ذكر فتح أفريقية

ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال فلما عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وأمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يبعث المسلمين في جرائد الخيل كما كانوا يفعلون في أيام عمرو فيصيبون من أطراف أفريقية ويغنمون فكتب في ذلك عبد الله بن سعد إلى عثمان وأخبره بقربهم من حرز المسلمين ويستأذنه في غزوها فندب عثمان الناس لغزوها بعد المشورة منه في ذلك فلما اجتمع الناس أمر عليهم عثمان الحارث بن الحكم إلى أن يقدموا على عبد الله بن سعد مصر فيكون إليه الأمر فخرج عبد الله بن سعد إليها وكان مستقر سلطان أفريقية يومئذ بمدينة يقال لها قرطاجنة وكان عليها ملك يقال له جرجير كان هرقل قد استخلفه فخلع هرقل وضرب الدنانير على وجهه وكان سلطانه ما بين أطرابلس إلى طنجة

حدثنا عبد المك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة قال كان هرقل استخلف جرجير فخلعه قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره قال فلقيه جرجير فقاتله فقتله الله وكان الذي ولي قتله فيما يزعمون عبدالله بن الزبير وهرب جيش جرجير فبث عبد الله بن سعد السرايا وفرقها فأصابوا غنائم كثيرة فلما رأى ذلك رؤساء أهل أفريقية طلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم مالا على أن يخرج من بلادهم فقبل منهم ذلك ورجع إلى مصر ولم يول عليهم أحدا ولم يتخذ بها قيروانا فكانت غنائم المسلمين يومئذ كما حدثنا عبدالملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن أبي أويس قال أبو الأسود مولى لنا قال غزونا مع عبد الله بن سعد أفريقية فقسم بيننا الغنائم بعد إخرج الخمس فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار للفرس ألفا دينار ولفارسه آلف دينار وللراجل آلف دينار فقسم لرجل من الجيش توفي بذات الحمام فدفع إلى أهله بعد موته ألف دينار

حدثنا يوسف بن عدي حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن عبد الرحمن بن أبيه هلال عن أبي الأسود أن أبا أوس مولى لهم قديما حدثه أن رجلا خرج في غزوة أفريقية فمات بذات الحمام فقسم له فكان سهمه يومئذ ألف دينار حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد عن غير واحد أن عبد الله بن سعد غزا أفريقية وقتل جرجير فأصاب الفارس يومئذ ثلاثة آلاف دينار والراجل ألف دينار قال غير الليث من مشايخ أهل مصر في كل دينار دينار وربع

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره قال فكان جيش عبد الله بن سعد ذلك عشرين ألفا حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة قال كانت مهرة في غزوة عبد الله بن سعد وحدهم ستمائة رجل وغنث من الأزد سبعمائة رجل وميدعان سبعمائة وميدعان من الأزد وكان على مقاسمها كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أزهر بن يزيد الغطيفي شريك بن سمي فباع ابن زرارة المديني تبرا بذهب بعضه أفضل من بعض ثم لقيه المقداد بن الأسود فذكر ذلك له فقال المقداد إن هذا لا يصلح فقال له ابن زرارة فضلها لك هبة قال شريك ما أحب أن لي ما تحوز وإني أرجع به وكانت إبنة جرجير كما حدثنا أبي عبد الله بن عبد الحكم وسعيد بن عفير قد صارت لرجل من الأنصار في سهمه فأقبل بها منصرفا قد حملها على بعير له فجعل يرتجز

يابنة جرجير تمشي عقبتك * إن عليك بالحجاز ربتك * لتحملن من قباء قربتك

قالت ما يقول هذا الكلب فأخبرت بذلك فألقت نفسها عن البعير الذي كانت عليه فدقت عنقها فماتت

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة أن عبد الله بن سعد هو الذي افتتح أفريقية ونقل هو الذي افترع أفريقية أنه كان يوضع بين يديه الكوم من الورق فيقال للأفارقة من أين لكم هذا قال فجعل إنسان منهم يدور كالذي يلتمس الشيء حتى وجد زيتونة فجاء بها إليه فقال من هذا نصيب الورق قال وكيف قال إن الروم ليس عندهم زيتون فكانوا يأتونا فيشترون منا الزيت فنأخذ هذا الورق منهم وإنما سموا الأفارقة فيما حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة وغيره أنهم من ولد فارق بن بيصر وكان فارق قد حاز لنفسه من الأرض ما بين برقة إلى أفريقية فبالأفارقة سميت أفريقية

حدثنا أبي عبد الله بن عبد الحكم حدثنا بكر بن مضر عن يزيد بن أبي حبيب عن قيس بن أبي يزيد عن الجلاس بن عامر عن عبد الله بن أبي ربيعة قال صلى عبدالله بن سعد للناس بأفريقية المغرب فلما صلى ركعتين سمع جلبة في المسجد فراعهم ذلك وظنوا أنهم العدو فقطع الصلاة فلما لم ير شيئا خطب الناس ثم قال إن هذه الصلاة احتضرت ثم أمر مؤذنه فأقام الصلاة ثم أعادها

قال وبعث عبد الله بن سعد كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة بالفتح عقبة بن نافع ويقال عبد الله بن الزبير وذلك أصح وسار زعموا عبد الله بن الزبير على راحلته إلى المدينة من أفريقية عشرين ليلة

حدثنا سعيد بن عفير حدثني المنذر بن عبدالله الحزامي عن هشام بن عروة أن عبدالله بن سعد بعث عبد الله بن الزبير بفتح أفريقية فدخل على عثمان فجعل يخبره بلقائهم العدو وما كان في تلك الغزوة فأعجب عثمان فقال له هل تستطيع أن تخبر الناس بمثل هذا قال نعم فأخذ بيده حتى انتهى به إلى المنبر ثم قال له اقصص عليهم ما أخبرتني فتلكأ عبد الله بدئا فأخذ الزبير قبضة حصباء وهم أن يحصبه بها ثم تكلم كلاما أعجبهم فكان الزبير يقول إذا أراد أحدكم أن يتزوج المرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها فلن يلبث أن يرى ربيطة منها ببابه لما كان يرى من شبه عبد الله بن الزبير بأبي بكر

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد قال بعث عبدالله بن سعد عبد الله بن الزبير وكان في الجيش بالفتح فقدم على عثمان بن عفان فبدأ به قبل أن يأتي أباه الزبير بن العوام فخرج عثمان إلى المسجد ومعه ابن الزبير فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر الذي أبلى الله المسلمين على يدي عبد الله بن سعد ثم قال قم يا عبد الله بن الزبير فحدث الناس بالذي شهدت قال الزبير فوجدت في نفسي على عثمان وقلت يقيم غلاما من الغلمان لا يبلغ الذي يحق عليه والذي يجمل به فقام فتكلم فأبلغ وأصاب فما فرغ حتى ملأهم عجبا ثم نزل عثمان وقام عبد الله بن الزبير إلى أبيه فأخذ أبوه بيده وقال إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها قبل أن تتزوجها كأنه يشبهه ببلاغة أبي بكر الصديق جده قال وحدثنيه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وقد قيل أن عبد الله بن سعد قد كان وجه مروان بن الحكم إلى عثمان من أفريقية فلا أدري أفي الفتح أم بعده والله أعلم

حدثنا عبدالله بن معشر الأيلي أن مروان بن الحكم أقبل من أفريقية أرسله عبد الله بن سعد ووجه معه رجلا من العرب من لخم أو جذام شك عبد الرحمن قال فسرنا حتى إذا كنا ببعض الطريق قرب الليل فقال لي صاحبي هل لك إلى صديق لي ها هنا قلت ما شئت قال فعدل بي عن الطريق حتى أتى إلى دير وإذا سلسلة معلقة فأخذ السلسلة فحركها وكان أعلم مني فأشرف علينا رجل فلما رآنا فتح الباب فدخلنا فلم يتكلم حتى طرح لي فراشا ولصاحبي فراشا ثم أقبل على صاحبي يكلمه بلسانه فراطنه حتى سؤت ظنا ثم أقبل علي فقال أي شيء قرابتك من خليفتهم قلت ابن عمه قال هل أحد أقرب إليه منك قلت لا إلا أن يكون ولده قال صاحب الأرض االمقدسة أنت قلت لا قال فإن استطعت أن تكون هو فافعل ثم قال أريد أن أخبرك بشيء وأخاف أن تضعف عنه قال قلت ألي تقول هذا وأنا أنا ثم أقبل على صاحبي فراطنه ثم أقبل علي فسايلني عن مثل ذلك وأجبته بمثل جوابي فقال إن صاحبك مقتول وإنا نجد أنه يلي هذا الأمر من بعده صاحب الأرض المقدسة فإن استطعت أن تكون ذلك فافعل فأصابتني لذلك وجمة فقال لي قد قلت لك إني أخاف ضعفك عنه فقلت وما لي لا يصيبني أو كما قال وقد نعيت إلي سيد المسلمين وأمير المؤمنين قال ثم قدمت المدينة فأقمت شهرا لا أذكر لعثمان من ذلك شيئا ثم دخلت عليه وهو في منزل له على سرير وفي يده مروحة فحدثته بذلك فلما انتهيت إلى ذكر القتل بكيت وأمسكت فقال لي عثمان تحدث لا تحدثت فحدثته فأخذ بطرف المروحة يعضها أحسبه قال عبد الرحمن واستلقى على ظهره وأخذ بطرف عقبه يعركه حتى ندمت على إخباري إياه ثم قال لي صدق وسأخبرك عن ذلك

لما غزا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} تبوك أعطى أصحابه سهما سهما وإعطاني سهمين فظننت أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إنما أعطاني ذلك لما كان من نفقتي في تبوك فأتيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقلت إنك أعطيتني سهمين وأعطيت أصحابي سهما سهما فظننت أن ذلك لما كان من نفقتي فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لا ولكن أحببت أن يرى الناس مكانك مني أو منزلتك مني فأدبرت فلحقني عبد الرحمن بن عوف فقال ماذا قلت لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} مازال يتبعك بصره فظننت أن قولي قد خالف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأمهلت حتى إذا خرج إلى الصلاة أتيته فقلت يا رسول الله إن عبد الرحمن بن عوف أخبرني بكذا وكذا وأنا أتوب إلى الله أو كما قال فقال لا ولكنك مقتول أو قاتل فكن المقتول والله أعلم

قال وكان فتح إفريقية كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد سنة سبع وعشرين وفي تلك السنة كما حدثنا عبدالملك بن مسلمة عن مالك بن أنس توفيت حفصة زوج النبي {صلى الله عليه وسلم}

ذكر النوبة

قال ثم غزا عبد الله بن سعد الأساود وهم النوبة كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير سنة إحدى وثلاثين وحدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل عثمان على مصر في سنة إحدى وثلاثين فقاتلته النوبة قال ابن لهيعة وحدثني الحارث بن يزيد قال اقتتلوا قتالا شديدا وأصيبت يومئذ عين معاوية بن حديج وأبي شمر بن أبرهة وحيويل بن ناشرة فيومئذ سموا رماة الحدق فهادنهم عبد الله بن سعد إذ لم يطقهم وقال الشاعر

لم تر عيني مثل يوم دمقلة * والخيل تعدو بالدروع مثقله

قال ابن أبي حبيب في حديثه وإن عبدالله صالحهم على هدنة بينهم على أنهم لا يغزونهم ولا يغزوا النوبة المسلمين وأن النوبة يؤدون كل سنة إلى المسلمين كذا كذا رأسا من السبي وأن المسلمين يؤدون إليهم من القمح كذا وكذا ومن العدس كذا وكذا في كل سنة قال ابن أبي حبيب وليس بينهم وبين أهل مصر عهد ولا ميثاق إنما هي هدنة أمان بعضنا من بعض قال ابن لهيعة ولا بأس أن يشترى رقيقهم منهم ومن غيرهم وكان ابو حبيب أبو يزيد بن أبي حبيب واسمه سويد منهم

حدثنا سعيد بن عفير حدثنا ابن لهيعة قال سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول أبي من سبي دمقلة مولى لرجل من بني عامر من أهل المدينة يقال له شريك بن طفيل قال وكان الذي صولح عليه النوبة كما ذكر بعض مشايخ أهل مصر على ثلاثمائة رأس وستين رأسا في كل سنة ويقال بل على أربعمائة رأس في كل سنة منها لفيء المسلمين ثلاثمائة رأس وستون رأسا ولوالي البلد أربعون رأسا قال فزعم بعض المشايخ أن منها سبعة عشر مرضعا ثم انصرف عبد الله بن سعد عنهم عهد النوبة

ويقال فيما ذكر بعض مشايخ المتقدمين أنه نظر في بعض الدواوين بالفسطاط وقرأه قبل أن ينخرق فإذا هو يحفظ منه إنا عاهدناكم وعاقدناكم أن توفونا في كل سنة ثلاثمائة رأس وستين رأسا وتدخلون بلادنا مجتازين غير مقيمين وكذلك ندخل بلادكم على أنكم إن قتلتم من المسلمين قتيلا فقد برئت منكم الهدنة وعلى إن آويتم للمسلمين عبدا فقد برئت منكم الهدنة وعليكم رد أباق المسلمين ومن لجأ إليكم من أهل الذمة

قال وزعم غيره من المشايخ أنه لا سنة للنوبة على المسلمين وإنهم أول عام بعثوا بالبقط أهدوا لعمرو بن العاص أربعين رأسا فكره أن يقبل منهم فرد ذلك على عظيم من عظماء القبط يقال له نستقوس وهو القيم لهم فيها فباع ذلك واشترى لهم جهازا فاحتجوا بذلك أن عمرا بعث إليهم القمح والخيل وذلك أنهم زجروا عن القمح والخيل فكشفوا ذلك في الزمان الأول فأصيبوا هذه قصتهم

ثم رجع الحديث فتجمع له في انصرافه على شاطئ النيل البجة فسأل عنهم فأخبر بمكانهم فهان عليه أمرهم فنفذ وتركهم ولم يكن لهم عقد ولا صلح وأول من صالحهم عبيد الله بن الحبحاب يزعم بعض المشايخ أنه قرأ كتاب ابن الحبحاب فإذا فيه ثلاثمائة بكر في كل عام حتى ينزلوا الريف مجتازين تجارا غير مقيمين على أن لا يقتلوا مسلما ولا ذميا فإن قتلوه فلا عهد لهم ولا يؤوا عبيد المسلمين وأن يردوا أباقهم إذا وقعوا وقد عهدت هذا في أيامهم يؤخذون به ولكل شاة أخذها بجاوي فعليه أربعة دنانير وللبقرة عشرة وكان وكيلهم مقيما بالريف رهينة بيد المسلمين

ذكر ذي الصواري

قال ثم غزا عبدالله بن سعد بن أبي سرح كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد ذا الصواري في سنة أربع وثلاثين وكان من حديث هذه الغزوة كما حدثنا عبدالله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عبدالله بن سعد لما نزل ذا الصواري أنزل نصف الناس مع بسر بن أبي أرطأة سرية في البر فلما مضوا أتى آت إلى عبد الله بن سعد فقال ما كنت فاعلا حين ينزل بك هرقل في ألف مركب فافعلة الساعة قال غير الليث إنما هو ابن هرقل لأن هرقل مات في سنة تسع عشرة والمسلمون محاصرون الاسكندرية

ثم رجع إلى حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب قال وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيف فقال عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس فقال قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب فأشيروا علي فما كلمه رجل من المسلمين فجلس قليلا لترجع إليهم أفئدتهم ثم قام الثانية فكلمهم فما كلمه أحد فجلس ثم قام الثالثة فقال إنه لم يبق شيء فأشيروا علي فقام رجل من أهل المدينة كان متطوعا مع عبد الله بن سعد فقال: أيها الأمير إن الله جل ثناؤه يقول ) كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ( فقال عبد الله اركبوا بسم الله فركبوا وإنما في كل مركب نصف شحنته قد خرج النصف الآخر إلى البر مع بسر فلقوهم فاقتتلوا بالنبل والنشاب وتأخر هرقل لئلا تصيبه الهزيمة وجعلت القوارب تختلف إليه بالأخبار فقال ما فعلوا قالوا قد اقتتلوا بالنبل والنشاب فقال غلبت الروم ثم أتوه فقال ما فعلوا قالوا قد نفذ النبل والنشاب فهم يرتمون بالحجارة قال غلبت الروم ثم أتوه فقال ما فعلوا قالوا قد نفذت الحجارة وربطوا المراكب بعضها ببعض يقتتلون بالسيوف قال غلبت الروم

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال وكانت السفن إذ ذاك تقرن بالسلاسل عند القتال فقال فقرن مركب عبد الله يومئذ وهو الأمير بمركب من مراكب العدو فكاد مركب العدو يجتر مركب عبدالله إليهم فقام علقمة بن يزيد الغطيفي وكان مع عبدالله بن سعد في المركب فضرب السلسلة بسيفه فقطعها فسأل عبد الله امرأته بعد ذلك بسيسة ابنة حمزة بن ليشرح وكانت مع عبد الله يومئذ وكان الناس يغزون بنسائهم في المراكب من رأيت أشد قتالا قالت علقمة صاحب السلسلة وكان عبد الله قد خطب بسيسة إلى أبيها فقال له إن علقمة قد خطبها وله علي فيها وأي وإن يتركها أفعل فكلم عبد الله علقمة فتركها فتزوجها عبد الله بن سعد ثم هلك عنها عبدالله فتزوجها بعده علقمة بن يزيد ثم هلك عنها علقمة فتزوجها بعده كريب بن أبرهة وماتت تحته في السنة التي قتل فيها مروان الأكدر بن حمام قال غير ابن لهيعة قتل مروان الأكدر بن حمام في اليوم الذي ماتت فيه بسيسة فجاء الخبر إلى كريب بذلك فقال حتى أفرغ من دفن هذه الجنازة فلم ينصرف حتى قتل فلام الناس يومئذ كريب بن أبرهة وللأكدر بن حمام وقتله حديث أطول من هذا

قال غير ابن لهيعة مشت الروم الى قسطنطين بن هرقل في سنة خمس وثلاثين فقالوا تترك الاسكندرية في أيدي العرب وهي مدينتنا الكبرى فقال ما أصنع بكم ما تقدرون أن تمالكوا ساعة إذا لقيتم العرب قالوا فاخرج على أنا نموت فتابيعوا على ذلك فخرج في ألف مركب يريد الاسكندرية فسار أيام غالبة من الريح فبعث الله عليهم ريحا فغرقتهم إلا قسطنطين نجا بمركبه فألقته الريح بسقلية فسألوه عن أمره فأخبرهم فقالوا شمت النصرانية وأفنيت رجالها لو دخل العرب علينا لم نجد من يردهم فقال خرجنا مقتدرين فأصابنا هذا فصنعوا له الحمام ودخلوا عليه فقال ويلكم تذهب رجالكم وتقتلون ملككم قالوا كأنه غرق معهم ثم قتلوه وخلوا من كان معه في المركب

ذكر رابطة الإسكندرية

حدثنا عثمان بن صالح حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعبدالله بن هبيرة يزيد أحدهما على صاحبه قال لما استقامت البلاد وفتح الله على المسلمين الاسكندرية قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الاسكندرية ربع الناس خاصة الربع يقيمون ستة أشهر ثم يعقبهم شاتية ستة أشهر ربع في السواحل والنصف الثاني مقيمون معه

قال غيرهما وكان عمر بن الخطاب يبعث في كل سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية وكاتب الولاة لا تغفلها وتكثف رابطتها ولا تأمن الروم عليها وكتب عثمان إلى عبدالله بن سعد قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين بالاسكندرية وقد نقضت الروم مرتين فألزم الاسكندرية رابطتها ثم أجر عليهم أرزاقهم وأعقب بينهم في كل ستة أشهر

حدثنا طلق بن السمح حدثنا ضمام بن إسماعيل المعافري حدثنا أبو قبيل أن عتبة بن أبي سفيان عقد لعلقمة بن يزيد الغطيفي على الاسكندرية وبعث معه اثني عشر ألفا فكتب علقمة إلى معاوية يشكو عتبة حين غرر به وبمن معه فكتب إليه معاوية إني قد أمددتك بعشرة آلاف من أهل الشام وبخمسة آلاف من أهل المدينة فكان فيها سبعة وعشرين ألفا

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة أن علقمة بن يزيد كان على الاسكندرية ومعه أثنا عشر ألفا فكتب إلى معاوية إنك خلفتني بالاسكندرية وليس معي إلا اثنا عشر ألفا ما يكاد بعضنا يرى بعضا من القلة فكتب إليه معاوية إني قد أمددتك بعبد الله بن مطيع في أربعة آلاف من أهل المدينة وأمرت معن بن يزيد السلمي أن يكون بالرملة في أربعة آلاف ممسكين بأعنة خيولهم متى يبلغهم عنك فزع يعبروا إليك

قال ابن لهيعة وكان عمرو بن العاص يقول ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة

الجزء الخامس
ذكر من كان يخرج على غزو المغرب بعد عمرو بن العاص وفتوحه
معاوية بن حديج

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبدالحكم قال ثم خرج إلى المغرب بعد عبد الله بن سعد معاوية بن حديج التجيبي سنة أربع وثلاثين وكان معه في جيشه عامئذ عبد الملك بن مروان فافتتح قصورا وغنم غنائم عظيمة واتخذ قيروانا عند القرن فلم يزل فيه حتى خرج إلى مصر وكان معه في غزاته هذه جماعة من المهاجرين والأنصار

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة وحدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبد الله بن المبارك نحوه عن ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله عن سليمان بن يسار قال غزونا أفريقية مع ابن حديج ومعنا من المهاجرين والأنصار بشر كثير فنفلنا ابن حديج النصف بعد الخمس فلم أر أحد أنكر ذلك إلا جبلة بن عمرو الأنصاري وحدثنا يوسف بن عدي حدثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران قال وسألت سليمان بن يسار عن النفل في الغزو فقال لم أر أحدا صنعه غير ابن حديج نفلنا بأفريقية النصف بعد الخمس ومعنا من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من المهاجرين الأولين ناس كثير فأبى جبلة بن عمرو الأنصاري أن يأخذ منه شيئا

ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره قال فانتهى إلى قونية وهي موضع مدينة قيروان أفريقية ثم مضى إلى جبل يقال له القرن يعسكر إلى جانبه وبعث عبد الملك بن مروان إلى مدينة يقال لها جلولاء في ألف رجل فحاصرها أياما فلم يصنع شيئا فانصرف راجعا فلم يسر إلا يسيرا حتى رأى في ساقة الناس غبارا شديدا فظن أن العدو قد طلبهم فكر جماعة من الناس لذلك وبقي من بقي على مصافهم وتسرع سرعان الناس فإذا مدينة جلولاء قد وقع حائطها فدخلها المسلمون وغنموا ما فيها وانصرف عبد الملك إلى معاوية بن حديج فاختلف الناس في الغنيمة فكتب في ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان فكتب إن العسكر ردء للسرية فقسم ذلك بينهم فأصاب كل رجل منهم لنفسه مائتي دينار وضرب للفرس بسهمين ولصاحبه بسهم قال عبد الملك فأخذت لفرسي ولنفسي ستمائة دينار واشتريت بها جارية

قال ويقال بل غزاها معاوية بن حديج بنفسه فحاصرهم فلم يقدر عليهم فانصرف أئسا منها وقد جرح عامة أصحابه وقتل منهم ففتحها الله بعد انصرافه بغير خيل ولا رجال فرجع إليها ومن معه وفيها السبي لم يردهم أحد فغنموا وانصرف منها راجعا إلى مصر

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال غزا معاوية بن حديج أفريقية ثلاث غزوات أما الأولى فسنة أربع وثلاثين قبل قتل عثمان وأعطى عثمان مروان الخمس في تلك الغزوة وهي غزوة لا يعرفها كثير من الناس والثانية سنة أربعين والثالثة سنة خمسين

عقبة بن نافع

قال ثم خرج إلى المغرب بعد معاوية بن حديج عقبة بن نافع الفهري سنة ستة وأربعين ومعه بسر بن أبي أرطأة وشريك بن سمي المرادي فأقبل حتى نزل بمغمداش من سرت وكان توجه بسر إليها كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد سنة ست وعشرين من سرت فأدركه الشتاء وكان مضعفا وبلغه أن أهل ودان قد نقضوا عهدهم ومنعوا ما كان بسر بن أبي أرطأة فرض عليهم وكان عمرو بن العاص قد بعث إليها بسرا قبل ذلك وهو محاصر لأهل أطرابلس فافتتحها فخلف عقبة بن نافع جيشه هنالك واستخلف عليهم عمر بن علي القرشي وزهير بن قيس البلوي ثم سار بنفسه وبمن خف معه أربع مائة فارس وأربع مائة بعير وثماني مائة قربة حتى قدم ودان فافتتحها وأخذ ملكهم فجدع أذنه فقال لم فعلت هذا بي وقد عاهدتني فقال عقبة فعلت هذا بك أدبا لك إذا مسست أذنك ذكرته فلم تحارب العرب واستخرج منهم ما كان بسر فرضه عليهم ثلاثمائة رأس وستين رأسا

ثم سألهم عقبة هل من ورائكم أحد فقيل له جرمة وهي مدينة فزان العظمى فسار إليها ثماني ليال من ودان فلما دنا منها أرسل فدعاهم إلى الإسلام فأجابوا فنزل منها على ستة أميال وخرج ملكهم يريد عقبة وأرسل عقبة خيلا فحالت بين ملكهم وبين موكبه فأمشوه راجلا حتى أتى عقبة وقد لغب وكان ناعما فجعل يبصق الدم فقال له لم فعلت هذا بي وقد أتيتك طائعا فقال عقبة أدبا لك إذا ذكرته لم تحارب العرب وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا ووجه عقبة الرحل من

يومه ذلك إلى المشرق

ثم مضى على جهته من فوره ذلك إلى قصور فزان فافتتحها قصرا قصرا حتى انتهى إلى أقصاها فسألهم هل من ورائكم أحد قالوا نعم أهل خاوار وهو قصرعظيم على رأس المفازة في وعورة على ظهر جبل وهو قصبة كوار فسار إليهم خمس عشرة ليلة فلما انتهى إليه تحصنوا فحاصرهم شهرا فلم يستطع لهم شيئا فمضى أمامه على قصور كوار فافتتحها حتى انتهى إلى أقصاها وفيه ملكها فأخذه فقطع إصبعه فقال لم فعلت هذا بي قال أدبا لك إذا أنت نظرت إلى أصبعك لم نحارب العرب وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا فسألهم هل من ورائكم أحد فقال الدليل ليس عندي بذلك معرفة ولا دلالة فانصرف عقبة راجعا فمر بقصر خاوار فلم يعرض له ولم ينزل بهم وسار ثلاثة أيام فأمنوا وفتحوا مدينتهم وأقام عقبة بمكان اسمه اليوم ماء فرس لم يكن به ماء فأصابهم عطش شديد أشفى منه عقبة وأصحابه على الموت فصلى عقبة ركعتين ودعا الله وجعل فرس عقبة يبحث بيديه في الأرض حتى كشف عن صفاة فانفجر منها الماء فجعل الفرس يمص ذلك الماء فأبصره عقبة فنادى في الناس أن احتفروا

فحفروا سبعين حسيا فشربوا واستقوا فسمي لذلك ماء فرس ثم رجع عقبة إلى خاوار من غير طريقه التي كان أقبل منها فلم يشعروا به حتى طرقهم ليلا فوجدهم مطمئنين قد تمهدوا في أسرابهم فاستباح ما في المدينة من ذرياتهم وأموالهم وقتل مقاتلتهم

ثم انصرف راجعا فسار حتى نزل بموضع زويلة اليوم ثم ارتحل حتى قدم على عسكره بعد خمسة أشهر وقد جمت خيولهم وظهرهم فسار متوجها إلى المغرب وجانب الطريق الأعظم وأخذ إلى أرض مزاتة فافتتح كل قصر بها ثم مضى إلى صفر فافتتح قلاعها وقصورها ثم بعث خيلا إلى غدامس فافتتحت غدامس فلما انصرفت إليه خيله سار إلى قفصة فافتتحها وافتتح قصطيلية

ثم انصرف إلى القيروان فلم يعجب بالقيروان الذي كان معاوية بن حديج بناه قبله فركب والناس معه حتى أتى موضع القيروان اليوم وكان واديا كثير الشجر كثير القطف تأوي إليه الوحوش والسباع والهوام ثم نادى بأعلى صوته يأهل الوادي ارتحلوا رحمكم الله فإنا نازلون نادى بذلك ثلاثة إيام فلم يبق من السباع شيء ولا الوحوش والهوام إلا خرج وأمر الناس بالتنقية والخطط ونقل الناس من الموضع الذي كان معاوية بن حديج نزله إلى مكان القيروان اليوم وركز رمحه وقال هذا قيروانكم

حدثنا عبدالملك بن مسلمة الأنصاري حدثنا الليث بن سعد أن عقبة بن نافع غزا أفريقية فأتى وادي القيروان فبات عليه هو وأصحابه حتى إذا أصبح وقف على رأس الوادي فقال يا أهل الوادي اظعنوا فإنا نازلون قال ذلك ثلاث مرات فجعلت الحيات تنساب والعقارب وغيرها مما لا يعرف من الدواب تخرج ذاهبة وهم قيام ينظرون إليها من حين أصبحوا حتى أوجعتهم الشمس وحتى لم يروا منها شيئا فنزلوا الوادي عند ذلك قال الليث فحدثني زياد بن العجلان أن أهل أفريقية أقاموا بعد ذلك أربعين سنة ولو التمست حية أو عقرب بألف دينار ما وجدت

أبو المهاجر

قال ثم عزل عقبة بن نافع في سنة إحدى وخمسين عزله مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو يومئذ والي البلد من قبل معاوية بن أبي سفيان ومسلمة بن مخلد أول من جمعت له مصر والمغرب وكانت ولاية مسلمة بن مخلد كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد سنة سبع وأربعين وولى أبا المهاجر دينارا مولى الأنصار وأوصاه حين ولاه أن يعزل عقبة أحسن العزل فخالفه أبو المهاجر فأساء عزله وسجنه وأوقره حديدا حتى أتاه الكتاب من الخليفه بتخلية سبيله وإشخاصه إليه فخرج عقبة حتى أتى قصر الماء فصلى ثم دعا وقال اللهم لا تمتني حتى تمكني من إبي المهاجر دينار بن أم دينار وكان مجاب الدعوة فبلغ ذلك أبا المهاجر فلم يزل خائفا منذ بلغته دعوته فلما قدم عقبة مصر ركب إليه مسلمة بن مخلد فأقسم له بالله لقد خالفه ما صنع أبو المهاجر ولقد أوصيته بك خاصة وقد كان قيل لمسلمة لو أقررت عقبة فإن له جزالة لا فقال مسلمة إن أبا المهاجر صبر علينا في غير ولاية ولا كبير نيل فنحن نحب أن نكافيه

فلما قدم أبو المهاجر أفريقية كره أن ينزل في الموضع الذي اختطه عقبة بن نافع ومضى حتى خلفه بميلين فابتنى نزل وكان الناس قبل أبي المهاجر كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة وأحمد بن عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب يغزون أفريقية ثم يقفلون منها إلى الفسطاط وأول من أقام بها حين غزاها أبو المهاجر مولى الأنصار أقام بها الشتاء والصيف واتخذها منزلا وكان مسلمة بن مخلد الذي عقد له على الجيش الذين خرجوا معه إليها فلم يزالوا بها حتى قتل ابن الزبير فخرجوا منها

ثم قدم عقبة على معاوية بن أبي سفيان فقال له فتحت البلاد وبنيت المنازل ومسجد الجماعة ودانت لي المغرب ثم أرسلت عبد الأنصار فأساء عزلي فاعتذر إليه معاوية وقال قد عرفت مكان مسلمة بن مخلد من الإمام المظلوم وتقديمه إياه وقيامه بدمه وبذل مهجته وقد رددتك على عملك ويقال أن معاوية ليس هو الذي رد عقبة بن نافع ولكنه قدم على يزيد بن معاوية بعد موت أبيه فرده واليا على أفريقية وذلك أصح لأن معاوية توفي سنة ستين حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد قال توفي معاوية بن أبي سفيان سنة ستين

مقتل عقبة بن نافع

ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال فخرج عقبة بن نافع سريعا بحنقه على أبي المهاجر حتى قدم أفريقية فأوثق أبا المهاجر في وثاق شديد وأساء عزله وغزا به معه إلى السوس وهو في حديد وأهل السوس بطن من البربر يقال لهم أنبية فجول في بلادهم لا يعرض له أحد ولا يقاتله فانصرف إلى أفريقية فلما دنا من ثغرها أمر أصحابه فافترقوا عنه وأذن لهم حتى بقي في قلة فأخذ على مكان يقال له تهوذة فعرض له كسيلة بن لمزم في جمع كثير من الروم والبربر وقد كان بلغه افتراق الناس عن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل عقبة ومن كان معه وقتل أبو المهاجر وهو موثق في الحديد ثم سار كسيلة ومن معه حتى نزلوا الموضع الذي كان عقبة اختطه فأقام به وقهر من قرب منه باب قابس وما يليه وجعل يبعث أصحابه في كل وجه

ويقال بل خرج عقبة بن نافع إلى السوس واستخلف على القيروان عمر بن القرشي وزهير بن قيس البلوي وكانت أفريقية يومئذ تدعى مزاق فتقدم عقبة إلى السوس وخالفه رجل من العجم في ثلاثين ألفا إلى عمر بن علي وزهير بن قيس وهما في ستة آلاف فهزمه الله وخرج ابن الكاهنة البربري على أثر عقبة كلما رحل عقبة من منهل دفنه ابن الكاهنة فلم يزل كذلك حتى انتهى عقبة إلى السوس ولا يشعر بما صنع البربري فلما انتهى عقبة إلى البحر أقحم فرسه فيه حتى بلغ نحره ثم قال اللهم إني أشهدك أن لا مجاز ولو وجدت مجازا لجزت وانصرف راجعا والمياه قد عورت وتعاونت عليه البربر فلم يزل يقاتل وأبو المهاجر معه في الحديد فلما استحر الأمر أمر عقبة بفتح الحديد عنه فأبى أبو المهاجر وقال ألقى الله في حديدي فقتل عقبة وأبو المهاجر ومن معهما

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد أن عقبة بن نافع قدم من عند يزيد بن معاوية في جيش على غزو المغرب فمر على عبدالله بن عمرو وهو بمصر فقال له عبدالله يا عقبة لعلك من الجيش الذين يدخلون برحالهم فمضى بجيشه حتى قاتل البربر وهم كفار فقتلوا جميعا

حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن بحير بن ذاخر المعافري قال كنت عند عبدالله بن عمرو بن العاص حين دخل عليه عقبة بن نافع بن عبدالقيس الفهري فقال ما أقدمك يا عقبة فإني أعلمك تحب الإمارة قال فإن أمير المؤمنين يزيد عقد لي على جيش إلى أفريقية فقال له عبدالله بن عمرو إياك أن تكون لعنة أرامل أهل مصر

فإني لم أزل اسمع أنه سيخرج رجل من قريش في هذا الوجه فيهلك فيه فقدم أفريقية فتبع آثار أبي المهاجر وضيق عليه وحدده ثم خرج إلى قتال البربر وهم خمسة آلاف رجل من أهل مصر وخرج بأبي المهاجر معه في الحديد فقتل وقتل أصحابه وقتل أبو المهاجر معهم وكان مقتل عقبة بن نافع وأصحابه كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد في سنة ثلاث وستين

قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال ثم زحف ابن الكاهنة إلى القيروان يريد عمر بن علي وزهير بن قيس فقاتلاه قتالا شديدا فهزم ابن الكاهنة وقتل أصحابه وخرج عمر بن علي وزهير بن قيس إلى مصر بالجيش لاجتماع ملأ البربر وأقام ضعفاء أصحابهما ومن كان خرج معهما من موالي أفريقية بأطرابلس ويقال أن عبدالعزيز بن مروان لما ولي مصر كتب إلى زهير بن قيس وزهير يومئذ ببرقة يأمره بغزو أفريقية فخرج في جمع كثير فلما دنا من قونية وبها عسكر كسيلة بن لمزم عبأ زهير لقتاله وخرج إليه فاقتتلا فقتل كسيلة ومن معه ثم انصرف زهير قافلا إلى برقة ويقال بل حسان بن النعمان الذي كان وجه زهير بن قيس والله أعلم وكان مقتل كسيلة كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد في سنة أربع وستين

حسان بن النعمان

ثم قدم حسان بن النعمان واليا على المغرب أمره عليها عبدالملك بن مروان في سنة ثلاث وسبعين فمضى في جيش كبير حتى نزل أطرابلس واجتمع إليه بها من كان خرج من أفريقية وأطرابلس فوجه على مقدمته محمد بن أبي بكير وهلال بن مروان اللواتي وزهير بن قيس ففتح البلاد وأصاب غنائم كثيرة وخرج إلى مدينة قرطاجنة وفيها الروم فلم يصب فيها إلا قليلا من ضعفائهم فانصرف وغزا الكاهنة وهي إذ ذاك ملكة البربر وقد غلبت على جل أفريقية فلقيها على نهر يسمى اليوم نهر البلاء فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمته وقتلت من أصحابه وأسرت منهم ثمانين وجلا وأفلت حسان ونفذ من مكانه إلا أنطابلس فنزل قصورا من حيز برقة فسميت قصور حسان واستخلف على أفريقية أبا صالح وكانت أنطابلس ولوبية ومراقية إلى حد أجدابية من عمل حسان

فأحسنت الكاهنة إسار من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته وأقام معها فبعث حسان إلى خالد رجال فأتاه فقال له إن حسان يقول لك ما يمنعك من الكتاب إلينا بخبر الكاهنة فكتب خالد بن يزيد إلى حسان كتابا جعله في خبزة ملة ثم

دفعها إلى الرسول ليخفي فيها الكتاب وليظن من رأى الخبزة أنها زاد الرجل فخرجت الكاهنة وهي تقول يا بني هلاككم فيما تأكله الناس فكررت ذلك ومضى الرسول حتى قدم على حسان بالكتاب فيه علم ما يحتاج إليه

ثم كتب إليه أيضا كتاب آخر وجعله في قربوس حفره ووضع الكتاب فيه وأطبق عليه حتى استوى وخفي مكانه فخرجت الكاهنة أيضا وهي تقو يا بني هلاككم في شيء من نبات الأرض ميت فكررت ذلك ومضى حتى قدم على حسان فندب أصحابه ثم غزاها فلما توجه إليها خرجت ناشرة شعرها فقالت يا بني انظروا ماذا ترون في السماء قالوا نرى شيئا من سحاب أحمر قالت لا وإلهي ولكنها رهج خيل العرب ثم قالت لخالد بن يزيد إني إنما كنت تبنيتك لمثل هذا اليوم أنا مقتولة فأوصيك بأخويك هذين خيرا فقال خالد إني أخاف إن كان ما تقولين حقا ألا يستبقيا قالت بلى ويكون أحدهما عند العرب أعظم شأنا منه اليوم فانطلق فخذ لهما أمانا فانطلق خالد فلقي حسان فأخبره خبرها وأخذ لابينها أمانا

وكان مع حسان جماعة من البربر من البتر فولى عليهم حسان الأكبر من ابني الكاهنة وقربه ومضى حسان ومن معه فلقي الكاهنة في أصل جبل فقتلت وعامة من معها فسميت بئر الكاهنة وكان مقتل الكاهنة

قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال ثم انصرف حسان فنزل موضع قيروان أفريقية اليوم وبنى مسجد جماعتها ودون الدواوين ووضع الخراج على عجم أفريقية وعلى من أقام معهم على النصرانية من البربر وعاملتهم من البرانس إلا قليلا من البتر وأقام حسان بموضعه حتى استقامت له البلاد ثم توجه إلى عبدالملك بغنائمه في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين

قال وحدثنا ابن بكير حدثنا الليث بن سعد قال قفل حسان بن النعمان من أفريقية سنة ثمان وسبعين فلما مر حسان ببرقة أمر على خراجها إبراهيم بن النصراني ثم مضى فمر بعبد العزيز بن مروان وهو بمصر ثم نفذ إلى عبدالملك فسر عبدالملك بما أورد عليه حسان من فتوحه وغنائمه ويقال بل أخذ منه عبدالعزيز كلما كان معه من السبي وكان قد قدم معه من وصائف البربر بشيء لم ير مثله جمالا فكان نصيب الشاعر يقول حضرت السبي الذي كان عبد العزيز أخذه من حسان مائتي جارية منها ما يقام بألف دينار

مقتل زهير بن قيس

قال وأغارت الروم بعد حسان على أنطابلس فهرب إبراهيم بن النصراني وخلى أهل أنطابلس وأهل ذمتها في أيدي الروم فرأسوها أربعين ليلة حتى أسرعوا فيها الفساد وبلغ ذلك عبدالعزيز بن مروان فأرسل إلى زهير بن قيس وكان خرج مع حسان فلما بلغ مصر أقام بها فأمره عبد العزيز بالنهوض إلى الروم ولم يجتمع لزهير من أصحابه إلا سبعون رجلا وكان عارض من الصدف يقال له جندل بن صخر وكان فظا غليظا فقال زهير لعبد العزيز بن مروان أما إذ قد أمرتني بالخروج فلا تبعثن معي جندلا عارضا فيحبس علي الناس لشدته وفظاظته وكان عبدالعزيز عاتبا على زهير بن قيس لأنه كان قاتله حين وجهه أبوه مروان بن الحكم من ناحية أيلة من قبل أن يدخل مصر فقال له ما علمتك يا زهير إلا جلفا جافيا فقال له زهير ما كنت أرى يابن ليلى أن رجلا جمع ما أنزل الله على محمد {صلى الله عليه وسلم} من قبل أن يجتمع أبواك جلف جاف ماهو بالجلف ولا الجاف أنا منطلق فلا ردني الله إليك فخرج حتى إذا كان بدرنة من طبرقة من أرض أنطابلس لقي الروم وهو في سبعين رجلا فتوقف لتلحق به الناس فقال له فتى شاب كان معه جبنت يا زهير فقال ما جبنت يا بن أخي ولكن قتلتني وقتلت نفسك فلقيهم فاستشهد زهير وأصحابه جميعا فقبورهم هنالك معروفة إلى اليوم وكان مقتل ذهير وأصحابه كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث في سنة ست وسبعين

قال وكان بأملس من برية أنطابلس رجل من مذحج يقال له عطية بن يربوع خرج بابن له هاربا من الوبأ وكان في تلك البرية جماعة من المسلمين فاستغاثهم وركب فيمن حوله من الناس فاجتمع إليه سبعمائة رجل فزحف بهم إلى الروم فقاتلهم فهزمهم واعتصموا بسفنهم وهرب من بقي منهم وبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان فبعث إليها غلاما يقال له تليد ووجه معه ناسا من أشراف أهل مصر فضبطها

حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال أمر على أنطابلس حين قتل زهير طارق فثقل على الناس إمامة تليد بهم لأنه عبد فبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان فأرسل إلى تليد بعتقه وأقام بأنطابلس

موسى بن نصير

وقدم حسان بن النعمان من قبل عبدالملك متوجها إلى المغرب فلما قدم مصر قال لعبد العزيز اكتب إلى عبدك بالإعراض عن أنطابلس فقال له عبدالعزيز ما كنت لأفعل بعد إذ ضيعتها فاستولت عليها الروم فقال حسان إذا أرجع إلى أمير المؤمنين فقال عبدالعزيز ارجع فانصرف حسان راجعا إلى عبدالملك وخلف ثقله بمصر فقدم على عبدالملك وهو مريض ووجه عبدالعزيز موسى بن نصير إلى المغرب فأخبر حسان عبدالملك بذلك فخر عبدالملك ساجدا وقال الحمد لله الذي أمكنني من موسى لشدة أسفه عليه وكان عاملا لعبد الملك على العراق مع بشر بن مروان فعتب عليه عبدالملك وأراد قتله فافتداه منه عبدالعزيز بمال لما رأى من عقل موسى بن نصير ولبه وكان عنده بمصر ثم لم يلبث حسان بن النعمان إلا يسيرا حتى توفي وقدم موسى بن نصير المغرب في سنة ثمان وسبعين

حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث قال أمر موسى بن نصير على أفريقية سنة تسع وسبعين فعزل أبا صالح وافتتح عامة المغرب وواتر فتوحه كتب بها إلى عبدالعزيز بن مروان وبعث بغنائمه وأنهاها عبد العزيز إلى عبدالملك فسكن ذلك من عبدالملك بعض ما كان يجد على موسى

حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد أن موسى بن نصير حين غزا بعث ابنه مروان عل جيش فأصاب من السبي مائة ألف وبعث ابن أخيه في جيش أخر فأصاب مائة ألف فقيل لليث بن سعد من هم فقال البربر فلما أتى كتابه بذلك قال الناس ابن نصير والله أحمق من أين له عشرون ألفا يبعث بها إلى أمير المؤمنين في الخمس فبلغ ذلك موسى بن نصير فقال ليبعثوا من يقبض لهم عشرين ألفا

ثم توفي عبدالملك بن مروان وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شوال سنة ست وثمانين واستخلف الوليد بن عبدالملك فتواترت فتوح المغرب على الوليد من قبل موسى بن النصير فعظمت منزلة موسى عنده واشتد عجبه به

ذكر فتح الأندلس

قال ووجه موسى بن نصير ابنه مروان بن موسى إلى طنجة مرابطا على ساحلها فجهد هو وأصحابه فانصرف وخلف على جيشه طارق بن عمرو وكانوا ألفا وسبعمائة ويقال بل كان مع طارق اثني عشر ألفا من البربر إلا ستة عشر رجلا من العرب وليس ذلك بالصحيح ويقال أن موسى بن نصير خرج من أفريقية غازيا إلى طنجة وهو أول من نزل طنجة من الولاة وبها من البربر بطون من البتر والبرانس ممن لم يكن دخل في الطاعة فلما دنا من طنجة بث السرايا فانتهت خيله إلى السوس الأدنى

فوطئهم وسباهم وأدوا إليه الطاعة وولى عليهم واليا أحسن فيهم السيرة ووجه بسر بن أبي أرطأة إلى قلعة من مدينة القيروان على ثلاثة أيام فافتتحها وسبى الذرية وغنم الأموال قال فسميت قلعة بسر فهي لا تعرف إلا به إلى اليوم ثم إن موسى عزل الذي كان استعمله على طنجة وولى طارق بن زياد ثم انصرف إلى القيروان وكان طارق قد خرج معه بجارية له يقال لها أم حكيم فأقام طارق هنالك مرابطا زمانا وذلك في سنة ثنتين وتسعين

وكان المجاز الذي بينه وبين أهل الأندلس عليه رجل من العجم يقال له يليان صاحب سبتة وكان على مدينة على المجاز إلى الأندلس يقال لها الخضراء والخضراء مما يلي طنجة وكان يليان يؤدي الطاعة إلى لذريق صاحب الأندلس وكان لذريق يسكن طليطلة فراسل طارق يليان ولاطفه حتى تهاديا وكان يليان قد بعث بابنة له إلى لذريق صاحب الأندلس ليؤدبها ويعلمها فأحبلها فبلغ ذلك يليان فقال لا أرى له عقوبة ولا مكافأة إلا أن أدخل عليه العرب فبعث إلى طارق إني مدخلك الأندلس وطارق يومئذ بتلمسين وموسى بن نصير بالقيروان فقال طارق فإني لا أطمأن إليك حتى تبعث إلي برهينة فبعث إليه بابنتيه ولم يكن له ولد غيرهما فأقرهما طارق بتلمسين واستوثق منهما ثم خرج طارق إلى يليان وهو بسبته على المجاز ففرح به حين قدم عليه وقال له أنا مدخلك الأندلس وكان فيما بين المجازين جبل يقال له اليوم جبل طارق فيما بين

سبتة والأندلس فلما أمسى جاء يليان بالمراكب فحمله فيها إلى ذلك المجاز فأكمن فيه نهاره فلما أمسى رد المراكب إلى من بقي من أصحابه فحملوا إليه حتى لم يبق منهم أحد ولا يشعر بهم أهل الأندلس ولا يظنون إلا أن المراكب تختلف بمثل ما كانت تختلف به من منافعهم وكان طارق في آخر فوج ركب فجاز إلى أصحابه وتخلف يليان ومن كان معه من التجار بالخضراء ليكون أطيب لأنفس أصحابه وأهل بلده

وبلغ خبر طارق ومن معه أهل الأندلس ومكانهم الذي هم به وتوجه طارق فسلك بأصحابه على قنطرة من الجبل إلى قرية يقال لها قرطاجنة وزحف يريد قرطبة فمر بجزيرة في البحر فخلف بها جارية له يقال لها أم حكيم ومعها نفر من جنده فتلك الجزيرة من يومئذ تسمى جزيرة أم حكيم وقد كان المسلمون حين نزلوا الجزيرة وجدوا بها كرامين ولم يكن بها غيرهم فأخذوهم ثم عمدوا إلى رجل من الكرامين فذبحوه ثم عضوه وطبخوه ومن بقي من أصحابه ينظرون وقد كانوا طبخوا لحما في قدور أخر فلما أدركت طرحوا ما كان طبخوه من لحم ذلك الرجل ولا يعلم بطرحهم له وأكلوا اللحم الذي كانوا طبخوه ومن بقي من الكرامين ينظرون إليهم فلم يشكوا أنهم أكلوا لحم صاحبهم ثم أرسلوا من بقي منهم فأخبروا أهل الأندلس أنهم يأكلون لحم الناس وأخبروهم بما صنع بالكرام

قال وكان بالأندلس كما حدثنا أبي عبدالله بن عبدالحكم وهشام بن إسحاق بيت عليه أقفال لا يلي ملك منهم إلا زاد عليه قفلا من عنده حتى كان الملك الذي دخل عليه المسلمون فإنهم أرادوه على أن يجعل عليه قفلا كما كانت تصنع الملوك قبله فأبى وقال ما كنت لأضع عليه شيئا حتى أعرف ما فيه فأمر بفتحه فإذا فيه صور العرب وفيه كتاب إذا فتح هذا الباب دخل هؤلاء القوم هذا البلد

ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال فلما جاز طارق تلقته جنود قرطبة واجترؤوا عليه للذي رأوا من قلة أصحابه فاقتتلوا فاشتد قتالهم ثم انهزموا فلم يزل يقتلهم حتى بلغوا مدينة قرطبة وبلغ ذلك لذريق فزحف إليهم من طليطلة فالتقوا بموضع يقال له شذونة على واد يقال له اليوم وادي أم حكيم فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل الله عز وجل لذريق ومن معه وكان معتب الرومي غلام الوليد بن عبد الملك على خيل طارق فزحف معتب الرومي يريد قرطبة ومضى طارق إلى طليطلة فدخلها وسأل عن المائدة ولم يكن له هم غيرها وهي مائدة سليمان بن داود التي يزعم أهل الكتاب

قال وحدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد قال لما فتح لموسى بن نصير الأندلس فأخذ منها مائدة سليمان بن داود {صلى الله عليه وسلم} والتاج فقيل لطارق أن المائدة بقلعة يقال لها فراس مسيرة يومين من طليطلة وعلى القلعة ابن أخت للذريق فبعث إليه طارق بأمانه وأمان أهل بيته فنزل إليه فأمنه ووفى له فقال له طارق ادفع إلي المائدة فدفعها إليه وفيها من الذهب والجوهر ما لم ير مثله فقلع طارق رجلا من أرجلها بما فيها من الجوهر والذهب وجعل لها رجلا سواها فقومت المائدة بمائتي ألف دينار لما فيها م الجوهر وأخذ طارق ما كان عنده من الجوهر والسلاح والذهب والفضة والأنية وأصاب سوى ذلك من الأموال ما لم ير مثله فحوى ذلك كله ثم انصرف إلى قرطبة وأقام بها وكتب إلى موسى بن نصير يعلمه بفتح الاندلس وما أصاب من الغنائم فكتب موسى إلى الوليد بن عبدالملك يعلمه بذلك ونحله نفسه وكتب موسى إلى طارق ألا يجاوز قرطبة حتى يقدم عليه وشتمه شتما قبيحا

ثم خرج موسى بن نصير إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين بوجوه العرب والموالي وعرفاء البربر حتى دخل الأندلس وخرج مغيظا على طارق وخرج معه حبيب بن أبي عبيدة الفهري واستخلف على القيروان ابنه عبدالله بن موسى وكان أسن ولده فأجاز من الخضراء ثم مضى إلى قرطبة فتلقاه طارق فترضاه وقال له إنما أنا مولاك وهذا الفتح لك فجمع موسى من الأموال ما لا يقدر على صفته ودفع طارق كلما كان غنم إليه

قال يقال بل توجه لذريق إلى طارق وهو في الجبل فلما انتهى إليه لذريق خرج إليه طارق ولذريق على سرير ملكه والسرير بين بغلين يحملانه وعليه تاجه وقفازاه وجميع ما كانت الملوك قبله تلبسه من الحلية فخرج إليه طارق وأصحابه رجالة كلهم ليس فيهم راكب فاقتتلوا من حين بزغت الشمس إلى أن غربت وظنوا أنه الفناء فقتل الله لذريق ومن معه وفتح للمسلمين ولم يكن بالمغرب مقتلة قط أكثر منها فلم يرفع المسلمون السيف عنهم ثلاثة أيام ثم ارتحل الناس إلى قرطبة قال ويقال أن موسى هو الذي وجه طارقا بعد مدخله الأندلس إلى طليطلة وهي النصف فيما بين قرطبة وأربونة وأربونة أقصى ثغر الأندلس وكان كتاب عمر بن العزيز ينتهي إلى أربونة ثم غلب عليها أهل الشرك فهي في أيديهم اليوم وأن طارقا إنما أصاب المائدة فيها والله أعلم

وكان لذريق يملك ألفي ميل من الساحل إلى ما وراء ذلك وأصاب الناس غنائم كثيرة من الذهب والفضة حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد قال إن كانت الطنفسة لتوجد منسوجة بقضبان الذهب تنظم السلسلة من الذهب باللؤلؤ والياقوت والزبرجد وكان البربر ربما وجدوها فلا يستطيعون حملها حتى يأتوا بالفأس فيضرب وسطها فيأخذ أحدهما نصفها والآخر نصفها لأنفسهم وتسير معهم جماعة والناس مشتغلون بغير ذلك

حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد قال لما فتحت الأندلس جاء إنسان إلى موسى بن نصير فقال ابعثوا معي أدلكم على كنز فبعث معه فقال لهم الرجل انزعوا ها هنا فنزعوا قال فسال عليهم من الزبرجد والياقوت شيء لم يروا مثله قط فلما رأوا تهيبوه وقالوا لا يصدقنا موسى بن نصير فأرسلوا إليه حتى جاء ونظر إليه حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا الليث بن سعد ان موسى بن نصير حين فتح الأندلس كتب إلى عبدالملك أنها ليست بالفتوح ولكنه الحشر

حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد قال لما افتتحت الأندلس أصاب الناس فيها غنائم فغلوا فيها غلولا كثيرا حملوه في المراكب وركبوا فيها فلما وسطوا البحر سمعوا مناديا يقول اللهم غرق بهم فدعوا الله وتقلدوا المصاحف قال فما نشبوا أن أصابتهم ريح عاصفة وضربت المراكب بعضها بعضا حتى تكسرت وغرق بهم وأهل مصر ينكرون ذلك ويقولون إن أهل الأندلس ليس هم الذين غرقوا وإنما هم أهل سردانية وذلك أن أهل سردانية كما حدثنا سعيد بن عفير قال لما توجه إليهم المسلمون عمدوا إلى ميناء لهم في البحر فسدوه وأخرجوا منه الماء ثم قذفوا فيه آنيتهم من الذهب والفضة ثم ردوا عليه الماء بحاله وعمدوا إلى كنيسة لهم فجعلوا لها سقفا من دون سقفها وجعلوا ما كان لهم من مال بين السقفين فنزل رجل من المسلمين يغتسل في ذلك الموضع الذي سكروه ثم أعادوا عليه الماء فوقعت رجله على شيء فأخرجه فإذا صحفة من فضة ثم غاص أيضا فأخرج شيئا آخر فلما علم المسلمون بذلك حبسوا عنه الماء وأخذوا جميع تلك الآنية ودخل رجل من المسلمين ومعه قوس بندق إلى تلك الكنيسة التي رفعوا بين سقفيها مالهم فنظر إلى حمام فرماه ببندقه فأخطأه وأصاب شبحة خشب فكسرها وانهال عليهم المال فغل المسلمون يومئذ غلولا كثيرا فإن كان الرجل ليأخذ الهر فيذبحها ويرمي بما في جوفها ثم يحشوه مما غل ثم يخيط عليه ويرمي بها إلى الطريق ليتوهم من رآها أنها ميتة

فإذا خرج أخذها وإن كان الرجل ينزع نصل سيفه فيطرحه ويملأ الجفن غلولا ويضع قائم السيف على الجفن فلما ركبوا السفن وتوجهوا سمعوا مناديا ينادي اللهم غرق بهم فتقلدوا المصاحف فغرقوا جميعا إلا أبو عبدالرحمن الحبلي وحنش بن عبد الله السبأي فإنهما لم يكونا نديا من الغلول بشيء

حدثنا عبدالملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة قال سمعت أبا الأسود قال سمعت عمرو بن أوس يقول بعثني موسى بن نصير أفتش أصحاب عطاء بن رافع مولى هذيل حين انكسرت مراكبهم فكنت ربما وجدت الإنسان قد خبأ الدنانير في خرقة في شيء بين خصيتيه قال فمر بي إنسان متكئا على قصبة فذهبت أفتشه فنازعني فغضبت فأخذت القصبة فضربته بها فانكسرت وانتثرت الدنانير منها فأخذت أجمعها حدثنا عبدالملك حدثنا الليث بن سعد قال بلغني أن رجلا في غزوة عطاء بن رافع أو غيره بالمغرب غل فتحمل بها حتى جعلها في زفت فكان يصيح عند الموت من الزفت من الزفت

قال وأخذ موسى بن نصير طارق بن عمرو فشده وثاقا وحبسه وهم بقتله وكان معتب الرومي غلاما للوليد بن عبد الملك فبعث إليه طارق إنك إن رفعت أمري إلى الوليد وأن فتح الأندلس كان على يدي وأن موسى حبسني وأنه يريد قتلي أعطيتك مائة عبد وعاهده على ذلك فلما أراد معتب الانصراف ودع موسى بن نصير وقال له لا تعجل على طارق ولك أعداء وقد بلغ أمير المؤمنين أخره وأخاف عليك وجده فانصرف معتب وموسى بالأندلس فلما قدم معتب على الوليد أخبره بالذي كان من فتح الأندلس على يدي طارق وبحبس موسى إياه والذي أراد به من القتل فكتب الوليد إلى موسى يقسم له بالله لئن ضربته لأضربنك ولئن قتلته لأقتلن ولدك به ووجه الكتاب مع معتب الرومي فقدم به على موسى الأندلس فلما قرأه أطلق طارقا وخلى سبيله ووفى طارق لمعتب بالمائة العبد الذي كان جعل له.

عبدالعزيز بن موسى بن نصير

خرج موسى بن نصير من الأندلس بغنائمه وبالجوهر والمائدة واستخلف على الأندلس ابنه عبدالعزيز بن موسى وكانت إقامة موسى بالأندلس سنة ثلاث وتسعين وأربع وتسعين وأشهرا من سنة خمس وتسعين فلما قدم موسى أفريقية كتب إليه الوليد بن عبدالملك بالخروج إليه فخرج واستخلف على أفريقية ابنه عبدالله بن موسى وسار موسى بتلك الغنائم والهدايا حتى قدم مصر ومرض الوليد بن عبدالملك فكان يكتب إلى موسى يستعجله ويكتب إليه سليمان بالمكث والمقام ليموت الوليد ويصير ما مع موسى إليه

وخرج موسى حتى إذا كان بطبرية أتته وفات الوليد فقدم على سليمان بتلك الهدايا فسر سليمان بذلك ويقال إن موسى بن نصير حين قدم من الأندلس لم ينزل القيروان خلفها ونزل قصر الماء وضحى هنالك ثم شخص وشخص معه طارق حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير عن الليث بن سعد قال قفل موسى بن نصير وافدا إلى أمير المؤمنين في سنة ست وتسعين ودخل الفسطاط يوم الخميس لست ليال بقين من شهر ربيع الأول

ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره قال فبينا سليمان يقلب تلك الهدايا إذ انبعث رجل من أصحاب موسى بن نصير يقال له عيسى بن عبدالله الطويل من أهل المدينة وكان على الغنائم فقال يا أمير المؤمنين إن الله قد أغناك بالحلال عن الحرام وإني صاحب هذه المقاسم وإن موسى لم يخرج خمسا من جميع ما أتاك به فغضب سليمان وقام عن سريره فدخل منزله ثم خرج إلى الناس فقال نعم قد أغناني الله بالحلال عن الحرام وأمر بإدخال ذلك بيت المال وقد كان سليمان قد أمر موسى بن نصير برفع حوائجه وحوائج من معه ثم الانصراف إلى المغرب

قال ويقال بل قدم موسى بن نصير على الوليد بن عبدالملك والوليد مريض فأهدى إليه موسى المائدة فقال طارق أنا أصبتها فكذبه موسى فقال للوليد فادع بالمائده فانظر هل ذهب منها شيء فدعا بها الوليد فنظر إليها فإذا برجل من أرجلها لا تشبه الرجل الأخرى فقال له طارق سله يأمير المؤمنين فإن أخبرك بما تستدل به على صدقه فهو صادق فسأله الوليد عن الرجل فقال هكذا أصبتها فأخرج طارق الرجل التي كان أخذ منها حين أصابها فقال يستدل أمير المؤمنين بها على صدق ما قلت له

وأني أصبتها فصدقه الوليد وقبل قوله وأعظم جائزته

ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال كان عبدالعزيز بن موسى بعد خروج أبيه قد تزوج امرأة نصرانية بنت ملك من أهل الأندلس يقال أنها ابنة لذريق ملك الأندلس الذي قتله طارق فجاءته من الدنيا بشيء كثير لا يوصف فلما دخلت عليه قالت ما لي لا أرى أهل مملكتك يعظمونك ولا يسجدون لك كما كان أهل مملكة أبي يعظمونه ويسجدون له فلم يدر ما يقول لها فأمر بباب فنقب له في ناحية قصره وجعله قصيرا وكان يأذن للناس فيدخل الداخل إليه من الباب حين يدخل منكسا رأسه لقصر الباب وهي في موضع تنظر إلى الناس منه فلما رأت ذلك قالت لعبدالعزيز الآن قوي ملكك وبلغ الناس أنه إنما نقب ذلك الباب لهذا وزعم بعض الناس أنها نصرته فصار به حبيب بن أبي عبيدة الفهري وزياد بن النابغة التميمي وأصحاب لهم من قبائل العرب واجتمعوا على قتل عبدالعزيز للذي بلغهم من أمره وأتوا إلى مؤذنه فقالوا له أذن بليل لكي نخرج إلى الصلاة فأذن المؤذن ثم ردد التثويب فخرج عبدالعزيز فقال لمؤذنه لقد عجلت وأذنت بليل ثم توجه إلى المسجد وقد اجتمع له أولئك النفر وغيرهم ممن حضر الصلاة فتقدم عبدالعزيز وافتتح يقرأ «إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة» فوضع حبيب السيف على رأس عبدالعزيز فانصرف هاربا حتى دخل داره فدخل جنانا له واختبأ فيه تحت شجرة وهرب حبيب بن أبي عبيدة وأصحابه واتبعه زياد بن النابغة فدخل على أثره فوجده تحت الشجرة فقال له عبدالعزيز يا بن النابغة نجني ولك ما سألت فقال له لا تذوق الحياة بعدها فأجهز عليه واحتز رأسه وبلغ ذلك حبيبا وأصحابه فرجعوا ثم خرجوا برأس عبدالعزيز إلى سليمان بن عبدالملك وأمروا على الأندلس أيوب ابن أخت موسى بن نصير ومروا على القيروان وعليها عبد الله بن موسى بن نصير فلم يعرض لهم وساروا حتى قدموا على سليمان برأس عبدالعزيز بن موسى فوضعوه بين يديه وحضر موسى بن نصير فقال له سليمان أتعرف هذا قال نعم أعلمه صواما قواما فعليه لعنة الله إن كان الذي قتله خيرا منه وكان قتل عبدالعزيز بن موسى كما حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير عن الليث بن سعد في سنة سبع وتسعين

قال وكان سليمان عاتبا على موسى بن نصير فدفعه إلى حبيب بن أبي عبيدة وأصحابه ليخرجوا به إلى أفريقية فاستغاث بأيوب بن سليمان فأجاره وشفع له إلى أبيه ويقال إن سليمان أخذ موسى بن نصير فغرم له مائة ألف دينار وألزمه ذلك وأخذ ما كان له فاستجار بيزيد بن المهلب فأستوهبه من سليمان فوهبه له وماله ورد ذلك عليه ولم يلزمه شيئا

ومكث أهل الاندلس بعد ذلك سنين لا يجمعهم وال وعزم سليمان على الحج فأخرج موسى بن نصير على نصب حجره فخرج حتى إذا كان بالمر توفي وكانت وفاته في سنة سبع وتسعين فيما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد

محمد بن يزيد القرشي

ثم ولي أفريقية محمد بن يزيد القرشي ولاه سليمان ين عبدالملك بمشورة رجاء بن حيوة وصرف عبدالله بن موسى سنة ست وتسعين حدثنا يحيى بن بكيرعن الليث قال أمر محمد بن يزيد على أفريقية سنة سبع وتسعين فلم يزل محمد بن يزيد واليا حتى توفي سليمان بن عبدالملك وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكيرعن الليث بن سعد يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة تسع وتسعين

إسماعيل بن عبيدالله

فعزل وولي مكانه إسماعليل بن عبيد الله في المحرم سنة مائة على حربها وخراجها وصدقاتها وكان حسن السيرة ولم يبق في ولايته يومئذ من البربر أحد إلا أسلم فلم يزل واليا عليها حتى توفي عمر بن عبدالعزيز وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد يوم الجمعة لعشر ليال من رجب سنة إحدى ومائة فعزل وولي مكانه يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج

يزيد بن أبي مسلم الثقفي

ولاه يزيد بن عبدالملك في سنة إحدى ومائة وعبدالله بن موسى بن نصير يومئذ بالمشرق فقدم مع يزيد بي أبي مسلم إلى أفريقية حتى إذا كان قريبا منها تلقاه الناس فلما دخل القيروان عزم يزيد بن أبي مسلم على عبدالله بن موسى بن نصير أن ينصرف إلى منزله فمضى عبدالله إلى داره وأمر يزيدالناس باتباعه حتى ظنوا أنه شريك معه فلما أدبر عبدالله ألحقه يزيد رسولا بأن أعد من مالك عطاء الجند خمس سنين ثم إن يزيد بن أبي مسلم أخذ موالي موسى بن نصير من البربر فوشم أيديهم وجعلهم أخماسا وأحصى أموالهم وأولادهم ثم جعلهم حرسه وبطانته وأخذ محمد بن يزيد القرشي فعذبه وجلده جلدا وجيعا فاستسقاه فسقاه رماد

وكان محمد بن يزيد قد ولي عذاب يزيد بن أبي مسلم بالمشرق في زمان الحجاج فقال له يزيد إذا أصبحت عذبتك حتى تموت أو أموت قبلك وكان قد بنى له في السجن بيتا ضيقا فجعله فيه وكساه جبة صوف غليظة وطبع عليها بخاتم من رصاص فلما تعشى يزيد بن أبي مسلم أتي في آخر طعامه بعنب فتناول منه عنقودا وأهوى إليه رجل

من حرسه يقال له حريز بالسيف فضربه حتى قتله واحتز رأسه ورمى به في المسجد عتمة فأقبل غلام لمحمد بن يزيد فدخل عليه السجن فقال له أبشر فإن يزيد قد قتل فقال له محمد قد كذبت وظن أنه دس إليه ثم اتبعه آخر من غلمانه ثم آخر حتى توافوا سبعة فلما تيقن محمد بموت يزيد أعتق العبيد

قال ويقال بل كان حرس يزيد بن أبي مسلم حين قدم البربر ليس فيهم إلا بتري وكانوا هم حرس الولاة قبله البتر خاصة ليس فيهم من البرانس أحد فخطب يزيد بن أبي مسلم الناس فقال إني إن أصبحت صالحا وشمت حرسي في أيديهم كما تصنع الروم فأشم في يد الرجل اليمنى اسمه وفي اليسرى حرسي فيعرفوا بذلك من غيرهم فأنفوا من ذلك ودب بعضهم إلى بعض في قتله وخرج من ليلته إلى المسجد لصلاة المغرب فقتلوه في مصلاه وكان قتله كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد في سنة ثنتين ومائة

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم اجتمع الناس فنظروا في رجل يقوم بأمرهم إلى أن يأتي رأي يزيد بن عبدالملك فتراضوا بالمغيرة بن أبي بردة القرشي ثم أحد بني عبد الدار فقال له عبد الله ابنه أيها الشيخ إن هذا الرجل قتل بحضرتك فإن قمت بهذا الأمر بعده لم آمن عليك إن يلزمك أميرالمؤمنين قتله فقبل ذلك الشيخ فاجتمع رأي أهل أفريقية على محمد بن أوس الأنصاري وكان بتونس على غزو بحرها فأرسلوا إليه فولوه أمرهم وكتب إلى يزيد يخبره بما كان فبعث في ذلك خالد بن أبي عمران وهو من أهل تونس فقدم على يزيد فقبل منهم وعفا عما كان من زلتهم قال خالد بن أبي عمران ودعاني يزيد خاليا فقال أي رجل محمد بن أوس فقلت رجل من أهل الدين والفضل معروف بالفقه قال فما كان بها قرشي قلت بلى المغيرة بن أبي بردة قال قد عرفته فما له لم يقم قلت أبى ذلك وأحب العزلة فسكت

بشر بن صفوان الكلبي

واتهم الناس عبدالله بن موسى بن نصير أن يكون هو الذي عمل في قتل يزيد بن أبي مسلم فولى يزيد بن عبدالملك بشر بن صفوان الكلبي أفريقية وذلك في سنة ثنتين ومائة وكان عامله على مصر فخرج إلى أفريقية واستخلف على مصر أخاه حنظلة فلما دخل أفريقية بلغه أن عبدالله بن موسى هو الذي دس لقتل يزيد بن أبي مسلم وشهد على ذلك خالد بن أبي حبيب القرشي وغيره فكتب بشر إلى يزيد بن عبدالملك فكتب يزيد إلى بشر بن صفوان يأمره بقتل عبدالله بن موسى بن نصير وهم بشر بتأخيره أياما فقال خالد بن أبي حبيب ومحمد بن أبي بكير لبشر بن صفوان عجل بقتله من قبل أن تأتيه عافيته من أمير المؤمنين وكانت أم عبدالله ابنة موسى بن نصير تحت الربيع صاحب خاتم يزيد فكلم يزيد فأمر بعافيته وجعلت أخته للرسول ثلاثة آلاف دينار إن هو أدركه وأمر بشر بقتل عبدالله بن موسى فقتل وقدم الرسول بعافيته بعد أن قتله في ذلك اليوم وبعث برأسه مع سليمان بن وعلة التميمي إلى يزيد فنصبه

ثم وفد بن صفوان إلى يزيد بهدايا كان أعدها له حتى إذا كان ببعض الطريق لقيته وفاة يزيد وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد ليلة الجمعة لأربع ليال بقين من شعبان سنة خمس ومائة وقدم بشر بتلك الهدايا على هشام بن عبدالملك فرده على أفريقية فقدمها وتتبع أموال موسى بن نصير وعذب عماله وولى على الأندلس عنبسة بن سحيم الكلبي وعزل عنها الحر بن عبدالرحمن القيسي وقد كان بشر غزا البحر من أفريقية فأصابهم الهول فهلك لذاك من جيشه خلق كثير ثم توفي بشر بن صفوان من مرض يقال له الدبيلة في شوال سنة تسع ومائة

عبيدة بن عبدالرحمن السلمي

حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال نزع بشر بن صفوان عن أفريقية في سنة خمس ومائة ورد إليها في سنة ست ومائة ومات في سنة تسع ومائة واستخلف بشر بن صفوان حين توفي على أفريقية نغاش بن قرط الكلبي فعزله هشام وولى عبيدة بن عبدالرحمن القيسي على أفريقية في صفر سنة عشر ومائة

حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير عن الليث قال وولي عبيدة بن عبد الرحمن أفريقية في المحرم سنة عشر ومائة فلما قدم عبيدة أفريقية وجه المستنير بن الحبحاب الحرشي غازيا إلى صقلية فأصابتهم ريح فغرقتهم ووقع المركب الذي كان فيه المستنير إلى ساحل أطرابلس فكتب عبيدة بن عبدالرحمن إلى عامله على أطرابلس يزيد بن مسلم الكندي يأمره أن يشده وثاقا ويبعث معه ثقة فبعث به في وثاق فلما قدم على عبيدة جلده جلدا وجيعا وطاف به القيروان على أتان ثم جعل يضربه في كل جمعة مرة حتى أبلغ إليه وذلك أن المستنير أقام بأرض الروم حتى نزل عليه الشتاء واشتدت أمواج البحر وعواصفه فلم يزل محبوسا عنده عبدالرحمن الغافقي

وكان عبيدة قد ولى عبد الرحمن بن عبدالله العكي على الأندلس وكان رجلا صالحا فغزا عبدالرحمن إفرنجة وهم أقاصي عدو الأندلس فغنم غنائم كثيرة وظفر بهم وكان فيما أصاب رجل من ذهب مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد فأمر بها فكسرت ثم أخرج الخمس وقسم سائر ذلك في المسلمين الذين كانوا معه فبلغ ذلك عبيدة فغضب غضبا شديدا فكتب إليه كتابا يتواعده فيه فكتب إليه عبدالرحمن إن السماوات والأرض لو كانتا رتقا لجعل الرحمن للمتقين منهما مخرجا ثم خرج إليهم غازيا فأستشهد وعامة أصحابه وكان قتله فيما حدثنا يحيى عن الليث في سنة خمس عشرة ومائة

عبدالملك بن قطن الفهري

فولى عبيدة على الأندلس بعده عبدالملك بن قطن ثم خرج عبيدة إلى هشام بن عبدالملك وخرج معه بهدايا وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائة حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال كان قدوم عبيدة بن عبدالرحمن من أفريقية سنة خمس عشرة ومائة وفيها أمر ابن قطن على الأندلس وكان فيما خرج به من العبيد والإماء ومن الجواري المتخيرة سبع مائة جارية وغير ذلك من الخصيان والخيل والدواب والذهب والفضة والأنية

واستخلف على أفريقية حين خرج عقبة بن قدامة التجيبي فقدم على هشام بهداياه واستعفاه فأعفاه وكتب إلى عبيد الله بن الحبحاب وهو عامله على مصر يأمره بالمصير إلى أفريقية وولاه إياها وذلك في شهر ربيع الآخر من سنة ست عشرة ومائة فقدم عبيدالله بن الحبحاب أفريقية فأخرج المستنير من السجن وولاه تونس واستعمل ابنه إسماعيل بن عبيدالله على السوس واستخلف ابنه القاسم بن عبيد الله على مصر واستعمل على الأندلس عقبة بن الحجاج وعزل عبدالملك بن قطن ويقال بل كان الوالي على الأندلس يومئذ عنبسة بن سحيم الكلبي فعزله ابن الحبحاب وولى عقبة بن الحجاج فهلك عقبة بن الحجاج بالأندلس فرد عبيدالله عليها عبدالملك بن قطن

وغزى عبيدالله حبيب بن أبي عبيدة الفهري السوس وأرض السودان فظفر بهم ظفرا لم ير مثله وأصاب ما شاء من ذهب وكان فيما أصاب جارية أو جاريتان من جنس تسميه البربر إجان ليس لكل واحدة منهن إلا ثدي واحد ثم غزاه أيضا البحر ثم انصرف

وانتقضت البربر على عبيد الله بن الحبحاب بطنجة فقتلوا عامله عمر بن عبد الله المرادي وكان الذي تولى ذلك ميسرة الفقير البربري ثم المدغري وهو الذي قام بأمر البربر وادعى الخلافة وتسمى بها وبويع عليها ثم استعمل ميسرة على طنجة عبد الأعلى بن جريج الأفريقي وكان أصله روميا وهو مولى لابن نصير ثم سار إلى السوس وعليها إسماعيل بن عبيد الله فقتله وذلك إول فتنة البربر بأرض أفريقية فوجه عبيدالله بن الحبحاب خالد بن أبي حبيب الفهري إلى البربر بطنجة ومعه وجوه أهل أفريقية من قريش والأنصار وغيرهم فقتل خالد وأصحابه لم ينج منهم أحد فسميت تلك الغزوة غزوة الأشراف ويقال أن خالدا لقي ميسرة دون طنجة فقتل ومن معه ثم انصرف ميسرة إلى طنجة فأنكرت عليه البربر سيرته وتغيره عما كانوا بايعوه عليه فقتلوه وولوا أمرهم عبدالملك بن قطن المحاربي

حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال كان بين ميسرة الفقير وإهل أفريقية من البربر وقتل إسماعيل بن عبيد الله وخالد بن أبي حبيب في سنة ثلاث وعشرين ومائة فوجه إليهم ابن الحبحاب حبيب بن أبي عبيدة فلما بلغ تلمسين أخذ موسى بن أبي خالد مولى لمعاوية بن حديج وكان على تلمسين وقد اجتمع إليه من تمسك بالطاعة فاتهمه حبيب أن يكون له هوى أوقد دس للفتنة فقطع يده ورجله وكان مقيما بتلمسين في جيشه وقفل عبيدالله بن الحبحاب إلى هشام بن عبد الملك وذلك في جمادى الأولى من سنة ثلاث وعشرين ومائة

كلثوم بن عياض القشيري

ثم وجه هشام على أفريقية كلثوم بن عياض القيسي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين ومائة وقدم بلج بن بشر أمامه فلما قدم كلثوم أفريقية أمر أهل أفريقية بالجهاز والخروج معه إلى البربر وقطع على أهل أطرابلس بعثا فخرج في عدد كثير واستخلف على القيروان عبدالرحمن بن عقبة الغفاري وعلى الحرب مسلمة بن سوادة القرشي فثار عليه بعد خروج كلثوم يريد بربر طنجة عكاشة بن أيوب الفزاري من ناحية قابس وهو صفري وأرسل أخا له فقدم سبرت فجمع بها زناتة وحصر أهل سوق سبرت في مسجدهم وعليهم حبيب بن ميمون وبلغ الخبر صفوان بن أبي مالك وهو أمير على أطرابلس فخرج بهم فوقع على أخي الفزاري وهو محاصر أهل سبرت فقاتلهم فانهزم الفزاري وقتل أصحابه من زناتة وغيرهم وهرب إلى أخيه بقابس وخرج مسلمة بن سوادة في أهل القيروان إلى عكاشة بن أيوب بقابس فقاتلهم فانهزم مسلمة وقتل عامة من خرج معه ولحق بالقيروان وتحصن عامة من كان مع مسلمة من أهل القيروان وعليهم سعيد بن بجرة الغساني

ويقال أن كلثوم بن عياض حين قدم من عند هشام خلف القيروان ولم ينزل به ولم يدخله ونزل سبية وهي من مدينة القيروان على يوم فأفطر فيها وكتب إلى حبيب بن أبي عبيدة ألا يفارق عسكره حتى يقدم عليه ثم شخص كلثوم غازيا حتى قدم على حبيب ثم رحلا جميعا بمن معهما إلى طنجة وكان كلثوم حين خرج إلى البربر قد قدم بلج بن بشر القيسي على مقدمته في الخيل فلما قدم على حبيب رفضه وأهان منزلته ثم قدم كلثوم فتلقاه حبيب فتهاون به أيضا ثم خطب كلثوم الناس على ديدبان له فطعن في حبيب وشتمه وأهل بيته وكان عبدالرحمن بن حبيب مع أبيه حبيب ثم نفذ كلثوم وحبيب فلما انتهى إلى مطلوبه من أرض طنجة تلقته البربر بجموعهم وعليهم خالد بن حميد الزناتي ثم الهتوري عراة متجردين ليس عليهم إلا السراويلات وكانوا صفرية وجاؤوا جردين فأشار حبيب بن أبي عبيدة على كلثوم أن يقاتلهم الرجالة بالرجالة والخيل بالخيل فقال له كلثوم ما أغنانا عن رأيك يابن أم حبيب فوجه بلج بن بشر على الخيل ليدوسهم بها وكانت الخيل أوثق في نفس كلثوم من الرجالة وإن بلجا أسرى ليلة حتى واقعهم عند الصبح واستقبلوه عراة متجردين فحملت عليهم الخيل فصاحوا وولوا ورموا بالأوضاف فانهزم بلج جريحا وتساقطت الخيول على كلثوم وقد تأهب وعبى أصحابه فأرسل إلى حبيب بن أبي عبيدة فقال إن أمير المؤمنين أمرني أن أوليك القتال وأعقد لك على الناس فقال حبيب قد فات الأمر وزحفت رجالة البربر على أثر الخيل حتى خالطوا كلثوما واصحابه فأقسم حبيب على ابنه عبدالرحمن إلا ينزل راجلا وأن يلزم بلجا فيكون معه أسفا على بلج فإني مقتول وهلك كلثوم وحبيب ومن معهما وانهزم الناس إلى أفريقية وكان قتل كلثوم في سنة ثلاث وعشرين ومائة

حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال قتل كلثوم في سنة أربع وعشرين ومائة قتلهم ميسرة وانهزم بلج بن بشر وثعلبة الجذامي وبقية من أهل الشأم إلى الأندلس فاتبعهم أبو يوسف الهواري وكان طاغية من طواغي البربر فأدركهم فقاتلهم فقتل أبو يوسف وانهزم أصحابه ومضى بلج وثعلبة إلى الأندلس

وكان كلثوم قد كتب إلى أهل الاندلس وعليها عبدالملك بن قطن الفهري يأمرهم بإمداده والخروج إليه فوافاهم بلج وقد وقعوا إلى مجاز الخضراء وتقدم عبدالرحمن بن حبيب أمام بلج إلى الأندلس فقدمها وأمر عبدالملك بن قطن ألا يسمع لبلج ولا يطيعه ثم قدم بلج فأقام بالجزيرة وكتب إلى عبدالملك بن قطن يعلمه أنه خليفة كلثوم وشهد له بذلك ثعلبة الجذامي وأصحابه وكان الرسول فيما بينهما قاضي الأندلس فسلم عبدالملك بن قطن الولاية لبلج على كره من عبدالرحمن بن حبيب فخرج عبدالرحمن من قرطبة كارها لولاية بلج ثم إن بلجا لما قدم قرطبة حبس عبدالملك بن قطن في السجن وثار عبدالرحمن بن حبيب ومعه أمية بن عبدالملك بن قطن فجمعا لقتال بلج فأخرج بلج عبدالملك بن قطن من السجن وقال له قم في المسجد فأخبر الناس أن كلثوما كتب إليك اني خليفته فقام عبدالملك فقال أيها الناس إني والي كلثوم وإني محبوس بغير حق فضرب بلج عنقه ثم قدم عبدالرحمن بن حبيب بجموع فخرج إليه بلج ومن معه من أهل الشام وكان بينهم نهر فلما كان الليل عبر عبدالرحمن إلى قرطبة وخليفة بلج بها القاضي وقد كان القاضي اتهم بدم عبدالملك بن قطن فأخذه عبدالرحمن بن حبيب فسمل عينيه وقطع يديه ورجليه وضرب عنقه وصلبه على شجرة وجعل على جثته رأس خنزير وبلج لا يشعر ثم خرج من قرطبة فقاتله بلج فانهزم عبدالرحمن بن حبيب ثم جمع جمعا آخر فقتل بلج ومن معه ويقال أن بلجأ لم يقتل إنما مات موتا حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قال مات بلج في سنة خمس وعشرين ومائة بعد قتله ابن قطن بشهر

حنظلة بن صفوان الكلبي

ثم افترق أهل الأندلس على أربعة أمراء حتى أرسل إليهم حنظلة بن صفوان الكلبي بأبي الخطار الكلبي فجمعهم وسأذكر ذلك في موضعه إن شاء الله

وقد كان كلثوم بن عياض كتب إلى عامله على أطرابلس صفوان بن أبي مالك يستمده فخرج إليه بأهل أطرابلس حتى قدم قابس فانتهى إليه خبر كلثوم ومن معه فانصراف وقد كان خرج إليه سعيد بن بجرة ومن تحصن معه من أصحاب مسلمة بن سوادة الجذامي وتنحى الفزاري إلى نهر يقال له الجمة على اثني عشر ميلا من قابس فلما رجع صفوان بن أبي مالك تحصن سعيد بن بجرة وأصحابه بقابس وخرج عبدالرحمن بن عقبة الغفاري في أهل القيروان إلى الفزاري فلقيه فيما بين قابس وبين القيروان فانهزم الفزاري وقتل عامة أصحابه

الحسام بن ضرار الكلبي أبو الخطار

ثم وجه هشام بن عبدالملك حنظلة بن صفوان في صفر سنة أربع وعشرين ومائة وكان عامله على مصر فلما قدم أفريقية كتب إليه أهل الأندلس وأهل الشام وغيرهم يسألونه أن يبعث إليهم واليا فبعث أبا الخطار فلما قدمها أدوا إليه الطاعة فوليها ودانت له وفرق جمع بلج بن بشر وعبدالرحمن بن حبيب وأخرج ثعلبة بن سلامة في سفينة إلى أفريقية ثم أخرج بعده عبدالرحمن بن حبيب وأخرج مع ثعلبة أهل الشام فكانوا بالقيروان مع حنظلة ثم إن حنظلة بن صفوان أخرج عبدالرحمن بن عقبة الغفاري إلى عكاشة بن أيوب الفزاري وقد جمع جمعا بعد انهزامه من قابس فلقيه بمن معه فانهزم الفزاري وقتل عامة أصحابه ثم جمع أيضا فلقيه عبدالرحمن بن عقبة فهزمه ثم جمع جمعا آخر وقدم عبدالواحد بن يزيد الهواري ثم المدهمي وكان صفريا مجامعا للفزاري على قتال حنظلة بن صفوان فخرج إليهما عبد الرحمن بن عقبة في أهل أفريقية فقتل عبدالرحمن بن عقبة وأصحابه وكان مقتل عبدالرحمن بن عقبة كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث في سنة أربع وعشرين ومائة ثم مضى عبدالواحد بن يزيد فأخذ تونس واستولى عليها وسلم عليه بالخلافة ثم تقدم إلى القيروان وانتبذ الفزاري بعسكره ناحية وكلاهما يريد القيروان يتبادران إليها إيهما يسبق صاحبه فيغنم فلما رأى حنظلة ما غشيهم من جموع البربر مع الفزاري وعبدالواحد احتفر على القيروان خندقا وزحف إليهم عبدالواحد وكتب إلى حنظلة يأمره أن يخلي له القيروان ومن فيه فأسقط في أيديهم وظنوا أنهم سيسبوا حتى إن كان حنظلة ليبعث الرسول منهم ليأتيه بالخبر فما يخرج إلى مسيرة ثلاثة أميال إلا بخمسين دينارا فلما غشيه عبدالواحد وكان من القيروان على شبيه بمرحلة بمكان يقال له الأصنام ونزل الفزاري من القيروان على ستة أميال وكان مع عبدالواحد أبوقرة العقلي وكان على مقدمته فكتب حنظلة إلى الفزاري كتابا يرثيه فيه ويمنيه رجاء أن لا يجتمعا عليه فلا يقوى عليهما وخاف اجتماعهما وكان عكاشة أقرب إلى حنظلة فصبح عبدالواحد الأصنام بجموعه وزحف حنظلة إلى الفزاري لقربه منه وخرج معه بأهل القيروان فخرج قوم آئسون من الحياة للذي كانوا يتخوفونه من سبي الذراري وذهاب النساء والأموال وجعل عليهم محمد بن عمرو بن عقبة فلقيهم بالأصنام فهزم الله عبدالواحد وجمعه وقتل ومن معه قتلا ما يدري ما هو وهرب من هرب منهم فلما فتح لحنظلة عاجل عكاشة الفزاري من ليلته فقاتله بالقرن ولم يكن بلغ عكاشة هزيمة عبدالواحد فهزمه الله ومن معه من أصحابه وهرب عكاشه حتى انتهى إلى بعض نواحي أفريقية فأخذه قوم من البربر أسيرا حتى أتوا به إلى حنظلة فقتله وكان عبدالواحد ومن معه صفرية يستحلون سبي النساء وكان قتل عكاشة وعبدالواحد كما حدثنا يحبى بن بكير عن الليث سنة خمس وعشرين ومائة وقد كان حنظلة عندما كان من حلول عبدالواحد بالأصنام وعكاشة بالقرن وقربا من القيروان كتب إلى معاوية بن صفوان عامله على أطرابلس يأمره بالخروج إليه بأهل أطرابلس فخرج حتى انتهى إلى قابس فبلغه ما كان من هزيمة عبدالواحد وعكاشة فكتب إليه حنظلة في بربر خرجوا بنفزاوة وسبوا أهل ذمتها فامض إليهم فسار إليهم بمن معه فقاتلهم فقتل معاوية بن صفوان وقتل الصفرية واستنقذ ما كانوا أصابوا من أهل الذمة فبعث حنظلة إلى جيش معاوية ذلك زيد بن عمرو الكلبي فانصرف بهم إلى طرابلس وكان عبدالرحمن بن حبيب بتونس وكان ثعلبة بن سلامة الجذامي مع حنظلة فلما بلغ من بإفريقية من أهل الشام قتل الوليد بن يزيد خرج عامة قوادهم وخرج ثعلبة بن سلامة إلى المشرق وكان قتل الوليد كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد يوم الخميس لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة

عبدالرحمن بن حبيب الفهري

فخرج عبدالرحمن بن حبيب بتونس وجمع لقتال حنظلة بن صفوان وإخراجه من أفريقية فلما بلغ ذلك حنظلة أرسل وجوه أفريقية إلى عبد الرحمن يدعوه إلى الدعة والكف عن الفتنة فساروا فلما كانوا ببعض الطريق بلغتهم ولاية مروان بن محمد فأرادوا الانصراف وبلغ عبدالرحمن أن حنظلة قد أرسل إليه رسلا وكانوا خمسين رجلا وأنهم يريدون الانصراف فأرسل إليهم خيلا فأصرفتهم إليه ووجد عبدالرحمن عليهم لخروجهم إليه وكانوا قد كاتبوه قبل ذلك سرا من حنظلة فلما بلغتهم ولاية مروان نزعوا عن ذلك فبعث بهم إلى تونس في الحديد وكتب عبدالرحمن إلى حنظلة أن يخلي له القيروان وأن يخرج منها وأجله ثلاثة أيام وكتب إلى صاحب بيت المال ألا يعطيه دينارا ولا درهما إلا ما حل له من أرزاقه فلما قرأ حنظلة الكتاب هم بقتاله ثم حجزه عنه الورع وكان ورعا فخرج بمن خف معه من أصحابه من أهل الشأم وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين ومائة ودخل عبدالرحمن بن حبيب القيروان في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة

ثم بعث عبدالرحمن أخاه ابن حبيب عاملا على أطرابلس فأحذ عبدالله بن مسعود التجيبي وكان إباضيا ورئيسا فيهم فضرب عنقه واجتمعت الإباضية بأطرابلس فعزل عبدالرحمن أخاه وولى حميد بن عبدالله العكي وكان على الإباضية حين اجتمعت عبدالجبار بن قيس المرادي ومعه الحارث بن تليد الحضرمي فحاصروا حميد بن عبدالله في بعض قرى أطرابلس ووقع الوبأ في أصحابه فخرج بعهد وأمان فلما خرجوا أخذ عبدالجبار بن قيس نصير بن راشد مولى الأنصار فقتله وكان من أصحاب حميد وكانوا يطلبونه بدم عبدالله بن مسعود التجيبي المقتول واستولى عبدالجبار على زناتة وأرضها فكتب عبدالرحمن بن حبيب إلى يزيد بن صفوان المعافري بولاية أطرابلس ووجه مجاهد بن مسلم الهواري يستألف الناس ويقطع عن عبدالجبار هوارة وغيرهم فأقام مجاهد في هوارة أشهرا ثم طردوه فلحق بيزيد بن صفوان بأطرابلس فوجه عبدالرحمن بن حبيب محمد بن مفروق في خيل وكتب إلى يزيد بن صفوان بالخروج معه فخرجوا فلقيهم عبدالجبار بن قيس والحارث بن تليد بمكان من أرض هوارة فقتل يزيد بن صفوان ومحمد بن مفروق وانهزم مجاهد بن مسلم إلى أرض هوارة فقفل عبدالرحمن بن حبيب واجتمع إليه جمع كثير فزحف بهم إلى عبدالجبار والحارث بن تليد فلقيهم بأرض زناتة فانهزم عمرو بن عثمان وأصحابه وستولى عبدالجبار والحارث على أطرابلس كلها

ثم خرج عمرو بن عثمان إلى دغوغا ومعه مجاهد بن مسلم واتبعه الحارث بن تليد فوجه عمرو من دغوغا إلى أرض الصحراء فأدركه الحارث فتقدم عمرو إلى سرت فأدركته خيل الحارث فقتلوا نفرا من أصحابه ونجا عمرو على فرسه جريحا واحتوى الحارث على عسكره واستفحل أمر عبدالجبار والحارث ثم اختلف أمرهما وتفاقم ما بينهما فاقتتلا فقتل عبدالجبار والحارث جميعا فولى البربر على أنفسهم إسماعيل بن زياد النفوسي فعظم شأنه وكثر بيعه فخرج إليه عبدالرحمن بن حبيب حتى إذا كان بقابس قدم ابن عمه شعيب بن عثمان في خيل فلقي إسماعيل فقتل إسماعيل وأصحابه وأسر من البربر أسارى كثيرة وكان عبدالرحمن مقيما في عسكره ولم يشهد الوقعة فنهض حين فتح له إلى سوق أطرابلس ومعه الأسارى وكتب إلى عمرو بن عثمان فقدم عليه من أرض سرت وقدم الأسارى فضرب أعناقهم وصلبهم واستعمل على أطرابلس عمرو بن سويد المرادي وأمره أن ينفل

آخر الجزء الخامس من فتوح مصر وهو خمسة أسباع الكتاب...

وممن دخلها من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لغزو المغرب وغيره

فيما ذكرمحمد بن عمر الواقدي وغيره حمزة بن عمرو الأسلمي وسلمة بن الأكوع والمسور بن مخرمة والمطلب بن أبي وداعة السهمي وسلكان بن مالك وبلال بن الحارث وربيعة بن عباد الديلي والمسيب بن حزن وأبو ضبيس البلوي

ومما يصدق ما قال محمد بن عمر الواقدي ما حدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبدالله بن المبارك عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن سليمان بن يسار أنهم غزوا أفريقية ومعهم بشر كثير من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من المهاجرين الأولين