البيروني
كتاب الجماهر في معرفة الجواهروبسفالة الزنج ذهب في غاية الحمرة يوجد على تدوير الخرز في أرض سودان المغرب. يبلغها الموغل فيها كما قيل في اعتساف أمثال تلك البراري في مثل المدة المذكورة، يتعذر إلا بالاقتدار على حمل المزاد إن كانت الغلة فيها مزاحة. ثم نعلق بعد هذا خرافات.
وذلك أن من رسم تجار البحر في مبايعات الزابج والزنج أن لا ياتمنونهم في العقود وإنما تجيء رؤساؤهم وكبارهم ويرهنون أنفسهم حتى يستوثق منهم بالقيود ويدفع إلى قومهم ما أرادوا من الأمتعة ليحملوها إلى أرضهم ويقتسموها فيها بينهم. ثم إنهم يخرجون إلى الصحارى في طلب أثمانها، ولا يجد كل واحد من الذهب في تلك الجبال إلا بمقدار ما خصه من المبلغ زعموا. ويكون الموجود على مثال النوى وما أشبهها فيجيئون به إلى المراكب ويسلمونه إلى مراكبهم ورهائنهم حتى يؤدوه. ويرفعون الوثاق عنهم ويطلقون بالمبار والتحف. ويغسل التجار ذلك الذهب أو يحمونه بالنار احتياطاً، فإنهم يحكون عن واحد أنه جعل من ذلك الذهب قطعة في فيه فمات لوقته...
وقد يضاف إلى ما قلنا أساطير أخر في نبت الذهب في تلك البراري كالخرز، وأنه لا يعثر عليه إلا عند طلوع الشمس بلمعان شعاعها عليه- فأما تلك الأراضي وبراري السودان كلها فإنها في الأصل من حمولات السيول المنحدرة من جبال القمر والجبال الجنوبية عليه منكبسة كانكباس أرض مصر بعد أن كانت بحراً. وتلك الجبال مذهبة وشديدة الشهوق، فيحمل الماء إليها بقوته القطع الكبار من الذهب سبائك تشبه الخرز وبها سمي النيل أرض الذهب.- وأما وجوده عند طلوع الشمس فلشدة الحر لأن ظلام الليل يمنع عن طلبه وضوء النهار كذلك لاقتران الحر به، ولم يبق غير الغداة فإن آخر الليل أبرد أوقاته، وأول النهار رديفة لم يحتدم بعد متوعه. وليس بريق الذهب الخالص ولمعانه في الشعاع بمستبدع خاصة إذا كان غب الندى فطلاب الكنوز في المدن العتيقة الخربة يقصدونها بعد إقلاع الأمطار- وقال ربيعة بن مقروخ الضبي
هجان الحي كالذهب المصفي صبيحة ديمة يجنيه جاني وأما فرض الوجود على قدر إثمان ما حملوا من الأمتعة فاعلمي يا أم عمرو أن ذلك دليل على الغزارة التي تمكن في كل وقت وجود الحاجة منه فلا تلجئ العزة والعوز إلى الادخار والكنز مع سلامة الباعثة على اهتمام للغد.- فالزنجي إذا تمكن من وتر في كنكلة ووجد من الأطواق السائلة من النارجيل ما يسكره لم يعبأ بالدنيا واحتسب ما فيها من ذلك أنه ملكها بحذافيرها.-وفي أرض أولئك السودان معادن ليس في معادن سائر البلدان أغزر ريعاً منها ولا أصفى ذهباً، إلا أن المسالك إليها شاقة من جهة المفاوز والرمال. وسكان تلك البلاد ينقبضون عن مخالطة قومنا. ولذلك يستعدلها التجار من سجلماسة في حد تاهرت من أقاصي أرض المغرب بالزاد الكافي والماء الوافي. ويحملون إلى السودان الذين هم وراء تلك القيافي أثواب بصرية تعرف بالمبجبجات عرفوا ولوعهم بها. وهي حمر الأطراف ملونة بصنوف الألوان معلمة بالذهب. ويبايعونهم بالذهب بالاشارات من بعيد والمعاينات بشرط التراضي، بسبب العجمة وفر النفار عن البيضان كنفار البهائم عن السباع. ولا يرغبون في شيء غير تلك الأثواب. فإنهم يتهافتون عليها.
وتلك المعادن فيما بين بواطن السودان وبين زويلة من بلاد المغرب- ولأن أرض البجة من أشباه تلك الكنائس وأواخر بين النيل وبحر القلزم. فإنها خصت لذلك بمعادن الذهب على مسافة بضع عشرة يوماً من أسوان، كما ذكر في كتاب أشكال الأقاليم، ينتهي بعدها إلى حصن عيذاب وهو للحبشة ويسمى مجمع الناس هناك لاستنباط الذهب من الرمال والرضراض تحت أرض مبسوطة ليس فيها جبل العلاقي ووجوه الدخل منها إلى مصر...
وفي سفالة الزنج نحاس في غاية الجودة، لا يسود على النار بل يطوس ويحملون عليه الرصاص فيصير كالشبه وينقاد للأنطراق لا كالصفر في إبائه إياه.