المسعودي
مروج الذهب ومعادن الجوهر
بلاد الحبشة والسودان
وقد ذكر فو العناية بأخبار العالم أن أرض الحبشة وسائر السودان كلها مسيرة سبع سنين، وأن أرض مصرجزء واحد من ستين جزءاً من ض السودان، وأن أرض السودان جزء وأحد من الأرض كلها، وأن الأرض كلها مسيرة خمسمائة سنة: ثلث عمران مسكون مأهول، وثلثٌ براري غير مسكون، وثلثٌ بحار، وتتصل أقاصي السودان العراة بآخر بلاد ولدإدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام من أرض المغرب...
وفي هذا الصقع من بلاد المغرب خلق من الصُّفْرِية الخوارج،لهم مدن ممدودة مثل مدينة ثرغية، وفيها معدن كبيرمن الفضة، وهو مما يلي الجنوب ويتصل ببلاد الحبشة، والحرب بينهم سِجَالٌ...
وراء علوة أمة عظيمة من السودان تدعى بكنة وهم عُرَاة كالزنج، وأرضهم تنبت الذهب، وفي مملكة هذه الأمة يفترق النيل فيتشعّب منه خليج عظيم...
ولد كوش بن كنعان ومساكنهم
قال المسعودي: ولما تفرق ولد نوح في الأرض سار ولد كوش بن كنعان نحو المغرب حتى قطعوا نيل مصر، ثم افترقوا فسارت منهم طائفة مُيَمِّنة بين المشرق والمغرب وهم النوبة والبجة والزنج، وسار فريق منهم نحو المغرب وهم أنواع كثيرة نحو الزغاوة والكانم ومركه وكوكو وغانة وغير ذلك من أنواع السودان والدمادم...
بقية أجناس السودان
وأما غير هؤلاء من الحبشة الذين قدمنا ذكرهم من أمعن في المغرب - مثل الزغاوة والكوكو والقراقر ومديدة ومريس والمبرس والملانة والقوماطي ودويلة والقرمة- ذلكل واحد من هؤلاء وغيرهم من أنواع الأحابش ملك، ودار مملكة.
وقد أتيناء على ذكر جميع أجناس السودان وأنواعهم ومساكنهم ومواضعها من الفلك، ولأية علة تفلفلت شعورهم واسودت ألوانهم، وغير ذلك من أخبارهم وأخبار ملوكهم وعجائب سيرهم وتشعبهم في أنسابهم، في كتابنا أخبار الزمان في الفن الأول من جملة الثلاثين فناً، ثم في الكتاب الأوسط مما لم نذكره في كتابنا أخبار الزمان من أخبارهم، وذكرنا في هذا الكتاب مالا يسع ترك إيراده فيه ولا تعريته منه...فرأينا أن نختم هذا الباب بجوامع من مساحات الممالك، وما بينها من البعد والقرب، على حسب ما حكاه الفزاري صاحب كتاب الزيج والقصيدة في هيئة النجوم والفلك:
زعم الفزاري أن... عمل الأندلس لعبد الرحمن بن معاوية ثلثمائة فرسخ في ثمانين فرسخاً.
عمل إدريس الفاطمي ألف ومائتا فرسخ في مائة وعشرين فرسخاً.
ٍعمل ساحل سجلماسة لبني المنتصر أربعمائة فرسخ في ثمانين فرسخا.
عمل أنبيه ألفان وخمسمائة فرسخ في ستمائة فرسخ.
عمل غانة بلاد الذهب ألف فرسخ في ثمانين فرسخاً.
عمل ورام مائتا فرسخ في ثمانين فرسخاً.
عمل نخلة مائة فرسخ وعشرون فرسخاً في ستين فرسخاً.
عمل واح ستون فرسخاً في أربعين فرسخاً.
عمل البحة مائتا فرسخ في ثمانين فرسخاً.
عمل النجاشي ألف وخمسمائة فرسخ في أربعمائة فرسخ.
عمل الزنج بالمشرق سبعة آلاف وستمائة فرسخ فيخمسمائة فرسخ... وقد أعرضنا عن ذكر... قصة أرض الذهب التي حذاء سجلماسة من أرض المغرب، ومن هنالك من وراء النهر العظيم، ومبايعتهم من غير مشاهدتهم ولا مخاطبتهم، وتركهم المتاع، وغدؤ الناس إلى أمتعتهم فيجدون أعمدة الذهب وقد تركت إلى جنب كل متاع من تلك الأمتعة، فإن شاء مالك المتاع أختار الذهب وترك المتاع، وإن شاء أخذ متاعه وترك الذهب، وإن أحب الزيادة ترك الذهب والمتاع، وهذا مشهور بأرض المغرب بسجلماسة، ومنها يحمل التجار الأمتعة إلي ساحل هذا النهر، وهو نهر عظيم واسع الماء.