القلقشندي

صبح الأعشى

[القاهرة، 1922]

5: 279

المملكة الثالثة
بلاد البرنو

وبلاد البرنو — بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو. وهم مسلمون والغالب على ألوانهم السواد. قال في التعريف: وبلاده تحد بلاد التكرور من الشرق، ثم يكون حدها من الشمال بلاد إفريقية، ومن الحنوب الهمج,

وقاعدتهم مدينة كاكا بكافين بعد كل منهما ألف فيما ذكر لي رسول سلطانهم الواصل إلى الديار المصرية صحبة الحجيج في الدولة الظاهرية (برقوق). وقد تعرض إليها في مسالك الأبصار في تحديد مملكة مالي على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى,

ومن مدنهم أيضاً مدينة كُتْنِسكي بكاف مضمومة وتاء مثناة فوقية ساكنة ونون مكسورة وسين مهملة ساكنة وكاف مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية. وهي شرقي كاكا على مسيرة يوم واحد منها,

قلت: وقد وصل كتاب ملك البرنو في أواخر الدولة الظاهرية (برقوق) يذكر فيه أنه من ذرية سيف بن ذي يزن، إلا أنه لم يحقق النسب فذكر أنه من قريش وهو غلط منهم، فإن سيف بن ذي يزن من أعقاب تبابعة اليمن من حمير، على ما يأتي ذكره في الكلام على المكاتبات، في المقالة الرابعة فيما بعد، إن شاء الله تعالى,

ولصاحب البرنو هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها هناك إن شاء الله تعالى,

281

وقد تقدم أن كاكا هي قاعدة سلطان البرنو. وبينها وبين جيمي أربعون ميلاً,

282

المملكة الخامسة
بلاد مالي ومضافاتها

ومالّي بفتح الميم وألف بعدها لام مشددة مفخمة وياء مثناة تحت في الآخر. وهي المعروفة عند العامة ببلاد التكرور..,

الجملة الأولى
في ذكر أقاليمها ومدنها

وقد ذكر صاحب العبر: أنها تستمل على خمسة أقاليم كل إقليم منها مملكة بذاتها [غانة، صوصو، مالي، كوكو، تكرور],

283

الإقليم الأول
مالي

وقد تقدم ضبطه. وهو إقليم واسطة الأقاليم السبعة الداخلة في هذه الممكلة، واقع بين إقليم صوصو وإقليم كوكو: صوصو من غربيه، وكوكو من شرقيه..,

284

الإقليم الثالث
بلاد غانة

بفتح الغين المعجمة وألف ثم نون مفتوحة وهاء في الآخر. وهي غربي إقليم صوصو المقدم ذكره تجاور البحر المحيط الغربي..,

285

الإقليم الرابع
بلاد كوكو

وذكر المهلبي في العزيزي أنهم مسلمون، وبينها وبين مدينة غانة مسيرة شهر ونصف..,

286

الإقليم الخامس

بلاد تكرور

وهي شرقي إقليم كوكو المقدم ذكره، ويليه من جهة الغرب مملكة البرنو المتقدمة الذكر، وبها عرفت هذه المملكة على كبرها واشتهرت..,

وذكر في مسالك الأبصار: أن هذه المملكة تشتمل على أربعة عشر إقليماً. وهي غانة وزافون وترنكا وتكرور وسنغانة وبانبغو وزرنطابنا وبيترا ودمورا وزاغا وكابرا وبراغودي وكوكو ومالي. فذكر أربعة من الأقاليم الخمسة المتقدمة الذكر، وأسقط إقليم صوصو، و:انها قد اضمحلت، وزاد باقي ذلك، فيحتمل أنها انضافت إلى صاحبها يومئذ بالفتح والاستيلاء عليها..,

292

قد تقدم أن هذه المملكة قد اجتمع بها خمسة أقاليم، وهي: إقليم مالي، وإقليم صوصو، وإقليم غانة من جانب الغربي عن مالي، وإقليم كوكو، وإقليم تكرور في الجانب الشرقي عن مالي، وأن كل إقليم من هذه الخمسة كان مملكة مستقلة، ثم اجتمع الكل في مملكة صاحب هذه المملكة، وأن مالي هي أصل مملكته... ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي: أنه ليس بمملكته من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة وهو كالنائب له وإن كان ملكاً. وكأنه إنما بقي اسم الملك على صاحب غانة دون غيره لعدم انتزاعها منه والاستيلاء عليها استيلاء كلياً..,

8: 8

ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته في قطع الثلث والعلامة أخوه وتعريفه صاحب برنو,

قلت: ووصل من هذا الملك كتاب في الدولة الظاهرية (برقوق) يتشكى فيه من عرب جذام المجاورين له، ويذكر أنه أخذوا جماعة من أقاربه باعوهم في الأقطار، وسأل الكشف عن خبرهم، والمنع من بيعهم بمصر والشام، وأرسل هدية صالحة من زئبق وغيره. وكتب جوابه بخط زين الدين ظاهر: أحد كتاب الدست. صدره: أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور المتوكل فخر الدين أبي عمرو عثمان بن إدريس: عز الإسلام، شرف ملوك الأنام، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحدين، جمال الملوك والسلاطين، سيف الجلالة، ظهير الإمامة. وبعث إليه به مع رسوله الوارد صحبة الحجيج، فأعيد وقد كتب الجواب على ظهره بعد سنة أو سنتين,

115

في المكاتبات إلى صاحب مالي

وهو المستولي على التكرور وغانة وغيرهما، وهي أعظم ممالك السودان المسلمين مملكة، ولم أقف لأحد منهم على صورة مكاتبة إلى الأبواب السلطانية، إلا أن المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه مسالك الأبصار عند الكلام على هذه المملكة تعرض لذكر سلطانها في زمان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهو منسى موسى، وذكر أنه ورد منه كتاب يمسك لنفسه فيه ناموساً ولم يورد نسخته,

116

في المكاتبات الصادرة عن صاحب البرنو

ورسم مكاتبته أن تكتب في ورق مربع بخط كخط المغاربة: فإن فضل من المكاتبة شيء كتب بظاهرها، وتفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد، ثم تتخلص إلى المقصد ببعدية، ويأتي على المقصد إلى آخره، ورأيته قد ختم مكاتبته إلى الأبواب السلطانية بقوله: والسلام على من اتبع الهدى. وكأن ذلك جهلٌ من الكاتب بمقاصد صناعة الإنشاء، إذ لا يهتدون إلى حقائقها,

وهذه نسخة كتاب ورد على الملك الظاهر أبي سعيد برقوق ووصل في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة، صحبة ابن عمه، مع هدية بعث بها إلى السلطان بسبب ما يذكر فيه من أمر عرب جذام المجاورة لهم، وهي في ورق مربع، السطر إلى جانب السطر، بخط مغربي، وليس له هامش في أعلاه ولا جانبه، وتتمة الكتاب في ظهره من ذيل الكتاب وهو:

بسم الله الرحن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً,

الحمد لله الذ جعل الخط تراسلاً بين الأباعد، وترجماناً بين الأقارب، ومصافحة بين الأحباب، ومؤنساً بين العلماء وموحشاً بين الجهال، ولو لا ذلك لبطلت الكلمات، وفسدت الحاجات,

وصلوات الله على نبينا المصطفى ورسولنا المرتضى الذي أعلق الله به باب النبوة وختم وجعله آخر المرسلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ما ناحت الورق وما عاقب الشروق الأصيل، ثم بعد ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أحمعين,

من المتوكل على الله تعالى الملك الأجل سيف الإسلام وربيع الأيتام الملك المقدام القائم بأمر الرحمن، المستنصر بالله المنصور في كل حين وأوان ودهر وزمان: الملك العادل الزاهد التقي النقي الأنجد الأمجد الغشمشم فخر الدين زين الإسلام قطب الجلالة سلالة الكرماء كهف الصدور مصباح الظلام أبي عمرو عثمان الملك ابن إدريس الحاج أمير المؤمنين المرحوم، كرم الله ضريحه وأدام ذرية هذا بملكه — هذا اللفط وارد على لسان كاتبنا لآلنا ولا فخر:

إلى ملك المصر الجليل، أرض الله المباركة أم الدنيا,

سلام عليك أعطر من المسك الأذفر، وأعذب من ماء الغمام واليمّ، زاد الله ملككم وسلطانكم، والسلام على جلسائكم وفقهائكم وعلمائكم الذين يدرسون القرآن والعلوم وجماعتكم وأهل طاعتكم أجمعين,

وبعد ذلك، فإنا أرسلنا إليكم رسولنا، وهو ابن عمي، اسمه إدريس بن محمد من أجل الجائحة التي وجدناها، وملوكنا، فإن الأعراب الذين يسمون جذاماً وغيرهم قد سبوا أحرارنا: من النساء والصبيان، وضعفاء الرجال وقرابتنا وغيرهم من المسلمين. ومنهم من يشركون بالله يمارقون للدين، فغاروا على المسلمين وقتلوهم قللاً شديداً، لفتنة وعقت بيننا وبين أعدائنا، فبسبب تلك الفتنة قد قتلوا ملكاً، عمرو بن إدريس الشهيد، وهو أخونا ابن أبينا إدريس الحاج بن إبراهيم الحاج، ونحن بنو سيف بن ذي يزن، والد قبيلتنا العربي القرشي، كذا ضبطناه عن شيوخنا، وهؤلاء الأعراب قد أفسدوا أرضها كلها، في بلد برنو كافة حتى الآن، وسبوا أحرارنا وقرابتنا من المسلمين، ويبيعونهم لجلاب مصر والشام وغيرهم، ويختدمون ببعصهم، فإن حكم مصر قد جعله الله في أيديكم من البحر إلى أسوان فإنهم قد اتخذوا متجراً، فتبعثوا الرسل إلى جميع أرضكم وأمرائكم ووزرائكم وقضائكم وحكامكم وعلمائكم وصواحب أسواقكم ينظرون ويبحثون ويكشفون فإذا وجدوهم فلينرعوهم من أيديهم وليبتلوهم، فإن قالوا نحن أحرار ونحن مسلمون فصدقوهم ولا تكذبوهم، فإذا تبين ذلك لكم فأطلقوهم وردوهم إلى حريتهم وإسلامهم فإن بعض الأعراب يفسدون في أرضنا ولا يصالحون، فإنهم الجاهلون كتاب الله وسنة رسولنا، فإنهم يزينون البارطل. فاتقوا الله واخشوه ولا تخذلوهم يسترقوا ويباعوا. قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقال الله تعالى لنبيه عليه السلام فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم. وقال الله تعالى ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. وكان عليه السلام يقول: السلطان ضل الله في الأرض يأوى إليه كل مظلوم. وقال: المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضاً إلى يوم القيامة. وقال: المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه إلى آخره. وفي الحكمة: ومن الفرائض الأمر بالمعروف على كل من بسطت يده في الأرض (أراد به السلاطين) وعلى من تصل يده إلى ذلك (أراد بلك القضاة والحكام والأمراء) فإن لم يقدر فبلسانه، (أراد بذلك الفقهاء والعلماء) وإن لم يقدر فبقلبه (أراد بذلك عامة المسلمين),

أطال الله بقاءكم في أرضكم. فزجروا الأعراب المفسدين عن دعرهم. قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين. وقال عليه السلام: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. وقال في الحكمة: لو لا السلطان لأكل بعضهم بعضاً. وقال تعالى لنبيه داود عليه السلام يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب,

والسلام على من اتبع الهدى — ولم يؤرخ,

الطرف الثالث
في الكتابات الصادرة عن ملك الكانم

ولم أقف له على مكاتبة إلا أنه يشبه أن تكون المكاتبة عنه نظير المكانتة عن صاحب البرنو فإنه على قرب من مملكته والله أعلم,