارع الحافظ الحجة الجامع الثقة النظار الورع الصالح الأبرع الجليل. كان من سادات العلماء وسراتهم جامعاً لفنون العلم متقناً محصلاً متفنناً نقاداً عارفاً بالتفسير ووجوهه محققاً في الفقه وأصوله عارفاً بمسائله مقتدراً على استنباطه يقيس على المنصوص غيره حافظاً كبيراً للحديث وعلومه محيطاً باللغة وغريبها عالماً بالنحو والتصريف فرضياً حسابياً معدلاً محققاً لها، له الإمامة المطلقة في ذلك جامعاً لسائر الفنون. وبالجملة فهو آخر الأئمة المتصرفين في الفنون التصريف التام بالحجاز وآخر أئمة المالكية بها. له تآليف بارعة تدل على إمامته وسعة علمه وحفظه وسيلان ذهنه وقوة إدراكه وجودة نظره وحسن اطلاعه يستدرك فيها على الأئمة الفحول كابن عبد السلام وخليل وابن عرفة فمن فوقهم، وفي الحديث على الحفاظ كابن حجر والسخاوي والسيوطي وناهيك به في درجته. أخذ الفقه وغيره عن جماعة كوالده الحطاب الكبير والعلامة أحمد بن عبد الغفار والعارف بالله محمد بن عراقـ وروى عن الحفاظ الشيخ عبد القادر النويري وابن عمه المحب أحمد بن أبي القاسم النويري والبرهان القلقشندي والعز عبد العزيز بن فهد والجمال الصاني وعبد الرحمن القابوني وغيرهم، وأجازوه. وأخذ عنه الشيخ عبد الرحمن التاجوري والشيخ محمد القيسي وولده شيخنا يحيى الحطاب وشيخنا محمد الفلاني وغيرهم. وألف تآليف حساناً أجاد فيها ما شاء كشرحه على مختصر خليل، مات عنه مسودة فبيضه ولده الشيخ يحيى في أربعة أسفار كبار وفيه دليل على جودة تصرفه وكثرة اطلاعه وحسن فهمه لم يؤلف على خليل مثله في الجمع والتحصيل بالنسبة لأوائله والحج منه استدرك فيه أشياء على خليل وشراحه وابن عرفة وشراح ابن الحاجب وغيرهم، وشرح مناسك خليل شرحاً حسناً، وشرح قرة العين في الأصول لإمام الحرمين. وألف في مسائل إلزام الإنسان نفسه معروفاً سماه تحرير الكلام في مسائل الالتزام حسن في نوعه لم يسبق إليه، ومناسك سماه هداية السالك المحتاج لبيان فعل المعتمر والحاج في كراسين، وشرح رجز ابن غازي في نظائر الرسالة سماه تحرير المقالة، وكتاب تقريج القلوب بالخصال المكفرة لما تقدم وما تأخر من الذنوب جمع فيه بين تأليفي الحافظ بن الحجر والسيوطي وزاد عليهما في كراسة والبشارة الهنيئة بأن الطاعون لا يدخل مكة والمدينة والقول المتين أن الطاعون لا يدخل البلد الأمين، وعمدة الراوين في أحكام الطواعين، والمقدمة التي بسط فيها مسائل الجرومية، وثلاثة رسائل في استخراج أوقات الصلاة بالأعمال الفلكية من غير آلة من الآلات كبرى ووسطى وصغرى كملى [=كملت] منها الوسطى وانتشرت، ومؤلف يشتمل على تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والمرسلين وعلى تفضيله على الملائكة وما يلزم من فضل عليه أحداً من الأنبياء والملائكة، ومؤلف في استقبال عين الكعبة وجهتها والفرق بين العين والجهة جعله شرحاً على كلام صاحب الإحياء في كتاب السفر لطيف جداً في نصف كراس مفيد، ومختصر إعراب الألفية لخالد الأزهري مع يسير من زيادة في أربعة كراريس. وله عدة تآليف لم تكمل منها تفسير القرآن وصل فيه لسورة الأعراف، وحاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على الإحياء نحو ثلاثة أرباع الكتاب وصل فيه إلى أواخر ذم الجاه، وشرح قواعد عياض وصل فيه إلى أثناء القاعدة الثانية، وحاشية على شرحها للقباب، وقواعد على نمط قواعد عياض وصل فيه إلى القاعدة الثانية، وتعليق على ابن الحاجب يتضمن ما أطلقه من الخلاف، والتنبيه على ما خالف فيه المشهور والمذهب وصل فيه إلى سنن الصلاة، وتعليق على مواضع من أثنائه، وتعليق في المسائل التي انفرد بها الإمام مالك وذكر فيه بعض مسائله، وتعليق في المسائل التي لم يقف فيها على نص في المذهب، وتعليق على ما في كلام بهرام في شروحه الثلاثة مما فيه الإشكال ومخالفة للمنقول لم يتم وإنما كتب منه يسيراً، وتعليق على الجواهر وصلفيه إلى شروط الصلاة، وتعليق على ابن عرفة يتضمن الكلام على تعريفاته والتنبيه على بعض اعتراضاته من كلامه كتب منه يسيراً، وحاشية على توضيح النحو وشرح الشيخ خالد عليه، وشرح على مختصر الحوفي وصل فيه المناسخات، وتعليق جميع المواضع التي غلط فيها صاحب القاموس صاحب الصحاح، وتعليق يذكر فيه الألفاظ العربية التي فسر صاحب الصحاح كل لفظ منها بمرادفه فاستغنى بها عن التفسير كقوله في فصل الجيم في باب الباء الجدب نقيض الخصب ثم قال في فصلا خاء الخصب بالكسر نقيض الجدب ثم يفسر الشيخ كل واحد من اللفظين بما قاله أهل اللغة، وحاشية على الشامل وصل فيه إلى شروط الصلاة، وحاشية على الإرشاد وصل فيه إلى الاستقبال، وتأليف في القراآت، وحاشية على قطر الندى في النحو. مولده ليلة الأحد ثامن عشر من رمضان سنة اثنين وتسعمائة، وتوفي يوم الأحد تاسع ربيع الثاني سنة أربع وخمسين.

محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليسيتني الفاسي. قال تلميذه أبو العباس المنجور: شيخنا الفقيه العلامة الإمام المحقق الجامع بين المعقول والمنقول الحاج الخطيب المفتي الصالح كان مجتهداً في طلب العلم نابذاً للراحة والرفاهية ما زال يدرس حتى مات لا يتكلف في لباسه وطعامه وشأنه كله حريصاً على نشر العلم لا يمنع كتاباً من الطلبة. قرأ على الإمام ابن غازي قليلاً وعلى الفقيه يحيى السوسي الفقه والأصلي وعلى الفقيه أبي العباس الزقاق مختصر خليل والألفية والتفسير والحديث وغيرها وعلى الأستاذ أبي عمران الزواوي لازمه كثيراً وعلى المفتيين ابن هارون وعبد الواحد الونشريسي والمحدث سقين العاصمي لازمه والإمام الصالح المتفنن أبي العباس الحباط قرأ عليه تفسير ابن عطية وقال ما أدركت أورع منه. ثم اشتغل بالتصوف وصحبة الصالحين فحسنت أخلاقه وكثرت صدقاته وحرصه على الخير كثير البكاء سريع الدمعة. ثم ارتحل فلقي بتلمسان جماعة كالفقيه المفتي الكبير الصالح محمد بن موسى والإمام المتفنن أبي عثمان سعيد المنوي وبقسنطينة فقيهها العالم المحقق المتفنن الصالح عمر الوزان والفقيه الأصولي المتفنن محمد العطار كان قائماً على الطوالع، وبتونس إمام المعقولات ماغوش وقاضيها أبي العباس أحمد سليطين والمعقولي الصوفي محمد الحويحب والفقيه الشريف ابن علي والفقيه القاضي أبي القاسم البركشي وخطيبها ومفتيها أبي محمد حسن الزلديوي والفقيه الأصيل أبي عبد الله بن عبد الرفيع له قدم في المنطق وأبي عبد الله البياشي كان غاية في تقرير أصلي ابن الحاجب فأخذ عنهم، وبمصر عن الأخوين الفقيهاين شمس الدين وناصر الدين اللقانيين عام أحد وثلاثين والفقيه المفسر الصوفي أبي الحسن البكري والشيخ البحيري، وبمكة والشيخ ملا عبد الرحمن العجمي والشيخ الصالح محمد الحطاب والفقيه المتفنن عبد العزيز اللمطي. ثم رجع لفاس سنة اثنين وثلاثين فدرس بها وكان يطيل الدرس بالنقل والبحث. ثم حصل له كلل وملل. كان متواضعاً يحضر مجالس أقرانه. لازمته نحو إحدى عشرة سنة فأخذت عنه الفقه والأصلين والنحو والبيان والحديث والتفسير، حتى توفي ليلة الأربعاء فاتح تسعة وخمسين. ولما احتضر كبر إحدى عشرة مرة ثم قضى. وتنور لونه بعد موته. وقال غاسله: وكان صالحاً ما رأيت مثل نوره لميت. صلى عليه السلطان فمن دونه. مولده سنة سبع وتسعين وثمانمائة. وكان شديد التغيير للمنكر لا يتمالك عند رؤيته حتى يغيره بيده وكثيراً ما يحسد ويؤذي فيصبر. أصله من يسيتن بربر من أعمال دبد ينتمون للشرف كان أبوه وجده ينتمون لذلك وتورع هو عنه. أخذ عنه جماعة كأبي الحسن السكتاني قاضي مراكش. له تآليف منها جزء على التاجوري في تصحيح قبلة فاس والرد على مخلوف البلبالي في إنكاره القول بطهارة بول المريض الذي باله بأوصاف الماء بلا تغير وكان محلوف ألف فيه تأليفاً رد به على من نقل طهارته سلك فيه طريقة المعقول فناقضه، والرد على عبد الوهاب الزقاق في زعمه صحة الخلف في وعيده تعالى، وشرح مختصر خليل وصل إلى النواقض، وتأليف في حقوق السلطان على الرعية وحقوقهم عليه، وتأليف في الرد على من زعم أن لا إله إلا الله لا ينتفي بها ألوهية صنم وغيره ونحوه مما عبد دونه تعالى. اه ملخصاً.

محمد بن مهدي الدرعي الجرار، وجرار بفتح الجيم على وزن فعال نسبة لقبيلة من العرب بسوس الأقصى. قال تلميذه عبد الواحد الشريف في فهرسته: كان آية في حسن الطوية وسلامة الصدر وحسن الخلق والانقباض عن الدنيا وزينتها والزهد فيها. دعاه الملوك لدنياهم فما التفت إليها وأعطوه صلاة فلم يئن لها عناناً مع فادح الضرورة. كساه الله هيبة عندهم فلا أذل في نفسه من العمال فلا يلقي لهم بالاً، ولا يرون منه اهتبالاً. أفنى عمره في التعلم والتعليم صبوراً في ذلك فانتفع به كل من قرأ عليه لصلاح نيته وسيرته في الإقراء الاقتصار على تصحيح المتن وحل المشكل وإيضاح المقفل. ويقول حقيقة الإقراء تصحيح المتن وحد المشكل وزيادة غيره ضررها بالتعلم أكثر من نفعها، ويحكيه عن ابن عرفة أو غيره كان الإفادات والإنشادات. ورأينا له من صالح الحالات وإجابة الدعوات وعموم البركات ما هو معروف للصالحين. قرأت عليه صحيح البخاري مع بحث وعربية ومعنى وأربعينيات النووي والتهذيب ورجز التلمساني والونشريسي في الفرائض والخزرجية في العروض ومغني ابن هشام وقوانين ابن أبي الربيع في النحو وتنقيح القرافي وبعض شرحه وتشوف التادلي وشرح صغرى السنوسي وغيرها. وسمعت تفسير ابن عطية وغيره وحكم ابن عطاء الله وشرحها ومختصر ابن الحاجب وخليل والألفية واللامية. ولما أشرف على معترك المنايا صرف أكثر عنايته لصالح الأعمال فامتطى الليل جملاً. وبلغ في طاعة ربه أملاً فلا يزال لسانه رطباً بذكره تعالى وقبله منيباً مع التزهيد في الدنيا ومعاناة شاق الأعمال، حتى توفي ليلة الخميس حادي عشرين من جمادي الأولى سنة تسع وسبعين وتسعمائة. مولده آخر يوم من ذي الحجة سنة اثنين وتسعمائة.

محمد بن محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي، قاضي تنبكت. كان رحمه الله على ما أخبرني به والدي ذا فهم ثاقب وذهن صاف واقد فهاماً دراكاً من دهاة الناس وعقلائهم. تولى القضاء بعد أبيه. فساعدته السعادة فنال ما شاء من دولة ورئاسة تفيأ منها ظلاً ظليلاً واكتسب من الدنيا عريضاً وطويلاً. له تعليق على رجز المغيلي في المنطق أخذعنه والدي البيان والننطق. وتوفي في صفر سنة ثلاث وسبعين بتقديم السين وتسعمائة. مولده سنة تسع وتسعمائة.

محمد بن مجبر الفاسي. قال المنجور في فهرسته: شيخنا الفقيه الأستاذ العروضي المتفنن كان متقناً للقراآت حفظاً وفهماً، فاق أقرانه فيها مع رسوخ القدم وتحقيق الألفية وشروحها واعتناء بالمرادي، قيد عليه كثيراً عن شيخه الزواوي ويحيى السوسي مشاركاً في الفقه، يحفظ ابن الحاجب وقرأه مراراً على عبد الواحد الونشريسي. وأخذ الفرائض عن أبي القاسم الكوشي الدرعي وعن ابن هارون، وحضر على أبي العباس الزقاق في الفقه والتفسير ويحفظ السبع خفاظاً بالغاً يستحضر نصوص الشاطبية. له أبحاث ونكت مع المكودي على الأفية جمعها عن شيوخه، ومن شروح التسهيل قيدها الطلبة. ولد في حدود ثمان وتسعين وثمانمائة، وتوفي سنة ثلاث وثمانين. اه.

قال عبد الواحد الشريف: كان غاية في صلاح النية والبعد عن الأخلاق الردية وإضمار الخير لكل البرية مقبلاً على ما يعنيه لا يخوض في ما لا ينبغي مع عفة ونزاهة ومسكنة وقناعة ووقار وخلق، عليه المدار في قطره في تحقيق السبع وأححكامها مع انفراده بحمل لواء النحو وتحقيقه. له إيراد يهز النفوس سماعه، وإشكال يحير الأفكار أبداعه. اه ملخصاً.

محمد بن محمد محب الدين بن أحمد الفيشي، أحد أعيان مالكية مصر. أخذ عن الناصر اللقاني والشمس التتائي والدميري والشرف الطخيخي والزينين البحيري والأجهوري والفتح الوفائي، قرأ عليهم مختصرخليل وأكثر ابن الحاجب على الأجهوري والبخاري على السراج العبادي ويوسف السالمي الشهير بالحمل من بقية السادات وشيخ الإسلام التنوخي الحنبلي والشمس الأبودري وغيرهم. ولد في رحب عام سبعة عشر وتسعمائة. وقال البدر القرافي في فهرسته: شيخنا علم المحدثين صاحب السند المتين الزاكي خلقاً وخلقاً ابن الشيخ محب الدين ابن الإمام الحجة عين القضاة الأخيار الشهاب الفِّيشي—بفاء مكسورة فمثناة تحتية ثم شين معجمة ثم ياء—نسبة لبعض قرى مصر حاله حسنة كامل الدين والخيروالصلاح يعامل اليتامي بكل جميل مع الذكاء الثاقب حسن حال جداً. قرأت عليه أول سيرة شيخه الإمام ختام المحدثين محمد الشامي الشافعي المسمى سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد ومن شيوخه الشمس اللقاني ومحمد بن عمر النشلي وأحمد بن النجار والمسند الرحلة عبد العزيز الأزدي. اه ملخصاً

محمد بن عبد الرحمن بن جلال وبه عرف التلمساني نزيل فاس، مفتيها. قال المنجور: كان فقيهاً موحداً شاركاً مفتياً خطيباً. أفاني في الفقه والعقائد والحديث واللأدب وغيرها. أخذ عن الفقيه المفتي الصالح أبي عثمان سعيد المنوي والأستاذ المحقق أحمد بن أطاع الله وحضر في التفسير عبد الفقيه المفسر النوازلي عبد الملك البرجي. كان ذا تؤدة وسكون وهمة وسخاء. توفي بفاس في رمضان سنة إحدى وثمانين. مولده سنة ثمان وتسعمائة.

محمد شقرون بن هيبة الوجديدي التلمساني، مفتي مراكش. قال المنجور: كان فقيهاً علامة مشاركاً ترب الفقيه ابن جلال ومشاركه في شيوخه نافذاً في الفروع منطبعاً معها مشاركاً في الفرائض والحساب والبيان والمنطق. توفي آخر سنة ثلاث وثمانين عن خمس وسبعين سنة. اه.

وله شرح على التلمسانية. وأخذ عنه صاحبنا إبراهيم الشاوي.

محمد البنوفري وبه عرف المصري، الفقيه الصالح الزاهد الورع من أعيان فقهائها مشهوراً بالدين والخير والورع والزهد. أخذ عن الناصر اللقاني والتاجوري وغيرهما. وانفرد أخيراً برئاسة المذهب مع شهرة بالديانة. كان على ما قيل يختم إقراء مختصر خليل في أربعة أشهر. ويمشي لرباط اسكندرية أربعة أشهر ويحج في أربعة أشهر. هذا حاله في العام. توفي في حدود سنة ثمان وتسعين وتسعمائة.

محمد بن محمود بن أبي بكر الونكري التنبكتي عرف ببَغيُعُ—بباء مفتوحة فغين معجمة ساكنة فياء مضمومة فعين مهملة مضمومة—شيخنا وبركتنا الفقيه العالم المتفنن الصالح العابد الناسك المفتي من خيار عباد الله الصالحين والعلماء العاملين مطبوعاً على الخير وحسن النية وسلامة الطوية والانطباع على الخيرواعتقاده في الناس حتى كاد يتساوي عنده الناس في حسن ظنه بهم وعدم معرفة الشر مع السعي في قصاء الحوائج وارتكاب ضرر نفسه فيه والتفجع لمكر وهمم والإصلاح بينهم، نصحهم إلى محبة العلم وملازمة تعليمه ودرسه، وصرف أكثر وقته فيه ومحبة أهله والتواضع التام ومساعدتهم والاعتناء بهم. وبذل نفائس الكتب الغريبة العزيزة لهم بحيث لا يفتش بعد ذلك عنها كائناً ما كان من جميع الفنون، فضاع له بذلك جملة من كتبه نفعه الله تعالى بذلك. وربما يأتي لباب داره طالب فيرسل له براءة فيها اسم كتاب يطلبه فيخرجه من الخزانة ويرسله له من غيره معرفته من هو. فكان في ذلك العجب العجاب إيثاراً لوجهه تعالى مع محبته للكتب وسعيه في تحصيلها شراء ونسخاً. وقد جئته يوماً أطلب منه كتب نحو ففتش في داره فأعطاني كل ما ظفر به منها. وكان له صبر عظيم على التعليم آناء النهار، وحصل على إيصال الفائدة للبليد بلا ملل ولا كسل حتى يضجر حاضروه وهو لا يكترث. فنفع الله به كثيراً، حتى سمعت بعض أصحابها يقول أظن هذا الفقيه شرب ماء زمزم لئلا يمل في الإقراء تعجباً منه لما رأى من صبره مع ملازمة العبادة وصلاح النية والتجافي عن ردئ الأخلاق وإضمار الخير لجميع البرية حتى للظلمة مقبلاً على ما يعينه متجنباً الخوض في الفضول. ارتدى من العفة والمسكنة أزين رداء، وأخذ بيده من النزاهة أقوى لواء مع سكينة ووقار وحسن أخلاق سهلة الورود والإصدار فألقى له المحبة في القلوب كافة وأثنوا عليه بلسان واحد إلى الغاية فلا ترى إلا محباً له مادحاً ومثنياً بالخير صادقاً اتفق على هديه الألسنة وائتلف عليه الأفئدة، طويل الروح في التعليم لا يأنف من مبتدئ ولا بليد أفنى فيه عمره مع تشبثه بحوائج العالمة وأمور القضاة، إذ لم يصيبوا عنه بديلاً ولا نالوا له مثيلاً. طلب من جهة السلطان بتولية قضاء محل السلطنة فأنف منه وامتنع وأعرض عنه واستشفع فخلصه الله تعالى. لازم الإقراء لا سيما بعد موت سيدي أحمد بن سعيد. أدركته أنا يقرئ من صلاة الصبح أول وقته إلى الضحى الكبيرة دولاً مختلفة، ثم يقوم لبيته وصلي الضحى مدة ورما مشى بعدها للقاضي في أمر الناس ويصلح بين الناس، ثم يقرأ في بيته وقت الزوال، ثم يصلي الظهر بالناس ويدرس إلى العصر، ثم يصليها ويذهب إلى موضع آخر يدرس فيه إلى الاصفرار أو قربه وإذا صلى المغرب درس في الجامع إلى العشاء، ثم رجع لبيته. وسمعت أنه يحيى آخر الليل دائماً. وكان مع ذالك محققاً دراكاً ذكياً فطناً غواصاً على اللطائف حاضر الجواب سريع الإدراك وجودة الفهم معروفاً بذلك. أخذ العربية والفقه على أبيه الفقيه القاضي الصالح محمود وعلى خاله الفقيه الصالح. ثم رحل لتنبكت مع أخيه الفقيه الصالح أحمد فلازما الفقيه أحمد ابن سعيد في المختصر. ثم حجا مع خالهما فلقوا بمصر الناصر اللقاني والتاجوري والزين البحيري والشريف يوسف والبرهمتوشي الحنفي والشيخ الإمام ولي الله محمد البكري وغيرهم فحصلا هناك ما حصلا. ثم رجعا بعد أداء فريضة الحج وموت خالهما فاستوطنا تنبكت. فأخذا أيضاً عن ابن سعيد الفقه والحديث قرآ عليه المدونة والموطأ والمختصر وغيرها ولازماه وعلى السيد الوالد أحمد بن أحمد الأصول والبيان والمنطق وقرآ عليه أصول السبكي والتلخيص. وحضر عليه شيخنا الخونجي ولازم مع ذلك الإقراء فحصل له علوم حتى صار في آخرة الحال شيخ وقته في الفنون لا نظير له. لازمته أكثر من عشر سنين فقرأت عليه بلفظي مختصر خليل وفرعي ابن الحاجب قراءة بحث وتحقيق وتحرير ختمتهما عليه، أما خليل فمراراً عديدة نحو عشر مرات أو ثمان بقراءتي وقراءة غيري، وحضرت عليه التوضيح كذلك لم يفتني منه إلا يسير من الوديعة إلى الأقضية، وختمت عليه الموطأ قراءة تفهم، وحضرته كثيراً في المنتقي والمدونة بشرح المحلي ثلاث مرات وألفية العراقي في علم الحديث مع شرحهما وحضرتهما عليه مرة أخرى، وختمت عليه تلخيص المفتاح مرتين وبعض الثالث بمختصرالسعد وصغرى السنوسي مع شرح الجزيرية وحضرت عليه الكبرى وشرحها، وقرأت عليه حكم ابن عطاء الله مع شرح زروق عليه ونظم أبي مقرعة والهاشمية في التنجيم مع شرحها ومقدمة التاجوري فيه ورجز المغيلي في المنطق والخزرجية في العروض بشرح الشريف الدماميني وكثيراً من تحفة الحكام لابن عاصم في الأحكام مع شرح ولده عليها، وسمعت بقراءته هو كثيراً من البخاري ومسلماً كله ودولاً من مدخل ابن الحاج وبقراءة غيري دروساً من الرسالة والألفية وغيرهما، وسمعت بفظه جامع معيار الونشريسي كاملاً وهو مجلد كبير ومواضع أخر منه، وباحثته كثيراً في المشكلات وراجعته طويلاً في المهمات. وبالجملة فهو شيخي وأستاذي ما انتفعت بأحد انتفاعي به وبكتبه رحمه الله ونفعه. وأجازني جميع ما يجوز له وعنه وكتب لي بخطه في ذلك. وأوقفته على بعض تآليفي وتقاييدي فكتب لي بخطه الثناء والموافقة بل كتب عني أشياء من أبحاثي لحسن نيته، وسمعته ينقل في دروسه بعضها لإنصافه وتواضعه وقبوله الحق حيث تعين. وكان حاضراً معنا يوم الكائنة العظمى علينا بتنبكت فنجاه الله تعالى فكان آخر عهدي به. ثم بلغني وفاته بها يوم الجمعة من شوال في عام اثنين وألف رحمه الله تعالى. وأخبرني أن مولده سنة ثلاثين وتسعمائة. وله تعاليق وطرر نبه فيها على هفوات لشراح خليل وغيره، وتتبع شرح التتائي الكبير من أوله إلى آخره فبين ما فيه من السهو نقلاً وتقريراً في غاية الإفادة، وقد جمعتها في عدة كراريس تأليفاً مستقلاً. وله فتاوي عديدة.

محمد بن يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس المصري عرف بالقرافي، القاضي بدر الدين، أحد شيوخ العصر. كان مشاراً إليه بالعلم والصلاح موسعاً عليه في دنياه. أخذ عن الشيخين التاجوري والأجهوري والزين الجيزي، وروى الحديث عن جماعة أجلهم الولي الصالح البقية جمال دين يوسف ابن الشيخ زكريا والعلامة العلم خاتمة المحدثين النجم الغيظي والولي الصالح أبو عبد الله بن أبي الصفا ابن الأستاذ محمد البكري عرف الحنفي. تولى قضاء المالكية بمصر وكان على ما قيل أمثل قضاته. شرح مختصر الشيخ خليل بشرح عظيم في أسفار سماه عطاء الله الجليل الجامع لما عليه من شرح جميل. وله حاشية على القاموس سماه القول المأنوس وتعليق على أوائل ابن الحاجب، وذيل على الديباج فيه نيف وثلاثمائة شخص في خمسة كراريس، وشرح الموطأ، وشرح التهذيب قصد فيه تعيين المشهور خصوصاً ما ذكره أبو الحسن في التقييد من الخلاف. هكذا ذكر هو في فهرسته، وهو الآن بقيد الحياة، حفظه الله تعالى وعلماء الإسلام كلهم. مولده على ما قال سنة تسع وثلاثين في رمضان ليلة سبع وعشرين منه. ثم توفي عام تسعة وألف على ما بلغنا.

بقية الأسماء من حرف الميم. من اسمه موسى

موسى بن يحيى الصديني الفاسي أبو عمران. كان فقيهاً حافظاً. لقي أبا جعفر الأسواني وغيره. ودخل الأندلس وحدث عنه أبو الفرج عبدوس وغيره. توفي بفاس يوم الجمعة يوم عرفة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. ذكره ابن سعادة في ذيله وابن سهل في اختصار المدارك. صح من خط بعض أصحابنا.

موسى بن أبي علي الزناتي الزموري المولد والمنشأ نزيل مراكش، الفقيه الصالح المدرس المذكر أبو عمران شارح الرسالة والمدونة والمقامات وغيرها كتأليفه في المولد. أخذ عنه أبو العباس بن البناتوفي بمراكش في العشر والأول من المائة الثامنة بل في سنة اثنين منها. صح من خط بعض أصحابنا.

موسى بن محمد بن معطي العبدوسي وبه عرف أبو عمران الفاسي، مدرسها وعالمها ومفتيها. قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا ومفيدنا طريقة الفقه الشيخ الحافظ مجلسه بفاس أعظم المجالس يحضره الفقهاء والمدرسون والصلحاء، وحفاظ المدونة يحضره من نسخها بيد الطلبة نحو أربعين. وله إدلال عجيب في إقراء التهذيب. سمعته يقول لي: أربعون سنة نقرئ المدونة. وفي عام وفاته وقف قارئ الرسالة على باب الجنازة. فكره ذلك الطلبة وأرادوا الزيادة. ففهم وقال لهم: كرهتم الوقوف على الجنائز والله لا أقف إلا عليه. فوقف القارئ وتوفي الشيخ تلك السنة. وما رأيت في الفقهاء من يعظم الشيخ أبا يعزي أعظم منه. كان في أكثرمجالسة يذكر لنا أحواله ويشير أن ما ثم في الأولياء مثله، ويحكي عنه أنه إذا حرث يخرج للضعفاء تسعة أعشار صابته ويمسك عشرها عكس الزكاة، ويقول من سوء أدبي أخرج العشر وأتمسك بالتسعة. وذكر أن أبا الحسن بن حرزهم سجنه سلطان مراكش. فقال لتلامذته في الطريق لا ألبث في السجن. فقالوا له سبحان الله اسكت وهل سجنت إلا على مثل هذه الأحوال؟ فقال لهم ها هو الشيخ أبو يعزي ينظرني لا يتركني فإنه كل ما طلبه من مولاه يعمله له، وبينهما مسيرة خمسة أيام. فأطلق من ساعته. أخذ شيخنا العبدوسي عن عبد العزيز القوري والشيخ الصالح عبد الرحمن الجزولي صاحب تقاييد الرسالة. وتوفي أوائل عالم ست وسبعين وسبعمائة وكان في مجلسه يشير لنا بذلك. اه من رحلته.

وقال الإمام القوري: قال لي الشيخ الصالح أحمد بن مالك خديم سيدي ابن عباد: كان الشيخ العبدوسي آية الله في المدونة. وكان الشيوخ يقولون: فقهاء العصر على ثلاثة أقسام من أعطي الحفظ فقط ومن أعطي الفهم فقط ومن جمعا له، وهو سيدي العبدوسي. وقد قيد عنه شيخنا الفقيه الحافظ عمر بن موسى تقييداً كبيراً في عشرة أسفار على المدونة. وله تقييد آخر عليها وآخر على الرسالة. اه.

قلت: وممن كان يحضره من كبار الصالحين ابن عباد وأبو حفص الرجزاجي وأبو عبد الله الهواري وناهيك بهم في الولاية والإمامة.

موسى بن الحاج أبو عيسى المازوني المغيلي، قاضي مازونة وصفه بعضهم بالفقيه الأجل المدرس المحقق القاضي الأكمل، وهو والد صاحب النوازل الآتي. ولصاحب الترجمة تأليف في الوثائق سماه الرائق في تدريب الناشئ من القضاة وأهل الوثائق في مجلد وذكر فيه ما نصه: من الاستغناء قال المشاور إن أوصى بثلثه لسارق فليس للقاضي عزله لآن ربه يوصي به حيث شاء لكن يلزمه الإشهاد على التنفيذ لئلا يخون المنتخب الذي جرى به العمل، عندنا كشفهم عن تنفيذ ما جعل لهم وإن كان مأموناً وهو أحوط. ثم قال وإذا ملك اليتيم أمره وطلب محاسبة وليه أو طلبه الوصي بفور إطلاق الوصي له لم ينفع ذلك حتى يطول الأمر طولاً تنتفي عنه به التهمة من أن يقال إنما أطلقه ليبرئه. قال أبي عن شيخه القاضي أبي محمد عبد الحق المياني وهو ممن يعول على قوله لمعرفته ودينه يستحب تأخير المحاسبة بينهما سنة من وقت إطلاقه بخلاف محجور ولي القاضي فإن له محاسبته إن أحب بفور إطلاقه إذ لا تهمة عنه لأنه إنما يطلق بظهور رشده وأذن القاضي. اه.

موسى الخلطي عرف بالعربي أبو عمران. قال الشيخ زروق: الفقيه المدرس الإمام الخطيب مدرس المتوكلية. كان يعرف المدونة ويقرئها مع تجمله في حاله وشغله بنفسه وإقباله على حاله. توفي سنة إحدى وثمانين. اه.

موسى بن علي الأغصاري والصلتاني أبو عمران بن القعدة، القفيه الفرضي الحسابي. ذكر بعضهم أنه أول من أدخل شامل بهرام لفاس. توفي سادس رمضان سنة إحدى عشرة وتسعمائة. ذكره الونشريسي في وفياته ووصفه بالفقيه الفرضي.

مبارك المصمودي. قال الشيخ المنجور في فهرسته: كان فقيهاً نافذاً في درس مختصر خليل، يحل لفظه قليل الزيادة عليه. ختمته عليه أربع مرات وقرأت على فرائض الحوفي وتلخيص ابن البنا. وقرأ على شيوخ المصامدة واليسيتني وغيره. توفي سنة ثمانين وتسعمائة عن سن عالية.

محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي المسوفي، قاضي تنبكت أبو الثناء وأبو المحاسن عالم التكرور وصالحها ومدرسها وفقيهها وإمامها بلا مدافع. كان من خيار عباد الله الصالحين العارفين به ذا ثبت عظيم في الأمور وهدى تام وسكون ووقار وجلالة. اشتهر علمه وصلاحه في البلاد وطار صيته في الأقطار شرقاً وغرباً، وظهرت ديانته وورعه وصلاحه وعدله في القضاء ونزاهته، لا يخاف في الله لومة لائم. يهابه السلاطين فمن دونهم ويزورونه في بيته فلا يقوم لهم ولا يلتفت إليهم ويهادونه بالهدايا والتحف تنزى. وكان شيخاً كريماً جواداً يفرق ما يهدي له بين الناس. تولى قضاء عام أربعة وتسعمائة فشدد في الأمور وسدد تؤخي الحق في الأحكام ولذوي الباطل هدد. فظهر عدله بحيث لا يعرف له نظير في وقته مع ملازمة التدريس فانتفع به بشر كثير، وأحيا العلم بتلك البلاد واشتهر هناك، وكثر طلبته في الفقه، ونجب منهم جماعة كثيرة. وكان أكثر ما يقرئ المدونة والرسالة ومختصرخليل الألفية والسلالجية وربما أقرأ غيرها. وعنه انتشر قراءة خليل هناك. وقيد عنه تقاييد عليه أخرجوها شرحاً في سفرين. وانتشر وحج في عام خمسة عشر وتسعمائة فلقي السادات كإبراهيم المقدسي والشيخ زكريا والشيخ القلقشندي واللقانيين وغيرهم وذكر صلاحه هناك. ثم رجع لبلاده ولازم الإفادة وإنفاذ الحق، وطال عمره فألحق الأبناء بالآباء حتى توفي سنة خمس وخمسين ليلة الجمعة سادس عشر رمضان. وبلغ من الجلالة وتعظيم القدر وشهرة الذكر بالصلاح والولاية مبلغاً لم ينله غيره. مولده سنة ثمان وستين وثمانمائة رحمه الله. أخذ عنه والدي رحمه الله وأولاده الثلاثة القضاة محمد والعاقب وغمر وغيرهم.

مخلوف بن علي بن صالح البلبالي، الفقيه الحافظ الرحلة اشتغل بالعلم على كبر على ما قيل. فأول من أخذ عنه الشيخ الصالح عبد الله بن عمر بن محمد أقيت أخو جدي ببلاد ولاتن قرأ عليه الرسالة ورأى منه نجابة، فحضه على العلم. وترك التجارة فحصل له الرغبة في الطلب. فسافر للغرب فأدرك ابن غازي وغيره فأخذ عنه. وانتشر علمه واشتهر بقوة الحافظة حتى ذكر عنه فيه العجب حتى قيل إنه يحفظ صحيح البخاري. ثم دخل بلاد السودان كبلد كند وكشن وغيرهما وأقرأ أهلها. وجرى له هنالك نوازل وأبحاث مع الفقيه العاقب الأنصمني. ثم دخل تنبكت ودرس هناك ورجع. ثم رجع إلى الغرب فدخل مراكش ودرس بها وسم هناك. فرجع لبلاده. وتوفي بعد الأربعين وتسعمائة.

مسعود بن يحيى من أهل المرية. قال الحضرمي: شيخنا الفقيه الجليل الأصيل الماجد الفاضل ابن الفقيه الجليل قاضي الجماعة أبي بكر يحيى. ولي القضاء بجهات شتى نائباً عن والده ثم استقلالاً بعده. عرفنا بحاله في تأليفنا في قضاة المرية. توفي قاضياً ليلة الخميس ثالث جمادي عام أحد وأربعين وسبعمائة، وصلى عليه أبو البركات ابن الحاج. مولده بغرناطة يوم السبت الثاني والعشرين سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وقد عرفت بأسلافه الكرام فهو قاض ابن قاض ابن قاض ابن قاض أربعة دونه على نسق. اه ملخصاً.

مصباح بن عبد الله الياصلوتي أبو الضياء الفاسي، من أكابر أصحاب أبي الحسن الصغير. كان فقيهاً صالحاً حافظاً نوازلياً. وهو أول من درس بمدرسة أبي الحسن المريني بفاس فنسبت إليه. وكانت أمه من الصالحات ولا ترضعه إلا على وضوء. وتفقه على أبي الحسن الصغير وغيره. توفي بفاس سنة خمسين وسبعمائة. وله فتاوي نقل بعضها في المعيار.

من اسمه منصور

منصور بن أحمد بن عبد الحق المشذالي أبو علي الشيخ ناصر الدين، الإمام الفذ الأوحد الحافظ العلامة المجتهد. قال الغبريني في عنوان الدراية: كان فقيهاً محصلاً متقناً. رحل للشرق ولقي أفاضل. وله مشاركة في علم المنطق والعربية وكل هذه الفنون تقرأ عليه. له دروس حسنة منقحة وعبارة جيدة يتكلم على التفسير والحديث فيجيد. وهو من أهل الشورى والفتيا. له شرح على الرسالة لم يكمل وتحصيله الأصلين على طريقة الأقدمين والمتأخرين، وهو ممن ينتفع بالأخذ عنه والسماع منه. اه.

وقال التجيبي في رحلته: لقيت ببجاية الشيخ الفقيه الإمام أوحد الفضلاء الأعلام أبا علي منصور الزواوي المشذالي وآخر رجالات الكمال بإفريقية والمغرب الأقصى ممن جمع بين معرفة الفقه وأصوله وأحكم حظاً وافراً من العربية وحصل المنطق والجدل وغيرهما وحاز السبق في علوم كثيرة واستبحر فيها وتكلم في أنواعها وناظر في جميعها وتفنن في المعارف كلها.

وليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد.

وقد أطلع على مذاهب الأئمة خصوصاً مذهب مالك فإنه انفرد بمعرفته والقيام بتقربه ونصرته يصور ويحرر ويمهد ويقرر ويزيف ويرجح مع ثقوب ذهن وصحة استنباط وفهم. رحل للشرق صغيراً مع أبيه وبه قرأ وتفقه وسمع بالشام ومصروأقام في رحلته نيفاً وعشرين فيما بلغنا، ولزم العز بن عبد السلام كثيراً وانتفع بعلمه واهتدى بهديه، ولقي غيره من الأئمة، وسمع الشرف المرسي والرضى الواسطي المجتهد وغيرهم. أخبرني أن مولده سنة إحدى أو اثنين وثلاثين وستمائة. وقد كان كتب قبل ذلك أن مولده سنة إحدى وثلاثين بلا شك. اه ملخصاً. وكان لقاؤه إياه آخر القرن السابع.

وقال العبدري في رحلته: رأيت بملالة الفقيه أبا علي منصور المشذالي. ومشذالة قبيلة من زواوة، ويلقب بناصر الدين. رحل للشرق قديماً فقرأ به الأصول والفروع دراسة وتفقهاً وله منهما حظ وافر غير معتن بالرواية ليس له فيها حظ. حدثني أنه حضر وفاة أبي عبد الله بن أبي الفضل السلمي بالشام، وسألته عن تأريخه وكان غرضي فلم يحفظه شهراً ولا عاماً وهذا نهاية الإغفال. اه.

وقال أبو حيان في النظار: كان يشتغل ببجاية في النحو والفقه والأصول. رحل للقاهرة ولزم العز بن عبد السلام وسمع من إبراهيم بن مضر. اه.

قال الخطيب ابن مرزوق الجد: قد وصل شيخنا أبو علي درجة الاجتهاد. سمعته من جماعة من أصحابه كالفقيه المسفر والفقيه محمد بن الكاتب والفقيه عمران المشذالي وغيرهم ممن سمع كلامه. وكان السامع مضطلعاً بالعلوم بما يدرك به تفننه في تآليفه وأجوبته في النوازل المختلفة والفنون المتباينة، لم يبعد إدراكه هذه الرتبة وبلوغه تلك الدرجة. اه ملخصاً.

وقال الشيخ منصور الزواوي: شيخنا ناصرالدين هو الإمام المجتهد علم الأعلام وقطب الفقهاء وقدوة النظار وإمام الأمصار. ارتحلت إليه فوجدته قد بلغ في السن غايته، وأوجبت جلوسه في داره إلا أنه يفيد بفوائده بعض زواره. وتوفي عام أحد وثلاثين وسبعمائة. فحص مصابه البلاد وعم ولف سائر الطلبة وضم. لكن ملأ بجاية وأقطارها بالعلوم النظرة والفهوم النقلية والعلية. اه. وعمره مائة سنة.

منصور بن علي بن عبد الله الزواوي أبو علي نزيل تلمسان. قال ابن الخطيب في الإحاكة: هذا الرجل صاحبنا طرف في الخبر والسلامة وحسن العهد والصون والطهارة والعفة قليلا لتصنع مؤثر الاقتصاد موجب لحق الخصم حريص على الإفادة والاستفادة مثابر على تعلم العلم وتعليمه غير آنف من حمله عما دونه جملة من جمل السذاجة والرجولية وحسن المعاملة صدر من الصدور، له مشاركة حسنة في كثير من العلوم العقلية والنقلية واطلاع وتقييد ونظر في الأصول والمنطق والكلام ودعوى في الحساب والهندسة والآلات يكتب ويشعر فلا يعدو الإجارة والسداد. قدم الأندلس عام ثلاثة وخمسين نسبعمائة فلقي رحباً وعرف قدمه فتقدم مقرئاً بالمدرسة تحت جراية نبيهة وحلق للناس متكلماً على الفروع الفقهية والتفسير وتصدر المفتيا وجريته وصحبته. فرأيت منه ديناً ونصفة حسن عرشة. ثم امتحن في هذا الوقت بمطالبة شرعية في توقفه حين جمع الفقهاء للنظر في عقد على رجل نال من جانب الله والنبوة وشك هو في القول بتكفيره. فقال القوم بإشراكه في ذلك ولطخه إذ كان كثير المشاحة لجماعتهم. فأجلت الحال عن صرفه عن الأندلس في عام خمسة وستين. أخذ عن جماعة كوالده علي بن عبد الله والإمام المجتهد منصور المشذالي قرأ عليه أوائل ابن الحاجب وابن المسفر وأبي علي بن حسين قرأ عليه جملة من الحاصل والمعالم الدينية والفقهية والآيات البينات والخونجي وقاضي بجاية أبي عبد الله بن يوسف الزواوي وأبي العباس بن عمران بتلمسان عن الإمام المجمع على جلالته وإمامته العالم الفاضل عبد المهيمن الحضرمي وأبي العباس بن يربوع والقاضي أبي إسحاق بن يحيى، وبالأندلس عن إمام الصنعة ابن الفخار البيري لازمه لوفاته وأجازه وأذن له في التحليق بموضع تدريسه والقاضي، الشريف السبتي نسيج وحده لازمه وأخذ عنه تآليفه وقرأ عليه التسهيل، وروى عن أبي البركات بن الحاج والخطيب أبي جعفر الطنجالي وهو الآن بحاله الموصوفة أعانه الله وأمتعه من حين أزعج عن الأندلس مقيم بتلمسان يقرئ ويدرس. اه ملخصاً ماالإحاطة.

وفي فهرست الشيخ يحيى السراج: شيخنا الفقيه الأستاذ الجليل المقرئ المدرس الأصولي النحوي أبو علي منصور كان شيخاً فاضلاً فقيهاً نظاراً معدوداً في أهل الشورى. له مشاركة في كثير من العلوم النقلية والعقلية واطلاع وتقييد ونظر في الأصول والمنطق والكلام حريصاًعلى الإفادة والاستفادة مثابراً على التعلم والتعليم. أخبرني أنه مولده في حدود عشرة وسبعمائة. اه.

وممن أخذ عنه الإمام أبو إسحاق الشاطبي، وذكر عنه في الإفاداة والإنشاآت عن شيخه الأستاذ الشهير أبي عبد الله المسفر أنه قال إن تفسير الفخر بن الخطيب احتوى على أربعة علوم نقلها من أربعة كتب مؤلفوها كلها معتزلة فأصول الدين من كتاب الدلائل لأبي الحسين، وأصول الفقه من كتاب المعتمد له أيضاً وهو أحد نظار المعتزلة الذي قال فيه بعض الشيوخ إذا خالف أبو الحسين في مسألة صعب الرد عليه فيها، ومن التفسير من كتاب القاضي عبد الجبار، والعربية والبيان من كشاف الزمخشري. وذكر عنه أيضاُ أن الفخر بن الخطيب سأل السيف الآمدي لم أجاز الشرع ذبح الحيوان في حق الإناسان وهو تعذيب له وتعذيب الحيوان على خلاف المعقول؟ فأجابه بأن إتلاف الخسيس في حق النفيس من مناهج العقول. فقال له الفخر لو كان كذلك لجاز أن تذبح أنت في حق ابن سينا. اه.

وذكر عنه أيضاً قال: وكثيراً ما أسمع الفقيه الجليل الأصولي أبا علي الزواوي يقول: قال بعض الفضلاء: لا يسمى العالم بعلم ما عالماً بذلك العلم على الإطلاق حتى تتوفر فيه أربعة شروط: أحدها كونه محيطاً بمعرفة أصول ذلك الكمال، ثانيها كونه قادراً على التعبير عن ذلك العلم، ثالثها كونه عارفاً بما يلزم عنه، رابعها كونه قادراً على رفع الإشكالات الواردة عليه. اه.

قال الشاطبي رأتيتها منصوصة لأبي نصرالفارابي الفيلسوفي في بعض كتبه. اه.

وكان حياً بعد السبعين وسبعمائة.

منصور بن علي بن عثمان الزواوي المنجلاتي البجائي، عالمها ومفتيها الإمام العلامة الفقيه الحجة أبو علي ابن الفقيه العلامة أبي الحسن. له فتاو عدة منقولة في المازونية والمعيار. كان حياً في حدود الخمسين وثمانمائة في غالب الظن معاسراً لأبي عبد الله المشذالي. لم أقف على ترجمته.

منديل بن محمد بن محمد بن داود بن آجروز الصنهاجي اسمه محمد. قال ابن أحمر: شيخنا الفقيه الأستاذ المقرئ المصنف الأديب الحاج أبو المكارم ابن الأستاذ النحوي أبي عبد الله بن آجروم. توفي سنة اثنين وسبعين. يروى عن أثير الدين أبي حيان والفاكهاني وغيرهما. اه.

وقال أبو زكريا السراج في فهرسته: الشيخ الأستاذ الحاج المقرئ اللغوي الأديب ابن الفقيه الأستاذ المقرئ العلامة. كان شاعراً أديباً مكثراً مجيداً منبسطاً جميل المجلس من أعجب المقرئين فصاحة وحسن إلقاء. وكان جل إقرائه مقامات الحريري كان فيه أوحد زمانه، ونبلاء الطلبة يرصدونه فلا يسمعون منه لحنة. حج سنة إحدى وأربعين ولقي جماعة وأجازوه، منهم أبو حيان أجازه جميع ما روى وصنف. ومما أملى عليه يعلم واقفه أن شخصاً يسمى إبراهيم الصفاقسي وقف على نسخة سقيمة غاية الرداءة والتصحيف والتحريف من كتابي البحر المحيط فنقل منه مسائل في كتب جمعه من الإعراب وغيره نسبها لي لم ينقل نص كلامي بل على ما فهمه وانتقاه على زعمه وزاد من كلام أبي البقاء وإنما ذكر كلامي ليروج به كتابه، فأنا بريء من عهدة ما نقل عني إذ لم ينقل كلامه بلفظه ولم ينتقه وليس بأهل لفهم كلامي لضعفه جداً في العربية مشتغل بفروع مذهب مالك وشيء من أصول الفقه مع صغر السن وعدم الأصيل ومنشأ. يعرفه من يعرفه وقد عاتبته على ذلك. اه.

وقلت: وتقدمت هذه الحكاية في ترجمة الصفاقسي عن أبي المترجم به هنا وما هنا هو الصواب. ثم قال السراج: أخذ صاحب الترحمة بتونس عن أبي برال والفقيه الجليل أبي العباس بن أبي بكر بن أبي القاسم اليحصي التونسي والقاضي بن عبد السلام وابن جابر الوادآشي والفقيه العدل مبارك بن يوسف بن محمد بن أحمد بن زيري النقاسي والفقيه المدرس أبي مهدي عيسى بن موسى بن فرطان الزواوي والفقيه الشهير أبي عزيز ببجاية وابن المسفر والفقيه قاضي الجماعة أبي عبد الله بن يوسف وأبي العباس أحمد بن محمد الزواوي وغيرهم. توفي رابع جمادي الأولى عام اثنين وسبعين. اه ملخصاً.

ميمون بن مساعد المصمودي، مولى أبي عبد الله الفخار. كان فقيهاً أستاذاً. له تآليف في علوم القرآن رسماً وقراءة. توفي بفاس جوعاً سنة ست عشرة وثمانمائة.

حبف النون

نفيس الدين بن هبة الله بن شكر، قاضي القضاة بالديار المصرية. ولد سنة خمس وستمائة. ومات سنة ثمانين وستمائة من تأريخ مصر.

نصر الزواوي. قال الملالي: كان هذا الشيخ عالماً محققاً زاهداً عابداً ولياً صالحاً ورعاً ناصحاً من أكابر تلاميذ الإمام ابن مرزوق. أخذعنه السنوسي كثيراً من العربية ولازمه كثيراً، وحدث عنه أنه كثيراً ما ينهى عن إعطاء العلم لغير أهله. وقال يجيء كثير إلى العالم يسأله عن مسألة على وجه يريد أنه عارف بها وقصده سرقة الجواب فإذا أجابه العالم أنكر الجواب وربما يقول له إنه غير صحيح أو ضعيف. ثم إذا سئل هذا المتعنت عنها أجاب بعين ما أنكره على العالم. فيحرم إجابة المتعنت لئلا يعطي الحكمة غير أهلها. اه.

قلت: ومن هذا المعنى ما ذكره ابن الأزرق ونصه: قال الملالي: وكان سيدي نصر ينهى عن كتب القرآن العزيز في الحروز التي تسال. قال مررت يوماً بمزبلة فإذا بكاغد مطوي ملقي عليها فرفعته فإذا هو خطي فيه آيات من القرآن، فجعلته في جيبي وعاهدت الله أن لا أكتب قرآناً في حجاب. اه.

النجيب بن محمد شمس الدين الكداوي الأنصمني، أحد شيوخ العصر، معه فقه وصلاح. شرح مختصر خليل بشرحين، كبير في أربعة أسفار، وصغير في سفرين على ما بلغني. وله أيضاً على ما قيل تعليق على المعجزات الكبرى للسيوطي وغيرها. أخذ عن الشيخ أحمد سحولية وهو الآن بقيد الحياة كبيرالسن حفظه الله تعالى.

حرف الهاء

هارون بن محمد بن هارون الأسواني. قال ابن يونس في تأريخ مصر: كان فقيهاً على مذهب مالككتب الحديث ومات في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثمانمائة.

هارون أبو موسى التونسي، إمام جامع الزيتونة بها، الشيخ الإمام العلامة الصالح. أخذ عنه الخطيب بن مرزوق الجد. وتوفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة.

أم هانيئ بنت محمد العبدوسي، الفقيهة الصالحة، أخت الإمام الحافظ عبد الله العبدوسي. قال الشيخ زروق في كناشته: كانت فقيهة صالحة ذات علم وصلاح. طعنت في السن إلى قرب المائة. توفيت سنة ستيو وثمانمائة. اه.

قال الشيخ ابن غازي: وهي آخر فقهائهم.

حرف الواو

واضح بن عثمان بن محمد بن عيسى بن فركون المغراوي أبو البان، الفقيه القاضي الأعدال الصالح. قال الونشريسي في وفياته بعد وصفه بما ذكر بلدينا وقريبنا: توفي سنة ست وخمسين وثمانمائة.

حرف الياء. من اسمه يعقوب

يعقوب الحلفاوي أبو راشد، من متأخري الفاسيين. لم أقف على ترجمته.

يعقوب بن عبد الله السيتاني أبو يوسف. أخذ عنه أبو زيد الكاواني شيخ ابن غازي. وكان إماماً علامة في الفرائض يقرئها في الهواء. فإن أراد عاملها تصويرها في اللوح ضربه بالقضيب على يده، ذكره تلمسذه الكاواني. وله شرح جليل على التلمسانية في مجلد يبحث مع العقباني وغيره.

يعقوب الزغبي التونسي قاضي الجماعة أبو يوسف، الإمام العلامة المحقق الفقيه القاضي المفتي من أكابر أصحاب ابن عرفة ولي قضاء القيروان ثم قضاء الجماعة بها أي بتونس بعد أبي مهدي الغبريني، وتوفي عن قضائها. أخذ عنه أبو القاسم القسنطيني وابن ناجي وأكثر النقل عنه في شرح المدونة، وأبو زيد الغرياني والثعالبي وغيرهم. رأيت لعصريه أحمد الشماع الثناء عليه. لم أقف على وفاته. ويقال إنه اجتمع في وليمة مع الإمام ابن مرزوق الحفيد فسئلا عمن رأى مصحفاً في نجاسة وهو غير طاهر فهل يأخذه فوراً أو يتيمم. فقال صاحب الترجمة يجرى على محتلم انتبه وهو في المسجد فقيل يجب خروجه فوراً وقيل يتيمم. فرد عليه ابن مرزوق بأن هذه الصورة أشد فيجب عليه خلاصه من المفسدة فوراً لأنه إن تركه اختياراً كان ردة بخلاف بقائه في المسجد فلا يعد ردة وهو ظاهر. نقله الرصاع.

يعقوب بن يجحيى البدري فاسي، يعرف الفرائض والحساب ويستحضر نوازل الفقه. أخذ عن ابن هارون وعبد الواحد الونشريسي. توفي آخر تسع وتسعين وتسعمائة.

من اسمه يوسف

يوسف بن محمد بن يوسف أبو الفضل عرف بابن النحوي، ناظم المنفرجة توزري الأصل من قلعة بني حماد صحب اللخمي. قال ابن الأبار: أخذ صحيح البخاري عن اللخمي. ولما جاء سأله اللخمي ما جاء بك؟ فقال جئت لنصر تبصرتك. فقال له تريد أن تحملني في كفك للمغرب أو كلاماً هذا معناه يشير إلى أن علمه كله فيها. وأخذ عن المازري وأبي زكريا الشقراطيسي وعبد الجليل الربعي وكان عارفاً بأصول الدين والفقه يميل إلى النظر والاجتهاد. له تآليف حدث وأخذ عنه وروى عنه القاضي أبو عمران الدراية. كان من العلماء العاملين وعلى سنن الصالحين مجاب الدعوة حاضراً مع الله في غالب أمره. له اعتقاد تام بإحياء الغزالي. دخل قاضي الجماعة يوماً في الجامع وهو يقرر للطلبة علم الكلام. فسأل القاضي عن الحلقة فأخبر، فأمر بإبطال الدرس. فقال أبو الفضل كما تسبب في إهانة العلم فأرنا فيه العلامة. وخرج فتبعه ولد القاضي وله اعتقاد في أبي الفضل. فقال له ارجع لوالدك لتواريه. فرجع فوجد أباه قتل صبراً قتله بعض أعدائه. ويذكر أن أبا الفضل ما دعا قط إلا استجيب وهو ناظم: اشتدى أزمة تنفرج. اه.

وقال أبو العباس النقاويسي: توفي بقلعة الحمادية سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقبره مشهور بها بالبركة، أحد أئمة الإسلام وأعلام الدين. قال القاضي أبو عبد الله بن علي بن حماد: كان أبو الفضل ببلادنا كالغزالي في العراق علماً وعملاً. وقال عياض: أخذ هو والمازري عن اللخمي. كان من أهل العلم والفضل شديد الخوف من الله، غالب حاله الحضور معه تعالى لا يقبل من أحد شيئاً إنما يأكل ما يأتيه من توزر:

أصبحت فيمن لهم دين بلا أدب. * ومن له أدب عار من الدين
أصبحت فيهم غريب الشكل منفرداً * كبيت حسان في ديوان سحنون

أشار لقوله في الجهاد:

وهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير.

كان يصلي فيكثر رفع صوت من داره باللغط. فقال ضيف عنده لابنه: أما تشغلون خاطر الشيخ. قال إذ دخل في صلاة لم يشعر بذلك. ثم أدني السراج من عينيه فما شعر لحضوره مع ربه وغيبته عن غيره. وأقرأ بسجلماسة الأصلي. فقال ابن بسام أحد رؤساء البلد: يريد هذا أن يدخل علينا علوماً لا نعرفها. فأمر بطرده من المسجد. فقال: أمت العلم أما تك الله هنا. فجلس ثاني اليوم لعقد نكاح سحراً فقتلته صنهاجة. وجرى له مثله بفاس مع قاضيها ابن دبوس فدعا عليه فأصابته أكلة في رأسه فوصلت لحلقه فمات. وقطع ليلة خروجه في صبحها بسجدة قائلاً فيها: اللهم عليك بابن دبوس فأصبح ميتاً. ولما أفتى الفقهاء بحرق الإحياء فأحرق في صحن مراكش، ووصل كتاب سلطان لمتونه بذلك وتحليف الناس بمغلظ اليمين أن ليس عندهم الإحياء، انتصر وكتب للسلطان وأفتى بعدم لزوم تلك الإيمان ونسخ الإحياء ثلاثين جزأ يقوم كل يوم في رمضان بنسخ جزء، قائلاً: وددت أني لم أنظر في عمري سواه. كان إذا تأخر ما يأتيه من بلده دعا بدعاء الحضر: اللهم كما لطفت في عظمتك دون اللطفاء الخ، فيفرج عنه. وشكا إليه بعض أهله الضيق من فراره من ظالم بلده ورغبه في رفع الأمر للظالم ليأذن له بالرجوع. فقال سأفعل وتضرع الله تعالى في تهجده فقال:

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا * فقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت: يا سيدي يا منتهى أملي * يا من عليه بكشف الضر أعتمد
أشكو إليك أموراً أنت تعلمها * ما لي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدي للضر مشتكياً * إليك يا خير من مدت إليه يد.

ونظم منفرجته وأعاد أهله السؤال. فقال بلغ الأمر أهله وسترى، فعن يسير ورد الكتاب من توزر بالتلطف للشيخ ورغبته أن يرجع. فقال للسائل: قضيت الحاجة، ورأى الباغي في نومه فارساً يحمل عليه بيده حربة من نار فتنبه مذعوراً ويتعوذ، ثم ينام ويعاوده إلى أن قال إنما يتعوذ من الشيطان وأنا ملك ومالك وللعبد الصالح. قال الشيخ أبو القاسم بن الملجوم الفاسي: ورد أبو الفضل فاساً فلزمه أبي وحفظ لمع الشيرازي عام أربعة وتسعين وأربعمائة وسافر منها للقلعة. فأخذ نفسه بالتقشف ولبس خشن الصوف وكانت جبته إلى ركبته فمر يوماً بالفقيه أبي عبد الله بن عصمة المقتي، فلا يسلم عليه لشغل باله. فعظم عليه. فلما رجع ناداه محقراً: يا يوسف. فجاءه فقال له: يا توزري صفرت وجهك ورققت ساقيك وصرت تمر ولا تسلم. فاعتذر، فلم يقبل. وأغلظ له في القول. فقال: غفر الله لك يا فقيه يا أبا محمد، فانصرف. وكان مجاب الدعوة حتى يقال نعوذ بالله من عدوة ابن النحوى. وحصلت له المزية في الفقه والنظر. وأخذ عنه جماعة من الأئمة الأعلام النظار كالفقيه أبي عبد الله محمد بن الرمامة رئيس مفتي فاس والأخوين الفقيهين أبي بكر ومحمد ابني مخلوف بن خلف الله والفقيه أبي عمران موسى بن حماد الصنهاجي. قال الحافظ الزاهد أبو الحسن بن حرزهم: أوصاني أبي أن أقبل يد أبي الفضل متى لقيته ولو لقيته في اليوم مائة مرة. فبعثني إليه يوماً ليدعو لي فأتيته عند الغروب فأذن وأقام وصليت معه. فلما أراد أن يكبر نظرت لثوبه على كتفه يتحرك حركة شديدة يسمع صوته من شدة الخوف. فلما سلم دعا لي فانصرفت لأبي وقلت له: رأيته صلى قبل وقت صلاة أهل البلد. فقال لي أتتكلم في ولي الله؟ وهل وقت المغرب إلا الذي صلى فيه؟ وإنما ابتدعوا التأخير عنه. ثم قال لأمي: هذا صبي نرجو أن ينفع الله به فإني وجدت بركة أبي الفضل، ولقد دخل وعليه نور فعلمت إجابة دعوته فيه. اه.

فكان كذلك ومن كريم خلقه أن شاباً من الطلبة بادر السلام عليه فأراق الحبرعلى ثوبه وكان أبيض، فحجل. فقال الشيخ: كنت أقول أي لون أصبغ ثوبي فالآن أصبغه حبرياً فبعث به للصباغ. اه ملخصاً.

يوسف بن عبد الله بن سعيد أبو عمر يعرف بابن عياد أندلسي. قال ابن الأبار: روى الحديث عن القاضي أبي العرب التجيبي ولقي أعلاماً من المقرئين والمحدثين والفقهاء المتفننين كأبوي الحسن بن هذيل وابن النعمة وأبي الوليد بن الدباغ وأبي الحسن بن يعيش وابن خيرة. وكتب إليه أبو القاسم ابن ورد وأبو محمد بن عطية. كان معتنياً بمطالعة الحديث جماعاً للدواوين والكتب مكثراً للرواية مقيداً عدلاً ثبتاً. كتب بخطه كثيراً، جمع العالي والنازل، فذ الأقران في الرواية يحفظ الأخبار والتواريخ والوفيات والمواليد أنفق عمره في ذلك. له ذيل على صلة ابن بشكوال، وبرنامج، وشرح منتقي ابن الجارود، وبهجة الألباب في شرح الشهاب، وأربعون في النشر وأهوال الحشر، والمنهج الرائق في المدخل لعلم الوثائق، وبهجة الحقائق في المدخل للزهد والرقائق، وطبقات الفقهاء من عصر ابن عبد البر لزمنه. حدث عنه ابناه وشيخنا ابن غلبون. وقال ابن سفيان: مشارك في الفقه والأدب والقراآت وغيرها مكثر في لقاء الرواة ورحلة السماع معتن بالتقييد والرواية ومعرفة الرجال وحفظ التواريخ متواضع سهل الخلق. توفي شهيداً أحاط العدو بداره فقاتل حتى قتل سنة خمس وسبعين وخمسمائة. مولده سنة خمس وخمسمائة.

يوسف بن عبد الصمد بن نزوي، وبه عرف، فاسي يكنى أبا الحجاج. قال ابن الأبار: أخذ عن أبي عمر السلالجي وأبي عبد الله بن عبد الكريم الغندلاوي وابن مضا. كان إماماً في الأصلين متحققاً بهما ذا حفظ وذكاء وجودة فهم مشاركاً في فنون نوظر عليه بالأندلس. ثم عاد لبلده وقعد لإسماع الحديث والسير ممن غلب عليه الدراية مع حفظ الشعر والتأريخ. توفي ثاني رجب سنة أربع عشرة وستمائة، وولد سنة أربع أو خمس وخمسين وخمسمائة.

يوسف بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التادلي، عرف بابن الزيات. قال الحضرمي: هو الشيخ الفقيه القاضي الأديب مؤلف كتاب التشوف إلى رجال التصوف. وله تآليف في صلحاء المغرب لم يدخل إلأندلس. صحب أبا العباس السبتي ولقي ابن حوط الله والسلالقي. وشرح مقامات الحريري شرحاً نبيلاً جداً. وحدث بكتابه التشوف الأستاذان الفاضلان أبو القاسم بن الشاط وابن رشيد عن قاضي الجماعة أبي عبد الله محمد بن علي الشريف عنه أذناً. توفي قاضياً بدقداق سنة سبع أو ثمان وعشرين وستمائة. اه.

يوسف بن موسى بن أبي عيسى الحساني السبتي، الفقيه أبو بعقوب. روى صحيح البخاري عن السراج الزبيدي عن أبي الوقت. وأخذ علوم الحديث عن ابن الصلاح. وشرح الرسالة بشرحين سماهما بالإفادة كببرى وصغرى مال فيهما إلى سرد الأثر وفيهما غرائب النقل. أخذ عنه أبو عبد الله الصديني الغماري وأبو زيد عبد الرحمن بن عفان الجزولي، وكتب له بالإجازة سنة ست وثمانين وستمائة. صح من خط بعض أصحابنا.

يوسف بن عمر الأنفاسي أبو الحجاج. قال ابن الخطيب القسنطين: كان شيخاً صالحاً عالماً محققاً عابداً إمام جامع القرويين بفاس ويحيي فيه ما بين العشائين أبداً. وله أوراد ومجالس لقراءة العلم والتصوف. توفي سنة إحدى وستين وسبعمائة عن مائة سنة وصلي عليه عقب صلاة الجمعة. لم يبلغ قبره لأجل الزحام إلى قرب الغروب. ووقف موقفه ولده الشاب المكرم العالم الصالح أبو الربيع سليمان. كان من أكابر الصالحين أهل الكرامات. فر من الإمامة وانقطع لنفسه. ونازعه كثير من أصحابه أنا منهم لفراره من الطاعة. فبينما تكلم فيه يوماً إذا برجل بيده كتاب مقبلاً، فقلت ما هذا؟ قال الطالع السعيد في تأريخ السلطان أبي سعيد. فأخذته فأول وقوعي على سنة قال فيها وفي هذه السنة تاب فلان سماه من إمامة جامع القرويين، وسببه أن بعض من صلى خلفه قال له: سمعتك نونت ميم السلام عليكم. فقال بل قلت بضمة واحدة وأشهدكم أني تبت من هذه الإمامة. فقال له الشيخ الولي الشهير أبو محمد الفشاتالي نفعنا الله به فاستغفرت من أخذي عليه. وظهر لي أن هذه كرامة له. وقصد السلطان عبد العزيز المريني زيارته، فجلس في الجامع بعد صلاة الجمعة وكلف قاضي الجماعة أبا محمد الأوربي أن يأتي به. فبحث عنه فلم يوافقه عليه، فجاءه برجل من الصالحين يسمى سليمان موافقاً لاسمه وهو من الأخيار. فقال له الوزير ما بهذا كلفت؟ فقال له مبارك وهو من أشياخه وانفصل به المجلس فكان من القاضي سياسة حسنة. ثم طلبه السلطان مرة أخرى فكتب له براءة فقنع بها عن رؤيته. وقلت لبعض الأصحاب: هلا رأى السلطان ففي رؤيته له تفريج كرب. فقال لي قال والله لا رأيته أبداً. وكانت له بركة تامة في انقطاعه للعلم والعبادة. ما رأيت أحسن قراءة وأسرع منه فيها في الحديث منه. توفي على أكمل حال وأبلغ منال وحميد سيرة سنة تسع وسبعين وسبعمائة عن نحو أربعين سنة. اه.

قلت: وذكر بعضهم من كراماته أن وزير فاس عزم على غرم الديار ورباع فاس كما فعل الوزير قبله. فمشى إليه أبو الربيع المذكور مع الفقيه [و]القباب فكلماه. فقال أنا متبع فيه من قبلي. فقال له أبو الربيع أتريد أن تكافأ بما كوفئ به من قبلك؟ فقال لا يا سيدي. قال القباب فخفت خوفاً شديداً منه حتى كادت الأرض تبلعني. وحصل للوزير خوف أشد وأكثر مني. اه.

وللشيخ يوسف تقييد مشهور على الرسالة متداول بين الناس. قال الشيخ زروق وإن تقييده وتقاييد الجزولي ومن في معناها لا ينسب إليهم تأليفاً وإنما هو تقييد للطلبة زمن الإقراء، فهي تهدي ولا تعتمد. وسمعت أن بعض الشيوخ أفتى بتأديب من أفتى من التقاييد. اه.

وقال سيدي الإمام الحطاب: مراد زروق حيث ذكروا نقلاً بخلاف نصوص المذهب أو قواعده فلا يعتمد عليها. والله أعلم فتأمله.

يوسف بن خالد بن نعيم الطائي البساطي أبو الحسن جمال الدين. تفقه على أخيه والشيخ خليل ويحيى الرهوني وابن مرزوق والنور الجلاوي. وناب عن أخيه في الحكم ثم عن النحريري ثم عن ابن خلدون ثم الشيسي ثم انجمع عن ابن خلدون لما وقع بينهما. ثم استقل بالقضاء فأحبه الناس كراهة لابن خلدون. ثم أعيد ابن خلدون آخر السنة. ثم أعيد البساطي في ربيع الأول سنة ست وثمانمائة إلى شعبان سنة سبع. فصرف وأعيد ابن خلدون في أواخر السنة. ثم صرف وأعيد البساطي. ثم صرف إلى أن مات الجمال الأقفهسي. فعين للقضاء وقبل التهنئة. صرف عنه لابن عمه الشمس البساطي إلى أن ولي الحسبة في سنة ثلاث وعشرين. ثم صرف عنه ولزم منزله حتى مات. قال الحافظ ابن حجر قرأت بخط بعضهم أنه كان فاضلاً في عدة علوم وصنف تصانيف كثيرة منها شرح بانت سعاد، وأفرد جزأ في في شرح قوله حرف أخوها أبوها البيت. اه من أنباء الغمر.

وقال أيضاً: ولما مات الجمال الأقفهسي اتفق أهل الدولة على إقماته لكونه أسن وأدرب في الأحكام وأشهر، ولكن شمس الدين أفقه وأكثر معرفة بالفنون منه. اه.

وقال السخاوي: من مصنفاته شرح مختصرخليل، والبردة، وقصيدة الفلكية، وألغاز العرضية، ومحاضرة خواص البرية في الألغاز الفقيهة، وشرح ألفية ابن مالك، وإعراب من الطارق لآخر القرآن. اه.

قلت: وشرح المختصر له في سفرين سماه الكفؤ الكفيل، وقفت عليه بخطه. ثم نهب مع مكتبي وذكر ابن تعربيردي في النجوم الزاهرة أن وفاته في جمادي الأخيرة معزولاً سنة تسع وعشرين وثمانمائة عن ثمان وثمانين سنة. اه.

فمولده على هذا في عام أحد وأربعين وسبعمائة.

يوسف بن منخوت أبو يعقوب الفاسي، أستاذ البلد الجديد لم أقف على ترحمته.

يوسف بن إسماعيل، شهر بالزويدوري. قال القلصادي في رحلته: له مشاركة وقدم في علوم الرياضات وهمة عالية لا يلتفت إلى أحد من أبناء الدنيا منزه نفسه عن دنيء المكاسب وعما يهين الطالب، فلم يتعرض لما يذم عليه شرعاً أو عادة أو طبعاً. فلباسه صوف فقط. قرأت عليه الحوفي بطريقي الصحيح والمكسور وبعض الأصول ومقدمات ابن البنا في الجبر والمقابلة وتلخيصه وشيئاً من رفع الحجاب. وحضرت عليه التلمسانية وجمل الخونجي والتلخيص. توفي في وباء سنة خمس وأربعين وثمانمائة.

يوسف ابن أحمد بن محمد الشريف الحسني أبو الحجاج. قال الملالي: كان فقيهاً وجيهاً نزيهاً عالماً أستاذاً مقرئاً محققاً ابن الشيخ الصالح الأجل أبي العباس. قرأ عليه شيخنا السنوسي القرآن بالسبعة مرتين، وأجازه فيها وفي سائر مروياته.

يوسف بن حسن ابن مروان التتائي، ويعرف بالهاروني. أخذ الفقه عن العلمي والسنهوري ولازم النجم ابن قاضي عجلون. وحج سنة ثلاث وتسعمائة. وشرح المختصر. ولد يوم الأحد رابع عشر شوال سنة ست وأربعين وثمانمائة. اه من السخاوي.

وقال الشمس التتائي: كان علامة فاضلاً محدثاً يلقب جمال الدين أبو المحاسن شهر بالهروني نسبة لزوج أمه اشتغل بالعلم في القاهرة وبسماع الحديث. وله فيه أسانيد عالية. وغالب اشتغاله بالفقه على شيخنا العلامة الإمام نور الدين السنهوري والإمام العلامة الشريف العلمي. اه.

يوسف بن سعيد بن إبراهيم العناطي الحيحي أبو الحجاج. وصفه ابن الرئيس بالفقيه الورع الزاهد. اه.

يوسف الفندلاوي شهر بالممكناسي، خطيب جامع الأندلس. توفي بفاس سنة ستمائة.

يوسف التيغاتي الجزولي أبو الحجاج. شرح ابن الحاجب في سفرين. وتوفي قرب تسعمائة.

يونس بن عطية الونشريسي. قال ابن الخطيب: كان فاضلاً خيراً. له عناية بفروع الفقه. ولي القضاء بقصر كتامة. اه من الروض الهتون.

من اسمه يحيى

يحيى بن علي بن عبد الله الأمي النابلسي ثم المصري المالكي أبو الحسن رشيد الدين شهر بالرشيد، الإمام الحافظ. ولد سنة أربعة وثمانين وخمسمائة. وتخرج بابن المفضل وتقدم في فن الحديث وانتهت إليه رئاسة الحديث بمصر. وألف وخرج. ومات في جمادي الأولى سنة اثنين وستين وستمائة. صح من تأريخ مصر.

يحيى بن عبد الرحمخن بن أحمد بن عبد الرحمن الأشعري قرطبي أبو عامر. قال ابن الأبار: سمع أباه أبا الحسين وابن بشكوال وأجازه أبو بكر بن الجد وأبو عبد الله بن زرقون. وكان إماماً في علم الكلام وأصول الفقه ماهراً في المعقولات. ونوظر عليه في شامل أبي المعالي وإرشاجه وغيرهما. وله تآليف جليلة في ذلك وأقرأ صحيح البخاري تفهماً. ولي قضاء بلده إلى أن تملكه الروم سنة ثلاث وستين وستمائة. وولي قضاء غرناطة، ثم صرف. مات بمالقة بفالج سنة أربعين وستمائة. مولده سنة ثلاث وستين وخمسمائة.

يحيى ابن أحمد بن خليل بن إسماعيل بن عبد المالك السكوني لبلي يكنى أبا بكر. قال ابن الأبار: سمع أباه أبا العباس وأبا بكر بن الجد والسهيلي وغيرهم وتديخ مع ابن خروف وروى عن ابن بشكوال. كان عالماً بأصول الفقه والكلام مقدماً فيها أديباً. له حظ من النظم والنثر خطيباً مفوهاً يشارك في العربية متحققاً بمعرفة الشروط. ولي قضاء الجزيرة الخضراء ثم شريش ثم جيان زمناً طويلاً. ثم صرف عنه وأقبل على التدريس. أخذ عنه جماعة، وفيه بعضهم يقدم التنزه في أحكامه. توفي في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وستمائة ونيف على السبعين. اه.

وقال غيره: جلس للتدريس بأشبيلية فكان مجلسه أحفل مجلس وأجمعه لأشتات المعارف. شرح مستصفى الغزالي، وقيد على تفسير الزمخشري كتاباً سماه بالحسنات والسيئات أبدى فيه مستظرف غرائبه البيانية وطرقه الاعتزالية. وله تقييد في الرد على ابن خروف في رده على المتكلمين وغيرها. وأخذ عنه كثير من الطلبة. وله تقدم في الأصلين والخلاف والأدب والكتابة والشعر ورئاسة في البلاغة والفصاحة يخطب بديهاً ويتكلم عند السلاطين في مصالح الجمهور فيأتي بعجائب. توفي سنة ست وعشرين وستمائة. اه.

يحيى بن أبي الحسن اللفتني الأندلسي أبو زكرياء. قال الغبريني: شيخ جليل حافظ، رحل لبجاية واستوطنها وأقرأ وأسمع. أخذ عنه عبد الله بن عبادة وكان جلوسه بالجامع الأعظم في عشر الثلاثين وستمائة. ووقعت مسألة حيئذ بمجلس أبي الحسن الحرالي في حكم الغسلات الثلاث. فحكى الشيخ عنه أن بعض العلماء قال بوجوب جميعها. فبلغ صاحب الترجمة هذا فأنظره فقهاً ونقلاً، فذكر أن الشيخ أحال نقله على شرح البخاري لابن بطال، وأما فقهاً فقال إنه يكون كخصال الكفارة عند من يقول بوجوب جميعها ويسقط الفرض بواحد، وحجته أنه أمر بالغسل والغسل مصدر يدل على القليل والكثيرفالوحدة مضمنة كالاثنين والثلاثة. وأورد عليه إن زاد على الثلاثة لأن المصدر يتناوله، فأجاب بالمنع، لحديث الزيادة على الثلاثة سرف، أورد عليه جواز الترك. فقال يسقط الفرض بواحد. وإذاً فالجميع كان في حيز الواحد. ثم مر بعض طلبة لصاحب الترجمة وناظره في المسألة. ثم رحل إلى حاضرة تونس باستدعاء صاحبها، وبها توفي. اه. ملخصاً.

يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله أبو زكرياء الصنهاجي وجيه الدين المالكي. قال خلد البلوي في رحلته: الفقيه الإمام قاضي المالكية بالاسكندرية ذو الرتبة السامية السنية إمام في الفروع والأحكام عالم بالحلال والحرام مهتم بالعلم أي اهتمام. له رحلة قديمة لقي بها الصدور ووعي كثيراً. وحج عشر حجج وجاور سنين وسغل زمانه بالعلم فأفاد واستفاد. وفيه يقول صاحبنا الفاضل أبو إسحق بن الحاج: أضحى وجيه الدين أسبق سابق في العلم والعلياء والخلق النزيه عجب الورى من سبقه. وتعجبوا فأجابهم لا تنكروا سبق الوجيه رجل أعطي كمال الخلقة ووفور القوة وسعة الدنيا ومتانة الدين سري وسيم مسكي النسيم طلق الوجه دمث الجانب رقيق الطبع حسن الأخلاق والهيئة جميل اللباس سمح اللقاء مليح التأنيس ذكي المعاني نبيل المقاصد سهل الحجاب يقظ الذهن، كان خاطره جمرة تقد. سمعت عليه كثيراً. مولده في ربيع الأول سنة سبع وستين وستمائة. اه ملخصاً يحيى الدكالي أبو زكرياء، الفقيه الحافظ الناقد الذكي زعيم أهل سبتة في الفقه ذاكراً للمسائل عارفاً بالأصول ذا حظ من الأداء أنيق الخط صحيحه. قيل كان خطه لا يحتاج لمقابلة ذكي الطبع ذا نوادر وظرف. له أخبار عجيبة. قدم فاساً وقعد في سوق الكتب يوم الجمعة فأورد عليه الحاج أبو عبد الله بن عبد الواحد مسألة النية في صلاة الجمعة. فأجابه بعض أصحاب أبي الحسن الزرويلي بأن أصح الأقوال أن ينوي صلاة ظهر الجمعة. فصاح الحافي وجهه فقال له: لا تصوت فالخطاف أصيح منك ولا ثمن له. فضحك أبو زكرياء الدكالي ومن حضركان حياً سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ظناً صح من خط بعض أصحابنا.

يحيى بن أحمد بن محمد بن حسن بن القس بضم القاف وكسر السين مهملاً الرندي النفري الحميدي الفاسي أبو زكرياء عرف بالسراج. قال ابن الأحمر في فهرسته: صاحبنا الفقيه المحدث الصالح معلم كتاب الله تعالى ابن الفقيه الصالح المكتب أبي العباس. أخذ عن جماعة كالفقيه المفتي المحدث القاضي الخطيب أبي البركانت ابن الحاج البلقيقي والفقيه المدرس القاضي عبد النور. أخبرني عنه عن محمد بن عبد العزيز بن واجتن النينملي عن أبيه قال: رأيت في المنام جابر بن عبد الله فقلت له: بالله حدثني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لي سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: من سلم علي في يوم مائة مرة مات ولم يذق طعم الموت. قال ابن الأحمر ويشبه هذا ما روى عن أبي إسحق الشيرازي. قال فرأيته صلى الله عليه وسلم في المنام مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقلت: يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة فأسمعني خيراً أتشرف به دنيا وأجعله ذخيرة للآخرة. فقال لي: يا شيخ قل عني: من أراد السلام فليطلبها في سلامة غيره منه. اه.

توفي السراج بفاس عام ثلاثة وثمانمائة. اه.

وقال غيره: كان بينه وبين ابن عباد مراسلات وإشارات. وله فهرست وسماع صحيح. انتهت إليه رئاسة الحديث في وقته ودفن مع ابن عباد. اه.

يحيى بن محمد التلمساني. سمع من أبي الحسن البظرني وأبي عبد الله بن مرزوق وأبي القاسم الغبريني. وشارك في الفقه ومهر في العربية. مات سنة سبع وثمانمائة عن خمس وستين. وكان أضر قبل ذلك. صح من أنباء الغمر.

أبو يحيى أبو بكر بن عقيبة القفصي، عالمها. كان علامة بارعاً ورجلاً صالحاً. أخذ عن ابن عرفة وأبي مهدي الغبريني وغيرهما. وله أسئلة في فنون كتبها للإمام ابن مرزوق الحفيد. فأجابه عنها بجزء سماه اغتنام الفرصة في محادثة عالم قفصة. وقفت عليه. قال القاضي أحمد القلشاني: كتب لي الفقيه الصالح أبو يحيى بن عقيبة مخاطباً لي من قفصة وأنا بقسنطينة:

عليك أخي بالتقي ولزومه * ولا تكترث ما فيه زيد ولا عمر
فزهدة ذي الدنيا سريع ذبولها * وفي نهي طه للنبي لنا ذكر
وكن منشد ما قال بعض أولي النهي * فكم حكمة غراء قيدها الشعر
إذا المرء جاز الأربعين ولم يكن * له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفص عليه الذي أتى * وإن مد أسباب الحياة له العمر. اه.

ونقل عنه البسيلي في تفسيره. ولم أقف على وفاته.

يحيى بن عبد الرحمن بن محمد من ذرية المقداد بن عمار السكندي العلامة العجيسي المغربي، الإمام العلامة الحفظة شرف الدين. ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة. أخذ أنواع العلوم تفسيراً وحديثاً وفقهاً وأصوله وكلاماً وعربية عن الإمام ابن عرفة والإمام الأبي وغيرهما من شيوخ الغرب. وبرع ونبغ وتقدم. وكان إماماً علامة في فنونه. رحل للقاهرة فأقرأ بها وأعاد وصنف. وله شرح على الألفية، وآخر عليها منظوم. وشرع في شرح البخاري. وكان حفظة للأخبار وأيام الناس فصيحاً مفوهاً عنده ملح ونوادر. وحكى عنه البقاعي في العنوان أنه سئل ما لمذهبكم كثير الخلاف؟ قال لكثرة نظاره في زمن إمامه، وقد أخذ عنه مشافهة نحو ألفين كلهم مجتهد أو قارب الاجتهاد. ولي تدريس المالكية بالشيخونية. ومات في شعبان سنة اثنين وستين وثمانمائة. اه من أعيان الأعيان للسيوطي.

زاد السخاوي في الضوء اللامع أنه حج وزار القدس. وورد دمشق وألف تذكرة فيها فوائد، وأنه أخذ عن الفيه القاضي أبي مهدي عيسى الغبريني وأبي العباس النقاوسي وأحمد بن يحيى بن صابر وعن قاضي الجماعة بقسنطينة أبي العباس بن الخطيب القنفد وقاضي الجماعة بيونة أبي العباس أحمد ابن القاضي، وأن الكمال بن الهمام قرأ عليه في الابتداء. ودرس بالشيخونية عقب الزين عبادة وقدم علي ابن عامر. اه.

يحيى الهنيني. قال القلصادي في رحلته: اجتمعت به بوهران وكان شيخاً فقيهاً صدراً. اه.

يحيى بن أحمد ابن عبد أحمد ابن عبد السلام عرف بالعُلَمي، بضم العين وفتح اللام نسبة للعلم فيما قيل نزيل القاهرة ثم مكة. اشتغل ببلده على قاضي الجماعة عمر القلشاني. وقدم القاهرة، وهو فاضل بحيث أنه قال لم يكن يفتقر لأحد في الاشتغال. وحضر يسيراً عند البساطي وحكى له مباحثة مع القرافي. وأخذ الحديث عن ابن حجر. ثم انضم إلى الحسام بن حريز، ويقال أن الحسام كان يقرأ عليه، ولما ولي القضاء استنابه في تدريس المنصورية. وتصدر للتدريس بجامع الأزهر وغيره وانتفع به الفضلاء سيما في الفقه وصار بآخره أوفر الجماعة فيهم. ثم حج سنة خمس وسبعين وثمانمائة فقطن مكة على طريقته الجميلة حتى انتفع به الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والمعاني والبيان والمنطق. وروى البخاري ومسلماً والشفاء وأقرأ شرح التحفة وأفتى باللفظ دون كتابة تورعاً. وبلغني أنه كتب على المدونة والختصر والرسالة والبخاري. ولد ظناً بعيد القرن. وتوفي يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين وثمانمائة. اه من الحافظ السخاوي في أهل المائة التاسعة.

قال البدر القرافي: وقفت على شرحه للكتب المذكورة بخطه ناقصة الأوائل كلها، سلك فيها مسلك الاختصار ولا تخلو من فاوائد، وبيعت بثمن سهل لقلافة خطة وتلف أطرافها. اه.

قلت: وقفت على شرحه على الرسالة كذلك في مجلد، ورأيت بخطه أنه قسنطيني البلد رحمه الله.

يحيى بن يدير بن عتق التدلسي أبو زكرياء، الفقيه العالم العلامة قاضي توات. أخذ عن الإمام ابن زاغو وغيره، وعنه الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي. وتوفي بتمنطيطة يوم الجمعة قبل الزوال عاشر صفر عام سبعة وسبعين وثمانمائة. كذا وجدته بخط تلميذه ابن عبد الكريم المغيلي المذكور.

يحيى بن أبي عمران موسى بن عيسى المازوني، قاضيها الإمام العلامة الفقيه. أخذ عن الأئمة كابن مرزوق الحفيد وقاسم العقباني وابن زاغو وابن العباس وغيرهم ونجب وبرع. وألف نوازله المشهورة المفيدة في فتاوي المتأخرين أهل تونس وبجاية والجزائر وتلمسان وغيرهم في سفرين. ومنه استمد الونشريسي مع نوازل البرزلي فيما يظهر لي وأضاف إليهما ما تيسر أي من فتاوي أهل فاس والأندلس، والله أعلم. توفي كما قال الونشريسي عام ثلاثة وثمانين وثمانمائة بتلمسان. ووصفه بالفقيه الفاضل. اه.

يحيى بن أبي يعزي. قال الشيخ زروق: كان قاضياً بالمدينة البيضاء بفاس يدرس النحو عارفاً بعلوم الأدب والتنجيم ونحوها. توفي آخر تسع وثمانمائة. وقال في وفيات الونشريسي: سنة إحدى وتسعين توفي الفقيه القاضي بالدار البيضاء الكريم الشمائل أبو زكرياء ابن أبي حامد حفيد ولي الله أبي يعزي. اه.

يحيى بن عبد الله ابن أبي البركات أبو زكرياء. قال الونشريسي: صاحبنا قاضي الجماعة الفقيه توفي في غرة محرم عام عشرة وتسعمائة.

يحيى بن مخلوف السوسي أبو زكرياء، الشيخ الفقيه الأستاذ الصالح المتفنن الرحلة. أخذ عن أحمد الونشريسي وابن غازي والفقيه عبد الله بن جلال بن حفاظ توضيح خليل، وعن شيوخ بجاية وغيرهم، وعنه عبد الواحد الونشريسي واليسيتني. قاله المنجور في فهرسته. وتوفي عام سبعة وعشرين وتسعمائة.

نحيى بن إبراهيم بن عمر الدميري قاضي القضاة ابن قاضي القضاة المتقدم. أخذ عن أبيه وتولى قضاء مصر حتى بعد دولة سليم بن عثمان وولده سليمان، ثم عزل. وكان ثابت الفهم جيد النظر ذا حشمة ونزاهة ورعاية. توفي سنة تسع وثلاثين وتسعمائة وتأسف الناس عليه.

يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس شرف الدين أبو زظرياء، والد البدر القرافي المتقدم، آخر المحدثين، المصري القرافي شهرة الأنصاري نسباً. قال ولده المذكور: ولد بمصر سنة ست وتسعمائة فحفظ القرآن والشاطبية وأصلي ابن الحاجب ومختصر خليل وأصلي ابن السبكي وألفية ابن مالك والرحبية وعرضها على الأعيان كجلال ابن قاسم وغيره من الأعلام وكذا ججه لأمه البدر القرافي المالكي ابن الشمس القرافي سبط العارف بالله ابن أبي جمرة والتغل بالعلم. فأخذ الحديث عن الحافظ المشهدي والفقه عن اللقانيين الشمس والنصر ولازم اشتغال العلم. وتولى القضاء سنة ست وأربعين فاجتمعوا على براعته ودقة نظره وجودة فكره وصحبة تحرير المسائل والوثائق اعتمده الناس لصدقه. أقرأ مختصر خليل قراءة جيدة مع أبحاث لطيفة غاية في سرعة الإدراك مع حسن باطنه سخي النفس كثير العطاء للفقراء يردون عليه مع كثرتهم فيرضيهم مع إطراح نفس إلى الغاية بحيث يضرب به المثل واعتقاد جميل في محبة العلماء والصالحين. توفي يوم الجمعة سادس عشر صفر سنة ست وأربعين رحمه الله تعالى. اه ملخصاً.

يحيى بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب المكي، فقيهها وعالمها شيخنا بالإجازة الفقيه العالم العلامة المتفنن المؤلف الصالح آخر فقهاء الحجاز من المالكية. له تآليف في الفقه والمناسك والحساب والعروض وغيرها. لقيه جماعة عن أصحابنا بمكة. وأجازني مكاتبة ثم عمم وكتب إلي بخطه. وتوفي بعد ثلاث وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى

الأفراد

يحلف بن خزر الأوربي الفاسي. قال التادلي: كان حافظاً للمسائل ورعاً صالحاً متواضعاً مجاب الدعوة. جاء شخص لأبي الحسن ابن حرزهم فقال له: رأيت في النوم شمعتين واحدة بعدوة الأندلس وأخرى بالقرويين. فقال له أبو الحسن التي بعدوة الأندلس ضوؤها أكثر. فقال نعم. فقال له تلك أبو خزر والأخرى أنا، وقلة ضوئها لما أنا عليه من كثرة المزاح مع الناس. اه.

يسكر أبو محمد موسى بن الجرائي فقيه فاس. قال ابن الخطيب القسنطيني: كان شيخاً فقيهاً صالحاً شهيراً. أخذ عن أبي خزر يحلف الأوربي. وأخذ عنه أبو محمد صالح الهسكوري الذي ينسب إليه شرح الرسالة. وحدث عن بعض الأولياء. قال طلبنا التوفيق فوجدناه في إطعام الطعام. ودخل أيضاً يوماً جامع فاس وليس فيه قنديل فأضاء منه الجامع حتى صلى وخرج، وعاينه الناس. توفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وقال التادلي: صاحب أبي الحسن بن حرزهم، وكان ورعاً فاضلاً مجتهداً صائماً، إذا دخل رمضان طوى فراشه واجتهد، وكان لا يأكل طعام السوق. وإذا احتجاج للحم بعث لماشيته، فيؤتي بكبش فيذبحه. اه ملخصاً

وليكن هذا آخر ما أردنا وضعه واخترنا جمعه بعون الله تعالى، منتقى من عدة كتب ككتاب التشوف في رجال التصوف وللتادلي وذيل ابن الأبار لصلة ابن بشكوال وتأريخ ابن الزبير ورحلتي العبدري وأبي القاسم التجيبي ومشيخة الإمام المقري وفوائده وتأريخ المدينة لابن فرحون ورحلة خالد القتوري وفهرست صاحبه أبي عبد الله الحضرمي بخطه والإحاطة لابن الخطيب السلماني وتأريخ ابن خلدون وفهاريس أبي زكرياء السراج وابن الأحمر والمنتوري ومرويات الإمام ابن مرزوق الحفيد والكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد ورحلة ابن الخطيب القسنطيني ووفياته ورحلة القلصادي وأشياء من كناشة أحمد زروق وفهرسة الشيخ ابن غازي والروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون له في كراسين وتأريخ النحاة وتأريخ مصر كلاهما للسيوطي ومعجمة الصغير وبعض فوائد الإمام الونشريسي ووفياته والنجم الثاقب فيما لأولياء الله من المنقب لابن صعد التلمساني وفهرسة الشيخ المنجور والشيخ عبد الواحد الفيلالي وذيل الديباج للبدر القرافي وغيرها من المعاجم والكناشات والمجاميع إلى أشياء أخذتها من بطون كتب الفقه وغيرها وفوائد تلقفتها من أفواه الرجال كسيد والدي رحمه الله وصاحبنا محمد ابن بعقوب الأديب المراكشي وغيره. فحصل بذلك كله بحمد الله تعالى تراجم عدة الأئمة المجتهدين المتأخرين ذوي الرسوخ فمن دونهم في العلم ممن له شهرة ومعرفة ففيه بحمد الله تعالى بعض كفاية في معرفة تراجمهم لما له حرص على تحصيلها. وقد نيف ما فيه على عدة ما في أصله الديباج بما يزيد والله أعلم على مائتين من عدده إذ جملة ما في الديباج ستمائة ونيف وثلاثون رجلاً. ونسأل الله تعالى أن يجمعنا معهم ويحشر الجميع في زمرة المفلحين من حزب سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونفعنا بهم وبمحبتهم دنيا وأخرى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ووافق الفراغ من جمعه سوى أشياء زدتها فيه بعد سابع جمادي الأولى من عام خمسة وألف بمدينة مراكش من المغرب الأقصى صانها الله تعالى من الغير. قاله جامعه وكاتبه الفقيه لربه تعالى أحمد بابا بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي الماسني التنبكتي. ختم الله تعالى له بالحسنى بجاه سيد الأولين والآخرين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم حسبي الله ونعم الوكيل.