أخبار الزمان

حام بن نوح عليه السلام

يقول أهل الأثر إن نوحاً عليه السلام دعا عليه بتشويه الوجه وسواده، وأن يكون ولده عبيداً لولد سام.
فولد له بعد كنعان كوش، فكان أسود، فهم أن يقتل امرأته فمنعه سام، وذكره دعاء أبيه عليه فغضب، ونزغ الشيطان بين الاخوة وحمل بعضهم على بعض، وكان آخر أمر حام أن هرب الى مصر، وتفرق بنوه، ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى الى الأقصى، الى موضع يعرف اليوم بأصيلا، وهو آخر مرسى تبلغه مراكب البحر من نحو الأند لس إلى ناحية القبلة، وليس بعده للمركب مذهب. فيقال ان بنيه اغتموا لمكانه، وندموا على تركه، فخرجوا على أثره يطلبونه في النواحي التي قصدها، فيقال ان منهم طوا ئف وقعت عليه، فكانوا معه الى ان مات وقطنوا ذلك البلد وسكنوا به وهم أصناف السودان فكل طائفة من ولده بلغت موضعاً فيطلبه فانقطع خبره عنهم أقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه، ولم يصل اليه إلا بنوه فقط.
ولما مات حام خرج بعضهم من ذلك الموضع فأقاموا بمكان البربر، وكان عمر حام أربعمائة سنة وإحدى واربعين سنة. ولما مات دفنه بنوه في صخرة منقوبة في جبل أصيلا.

ذكر كنعان ابن حام

هو أكبر ولد حام وهو أول من غير دين نوح عليه السلام، وألقى العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام، ويقال فراعنة مصر منهم، وجالوت منهم الذي قتله داود عليه السلام فهؤلاء العمالقة، لأن العمالقة هم من ولد حام، ومن هؤلاء الكنعانيون الذين قاتلهم موسى عليه السلام، ويوشع بن النون من بعده وهم الذين عنى الله عز وجل بقوله "ان فيها قوماً جبارين" وكانت خلقهم عظيمة.
وفيما يقال ان كنعان الأصغر رتبهم في ناحية الشام والجزيرة ومن ولده فوسطن وصبرا ونهما وسمساوس، ومن ولده نبيط، والنبيط هو السواد وقيل سموا بذلك لأنهم استنبطوا الأرض وعمروها وكانوا اصحاب عمارة وتدبير.
ومن ولد سودان بن كنعان امم منهم الأشبان والزنج وأجناس كثيرة تناسلت بالمغرب نحو سبعين جنساً وهم مختلفون في أفعالهم، ولهم ملوك.
ومنهم أجناس يلبسون الجلود وهم عراة، ومنهم من يتزر بالحشيش، ومنهم قوم يعملون لرؤوسهم قرونا من عظام الدواب، وعندهم فأر ابيض يأكلونه ويسمونه منَّ السماء.
ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت كل ليلة عند اثنتين منهن، فان جامعهن على ما تحب وإلا طلقهن الملك بعد ثالثة.
وببنما اجدبوا، فاذا أرادوا ان يستسقوا جمعوا عظاماً فكوموها كالتل، ثم أضرموها بالنار، ودارو حولها ورفعوا أيديهم الى السماء، وتكلموا بكلام فينزل المطر ويسقوا.

فاذا اعرس أحدهم لطخوا وجهه بشيء يشبه الحبر، ثم أجلسوه على تل، وجلسوا على تل واجلسوا المرأة بين يديه وجعلوا قصبا مثل القبة، وستروها بشيء من الحشيش وأقاموا حولها ثلاثة أيام يشربون نبيذ الذرة ويلعبون، ثم ينصرفون ويأخذ الزوج امرأته ويسيربهاالى موضع سكناه.

ويلبسون حلق النحاس في ايديهم وآذان نسائهم، ويحمل اليهم الكرداونية التي تصبغ بالحمرة يلبسونها ولا يلبسها منهم إلا الملك.
ولهم شجرة عظيمة يعملون لها عيدا في كل سنة يجتمعون عندها، يلعبون حولها حتى يسقط عليهم ورقها فيتبركون به ويزينون المرأة بحلق النحاس والودع في شعرها.
ومن ولد سودان الكركر وبهم سميت المملكة، التي هي اعظم ممالك السودان وأجلها قدراً، وكل ملك لهم يعطي ملك الكركر حق الطاعة، وتنسب الى الكركر ممالك كثيرة.
ومملكة عانة وملكها ايضاً عظيم الشأن، ويتصل ببلاد معادن الذهب وبها منهم امم عظيمة، ولهم خط لا يجاوزه من صدر اليهم فاذا وصلوا الى ذلك الخط جعلوا الأمتعة والأكسية عليه وانصرفوا، فيأتون أولئك السودان، ومعهم الذهب فيتركونه عند الأمتعة وينصرفون، ويأتي اصحاب الأمتعة فإن أرضاهم وإلا عادوا ورجعوا فيعود من السودان، فيزيدونهم حتى تتم المبايعة كما يفعل التجار الذين يبتاعون القرنفل من أهله سواء بسواء، وربما رجع التجار بعد زوالهم مختفين فوضعوا النيران في الأرض، فيسيل الذهب فتسرقه التجار. ثم يهربون لأن الأرض كلها ذهب عندهم ومعدن ظاهر، وربما فطنوا لهم فيخرجون في آثارهم، فإن أدركوهم قتلوهم.

وفي صحاريهم معادن الأشبار سم ويكبر حتى يظهر مثل الحصى الظاهر في الرمل وكل ما يحصل للتجار من الذهب يضربونه بمدينة سجلماسة، وهي مدينة كبيرة فيها أربعة جوامع وشارع يسار منه نصف يوم، وفيها نخيل كثير وفيها يضربون الدنانير.

وتحت يد ملك غانة عدة ملوك وممالك كلها فيها الذهب ظاهر على الأرض يستخرجه أهله، ويعملونه مثل اللبن.

ومن الأجناس المشهورة منهم ملك الدهدم يسار اليها من كركر على شاطئ البحر مغربا من هؤلاء ويحارب بعضهم بعضاً، ويأكلون الناس، ولهم ملك كبير تحت يده ملوك، وفي بلده قلعة عظيمة في صورة امرأة يتأهبون لها ويحجون اليها.

ومملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة.

ومملكة توان وهي كبيرة، ويسار فيها يوماً واحداً فيوجد فيها مومياء في ابيار غير انها تتحرك مثل الزئبق، وهذه الآبار في بقعة واحدة مقدارها نصف ميل بنوا عليها حصنًا وهم يستعملون المومياء. ويقال البقعة بمغرا من الصحراء.

وممالك النوبة وهم من ولد نوبا بن قوط بن مصر بن حام لأنهم لما صار جدهم الى مصر مع مصر مات مصر وبقي بنوه فتولى امره بعده قبطم وثبت القبط بمصر، وهو من أولاد قبطم بن مصر.ووجه قبطم اخوته يسعون في البلاد لطلب ممالك وعيش، فخرج نوب بن قوط بأهله وولده وسار على عبر النيل فملكوا هنالك.
ويقال لمدينتهم العظمى دنقله، وبلادهم بلاد نخل وزرع ومقدار اتساعها شهران، وهم نصارى على دين اليعقوبية.

ويكون هؤلاء مملكة النوبة من ناحية الصعيد، وهم أوسع ملكاً وأعظم خطراً وأصفى لوناً، ومسيرة ملكهم ثلاثة أشهر ومدينتهم العظمى يقال لها دخلولة وهم أيضاً نصارى وملكهم جليل، ولهم لباس وأساورة والذهب أيضاً عندهم يظهر على الارض، ولهم أيضاً نخل وكرم وهم أجناس كثيرة ولهم ملوك وبلدهم واسع.

مملكة البجة: وهي تلي النوبة وهي أيضاً ممالك عديدة، وهم بين النيل والبحر وفي كل مملكة ملك، فأول ممالك البجة من حد السودان وهي آخر عمل المسلمين، والمسلمون يعملون عندهم في المعادن ووراء ذلك ممالك ومدن.

وتتصل بهم الحبشة وهم من ولد حبش بن كوش بن حام. وأكبر ممالكهم مملكة النجاشي وهو على دين النصرانية، واسم مدينتهم الكبرى كفر، ولم تزل العرب على قديم الأيام تأتي هذه المملكة للتجارات.

وتتصل بمملكة الحبشة مملكة الزنج، وهم على البحر المالح، ولهم ممالك واسعة، وهم من ولد سودان بن كنعان، ولهم أيضاً ملوك عدة وممالك، واسم ملكهم الأكبر كوخه يكون بموضع يقال له نكد، وهو على البحر، يحدون أسنانهم حتى ترق، وهم كبار الأفواه نظاف الثغور على كثرة أكلهم السمك.
ولهم افيلة يبيعون أنيابها من تجار البلدان التي تقرب منهم، ولهم الجزائر التي يخرج منها الودع ويتحلون به، ويبيعونه، وهم أجناس كثيرة، ولهم ممالك.

وأما الكوكة فهم أمة لهم أربعة أملاك ملكوا الى أيلة الحجاز وبنى كل واحد منهم مدينة سماها باسمه، وجعلوا سائر الأرض خيما، وقسموها على ثلاثين كورة مقسومة على اربعة أعمال لكل عمل ثمانون كورة، ولكل عمل ملك يجلس في مدينة على منبر من ذهب، وفي كل عمل بربا وهو بيت الحكمة، وهيكل لأ حد الكواكب وفيه أصنام ذهب مرتبة له.
وكانت الاسكندرية لهم واسمها راقودة وجعلوا لها خمس عشرة كورة وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصناف الذهب أكثر مما في غيرها، وقسموا الصعيد ثمانين كورة على أربعة أقسام.
وكان عدد مدن مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها جميع العجائب والكور مثل اخميم وقفط وقوص والفيوم...

وكان الوليد ين دومع العملاقي [الفرعون] قد خرج في جيش عظيم يتنقل في البلدان، يغلب ملوكها ليسكن ما يوافق غرضه منها...

ثم سنح له ان يمشي حتى يقف على مخرج النيل، ويغزو من بناحيته من الامم فأقام ثلاث سنين يستعد لذلك، حتى اصلح جميع ما احتاج اليه. واستخلف عبده عوناً على البلد وخرج في جيش كثيف، وعدد عظيمة، فلم يمر بأمة إلا أبادها.
 فيقال انه اقام في سفره سنين كثيرة وأنه مر على امم السودان وجاوزهم ومرعلى ارض الذهب، فوجد فيها مواضع فيها قضبان ثابتة وهي بلاد عانة.
ولم يزل الوليد يسير حتى بلغ البطيحة التي ينصب ماء النيل إليها من الانهارالتي تخرج من جبل القمر، وجبل شامخ عريض طويل، وإنما سمي جبل القمر لأن القمر لا يطلع عليه لأنه خرج كثيرا عن خط الاستواء، ونظراليه كيف يخرج النيل من تحته فيمر في طرائق كثيرة كالانهار الرقاق، فيصير بعضها إلى حظيرة عظيمة يجتمع فيها، ويصير بعضها الى حظيرة عظيمة، ثم يخرج من كل حظيرة نهر عظيم ينصب إلى حظيرة عظيمة يجتمع النهران فيها وهي البطيحة الكبيرة، وهي بعد خط الاستواء، وقبل الاقليم الاول، ويخرج من تلك البطيحة نهر واحد، ويجوز خط الاستواء ويجري إلى مصر ويمده نهر آخر من ناحية مكران يصب فيه عند اول جبل معظم في ثلث الاقليم الأول.
ويذكر أن هذين النهرين يزيدان وينقصان، فيهما التماسيح [= تماسيخ] وسمك كأمثال سمك النيل، ويخرج منه نهر عظيم على مقربة من آخر شرقي جبل القمر وحكي عن الوليد أنه وجد القصر الذين فيه قماقم النحاس الذي عملها هرمس الاول في وقت البودشير الاول بن قفطويم بن مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام، وهي خمس وثمانون صورة جعلها جامعة لمن يخرج من الماء من الجبل، وبمعاقد وبمصاب مدبرة، يجري منها الى تلك الصور ويخرج من حلوقها على قياس معلوم واذرع معدودة معلومة...

ودخل مصر الوليد بن دومع العمالقي وملكها فاستباح أهلها وأخذ أموالها، وتتبع ما أمكنه الوصول إليه من كنوزها، وهبط إليه أيمن بالطاعة من الصعيد ومدنها سامعا له إذ كان عسكره من قبله، ومن أعانه بملكه وجيشه حتى أخذ بثأر خاله انداحس وتم الامر للوليد على أعظم أمر.
ثم سنح له ان يمشي حتى يقف على مخرج النيل، ويغزو من بناحيته من الامم فأقام ثلاث سنين يستعد لذلك، حتى اصلح جميع ما احتاج إليه.
واستخلف عبده عونا على البلد وخرج في جيش كثيف، وعدد عظيمة، فلم يمر بأمة إلا أبادها.
فيقال انه اقام في سفره سنين كثيرة وأنه مر على امم السودان وجاوزهم ومر على ارض الذهب، فوجد فيها مواضع فيها قضبان ثابتة وهي بلاد عانة.
ولم يزل الوليد يسير حتى بلغ البطيحة التي ينصب ماء النيل إليها من الانهار التي تخرج من جبل القمر، وجبل القمر جبل شامخ عريض طويل، وإنما سمي جبل القمر لان القمر لا يطلع عليه لانه خرج كثيرا عن خط الاستواء، ونظر إليه كيف يخرج النيل من تحته فيمر في طرائق كثيرة كالانهار الرقاق، فيصير بعضها إلى حظيرة عظيمة يجتمع فيها، ويصير بعضها إلى حظيرة عظيمة، ثم يخرج من كل حظيرة نهر عظيم ينصب إلى حظيرة عظيمة يجتمع النهران فيها وهي البطيحة الكبيرة، وهي بعد خط الاستواء، وقبل الاقليم الاول، ويخرج من تلك البطيحة نهر واحد، ويجوز خط الاستواء ويجري إلى مصر ويمده نهر آخر من ناحية مكران يصب فيه عند اول جبل معظم في ثلث الاقليم الاول.

وسار [الريان] على أمم السودان حتى بلغ إلى مملكة الزموم (في ق: الدمدم) الذين يأكلون
الناس، فخرجوا إليه عراة بأيديهم حراب الحديد، وخرج ملكهم على دابة عظيمة الخلق لها قرون، وكان جسيما أحمر العينين فصبر للحرب صبرا عظيما ثم ظفر به الريان، فانهزموا في أوحال وأدغال وغيران وجبال وعرة، فلم يتهيأ له أتباعهم فيها.