القزويني

عجائب المخلوقات وآثار البلاد

بلاد التبر

هي بلاد السودان في جنوب المغرب؛ قال ابن الفقيه: هذه البلاد حرها شديد جداً. أهلها بالنهار يكونون في السراديب تحت الأرض، والذهب ينبت في رمل هذه البلاد كما ينبت الجزر بأرضنا، وأهلها يخرجون عند بزوغ الشمس ويقطفون الذهب، وطعامهم الذرة واللوبيا، ولباسهم جلود الحيوانات، وأكثر ملبوسهم جلد النمر، والنمر عندهم كثير.
ومن سجلماسة إلى هذه البلاد ثلاثة أشهر، والتجار من سجلماسة يمشون إليها بتعب شديد، وبضايعهم الملح وخشب الصنوبر وخشب الأرز، وخرز الزجاج والاسورة والخواتيم منه، والحلق النحاسية.
وعبورهم على براري معطشة، فيها سمايم بماء فاسد لا يشبه الماء إلا في الميعان، والسمايم تنشف المياه في الأسقية، فلا يبقى الماء معهم إلا أياماً قلائل. فيحتالون بأن يستصحبوا معهم جمالاً فارغة من الأحمال، ويعطشونها قبل ورودهم الماء الذي يدخلون منه في تلك البراري، ثم أوردوها على الماء نهلاً وعللاً حتى تمتلي أجوافها، ويشدون أفواهها كي لا تجتر فتبقى الرطوبة في أجوافها، فإذا نشف ما في أسقيتهم واحتاجوا إلى الماء، نحروا جملاً جملاً وترمقوا بما في بطونها، وأسرعوا بالسير حتى يردوا مياهاً أخرى، وحملوا منها في أسقيتهم.
 وهكذا ساروا بعناء شديد حتى قدموا الموضع الذي يحجز بينهم وبين أصحاب التبر، فعند ذلك ضربوا طبولاً ليعلم القوم وصول القفل. يقال: انهم في مكان وأسراب من الحر وعراة كالبهائم لا يعرفون الستر. وقيل: يلبسون شيئاً من جلود الحيوان، فإذا علم التجار أنهم سمعوا صوت الطبل أخرجوا ما معهم من البضائع المذكورة، فوضع كل تاجر بضاعته في جهة منفردة عن الأخرى وذهبوا وعادوا مرحلة فيأتي السودان بالتبر، ووضعوا بجنب كل متاع شيئاً من التبر وانصرفوا. ثم يأتي التجار بعدهم فيأخذ كل واحد ما وجد بجنب بضاعته من التبر ويترك البضاعة، وضربوا بالطبول وانصرفوا، ولا يذكر أحد من هؤلاء التجار أنه رأى أحداً منهم.

بلاد السودان

هي بلاد كثيرة وأرض واسعة، ينتهي شمالها إلى أرض البربر، وجنوبها إلى البراري، وشرقها إلى الحبشة، وغربها إلى البحر المحيط. أرضها محترقة لتأثير الشمس فيها، والحرارة بها شديدة جداً لأن الشمس لا تزال مسامتة لرؤوسهم، وأهلها عراة لا يلبسون من شدة الحر، منهم مسلمون ومنهم كفار.
 أرضهم منبت الذهب، وبها حيوانات عجيبة: كالفيل والكركدن والزرافة. وبها أشجار عظيمة لا توجد في غيرها من البلاد.
وحدثني الفقيه علي الجنحاني المغربي أنه شاهد تلك البلاد، ذكر أن أهلها اتخذوا بيوتهم على الأشجار العظيمة من الأرضة، وان الأرضة بها كثيرة جداً، ولا يتركون شيئاً من الأثاث والطعام على وجه الأرض إلا وأفسده الارضة، فجميع قماشهم وطعامهم في البيوت التي اتخذوها على أعالي الأشجار. وذكر، رحمه الله، انه أول ما نزل بها نام في طرف منها فما استيقظ إلا والارضة قرضت من ثيابه ما كان يلاقي وجه الأرض.

تغارة

بلدة في جنوبي المغرب بقرب البحر المحيط، حدثني الفقيه علي الجنحاني أنه دخلها فوجد سور المدينة من الملح، وكذلك جميع حيطانها، وكذلك السواري والسقوف، وكذلك الأبواب فإنها من صفائح ملحية مغطاة بشيء من جلد الحيوان كي لا يتشعب أطرافها. وذكر أن جميع ما حول هذه المدينة من الأراضي سبخة وفيها معدن الملح والشب، وإذا مات بها شيء من الحيوان يلقى في الصحراء فيصير ملحاً، والملح بأرض السودان عزيز جداً، والتجار يجلبونه من تغارة إلى سائر بلادهم يبتاع كل وقر بمائة دينار.
ومن العجب أن هذه المدينة أرضها سبخة جداً، ومياه آبارهم عذبة، وأهلها عبيد مسوفة، ومسوفة قبيلة عظيمة من البربر. وأهل تغارة في طاعة امرأة من إماء مسوفة، شغلهم جمع الملح طول السنة. يأتيهم القفل في كل سنة مرةً يبيعون الملح ويأخذون من ثمنه قدر نفقاتهم، والباقي يؤدونه إلى ساداتهم من مسوفة، وليس بهذه المدينة زرع ولا ضرع، ومعاشهم على الملح كما ذكرنا.

تكرور

مدينة في بلاد السودان عظيمة مشهورة، قال الفقيه علي الجنحاني المغربي: شاهدتها وهي مدينة عظيمة لا سور لها، وأهلها مسلمون وكفار، والملك فيها للمسلمين، وأهلها عراة رجالهم ونساؤهم، إلا أشراف المسلمين فإنهم يلبسون قميصاً طولها عشرون ذراعاً، ويحمل ذيلهم معهم خدمهم للحشمة، ونساء الكفار يسترن قبلهن بخرزات العقيق، ينظمنها في الخيوط ويعلقنها عليهن، ومن كانت نازلة الحال فخرزات من العظم.
 وذكر أيضاً أن الزرافة بها كثيرة، يجلبونها ويذبحونها مثل البقر، والعسل والسمن والأرز بها رخيص جداً. وبها حيوان يسمى لبطى، يؤخذ من جلده المجن يبتاع كل مجن بثلاثين ديناراً، وخاصيته أن الحديد لا يعمل فيه البتة.
وحكى أنه لما كان بها إذ ورد قاصد من بعض عمال الملك يقول: قد دهمنا سواد عظيم لا نعرف ما هو. فاستعد الملك للقتال وخرج بعساكره، فإذا فيلة كثيرة جاوزت العد والحصر، فجاءت حتى ترد الماء بقرب تكرور، فقال الملك: احشوها بالنبل. فلم يكن يعمل فيها شيء من النبال، وكانت تخفي خراطيمها تحت بطنها لئلا يصيبها النبل، وإذا أصاب شيئاً من بدنها أمرت عليها الخرطوم ورمتها، فشربت الماء ورجعت. والله الموفق.

سجلماسة

مدينة في جنوب المغرب في طرف بلاد السودان، في مقطع جبل درن في وسط رمل، بها نهر كبير غرسوا عليه بساتين ونخيلاً مد البصر. حدثني بعض الفقهاء من المغاربة وقد شاهدها: ان مزارعها اثنا عشر فرسخاً من كل جانب لكن لا يزرع في كل سنة إلا خمسها، ومن أراد الزيادة على ذلك منعوه، وذلك لأن الريع إذا كثر لا يبقى له قيمة فلا يشتري من الظناء بشيء. وبها أصناف العنب والتمر وأما تمرها فستة عشر صنفاً ما بين عجوة ودقل.
ولنسائها يد صناع في غزل الصوف، ويعمل منه كل عجيب حسن بديع من الأزر التي تفوق القصب، ويبلغ ثمن الازار ثلاثين ديناراً وأربعين كأرفع ما يكون من القصب ويتخذن من عقارات يبلغ ثمنها مثل ذلك مصبوغة بأنواع الألوان، وأهل هذه المدينة من أغنى الناس وأكثرهم مالاً لأنها على طريق غانة التي هي معدن الذهب، ولأهلها جرأة على دخول تلك البرية مع ما ذكر من صعوبة الدخول فيها، وهي في بلاد التبر يعرف منها، والله الموفق.

غانة

مدينة كبيرة في جنوب بلاد المغرب، متصلة ببلاد التبر، يجتمع إليها التجار ومنها يدخلون بلاد التبر، ولولاه لتعذر عليهم ذلك، وهي أكثر بلاد الله ذهباً لأنها بقرب معدنها، ومنها يحمل إلى سائر البلاد، وبها من النمور شيء كثير، وأكثر لباس أهلها جلد النمر.
وحكى الفقيه أبو الربيع الملتاني أن في طريق غانة من سجلماسة إليها أشجاراً عظيمة مجوفة، يجتمع في تجاويفها مياه الأمطار فتبقى كالحياض، والمطر في الشتاء بها كثير جداً، فتبقى المياه في تجاويف تلك الأشجار إلى زمان الصيف، فالسابلة يشربونها في مرورهم إلى غانة، ولولا تلك المياه لتعذر عليهم المرور إليها، ويتخذون أقتاب البعران من خشب الصنوبر، فإن مات البعير فقتب رحله يفيء بثمنه.

غدامس

مدينة بالمغرب في جنوبيه ضاربة في بلاد السودان، يجلب منها الجلود الغدامسية، وهي من أجود الدباغ لا شيء فوقها في الجودة، كأنها ثياب الخز في النعومة.
بها عين قديمة يفيض الماء منها، ويقسمها أهل البلد قسمة معلومة، فإن أخذ أحد زائداً غاض ماؤها، وأهل المدينة لا يمكنون أحداً يأخذ زائداً خوفاً من النقصان. وأهلها بربر مسلمون صالحون.

كاكدم

مدينة بأقصى المغرب جنوبي البحر متاخمة لبلاد السودان، منها صناع أسلحة.
منها الرماح والدرق اللمطية من جلد حيوان يقال له اللمط، لا يوجد إلا هناك، وهو شبه الظباء أبيض اللون، إلا أنه أعظم خلقاً، يدبغ جلده في بلادهم باللبن وقشر بيض النعام سنة كاملة، لا يعمل فيه الحديد أصلاً، إن ضرب بالسيوف نسبت عنه، وإن أصابه خدش أو بتر يبل بالماء ويمسح باليد فيزول عنه، يتخذ منه الدرق والجواشن قيمة كل واحد منها ثلاثون ديناراً، وحكى الفقيه علي الجنحاني: انه مر بقرب كاكدم بل عال، والناس يقولون من صعد هذا التل اختطفه الجن، وعنده مدينة النحاس التي اشتهر ذكرها، وسيأتي ذكرها في موضعه إن شاء الله تعالى.

كوار

 ناحية من بلاد السودان جنوبي فزان، بها عين الفرس، قيل: إن عقبة ابن عامر ذهب إلى كوار غازياً، فنزل ببعض منازلها فأصابهم عطش حتى أشرفوا على الهلاك، فقام عقبة وصلى ركعتين ودعا الله تعالى، فجعل فرس عقبة يبحث في الأرض حتى كشف عن صفاة فانفجر منها الماء، وجعل الفرس يمصه، فرأى عقبة ذلك فنادى في الناس أن احتفروا، فحفروا وشربوا فسمي ذلك الماء ماء الفرس، وافتتح كوار وقبض على ملكها، ومن عليه وفرض عليه مالاً.