ابن الدوادري
كنز الدرر وجامع الغرر
الجزء السادس: كنز الدرر وجامع الغرر
ذكر سنة ثمان وعشرين وخمس مئة...وفيها سألت الأجناد المصريون الحافظ أن يجعل ولده حيدرة المسمى بحسن واسطاةً بينهم وبينه، وأخرجوا الأمير حسن من القصر الغربي بغير رضي الحافظ وألزموه أن يوليه. فقال لهم: رضيتموه؟ فقالوا: نعم. وظل يراوغ بهم الأمر تسة أشهر، فلما غُلب سلّط عليهم السودان. وكان لهم زعيماً يُعرف بالأحاوي. فقتلوا من الجند خلقاً كثيراً، وكانت فتنة كبيرة، وأبدعوا كذا السودان فيهم وأخرجوهم من مواطنهم وبيوتهم، وحشروهم في طرف القاهرة بالحارة المعروفة بالبرقية أياماً، واستولى السودان على القاهرة. فخرج بعض الجند إلى المحلة مستصرخاً بالوالي. وكان واليها يومئذ رجلاً أرمنياً وهو بهرام الأرمني المقدم ذكره. وكان رجلاً سليم الباطن جيداً في نفسه. وكان نصرانياً على دينه، باقياً على ملته، فانضوى إليه جماعة من الجند والعساكر مع جند الأرياف، وسار طالباً للقاهرة. فوصل إليها، فغلقت الأبواب في وجهه، فأحرق باب القنترة، وباب الخوخة، وباب سعادة، وباب زويلة، وباب البرقية، ودخل ووضع السيف على السودان. فقتل خلقاً كثيراً. وأما الأمير حسن فإنه ساعد السودان على الأجناد، وقتلَ من الجند جماعةً. فقالوا للحافظ: سلّم لنا ولدك حسن وأنت آمن. فتمنع وعظم عليه تسليم ولده، وعلم أنه إن لم يسلمه قتلوه معه. فسقاه سمّاً فمات. ودخل الأجناد فوجدوه ميتاً. فقنعوا بذلك. وتولى الوزارة بهرام الأرمني. فهذا كان سبب وزارته. والله أعلم. (6: 513-515)
الجزء التاسع: الدر لفاخر في سيرة الملك الناصر
فيها حضر ملك التكرور طالباً للحجاز الشريف، واسمه أبو بكر بن موسى. وحضر بين يدي المواقف الشريفة وقبّل الأرض. وأقام بالديار المصرية سنة حتى توجه إلى الحجاز. وكان معه ذهب كثير، وبلاده هي البلاد التي تُنبت الذهب. وسمعت القاضي فخر الدين ناظر الجيوش المنصورة يقول سألت من ملك التكرور: كيف هي صفة منبت الذهب عندهم؟— فقال: ليس هو في أرضنا المختصة بالمسلمين، بل في الأرض المختصة بالنصارى من التكرور، ونحن نسيّر نأخذ منهم صفة حقوق لنا موجبة عليهم. وهي أراضي مخصوصة تنبت الذهب على هذه الصورة: وهو قطيعات صغار مختلفة الهندام، فشيء شبه الحليقات الصغار، وشيء شبه نوى الخرّوب ومثل ذلك.— قال القاضي فخر الدين: فقلت: فلِمَ لا تغلبوهم على هذه الأرض؟— فقال: إذا غلبناهم وأخذناها منهم لم ينبت شيء. وقد فعلنا ذلك بطرق عديدة، فلم ترا فيها شيئاَ. فإذا عادت لهم نبتت على عادتها. وهذا الأمر من أعجب ما يكون. ولعل هذا لزيادة في طغيان النصارى.
ثم إن ملك التكرور وأصحابه اشتروا من القاهرة ومصر من سائر الأصناف. وظنوا أن مالهم لا ينفد. فلما استغرقوا في المشترى ووجدوا أصناف هذه الديار لا لها حد يُحد، وكل يوم ينظروا شيئاً أحسن من شيء نفد ما كان معهم، واحتاجوا للقرض.
فأقرضهم الطماعة من الناس رجاء الفائدة الكبيرة في عودتهم. فراح جميع ما اقترضوه على أربابه، ولم يرجع لهم منه شيء. ومن جملة ذلك لصاحبها الشيخ الإمام شمس الدين بن تازمرت المغربي، فقرضهم ذهباً له صورة جيدة. فلم يعود إليه شيء.
ثم إن هؤلاء القوم تعجبوا لهذه الديار وسعة ما فيها، وكيف استغرقت جميع أموالهم ولا تكمل أغراضهم في المشترى حتى احتاجوا وعادوا يبيعوا ما كانوا شروه بنصف قيمته. وكسب الناس عليهم كسباً جيداً، والله أعلم.
وأحسن لهم مولانا السلطان إحساناً كبيراً، وألبسه خلعة الملك من جهته. وقلده الخليفة تقليداً من قبله والتزم أنه يخطب في بلاده باسم مولانا السلطان، وكذلك السكة. وهذا ما عُهد لصاحب مصر غير مولانا السلطان غز نصره. (9: 316-317)