الشماخي
كتاب السير
عمان 1987، جزء 2، ص 114-115
منهم ابنه علي بن يخلف، فكان عالماً تقياً مستجاب الدعاء محسناً لمن أساء غير من أقبل يسعى ومن أدبر وتولى. قال أبو العباس علي: جده علي. قال عمرو بن غزوة النفطي: ما رأيت مثل علي بن يخلف.
فمن عجيب أمره أن أبا القاسم القمودي من كبراء المتصوفين قدم نفطة فأكرمه الناس من الطلبة المتصوفين وغيرهم، فاحتفلت في إكرامه فقلت: لا ينبغي أن يغيب أبو الحسن عن مثلها. فلما حضروا قال ابن القمودي: من هذا؟ قلت: الفقيه أبو الحسن علي ابن العرابي. قال هو من بغضة علي ابن أبي طالب. فحالت بيني وبينه ظلمة وندمت على إكرامه وما أغناني وصاحبي عن هذا الحضوري. فأجابه علي من أنبأك هذا؟ قال كذا يذكرون عنكم. قال هل رأيت أحداً يسمي ابنه باسم عدوه؟ قال لا. قال فأبي قدوتهم، وسماني علياً. فما زال به حتى استمال قلبه. وقال أريد أن لا تفارقني ما دمت بنفطة. فاجلت تلك الظلمة من عيني.
ومن أعظم كراماته ما اشتهر عند الموافق والمخالف، وذكر ذلك البكري في المسالك والممالك إلا أنه لم يسمه، وسماه غيره. وهو أنه سافر إلى دواخل غانة تاجراً، فقام بها، وله مكان عند ملكها. وكان عظيماً، تحته اثنا عشر معدناً يستخرج منها التبر. ووقع القحط ببلادهم فاشتكت الرعية إلى السلطان وذلك بمدينة مالي، فقربوا لأصنامهم الذبائح واستغاثوا بها فلم يغاثوا. وكان الشيخ علي على ارتحال، فقال له الملك اعد ربك لعله يغيثنا. قال لا يجوز وأنعم تعبدون غيره. قال كيف صفة الإسلام؟ فما زال به حتى وحد وتكلم بكلمة الحق، فخرج هو وإياه إلى كدية فصار يصلي به علي ويتبعه على ما يفعله، وإذا دعا قال آمين. فلما أصبح عظم المطر وحالت السيول بينهما وبين المدينة، وما دخلوا إلا في السفن مع النيل فدامت سبعاً تسح ليلاً ونهاراً. فلما رآى الملك ذلك دعا أهل بيته ثم وزرائه ثم أهل المدينة ثم من قرب فأجاب جميعهم، وأبى من بعد وقالوا نحن عبيدك ولا تبدل ديننا. واشترط عليهم أن لا يدخل كافر المدينة وإن دخلها قتل. فالتزموا ذلك. وأخذ يعلمهم الصلاة وفرائض الدين والقرآن.
فورد عليه كتاب ابيه يحضه على المجيئ ولم يجعل له أذناً في المقام ولو قليلاً. فأخبر الملك بأنه على سفر. قال لا يحل لك أن تتركنا نعود إلى العمي بعد الهدى. قال طاعة الوالد واجبة في الدين وحجر عني الإقامة ولم أجد بداً من ذلك. وهذا سبب دخول الإسلام بلاد السودان بغانا وما يليها، تسامعت بهم المخالفون فقصدوها من كل أوب فردوهم إلى مذهبهم.