صاعد بن أحمد صاعد الأندلسي
كتاب طبقات الأمم
تحقيق لويس شيخو، بيروت 1912
9
ومن كان منهم ساكناً قريباً من خط معدل النهار وخلقه إلى نهاية المعمور في الجنوب. فطول مقارنة الشمس لسَمت رؤوسهم أسخن هواءهم وسخف جوهم. فصارت لذلك امزجتهم حارة وأخلاطهم محرقة. فاسودت ألوانهم وتفلفلت شعورهم. فعدموا بهذا رجاحة الأحلام وثبوت البصائر. وغلب عليهم الطيش وفشا فيهم النوك والجهل مثل من كان من السودان ساكناً بأقصى بلاد الحبشة والنوبة والزنج وغيرها...
وأما سائر من لم أذكره بشيء من هذه الطبقة فهم أسوة هؤلاء في الجهل وإن اختلفت مراتبهم فيه وتباينت قِسَمُهم منه لأنهم أجمعين مشتركون فيما ذكرنا منهم من انهم لم يستعملوا أفكارهم في الحكمة ولا راضوا أنفسهم بتعلم الفلسفة، إلا أن جمهورهم مع هذا وهم أهل المدن وخلافهم من أهل البادية لا يخلون حيثما كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها من سياسة ملوكية تضبطهم وناموس إلهي يملكهم. ولا يشذ عن هذا النظام الإنساني ولا يخرج عن هذا التأليف الأليف العقل إلا بعض قطان الصحارى وسكان الفلوات والفيافي كرماغ البجة وهمج غانة وعثاء الزنج ومن أشبههم.