تاريخ النسيان في أخبار ملوك السودان

محتويات
حرف الجيم
حرف الميم
حرف العين
حرف السين
حرف الحاء
حرف الياء
حرف الباء
حرف الألف
حرف النون
حرف الذال
حرف الزاء

جداول الباشات
الأمناء
القضاة
الأئمة
الأساكي
الحكام

بسم الله الرحمان
الرحيم صلى الله على سيدنا محمد
وآله وصحبه وسلم تسليماً

الحمد لله رب العالمين والصلاة والصلام على سيد المرسلين وعلى آله السادات الطيبين وأصحابه الفضلاء الطاهرين

وبعد فقد، فقد رسمنا أسماء الباشات على ترتيب حروف الهجاء التي أولها الألف وآخرها الياء، ولكن لم يتفق منها إلا إحدى عشر حرفاً على ترتيب الأسماء، أولها حرف الجيم لأجل اسم جودر ومن بعده من حرف الميم لأجل اسم محمود بن زرقون ومحمد ومسعود ومنصور ومن بعده من حرف العين لاسم علي وعبد الله وعبد الرحمان ومن بعده من حرف السين لسليمان وسعيد ومن بعده في حرف الحاء من اسم أحمد وحمية وحد ومن بعده في حرف الياء لاسم يوسف ويحيى ومن بعده في حرف الباء لأجل اسم إبراهيم وبأحد وبكرنا وبابكر وبأحمد وببكر ومن بعده في حرف الألف في اسم الفع والمبارك والحسن ومن بعده في حرف النون لاسم ناصر ومن بعده في حرف الذاء لاسم ذا النون ومن بعده في حرف الزاء لأجل اسم زنك وزنك.

وهكذا هي إحدى عسر حرفاً على ترتيب أسماء الباشات لمن سبق حرف اسمه في الحروف سبقت اسمه. وجملة الأسماء التي أحصلها في الحروف إحدى عشر، أولها الجيم وآخرها الزاء. فهم ثمانية وتسعون اسماً، ومع تكرارهم مائة وخمس وأربعون. وسنذكرهم في حروفهم بتاريخهم وسيرهم إن شاء الله. وربما وجدت في حرف من الحروف اسم واحد-كفى حرف الجيم اسم جودر وحده. ثم من الحروف أسماء. ثم حرف من الحروف ثلاثة أسماء. ثم أسمان في بعض الحروف. ثم اسم واحد في حرف الذاء وهو ذا النون بن الحاج المختار بن بويوخف الشرقي.

وسميته بتذكرة النسيان في أخبار ملوك السودان. فصارت نثراً منثوراً. ونسأل الله تعالى العون والتوفيق، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

حرف الجيم

جودر وهو فتى قصير أزرق وهو أول باشا من مراكش إلى سغي، طلوعه في العام التاسع وتسعون ومدة سلطنته تسعة أشهر، من المحرم إلى الشوال السادس وعشرين منه. ثم عزل. وفي مدته تحرك إلى سغي وقاتل مع أسكيا إسحاق بن أسكيا داوود وكسر جيشه طرفة عين. ثم جاء تنبكت ومكث في رحبة من جهة القبلة، هي موضع يسمى جودر كنغني، ومدة مكثه فيه نحو من شهرين أو ثلاثة أشهر. ثم دخل في البلد وبنى هذه القصبة. ثم جاء الباشا محمود بن زرقون جاء من مراكش باشاً وعزله.

حرف الميم

محمد بن علي بن زرفون

محمود طابع العلجي

محمود لنك العجلي

محمد بن أحمد الماسي

مسعود بن منصوور الزغري

محمد بن محمد بن عثمان الشرقي

محمد بن موسى

محمد بن القئد أحمد بن سعدون الشاظمي

وتحرك الباشا محمد بن أحمد إلى فرسمان قرية كتي شقيف، وذلك من العام السابع والستين والألف ورجوعه من تلك الغزوة في اثناء الطريق. أعزل أسكيا الحاج في تسكيته وولى أسكيا داوود بن هارون وتبعه أهل سغي. ثم عزل الباشا بعد رجوعه من غزوة يوم الاثنين عاشر من جمادي الأخرى في العام المذكور. ومدته فيه عامين كاملين

محمد بن الحاج بن داوود الشطوكي عرف بالقائد بوي تولى بعد القائد محمد بن أحمد المذكوور قبل هذا التاريخ أعني آخرالعام السابع والستين.وفي أيامه مات خلق كثير لا يحصى عدده إلا الله. وممن مات في أيامه من الأعيان والكبراء كالفقيه محمد بن محمد بن أبي بكر صادق جد أمنا وطن والد أبيها رحمه الله وجد والدي اسمه الفع الأمين بن محمد صود معلم الصبيان رحمه الله توفي في آخر السنة، والفقيه القاضي عبد الرحمن بن الفقيه المفتي أحمد معيا رحمه الله توفي في فاتح سبعين والله أعلم. وفي تلك السنة توفي عبد الرحمن بن الحاج محمد بن الأمين كانوا رحمه الله، وفيه توفي الفقيه الإمام أحمد بن الفقيه الإمام محمد كورد رحمه الله، وفيه والله أعلم توفي كبر فرم حم بن كبر فرم إبراهيم جامع رحمه الله.

ويسمى تلك الطاعون بالنازلة الكبرى، ومكث عامين.

ثم عزل في رأس عام أحد وسبعين وألف. وتولى بعده بوي علام الحروسي يوم واحد. وتكرر في السلطنة مرتين وذلك لما عزل الباشا عمار عجرَود. ولم يرد أحد فيه قبله إلا هو أعني القائد بوي المذكور.

تولى ثانياً في العام السابع والسبعين بعد ألف. وفي يوم الأربعاء ثماني عشر جمادي الأولى وعزل الكاهية أحمد رويدسي، وتولى الكاهية عبد القادر بن الحسن. وفي يوم الخميس ثالث عشر منه عزل الكاهية طلحوي بن موسى، وتولى الكاهية ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني. وفي يوم الجمعة اثنين وعشرين من شوال آخر شهور العام المذكور مطرنا في مارس من الصبح إلى الغروب وذلك في العام السابع والسبعين والألف. ثم عزل الباشا محمد بوي في ثاني دولته، ولم يمكث إلا يسيراً.

محمد بن أحمد الكيحل الشرقي تولى بعد الباشا ناصر بن علي التلمساني يوم الثلاثاء ثاني من جمادي الأخرى سنة اثنين وثمانين بعد ألف. وفي ليلة الأربعاء خامس من رمضان في هذا العام وقع البحر في معدك، وهي رابع وعشرين من دجنبير. ووقع الصواعق بعد صلاة الجمعة سابع يوم من هذا رمضان. ومات فيها خلق كثير من العام المذكور. وفي هذا التاريخ قام الفتنة بين القائد علي بن محمد وبين القائد الحسن بن ملوك، وفرقوا الطائفتين حتى أحمى ذلك بينهم ومشى طائفة إلى كبر وبعضهم نزملوا في أمزغ، والقائد الحسن هو رأس أهل كبر حتى مات محمد بوليدي في أمزغ. ثم اصطلحوا بعد الفتنة. وعزل الباشا وما عرفت مدة مكثه فيه.

محمد بن الكاهية علي المبارك الدرعي تولى بعده عشية الاثنين آخر ذي القعدة الحرام في العام المذكور، أعني سنة اثنين وثمانون والألف. وقيل تولى في سلخ شوال من العام المذكور، وهو أصح عندنا. وفي سابع ذي القعدة الحرام تولى القائد أحمد دويدس قائداً أميناً. وفسد الطعام في الزروع والبساتين في تلك السنة، ويسمى زمانه بدوزبيب. وفيه تولى الكاهية محمد السلنكي. ثم عزل يوم الاثنين خامس عشر من جمادي الأولاى عام أربع وثمانون بعد ألف ومدته فيه سنة وسبعة أشهر.

محمد بن بارضوان العلجي الشهير بمامُي بروان تولى بعد ولاية ذا النون ابن الحاج الشرقي يوم الأحد ثاني عشر من رجب الفرد سنة مكمل تسعين بعد ألف. وعزل رابع يومه ليلة الخميس خاسم وعشرين من الشهر.

ثم رد فيه بعد الباشا زنك بوزناد يوم الجمعة سابع من رجب الفرد سنة خمس وتسعين والألف، ومكث فيه ثلاثة أشهر. ومات في السلكنة ليلة السبت آخر الليل رابع من ذي القعدة الحرام.

محمد بن شيخ علي الدرعي تولى بعد عزل ذا النون بن الحاج في ثاني دولته، وذلك في يوم السابع عشر من ربيع النبوي سنة ثلاث وتسعين وألف. وعزل في شهر شوال آخر السنة المذكورة ومدته فيه ثمانية أشهر، وقيل خمسة أشهر.

منصور بن مسعود بن منصور الزعري الشهير بالقائد سنبير تولي بعد عزل القائد العباس بن سعيد العمري في أوسط سنة تسعة وتسعين وألف. وفي هذه المدة تحرك بمحلة المسمى بوطول إلى كوكو وطرد التوارق منه، ورجع. ولما وصل التوارق قتل كبراءهم وسبا صبيانهم ونساءهم وعيالهم وساق بقراتهم ورجع بهم.

وفي رجوعه عزل يوم رابع من المحرم الحرام فاتح المكمل المائة بعد ألف، بعد ما مكث فيه سبعة أشهر. وفي هذا العام وقع الطاعون في البلاد والعياذ بالله ومات فيها خلق كثير.

ثم رد فيه بعد عزل القائد عبد الله بن ناصر التلمساني، وذلك يوم الجمعة الخامس من شهر ربيع النبوي في العام العاشر ومائة بعد ألف. وقتل في غد طلوعه سنبير بن الحاج محمد طالب إبراهيم الدرعي في السوق، وهابوه الناس لأجله.

وفي يوم الأحد التاسع وعشرين من شعبان منه بعد صلاة العصر توفي الفقيه القاضي إبراهيم ابن الفقيه عبد الله بن ولي الله تعلي سيد أحمد معيا رحمه الله تعلى، ومات عن نحو أربع وسبعين سنة. ثم تولى بعده في القضاء ابنه الفقيه القاضي سيد أحمد سدد الله أمره في شهر شوال آخر شهور العام المذكور، وعمره يومئذ نحو ثمانية وثلاثون سنة. وفي هذه المدة قصد تنغلهَي وحاق بأرضها وقتل رجالها وغيض ماءها ودفن بئارها وأسر كثيراً من نساء التوارق وصبيانهم. ثم تحرك إلى الفلانيين قبيلة سودوب كلهم في ذلك الوقت وغزاها.

وفي تلك المدة في شهر شوال عاشر شهور العام الحادي عشر ومائة بعد ألف مشى بمحلته إلى جني، هو بنفسه مع أسكيا محمد بن الحاج، وقبض أحمد الشريف وعمار دواي وغرب البعض وجلد البعض وصاب في البلد مالاً عظيماً، وصادف مع جنكي عمار في الولاية يومئذ. ثم رجع. ففي رجوعه قتل الفلانيون أهل سنقري الأعراب بن القائد مامي والكاهي عبد الكريم بن القائد الحسن العلجي. ثم عزل بعد رجوعه بمحلته بنحو ثلاثة أشهر.

وفي هذه المدة في المحرم فاتح عام الثاني عشر بعد ألف ومائة والله أعلم ولد جامع الكراريس.

وكان عزلانه في شهر جمادي الأولى والله أعلم ومدته في السلطنة سنتين وشهرين. ولم يتأخر بعده إلا ستة أشهر وتوفي رحمه الله في خامس ذي القعدة آخر شهور العام المذكور.

وممن مات في أيامه رحمهم الله تعالى من الأعيان والفقهاء من ذلك سنبير بن الحاج محمد طالب إبراهيم الدرعي، توفي من العام العاشر في شهر الربيع النبوي قتله الباشا المذكور كما مر. وفي يوم الأحد التاسع وعشرين من شعبا منه بعد صلاة العصر توفي الفقيه العالم العلامة القاضي إبراهيم بن الفقيه عبد الله بن العلامة أحمد معيا كما مر رحمه الله. وفي شهر رجب الفرد في العام الحادي عشر بعد ألف ومائة توفي الفقيه محمد طاع بن الفقيه عبد الكريم بن الفقيه القاضي عبد الرحمن بن العلامة أحمد معيا رحمه الله. وفي شهر رمضان المعظم في تلك السنة توفي المكرم المرحوح بالله أحمد توري بن الحاج محمد تورن في الجني رحمه الله. وفي شهر شعبان المنير من العام الثاني عشر بعد ألف ومائة توفي القائد سنبير بن القائد محمد بوي رحمه الله.

منصور الشهري ببابا سيد بن طالب أحمد الشرقي تولى بعد القائد إبراهيم بن حسون في شهر ربيع الآخر وقيل في جمادي الأحرى من العام الرابع ومائة بعد ألف. ومكث فيه نحو سبعة أشهر أو خمسة. وعزل في شوال من تلك السنة.

محمد بن محمد سيدي يوم واحد في شهر جمادي الأولى تولى بعد القائد المبارك بن أحمد بن علي الدرعي من العام التاسع ومائة بعد ألف.

ثم رده فيه آخر يوم من شعبان المنير وقيل من شهر رجب سنة ستة عشر ومائة بعد ألف. وعزل في المعظم رمضان. ومدته فيه اثنيان وعشرون يوماً، وذلك بعد عزل القائد محمد بن سعيد بن عمر في ثاني دولته في شهر ربيع الآخر من العام المذكور.

محمد بن سعيد بن عمر الفاسي تولى بعد القائد يوسف بن عبد الله الدرعي في يومين من المحرم الحرام فاتح عام الرابع عشر ومائة بعد ألف، ومكث فيه ثمانية أشهر. ثم عزل.

وفي مدته هذه توفي ناس من الأعيان والكبار كمحمد بن الفقيه القاضي إبراهيم توفي في شهر الصفر عشرين منه في تلك السنة رحمه الله. وفي شهر ربيع ثاني منه توفي الفقيه الحبيب بابا الشهير بسنبير بن الفقيه العالم الإمام سعد بن الحبيب بابا بن الهادي الوادني رحمه الله. وفي ذلك الشهر توفي الفقيه أبو بكر بن المصطفى الونكري رحمه الله. وفي عشية الأحد ثالث وعشرين من جمادي الأخرى منه توفي أسكيا محمد بن الحاج محمد بن أسكيا من نكر بن بلمع صادق بن أسكيا داوود رحمه الله.

وقامت الفتنة بين أهل سغي كرمن فاري عمار وبين أولاد من نكر المذكور. وفي صبيحة الاثنين الثامن وعشرين من رجب الفرد منه توفي الفقيه الإمام أحمد بوس بن العلامة الفقيه العالم الولي الصلح محمد بن أحمد بن محمود بن أبي بكر بغيغ الونكري رحمه الله تعالى آمين. وفي يوم الثلاثاء سادس من شعبان المنير منه توفي الفقيه الإمام المختار بن الإمام أحمد بن الإمام سعيد بن الإمام محمد كداد رحمه الله آمين.

ثم رده فيه بعد عزل القائد مام بن علي التزركيني عاشر من شهر ربيع الثاني في العام السادس عشر ومائة بعد ألف، ومكث فيه عشرين يوماً. وعزل في آخر يوم عنه.

محمد بن علي بن محمد بن عبد الله التزركيني عرف بمام بن علي تولى بعد القائد سنتاع بن فارس في اثنين وعشرين من شوال، وقيل في شهر ذي القعدة آخر عام الخامس عشر ومائة بعد ألف.

وفي مدته وقع البحر في معدك. وفيه وقع الطاعون والغلاء في البلاد، وتسمى زمانه بانا فاسَي. ومدته فيه نحو أربعة أشهر. ثم عزل في عشرين من شهر الصفر فاتح عام السادس عشر ومائة وألف.

ثم رده فيه ثانياً بعد عزل الباشا سعيد بوزيان في أوئل رجب الفرد عام السابع عشر ومائة بعد ألف. وفي هذه المدة في فور ولايته في اليوم السابع والعشرين من الشهر المذكور ولي أسكيا عبد الرحمن بن كرمن فاري عمر سلطنة تسكية بعد ما جرى بينهم من الفتن ثلاثة أعوام من وفاة أسكيا محمد بن الحاج كما مر، حتى جاء شهر موته الذي مضى منه مثل ثمانية عشر يوماً وقع فيهم الموت، وكذا وقع فيه الصلح. ومن حين تولي رجع تنك بكر في نوبة كرمن فاري عَمر، وأخذ كل ذي نوبة نوبته.

وفي تلك المدة تحرك الباشا بمحلة إلى بنك ويقال له محلة لِنك. ثم عزل بعد رجوعه من غزوته في شهر ذي الحجة الحرام آخر عام الثامن عشر بعد ألف ومائة. ومكث فيه سنة وستة أحهر. وفي تلك الساعة في مدته هذه قتل توارق تدمكت ابن أخيه الكاهي بن الحاج بن القائد حمد بن علي.

ثم رده فيه ثالثاً بعد عزلان القائد مسعود بن منصور في شهر ذي الحجة آخر سنة أربع وعشرين ومائة بعد ألف، وقيل في فاتح عام الخامس والعشرين. ثم عزل في شهر ربيع النبوي ومدته فيه ثلاثة أشهر.

محمد بن القائد محمد بن علي بن محمد بن عبد الله التزركيني تولى في شهر ذي القعدة الحرام سابع وعشرين منه آخر العام العشرين ومائة بعد ألف بعد عزل القائد علي بن رحمون المنبه.

وفي هذه المدة حمل الطين لبناء مسجد الجامع في آخر المحرم فاتح عام أحد وعشرين' ففرغ منه في شهر الصفر. وحضر هنا الباشا محمد يومئذ، وهو يوم تتميمه، وعمل له الفاتحة، ودعى له السيد الفقيه القاضي أحمد وإمام المسجد يومئذ الإمام عثمان بن الإمام أحمد. ثم عزل في شهر ربيع الآخر، ومدته فيه ستة أشهر.

ثم رده فيه ثانياً في شهر رجب الفرد سنة سبع وعشرين ومائة بعد ألف بعد عزل القائد باحد. وفي ثاني دولته وفي هذه المدة قتل الفع بني بن القائد حمد الخليف وعبد القادر ابن الحسن سمي وعبد الله كُنب بن كنب. أما الفع بني وعبد القادر قتلهما في الزواي، وروي فيها بعد أن سجنهما أياماً. وأما عبد الله كنب بن كنب جاء به إلى السوق وذبحه في موضع مربط الحمير وعلقة بعقبة على عود منصوب هنالك للجزارين، وذلك في شهر رمضان المعظم وقت السحور من العام المذكور.

وفي تلك الساعة بعث الباشا محمد المذكور الإغاثة إلى قرية شيبي، وعمل عليهم الكاهيان الكاهي بن الغفار بن القائد علي التزركيني والكاهي محمد بج بن القائد سنبير بن منصور. وأمرهم بقتال أهل شيبي وأن يقبضوا عاملهم الظالم المعتدي العامل علي وثقفه في الحديد وجاءوا به. ولما بلغه الخبر هرب واستخفى من أمامهم.

ثم جاءوا إلى شيبي بعد استعداد لحربهم من حين خرجوا من تنبكت وحملوا معهم الأنفاظ [=الأنفاض] جوداري في السلاسل جوداري من القصبة إلى شيبي لكسر البلد. ولما بلغه الخبر خرج هارباً ودخل في قرية من قرى كفار بنبر المسمى دوك ونجا منهم.

ثم وصلوا الإغاثة إلى شيبي وما وجدوه هنالك ومكثوا فيها أياماً. ثم رجعوا إلى تنبكت وتركوا الأنفاظ هنالك، وبقي في البلد مطروحاً فيه من تلك الساعة إلى مدة كبر فرم عبد الله بن كبر فرم عبد الرحمن، وحين ذلك أمر بحملها من شيبي إلى كبر وتركها في كبر مدة، ثم حملها إلى القصبة وهي فيها إلى اللآن.

ثم عزل في شهر شوال آخر السنة المذكورة ومكث فيه أربعة أشهر، وقيل سبعة أشهر، لأنه عزلانه ما كانت إلا في شهر صفر فاتح عام الثامن والعشرين ومائة بعد ألف والله أعلم.

ثم رد فيه ثالثاً يوم الخميس أربع عشر من جمادي الأخرى سنة سبع وأربعون ومائة بعد ألف بعد عزلان أخيه القائد الخسن بن القائد حمد بعد ما مكث سنة وخمسة أشهر ولم يتولّ أحد. وفي فور ولايته ولى الإمام بابا المختار بن القاضي محمد قضاء تنبكت بحضرة جماعة المسلمين في المشوار يوم السبت السادس عشر من الشهر المذكور. ثم طرح أربعة آلاف مثقالاً ذهباً على المسلمين وقبضها منهم. ثم أخذ الرماة فيها بما قسم الله لهم. والجور معدوم في تلك الساعة، غالٍ جداً في البلد حتى بلغت مائتين ودع بواحد. ثم بعد ذلك بقليل استرخى وما طال مدة غلائه.

ثم عزل يوم الأحد ثامن والعشرين من شعبان المنير في تلك السنة، ومكث فيه شهران ونصف شهر.

وممن مات في تلك الساعة نان بين بنت الإمام عبد الرحمن بن الإمام سعيد بن الإمام حمد كداد الفلاني توفيت ليلة الاثنين الثاني والعشرين من الشهر المذكور رحمها الله. وفي يوم الجمعة سادس والعشرين منه توفي الكاهية محمد فُدو ابن القائد عبد الله بن الحاج رحمه الله. وفي ليلة الأحد خامس رمضان المعظم منه توفي القائد عبد الله بن الحاج المذكور ودقن في غده بكرة. وفي يوم الأحد ثاني عشر من الشهر توفي عبد الكريم بن طالب براهيم بن الحاج محمد الدرعي رحمه الله. وفي يوم الجمعة وقت الضحى خامس من ذي الحجة الحرام آخر شهور العام المذكور توفيت نان حفصة بنت الفع أحمد زروق بن الفقيه أحمد معيا بن العلامة الفقيه عبد الله بن أحمد معيا رحمهما الله. وفي يوم الأحد وقت الزوال الثامن والعشرين من ذي الحجة المذكورة توفيت نان أم العيد بنت الفقيه القاضي سيد أحمد بن القاضي إبراهيم رحمها الله تعالى آمين. وفي يوم الأرعاء بعد صلاة العصر ثالث وعشرين من المحرم الحرام فاتح عام الثمن والأربعين ومائة بعد ألف توفي القائد محمد بج بن القائد سنبير رحمه الله. وفي غرة الصفر الخير أول ليلة الخميس منه توفيت نان رحمة بنت القائد على التزركيني رحمها الله. وفي يوم اللاثنين رابع من شعبان من ذلك العام توفيت نان موشي بنت القائد محمد بوي رحمها الله. وفي عشية الأرعاء وقت الاسفرار رابع من رمضان المعظم من ذلك العام توفي القائد مسعود بن القائد سنبير بن مسعود رحمه الله. وفي ليلة السبت أحد وعشرين من الشهر المذكور توفيت نان فاطمة طاغ بنت شيخ المداحين الفقيه محمد بن الفقيه العالم سيدي ابن العلامة سيد أحمد بابا رحمها الله آمين. وفي ليلة الثلاثاء ليلة عيد الفطر توفي شيخ المداحين لأهل جامع الكبير الفع طاغ بن الفع علي بن الفقيه الإمام محمد كورد رحمه الله. وفي بعد غده يوم الأربعاء توفيت يَم رحمة جارية جدنا الفع محمد بن الأمير صوو رحمها الله.

ثم رد الباشا محمد المذكور فيه رابع دولته يوم الخميس رابع والعشرين من شهر جمادي الأولى في العام المكمل خمسين ومائة بعد الألف بعد وقعة تعي ووفاة الباشا حمد مع الجيش. وفي فور ولايته ولي بابا سيد بن القائد زنك كاهية أهل الدين، وولي محمود بن القائد سنبير بن محمد بوي في كبر، وحمد بن تنقراسي ولاه حاكماً للبلد. وفي شهر جمادي أعني هذا الشهر جاء الكاهية إبراهيم بن القائد حمد بن علي من بلد بنب خرج في رسالة الباشا حمد قد بعثه هنالك مع رماة لأجل الرباط حين خروج محملته.

وفي شهر جمادي الأخرى يوم الأربعاء الحادي وعشرين منه قتل التوارق القائد الحسن بن القائد حسين في طريق المرسى عند قفولهم رحمه الله. وفي تلك المدة قتل عامل شيبي قتله كبر فرم في كبر بأمر الباشا. وفي شهر رجب الفرد يوم الأحد سابع عشر منه تحزم القائد علي بن الجسيم على الجيش فقتل معهم من وقت الزوال إلى المغرب، ثم اصطلحوا يوم الأربعاء السابع وعشرين منه.

وفي يوم الأربعاء أحد عشر من شعبان المنير وهي سابع يوم من الشتاء وصل ماء البحر أن أرِبُد. وفي يوم الاثنين ثالث وعشرين من شعبان في تلك العام مطرنا فيه رشاً. وفي ليلة الجمعة السابع والعشرين منه مطرنا فيه وابلاً كبيراً جداً وذلك ثانية خلت من دجنبر. وفي يوم الأحد ثامن وعشرين من رمضان المعظم في تلك السنة وصل ماء البحر إلى جعفر بنك. وفي يوم الاثنين السادس من شوال وصل الماء إلى الخمش.

وفي يوم الجمعة غرة ذي القعدة الحرام آخر العام المكمل خمسين ومائة وقت الاصفرار ذهبت مولاي ذهبي ومولاي محمد بن مولاي الرشيد وسعيد بن قاسم الأندلسي إلى باب دار الكاهية حمد بن الفع منصور وأدركوه من خارج فم داره ورموه بالحريش وجرحوه، ثم هربوا إلى حومتهم كسم بنكوا، فكان فتنة بينهم حتى اقتتلوا، ثم اصطلحوا مع الرماة وحلفوا لهم بين يدي الباشا محمد.

ثم بعث الباشا مرسوله لهم بأن يخرجا من البلد فخرجا فيها وتبعا أغمر بن عالل التارقي في يوم الأحد العاشر من ذي القعدة المذكورة وسعيد معهما.

ثم رجع مولاي محمد الرشيد وسعيد المذكور بعد وصولهم بالمغرب. وأما مولاي ذهبي مشى إلى محلة من المغرب في ناحية المغرب ولات وقد سكنوا هنالك. وذهب عندهم مولاي ذهبي وسكن معهم حتى زوج فيهم. ثم صار إلى بلد سيد سعيد حتى بنا هنالك بلداً جديداً ومكث، وها هو هنالك في الفتنة اليوم.

وأما مولاي سعيد مشى إلى طريق هذا البحر زاعماً أنه سافر إلى جني ومشى في القارب حتى بلغ شيبي عبّر إلى بر-شيبي-هوس وركب حصانه معه في القارب. ثم مشى إلى المحملة لاحقاً مولاي ذهبي، وخان بعد الحلف.

وفي يوم الأحد سادس عشر ذي الحجة الحرام آخر شهور العام المذكور أعني مكمل الخمسين جاء أهل كبر مع إمامهم في البلد عند الباشا محمد وذهبوا إلى داره، ولم يروه وهو مريض بمرض الموت. ومشوا إلى عند الكاهية حمد بن الفع منصور وخبروه بما أتوا به وقالوا له: ما خرجنا من بلدنا كبر إلا الخوف والرعب من التوارق وقد شوشنا ونحن ما نقدر السكون على هذا الحال، وكبر فرم في تنبكت، ليس معنا أحد من الرماة إلا رماة أهل كبر فقط، ولذلك جئنا إليكم أن تقطع من رجال من يسكن عندنا، وإلا فنرحل إليكم.

ثم بعث الكاهية المذكور مرسوله ساعتئذ عند كبر فرم وقال أن يقطع لهم خمسين من الرماة الذين يسكنون مع أهلم كبر. وأبى كبر فرم المذكور وقال: ما يمكن هذا على أيدينا في الحين والساعة. وقال الكاهية لكبر فرم: وإن لم يمكن على يديك فتسلم فيما بقي لك من شهورك في السنة أن أجعل من يسكن معهم. ثم أبى حتى كاد أن يكون الشر والفتنة بينهما. وبعد ذلك عمل عليهم القائد علي بن الجسيم على يد سربة المراكشيين.

وفي يوم الجمعة وقت الظهر أحد وعشرين من الشهر المذكور توفي الباشا محمد المذكور في السلطنة رحمه الله ومكث فيه تسعة أشهر.

مسعود بن منصور بن منصور الزعري عرف بباشا كوري تولى يوم الثلاثاء ثامن والعشرين من الربيع النبوي عام أربع وعشرين ومائة بعد ألف بعد عزل القائد علي بن المبارك الدرعي. وهو رجل مليح جميل الوجه جميل الخلقة أسمر اللون سريح الخاطرة كيس جداً سريع الفهم، نادر المثل فيهم، ابن بنت الملك، شجاع، ومرجل الرجال حين يلقي جامع المال على كل وجه من الوجوه ومحبه جداً. ولكن لم يناسبه بالجود جداً والسخاء ما فيه مروة عند المال.

وفي فور ولايته هذا خرجت سرية إلى كراي في طلب سقنري، وعمل عليهم أخاه ابن عمه القائد الباشا بن القائد المبارك. ولم يظفر بهم بل دخل الخسارة في الرماة ورحعوا مكسورين.

وعزل في آخر من شعبان، ولم يرض بذلك بل مكث في داره بالسلطنة والديوان. وقراءة صحيح البخاري في رمضان عادة معهودة في القصبة للباشات في شهر رمضان، وجعلها فتنة، ولم يمش إلى القصبة. وكلهم على نية واحدة في العزلان. وقاموا له عبد الله بن كبر فرم عبد الرحمن، وقابله أن يتخاصما.

وخرجت قباة في باب داره ليعمل تحته ديوان وإتيان القياد والكواهي، وهم يأتون لأجل ديوانه وتنبيذ قوله ويقولون له: أمر الله ثم أمرك، بلا نية.

وكانت معهم على ذلك الحال من حين قالوا له: ما هنا فيه، من آخر شعبان حتى استهل رمضان جاء القاضي وشهوده والمداحين لأجل فراءة صحيح البخاري عادة. وفرأه له في داره إلى آخر الشهر مشى القائد باحد إلى سنكري عند القاضي سيدي أحمد ونهاه عن القراءة والمشي إليه في داره، وقال له: إنه هو معزول. وحينئذ تركوا وقعدوا ولم يمش بعده. وترك الباشا عما يعمل من الديوان والتباشات وكف عنها. وعند ذلك بين أنه معزول. ومكث فيه خمسة أشهر.

ثم رده فيه يوم الاثنين خامس عشر من رجب الفرد في عام الثامن والعشرين ومائة بعد ألف، وفيه القائد عبد الله بن الحاج العمراني. فصار عليهم سلطاناً مهيباً، وحتى لم يبق له أحد منهم من تحرك رأسه له. وعملوا بعد فتنة بينهم ولا يدخل فيه إلا بحيلة وجعل وحلوف وخيانة الغير منهم.

وبيعه، فعند ذلك أعطوه السلطنة بلا منزع ولا مدافع، فدخل فيه وقهرهم حتى صار الحال حقراً لهم وذلاً وإهانة. وحالت بينهم وبين أسبابهم، وغلقت عليهم كل باب أصابوا فيها من مخزونتهم براً وبحراً على سبيل العادات، إلا ما يخرج منه في أيديهم طوعاً من الراتب والمونات والعطايا إلا بعض الكبراء منهم.

ومدته هذه غير منعمة جداً ورخاء ياسر أو طعام كثير. والجور أكثر من كل شيء، ولم يقل في زمانه شيء، وكذلك الشقة والتأذي.

وما في تلك الساعة عيب ولا مشقة إلا عبيده السود، وهم قد وحلوا الناس بالنهب والسرقة والظلم في كل يوم وليلة. ولم يتولّ أحد في الحكومة ولا في سلطنة كبر سوى أن قام في كبر واحد من عبيده مع المرد بن عمار، وقام في حكومة البلد محمد سرغ بن المبارك بوب الفاسي.

وحاط مطلب شرقاً وغرباً وجنولاً وشمالاً براً وبحراً من البلدان والقرى وجزائر من إقليم تكرور التي كانت تحت أيديهم من حد أرض كيكُي إلى حد أرض جني، وحتى من بلد أروان عند كاهيتها، وحتى عند كرنكي فرم يأخذ منهم حزمات من الحوت اليابس، وهو عادة جارية لمن كان شيخ الروى ولا يأخذه منهم الباشات. وكذلك خراج أهل بكوبير من ناحية بنك من عشى الكناي وغيرها لمن كان المشاورة عادة. وكل ذلك يأخذها الباشا في هذه المدة. ومن أين كانت دية قرى كيص وغيرها فقبضها الباشا. وكذلك ميراث صائبة لبيت المال أو ما أشبه ذلك أو ميراث فيها سبس لأحد من الرماة بعيالة أو بوديعة. فلم يتركها الباشا بسبب ذلك ولا يسلم له فيه، لأجل قوته وقهره وغلبته التي أعطاه الله تعالى عليهم انتقاماً لهم ولكل الناس، وحتى إذا سب عبيده أحد منهم أو أحد من الناس كائن من كان بلسان أعوج أو ضربوا أحدهم أو أحداً من عيالهم ونهبوا شيئاً منهم لم يقدروا أن يشتكوهم عند سيدهم الباشا. وكل من يشكوا أمر عبيده عنده فلم يكلم لهم ولا ينهاهم عن الناس ولو كانت الفققهاء والشرافاء فأحرى من الرماة، لأجل طغيانه عنهم لما سبق من بينه وبينهم قبل هذا الزمان وهي مذخورة عنده. سمعنا أنهم حقروه وذللوه وحتى ضربوه، وحينئذ حقرهم ودخل في تدبير أخذ ثأره فيهم، ولم يجر بهم إلا في هذا الطريق، ولذلك جرى عليهم ما جرى وجمعهم فيه مع المسلمين كلهم، نعوذ بالله من ذلك الزمان.

الحاصل منع كل ذي سطوة سطوته وكل ذي ملك ملكه حتى لا يملك أحد من الناس عبده ولا أمته من أمائه لأجل مماليكه المسمى لغ. وإذا هرب عبد أو أمة من سيدهم لم يذهب إلا عندهم في ديارهم. وإذا مشى عندهم عبد وإلا أمة هاربة لم يردوها لمولاه قط.

وبلغ اسمه شرقاً وغرباً، وأعلا اسمه عن أسمائهم، فلا تسمع اسم أحد إلا اسمه واسم عبيده في تلك الساعة. وجاء إليه مرسول السلطان مرة أو مرتين ببرأته، فيه دعاء ومدح له من عنده، خاصة ما سوى القياد والكواهي والجيش. ثم سافط مرسول السلطان إليه بالهدايا.

وكانت له كرامة وعزاً ودولة وهيبة تزداد كل يوم. وجمع في سلطنته مالاً ممدوداً وجعل خزانة في كل ما صاب منه ولم يطلب في داره شيء إلا وجد فيه مذخراً، كالذهب والفضة وعفيون والملف واللباس والجلود السلق أحمر وأصفر وحمالة متاع السيف والمجدود [=المجذوب] والودعة البيضاء الكثير وأنية من نحاس الأصفر والأحمر الكبارين والحديد والرصاص والأسلحة من المدفع والسيوف والقوس مع نشابها والحرطان الكثير وأنية البيت كلها كالفأس الكثير والمسحة الكثير والمحراس الكثير ومدقها والقدور وجلود البقر كثيراً جداً والحوت اليابس وأصناف الطعام من القمح والروز البيضاء والمغش والبشن والكناي كثير والوسائد والفرش الكبار والزربيات وحتى النعال المضروب المدقوق من جلود البقر. وله فيها حزمات كثيرة.

ثم الخيل والبغال والحمار والإبل والبقر والغنم ومن الخيل في صحنه عشرة من الحمرى مربوطين ولك ما رأيت أن يقود أمامه من العادات حين ركب للملاعبة إلى المصلى من يوم العيد أو يوم السابعة للعيدين عادة فهن له وهي نادر المثل في زمانه من بين أقرانه وكفاك ما حمل له القائد باحد في داره من ذهب حين خرّجوه وهي اثنا عشر ألف مثقال وليس أحد منهم في ملكه ألف مثقال ذهباً.

ولاكن أخذ في أيديهم كل ما يصيبوون منه من رقاتهم وعاداتهم وراياتهم من حين تولى في السلطنة، ولم يصيبوا شيئاَ إلا بما أعدا لهم بنفسه لمن أحبه له.

وممن تولى في الموضاة من الكواهي في مدته كالكاهية يحيى الهندي فكان كاهية لأهل الفاسيين قبل أن يدخل في السلطنة، وكذلك الكاهية أحمد بن القائد باحد بن سالم كاهية لأهل المراكشيين قبل زمانه، وكذلك الكاهية محمد بن القائد بن إبراهيم بن حسون كاهية لأهل الدائرة قبله، وكذلك أخوه المشار إليثه بابا سيد ابن القائد سنيبر، قد نجدهم فيها هكذا. ولم يتول أحد منه إلا الكاهية المبارك بن القائد باركنا كاهية لأهل شراق فقط.

ولى في طريق المرسى ابنه سيد علي لقبض ما خرج فيه من خوفه، وهي من وظائف الحاكم عادة، وعزراء الحاكم تابع لسيد علي. وأما محمد سرغ فلم يتبعوه ولم يقم محمد سرغ المذكور إلا في بعض طريق الحكومة فقط، وابنه سيد علي المذكور ولاه في جل طريق الحاكم كطريق المرسى وأشباهها.

وعمل فيه محدثات وأموراً من ضرب الناس التي لا يستحق أن يضرب مثله، كالفع عبد الله بن الفقيه الإمام إبراهيم بن محمد ونكرقب وشيخ أصحاب الحمار أركُي بلال بن أركي موسى. وقيل أنه ضربه بسوط فأحرى من دونه من أصحاب الحمار. وهكذا عمله بهم كل يوم إلى يوم واحد غضب على واحد منهم في طريق المرسى وأمر عبيده أن يقبضوه، وهرب حتى دخل في روضة ولي الله تعالى الفقيه أحمد معيا. وتركوه هنالك ولم يقدروا أنفسهم أن يدخلوا عليه في الروضة. ثم جاء هنالك سيد علي وحلف عنهم إلا أن يخرجوه من الروضة. وحينئذ دخلوا عنه وقبضوه وجذبوه بالقوة. وأخذ الهارب رجل سرير الروضة بيده فانكسرت حين جذبوه، وكسر يده عنه، وخرجوه له وضربه.

وبعد ذلك بأيام يسير وهو في طريق كران كسرت رجله، وذلك لما تحرك حصانه طاح على الأرض وبقي رجلاه في الركاب متعلق فيه وينفر الخيل به. ولو جاء على الأرض رجع بقدرة الله تعالى. وحملوه إلى داره ومكث فيه موجوع مريض. ولم يخرج بعده إلا يوم خروجه إليه في البلد جاء إلى باب داره بخيل وحمله وركبه على الخيل ومشى معه، وترك في داره كل شيء قد ملئ من المال.

وفي مدته تحرك ثلاثاً. الأول تحرك إلى بر وغزا فيها دَب وهو كفار بنبر، وذلك لما نزل المحلة قرب مدينة دب المذكورة طلب منه القائد علي بن الكاهية سعيد بن يحيى أن يقاتل دب وطاح عنه وخروجه هنالك، وهو ضرر هنالك للقائد علي المذكور لأجل بلده أركرا قريب ولذلك طلب من الباشا أن يخرجه منها. وقال له الباشا لا يجوز للمسلمين أن يقاتل المشركين إلا أن يعرض عنهم الإسلام أو أخذ الجزية، فإن أبوا واحد من هذين فحين ذلك قتالهم فرض، وأنا قاتل معهم ونقتلهم جميعاً إن شاء الله تعالى.

فالباشا المذكور هو رجل طالب كيس سريع الفهم حاضر الجواب طيب المنطق، ويكلم بكلام العربي بلسان فصيح، كاد أن يفصح من بعض العرب، ويؤلف مع أعربان ويمشي عندهم في الخيامة ويزوج منهم. وإذا رأى العالم يكرمه جداً جداً ويسأله عن المسائل، وكذلك إذا رأى طالب العلم يسأله عن المسائل والألغاز ولا يفارق معه حتى يعرف قدره في العلم والمعرفة، فإن عجز عن جوابه ضحك منه وفخر عنه بعلمه.

وقد كان له مدة أن يقرأ فيه عند الفقهاء وجلس بين الطلباء لقراءة العلم، وذلك قبل أن يدخل في السلطنة. وفي ذلك الزمان يزعم أنه برأ من الرماة وترك سبيلهم، ورجع من الفقهاء حتى لا يقال له إلا زاوي باشا، ومكث كذلك سنين. ثم صار لا يطلع الباشا من الرماة إلا عزله خيفة وحتى فتن عنه ورجع فيهم، ثم جعله باشا في المرة الأولى كما مر. ثم رجع فعله لهم متى جعل الباشا عزله خيفة حتى جعله في هذه المرة.

ولنرجع إلى تمام الكلام. وفي تلك المسكن التي سكن فيها دب فليس بغرض للقائد علي المذكور وما غرضه إلا خروجه هنالك لأجل ضررهم لبلده يسمى أركر. ولذلك طلب كسر دب من الباشا بحيلة. ثم بعث الباشا إليه بركي بأن يدخل في الإسلام أو يعطي الجزية، وقال لمرسول الباشا: قبلت ورضيت أمر الله، ثم أمر أسكيا، ثم أمر الباشا، فإن أمرتنا أن نعطي كل ما ملكت يدي بسم الله. وهكذا قال دب لمرسول الباشا. ورجع المرسول وهو بركي المذكور إلى الباشا ليبلغ ما أرسل به، فتلقاه القائد علي في الطريق قبل أن يصل عند الباشا وسأله عما قال دب، وعاود عنه كلامه. وقال له: لا تقل هكذا قال دب للباشا، وإنما تقول له أقبح من كلامه التي قال، وتحول الكلام. وقال للمرسول أن يقول للباشا أن دب قال في جوابك أن: أقول لك إن كنت رجلاً فأنا رجل مثلك، وإن كانت رجال معك وكذلك معي رجال، وإن كان في يدك المدفع كانت في يدي قوس وسهام مسموم، فوالله ما نعديك شيئاً.

وهكذا القائد المذكور لبركي المذكور أن يحكاه للباشا على لسان دب. ومشى بركي عند الباشا وحكى هذا الكلام كما قال القائد علي المذكور، وترك ما قاله دب ولم يسمعه للباشا. وما خرج الباشا بمحلته لغزوة دب البذكور، وإنما خرج به إلا لأهل دبر. ثم مشى القائد علي المذكور عند أهل دبر ومشى بينهم وبين الباشا بالصلح واصطلح معهم على يديه، وأعطوا للباشا أربعوه خيلاً وأربعون خديماً ومائة بقرة على يد القائد علي المذكور. وحول الشر والفتنة إلى دب.

وحين تم كلام مرسوله بركي أمر بقسم البارود ونادى الجيش وأمرهم ساعتئذ أن يطاحوا على بلد دب. وحاطوا به من كل جهة ومكان وكسروه طرفة عين، وخربوا ديار البلد وقتلوا جميع من فيها من الرجال والنساء، وأسروا بعض نسائه وذراريهم، وقتلوا ما لا يعلم حقيقة عددهم إلا الله تعالى. فصارت بلده خالية. وقال تعالى: فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعداز نخل خاوية [الحاقة 7]. وقال في قصة عاد فنهبوا أموالهم.

وما تخلف ورائه من الجيش إلا ستة، اثنين من الفاسيين هما سعيد بن الحاج العمراني أخو القائد عبد الله بن الحاج وضباش موسى، واثنين من المراكشيين عبد الرحمن بن الكاهي أبا بن الحاج وباشوط محمد العنكبوت، واثنين من شراق غنبر الأطرش والقائد بن ناصراج. والحاصل أن جملة الموتى على ما قيل أربعة عشر نفراً، وما سوى الستة المذكورة فهو أرذالي وعبيد.

وكان خروجه من تنبكت بهذه المحلة إلى مرسى كرنذفي في شهر ربيع ثاني في العام التاسع والعشرين ومائة بعد ألف. ومكث في الموضع المذكور، وأخذ الأيام فيها. وبعد ذلك مشى ورجع في آخر رمضان المعظم، وكان دخوله في تنبكت يوم السابع والعشرين من الشهر المذكور. وعمل عادتهم وطاف ودخل سالماً غانماً، فالحمد لله على ذلك.

وفي تلك المدة قبل مشي هذه المحلة ونازل وما تحرك به، سرق التوارق تدمكت خيول الباشا. جاءوا إلى وراء القصبة بليل وطلعوا على فوقه ونزلوا في الداخل. ثم فتحوا الباب وحلوا خيلان في الروى وقادوهما وخرجوا بهما، ولم يفتن بهم أحد إلى الصبح، وهما خيل سرج الباشا، هما معروفان غران محجّلان جميل الخلقة حسن المنظر. وحير الباشا بالسرقة جداً ويؤذه ويمزز به، وعمل الرجال في طلبهما طوعاً. وبعد ذلك ردوهما له بعد أن طلعوهما على رماكاتهم أجمعين حتى لم يبق فيهما قوة. ولذلك غزاهم.

ثم تحرك بمحلته إلى غزوة كوكو. وخرج من تنبكت يوم الاثنين رابع من شعبان المنير في العام المكمل ثلاثين ومائة بعد ألف، بعد ما يعطوا الرواتب. ومشى بالبر إلى كاغ وعمل فيه ما عمل. ثم مشى إلى نحية التوارق تدمكت، وطردهم جداً. وهرب تدمكت من أمامهم، وغاروا على أموالهم وغنموا بها قليلاً وطئ بما يطرحوه. ثم انتهى الباشا من ورائهم إلى أداغ، وهم في حال الهروب غياة. ثم رجع ولم يوصلهم، وذلك في رمضان المعظم من تلك السنة المذكورة. وطلوعه تنبكت عيد الفطر.

ودخلوا سالمين بلا غنيمة حتى زعموا أن الباشا ما يبغي أن يصلوا بهم لئلا يغنموا بمالهم. فليس هو كما يزعم الزاعمون، وإنما ينظر الباشا فيهم إلى عدم الوقوف والثبوت لقتالهم، ولذلك ما ينبغي الوصول إليهم لئلا يقع الخسارة في الجيش من زمانه، كما فعل بهم أخوه حمد في طغي كأنه ينظر في الغيب.

وقيل إنه حدث مثل هذا الكلام وتكلم به حينئذ وهو يقول إنه سمعت من شيوخ الحكماء أنهم يقولون: ستكون في آخر الزمان أحد من حفائد الباشا مسعود بن منصور يخرج بمحلة، وهو باشا إلى غزوة تدمكت، ثم تلقوا معهم واقتتلوا، حتى يهزموا التوارق جيش الباشا ويغلبوهم ويكسروهم كسراً قبيحاً ويقتلوهم قتلاً شديداً، حتى كادوا أن يفنوهم عن آخرهم، ويقتلوا الباشا. ولذلك خفت أن أكون إياه لما تكلم بهذا الكلام.

قال له القائد ناصر بن القائد عبد الله بن ناصر الدرعي: صدقت في ما سمعت من مقالتك، ولاكن ليس أنت هو إياه، وإنما هو في دارك بين إخوانك. أنا وأنت ما حضرنا في زمانه. وقيل إن هذا الكلام ما حدثته إلا في غزوة أنس، وهي غزوة ثالث خرجت به إلى ناحية المغرب.

وفي هذا الطريق في هذه المحلة من مرسى كرن-ظفي، وهو ما زال وما يتحرك إلى المشي، ولى أسكيا المختار بن شمس في سلطنة تسكية، ومشى معه في المحلة.

ثم تحرك ثالثاً إلى رأس الماء من جهة المغرب، فيها أنس بن شنبكفي التارقي، وهرب هو ومن معه من التوارق من قدام الباشا. ولم يدركوهم. وقد أشار الباشا مع قليل من الجيش نحو أربعين رجالاً، وترك الحل ومعه توارق ولده. وقد قال الباشا المذكور في كلامه وحديثه إن الرماة ما يغزى بهم إلا أن يكون عشر مع تسعة قبيلة بعد إجتماعهم، ويكون الرماة عشر منهم. فعند ذلك كل من عمل خصلة منهم فلا يحمدها إلى للرماة. ولأجل ذلك إذا مشى إلى موضع نادى قبائل غير قبيلتي كالفلانيين والتوارق ولد علان والعرب وبنبر وغيرهم، وكل من تبعنا.

ثم رجع الباشا ومعه ولد علان وغنموا بغنيمة كثيرة أكثر من غزوة أغمر من البقر والغنم والعبيد والأماء، ولم ينالوا هو بروحه نيلاً. ولم أجد المسمى ولا للرجوع تاريخاً من الأيام ولا من الشهور، إلا في ذلك العام الذي كان، وذلك في عام واحد وثلاثين ومائة بعد ألف.

وقد كانت عبيد الباشا أن يسلطون عال المسلمين بنهب أموالهم في الأزقات والظلم ونقب بيوتهم بالليل، وكل يوم تزدادوا منكرة على منكرة للناس من أنواع سوء الأفعال وقبائح الأعمال من ظلم وفسد وطغيان بيّن وضلال مبين، وقطعوا طريقاً للمارين إلى السوق أو إلى الجامع. فكل من جاز عليهم إلى السوق نهبوه، وكل من مر إلى المسجد للصلاة جردوه، حتى تركت الناس مشي إلى صلاة الجماعة والجمعة لأجلهم. وفي وقت العشاء والمغرب لا يصلون إلا في بوتهم. وسقطوا مشي المساجد عن أنفسهم في وقت المغرب والعشاء والفجر لأجلهم.

ولا يقدر أحد أن يمشي في الأزقات من الطرقات وبيده شيء من أنية، أو يمسك في ثوبه صرة أو في كمه ودعة أو غيرها أو شيء من الأشياء إلا أن نهبواها منه طرفة عين، ولو كانت أشرف الناس نسباً وأعز الناس كرماً وأجمل الناس وجهاً وأحسن الناس عملاً وأبرّ الناس أجمعين. ولا يميزون بين، ولا ينظرون في وجه أحد من الناس، فكل الناس سواء عنهم بما فعلوا بهم. ولا يقولون في أحد مثل: هذا لا يشبه أن تعملوا له عاراً، ويظلمه. ولا يسبه إلا أن يسبوه سباً فاحشاً، ولو كان شريفاً أو نقيهاً، فأحر الرماة.

ورفعوا عن كل ذي حرمة حرمته وذللوا كل ذي عز عزه وطغى وتمرد وبغوا في الأرض فساداً ودخلوا في بيوت الأولياء والصالحين ويهتكون لسترتهم فيها ويرفعون فيها حرمتهم، كديار أولاد سيدي محمود وحفائد سيدي أحمد بابا وأمثالهم في البلد. وعملوا فيها سرقة وظلماً وفحش الأعمال، والعياذ بالله.

وفي ليلة واحدة دخلوا في دار الفع عبد الله بن الفقيه الولي محمد بن بابا عبد الرحمن بن أحمد المجتهد يسرقوا فيها، واستيقظ أهل الدار وقاتلوهم، حتى قتلوا لهم ابناً صغيراً في تحت أرجلهم، ندسوه حتى مات. ودخلوا في ديار أولاد سيدي أحمد بابا وحملوا لهم متاعاً وأثاثاً وأنية وعقود المرسوم متاع الديار، ولم يتركوا لهم شيئاً في ديارهم.

وفي تلك الساعة لا يقدر صاحب الحانوت أن يفتحها، ولا أن يجلس لبيع والشراء لأجل العبيد. ولا يقدر أحد أن يطوف بما يباع من طعام أو سلعة إلا أن يأخذوها منه كرهاً. وفي كل يوم تزدادوا طغياناً وكفراً وعناداً وتمرداً وظلماً وفساداً في الأرض وقبائح الأعمال وتجريد الناس في كل ساعة وفي كل موضع من المواضع، حتى لا يقدر المساكين أن يلبس خيار ثوبه، ولا يلبس إلا قديماً بالياً. وإن كان له جديد لا يقدر أن يلبسه إلا القديم والبالي الخريق الخسيف، ولا يقدر أن يلبس المغسول ولو في العيد لأجل العبيد. ومن كان له ثوب مغسول أو جديد ولبسه يوماً ومتى رآه العبيد لا بد أن يجيئوا إليه في تلك الليلة ويسألونه عنه، إذا وجدوه أخذوه منه، وإذا لم يجدوه حملوا ما وجدوا في تلك الدار حتى لا يبقى له شيء. ثم ضربوه وكل من هنالك، أو جردوه مع كل من في داره، وجرحوهم بالحديد ولا يتركوه سالماً إلا أن يسلمه الله تعالى منهم.

وظهروا العجائب والغرائب من أنواع الظلم وسوء الأفعال في البلد كشرب الخمر شاهراً ظاهراً ليلاً ونهاراً، ودخول على المسبين في ديارهم كرهاً ويسألون عندهم ما أحبوا، ويعطونها لهم أحبوا أو كرهوا، ولا يقدروا أن يشكوهم عند نزيلهم، وحتى يضربوهم ويحملون مفاتيحهم عن أكتافهم متى لاقيهم في الطريق، وحتى لطمت المبا-بور-كند المعروف بشيخهم الحاج أحمد بن جلون، وسقط في الأرض وجروه. وفي آخر الحال خرجوا ضحىً إلى طريق السوق وجلسوا للمارين إلى السوق، متى جاز أحد قاموا عليه وضربوه بسوط في أيديهم، ولو كان من كائن.

وفي كل ليلة جمعوا في لعبهم فلا بد أن يقتحموا في البلد بعد الفراغ بالسرقة والنهب وإذاية المسلمين. وهكذا يفعلون في البلد ليلاً ونهاراً من حين قدومهم في البلد. وقد نسيت كثيراً من أفعالهم.

فبينما هم على ضلالتهم وطغيانهم وضررهم إذ قتلوا مولاي هاشم بن مولاي أحمد بودي أخا مولاي عبد الله بن مولاي حمد ومولاي محمد ومولاي علي من أب واحد. وذلك أن مولاي هاشم المذكور حضر معهم أي مع العبيد حين إذا أرادوا أن يغصبوا مسكيناً واحداً مولا الحطب أرادوا أن يأخذوا الحطب منه. واستغاث من الهالك مولاي هاشم، فغاثه عنهم. وأراد أن يأخذه منهم، فقتلوه ساعتئذ وهربوا إلى ديارهم، وقد كان يوم الجمعة آخر الشوال سنة إحدى وثلاثين ومائة بعد ألف.

وهذا آخر مصيبتهم، وقامت الفتنة بسبب ذلك بين سيدهم وبين الشرفاء وكبراءهم يومئذ. مولاي عبد الله أخي المقتول هو أخوه الأكبر ابن أبيه وهو رأس الفتنة. ومن حين قتل أخوه مولاي هاشم نزع قلنسوته عن رأسه وحلف بالله أن لا نردّه في رأسي حتى يقضي الله بينه وبين الباشا منصور. وبقي رأسه عرياناً من حين قتل أخاه العبيد إلى أن خرج سيدهم الباشا منصور. ثم رد شاشيته في رأسه.

وعيالهم وكل من فيه سبب لهم تحزّموا كلهم على القائد منصور وعبيده. وأما الشرفاء الذين هنا في تلك الأيام، وهم مولاي محمد ومولاي علي أخو مولاي عبد الله المذكور، ومولاي محمد بن أحمد والد مولاي سعيد، ومولاي حمد، ومولاي الرشيد، ومولاي أحمد بن شريف، ومولاي العربي، ومولاي بو بكر، والله أعلم. وأما أخوه مولاي عبد الرحمن غائب في جني ولم يدركه هنالك.

ثم حزموا كل من كان شريفاً من أهل النسب الصحيح ومن معه من عبيد، وهم حرطانهم. ثم جاءوا إخوانهم في أروان وتفلاة ليعاونهم. وخاف الباشا منصور منهم خوفاً شديداً، لكن اختفاه من أنفسه. وفي يوم واحد دخل عليه أخوه المشاوري بابا منير وكلم معه أمر الوقعة. وسأله عن الرأي والتدبير فيه، وقال له: وما الرأي في هذا الأمر؟ فقال له المشاوري المذكور: وما عرفت من الرأي في هذا إلا أن يعطي لهم العبد القاتل وتقتل لهم عشرة من عبيدك، وهذا ما عرفت من الرأي إن سألتني به.

ثم نادى سيد محمد بن تنغراسي وعاد عنه كلام المشاوري. فإذا سمعه فقال للباشا: ما هذا الكلام والرأي والتدبير إلا شماتة وخيفة. أليس أنت مولى البلد وسلطانه؟ إذا أنا أجد منك أن لا تتبع هذا الرأي، ولا تقتل عشرة من عبيدك. إذا رضي الشرفاء أن تقتل لهم واحد فتقتله لهم.

ثم سمع كلام سيد محمد عن كلام المشاوري، وتبعه وفعل به، وقبض عبيداً من عبيده، وهو أصغر العبيد، وهو لم يعرف به شيئاً ولم يستيقطه شيء إلا أن يقبضه. ثم ركب الباشا منصور وساقه إلى السوق وقتله هنالك. وقيل أن دمه طار حتى يصله وهو راكب عن فرسه.

الحاصل لم ينفعه من الشرفاء، وما زال الشرفاء على عزمهم. فلما رأى ذلك الشرفاء وحققوا أنه لم يعمل شيء في هذا الأمر سوى قتل هذا العبيد فقط فهموا من أنفسهم بأنهم لم يقدروه بأنفسهم إلا أن توافقوا عليه مع أحد من الرماة. وحينئذ طلبوا من القائد باحدوا على أن يدخل معهم. وتوافقوا وعاقدوا على أن يعطوه خمس مائة مثقال ذهباً. ثم بعد ذلك تركه لهم بحرمة جدهم صلى الله عليه وسلم.

ثم تحزم عليه الشرفاء فوقدوا نار الفتنة وحمروا وجوههم عنه. وارتحلوا إخوانهم الذين كانوا في البلد إلى حومتهم كسم-بنك، واستكملوا فيها، وذلك في آخر ذي القعدة الحرام العام الحادي والثلاثين ومائة بعد ألف.

ثم أمر الباشا منصور في يوم الخميس عشية سابع وعشرين منه أن يبرح البراح إلا فليخرج كل من كان شريفاً وإخوانه في البلد، ولا يقعد أحد منه معه في بلده، وهذا البلد بلده.

وفي غده يوم الجمعة ثامن والعشرين منه تحزم عليه القائد باحد ولبس لامة الحرب، وتبعه من معه من الرماة وعبيد وأهل حومته وخاصته تنبكت وعامته سراً، وضرب عليه المدفع، وقال: ما كنا فيه نادياً. وهي كلمة يعزلون به باشاتهم على عادتهم القديمة.

فلما مسعه الباشا منصور قال قد غر باحد نفسه وواقعه إلى التهلكة فسيأتيني رأسه إن شاء الله وكانت فتنة بينه وبين أهل تنبكت كلهم أجمعين، حتى قيل أن القائد باحد صعد من ينادي عليه في الناس أن يجاهدوه فالجهاد في سبيل الله على مسجد الجزولي.

ثم رجع القائد باحد إلى داره يومئذ. فلما رجع اشتد لقتاله وحقق لخصومة بينه وبين الباشا ظاهراً، حتى أصبح صباح يوم السبت أن سلخ شهر ذي القعدة المذكور بكروا عليه بالقتال وحاطوا عليه وحوطة جامع الكبير وضيقوه، وسلكوا عليه في جميع طرقاتها إلى أن دخلوا دار ربيبه محمد بن التنغراسي ونهبوا جميع ما فيه طرفة عين. ثم شرعوا يريدون الدخول إلى داره، وهو على فوق داره يقاتل بهم، وضرب مدفعه تارة يحول إلى الشرفاء وتارة إلى الرماة ورجاله وعبيده في الحومة، وليس معه أحد في داره إلا ربيباه سيد محمد وأخوه أحمد، حتى حقق أنه مغلوب وحقوا تباعه وإخوانه أن النصر ليس لهم في هذا اليوم. وقد دنى الرماة إلى داره حتى جاءوا إلى باب دار القائد علي بن إبراهيم.

ومن حينئذ ركب حصانه مع أناس من أتباعه كالقائد يوسف بن عبد الله وسيد محمد بن تنغراسي وأخوه حمد وأبنه سيد علي-وهو مريض مكسور الرجل كما مر-وكل من لا يقدر أن يفارقه من الرماة وغيرهم، ومشى إلى نحية المغرب. ثم طاف حتى جاز على مرسى كبر، وساق بقراته من أمامه.

ثم خرجوا الشرفاء، وفيهم رابح بن الحاج العمراني، وتبعوا إثره قليلاً ورجعوا، ولم يوصلوه ولم يوصله أحد منهم إلا الكاهي رابح وحده، حتى قيل أنه وهب له من بقراته. ومشى وهو معزول، وذلك يوم السبت آخر الشهر ذي القعدة آخر سنة إحدى وثلاثين ومائة بعد ألف. ومدة مكثه فيه ثلاث سنين وخمسة أشهر.

محمد بن القائد محمد بوي بن الحاج بن داوود الشطوكي تولى يوم الأحد ثامن من شوال آخر عام الثامن والثلاثين ومائة بعد ألف، بعد عزل القائد عبد الله بن الحاج العمراني في خامس دولته. وما تحرك بشيء حتى عزله يوم الأربعاء في أواسط ذي القعدة آخر السنة المذكورة ومدته فيه ثمانية وثلاثون يوماً.

محمد بن القائد منصور بن الباشا مسعود بن منصور الزغري عرف بالقائد محمد بح تولى بعد عزل القائد عبد الله بن الحاج العمراني في سابع دولته يوم الجمعة ثامن وعشرين من الربيع النبوي في سنة خمس وأربعين ومائة بعد ألف، وذلك لما اتفق عليه الجيش، وهو غائب في كيس يومئذ. بعثوا له بالمجيء، فجاء عشية الخميس السابع والعشرين من الشهر. وبات أهل الدائرة فم داره في تلك الليلة.

وفي غده يوم الجمعة ولوه باشا. وولى لكل ذي نوبة نوبته، وولى الحسن بن القائد حمد بن علي التزركيني كاهية للفاسيين، ومحمد بن القائد باحد كاهية للمراكشيين، والفع إبراهيم بن القائد حمد التزركيني كاهية لأهل الدائر، وسعيد بن القائد علي التزركيني حاكماً، وحمد بن القائد سنيبر أخو الباشا المذكور مشاوراً، وبابا سيد بن القائد أحمد زنك ولاه كبر فرم، وأعطى كل ذي نورة نوبته. وكان ذلك يوم الأربعاء ثالث من ربيع ثاني.

وبعد ما مضى سبعة أيام من يوم طلوعه بخمسة أيام غاروا توارق تدمكت على جزيرة يندبغ، وذلك يوم الأربعاء العاشر من الشهر. وغاروا على جميع ما في الجزيرة، وحملوا فيها ستة عشر أو سبعة عشر سراحاً لأهل الجزيرة، وفيها بقرات القائد منصور. ومن الشاة حملوا فيها ثلاثون سراحاً، ومن الخدام حملوا فيها أحد وثلاثين خديماً. وعدد جملة ما حملوه من الوصائف مائة غير واحدة. وقتلوا اثنين من أهل جزيرة، وحملوا من مركوباتهم. وذلك كان بعد طلوع الباشا المذكور.

وطرح الباشا ألف مثقال ذهباً على المسبين، وأخذه ولم يعط لأحد من الرماة شيئاَ. ثم عزل يوم الأربعاء خامس عشر من جمادي الأولى. ومكث فيه شهراً وسبعة عشر يوماً.

محمود بن القائد سنيبر بن القائد محمد بوي الشطوكي تولى يوم الجمعة ثالث وعشرين من الربيع النبوي سنة تسع وخمسين ومائة بعد ألف، بعد عقب القائد بابا سيد بن القائد أحمد زنك ثاني ولايته من عام ماض. ومدته أربعة أيام. وعزل يوم الثلاثاء السابع وعشرين منه.

تم أسماء حرف الميم.

حرف العين

عمار الفتى

علي بن عبد الله التلمساني

علي بن عبد القادر الشرفي

علي بن مبارك الماسي

عبد الرحمن بن القائد أحمد بن سعدون الشاظمي

علال بن سعيد الحروسي تولى بعد عزلان القائد محمد بوي يوم واحد وعزل في ذلك اليوم.

علي بن عبد العزيز الفرجي تولى في أواسط عام أحد وسبعين وألف بعد عزل الباشا حم بن عبد الله. وفي ولايته وقع وقعة الفق طندَي. وفيه أخرج محملة إلى مغارات توارق غال موسى. ثم عزل يوم الثلاثاء ثاني عشر من جمادي الأولى عام اثنين وسبعين والألف. ومكث نحو أحد عشر شهراً.

علي بن باشوط محمد بن عبد الله التزركيني عرف بابن أخراز تولى يوم خلع المعزول الباشا علي بن عبد العزيز يوم الثلاثاء ثاني عشر من الشهر المذكور عام اثنين وسبعين وألف. ومكث فيه ثلاثة أشهر. وعزل في ذلك العام، أعني عام الثاني وسبعين ولم يتحرك بشيء.

عمار بن أحمد عجرَود الشرقي الراشدي ولي في أواسط جمادي الأولى بعد المعزول الباشا علي بن محمد التزركيني سنة ثلاث وسبعين والألف. وفي فور ولايته تحرك إلى غزوة جاور. وغزوه وغاروا عليه، ونصره الله عليهم. ونهبوه أموالهم.

وعزل يوم السبت سادس وعشرين من صفر في فاتح عام سابع وسبعين والألف. ومكث في الولاية ثلاث سنين وتسعة أشهر وتسعة أيام. وفي هذه الساعة ابتدأ التكرار في السلطنة ورجوع الباشا المعزول بعد العزلان ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً. ومنهم من تكرر فيه ثمان مرات. فأول ذلك القائد محمد بوي بن الحاج، وهو الذي تولى بعد هذا المعزول الباشا عمار بن أحمد عجرَود المذكور أيضاً. وأما الباشات الذين مضوا قبل لم يتكرر أحد منهم.

عبد الرحمن بن سعيد الأندلسي عرف بابن سعيد ونظام تولى يوم الثلاثاء تاسع من ربيع الثاني عام الثامن والسبعين والألف بعد عزل القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي. ومكث فيه عاماً واحداً. ثم عرل في آخر ربيع الثاني من العام القابل، سنة تسع وسبعين والألف.

عبد الرحمن بن محمد كري الشرقي الأنهدلسي تولى بعد الباشا محمد بن علي المبارك الدرعي ضحوة الثلاثاء ثالث وعشرين من جمادي الأولى عام أربع وثمانين والألف. ومكث في أربعين يوماً وسلم فيه.

علي بن براهيم الدرعي تولى في رابع يوم من رجب الفرد سابع شهور عام الرابع وثماني وألف في عقب المعزول الباشا عبد الرحمن المذكور قبله. وتحرك إلى أولاد غُرك، خرج بمحلته يوم الأحد عشرين من صفر الخير فاتح سنة خمس وثمانين وألف، ودفع في المرسى في رابع من شهر الربيع النبوي، ومعه أسكيا محمد صادق. ورحل الشيخ محمد بن طاهر صبيحة يوم الخميس ثمانية وعشرين من المحرم.

وأما محلته غاروا على أولاد غرك ونصره الله عليهم، ورجع بالغنيمة والسلامة إلى تنبكت. ثم عزل يوم السبت أحد وعشرين من شعبان سنة ست وثمانين وألف. ومكث فيه سنتين وشهرين.

عبد الله بن محمد بن القائد حمو الدرعي عرف بابن القائد عبد الله حسو تولى يوم السبت سابع عشر من جمادي الأخرى عام التاسع والثمانين وألف، ولي في عقب سعيد بن عمر. ويسمى زمانه باشوركي أج.

وفي يوم الأحد ثامن عشر من الشهر هدمت صومعة مسجد سنكري وهدمت صفاً واحداً من الجامع الكبير. ومكث في السلطنة سنة واحدة في العام المكمل تسعين.

ثم رد القائد عبد الله المذكور فيه ثانياً في آخر السنة المذكورة. ولبث فيه نحو سبعة أشهر.

عبد الرحمن بن باشوط بوزناد عرف بزنك تولى بعد القائد الفع بنكانوا في آخر ذي القعدة الحرام عام الرابع وتسعين والألف بعد فتح خصومة تنَور يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة المذكور، وكل ذلك كان في سنة واحدة. ثم عزل في شهر جمادي الأولى من أواسط عام الخامس وتسعين وألف بعد مكثه فيه ستة أشهر.

علي بن حميد العمري تولى بعد موت الباشا مامي العلجي في آخر سنة خمس وتسعين وألف. ومكث فيه سنة واحدة. وفي ولايته تولى أسكيا محمد بن الحاج في سلطنة تسكية بعد ما وقع المخالفة والخصومة بينه وبين كرمن فاري عمار.

واستكمل علي القاضي إبراهيم بن الفقيه عبد الله وأعطاه النوبة بعد أن أقامه فيه الباشا محمد بن بارضوان الهالك المذكور قبل، وكمل عليه. ثم عزل الباشا المذكور في آخر ذلك العام، أعني آخر سنة ست وتسعين والألف.

عبد الله بن القائد ناصر الأعمشي تولى بعد عزل القائد سنيبر بن محمد بوي في شهر جمادي الأخرى سنة سبع ومائة بعد ألف. ومكث فيه خمسة أشهر. وعزل في شهر شوال آخر السنة المذكورة.

علي بن القائد محمد بن شيخ علي الدرعي تولى بعد القائد محمد بن محمد سيد من توليته يوم واحد في شهر جمادي الأولى سنة تسع ومائة بعد ألف، وقيل في جمادي الأخرى. ومكث سنة أو سبعة أشهر. ثم عزل في شهر ذي القعدة آخر العام المذكور.

ثم رد فيه ثانياً بعد عزل القائد يحيى الفشتان في شهر رجب الفرد عام ثاني وعشرين ومائة بعد ألف. ومكث فيه أياماً يسيراً. ثم عزل.

ثم رده ثالثاً بعد عزل القائد محمد بن القائد حمد بن علي في شهر الصفر فاتح عام ثامن والعشرين ومائة بعد ألف. ومكث في أياماً يسيراً. وعزل في شهر الربيع النبوي.

عبد الله بن القائد ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني تولى بعد عزل القائد يحيى الفشتان في شهر الصفر فاتح عام العاشر ومائة بعد ألف. ومكث فيه شهراً واحداً وأربعة أيام. وعزل في شهر الربيع النبوي ثالث شهور العام المذكور.

وتكرر فيه خمس مرات والمرة الثانية رد فيه بعد عزلان القائد حمد ابن علي في ثالث دولته، ولم أجد لدخوله تاريخاً. ومكث فيه ثلاثة أشهر. ثم عزل في آخر ربيع الثاني في عام الثالث عشر ومائة بعد ألف.

وفي المرة الثالثة رد فيه بعد خلع القائد يحيى الفشتان في شهر المحرم-والله أعلم-فاتح عام السابع عشر ومائة بعد ألف. ثم عزل في شهر الصفر ثاني شهور المذكور.

ثم رد فيه في الرابع في شهر المحرم الحرام فاتح عام المكمل عشرين ومائة بعد ألف بعد عزل القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي، وقيل في آخر الشهر. ومكث فيه شهرين وأياماً يسيراً. وعزل في شهر الربيع النبوي من ذلك العام. وفي ذلك الشهر خرج الجيش إلى قرية تنور، زعزوا أنهم لقطع الطريق للمارين على البحر من المسافرين. ومكثوا هنالك نحو خمسة أشهر. ثم ذهب إليهم علماء البلد وفقهاؤها أن يصلح بينهم وأن يصلح البلد في شهر رجب الفرد. فأبوا لهم وقالوا: إلا أن يوافقوا على أحد منا ونعلموه باشا.

ثم في المرة الخامسة رد، أعني القائد عبد الله بن ناصر التلمساني، وذلك في شهر المحرم الحرام فاتح عام الرابع والعشرين ومائة بعد ألف في يوم واحد. وعزل في ذلك اليوم.

علي بن مبارك الكاهي علي بن مبارك الدرعي تولى بعد عزل الباشا بابا أحمد بن منصور في شهر المحرم الحرام فاتح عام الخامس عشر ومائة وألف. ومكث فيه شهرين وعزل.

ثم رد فيه ثانياً بعد عزل القائد عبد الله التلمساني في خامس دولته في شهر المحرم الحرام فاتح عام الرابع والعشرين ومائة وألف، وفي نسخة أخرى في صفر الخير في هذه السنة المذكورة. ومكث فيه شهرين. ثم عزل في شهر الربيع النبوي في تلك السنة.

وفي أيامه يوم الأحد تاسع عشر من الربيع النبوي منه خربت قرية أمزغ على يد توارق تدمكت ورئيسهم يومئذ أكرام بن الأول وخلاها إلى الآن.

علي بن رحمون المنبه تولى بعد عزل القائد عبد الله التلمساني في رابع دولته، وذلك أنه قد اتفق عليه الجيش في قرية تنور في شهر رجب الفرد عام المكمل العشرين ومائة بعد ألف. ثم جاءوا به إلى البلد وكملوا عليه.

وفي فور ولايته قتل الفلالي بن عيسى البربوشي في السوق صبراً. وأما سبب قتله أنه قتل مولاي حمد المعروف بالشريف بِرُكي، ولذلك قتله الباشا علي المذكور. ثم عزل في شهر شعبان المنير. ومدته فيه شهرين. ومكثوا ثلاثة أشهر ولم يتول أحد بعده في السلطنة.

وفي شهر ذي القعدة آخر العام المكمل العشرين ومائة بعد ألف خمسة أيام منه قتل عبد الرحمن ولد ظُنكول الصديق بن القائد مامي، رماه بحريش وصادفه في كتفه وهو راكب عن فرسه وسقط ميتاً. ثم جمع الناس مع أهل المقتول على القاتل وقتلوه شر قتلة في ذلك اليوم.

ثم رد القائد علي بن رحمون المذكور ثانياً بعد عزلان القائد مام بن علي في ثالث دولته وذلك في شهر ربيع الآخر عام الخامس والعشرين ومائة بعد ألف. وفي تلك المدة جاء كشيخ في بلد تنبكت سلطان المِدان وسافطه وعطاه اثنين من الخيل أحمر وأشهب مع ثياب، ورجع إلى ناحيته. ثم عزل في شهر رجب. ومكث فيه نحو أربعة أشهر.

عبد القادر بن علي بن محمد بن عبد الله التزركيني تولى بعد عزل القائد يوسف في ثاني دولته في شهر رجب، وقيل في شهر شعبان، عام الثالث والعشرين ومائة بعد ألف. وفي مدته ابتدأ الغلاء المفرط المسى مِن كيكي، وداوم الغلاء وعم في البلدان وبلغ الغاية والنهاية. ونزل الصرف إلى سبعمائة ودع. وفي تلك الساعة ابتدأت كيل القدح في بلدنا تنبكت، وهي أربعين نفقة، وبقي فيها إلى الآن. وأما قبل ذلك ما يبيعون الناس إلا صنية منصوبة، وما يعرف الناس بيع القدح إلا في تلك الساعة. وداوم الغلاء وتتبع سنة بعد سنة إلى أن سبع سنين. وما ينتهي الناس في الغلاء إلى العام الثامن والعشرين ومائة بعد ألف نعوذ بالله من ذلك وأمثاله.

ثم عزل في شهر ذي القعدة الحرام آخر العام الثالث والعشرين ومائة بعد ألف. ومكث فيه خمسة أشهر. وكانت العزلان في آخر الشهر.

عبد الله بن الحاج العمراني رد في السلطنة سبع مرات على ما حققت، المرة الأولى في شهر رجب الفرد عام الخامس والعشرين ومائة بعد ألف بعد عغزلان القائد علي بن رحمون في ثاني دولته. وجاء عليه الوافي بن طالبنا حفيد سيد أحمد أغادو ولاه قاضياً لبلد أروان.

ثم أرسل كاهية أهل الدائر مع رماة الكاهي محمد بن القائد براهيم-هو كاهية يومئذ، فطرده أهل جني ومنعوه الدخول في بلدهم إلى أن رجع. وبعد رجوعه من جني خرج فقهاء البلد أي بلد جني ووقع في عقبهم إلى أن دخلوا في تنبكت. وأتوا إلى الباشا لطلب الحرمة لجيش حتى الذين فعلوا لمرسول الباشا ما فعلوا. ثم سامح لهم في الأمر وترك. وفي تلك الساعة من المجيء رأيت الفقيه محمد تنانطاع من جملة الفقهاء، ولم أره بعده إلى هلم جراً. ثم سافروا ورحعوا لبلدهم. ثم عزل الباشا في شهر ذي الحجة آخر سنة خمس وعشرين ومائة بعد ألف. ومدته فيه ستة أشهر.

والمرة الثانية ولي فيه بعد عزل القائد باحد بن يحيى في شهر شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف. ثم عزل في ذي الحجة آخر السنة المذكورة. ومكث فيه نحو ثلاثة أشهر.

والمرة الثالثة ولاه بعد عزل القائد علي بن محمد بن شيخ علي في آخر دولته، وكان ذلك في عشية الأربعاء ثالث وعشرين من الربيع النبوي عام ثامن وعشرين ومائة بعد ألف. توفلى فيه وهو مجروح بالرصاص ضربه في فخذه يومئذ، وهو يوم قتل القائد باش بنب.

وسبب ذلك أن القائد مسعود خرجت قباؤه مع كل من تبعته من الرماة، وعمل عليهم سيد محمد بن تنغراسي، وصرفهم إلى مرسى كبر، وأمرهم أن يحبسوا القوارب هنالك حتى أن يجيء بنفسه. فكل ما جاء من قارب فلا ينزل متاعة منه إلى أن يقدم. وما لا يدفع من قارب فلا يدفع حتى نقدم إليكم. وباتوا في كبر على ذلك ليلتئذ.

وكل ذلك ما فعله إلا لطلب السلطنة. ثم باتوا في كبر أيضاً، ولم يمش إليهم إلى صبيحة يوم الأربعاء ثالث وعشرين من شهر الربيع النبوي. خرج إليهم القائد مسعود زاعماً أنه أراد فتنة بالجيش كلها. ففطنوا به وكلموه من بينهم في تلك الليلة وحلفوا متى إلى المرسى نلقاه في الطريق ونردوه أو نقاتلوا معه.

فإذا أصبح تحزموا وخرجوا إلى طريق المرسى. وخرج معهم كبراء البلد وفقهاؤها وشرفاؤها كالقاضي سيد أحمد وشهوده وإمام المساجد وبعض قياد الجيش وكواهيه مع الرماة كلهم بسلاحهم وحزامهم. وممن حضر هنالك يومئذ من القياد كالقائد أحمد موك والقائد محمد بن القائد حمد والقائد عبد الله بن الحاج والقائد يوسف بن عبد الله والقائد ناصر والقائد باحد والقائد باش المقتول يومئذ، ومن الكواهي الكاهي علي بن سعيد بن يحيى والكاهي المبارك بن القائد مسعود والكاهي ربح بن الجاج والكاهي عبد الغفار بن علي، ومن دونهم من الرماة، ومن الشرفاء كمولاي الكبير بن عبد الرحمن ومولاي بكر بن حمد ومولاي عبد الله بن حمد بودي وأخوه مولاي حمد، والفقهاء وأهل البلد وسائر الناس الذين جاءوا لرؤيتهم الحاصل. وما جاءوا إلا لأجل الصلح بينهم متى خرج القائد منصور أن يصلحوا بينهم.

فلما تم الجماعة في الطريق من موضع هنالك يسمى سيع كرى ضربت ثلاث مدافع مرصص في الجماعة. وصادف واحد بالقائد باش في رأسه، وهو راكب، وسقط عن فرسه ميتاً، ولم يعرف من قتله. وواحد من الرصاص ضربت خيل الكاهي علي بن الكاهي سعيد بن الباشا يحيى وقتله ساعتئذ، وحول على خيل المقتول إلى أن جاء في داره. وواحدة من أحد الرصاص صادف بالقائد عبد الله في فخذه وبقي فيه ولم يخرج إلى أن مات.

ولما مات القائد باش بن مبارك انتشرت الجماعة وشططوا إلى أن دخلوا في البلد هاربين، والقائد منصور قد مشى إلى كبر عند رماته وعبيده. وتركوا المقتول مطروحاً هنالك إلى العشية وقت العصر، وحينئذ حملوه وغسلوه وراء روضة سيد أبو القاسم ودفنوه هنالك. والقائد منصور في كبر ولم يجيء إلا بعد المغرب ودخل في داره.

وأما الجيش متى دخلوا في البلد اجتمعوا وتكلموا أمر السلطنة ووافقوا على القائد عبد الله المذكور وولوه باشا ثاث دولته. ثم بعد الإصفر يوم توليته-وهي يوم موت القائد باش بن القائد المبارك-دخل الباشا عبد الله المذكور مع الجيش في دار القائد منصور-وما زال في كبر-وحملوا فيه ما أمكن لهم حمله في ذلك الوقت من المتاع والثياب وأنية البيت.

فبينما هم كذلك إلى بعد صلاة المغرب إذ جاءهم القائد منصور مع رماته وعبيده، وصاحوا عليهم وضربوا الآلات والبوقات والدفوف. ثم خرج من في الدار، بعضهم سطع فوق الدار وسقط إلى ورائه وهرب، وبعضهم دخلوا في بيوت الحومة إلى أن وجدوا الفلتة وهرب، وخرج الباشا ساعتئذ إلى داره، وقيل أنه ترك نعله في تلك الدار لأجل سرعة الخروج منه حين وصل القائد منصور باب دار الفقيه الجاج عبد الرحمن بن إسماعيل يور.

وخرج الباشا مسرعاً بعد أمر أن يسمّر قفول مخزن داره بالمسمار. وسماره باب جم الحداد وهو شيخ أكحل قبيح المنظر، واحد من حفائد جم كرى، خرج بعد ما سمر القفول ومشى إلى داره ونام ولم يعرف خبر بمجيء القائد منصور ولا بخروج الباشا عبد الله في دار القائد منصور إلى الصبح. فلما أصبح مشى إلى دار القائد منصور ودخل ووجده في داره ولم يشعر حتى يدركه فيه. وقال له: أنت الذي أمر عبد الله بن الكاهي الحاج أن تسمر أبواب داري؟ فتحير حينئذ وارتعد وقال له: ما جئت في هذه الساعة إلا لسلام عليك. فقال له: اخرج علينا. فخرج وسلم منه.

وقتل عبيده شريفاً واحداً يسمى أبو كبر الشريف، وهو رجل مخلط العقل، على عتبة دار سيدهم وقت دخول القائد منصور في داره في تلك الليل. وصادفه في يده قنديل الشمع ولم يعرف شيء منهم، ولا يعرف شيء لمن جاء أو لمن يذهب، رحمه الله تعالى.

وفي غده نادى القائد منصور الإمام عبد الكافي بن الإمام عبد الرحمن إمام جامع الكبير وقال له: سبحان الله يا عبد الكافي أنت الذي جئت أمس وتزمم متاعاً لعبد الله بن الكاهي الحاج في دارنا؟ وقال: بلى جثت في دارك وزممت له متاعك، لكن ما جئت بنفسي، وما جئت إلا برسوله جاء إلينا في داري وقال لي: أجب الباشا، ها هو في دار القائد منصور. وكذلك أنت يا القائد منصور إذا مشيت في دار القائد عبد الله وبعث لي مرسولك أن ينادينا فلا بد لي بإجابة نداءك ونتمثل أمرك في داره. وحينئذ سكت ولم يتكلم.

وحين أصبح القائد منصور في داره قامت الفتنة بينه وبين الجيش، والعياذ بالله. وابتدأوا بدار القائد علي بن الكاهي سعيد بن الباشا يحيى الغرناطي، وطاحوا عليها ونقبوها من ورائها، وضرموا فيها ناراً من فمها، وقتلوا فيه واحداً من أخي القائد علي المذكور اسمه الكاهي معي من أولاد الندلس، شجاع جداً. هو الذي قاتل معهم وحده بكثرتهم.

والقائد المذكور كان في حومة ساري كيني عند القائد أحمد زنك في وقت القتال. ثم جاء مرة إلى تحت صومعة سيد يحيى عند باب دار جده الباشا يحيى وطلع على الأزقة وبيده مدفعه، وحمل على واحد من عبيد القائد منصور الذي ذاهمهم في الأزقة اسمه علي، وانتظره حتى يتوجه إليه فلما ولى مدبراً ضربه بين كتفيه بالرصاص، وكب على وجهه ميتاً.

ورجع ساعتئذ إلى سري كبني أيضاً حتى حقق من أين كانت زوجته وأولاده وعياله، ومن حينئذ رجع في حومته مسجد يحيى، وسكن في دار الفع علي بن الفع محمد مود، وترك سكنى داره، ولم يرجع فيه إلى أن مات في دار أخيه الأكبر بابا سيد. ومكث فيه بعد ارتحاله في دار الفع علي المذكور حتى مات. ومن حين اصطلحوا سكن في دار القاضي ميمون. ثم دار أخيث بابا سيد هي التي مات فيها.

فلما اصطلحوا وعملوا القائد منصور باشا اصطلحوه معه وطلعه قائد البنى سعدون، وقيل أنه أعطيه خمس مائة مثقال بعد الصلح.

وابتدأت الفتنة بينهم وحميت من يومئذ وداوم في البلد أربعة أشهر. وحدث في هذه الفتنة ما لا يفنى بينهم أبداً من الأمور العظام وخداع ومكر مما لا يجري بينهم قبل ذلك ولم يسمع أحد بمثله قط، لا من الأسلاف ولا من الأخلاف. من ذلك دخول التوارق وكفار بنبر بينهم، حتى آل الأمر أن تسلطن علين أغمر وعلى جميع الناس مما هو تحت أيديهم.

وأما القائد عبد الله بن الحاج فقد مكث في داره ولم يرجع إلى القصبة بعده ولو مرة واحدة حتى استكمل الفتنة وعزل. وأمر القائد عبد الله في الفتنة أن ينادي مَرُ-هو بنبري حبيب له-ليعاونه من تلك الفتنة، وجاء بمن كان وراءه من أتباعه، وجاء مع بوقاته الكبار بقدر قامة رجل. متى نفس ضاربها فيه يسمع صوته كل من كان في البلد من أين كان.

ومكث هنالك عند الباشا في تلك الفتنة نحو شهرين يلعبون له كل يوم بعد العصر إلى أن غربت الشمس من خارج باب داره بقوسهم ويضربون دفوفهم وبوقاتهم والآلات، حتى اصطلحوا الرماة، ومشى إلى بلدهم. ولم يقاتلوا للقائد عبد الله ولو مرة واحدة.

وأما القائد منصور فقد أتى توارق تدمكت ورئيسهم يومئذ البارقي بن ألل أخو أغمر، هو أكبر منه، ناداه القائد منصور ليعاونوه، فأجابه بمن كان وراءه من التوارق. ونزلهم عند معدك من جهة الشمال في رحبة يسمى سركل جينواي مصلى السلف الماضين من عهد أهل سغي. وعمل لهم قباوة وفرش وكركتون وموائد مليح كبير كثير.

ومكثوا عند القائد منصور كذلك يمشي بالناس إلى كبر ويجيء، وكل من يحتاج إلى كبر لا يمشي إليه إلا معهم وبأمره. وبقوا هكذا إلى أن يستكملوا له مدة الفتنة، وهم معه متلذذون من الأكل والشرب واللباس والهدايا حتى يفنى بينهم الشر واصطلحوا وطلعوه باشا. فعند ذلك مشى الباقي مع توارقه إلى جهة القبلة ومات في الوقت بعد خروجه من هنا بقليل. وبعد وفاته ولوا تورق تدمكت أغمر بن ألل.

وفي هذه المدة توفي فندنك جلاجي صاحب ماسنة. وتولى بعده كداد، وهو فيه اليوم، أطال الله بقاءه فيه آمين.

ومما أحدثوا في هذه الفتنة كالبناء في أزقات البلد، والبناء على الحيوط من فوق للطلوع لأجل ضرب المدفع فيه بالرصاص، ورمي الرصاص باطلاً، والقتال من أركان البلد كلها وجهته كلها في كل يوم من الأزقات والرحائب مع العياط والصراخ، وكذلك أيضاً حرق بيوت الناس من الحشيش للضعفاء والمساكين، ورمي الرصاص والحريش والنشاب في وسط البلد بالطلاً، وقتل الناس بلا موجب في حال المشي من البلد، نسأل الله تعالى العافية. ولا يقدر أحد أن يمر في وسط السوق المعروف في حال المشي أربعة أشهر، حتى ينبت النبات في أرضها حين نزل المطر. ثم امتدوا فيها حائطاً مبنياً بطين ولبن ليحاطوا بينهم.

وتسوّق في البلد في ثلاثة مواضع كل يوم. واحدة منهن بوب كَين، وهي أكبر منهما لأهل ساري كين، وآخر في موضع يسمى فنتكر، وهي لأهل ساري كين أيضاً. وأسكي بوب كين المذكور هي أكبر منهن عمارة وأوسع منهن مجلساً، ويجمع فيها أهل البلد كلهم من أهل ساري كين وأهل سنكري، وحتى أهل المسجد الكبير ممن ليس رماة القائد منصور. وأهل كسم بنك تسوق في موضع يقال له تنكلع، وتسوق أيضاً في حومة مسجد الكبير من وراء دار القائد منصور من جنبه جهة الشمال.

وصار أهل البلد على فرقتين، فرقة تسره أن يغلب القائد منصور، وفرقة تكره ذلك. وأربعة من القياد تبعوا القائد منصور في الفتنة، وهم في داره قد مكثوا عنده مدة الفتنة ولم يجيء أحد منهم داره حتى استكمل الفتنة واصطلحوا. وهم القائد يوسف والقائد حسين والقائد المبارك الغرناطي والقائد بابا سيد شراق. وتوفي القائد بابا سيد المذكور في داره، وقد مات هنالك قبل أن اصطلحوا. نعوذ بالله من شر ما أحدثوا في تلك الساعة من البلد المبارك من يومئذ إلى زماننا هذا.

وهذا كله جرى في ولاية القائد عبد الله، وهو أن تسلطن في داره زعماً من يوم توليته، وهو يوم موت القائد باشا بن القائد المبارك. لاكن مكث في تلك المدة ولم يمش إلى القصبة ولو مرة واحدة حتى الصطلحوا الرماة مع القائد منصور سوى القائد عبد الله المذكور. ثم اجتمعوا ومعه القائد منصور ومشوا إلى دار القائد عبد الله واصطلحوا ثانياً مع القائد عبد الله المذكور بالليل.

وحينئذ عرف القائد عبد الله أنهم عزلوه، واصطلح مع القائد منصور. وكذلك الرماة اصطلحوا معه وحلفوا له بأن لا غدر له عند أحد منهم. وباعوا له القائد عبد الله المذكور الذي هو باشا لهم في الفتنة، وعملوا الفاتحة على أن لا غدر عند أحد له، وأعطوه السلطنة هنالك على يد القائد عبد الله. وأمر القائد عبد الله المذكور بإخراج الواغ في داره ساعتئذ من الجور، وحله وقسم لهم راضياً على ما طافوا.

وفي تلك اللية وهم في حال الصلح توفي بابا بن القائد عبد الله المذكور، وهو ابنه الكبير.

وقيل أن القائد باحد وكبراء الجيش الذين يعملون الفتنة بأيديهم يومئذ هم الذين غدروا القائد عبد الله وساقوا القائد منصور إلى داره واصطلحوا معه وحلفوا له بأن لا غدر عند أحد من بينهم بين يدي القائد عبد الله المذكور، وعزلوه بهذا العمل، وأعطوا للقائد منصور التبشات، وأخذوا منه رشوة سراً، وباعوا له القائد عبد الله. ففطن بهم القائد عبد الله واصطلح معه، وأعطاه الواغة المذكورة من عنده. وبين في خاكرته بأن لا يؤذيه ولا يضره، وكفاه الله من شره حين كان في سلطنة.

وحكي أن القائد عبد الله المذكور حدث مع جلساءه أنه قال طرق علينا ثلاثة أشياء في تلك اللليلة مجمعاً في ساعة واحدة، الأول فبينما أنا جالس في داري من تلك الليلة إذ دخل علينا القائد باحد مع كبراء الجيش ومعهم القائد منصور بعد اصطلاحهم معه، ثم اصطلحوا في دارنا بين يدي، وأعطوه العهد بأن يجعلوه باشا، ولم أعرف من أي وجه منهم وما كانت عندنا إلا وأنا باشا لهم، وما عرفت مخالفة بيني وبينهم وما عرفت عملاً عملت لهم حتى عملوا لي هذا العمل لأجل ذلك.

وما تفارق معهم حتى جاءني أحد من عيالي وتناجى في أذني وقال لي إن ابنك بابا قد مات في الحين. وبعد ذلك عن قريب سمعت حساً من ألم ضرسي. فما أثقل على شيء من أحد الثلاثة إلا ما عمل بي الرماة من تولية القائد منصور، هو أثقل وأكد علي من موت ابني بابا، فأحرى من وجع ضرسي.

وهذا ما جرى بينهم وبين القائد عبد الله. ثم ذهبوا وتركوه في داره معزولاً. وبين له أنه معزول في تلك الليلة. ومدته فيه مدة الفتنة، وكان ذلك يوم الأربعاء رابع وعشرين من الربيع النبوي سنة ثمانية وعشرين ومائة بعد ألف إلى أوائل جرب الفرد من ذلك العام.

والمرة الرابعة ولاه بعد عزل القائد عبد الغفار بن القائد علي التزركيني في يوم الخميس من جمادي الأخرى سنة أربع وثلثين ومائة بعد ألف. وخرج بمحلة مع بعض الجيش، والبعض امتنعوا وجلسوا. ومشى بالبعض إلى قرية وكي لأجل أولاد القائد أحمد الخليفة الذين كانوا يقطعون على الناس. ولذلك خرج إليهم الباشا ببعض الجيش.

وطلع تنبكت ولم يجلسوا إلا المخالفة كانت بينهم في تلك الساعة. ومشوا على هذا الحال إلى وكي وما وجدهم هنالك أي الكاهي محمد بن القائد أحمد الخليفة وإخوانه، بل قد هربوا حين سمعوا بقدومه، واختلفوا في البلدان وتركوا له بلدهم خالياً ليس فيها أحد. ثم دخل فيه الباشا ووجدها خالياً. ثم أمر بهدم ديارهم وقطع أشجارهم وضرب عمارتهم، ولم يظفر بأنفسهم. ثم رجع إلى نتبكت مع بعض الجيش، وطلع تنبكت يوم عيد الفطر، وهو معزول. ولم يدخل في القصبة ولم يطوف على العادة المعروفة ولم يمش إلى المصلى بل جاز على القصبة إلى داره. فلما بلغ باب داره سلم على الرماة متوجهاً إليهم بوجهه وجعل يسلم عليهم برفع يده ويقول: الحمد لله على سلامتكم. ثم دخل في داره معزول. ومدته فيه نحو أربعة أشهر.

وفي تلك المحلة، أعني هذه التي خرج القائد عبد الله إلى قرية وكي خرج معه أسكيا المختار بن شمس من تنبكت. فلما وصل قرية وكي هرب منهم أسكيا المختار المذكور باليل خفية، وخرج وحده هارباً في ليلة مظلمة، وترك عياله وأمتعته وقباءه، ومشى إلى أن دخل داره في قرية كنسَي. واجتمع عنه أهل سُغي كلهم. وكان ذلك ليلة الأربعاء ليلتين خلت من رمضان المعظم آخر العام الرابع والثلاثين ومائة بعد ألف. ثم بعد ذلك رجع الباشا بمحلته وبعد رجوعه وعزلانه مكثوا أربعة أشهر ولم يتول أحد في السلطنة.

وفي شهر الصفر سادس عشر منه من ذلك العام المذكور كان والواقعة بين غال بلبون وبين أولاد مغشرزكي في رأس الماء ومات بينهم خلق كثير من قبائل شتى وانهزم جيش مغشرزكي، وتبعهم خيل غال بلبون وهلكوهم عن آخرهم.

والمرة الخامسة ولوه في عقبه ولم يعقبه فيه أحد إلا هو بنفسه يوم الجمعة ثالث من صفر الخير فاتح سنة خمس وثلاثين ومائة بعد ألف. ومكث فيه نحو أربعة أشهر ولم يتحرك. ثم عزل يوم الجمعة ثالث عشر من جمادي الأولى في أواسط ذلك العام المذكور.

وفي يوم الجمعة الثاني من شهر شعبان المنير منه جاء القائد منصور في بلد تنبكت ونزل من جهة المغرب، ومعه جماعة من الرجال والتوارق. وخرج إليه كبراء البلد بعد صلاة الجمعة كالقاضي سيد أحمد وغيره من خاصته لسلام عليه. وأدركوه هنالك وسلموا عليه ورجعوا.

وبعد صلاة العصر استحزم القائد باحد وخرج إليه مع رماته وقاتلوا معه، وهو كذلك مع رماته. ودفعوهم إلى الغابة وقت الاصفرار. ثم تبعوهم إلى أن دخلوهم في البلد هاربين مدبرين. وقتلوا سعيد بن محمد فزان وحم حداد عشية ذلك اليوم.

ثم دخل القائد منصور في البلد كرهاً، واستوطنه في دار الحاج عبد الله بن علي بن طالب إبراهيم في مجاورة الكاهي حمد بن حم من باب السوق.

ووقدت نار الفتنة بينه وبين القائد باحد ثمانية أشهر. والقائد عبد الغفار بن علي هو السبب في قيام هذه الفتنة وموقدها، لأجل عزلان القائد باحد إياه. ولذكل بعث للقائد منصور بالمجيء. فجاء ومكث في البلد نحو ثلاثة أشهر. ثم مشى إلى قرية تنور لقطع الطريق. ولحقه هنالك كل من تبعه من الرماة، كبراهيم بن الكاهي سيد وكل من معه ومحمد بن القائد سنبير بن القائد بوي ومن معه وغيرهما. وكان خروجه في شهر ذي القعدة آخر شهور العام الخامس والثلاثين ومائة بعد ألف، ومكث هنالك نحو ثلاثة أشهر.

وأما القائدان باحد وعبد الغفار هما في تنبكت وهما في تلك المدة ما بين الصلح والخصومة. ثم تحركوا الفتنة ووقدوا نارها في شهر الصفر فاتح سنة ست وثلاثين ومائة بعد ألف.

وذلك أن كبر فرم عبد الله جاء من كبر يوماً واحداً عشية في ذلك الشهر المذكور إلى حومة الجامع الكبير، ودخل في الحومة، ومعه رماته ورماة القائد باحد. وقتلوا اثنين من رماة القائد عبد الغفار في تلك الحومة، سنيبر بن قادر وعبد الله بن عائشة. ومن حينئذ عمل القائد عبد الغفار حزام الفتنة بينه وبين القائد باحد من تلك العشية.

وبعث القائد منصور أن يعاونه بالرجال، وبعث أخاة أحمد والقائد سعيد مع طائفة من رجاله، وجاءوا في البلد من تنور ليلة السبت في ذلك الشهر، أعني شهر الصفر فاتح عام سادس والثلاثين. وفي غده طاحوا على دار نزيل القائد باحد، بل حسن جحشي، ودخلوا فيها ونهبوا منها مالاً عظيماً من شقة وملح ولغبو كثير وكل شيء وجدوا هنالك.

وأما رب الدار بن حسن جحشي قد رحل ولم يدركوه من داره. ورحلت بما أكثر من هذا الذي تركته منها من أطواله، وهو تاجر الكامل، وحتى قال له نزيله القائد باحد من حين رحلت منها. فبينه لي أن نعمل فيه من يحرسه من الرجال من أرباب المدافع. فقال له: ما نترك منه شيئاَ ثقيلاً، وأما نعمل عليه عبيدي ليحرسه.

ثم جاء حمد بن القائد سنيبر والقائد سعيد مع رماتهما وعبيدهما السوء في الليلة المذكورة وطاحوا عليه وقت السحور، ولم يدركوا فيها إلا عبيد مولاي الدار بل حسن، ودخلوا فيها.

فلما أصبح الصباح عمل القائد باحد ممن يدفعوهم عن الدار، فكان قتالاً عظيماً من بينهما من ذلك الصبح. ثم رجع حمد ومن معه في الدار ومكث فيه على المال وأفسدوها وشططوها في البلد شرقاً وغرباً وعملوا في الدار شباراًَ [=تثبيراً].

ثم عمل القائد عبد الغفار في دار براهيم بن بوم-قاط نحو عشرين من الرجال من أرباب المدافع، وكذلك القائد باحد، نحوها في دار الحاج عبد الله بن الحسن في دار الحاج أحمد بن حم. وفي تلك المدة في هذه الفتنة جرى بنيهم قتال وحرب شديد ومعركات هائلات معدودات مراراً متكررة.

وفيه أنه وقع بينهم يوم واحد قتال شديد، حتى قيل أن القائد باحد جاء إلى دار الحاج بو طاهر من ورائه وأمر بنقبه. ونقبوها ودخلوا عليه، حتى نهبوا فيها متاعة جاريته. ثم طلبوا دار القائد عبد الغفار ولم يمكن على أيديهم، لكن قد شوشوا أهلها بدنوها من الدار. وبعد ذكل خرجوا ولم يظفروا بها، بل انتهوا على دار الحاج بو طاهر من داخلها. وذلك الوقت قتل حمد نب كبر فرم المبارك.

ثم بعث القائد عبد الغفار مرسوله إلى تنور عند القائد منصور إيضاً وطلب منه أن يمده برجال ليعاونه عن الفتنة، وأمر المرسول أن يحدثه ما جرى بينه وبين القائد باحد يوم دخول دار الحاج بو طاهر.

وقيل أن القائد منصور قال في الجواب حين يسمع مقالة القائد عبد الغفار: وما زال ما رآه شيء وما شافه وما يقدر على الجلوس في داره من حين رأى شيء إلا أن يهرب إلينا بنفسه وترك عياله وأولاده وما ملكت يداه، ولم يقتف عنها، لاكن ما زال سيبلغ منا هارباً منهم متى رأوه شيء أكبر وأكد من هذا.

فلما سمع ما قاله القائد عبد الغفار أن كسر منه قلبه وكسل من أمره وقصر من اجتهاده التي أدركه فيه من بينهما وبين القائد باحد، وأعلم أنه عدوله من القائد باحد، وخلع يده من الفتنة ومن مخاصمة مع القائد باحد، وابتدأ العداوة بينه وبين القائد منصور من ذلك اليوم. وكذلك وصلت المحبة من بينه وبني القائد باحد من ذلك اليوم.

وأما سبب هذه العداوة التي عند القائد منصور للقائد عبد الغفار مدخراً له، حتى قال له في الجواب مثل هذه الكلمات. زعم أن القائد عبد الغفار أرسل له أن يناديه بالمجيء إلى تنبكت، ووعد له على لسان المرسول أن يعاونه على القائد باحد بكل ما قدره الله عليه أن يخاصمه به على كل حال من الأحوال.

فأجاب نداءه بذلك، وجاء إِلى تنبكت وتلقا مع القائد باحد واقتتلا من حين دخوله في تلك العشية من البلد. فلم يفده شيء بمعاونته على القائد باحد، كما عاهته [=عاهده] به على لسان مرسوله.

ولم ير القائد منصور ما يظن فيه من التعاون والتخاصم والاجتهاد به. ومكث عنده حين جاء نحو ثلاثة أشهر. وتركه وخرج ماشياً إلى قرية تنور، وأدركوه رجاله هنالك، ومكثوا هنالك لقطع الطريق عن المارين على البحر من المسافرين.

وفي تلك الساعة قبض القوارب القادمين من جني، منها الفقيه بابا سًي بن الفقيه أبكر بن سي بن الفقيه القاضي محمد جم قاضي ماسنة، ومنها المختار بن معلم الأمين بن طاغ البناء، ومنها واحد من مولاي أخاف، اسمه سيد عبد القادر، الله أعلم. وأخذ منه ذهبه، حتى احتبل وشوش عقله بعد أخذ قواريته منه.

وأما عين مراد القائد عبد الغفار بندائه، ولا ناديه إلا لأجل انتقام القائد باحد له، لما عزله في السلطنة. ولذلك حين جاء تركهما رأساً برأس. ولذكل غضب القائد منصور ومشى إلى نتور. ثم رموه بالجواب حين جاء مرسوله عنده.

وفي يوم الجمعة ثامن عشر من شهر الربيع النبوي سنة ست والثلاثين ومائة وألف خرج القائد منصور في القوارب مع رجاله من تنور موجهاً إلى ناحية كبر. فلما دنوها ورأوهم أهلها خرج إليهم كبر فرم عبد الله برجاله في القوارب، وستلقا في رحبة-داي فوق الماء، وهي وقت امتلاء البحر من وقت الشتاء. واقتتلا فوق الماء يومئذ قتالاً شديداً. ثم رجع القائد منصور إلى طريق قرية أمزاغ، ونزل فيه ومكث فيه أياماً. وكبر فرم في كبر في حراسة له جداً.

وكانت الفتنة في تنبكت من بين القائد عبد الغفار والقائد باحد. ثم سعى بينهم السيد المكرم الفقيه القاضي سيد أحمد ابن الفقيه القاضي إبراهيم، هو ومن معه من فقهاء البلد وعلمائه بالصلح. واصطلحوا يوم الأربعاء ثالث وعشرين من شهر الربيع النبوي في تلك السنة المذكورة. واصطلح القائد عبد الغفار مع القائد باحد وخلع من أمر القائد منصور وتركه هنالك إلى أن يموتوا كلهم.

ثم تلقوا أيضاً في منزل القائد يوسف يوم الجمعة خامس وعشرين من الشهر، واصطلحوا أيضاً يومئذ، حتى لم يبق بينهما قليل ولا كثير من الغش والعداوة. واصطلحا بخير الصلح إلى أن مانا رحمهما الله.

وفي يوم الأحد أو الاثنين-ولله أعلم-ثاني عشر من ربيع الآخر منه توفي الفقيه محمد الأمين بن القاضي سيد أحمد رحمه الله تعالى آمين. وكان رحمه الله مدرساً لكتاب الشفا عياض في مسجد سنكري نحو ثلاثة سنين في رمضان، ومات عن نحو تسعة وعشرين سنة.

وفي شهر جمادي الأولى منه توفي الحاكم سيد محمد بن التنغراسي، رحمه الله. وقد مات عن نحو ثلاثة وثلاثين سنة. وفي ذلك الشهر توفي مولاي بن مولاي الكبير بن عبد الرحمان، رحمه الله تعالى آمين، وبدل له حياته بنعيم الجنة وسنّه يومئذ ثلاثة وعشرين سنة.

وفي آخر يوم من ذلك الشهر المذكور في أواسط سنة ست وثلاثين ومائة وألف توفي أسكيا المختار بن شمس بن أسكيا إسماعيل بن أسكيا محمد بان بن أسكيا داوود بن الأمير أسكيا الحاج محمد، رحمهم الله. وقد مات في بلد كنسي، رحمه الله. ومكثه هنالك بعد هروبه من محملة القائد عبد الله إلى هذه القرية سنة وتسعة أشهر.

وفي شهر جمادي الأخرى منه والله أعلم جاء التوارق غير تدمكت في بلد تنبكت بالبقر والغنم كثير-لا يحصى عددها إلا الله-لأجل التبديل بالخياطين والجلود والثياب ونحوها. فلما رأى الناس ذلك أسرعوا إليهم حتى كثرت عندهم أهل البلد. فلما مكنوا بهم وكثروا عندهم في البر قبضهم التوارق جميعاً ونزعوا ما عليهم من ثيابهم وجردوهم كلهم.

وعدد الجماعة الذين جردوهم يومئذ على ما وقفت من خط والدنا رحمه الله مائة وثلاثة وسبعون ما بين الرجال والنسوان. وقتلوا يوم ذي الخليفة ابن عبد اللطيف بن بهرون وخادمة أم سليم بنت الإمام صالح، وقبضوا بعضهم ومشوا بهم. ثم ردهم في البلد.

وفي هذه المدة من الوقت الذي جرت هذه الوقعة في بلدنا تنبكت ليس فيها وال ولا حاكم. وقد مكث الرماة ولم يتول منذ عزل القائد عبد الله بن الحاج في شهر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة بعد ألف ثم بعد ذلك مكثوا أربع سنين ولم يتول أحد.

وما مكثوا مثل ذلك بلا باشا من حين جاء الباشا جودر إلا في تلك الساعة. الحاصل قد مكثوا أربعة سنين بلا باشا بحسب التاريخ، وأما بحساب الشهور ولم يمكثوا إلا بثلاثة سنين وستة أشهر.

والمرة السادسة ولي فيه يوم الثلاثاء خامس من شهر ربيع النبوي في العام المكمل الأربعين بعد ألف ومائة بعد عزلان القائد عبد الرحمن بن القائد أحمد بن علي التزركيني من عام التاسع وثلاثين، بعد ما مكث فيه أربعة أشهر وثلاثة عشر يوماً، وذلك من شهر جمادي الأولى في السنة المذكورة. ولم يعقبه إلا القائد عبد الله المذكور في المرة السادسة.

وفي هذه المرة قتل بابا شراق بن الكاهي سن تركاج في شهر ربيع الآخر منه وأوريه في الرواي. ثم عزل يوم الأربعاء سادس وعشرين من ذلك الشهر. ومدته فيه شهر كامل.

والمرة السابعة ولاه بعد عزل القائد يوسف بن عبد الله من ثالث دولته عشية الاثنين آخر يوم من شعبان المنير عام الثاني والأربعين ومائة بعد ألف. وأما سبب ولايته هذا، وذلك أن الكاهي محمد بن القائد أحمد الخليفة قطع طريق المسلمين، وأخذ قارب من جني لأولاد الحاج بو طاهر وآخر من تنبكت هي لسيد محمد بن طيب، وفيه عبد المالك بن التنغراسي سبط القائد مامي العلجي. وفي قارب أولاد بو طاهر فيه ابنه عبد القادر. الحاصل نزل متاعهما وأكلها.

ثم بلغ الخبر إلى كبر فرم عبد الله، وهو في كبر، وصادف في آخر يوم من شعبان ثامن شهور عام ثاني والأربعين ومائة وألف. وبعث كبر فرم مرسوله ببراواته إلى تنبكت عند القاضي سيد أحمد وكافة الجيش والمسبين في تلك العشية. فخبرهم في البراوات بهذا الخبر، وأمرهم أن يعملوا باشا متى قرأوا البراوات.

وبلغ المرسول رسالته عند القاضي وعند الجيش والمسبين. ثم اجتمعوا وقرأوا كتاب كبر فرم ووافقوا ساعتئذ على القائد عبد الله المذكور، وأعطوه النوبة. وقال في البراوة إذا لم يعملوا الباشا في الساعة والحين عاجلاً فارتحل كل من كان نزيلاً لنا إلى عندنا كبر من المسبين عاجلاً ليسكنوا معنا هنالك. ولذلك اجتمعوا الرماة ونادوا القاضي سيد أحمد ساعتئذ وفرأوا الكتاب، ووافقوا على القائد عبد الله، وطلعواه باشا في تلك العشية.

وفي هذه المدة ولي محمد بن القائد باحد في كبر. فكان كبر فرم بأمر الباشا المذكور. وفيه تولى أسكيا الحاج بن أسكيا برك بن أسكيا محمد صادق بن أسكيا ببكر بن بلمع صادق بن الأمير أسكيا داوود بن أمير المؤمنين أسكيا الحاج محمد سلطنة تسكية. ولاه في الشهور الباشا عبد الله بن الحاج المذكور، أعني عام الثاني والأربعين ومائة وألف.

ثم جاء أرباب الملح أزلاي في رفقة كبيرة، وذلك من شهر شوال في هذا العام. وامتنعوا وأبوا الرماة عن دخولهم، وحبسوهم في أبراز نحو شهرين. فلم يدخلوا إلى أن سلم الباشا، فحينئذ طلقوهم من الحبس ودخلوهم أفراداً من شهر ذي الحجة آخر السنة المذكورة. وعزله في آخر الشهر المذكور.

وقد عزم عن الخروج بالحمدة إلى وكي حتى خرج قباءه إلى المرسى. ويقال متى صلوا عيد الفطر فحينئذ خرج بالجيش. وعلى ذلك عزم الباشا، فلم يتبعوه في ذلك الجيش، وعزلوه. ومدته فيه نحو ثلاثة أشهر ونصف شهر. وهذا آخر توليته فيه، لم يدخل فيه بعد هذا إلى أن مات. وما يصيب هذا السلطنة أحد منهم سبع مرات إلا هو وحده.

عمار بن القائد سعيد بكرنا بن الباشا محمد بن محمد بن عثمان اليعقوبي ثم الشرقي ولي بعد عزل القائد عبد الله بن الحاج في المرة الأولى من ولايته في شهر ذي الحجة آخر سنة خمس وعشرين ومائة بعد ألف. ومكث فيه خمس وعشرين يوماً. وعزل في شهر المحرم فاتح عام سادس وعشرين ومائة وألف. وهو آخر باشات من سربته شراق ولم يتول منهم أحد بعده في السلطنة إلى هلم جراً.

عبد الغفار بن القائد علي بن محمد بن عبد الله التزركيني ولي عبد عزلان القائد باحد يوم السبت سابع عشر من ذي الحجة الحرام آخر شهور عام ثالث وثلاثين ومائة بعد ألف. ومكث فيه نحو خمسة أشهر. ولم يجد منهم أن يتحرك بشيء، حتى عزلوه في جمادي الأولى من رابع وثلاثين. وذلك سبباً لغضبه على القائد باحد حتى قدم باشا منصور.

عبد الرحمن بن القائد الأكرم أبو السلاطين حمد بن علي بن محمد بن عبد الله التزركيني ولي بعد عزل القائد محمود بن القائد محمد بوي يوم الخميس خامس عشر من المحرم فاتح سنة تسع وثلاثين ومائة بعد ألف. ونادى المسبين وطرح عنهم أربعة آلاف مثقال. ثم أخذ منهم ألفين وخمس مائة ماله بعد ترك بالحزام.

ثم أرسل مراسيله إلى بلد بنب وكاغ وكيس أن ينادي كل من كان فيه من الرماة. فجاءوا كلهم بندائه وأجابوا دعوته، ولم بعمل بهم شيئاَ، ولم يعط لهم شيئاَ من المال. ثم رجعوا إلى أوطانهم.

وبعث حمد بن القائد سنيبر بن منصور إلى جهة بلد بنب، وأدرك الفتنة هنالك بين القائد الحرير وبين ابن عمه قادر من حفائد أحمد سواق، وتوارق تدمكت مع القائد الحرير في الفتنة ومعه توارق تدمكت أجمعين مع تباعهم غير تدمكت من خارج بلد بنب. وأما أخوه قادر وكافة رماة بنب هم مع توارق وولد ألن، ومعهم أيضاً توارق كرم كلهم أجمعين.

الحاصل أن حمد بن القائد سنيبر أدركت الفتنة هنالك قد حميت وطابت من بينهم وقامت على قدميها، ولاكن ما جرى بينهم قتال، وما زال ما تحركوا، لكن ما بقي لهم إلا أن يقع بعضهم على بعض.

ثم دخل حمد المذكور في الفتنة وتبع قادر وأهل بنب، حتى كانت لهم رأساً من الفتنة، وحتى قيل أن التوارق تدمكت والقائد الحريري بعثوا له مرسولهم في بلد بنب أن يطلبوا منه أن لا يدخل من بينهم من العداوة والفتنة ولا يتعاون أحدكم أحداً منا، فنحن نعطيك رشوة على ذلك بأن لا تتبع أحد منا، فإنك أنت مرسول الباشا.

فأبى حمد المذكور، وصمم على كلامهم، ودخل في الفتنة مع كل من جاءت به من أتباعه وأهلكهم فيها جميعاً، وماتوا كلهم في الفتنة، وما بقي منهم إلا خمسة أو سبعة أنفس. وما رجع تنبكت إلا مع العدد المذكور من رجاله الذين مشى بهم. وأدرك الباشا معزول حين رجوعه إلى تنبكت. ورجع في تنبكت مكسور، وترك رجاله في أغندل. وممن مات معه الكاهي طاغ ابن أخيه القائد باشا بن القائد المبارك بن منصور المذكور، والقائد علي، وأخوه عبد القادر ابنا القائد يوسف بن عبد الله الدرعي، وعبد العزيز بن الكاهي سيد الهداجي، وأحمد بن الفع محمود بن بابا أخي عثمان بن بابا من أهل مسجد الكبير، واثنان من الحراطين أولاد الباشا منصور، ومن لا أعرف به من غيرهم.

ولنرجع إلى إتمام الكلام من حين خروج رماة بنب وحمد بن القائد سنيبر المذكور. وخرج قادر مع رماة بنب إلى توارق تدمكت للقتال، وحمد المذكور أمامهم. واقتتلوا في موضع يسمى أغندل. وحين تلاقوا حمل عليهم حمد المذكور ورمى نفسه فيهم حتى غمس والتقوه بالحرشان ورموه كلهم أجمعين، فلم يؤثر فيه شيء.

ثم غلبهم تدمكت، فقتلوه قتلاً شديداً حتى كادوا أن يفنوهم عن آخرهم. وذلك القتل كله من الرماة والسودانيين. وقتلوا كبراء جيش بنب يومئذ، كالقائد أحمد بن القائد بابا كداج وأمثاله من القياد والكواهي. وكسروا بنب وقتلوا يومئذ معن ولد فاطمة بن علي، وهو من رجال حمد بن القائد سنيبر.

وأما توارق ولد ألن فلم يقفوا للقتال، بل ولوا مدبرين، ورموا خيولهم في البحر فعاموا بهم ذلك الماء هاربين. فمنهم من هرب ونجا، ومنهم من دخل في الماء وعام حتى قربت الأرض، ويوصله من وراءه وقتله. ولم ينج من جيش بنب إلا قليل. وعزل الباشا في شهر جمادي الأولى سنة تسع وثلاثين ومائة وألف، وكان عزلانه في آخر الشهر. ومدته فيه أربعة أشهر وثلاثة عشر يوماً.

عبد الرحمن بن القائد حمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي المبارك الدرعي الشهير بباب سيد ولي بعد عزل القائد يحيى بن القائد حمد بن علي التزركيني يوم الأحد ثالث عشر من جمادي الأولى سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد ألف. ويوم ولايته كان قائد لبني سعدون، ولم يتول قائدهم بعده حتى الآن.

وفي ليلة الأربعاء السادس من رجب الفرد في هذا العام وقت السحور توفي القائد حمد بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي.

ثم عزل يوم الأحد إحدى وعشرين من رمضان المعظم. ومدته فيه خمسة أشهر. ثم رده أما يوم الأربعاء ثاني وعشرين من جمادي الأولى سنة ثمانية وخمسين ومائة بعد ألف. ثم أراد المطرح من المسبين، فلم يقبلوا له، وعزلوه يوم الأربعاء ثامن وعشرين من شعبان منه. ومدته فيه أربعة أشهر.

عبد الغفار بن الكاهي أسامة بن القائد علي بن محمد بن عبد الله التزركيني عرف بسن هعي ولي بعد عزل القائد محمود بن القائد سنيبر بن القائد محمد بوي يوم الأربعاء سادس من شهر الربيع النبوي في سنة إحدى وستين ومائة بعد ألف. وكان قبل توليته كاهية لسربته الفاسيين. فلما تولى باشا جعل كاهية لأهل الفاسيين أخاه وابن عمه بابا بن منصور بن القائد علي، وولى كاهية لأهل المراكشيين محمد رمضان بن القائد أحمد زنك.

ثم نادى المسبين يوم الأربعاء ثالث عشر من الشهر، وطرح عنهم أربعة آلاف مثقالاً ذهباً، وأعطوه له بلا كلام لأجل هيبة ووقار التي عمل له الله تعالى. ثم قسمها للجيش، لكل أحد من كبرائهم مائتين مثقالاً، ومن دونهم مائة وخمسون، ثم قروي لمن كان رأس قوم من صغارهم. وهكذا وأعطى كسوة لكل من كانت عادة له أن يعطيه، كالقياد والكواهي وأهل دائر وسلسلي والفراش والشيخ الروى والستين والزمان، وحتى الكشن والمزامير.

ومنهم من لا يأخذ عادة إلا شقة العالي الكبير كالقياد، ومنهم من لا يأخذ إلا من شقة سوسي كالكواهي، ومنهم من له شقة سحن، ومنهم من له شقة الخماشي الأحمر، ومنهم من له شقة الدوم [الروم؟]، ومنهم من له الملف من أرباب القفاطين. ولا يأخذوا إلا أنواع منها من أحمر وأصفر وأخضر وأسود، أخذوها جميعاً، فتبارك الله أحسن الخالقين، والحمد لله على ذلك.

وفي وم الجمعة خامس من شهر جمادي الأولى من ذلك العام، أعني عام أحد وستين ومائة بعد ألف، جاء خبر من جني وقيل أن الكاهي عبد القادر بن الكاهر علي بن بُصي اجتمعت عليه جيش جني وقت الفجر وقتلوه ورموه في حفر حفروه له بلا غسل ولا صلاة، وكان ذلك يوم الجمعة وقت الفجر عشرين من ربيع الآخر.

ثم بعث الباشا مرسوله إلى جني عند القاضي والمسبين فقط. وقيل متى رجع مرسوله، فحين ذلك خرج إليهم بمحلة. ثم بعث جيش بلد جني ألف جوري للباشا، فردها لهم إلى جني بحالها. فحينئذ ازداد خوفهم. ثم عزل يوم الأحد أول يوم من شهر شعبان المنير منه. ومدته فيه خمسة أشهر.

وممن مات في أيامه الفقيه عبد الله بن الفقيه أبكن بن الفقيه القاضي محمد بن المختار بن محمد منكن بن الفع أبكر المداح، توفي رحمه الله يوم الثلاثاء خامس يوم من الربيع النبوي، وقد سبق موته ولايته بيوم.

وفي ليلة الاثنين بعد العشاء الآخر عشرين ليلة من جمادي الأولى من السنة المذكورة، أعني سنة إحدى وستين ومائة بعد ألف، توفي مولاي محمد صاحب ثالث.

وفي يوم الاثنين سادس من جمادي الأخرى منه توفي عمر أخي نان كمي من أهل مادي قتلاً باطلاً، وهو من ذرية الحاج أحمد بن عمر، رحمه الله عليه. ولم يقتل قاتله بل يمنع به أهل سارتي كينن من الرماة وخلفه من أيدي الباشا. وقيل إنهم أخذوا رشوة من أم القاتل ولذلك استشفعوه عند الباشا.

وفي يوم الاثنين ثالث عشر من الشهر توفي محمد الفع إجي صاحب القائد بابا سيد. وتوفي الفع على فدلاج في ذلك اليوم، رحمه الله آمين.

وفي يوم الأربعاء ثاني وعشرين منه توفي الحاج المبارك مؤذن لمسجد سنكري، رحمه الله.

وفي يوم الاثنين خامس وعشرين من رجب الفرد من ذلك العام توفيت نان خيج بنت الفع أحمد بن الإمام أحمد بوص بن الفقيه الأجل محمد بغيغ بن أحمد بن محمود بغيغ الونكري، رحمة الله عليها وعلى أسلافها، ورحم أسلافها، وعاد علينا من بركانهم آمين.

حرف السين

الباشا سليم

سعود بن أحمد عجرود الشرقي

سعيد بن علي المحمودي

سعيد بن عمر الفاسي ولي بعد عزل علي بن إبراهيم عشية الاثنين آخر يوم شعبان سنة ست وثمانين وألف. وما تحرك بشيء. وعزل يوم الخميس ثالث من جمادي الأولى سنة تسع وثمانين وألف. ومكث في الولاية سنتين وثمانية أشره.

سعود بكرني بن محمد بن عثمان اليعقوبي ثم الشرقي ولي بعد عزل القائد المبارك بن مسعود بن منصور في أواسط عام السابع وتسعين وألف من جمادي الأولى. وفي ولايته خرج محلة كندام. وفيه مات روغ الفلاني الماسني، وهو الذي أخرج محلة حارير. ومكث في السلطنة أشر، وعزل.

ثم رد فيه بعد عزل القائد أحمد بن علي التزركيني في شهر شوال، وقيل في ذي القعدة الحرام سنة إحدى ومائة بعد ألف. وعزل في شهر بريع الياني عام الثاني ومائة بعد ألف. ومدته فيه سبعة أشهر. وفي المدة الثانية توفي إمام جامع الكبير الإمام بابا سعيد ابن الإمام أحمد بن الإمام سعيد بن الإمام محمد كداد، رحمه الله، توفي يوم الخميس خمسة أيام خلون من صفر فاتح عام الثاني ومائة بعد ألف، رحمة الله تعالى عليه وعليهم.

سنيبر بن مسعود بن منصور الزغري ولي بعد عزل القائد العباس بن سعيد العمري في أواسط سنة تسع وتسعين وألف. وقد تحرك فيه إلى غزوة المسمى بطل. وعزل في رجوعه منه في فاتح المكمل المائة بعد ألف. وقد ذكرته في حرف الميم كما جرى.

سنبير بن القائد محمد بوي بن الحاج بن داوود الشطوكي ولي بعد عزل القائد سعود بكرنا في اثنا عشر من ربيع عام ثاني ومائة بعد ألف. ومكث فيه خمسة أحهر. وعزل في آخر يوم من شعبان المنير من ذلك العام.

ثم رد أيضاً بعد عزل القائد أحمد الخليفة بن الباشا أحمد في غرة رجب الفرد سنة ست ومائة بعد ألف. وتحرك إلى تندبي وغار على التوارق وعلى السوقيين وفقهاء كُلُسوق. وبعد رجوعه في هذا الغزو اشتد الغلا المسمى بباش في تلك البلد. وبعد ما لبث إلا يسيراً عزلوه في صفر الخير فاتح عام سابع ومائة بعد ألف. ومدته فيه ثمانية أشهر. ثم مكثوا أربعة أشهر ولم يتول أحد في سلطنتهم بعد هذا.

سنتاع بن فارس ولي بعد عزل القائد علي بن المبارك الدرعي في شهر الصفر، وقيل في شهر الربيع النبوي، سنة خمسة عشر ومائة بعد ألف. ومكث فيه شهرين، وعزل. وفي مدته هذا من ذلك العام وقع الفتنة بين البرابيش، وقاتلوا بعدهم بعضاً من ناحيتهم إلى نبكة أكمار، وطرد بعضهم بعضاً، حتى دخلوا في البلد أي تنبكت في الشهر المذكور، أعني ربيع النبوي من يوم سابع الولادة، وهي مولد الكبير ثامن عشر منه. وقيل كان عزلانه في جمادي الأولى من تلك السنة المذكورة. ثم مكثوا أربعة أشهر ولم يتول أحد.

سعيد بن بوزيان الخباز الأمطي ولي بعد عزل القائد عبد الله التلمساني في شهر ربيع الآخر سنة سبعة عشر ومائة بعد ألف. ومكث فيه نحو ثلاثة أشهر. وعزل في شهر جمادي الأخرى من تلك السنة المذكورة.

سعيد بن القائد علي بن محمد بن عبد الله التزركيني ولي بعد عزل ابن أخيه الأكبر القائد محمد بن القائد حمد بن علي المذكور يوم السبت عشرين من ذي الحجة الحرام آخر سنة سبع وأربعين ومائة بعد ألف. وهو حاكم يوم توليته، واستخلف فيه رابح بن القائد عبد الله بن الحاج العمراني.

ونادى المسبين وطرح عليهم ست مائة مثقال، وأخذها منهم بالودعة البيضاء، عددها اثنا عشر مائة ألف ودعاً. ثم عزل يوم السبت الحادي عشر من شهر صفر الخير فاتح سنة ثمانية وأربعين ومائة بعد ألف. ومدته فيه اثنين وخمسون يوماً. وما تحرك بشيء في سلطنته سوا هذا الطرح المذكور.

ثم رده أيضاً بعد عزل القائد حمد بن القائد سنبير بن منصور يوما الاثنين ثاني وعشرين من صفر الخير سنة تسعة والأربعين ومائة بعد ألف. وفي يوم السبت ثاني عشر من شهر الربيع النبوي منه مشى طائفة من العرب من قبيلة العامري إلى جهة أروان. ثم خرج الآخرون من خصيمهم في عقبهم ليلحقوهم أن يقتتلوا بهم. وسمع الباشا سعيد خبر خروجهم، وخرج إليهم الباشا ساعتئذ، وردهم ومنعهم عن الخروج، ورجعوا في البلد.

ومكثوا فيها إلى صبيحة السبت السادس والعشرين من الشهر المذكور، خرجوا من البلد ومشوا إلى ناحيتهم. لاكن بقي هنالك منهم ناس، ثم ذهبوا في غده يوم الأحد ولحقوا إخوانهم.

وفي نهار الجمعة رابع من شهر ربيع الثاني منه مطرنا مطراً فيه برد وثلج كثير، وهي اثنين خلت من يوليه.

وفي يوم الاثنين السابع منه ورد إلينا خبر من جني بأن مولاي عبد الله بن مولانا بن ناصر حفيد مولانا إسماعيل خرج من مغرب ولاتة بالعوالي، إلى أن دخل قرية من قرى جني قريب منه، ورام الدخول في البلد، ونهاه عنه جيش جني ولم يقبلوا له. ومكث هنالك إلى صبيحة واحدة من وقت فجرها دخل عليهم البلد في مسجد واحد من مساجدها، وما يعرف الناس بدخوله حتى أدركوه هنالك. وقال لهم: أنتم ما تعرفوني، أنا من حفيد السلطان مولاي إسماعيل. فقالوا له: نحن ما نعرفك، وما نعرف إلا الباشات وأولادهم، وأما أنت ما نعرف قدرك ولا من هو أنت، ولا نبالي منك.

ثم خرج البلد في تلك الساعة إلى القرية. ثم اجتمع الرماة ونادى المسبين في المشوار، وطرحوا عنهم أربعمائة ألف ودعاً، وأعطوها لمولاي عبد الله المذكور. ومن حين فرقوا الودعة المذكورة من بينهم بالزمان وباسم كل واحد منهم بقدر ما يطى، عملوا اسم الحاج مسعود بن الحاد صالح الأفراني في الزمان، وقد صدره في جني يومئذ وهو من المولدين. وليس منهم في هذا الطريق عادة معروفة، أن المولدين ليس عليهم شيء، ولم يعط من المسبين لأهل المخزن.

وكل الناس قالوا هذا الكلام لهم، فلم يرضوا به. وكثروا فيها الكلام ولحوا عنه إلا أن يعطى منهم كرهاً، وحتى غضب عنهم. وحين غضبوه مشى إلى داره وحمل مائة مثقال ذهباً وأتاه في المشوار بين يدي الرماة، فقال ها هو سهمي مائة مثقال، إلا فليعط كل واحد مثل ذلك من سهمه لأهل المخزن. فعند ذلك خلوا سبيله وتركوه. وأما الرماة ما خلوا سبيلهم في تلك المقالة. وتركوا الحاج مسعود وحلفوا عن المسبين إلا أن يعطوا لنا ألف ومائة مثقال، فعطوها لهم بذلك. وأخذوهم وسجنوهم إلا أن يعطوا لنا ألف ومائة مثقال. فعطوها لهم كرهاً. فحينئذ طلقوهم، على ما سمعت والله تعالى أعلم.

وأما خبر صحيح معدوم في زماننا هذا بالكلية، وليس من يوثق بحديثه في هذا الزمان، حتى صار جيلة [؟] وطبع في بلدنا تنبكت، ولو كان مكتوب، وحتى أن يكتبوا كذب الحديث في البراواة، نسأل الله تعالى العافية. وما يتحقق أحد على أمر كانت أنه هو كما كانت صرفاً ولا عدلاً، سمعاً أو عياناً، حتى يعملوا فيه القيل والقال. بل يزيد بعضهم على ما سمعت من القيل. وقد ابتلا الله بذلك هذا الزمان كلهم. ولو كان ولي فلا بد أن يتكلم بين الناس من القيل إذا تكلم أو يصمت.

وفي يوم الاثنين ثامن وعشرين من الربيع النبوي من تلك السنة، أعني سنة تسع والأربعين ومائة وألف، خرج الناس للاستسقاء، وهي ستة وعشرين خلت من يوليه، عن إذن الفقيه القاضي بابا المختار. ثم مطرنا ليلة الأربعاء آخر ليلة منه مطراً وابلاً.

وفي تلك الساعة من هذين الجمادين منه كانت الوقعة الكبرى والمصيبة العظمى من بني العرب، وفيها أهلك الله جرابرهم شباباً وشيوخاً. وذلك لما خرجوا من بلاد أطرام وقتلوا هنالك من عدوهم، وانهزموا وتفرقوا وقدموا إلى تنبكت. ثم مشوا إلى أروان.

وبعد انفصالهم معهم إلى هنا ومن هنا إلى أراون سمعوا خبرهم أنهم وصلوا أراون وبوصول بعضهم في أزاوال، وسمعوا خبر كسبهم من أين كانوا. ثم مشوا في أزاوال يطلبون رزقهم. وسمعوا أولاد عامري بأنهم في أزاوال يطلبون أرزاقهم، فخرجوا إليهم يطلبوهم، وهم كبراء العامري كلهم أجمعين. وتلاقوا يوم خروجهم في موضع يقال له نبكة هام، واقتتلا. وجرى بينهما حرب وقتال شديد ومعاركة هائلة.

وقتلوا من العامري يومئذ الحاج يوسف بن أحمد بن الحاج والحاج حافظ ومرزوق شيخ والحاج علي معتوق، وجرح الشيخ علي بن دهمان ومات بعد اليوم، وغيرهم. وانكسر حدهم وخلى شوقهم. وقتلوا منه شياطين الإنس يومئذ. نسأل الله عافية الدنيا والآخرة. وأما الآخرون من خصيمهم فليس عندنا خبرهم، وما عرفنا شيئاً لهم.

ثم عزل الباشا سعيد يوم السبت ثامن وعشرين من جمادي الآخرة. ومدته فيه أربعة أشهر أو ستة أشهر.

سعيد بن القائد سنيبر بن الباشا مسعود بن منصور ولي بعد عزل القائد الفع إبراهيم بن القائد حمد بن علي التزركيني يوم الخميس ثالث وعشرين من رجب الفرد سنة إحدى وخمسين ومائة بعد ألف. وذلك أنه خرج من كبر ببراءة الكاهي محمد بن القائد أحمد الخليفة التي أرسلها للجيش، وصادق به القائد سعيد المذكور في كبر. وجاء القائد سعيد ببراءة الكاهي محمد المذكور ووصلته للجيش، وقرأوها.

وأما في الكتاب أن مولاي سعيد ومولاي الذهبي مع جودار ابن القائد المبارك بن الحسن التي في بلد جنجو قد قطعا الطريق في جنجو بنفسه، وقبض حمد كوري، ونزلا قاربين من الملح وأكلاها. وأما جودر فقد قطع الطريق متاعه وودعته البيضاء.

ولأجل ذلك طلعه باشا عشية الخميس ثالث وعشرين من الشهر المذكور، وهو قائد لبني سعدون يوم توليته، وولي فيه بعده القائد بابا سيد.

ثم نادى المسبين وطرح عليهم ألف وخمس مائة مثقالاً ذهباً، وعطوها له بالودعة عددها ثلاثون مائة ألف ودعاً، وقسم به الراتب للجيش. ثم خرج من تنبكت بمحلة من آخر شعبان المنير، ومكث في كبر حتى سلخ شهر المعظم رمضان واستهل شوال، وصلى عيد الفطر في كبر.

ثم مشى إلى جنجو بمحلته بعد ما طلب مولاي عبد الرحمن بن مولاي حمد ومولاي سليمان بن داوود المسامحة من الباشا سعيد، وهو في تنبكت وما زال ما خرج بمحملته. وطلبا من الباشا المسامحة والتأخير إلى أن يذهبا إلى مولاي سعيد وذهبي ليكلما لهما لكي يردا ما حملا من متاع الناس. فسامح لهما. ومشى إلى وكي ولم يدركا إلا مولاي ذهبي وحده، وكلما له أبوه، وأخذ ما عنده من الملح من بقية متاع الناس وردها لأربابها. ثم قدما إلى تنبكت.

في تلك الساعة قبض الباشا سعيد مرسول الشريفين المذكورين الذي جاء في تنبكت لقضاء حوائجهما وقتله في السوق. ثم سافر الباشا سعيد من مرسى كبر إلى مقصده جنجو.

وفي بتلك الساعة من هذا الأيام جاء أغمر بن ألل التارقي، ووجد الباشا في المرسى، وما زال ما سافر. وبعد ذلك مشى أغمر إلى المغرب، وتبعه مولاي الذهبي لينادي مولاي سعيد أن يصالحا مع الباشا على يد أغمر المذكور.

وفي يوم الأحد آخر يوم من شهر شوال من ذلك العام توفي إمام مسجد جامع الهنا الإمام بابا أحمد بن الفقيه المصطفى بن عبد الله الكوري، رحمه الله تعالى. وفي غده والله أعلم جاء مولاي سعيد وحده ودخل في داره، ولم يتكلم من أحد.

وفي شهر ذي القعدة الحرام جاء مرسول الباشا سعيد من عنده في جنجو، ومعه براواته للقاضي والمسبين، قائلاً فيها أنه قد وصلنا إلى بلد جنجو ونزلنا فيه. وهرب جودر مع صهره فرن كانون إلى عند أسكيا موسى واستحرما عنده لنا على أن يعطيا لي على أنفسهما مالاً. فرضينا لهما، وأخذت من جودر ما يأخذه من حمد كوري من متاعه وودعته التي اختلفت له قبل، فأخذتها منهما كلهم، ولم يترك منهما له ودعة واحدة.

ثم جاء جودر عند الباشا في محملته جنجو. وأراد أن يقبضه في الضي، واستشفع عنه أسكيا الحاج وأخذه من يد الباشا وساقه معه إلى عنده في قباه. وقيل أنه أمره بالهروب، فهرب أيضاً، ولهم يجده الباشا حتى سافر إلى تنبكت. وأما فرن كانون قد بقي في هروبه أولاً.

ثم توفي الكاهي يحيى الهندي من المحلة في بلد جندو يوم الثلاثاء سابع من ذي الحجة الحرام آخر السنة المذكورة.

وفي هذا الشهر، أعني شهر ذي الحجة المذكورة، جاءت أرباب الملح في بلدنا تنبكت، وهي رفقة كبيرة جداً. وهم أغريب من أهل ساحل، ومعهم صاحب الحاجات. فيهم واحد من حفائد مولانا إسماعيل أيضاً، ما سوا مولاي عبد الله بن مولاي بن ناصر. وأما عدد الغريب فزادوا على خمسمائة رجل، وقيل عددهم سبعمائة رجل.

دخلوا في بلدنا سالمين، ثم سافروا سالمين. ولاكن حقروا حال البلد العدم الرجال فيها، وما يدركوا الرماة هنالك، وقد كانوا في المحلة مع الباشا سعيد يومئذ.

ثم رجع الباشا بمحلته تنبكت سالماً غانماً بعد حصول بمراده ومناه كلهم، وكذلك رماته الكبار. وغنموا بمال عظيم في هذا الغزو، وفيها كل صنف من الخير والعطايا.

واهتدى به كفار بنبر كلهم أجمعين من إقليم درمي إلى بري ومن إقليم بري إلى نحية المغرب، من أين كانت المحاربين والقطائن، فالحمد لله على ذلك.

وفي رجوعه قتل الفلانيين أهل سنقر القائد بن منصور بن القائد علي بن محمد التزركيني، وهو في قاربه قدام المحلة في الطريق. وسبق المحلة عندهم إلى أن وصل بين قرية تندوي وقرية كذا، ورسى هنالك عندهم. ثم نزل وضرب مدفعه. ثم جاءه الفلانيين ورماه واحد منهم بحريشه وقتله، وذلك عشية الخميس سابع يوم من المحرم الحرام فاتح عام الثاني والخمسين ومائة بعد ألف.

والباشا ما زال أن يوصل هنالك. ثم وصل الباشا بمحلته إلى الموضع التي قتل فيها القائد المذكور، وحلف بأن: لا أرجع حتى أكسر حلة الفلانيين أو تأينا بالذي باشر بقتله أو ديته كاملاً. ونزل هنالك بباقي المحلة، وجاز الباقون منهم القائد حمد بن الفع منصور والقائد بابا سعيد بن القائد حمد زند، قد وصلا تنبكت قبل قدوم الباشا. ثم تلقاه في المرسى حين وصوله هنالك. وجاء خبر وفاة القائد إلى تنبكت وقت ظهر يوم السبت التاسع من الشهر المذكور، وهو يوم تاسوعاء [=عشوراء] اليوم الثالث من يوم قتله.

ومكث هنالك الباشا سعيد، وتأخر وأخذ الأيام فيها نحو اثنين وعشرين يوماً. وفي يوم الجمعة آخر يوم المحرم جاء مرسول الباشا في تنبكت لأجل قضاء بعض حوائجه ولأجل إتيان خبر الصلح بينه وبين الفلانيين على أن يعطيه الدية.

ثم طلع تنبكت بمحلته يوم الأربعاء رابع من شهر الصفر الخير فاتح سنة اثنين وخمسين ومائة بعد ألف، سالمين غانمين. وما قصهم أحد إلا القائد المذكور والكاهي يحيى الهندي كما مر. ودخلوا ضحا، وطافوا على عادتهم المألوفة.

وفي عشية الخميس سادس عشر من شهر ربيع الآخر منه توفي الكاهي سعيد بن القائد العباس العمري الشرقي.

وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه جاء أهل درمي من عند درمكي الباشا سعيد برأس فرن كانون المذكور، قيل هو صِهر جودر بن القائد المبارك، وهو الهارب من الباشا عند مجيئه جنجو. وما وجدوه أهل درمي إلا بعد رجوع الباشا. ومكنوا منه وقطعوا رأسه وعملوه في جلد وبعثوه له. فلما وصله شكرهم عن فعلهم وفرح منه، وركب ساعتئذ إلى السوق وعلقه على الحائط إلى غده، نزلوه وهو منتن جداً.

وفي شهر جمادي الآخرة منه جاء خبر من جني أن جيش الونكريين وصلوا إلى أرض جني. وفي شهر شعبان المنير منه بلغنا أيضاً أنهم قطعوا طريق بين كُنب وكُب ومن بين جني.

وفي تلك الشهر من هذا العام سمعنا في بلدنا تنبكت أن الحرميين جاءوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش أكثر من عشرين ألفاً حتى قاربوها. فأمطر الله تعالى عليهم مطراً طلاً، فماتوا جميعاً بقدرة الله العزيز الجبار، فلم يبق منهم إلا طائفة، وهربوا حتى قاربوا ديارهم، ثم ماتوا بقدرة من يحيى العظام وهي رميم، والله أعلم بغيبه وحكمه.

وفي يوم الأربعاء ثاني من شهر شعبان المنير منه توفي الإمام بب بن الإمام بوي إمام مسجد الفع بكر، فمات في البحر من موضع يقال لها إنال مغروقاً، رحمة الله تعالى عليه.

وفي تلك الساعة جاء خبر أيضاً من جني أن محلة فامغ الونكري قد وصلوا بعد جني حتى قاربوها جداً، وامتنعوا أهلها بالمسير إلى أسواقهم، وحاصروهم حتى قبضوا بلد كنب ودخلوا فيها، وحصروا كل قرية من قرى جني، وحصروا بلداً منها يسمى بنكش.

وفي يوم الأحد الثالث عشر من الشهر المذكور توفي عمنا سعيد بن محمد بن الأمير بن محمد مود، رحمه الله تعالى آمين. وفي ليلة الخميس أول ليلة من المعظم رمضان منه توفي الكاهي بابا عبد الرحمن بن الكاهية سيد الهداجي، رحمه الله، ودفنه بكرة. وفي آخر شوال عند انسلاخه توفيت نازام حبيبة بنت القائد علي بن محمد التزركيني، رحمها الله تعالى آمين. وفي ليلة الأحد بين المغرب والعشاء العشرين من المحرم الحرام فاتح عام الثالث والخمسين ومائة بعد ألف توفي الفع عبد الله بن العلامة الفقيه أب موي ونكرب، رحمة الله تعالى عليه. وفي يوم الأربعاء ثاث وعشرين منهم توفي سيد ببكر بن الحاج حمود الغدامسي، رحمة الله تعالى عليه.

ثم عزل يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر أعني شهر المحرم فاتح عام الثالث والخمسين ومائة وألف، بعد ما مكث في السلطنة سنة وسبعة أشهر.

وفي آخر الشهر جاء مولاي عبد الله بن مولاي بن ناصر حفيد السلطان مولانا إسماعيل في البلد، ونزل حومة كِسم بنك أيضاً عند الشرفاء في ضيافتهم. واشترى منهم داره الذي نزل فيه قبل. وبناها وعمل فيه ثقوب كثيرة واشترى ميزاب كثير، وعملها في الثقوبات من الحيطان في كل وجه من وجوه الأربعة منها.

وفي يوم الثلاثاء بعد زوالها سادس يوم من صفر الخير منه توفيت نان أم بنت شيخ المداحين لأهل سنكري الفقيه محمد ابن العلامة الفقيه سيدي ابن فريد دهره ومصباح زمانه الفقيه العامل البحر الفهامة سيدي أحمد بابا، رحمها الله تعالى آمين، ورحم أسلافها، وعاد علينا من بركاتهم وبعلومهم آمين.

وفي يوم الاثنين ثاني عشر من شهر الصفر قامت الفتنة بين القائد أحمد بن منصور بن الفقيه محمد بن علي وبين القائد سعيد المعزول، واقتتلوا يومئذ لأجل عزلانه. وزعم أن القائد حمد المذكور هو الذي عزله. ثم اصطلحوا عشية الخميس خامس عشر منه في مسجد القائد عامر بن الحسن بن الزبير.

ثم رد أيضاَ بعد عزل القائد الحسن بن محمد العمري يوم الأحد تاسع عشر من الربيع النبوي سنة أربع وخمسون ومائة بعد ألف. واتفق عليه الجيش، وهو في كَيس يومئذ لبناء داره هنالك، وأرسلوا له رسلهم، وهم المشاور وشيخ الروى ونائب كاهية أهل الدائر والباشوطات الفوقاني. وأتوه في كيس وقالوا له: تكلم الجيش ينادونك ليعملوك باشا.

وباتوا عند ليتئذ. ثم أتى معهم إلى كبر نهار يوم الاثنين، ومكث هنالك إلى الثلث الأخير من الليل. طلع تنبك حينئذ إلى أن دخل مسجد سيدي يحيى زاعماً أنه يطلب بحرمته الإقامة منهم. وليس الأمر كذلك بحقيقته. ثم جاء أما الجامع الصبح وحدثه له، ومعهما كاهية المراكشيين الكاهية علي بن الجسيم. وكلما له على وجه النصيحة بأن اتكل على الله ويقبله. ثم مشى إلى داره بعد أن صلوا الفجر بعد الإمام.

وبات أهل دائر باب داره ليلة الأربعاء. في غده بكرة طلعوه باشا ثاني دولته. ومكث فيه، ولم يتحرك بشيء إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر من شعبان خالفوا عليه وعزلوه ثمانية أيام. ثم ردوه يوم التاسع أيضاً.

وكانت بعد رجوعه هذا غلاء ووباء أو فتنة. قد امتلأت الأرض من غلاء المفرط مشارق الأرض ومغربها، من إقليم أرض بنب إلى أرض جني. ودخل في أرض دِرم وبرا وجهة كدنكبا وما يليها من حوص إلى كرم. ولم يكن أرض ولا بلد ولا قرية كلهم إلا سواء بسواء.

وابتدأت الحوادث والغلاء المفرط التي لم تعهد مثها في تنبكت قبل هذا الوقت من أيام القائد الحسن العمري، وبقيت تزداد حتى عمت الآفاق والأقطار. وبلغت في الشدة مبلغاً حتى أكل الناس ميتة البهائم والأدميين والدم المسفوفة. ومات في المجاعة خلق كثير، ومات منها من الخلق ما لا يحصى عددها إلا الله.

وفرغ الجهد من الناس حتى عجزوا عن تجهيز الأموات. ولم يزل الناس كذلك يزداد ويموتون بالجوع كل يوم. ويكفنون الناس باللباشات، حتى صاروا أهل البحر وأهل كيس لا يكفون إلا في الحصير أو في منكور، حتى عجزوا عن إدراك ذلك، يحملون الناس ويطرحون في البر كالجيفة، وبعضهم تركوه حيث ما مات أمراً وورى فيه من البيوت والأزقة بلا غسل ولا صلاة.

واستمر الغلاء المفرط في كل شيء من الطعام وغير الطعام واللباس، وحتى ما يلبس الاناس من شقة وتارى وغيرها، وحتى وصل قيمة قدح واحد من البش عشرة آلاف ودعاً أو أزيد. ونفقة واحدة من القمح بثلاث مائة ودعاً. ولا يأكل خيار الناس إلا بذر كلب الحشيش، هو الذي سميناه في كلامنا بِداني، أو بذر آخر من الحشيش المسمى بقنش، أو بذر عرف هي مأكول من أرذال الناس وأدناهم. وأما الشقة والتاري معدوم وكل ما كان لباس، وكذلك القطن معدوم جداً، حتى يبيع الناس ذراعاً واحداً بمائة ودع ومائة ذراعاً بعشرة آلاف ودع، وحتى يلبس الناس كل شيء مما سوى تاري، ويلبس الستورات كلها من جميع الكلات حتى يفنيها. ثم لبسوا الكاس من الصوف، وهي ثوب لأهل البادية من هدة البحر، وليس هذا الصوف الكاس من لا يذكر أن يلبسه أبداً حتى يموت. ومن الناس أن يلبس الغدار، ومن الناس أن يلبس الزرية لعدم ما يستر به عوراتها.

فأقامت نحو ثلاث سنين من العام الرابع والخمسين إلى العام السادس والخمسين. ثم استرخى قليلاً. وعجز الناس بالكلية من أهل تنبكت، وفرغ المال من أيديهم، وباعوا أثاثهم وأمتعتهم. واتفق جميع الأشياخ على أنهم لم يروا مثله قط، ولا رأوا من رآه، ولا سمعو بمثله من الأشياخ قبله. وما أظن فيه من أموال البلد وسكانها لأن هذا الغلاء لا يفي ولا يبد أبداً حتى لا يبقى أحد من تنبكت، والله تعالى أعلم بغيبه وحكمه. وها هو في البلد إلى الآن.

وأما الفتنة قد وقع بين البرابيش يقتلون بعضهم بعضاً، ولا يبالون الله ورسوله في خسارة النفس. وكذلك الرماة يقتلون بعضهم بعضاً. وجرى فتنة بين محمد بن الخيش رئيس كتوان وبين الرماة في المغرب من محلة السلطان مولاي إسماعيل. وساق إليهم كل من يحمل الصلاح من ناحيته منها من يحمل المدفع من قبائل العرب. ومنهم حمد فلاني ابن فندنك ماسنة تمالوا على أن يغيروا على المحلة. وخرجوا في عسكر عظيم وطاحوا عليهم فانكسرهم المحلة وشتتوا شملها. ومات فيهم حمد فلاني وهو من أهل الدولة والسعادة.

وقيل وإن حمد فلاني خرج عنه إخوانه الفلانيون الذين هربوا من قبيلتهم ومن حلاتهم ماسنة من عهد الأزمان السالفة. فلما رأوا حمد فلاني عرفوه. وخرجوا إليه من المحلة يطلبونه حتى يخلوا به وقالوا له: أتعرفنا أنت؟ فقال: نعرفكم. ثم قال: احمد لله على ذلك كمثل هذا اليوم نطلبه نحن من زمن كلها. ثم طرح كمّه على وجهه ورموه بحرشانهم حتى مات. ومات في قبيلة كتوان بعض خيارهم.

وقد ملك التوارق الدنيا كلها من التكرور من حوص إلى كرم، وملك الفلانيون بعض كرم من ناحية الجزائير يسمى أركن. وأرفعوا أيدي الرماة عن أرضهم، حتى صار الرماة يعطون غرامة للتوارق، نسأل الله تعالى العافية.

ومن مات في مدته هذه: وفي ليلة الثلاثاء أول ليلة من رجب الفرد من ذلك العام أعني عام الرابع والخمسين ومائة بعد ألف توفي المؤذن الكبير لمسجد سيدي يحيى باب سيد بن محمد بن سيد كلن، رحمه الله تعالى آمين.

وفي ليلة السبت السادس والعشرين منه وقت العشاء الآخر توفي الفع الصديق بن الإمام محمد بغيغ بن الإمام كورد، رحمه الله تعالى آمين.

وفي ليلة الجمعة وقت فجرها ثاني من شهر شعبان المنير توفي منذ محمد بن منذ علي رحمه الله.

وفي ذلك الشهر توفيت نان ست بنت عبد الرحيم بن القائد علي الترزكيني، رحمها الله. وفي يوم السبت الرابع من ذي الحجة الحرام آخر شهور السنة المذكورة توفي الإمام محمود بن الفقيه المصطفى بن عبد الله رحمه الله. فكان رحمه الله حافظ القرآن مليح الصوت إذا قرأ القرآن أو إذا يمدح من المدائح، رحمة الله عليه. وولي إمامة مسجد الجامع الهنا بعد أخيه الأكبر الإمام بابا أحمد. وبعد موته ولي فيه ابن أخيه بابلاطواج، ومكث فيه نحو ثلاث سنين ومات. ثم ولي فيه بعد موته محمود بن الفقيه العالم العلامة الأمين بن أحمد بن محمد بن محمد تاشفين الوداني، أطال الله مدته فيه.

ثم تحرك الباشا سعيد بمحلة إلى أسفي، ونزل في قرية أسكيا الحاج بن أسكيا بكر يسمى بُننبك، وفيه داره سكنى. ومكث الباشا من هنالك، وصرف الرجال إلى كل قرية من قرى كفار بنبر في الناحية وكسروها. وطاحوا على إحدى عشر قرية وكسروها، وقتلوا رجالهم، وهرب بعضهم منهم، وأسروا نسائهم وذراريهم، ورجع بمحلته سالمين غانمين. وما قص أحد منهم، والحمد لله على ذلك.

وفي مدته هذه تولى سعيد بن القائد أحمد بن علي التزركيني كاهية لسربته الفاسيين. وقد كان خروجه من تنبكت عشية الجمعة الخامس عشر من المحرم الحرام فاتح عام الخامس والخمسين ومائة بعد ألف، ورجع في شهر ربيع الثاني منه. ثم عزل يوم السبت ثاني عشر من الشهر المذكور. ومكث في السلطنة سنة وشهراً واحد[اً و]عشر يوماً.

ثم رد ثالثاً بعد عزل القائد سعيد بن القائد حمد بن علي التزركيني يوم الأحد رابع عشر من شوال آخر شهور سنة ست وخمسين ومائة بعد ألف. وذلك لما قتل القائد سعيد بن القائد أحمد الكاهية علي بن الجسيم ليلة السبت ثامن عشر من رجب الفرد منه. وانتظره من باب مسجد سيدي يحيى وقت العشاء الآخر حتى صلوا خلف الإمام، وخرج إلى داره. فلما خرج من المسجد ووصل دار الفع الإمام لحقه القائد سعيد التزركيني هنالك، ومعه أربعة من عبيده، وضربوه حتى مات. ثم رجع إلى داره، وأمر بالحزام. وحزموا عليهم.

وبعد رجوعه جاء إليه ناس وفتشوه ليعلموا من هو، وأتوا بقنديل وعرفوه. ثم جاء أهله وحملوه إلى داره، وهو في حال الرمق إلى أن توفي في تلك الليلة.

والقائد بابا سيد هو في كبر من تلك الأيام، وأما القائد سعيد بن منصور فقد كان في قريته كُير طاع، والقائد بابا سيد طلع في تنبكت ساعتئذ. وما زال أن يشغلوا بتجهيزه حتى جاء ودفن ليلتئذ. ثم مكثوا لحزامهم، وبعثوا للقائد سعيد ينتظروا قدومه. ولم يتحركوا بشيء حتى جاء القائد سعيد بعد الغد نهار الأحد التاسع عشر من الشهر المذكور. وفي العشية قتل الحاج مسعود بن الحاج صلح برمي الرصاص باطلاً من غير قصد.

ثم جاء أرباب الحاجات من الحمول فيها كل صنف من أنواع اللباس والهداي والملف أحمر سكرناتي. ومن جملة أرباب الحاجات نزيل القائد سعيد التزركيني. وكان وصولهم تنبكت يوم الثلاثاء الحادي والعشرين منه.

ثم خرجوا عنهم أهل سارنكيني في إبراز، وطاحوا عليهم وخرقوا حمولهم ونهبوها وشتتوا كلهم، حتى ما بقي لهم شيء. وهم أولاد علي المبارك مع بعض رماة أهل جامع الكبير وسائر الناس. وقد تلقوا مالاً عظيماً يومئذ.

ثم تلاقوا عند بئر أهل جامع الكبير، واقتتلوا عشية السبت يومين من شهر شعبان المنير. واقتتلوا من هنالك إلى مساء. وفيه جرح على شامي في إحدى رجليه. وكل ذلك ما دخل القائد سعيد بن منصور في الفتنة.

ثم طلب منهم القاضي باب أن يمسكوا أيديهم بضرب المدافع لله ولرسوله، وهو يوم الأربعاء السادس منه. وقبلوا له ومسكوا عن الضرب ثلاثة عشر يوماً، ولم يفد بشيء. ثم رجعوا عن الضرب عن حاله ليلاً ونهاراً. ثم تلاقوا يوم الاثنين ثالث من المعظم رمضان واقتتلوا من بكرته إلى زواله. ثم مكثوا بلا قتال ولا فائدة ولا صلح وربط رؤوس الناس بما يصلح من بينهم.

وكل ذلك لم يدخل القائد سعيد من قتالهم. ثم خرج إلى قرية يندبغ عشية الأربعاء سادس وعشرين من رمضان، وأخذ هنالك نحو عشرة أيام. ثم جاء مع عبيده لغات وطلع البلد ليلة الأحد هو بنفسه، وترك عبيده في مرسى كبر، وهي ليلة السابع من شوال. ثم أتاهم عشية الأحد. ثم اجتمع الناس والقاضي في مسجد سنكري يوم الاثنين الثامن منه، ومعهم القائد سعيد بن منصور ليصلحوا من بينهم.

وبعث القاضي وفقهاء البلد والشرفاء إلى عند القائد سعيد التزركيني بأن يعطي العبيد الذين قتلوا معه الهالك أن يقتلوهم ويطفي نار الفتنة من بينك وبين إخوان القاتل أولاد علي المبارك. وقال لرسلهم أن يقول لهم: ما نعطيهم إلا بالشرع أو بالسلطنة. فلما سمع القائد سعيد بن منصور ما قاله التزركيني، فقال: صدق ما قاله وما يقول إلا حقاً، لاكن اجعل له ثلاثة أيام لينظر أنفسنا.

ثم بعث إليه القاضي والفقهاء وجاء إليه القاضي والفقهاء، وقال له القاضي بعد السلام عليه: فنحن مرسول إليك من القائد سعيد. فقال: أن تعطي لنا العبيد وتترك هذه الفتنة لوجه الله تعالى ورسوله، ثم لأجل هذا البلد وسكانه من المسبين والفقهاء والنساء والأطفال والفقراء والمساكين. وقال لهم: لأن العبيد ما فعلوا شيئاً وما قتلوه، وإنما أنا قتلته، فلا نعطي عبيدنا قط، وما نعلمهم إلا في يد السلطنة أو الشرع العزيز. فتأمر الناس بالحضور وتعمل الشرع بيني وبينهم، ونعمل وكيلنا ووكيلهم، وتجمعهم في دار القائد سعيد بن منصور غداً وتحاكم من بيننا.

وفي غده يوم الخميس اجتمع الناس مع القاضي وشهوده والفقهاء ووكيلين، وكيل القائد سعيد التزركيني ووكيل أولاد علي المبارك، الإمام بابا بن الفع محمد بغيغ. وعمل القائد سعيد المذكور في يد وكيله زمام مكتوب فيه ثلاثة آلاف وخمسمائة مثقال ذهباً مال نزيله الذي تلفت فنهب أهل ساريكين يوم قدومه. وتحاكما بحضرة الناس كلهم، وجرى بينهما كلام. ثم حكم على وكيل أهل ساريكين بنص القرآن العظيم أن النفس بالنفس، وقطع الكلام به.

وفي تلك العشية عملوا الفاتحة على القائد سعيد، والجور معدوم في البلد ساعتئذ. وصرف القائد سعيد كاهية الدائر أن-وِكي أن يرفد له الواغة من الجور ليلة الجمعة الثاني عشر منه. ثم عاود إلى القائد سعيد التزركيني ليلة السبت لأجل العبيد، وطلب منه أن يعطيهم له لكي يطفئ بهم نار الفتنة ويطفئ النار التي وقدت في قلوب أولاد علي المبارك من أجل قتيلهم.

فأبى له، وعمل عليه الحزام وضرم نار من ناحنته في السوق ساعتئذ، وعبيده لغات أمرهم أن يضربوا بوقاتهم. ثم كلم الناس له وحل الحزام بكلامهم. وفي غده يوم السبت بعث القاضي أن يأخذ العبيد عنده، فأتاهم إلى داره. وركب معهم ساعتئذ إلى الموضع الذي قتل فيه الكاهية علي، أمر بقتلهم هنالك، وهم ثلاثة عبيد، وقد هرب واحد منهم ونحا.

وقيل أن القائد سعيد التزركيني تعاهد قتل الكاهية علي بن الجسيم مع القائد سعيد بن منصور والقائد بابا سيد، والله تعالى أعلم بغيبه وحكمه.

وولي يوم الأحد رابع عشر من شوال بهذا التاريخ المذكور قبل، لاكن ما يعطيه لنوبة إلا يوم الأربعاء السبع عشر من الشهر المذكور. وكملوا عليه وضربوا عليه النوبة في ذلك اليوم. وولى ببكر بن الفع منصور كاهية لأهل المراكشيين، ومحمد رمضان بن القائد أحمد زنك وولاه لكبر فرم. ورد سيد محمد بن عبد الله في حكومة البلد، والفع بتي بن الكاهية سعيد مشاور.

وفي يوم السابع لم يعمل عادتهم بالركوب والطواف لأجل الفتنة من بينهم. ويوم رحيل الباشا إلى القصبة، أي يوم ثالثه عشية، وهي عادة جارية، ويحضر القياد والكواهي هنالك مثل ذلك اليوم. فجاء القائد التزركيني هنالك في تلك العشية مع القياد والكواهي.

فملأ أولاد علي المبارك غيظاً من قلوبهم بمجيئه وخروجه. ثم عاوده يوم السابع وجاء في القصبة. ومتى جاء ودخل وحيا الباشا وجلس قامت الكاهية ببكر والقائد بابا سعيد وخرجا إلى دارهما وتركاه عند الباشا في المشور.

وأما القائد سعيد المذكور ما يعمل هذا الخروج والمشي إلى القصبة في هذه الساعة عاجلاً بعد مثل هذه الوقعة التي جرى بينه وبين أولاد علي المبارك إلا بما بينه وبين الباشا سعيد من العهد ومألوفة القرينية والمصاحبة من حين طفوليته. وأيضاً ومن طرقة أسلافهم من عهد زمانهم إذا وافقوا عن أحد منهم ولي برضاء كلهم، فكلهم سواء عنده ولا يختار أحداً عن أحد.

وكان القائد التزركيني طليباً لأولاد علي المبارك ساعتئذ، والباشا سعيد هو واسطة بينهم يومئذ وبسطة يده عن كل أحد منهم بالقوة والقهر الذي أعطاه الله عنهم سواء، بل كلامنا هذا كله وإنما يعمل القائد التزركيني الخروج والمشي فيهم بالعدل والسرعة إلا بقلب قوي شديد جداً أقوى من حديد وحجر الذي رساه الله في صدره، وليس فيه خوف ولا هول ولا جزع ولا وحل ولا طمع، ولا يبالي منهم من يقتله. وهذا هو حقيقة الحال، لا كاد أن يقوم الفتنة لأجل خروجه يومئذ.

ومكث عند الباشا قليلاً بعد خروج القائد بابا سيد والكاهية ببرك. ثم قام وحياه وخرج إلى دار مولاي سليمان لسلام عليه، ورجع داره.

وفي هذه الأيام من الشهر المذكور رحل القائد بابا سيد من دار سكنى أبيه إلى دار الحاج ميلاد، وسكن فيها كي لا يقوم الفتنة من بينهم، ويسبق فيه من سواهم من عدوهم، ويكون شماتة لهم. وهذه الدار قصر طويل مشيد جداً التي بناها الحاج ميلاد لنفسه. وما يبنيها إلا في قلب البلد وأوسط الحومات كلها شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً. ويطلع من يصعد عليها من كل جهة من الجهات الأربعة، بقرب من تحت صدره.

وفي يوم الاثنين ثالث من المحرم الحرام فاتح عام السابع والخمسين ومائة بعد ألف جاء الحاكم عبد الرحيم بن القائد أحمد بن علي التزركيني من بلد شيبي، فجاء في قاربه حتى قرب مرسى كبر جداً دون الشوف، ورسى في موضع جزيرة يسمى تات غنغ. ولم يوصل إلى المرسى المعروف الذي هو تحت كبر لعدم أمانته منهم لأجل هذه الفتنة التي جرى بينهم وبين أخيه، ولأن قرية كبر لأهل رماة ساريكين أولاد علي المبارك خاصة، دون سائر الرماة من المراكشيين وغيرهم. ولهم فيها عبيد وأماء وحراطين وفناف ولفوف من الناس. هي كدار لهم، فيها عيالهم ورماتهم.

وما أمن عبد الرحيم من البلد وأهلها، وبات في الجزيرة المذكورة ليلتين أو ثلاث ليال، وهي ليلة السبت وليلة الأحد وليلة الاثنين. وفي صبيحة يوم الاثنين بعث أخاه القائد سعيد من يلقاه من رماته إلى تنبكت. ومشوا للقائه إلى مرسى كبر. فلما شافهم عبد الرحيم فحينئذ دفع قاربه من الجزيرة حتى رسى كبر، ومعه رجل في القوارب.

وحين خرجوا رماة القائد سعيد للقاء الحاكم عبد الرحيم خرجوا في إثرهم رماة أولاد علي المبارك، ومعهم التوارق. وأدركوهم في مرسى كبر وقاتلوا معهم، وقاتلوا مع عبد الرحيم خاصة قتالاً شديداً حتى قتلوا واحداً من رماته من أهل شراق من ذرية الباشا علي بن عبد الله. وأخذوا من كل من بقي من رماته ورماة أخيه.

وكان قتالهم يومئذ من صبح ضحوة إلى تلك العشية، قتلوه حينئذ وتركوه ميتاً. وبات هنالك إلى في الغد مشى إليه الباشا سعيد وأمر بحمله إلى روضة سيدي أحمد معيا. ودخله هنالك. وأمر بغسله وكفنه ودفنه في القبور.

وقيل أنه كفنه إمام كبر في قميصة الذي أعطاه له بعد أن غسله، وبعد ذلك جاء الباشا وأمر بحمله كذلك إلى تنبكت، وهذا أصح، رحمه الله تعالى آمين.

وفي يوم السبت الخامس عشر من الشهر بلغنا من خبر إلى تنبكت أن عبد الله بن عبد اللطيف بن القائد علي التزركيني والقائد مام بن الهالك عبد الرحيم، لما سمعا خبر قتل عبد الرحيم، قد منعا للمسافرين أن يجاوزوا إلى جني، وحبساهم عندهما في بلد شيبي مع قواربهم الذين ملأوا بالملح. وقالا نحن مسكناهم حتى حققنا بحقيقة قتل عبد الرحيم، فحينئذ أكلناهم. وبابابوا الخير هو الذي جاء بالخبر من عند الكاهية شراق في بلد تندرم.

فلما وصل الخبر إلى الباشا قطع ساعتئذ أحد عشر رجلاً من الرماة وبعث للقائد سعيد التزركيني والكاهية سنمغ أن يعطي من يمشي من إخوته مع هذه الرماة إلى عبد الله بن عبد اللطيف والقائد مام بن عبد الرحيم ويكلمهما بأن يخرجا في طريقنا.

وأعطاه القائد سعيد أخاه عبد السلام وأعطا الكاهية منمغ أخاه محمد بن الكاهية أسامة. وقالا لهما أن يقولا لعبد الله والقائد مام أن يتركا المسافرين وللقاءهم، ويخلي سبيل الباشا من زمنه، لئلا يقول له الناس فأنا آمركما بما فعلتما، وما نحن آمر لكما بكل ما فعلتما في هذه الساعة من زمنه، فكل ما فعلتما بعد هذا من زمنه فنحن بريا منكما. ومشوا إليهما وكلما لهما، وتركاهم وخلى سبيلهم.

وفي ليلة الخميس العشرين منه بعد صلاة العشاء توفيت نان معي بابا علي أج ودفنت في غده بكرة من خارج سيد أبي القاسم، رحمها الله، وهي عدوز وماتت عن أربعة وتسعين سنة.

وطرح عن المسبين أربع آلاف مثقال ذهباً، وأخذه منهم، وأكله هنيئاً. وما يتحرك بشيء من محملة في هذه المدة.

وفي يوم الأربعاء أحد وعشرين من ربيع الآخر منه، أعني سنة سبع وخمسين ومائة وألف، توفي معلم ببرك الحجامي، رحمه الله، وهو ابن خمس وثمانين سنة.

وفي يوم السبت ثاني يوماً من جمادي الأولى منه رجع غزوة توارق تدمكت إلى الفلانيين ثايناً، وفيهم أغمر.

وفي يوم الأربعاء السادس من الشهر المذكور منه تخاصم خدام الفاسيين مع خدام المراكشيين أولاد علي المبارك عن بئر أهل جامع الكبير من موردهم الماء. فتخاصموا وتقاتلوا وضربوا بعضهم بعضاً، حتى كاد أن يتحركوا الفتنة من بين سيادهم، وحتى حفر القائد بابا سيد بئراً من جهة حومتهم ساريكين. وسكت به فتنتهم لئلا يقوم من بينهم.

وهو رجل عاقل فطن سريع الفهم جداً، ابتدأته يوم السبت التاسع من الشهر المذكور واشتغل به أياماً. وعمل فيها نزاع بالعبيد والأماء ومعلم البناء، ونادى أولاد أهل الحومة البلد كلهم، ومع ذبح القراة [=البقرة[ لهم في كل يوم مع الموائيد الكثير حتى تمها منه. لاكن ليس بمليح، وصارت ماءه عزباً مالحاً، وتركه.

وفي يوم الجمعة الثاني والعشرين منه في تلك السنة، أعني سنة سبع وخمسين، توفي الفع أحمد بن الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن الإمام محمد كورد في بلد تُنبع، رحمه الله، وهو إمام لمسجد السوق. ثم استخلفه فيه الإمام بابا بن الفقيه محمد بن الإمام محمد بغيغ، طال الله عمره فيه. وقد ولاه يوم السبت العشرين من شهر رجب الفرد من تلك السنة عن إذن الفقيه القاضي المختار بن القاصي محمد.

ثم عزل الباشا سعيد يوم الجمعة عشرين من شهر الربيع النبوي سنة ثمانية وخمسين ومائة بعد ألف. وقامت الفتنة من بينهم، ووقدت نارها. وعملوا الحزام في كروشهم، وتقاتلوا، وجرى بينهم قتال شديد. وحاصروا أهل الفاسيين أيضاً في حومتهم، لا ذاهباً ولا راجعاً لهم، وحتى حبسوا عنهم الماء ودفنوا بئراً لهم من ناحيتهم.

ومكثوا في الفتنة على هذا الحال نحو أربعين يوماً. وصبروا عليها حتى يفناها الله من بينهم. وليس منهم الكاهية ببرك بن الفع منصور في هذه الفتنة، وما يعمل شيء فيه، وإنما يكون إلا مع القائد سعيد التزركيني، وصارت محبة من بينهما. ولأجل ذلك ما يكون مع أخيه القائد بابا سيد، ولا مع الباشا سعيد المعزول في الفتنة.

ثم اصطلحوا ودخلوا الحزام. وراود منهم الباشا أن يردوه بعد الفتنة، فأبوا له. الحاصل عزلوه في اليوم المذكور، قيل بعد ما مكث في السلطنة سنة وستة أشهر.

سعيد بن القائد حمد بن علي بن محمد بن عبد الله التزركيني تولى بعد عزل القائد سعيد بن منصور في دولته الثانية يوم الخميس سابع عشر من شهر ربيع الثاني سنة خمس وخمسين ومائة بعد ألف. وكان كاهية الفاسيين من يوم توليته، واستخلفه فيه ابن عمه الكاهية سنمغي بن الكاهية أسامة بن علي التزركيني، وهو كاهية دائر يومئذ. واستخلفه فيه بعده بأمر من الباشا ببرك الكاهية بن الكاهية الشيخ العمري.

ولم يجد في تلك الساعة من يتولى لأهل المراكشيين بعد عزل الكاهية علي بن الجسيم نفسه في محلة الباشا سعيد بن منصور، قبل مجيئهم تنبكت. وقام جد بن البربوش الكربا بعد الكاهية علي المذكور، وولاه كاهية المراكشيين، وأعطاه النوبة هنالك بأمر الباشا سعيد، إلى أن جاء تنبكت فكان معزولاً، ورجع لوطنه كِيس. ثم تولى فيه الكاهية علي بن الجسيم أيضاً إلى أن مات.

وفي يوم السبت سابع عشر من جمادي الآخرة في هذه السنة، أعني سنة خمس وخمسين ومائة بعد ألف، توفي الأخ المحب شيخنا الفقيه بابا سَي بن الفقيه أبكرسي بن محمد سي ابن الفقيه القاضي محمد جم قاضي ماسنة، رحمة الله تعال عليه، وتوفي في بلد أروان، رحمه الله آمين.

وفي يوم الأحد وقت الزوال ثامن عشر منه توفي الفقيه الإمام أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن محمد بن تاشفين الوداني، رحمه الله تعالى آمين. واستخلف في الإمامة بعده الأمام عبد الله الشهير بباير بن الفقيه القاضي سيد أحمد بن الفقيه القاضي إبراهيم بن الفقيه عبد الله ابن العلامة الولي الصالح سيدي أحمد معيا، أطال الله حياته فيه، وأدام نعمه عليه في مدة زمانه كله آمين، وأصلح له عاقبته بخاتمة الخير بعد كمال مقصوده كله وتمام إرادته أجمعين بمنه وفضله وإرادته آمين.

وفي يوم الجمعة آخر يوم من الشهر المذكور وقت الاصفرار من تلك العشية، واستهل شهر رجب والناس شافوه وما زالوا في الزغارية والتهاليل عليه، قتل أولاد القائد علي التزركيني القائد زنك بن الكاهية عبد الكريم بن القائد سعيد بن عمر الفاسي، رماه واحد من أهل الفاسيين بحريش وقتله.

وذلك أن القائد المبارك بن صلح بن القائد محمد بن شيخ علي الدرعي تحزم حينئذ برماته، ومعهم القائد زنك المذكور، وسار إلى باب دار القائد علي بن رحمون، حتى قرب تحت برج القصبة هنالك، ومعه رماته. وضرب المدفع على الباشا سعيد التزركيني ليعزله، وقال القائد زنك ما هنا فيه، وهو كلمة يعزلون به باشاتهم.

وقد اشترك [=اشترط] القائد المبارك المذكور من يتبعه من الرماة أن يكون أحداً من أرباب الورغ ليأخذ منهم سهماً متى قسموا غراماتهم، والرمي لا يأخذ سهماً إلا من سربته إن كان من الفاسيين، فيأخذ منهم، وكذلك من أهل المراكشيين. والقائد المبارك يسأل منهم سهماً جديداً في تبلك الساعة. ومن قام من الرماة ليسأل سهمه فلا يأخذه إلا بمشقة من بعد قتال أو قتل.

فلما ضربوا مدافعهم هنالك على عزلان الباشا، وهو في القصبة، خرج إليهم في الحومة أولاد القائد علي التزركيني، واقتتلوا معهم. وقتل هو بحريش حتى سقط ميتاً. ثم حمله أهله إلى دار القائد المبارك وفي حال الرمق حتى مات في آخر تلك الليلة. وخرج الباشا ساعتئذ إلى داره.

وفي تلك الليلة ماتت نان هري بنت القائد عبد الله بن القائد ناصر الأعمشي، هي زوجة القائد يوسف بن عبد الله، أم أولاده، رحمها الله.

فكانت هذا الحال فتنة بين القائد المبارك وبين أهل الفاسيين من جلب الرجال واشترائهم من بينهم. والقائد المبارك له مسنى في هذه الفتنة هو القائد سعيد بن منصور. ثم اصطلح مع سربته أهل الفاسيين حين نزل في أبراز رفقة مرتونس ليلة الأحد سادس عشر من الشهر المذكور، وأعطوه سهمه.

ورد الباشا في السلطنته يوم الثلاثاء الثامن عشر منه. ثم سافر الكاهية سنمغي بن الكاهية أسامة كاهية الفاسيين إلى درم أول يوم من شعبان من ذلك العام المذكور. وفيه، أي في الشهر المذكور، رد الكاهية علي بن الجسيم كاهية لأهل المراكشيين بأمر الباشا التزركيني.

ثم طرح الباشا سعيد التزركيني أربعة آلاف مثقال ذهباً عن المسبين، وأخذها منهم. وقسم البعض للرماة، وأمسك ما بقي منها لنفسه. وحقرت الرماة نصيبهم منه، حتى قالت معه بعد عزلوه في سلطنته. ثم عزله يوم السبت خامس من رمضان المعظم. ومدته فيه خمسة أشهر وأربعة أيام.

وقد طلع كوكب الذنب ليلة السبت السادس وعشرين من الشهر المذكور، أعني به شهر رمضان، واقتلعت في جو السماء من القبلة إلى المغرب بضوء عظيم عال جداً. ثم صارت كالمقوس معوج. وهذا أمر غريب الذي لم نره إلى الآن، وهو من حوادث الزمان وغرائبه.

وفي أيامه انفتح أبواب الفتنة من كل جهة ومكان. ورأيت هذا الكوكب طلع هذا العام، وهو عام ستة وخمسين ومائة بعد ألف، متوسطة بين فرع المقدم والمؤخر، والله أعلم بغيبه. وهو كما يصفه الكتب حالاً وصفة، نجانا الله من شر هذا الزمان وغيره، وأعطانا من خيره بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه آمين.

وقال صاحب الحديث أن أهل نجوم يذكرون أن كوكب الذنب طلع وقت قتل قابيل هابيل، وفي وقت الطوفان، وفي وقت نار إبراهيم الخليل، وعند هلاك قوم عاد وثمود وقوم صالح، وعند ظهور موسى وهلاك فرعون، وفي غزوة بدر، وعند قتل عثمان وعلي، وعند الجماعة من الخلفاء منهم الرائد بالله والمعتز والمهتدي والمقتدر.

وقال الوادني: الأحاديث عند ظهور هذا الكوكب الزلازل والأهوال. قلت: يدل ذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه. قال: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الوباء. انتهى. قلت: وإلى هذا، والله أعلم، أشار أبو عبد الله محمد العراقي رحمه الله في نظمه بقوله:

يا صاحبي اسمعا قولاً بلا كذب

أني أبين ما قد قيل في الكتب

دلائل الحق تبيانا وموعظة

في الكوكب الأشهب الموصوف بالذنب

إذا بدا طالعا نحو السماء ترى

في الغرب هولاً شديداً شيب بالغضب

لقلة الحب تبقى في الورى أمم

وكثرة الموت فيه ثم في الحرب

انتهى. وقد رأيت هذا مكتوب في الورقة في ذلك العام من أوراق شيخنا الفقيه العالم سعيد بن الفقيه محمد بن محمد كورد، حفظه الله ورعاه آمين. كتب الله لنا وللمسلمين فيها السلامة آمين. فكانت عجب العجائب لأهل زماننا هذا. وبقي يتحدثون فيه، فلم يعرفوا ما هو، أرانا الله خيراً أو وقانا شراً. وكتب الله لنا فيها السلامة والنجاة أمين.

ومن مات في تلك الساعة من بعد الأيام: وفي يوما الثلاثاء آخر يوم من شهر رمضان منه توفيت عائشة بنت الفقيه محمد بغيغ ابن العلامة أبي إسحق الفقيه الإمام إبراهيم بن أحمد بن محمود بغيغ الونكري، رحمها الله آمين.

وفي يوم الجمعة سابع وعشرين من ذي الحجة الحرام آخر شهور العام الخامس والخمسين ومائة وألف، توفي سن الفع أحمد بن عبد الله الفقيه أحمد طاغ ابن الفقيه الأجل الإمام إبراهيم بن أحمد بن محمود بغيغ الونكري. وقد مات مغروقاً، رحمه الله. وذلك لما جاء من جني ووصل في مجيئه موضع قريب من موضع آخر يسمى مِن كَيني يند، وبات هنالك. ثم قام منها وقت الفجر بالعجل وبتعجيل إلى مرسى كبر ليسبق فركي هناك، وهذا مراده به، والله أعلم. فلما دفع قاربه ووصل الموضع المعروف يسمى من كيني يند استغرق هنالك، وغاب القارب بكل ما فيه من الناس والمتاع. وقد بعث أهل كبر إلى أخيه الأكبر الإمام إبراهيم أن يناديه ليحضر. فجاء ومعه القائد سعيد بن منصور جاء لعونه، لاكن لم يروه إلا بعد يومين. فلما رأوه حملوه إلى تنبكت ودفن في جوار سيد أحمد معيا، رحمه الله. ومات هو وابنه وجاريته وعبيده وكل من كان في القارب. وأما من كيني يند، هو موضع معروف من زمن القديم يعرفون الناس بالغرق والخسارة لأرباب القوارب منه.

وفي يوم السبت الخامس من المحرم الحرام فاتح عام السادس والخمسين ومائة بعد ألف غاروا توارق تدمكت، ورئيسهم يومئذ محمد المختار ابن عمر، على طريق المرسى حال مجيئهم إلى تنبكت. وفعلوا ما فعلوا بهم من خسارة عظيمة. وساقوا كل ما حمل عليه تعاع الناس من الدواب كالإبل والحمير وفنيش وأوداش، منها واحد من الحمرى الحر للكاهي علي بن الجسيم. وقتلوا من الناس من قتلوا يومئذ، وذهبوا ببعضهم من الحرائر العبيد والأماء وأمتعتهم، نعوذ بالله من ذلك اليوم.

ثم جاء أغمر وأتى ببعض متاع الناس الذين أخذت من تواريقه من إبل والحمار وناس وخيل للكاهي المذكور، ورد له بجميلا يحمله له ليكافيه. ثم أخذ أغمر عادته من الرماة ومشى إلى المغرب. ثم جاز إلى القبلة بعد ما مكث فيه أياماً.

وفيه، أي الشهر المذكور، جاء الكاهية سنمغي كاهية الفاسيين من ناحية درم.

وفي يوم الأحد وقت الظهر أحد عشر من صفر الخير منه توفي الحاج محمد الرسموكي، رحمة الله تعالى عليه.

وفي شهر ربيع ثاني منه غزوا التوارق على كيس من ناحية بنك، وعملوا فيها خسارة كبيرة، وساقوا منها رجالاً ونساء حرائر. وقتلوا هنالك يومئذ بَنَي فرم كي مُعي ابن أرحم فرم يعقوب بن أسكيا محمد صادق بن أسكيا محمد بنكن بن بلمع صادق ابن أسكيا داوود ابن الأمير أسكيا الحاج محمد بن أبي بكر، رحمه الله.

وفي ليلة الأحد وقت العشاء الآخر سابع من شهر جمادي الأولى منه توفي الفع محمد، صنو الإمام علي، بن الإمام ببكر الكبري، رحمه الله تعالى أمين.

حرف الحاء

أحمد يوسف العلجي

الباشا حد بن يوسف الأجناسي

أحمد بن علي بن عبد الله التلمساني عرف بالباشا عم

حميد بن عبد الرحمن الحيوني

حمد بن حد بن يوسف الأجناسي

حم بن عبد الله العلجي ولي بعد خلع الباشا الحاج المختار في شهر المحرم الحرام فاتح عام سبعين بعد الألف. وفي ذلك العام عزل الكاهية محمد بن عبد الله الشطوكي في أوائل الربيع النبي عام أحد وسبعين والألف. وقامت بينه بين سربته فتنة لأجل عزلانه. وكان فيه قتال ومقاتلة، حتى طردوه، وهرب إلى المرسى. ودخل في القارب إلى موضع يسمى وراكوس. فلحقوه هنالك وقتلوه هنالك مع الكاهية الجسيم.

أما الكاهية محمد المذكور هو ذو مال وذو قوة وذو همة عالية وحكم شديد وأمر نافذ من من هو. وكانت في أيامه كاهية لأهل المراكشيين. فكان غالب عنهم في مدته بالسلطنة. فكم في الرماة من سربته أخذها وأكل دارها بمالها. وقد تبرعوا عزلانه من زمن نشم، ولم يقدروا عليه، حتى كملوا بتوليته باشا.

وما كانت فيهم إلا احتيالاً منه لكي يعزلوه ما فيه. ثم طمعوه في التباشات وامتنعوا له. فلما فطن عنه طغى وتجبر وحالت فتنة من بينهم، وحتى قال: إني ما أريد أن أكون لكم باشا وإنما أريد أن أكون سلطان أمير المؤمنين وخليفة المسلمين. وبويع كل من تبعه أجمعين وأجعله إماماً شهراً ونصف شهر. ومكث في تلك المدة في حال الفتنة والقتال صباحاً ومساء. وهو رجل طالب العلم فاهم، قد قرأ شيئاً من العلم. وكان على هذا الحال حتى طردوه وقتلوه في الموضع المذكور.

وقد أدركت أن في هذا العام، أعني به عام المكمل سبعين وألف في مدة الباشا حم بن عبد الله انقطعت الخطبة بنصر أولاد مولاي أحمد الذهبي في بلاد التكرور من بلد كُيكِي إلى بينا، بعد ما خطبوا بهم إحدى وسبعين سنة على جميع منابر مساجد التكرور إلى المدة المذكورة.

وبسبب ذلك قام الكاهية محمد الشطوكي حين امتنعوا الجيش بالتباشات فراود السلطنة الكبرى من فوق التباشات، وتسلطن على أهلا تنبك باتفاق عامة البلد حتى بايعه القاضي والأئمة والتجار وثبتوا له الإمامة. واتفق الجيش عليه إلا الفاسيين وقوم حاجتهم أن يخالفوه بعد أن يخطب به إمام جامع الكبير فوق منبره مراراً، وكذلك إمام القصبة. ثم نسخ اخطبة باسم سلطان محمد الشطوكي، ومحاه، ولم يكن الخطبة والنصرة باسمه [إلا] في تنبكت وكندام فقط، لا غيرهما.

وإنما أبدل اسمه باسم الباشا حم المذكور مكان اسم المنسوخ بقوله: اللهم انصر حم مولانا نصراً، تعز به الدين، ونزل به رقاب الملحدين، وزد بهم بسطة في العباد والبلاد، وافتح لهم فتحاً مبيناً، يا خير الفاتحين. وسيرت إلى كل بلد يكون فيه خطبة الجمعة، وابتدأوا به يوم الجمعة ثالث يوم من رجب الفرد سابع شهور عام مكمل سبعين بعد الألف. فسبحن من ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء.

ثم عزل في جمادي الآخرة، وقيل في أوائل الربيع النبوي. ومدة سلطنته ثلاثة أشهر على القول الآخر، وعلى القول الأول ستة أشهر.

أحمد بن القائد علي بن محمد بن عبد الله التزركيني تولى بعد خلع القائد سنيبر بن مسعود الزغري في المحرم الحرام فاتح المكمل المائة بعد ألف. وفي هذه المدة تحرك بمحلة إلى ناحية كُرار، وغزا فيه سنقري، وغنموا من تلك الناحية بأموالهم. وساقوا بقراتهم حتى شبعوا، ورجعوا سالمين غانمين، سالماً غانماً. ثم عزل في فور قفوله من تلك الغزو ليلة ثمانية من شوال آخر العام الواحد ومائة بعد ألف. ومدته في السلطنة عشرة أشهر.

ثم رد بعد عزل القائد عبد الله بن القائد ناصر الأعمشي يوم السبت ثاني من ذي القعدة الحرام آخر عام السابع ومائة بعد ألف. وفيه تحرك بنفسه إلى أنكب لأخذ القائد أحمد الخليفة، وقتله. ولم يجعلوه باشا إلا على انتقامه. فلما طلعه، فقال: إني ما نعمل سبعة أيام هاهنا، بل نخرج بالمحلة عاجلاً إلى بلد أنكب لانتقام القائد أحمد الخليفة. وذلك أنه قد قطع الطريق للمسافرين أيضاً، وخص به لأهل الفاسيين ونزيلهم وعيالهم، ويسب القائد أحمد الذي هو باشا.

ثم يطلب الجيش من الباشا أن يسامح عن الخروج بالسرعة إلى أن صلوا عيد النحر. فسامح حتى صلي العيد، فتجهز للمسير. وخاف أن لا يهرب أمامه حين سمع بقدومه إليه. وقيل احتاله [=احتال عليه] هنا عند الطلباء قبل أن يخرج.

ثم سار إليه بالجيش كلهم، فوجده هنالك كما يحب. وقاتله هو ومن معه حتى قبضوه له وأتاه. وأمر أن يجعله في سنكور مع أحجار ثقيل، ورماه في البحر في موضع يسمى يدورتب. ثم أتوا برجلين من أهل وكي عند الباشا، وهما يسبا الباشا، وقد سمع الناس منهما قبل ذلك اليوم. هما عبد الرحمن بن زبير وكلي. وأمر الباشا أن يشقق فمهما ساعتئذ. فسق فمهما من شدقيهما إلى أذنيهما. ومات فيه عبد الرحمن وبقي الآخر حتى إلى بعد عام الأربعين ومائة بعد ألف.

قيل ما يبغي الباشا بقتل القائد أحمد المذكور، ولكن أراد به قتله القائد سنيبر بن مسعود والكاهية سيد الهمداجي وغيرهما. ولم يشهر في قتل أحد منهم كمثل هذين المذكورين. وما قتلاه على غرض الباشا، بل بكي بعد نزوله في البحر.

ثم رجع بعد تمام كل مناه فيه إلى تنبكت. وبعد رجوعه بقليل عزل يوم الرابع عشر من رمضان المعظم سنة ثمانية بعد ألف ومائة. ومدته فيه سنة غير شهر.

ثم رده بعد عزل القائد سنيبر بن الباشا مسعود الزغري في شهر ربيع اللآخر عام اثني عشر بعد ألف ومائة. ولم يتحرك فيه. وعزل في شهر شوال آخر العام المذكور. ومكث فيه سبعة أشهر.

أحمد بن الباشا أحمد بن الباشا علي بن عبد الله التلمساني الشهير بالقائد أحمد الخليفة تولي بعد خلع القائد ذي النون بن الحاج الشرقي في شهر ربيع الثاني عام السادس ومائة بعد ألف. وذلك أنه لما قطع الطريق من تلك الساعة في بلد وكي، وأخذ أموال الناس وأفسدها. سار الجيش عنده إلى وكي مثنى مثنى وثلاثاً ورباعاً وطائفة وجماعة حتى استكملوا كلهم عنده في قرية وكي، ما خلى القياد والكواهي البارين الكبارين.

ومكثوا هنالك شهوراً، وطلعوه باشا على ما حلف عليه حين أخذت من الناس أموالهم. وحلف على أن لم يولوه باشا هاهنا إلا أن تعمل للناس أكثر وأكبر من هذه الخسارة أيضاً.

ولذلك دبروه الرجال الكبار الذين أثقلوا منه، وأرجحوا وصرفوا إليه الجيش ليأخذوا ما بيده من المال الممدود الذي وصل في يده، لئلا يعمل به الخسارة العظيمة لهم وللمسلمين. قيل أنه أنزلت سبعة وثلاثون قارباً، سبعة عشر منهم قارب الملح، وسبعة عشر الأخر من متاع، حتى والذهب المصرات. وقيل أن في الصرات سبعة وثلاثون ألفا مثقالاً ذهباً تبراً.

الحصل، فلما كمل الجيش عنده وقسم لهم الذهب وأعطا لكل أحد منهم بما قسم الله له فيه. وقالوا له: أمر الله، ثم أمرك، أنت هو باشا اليوم. فقال لهم: قد سمعت أنا هو باشاكم، ولاكن أين شروط السلطنة آلاته؟ أين الغياط والطبال والرباب والطار والمزامير؟ أين الطبل الزيداني؟ وأين الدفوف الأساكي وآلات الطرب كلها التي كانت للباشات؟ ثم قال: أين الكرش جوداري؟ أين أربع وأربعون من العلامات؟ وأين تسبيح المرجان؟ أين سيف القدر سلطاني؟ أين سيف الباشا المحلي بالذهب الأحمر المسمى بكب بُع؟ وأين سرج سلطاني المبارك المسمى بُو نظام كار بجرارها وكرة بسورها؟ وأين اللجام النصر المنظوم بالذهب الحلي؟ وأين الغبار المطلع؟ وأين أربع عشرين من الوسائد السلطاني مع فروشها؟ أين الفراشين؟ وأين أربعة وأربعون من أهل دائر مع كاهيتهم؟ وأين الباشوطات والضباشيات والوضاش والحملاجين؟ وأين القديم الكليلي؟ وأين الركاب المذهب؟ وأين ستير وجمال والكشن؟ بعثوا ساعتئذ إلى تنبكت أن يحضر الكل هنالك. فحضروها، وطلعوه باشا.

ونادى القائد علي بن القائد محمد شيخ علي الدرعي وولاه كاهية للفاسيين. وأدركه كاهية لأهل المراكشيين يومئذ الكاهية يحيى الغرناطي. والقائد عبد الله ولاه حاكماً.

ثم جاء مع القياد والكواهي، يوم وصوله في تنبكة، المخزن-تند، وعمل الديوان هناك. ودخل في المشور بالسلطنة والتباشان يومئذ، ومكث فيه ثمانية أيام أو تسعة. ثم عزلوه في يومين من رجب الفرد منه، وأجلاه إلى جني. وأبى أهل جني أن يمكثوا معه، وقالوا: ما نقدر أن نلبث مع الباشا المعزول.

ورحّلوه إلى كون، ومكث هنالك في الحبس إلى أن صار في ما صار من قطع الطريق وسلطة على الفاسيين، خصوصاً عن القائد أحمد بن علي بالسب وكلام الفحش، ومن ما يكون عار أن يقول لمثله.

ومكث محبوساً في بلد كون إلى أن عزل الباشا سنيبر بن القائد محمد بوي، هو الذي أجلاه. وبعد مدة مكث متى جاز عليه القوارب أخذ فيها المدافع الذين معهم ظلماً. ومكث كذلك زمناً طويلاً. ثم صار إلى بلده وكي.

وهنا موضع بابا أحمد بن منصور الشرقي التي قدمته قبل القائد أحمد الخليفة، وبه كرره هنا.

أحمد بن منصور الشرقي الشهير بباحمد تولى بعد عزل القائد محمد بن سعيد بن عمر الفاسي في شهر المحرم الحرام فاتح عام الخامس عشر ومائة بعد الألف. ومكث فيه عشرين يوماً، وعزل. ثم مكثوا أربعة أشهر ولم يتول أحد منهم في سلطنتهم.

وقد أشكلت علينا هنا في هذا التاريخ مما كان بين دخلو الباشا با أحمد المذكور بالتاريخ المذكور. وفي التاريخ التالي بعده من طلوع القائد علي بن المبارك بن علي بن المبارك الدرعي في شهر واحد من رأس عام واحد. القائد با أحمد المذكور قبل تولي في المحرم الحرام فاتح عام الخامس عشر. ثم بعد عزلانه مكثه فيه عشرين يوماً. وبعد ذلك مكث الجيش أربعة أشهر ولم يولوا أحداً في سلطنتهم. ثم تولى القائد علي المبارك المذكور فيه. ثم يقول بتاريخ شهر المحرم فاتح عام الخامس عشر ومائة بعد الألف. وهذا ما يمكن بالكلية، والله أعلم بذلك.

حمد بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي المبارك الدرعي الشهير بزنك تولى بعد خلع القائد محمد بن القائد حمد بن علي في جمادي الآخرة عام الحادي والعشرين ومائة بعد ألف. وهو كبر فرم يوم تولته، وما كان أحد منهم كان كبر فرم من يوم توليته إلا هو وحده. وفي فور ولايته تولى أسكيا محمد صادق سلطنة تسكية بعد عزلان منه أسكيا عبد الرحمن. وما مكث المعزول في الدنيا إلا قليلاً، ومات، رحمه الله. وقيل أنه شرب ماء الحلص حين عزله ليموت.

ودخل عليه مرسول السلطان، وعمل له ملعب كبير ومحسر كثير. وبعث لكل من كان قريب لبلدنا تنبكت من إقليم الساحل البحر، وكل من في الجزائر من كل جهة من الجهات الأربع. وجمع الناس لملعبه جداً، حتى الزغرانيين والفلانييثن، وكل من في طاعتهم من قبائل شتى وبلاد شتى. قد جاءوا كلهم في تلك العشية. وركب معهم، ومعه مرسول السلطان. وقيل إنه مرسول قائد من قياد السلطان. وطاقوا البلد ودخلوا بالسلامة. ثم صافته بالهداي إلى السلطان.

وفي هذه المدة حمل التراب لمسجد سنكري. ثم عزل في اثنا عشر من صفر الخير فاتح عام الثاني والعشرين ومائة بعد ألف. ومدته فيه ثمانية أشهر.

وممن مات في أيامه من الأعيان: وفي شره رجب الفرد من العام الحادي والعشرين ومائة بعد ألف توفي بنا فرم المسى إله بنا بن أسكيا محمد بن أسكيا الحاج بن أسكيا من نكن [=بنكن] بن بلمع صادق بن أسكيا داوود بن الأمير أسكيا الحاج محمد ابن أبي بكر، رحمه الله.

وفي اليوم السابع والعشرين من الشهر توفي الفع يوسف بن الإمام بوتي، رحمه الله.

وفي شهر شعبان التاسع منه من ذلك العام توفي أركُي الأمير بن أبي بكر، رحمه الله.

وفي ليلة العاشر منه توفي الفقيه أبكر بن الفقيه القاضي محمد بن الفقيه المختار بن محمد زنكن بن الفقيه بُكر المداح، رحمة الله عليه. ودفن في غده في جوار آبائه وأجداده.

وفي هذه الغد توفي سيد محمد بن الوافي بن طالبنا بن السيد الفاضل الولي الصالح سيدي أحمد أغاد، رحمه الله. ودفن في روضة سيد محمود.

وفي شهر ذي القعدة آخر العام الحادي والعشرين توفي الفقيه أحمد معيا بن الفقيه القاضي إبراهيم بن الفقيه عبد الله بن العلامة الولي الصالح سيدي أحمد معيا، رحمة الله تعالى عليه.

وفي شهر شعبان المنير عام الثاني والعشرين ومائة بعد ألف توفي القاضي محمد قنبل قاضي بلد تندرم، رحمه الله. وقلد القضاء ابنه القاضي المختار، سدده الله. وذلك في أواسط رمضان منه.

وفي آخر شهور من تلك العام المذكور توفي شيخنا في المكتب ومعلمنا من حين طفوليتي الفقيه أحمد المرجاني معلم الصبيان، رحمه الله تعالى وعفى عنه أمين.

وفي صفر الخير فاتح عام الثالث والعشرين ومائة بعد ألف توفي الإمام بوي بن الفقيه يوسف رحمه الله، ابن مام-أتي حفيد ثوم عثمان. وخلفه في الإمامة ابنه الإمام بب، طال الله عمره.

أحمد بن القائد سنيبر بن مسعود بن منصور الزغري تولى بعد عزل القائد سعيد بن علي التزركيني يوم السبت ثالث من ذي القعدة الحرام آخر عال الثامن والأربعين ومائة. وفي فور ولايته هذا تحرك إلى أرحم-غي من جهة تند-فور، وغار على الفلانيين. وقتلوا منهم ثلاثة أو أربع، وغنموا بخدامهم وحميرهم ومواشيهم ومتاعهم وأثوابهم إلى تنبكت. لاكن ما صابوا من بقراتهم قبل مجيئهم شيء، بل سمعوا بخروج محلة الباشا إليهم واختلفوا بقراتهم قبل مجيئهم، ولم يدركونا إلا أنفسهم من الرجال وانساء. وأخذوا نسائهم وجردوهن وساقوهن إلى فندنك-يام بن فندنك سير وردوهن له بهن. ثم درهن لأوطانهم.

وقد خرج إليهم الباشا من تنبكت عشية الاثنين ثامن عشر من ذي الحجة الحرام آخر شهور العام المذكور، ثم رجع فيه يوم السبت الثالث والعشرين منه، ورجعوا سالمين غانمين. وطاف بالملعب عادة ودخل في القصبة.

وفي هذه المدة قامت فتنة بين البرابيش. وسبب ذلك أنه وقع خصومة بين فتيانهم من أولاد عامري وبين أولاد المحفوظي، وتخاصموا حتى قتلوا ثلاثة رجال من المحفوظي، كلهم شقيقة أبوهم أحمد بن الحاج العامري، حين اقتتلا في حال القتال وماتوا جميعاً، بلا أن يدخل أحد من بينهم سواهم.

وقد جاء الغراب [=العرب] أولاد عامر إلى البلد في أواسط المحرم، ونزلوا في أبراز يوم السبت الرابع عشر من الشهر، أعني شهر المحرم الحمام، فاتح عام التاسع والأربعين ومائة بعد ألف. ومعهم أفخاذهما كالغنامي والخشي وغيرهم. الحاصل قد نزلوا في موضع أكُمار بأمر صاحب الأمر يومئذ الباشا أحمد بن القائد سنيبر المذكور، ومكثوا هنالك أياماً. ثم أمرهم بالرحيل من هنالك لئلا يدركهم فيها إخوانهم المفتونين أي خصيمهم، لكي يخرجوا لهم في الطريق بأن لا يوصل بعضهم بعضاً.

فأبوا عن كلام الناس وصمموا. وأمرهم الباشا بأن يخرج في الطريق لهم، وأبوا ولم يلتفت عن كلامه لأجل التكبر والشقاوة والطغيان فيهم. الحاصل ولا يبرحوا هنالك حتى حدث عقولهم لنفوسهم وكلم رؤوسهم مع أرواحهم من غير كلام أحد من الناس. فحينئذ رحلوا عن الطريق ونزلوا من جهة القبلة لأبراز. ثم جاء الطائفتان من العرب من أروان، ومعهم كاهيتهم الكاهية وقاضي أروان الفقيه القاضي الوافي بن طالبنا. وقدما لكي يعمل الصلح من بين العرب على يد الباشا.

فلما وصلوا وشرح في المشي من بينهم حاصرهم الباشا عن الدخول في البلد، ومنعهم الكيل، وبرح عن الناس في البلد بأن لا يكيلوا عند أحد، حتى وقع المجاعة في أروان وطاودي، وهلكت منهما خلق كثير، وحتى أكل الناس جلداً قديماً يابساً مطروحاً في الأرض من زمان، وكذلك أكل العظام البالية.

وفي يوم نزول العراب في أبراز يوم السبت رابع عشر من المحرم الحرام فاتح عام التاسع وعشرين ومائة بعد ألف ابتدأت حفر تراب البيض لمسجد جامع الكبير من جهة مغربه وراء قبر سيد أبو القاسم التواتي عند مجرى ماء البحر. حفروها بأمر الباشا أحمد المذكور، وقد يأذنه به القاضي بابا المختار.

واجتهد فيه الباشا المذكور، وجاء بنفسه في تلك الموضع بقباه، وقام هنالك، وجلس تحتها مع جنده وعمل ديوانهم فيه. ونادى أهل كل حومة من البلد ليتعاونه عنها. وأجابوا نداءه وحضروا بأشياخهم ومزاميرهم مع نسائهم بدفوفهن وشياختهم، وكذلك المداحين وإمام المساجد وشيوخ المداحين كلهم أجمعين، ما خلى القاضي وإمام مسجد سيدي يحيى وإمام الجزول.

الحاصل قد جاء كل من ذكرنا هنالك من يوم الابنتداء إلى يوم الانفصال منه، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من شهر الصفر منه. وكل ذلك كانت العرب في أبراز. ثم دخلوا البرابيش على بعض الرماة وطلبوا منه عن أرض الباشا بأن يعطيه الرشوة، فمنع لهم. وعزل يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر. ومدته في السلطنة ثلاثة أشهر ونصف.

وفي يوم السبت العشرين منه، أعني صفر الخير سنة تسع والأربعين ومائة بعد ألف، خرج القاضي الوافي وسيد عبد الوهاب من تنبكت إلى الطائفة الأخرى من العرب من قبيلة المحفوظي والعمراني والعيشي والنحاري، وهو في الصحراء من جهة أروان في أزواد، وقد نزلوا في موضع يقال له صدرة العظام، وهو موضع معروف من طريق أروان، وأدكارهم هنالك، وباتا عندهم ليلتئذ إلى الصبح. وطلبا منهم أن يتبعوننا إلى تنبكت ليصلح ويعمل الصلح من بينهم وبين إخوانهم. وقال لهم: نحن جئناكم في هذا الطريق بلاحترام، ورجعنا إليكم مشيخاً.

فرضوا وقبلوا لهما وتبعوا معهما إلى أبراز بالأمانة والعهد والاحترام التامة. وقدموا بهذا والشيخين من أمامهم إلى أن وصلوا أبراز. ثم داروا وتوجهوا إلى مغربها من جهدة كمكم-يعرد وإلى نبكة أم عائشة وإداج. وما جازوا إلى هاهنا إلا لأجل خصيمهم في أبراز، ولذلك جازوا لكي ينزلوا هنا ويسكنوا منها حتى يكلموا من بينهم بالصلح، وخصيمهم في مقابلتهم أبراز. فلما رأوهم جاءين مع السيدين، وهم جائز إلى الموضع المذكور، وثبوتهم كالعطشان الذين رأوا الماء، والقنحموهم كاقتحام الأسود من البقرات. وتلاقوا في جنان هنالك واقتتلا قتالاً شديداً من طرفة عين. ومات بينهم ناس وجرح كثير منهم. وقتل أبو الخير بن ألوا، هو خيار منهم. وعدد المقتولين من بينهم يومئذ ستة وعشرين رجلاً.

وانهزم المحفوظي والعمراني، وهربوا من أمام العامري طرفة عين وجعلهم أمامهم هاربين إلى ناحية المغرب من بعضهم وإلى أن وصلوا قرية كندام. وبعضهم دخلوا في بلد تنبكت مع نسائهم وصبيانهم وسكنوا في بيوت البلد ورحائبها وفي أزقاتها في خيامهم، وفيهم مجروحين. وممن كانوا في الديار بعضهم في دار بابا بو زيد، وبعضهم في دار الكاهية عبد الله بن القائد محمد بوي، ومنهم من كانت في دار القائد باحد عند ابنه الكاهية محمد، ومنهم من كانت في دار القائد سعيد بن القائد علي التزركيني، ومنهم من كانت في دار المشاور أحمد بن الفع مام ابن الباشا يحيى، ومنهم من كانت في حومة كِسم-بنك عند الشرفاء وخيامهم منصوبة في رحابهم.

ثم جاء الباقون من هروبهم، ورجعوا بعضهم عن بعض. وما بقي منهم أحد إلى [=إلا] بُنبار وحده، هو الذي بقي من الهروب، ولا نعلم أنه هو حي أو مات. ثم تبين لنا أنه مات. وقد جاء بين العرابي أغمر مع توارقه ومحمد بن الحسين ومن تبعه وابن هظير مع تابعه. ودخلوا بينهم في الوقعة التي جرى من بين العرب يوم الجنان، وتعاونوا بعضهم عن بعض حتى انهزموا قوم آخرون، ونهبوا أموالهم ودخائرهم التوارق وأهل تنبكت، وغنموا بأموالهم، حتى ما يقال أهل لهذا اليوم إلا بتل كذا.

وهذا ما جرى من بين البرابيش والتوارق ولصوص أهل تنبكت في الوقعة التي وعقت بينهم في البلد يوم الجنان في الموضع المسمى كمكم-يعر، وما الذي جرى من بينهم بعد هذا اليوم في نبكة-هام، فقد ذكرته في الكتاب قبل هذا بعد ثاني دولة القائد سعيد بن علي التزركيني، انظره هنالك في حرف السين. وبعد هذه الوقعة المذكورة دخلوا الرماة بعضهم على بعض، ونظروا أنفسهم في شأن من يولوا باشا لئلا يكون البلد سائبة للفتنة والخسارة.

وولوا القائد سعيد بن علي الترزكيني باشا في دولته الثانية. سد الباب الفتنة ودخل على فتنة العرب والتوارق، وذلك من يوم الاثنين ثاني وعشرين من صفر الخير في تلك السنة المذكورة.

تنبهي: لما عزل حمد بن القائد سنيبر بن الباشا مسعود في أول سلطنته يوم الجمعة ثامن عشر من صفر الخير فاتح سنة تسع والأربعين ومائة بعد ألف، بعد أن جلبت طائفتين من العرب في أروان مع كاهية بلد أروان الكاهية علي بن الكاهية عبد الكريم وقاضيها الفقيه القاضي الوافي، طالبنا لطلب موفقتهم على أيديهم. فلما وصلوا تنبكت حاصرهم عن الدخول ومنع عنهم الكيل بأمر الباشا أحمد مذكور كما مر.

ثم دخلوا على بعض الرماة أي حمد بن الفع منصور ليعزلوا لهم الباشا. فعزله لهم وأعطوه رشوة. وفي غد يوم عزلانه كانت وقعة العرب التي في موضع يسمى كمكم-يعر، وهو بقرب نبكة أم عائشة وإداج. وذلك اليوم الذي كانت من بينهم أعمر ومحمد بن الحسين وابن هظير في معاونة بعضهم عن بعض، حتى هزموا الطائفة الأخرى ونهبوا التوارق ولصوص أهل تنبك أموالهم.

ثم دخل الرماة بعضهم على ليلة الأحد إحدى وعشرين من الشهر ثاني يوم من الوقعة، وطلبوا من بينهم من يتولى في السلطنة لئلا يكون البلد سائبة. وكملوا هكذا وتوافقوا على القائد سعيد بن علي، وولوه باشا يوم ثالث الوقعة يوم الاثنين الثني والعشرين منه. سد الباب الفتنة لأنه دخل على فتنة العرب والتوارق.

ثم تحولت الفتنة وصارت من بين التوارق وأهل تنبكت. وابتدأت الفتنة والخوف وعدم الأمانة بينهم من بلك الساعة في البلد. وقطعوا طريق المرسى عن أهل تنبكت، لا ذاهباً ولا صاعداً ولا طارق يطرق في ليل ولا في نهار. أغمر ومحمد بن الحسين وابن هظيز من ناحيتهم، فكل أحد منهم رجع إلى حلته بأموال كثير من غنيمة العرب الذين صابوا في ذلك اليوم.

والباشا سعدي الذي ولوا البلد يومئذ كانت في البلد مع طائفة من العرب وبعض التوارق في ناحية أخرى من البلد، وأفاد منهم شيئاً، ثم عزلوه. وكل ذلك كانت الخوف وعدم الأمانة من بين أهل تنبكت والتوارق. فكانت توقيفاً وتخويفاً في الناس من بين تنبكت وكبر. ثم تناظر الرماة بعضهم بعضاً عن الحال من الطريق المذكور.

وقد كانت من آخر جمادي الثاني في العام المذكور، والله أعلم، أو أوائل رجب الفرد. فتناظروا بعضهم بعضاً في تلك الساعة لما فيه، أي في طريق المرسى من الخوف، وحتى ما يمشي أصحاب الحمار إلى المرسى في كل يوم، ولم يقدروا عليه إلا أن يجتمعوا كلهم ويثبتوا عقولهم في رؤوسهم ذهاباً ورجوعاً بحفظ الله تعالى.

ولذلك توافقوا الرماة في النظرة بعضهم على أن يمشوا معهم كل يوم. وابتدأوها في أوائل شهر رجب الفرد، يمشون مع أصحاب الحمار كلهم أجمعين من أهل فاسيين وأهل المراكشيين يتبعون للكل. ثم بعد ذلك جعلوه بالنوبة من بين السربتين المذكورتين يوم بعد يوم، فكل سربة يمشون بهم في يوم نوبتها، سربة بعد سربة. وابتدأوا بالفاسيين بتعاً، ثم المراكشيين، ثم الفاسيين، ثم المراكشيين. وهكذا يفعلون كل يوم من الأيام، ولم يرضوا لأحدهم أن يتخلف من صاحبه البلد. الحاصل يمشون بهم كل يوم، وهم معهم من حين خروجهم إلى مرسى كبر إلى حين قفولهم.

فقد قلنا أنهم بدأوهم من أوائل شهر رجب الفرد من تلك السنة، أعني سنة تسع والأربعين ومائة بعد ألف، إلى أوائل شهر الله المعظم رمضان منه، استرخوا من الأمر وأمهلوا عنه، وجعلوا يمشون يوماً ويجلسون يوماً، إلى أن سلخ رمضان واستهل شهر الفطر بيوم السبت، والرماة في الجلوس، ولم يتبعوهم كالحال الأول. وطلقوا الأمر وحلوا حزامه ووقفوا تارة يمشون معهم وتارة قعدون، حتى كان يوم الأحد ثاني من يوم الفطر.

وقد مشوا أصحاب الحمار يومئذ من أن يتبعهم الرماة إذ جاءت صرخة من الخوف في طريق المرسى. وقالوا أن التوارق طاحوا على أصحاب الحمار حين قدومهم إلى تنبكت، أو قال المخبر أنهم سمعوا خبر التوارق جائين قبل مجيئهم. فخافوا وبعثوا صرخة في تنبكت وقت القائلة.

وحينئذ يخرجون الرماة يالبسرعة إلى طريق المرسى، وحداناً وحداناً وثني وثلاثاً، ولم ينتظر أحد لأحد حتى تكملوا في الغابة ولحقوا بعضهم بعضاً. ولم يروا واحداً من التوارق في الصحراء وجعلوا يريدون إلى مرسى قادمين من أصحاب الحمير. ثم خرج المشور بابا سيد بن كبر فرم عبد الله، ومحمد بن القائد ناصر بن القائد عبد الله بن ناصر، وعلي شامي بن الكاهية بن شوش باش علي، وبكر دغي فرم إلى طريق المرسى ليلحقوا أصحابهم بعد خروجهم.

وأما التوارق قد هربوا أمام الجيش من حين جاؤوا عنهم، واختلفوا في الغابة وما وراءهم، حتى خرج إليهم من ورائهم هؤلاء الرجال الأربعة المذكورين. خرجوا إليهم في الغابة ودفعوا عنهم خيولهم وشتتوهم وفرقوا من بينهم، وحملوا المشور المذكور ومحمد بن ناصر من أمامهم، يطردوهما حتى يلحقوهما، وقتلوهما وجردوهما. وأما الرجلان الآخران علي شامي وبكر دغي فرم فقد توجها في الهروب من أمامهم إلى تنبكت إلى أن دخلا، وهما مرعوبين. وحكى مما جرى من الخبر. لاكن لم يعرف أنهما يقتلان. وخرج الناس ساعتئذ يريدون خبر الطريق رجالاً ونساء.

ثم سمع الرماة الذين يمشون إلى المرسى هذا الخبر، وخرجوا من كبر وتوجهوا في الصحراء يريدون من أين صرعوهما، حتى وجدوهما مكروحة في الأرض مطرعاً. لاكن ما وجدهما في موضع واحد، بعيد ما بينهما. وأدركوا أن المشور قد مات. وفات وما عليه ثوب إلا سرواله التي يتركوه فيه، وقد بل بدمه جداً حتى يقطر منه.

وحملوه إخوانه الرماة عن فرس، ومعه محمد بن بُب في السرج. وحزمهما معاً، ونزل عنهما قبنان [=غبنار أو غنبار] من الملف وجسده كله في تحب الغبنار ورأس يباح من خارج، حتى أتاه إلى قبر سيد الوافي نزلوه وحلوا الحزام ودفنه هنالك بعد أن غسلوه وصلوا عليه.

وأما محمد بن ناصر فقد وجدوه حياً، وحملوه إلى تنبكت، ومات بعده في تلك الليلة وقت العشاء، ودفن في قبر سيدي حمد معيا، رحمهما الله. وقيل أنهما جاءوا بجنازة محمد بن القائد ناصر بعد المغرب، ودفنه في الروضة ليتئذ، وهي ليلة الاثنين الثالث من شهر شوال المذكور عام تسع والأربعين ومائة وألف.

فكانت هذه الحال بهتة ودهشة في بلدنا تنبكت، وقد امتلأ الرماة بالغيظ والغضب، وغضبوا غضباً شديداً. وقد بلغ الأمر منهم غاية ونهاية وألمت قلوبهم، ومكثوا خمسة أيام كسكران، وما هم بسكارى، ولاكن رؤوسهم مربوط وعقولهم بقفول، ولا يعلمون ما فعلوا من الأمر. ثم اجتمعوا ونظروا بعضهم بعضاً وعقدوا وتوافقوا وطلبوا من بينهم من يتولى في الأمر في هذه الساعة. ورد الكلام من بينهم. ثم ولوا الأمر لمحمد بن القائد سنيبر بن مسعود، بعد الموافقة والمشاورة ومن لم يحضر هنالك، والتحليف له على أن لا يخالفوه في ما عزم من أموره كله.

ثم رد باتفاق الجيش كله بعد عزلان القائد سعيد بن علي التزركيني يوم السبت الثامن من شهر شوال عام التاسع والأربعين ومائة بعد ألف. فكان في هذا الأمر من قدر الله وقضائه التي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.

وفي فور ولايته قطع من الجيش ثلاثين وعمل عليهم الكاهية الحسن بن القائد حسين وصرفهم إلى كاغ ليطلع قائداً لهم ويحلسوهو هنالك بالحراسة إلى أن قدم إليهم بالمحلة.

ثم قطع منهم طائفة أيضاً وجعل عليهم الكاهية الفع إبراهيم بن القائد حمد التزركيني، وصرفهم إلى بلد بنب، وأمرهم بالرباط هنالك إلى أن تجيء بالمحلة. وأمرهم بطرد التوارق على ساحل البحر بالكلية، وتردوا كلهم إلى ناحية أداغ. وهذا ما عزم عليه الباشا أحمد.

ثم نادى المسبين وطرح عليهم ألفين مثقالاً ذهباً، وأخذها منهم وقسم التراتب للجيش. وناداهم لأخذه من تنبكت إلى قرى كيس. ثم خرجت قباواته إلى باب كبر عشية الجمعة ثاني من المحرم الحرام فاتح عام المكمل خمسين ومائة بعد ألف.

وجلع الطواف والملعب كعادتهم في تلك العشية وهذا الطواف من طريق أسلافهم متى خرجوا من قباواتهم للمحلة إلى باب القصبة من جهة باب البحر أن يطوفوا البلد كلها. خرجوا من القبلة إلى أن يرجعوا بالمغرب. لاكن ما خرجها الباشا حمد إلا عشية، وما يخرجها ضحى على العادة المعروفة لأسلاف الماضية، وإنما يخرجها إلا وقت الضحى. ثم شرع الناس في الكلام من القيل والقال تفاؤلوا عليه بسوء من خروجه عشية، إلى أن يجري الله عليهم ما قدر وقضا. وقدر لهم أن يموتوا في رحبة موضع واحد.

ثم شرع الرماة في التفتيش بالقراءة والطرح والكهانة على أنفسهم، وحتى قيل أنهم طلعوا عن علامات موتهم في المحلة وهلاكهم فيه. وخرجوا ما بين ظن وشك، وما بين خوف ورجاء، وحتى قيل أن ما عند أحد من كبرائهم إلا أن لا يرجع إلى داره أبداً تحققاً. ولاكن الله عالم الغيب والشهادة، وهو العليم الخبير.

ثم شرعوا في التجهيز والاشتغال وإصلاح شغولهم من أمور زادهم في البلد وإصلاح أمورهم للمشي بعد خروج القباء بتسعة أيام، ويمشون إلى المرسى كل يوم مع أصحاب الحمار من تلك الأيام، إلى أن خرجوا بالمحلة. وهم عن العزم والحزم وعن العهد والعقد وعم الحلف والميثاق الأول الذي فيه إرادة الله وقدره بهلاكهم، حتى خرج بالمحلة يوم الاثنين الثاني عشر منه، هي شهر المحرم فاتح المكمل الخمسين.

وخرج إلى مرسى دعي، ونزلوا بقباواتهم، وهنالك كمل عليه الجيش كلهم أجمعين خاصة وعامة بندائه. فأجابوا دعوته في كل قرية من قرى كيس وبنك ورماة برا. وبعث الكاهية محمد بن القائد أحمد الخليفة، فأجابه وأدركه هنالك. وما زال ما خرج إلى مرسى دعي وولاه كاهية لأهل شراقة، وخرج معه. واستخلف لأهل كبر أخاه القائد سعيد وجعله رأساً لهم حينئذ. ثم تركه هنالك حين جازوا بالمحلة.

فلما وصلت المحلة إلى المرسى أتى إليه كل من دعاه من الرماة كيس وبنك وبرا كلهم أتوا بمن معهم من قبائل شتى وبلاد شتى، من السودنيين من أهل برا وأهل كيس وعبيد القائد منصور لغاط كلهم، وما تخلف أحد منهم، ومن قبائل العرب البحريين من أولاد شبل والفلانيين، كلهم حاضروا لديه. فكانت جيشاً عرمرماً.

وأخد هنالك أحد عشر يوماً ويمشون إليهم أهل كبر كل يوم بعيشهم، ويمشي كل من يحتاج إليهم من كبر. وبعد ذلك قطع التوارق ما بينهم من الذهاب والرجوع. وقيل بادك بن فندنك سيني بين كبر وبين مرسى دعي، وموضع قتله قريب من كبر. وقتلوا ببير فاطاج أيضاً من ما بين كبر وتنبكت. وخرج من تنبكت يريد المحلة برسالة المسبين الذين أجروه عن رسالتهم. فلما خرج تلقاه التوارق في الطريق وقتلوه، والمحلة ما زالوا هنالك يومئذ.

ثم رحلوا إلى منكين يند عشية الأربعاء الحادي والعشرين من الشهر المذكور وباتوا هنالك ليلتئذ. ثم عزم على أن يبور بالمحلة إلى طغي أي أن يجازوا في بحيرة هنالك إلى بلد طغي. فمنعوه الناس عنه وكملوا [=وكلموا] له على وجه النصيحة. فلم يسمع لهم لأنه من قضاء الله وقدره الثي قد آن وقرب أن يكون، وهو كائن كيف يشاء، وإن الله على كل شيء قدير.

ثم كملوا [كلموا] له أيضاً وقالوا: لا يقابل جيش إلى عدوهم، ثم يبور يبتلى أقدامهم في البحر، ثم يتوجهوا من ناحيتهم إلى المغرب، قد سمعنا ما هو أحسن ولا من الفأل الحسن، وإنما هو من الفأل الحسن إذا قابل جيش عدوهم فتقابلوهم من جهة القبلة إن أمكن لهم، ولذكل قلناه لك، فإن لم يمكن لنا أن نعملهم إلى القبلة فلا يجاز بنا في هذا البحر إليهم قط، وهذا ما قلنا بوجه النصيحة، إن سمعت لنا فهو خير، وإلا فما شاء الله كان.

فصمم ولم يلتفت عن كلامهم، كأنه من لم يكلم له أحد، وهو ممن لم يقبل بكلام الناصح في أمر القتال، وهو رجل وجيه لحيان أكحل شجاع بطال جداً، ليس يفهم ولا عقل في أمر القتال والحرب. ومتى دخل فيه لم يعقل ولم يفهم إلى أن يوقع هو ومن معه في الهلاك فيهلكوا أو ينجوا.

ثم رحل بعد كلامهم وأبرّ بمحلته إلى طغي ونزل هنالك، وبنوا قباواتهم هنالك في موضع لم ينزلوا الباشات فيه عادة. ثم عاودوا عنه بكلام لما نزل من هنالك وقالوا له: سمعنا من أشياخ المتقدمين أن هذا الموضع الذي نزلت فيه ما نزل فيه جيش إلا كان مغلوباً بعدوهم، فلحّ عنه في الكلام. فأبى وصمم ولم يبرح فيه ولم يسمع لهم، ومكثوا هنالك حتى يدركوهم التوارق فيها، والعياذ بالله.

ولما علم أغمر بخروج الباشا أحمد بمحلته جمع قبيلته من توارق تدمكت وكتوان وتوارق هويلكني وتوارق غالي موسى وغيرهم ممن كان في رعيته وطاعته يومئذ. وكما جمع الباشا أحمد قومه كذكل جمع أغمر قومه وقبائله أو أكثر جده من الجيش.

وبعد نزول المحلة في طغي تحرك هو بجنده فأرتحل بكافة الناس من أهله وعياله وكل من تعلق به مع مواشيهم أجمعين، ولم يتخلف من حلته أحد من رجالهم ونسائهم إلا يأتوا معه. وخرجوا من جهة بنب إلى أن نزلوا في قرية بوك. وقد توجه إليهم هنالك عبد المؤمنين بن سيد محمد المصطفى حفيد سيد أحمد بن قاد الكنتي يوم واحد خرج من تنبكت إلى عند أغمر حين سمع أنه هنالك. ثم رجع وسألوه الناس عما عاين من عددهم. فقال لهم: إنه والله وما عاينت إلا كجراد منتشر فأكثر، وعددهم لا يحصى ولا يعد ولا يحصيهم إلا الله تعالى، وها هم يأتون.

ثم وصلوا تنبكت في وقت السحور ليلة الأحد الثامن عشر من المحرم، وأدركوا أهل البلد كلهم خارجاً في رحائب البلد في ذلك الوقت. وقد جازوا كلهم علي تنبكت من القبلة وإلى أبراز، وهم جائزون إلى المغرب بخيولهم ورجالهم وعبيدهم ونسوانهم ومواشيهم وأمائهم كلها كأنهم لم يتخلفوا من ورائهم شيئاً.

وهم في حال المجاز لم يقطع ولم يبتر من المجاز، وهم كما جازوا الجراد من ذلك الوقت إلى بعد صلاة العصر. ثم خرج الناس من أرزال بلدنا، وهم يقتفون آثارهم من ورائهم ويلتقطون ما عجز من مواشيهم من البقر والغنم والحمير من القبلة إلى المغرب من خرج البلد، وحتى يلاقوا بأحد من امرأتهم، وأخذوها وهي عطشانة ويريد الماء، وساقنوها إلى دار الباشا أحمد، ودخلوها وما التفتوها عنها إلا من حين جاء خبر بهلاك الجيش ليلتئذ، فعند ذلك خروجها وقتلوها صبراً.

وكل ما تخلف عن التوارق وعجز عنهم في الطريق من البقر والغنم والحمار طرحوه من ورائهم. وقد جازوا بالعطش جداً. وخافوا أهل تنبكت منهم حين جازوا في تلك الليلة. فلما أصبح الصباح يحزم المسبين مع عبيدهم وبعض أهل تنبكت وخرجوا عنهم في أبراز. وجعلوا من بينهم كالشوفة وما وقفوا إلا على نبكة أد-علي-إج، ينظرونهم ولم يقربوهم.

ثم راود اتوارق أن يتعرضوا بقتالهم، فامتنعهم عنها أغمر، وأمر بذلك لهم. ثم قام رجل واحد من بيننا ونحن جلوس تحت حائط أولاد الإمام سعد اسمه سيد عبد الله الكنتي من أحد حفيد سيد أحمد برقاد، وتوحه إلى أن وصل عند رئيسهم أغمر في أبراز، وسأله عن خبره وغزوه وإلى من توجه. وحدث له عما عليه. ثم رجع إلينا عاجلاً وحكى لنا ما قال له أغمر. فقال: إنه برح عنهم أجمعين بأن لا يتعرض أحد منهم لأهل تنبكت، أفلا ترونه من حين منعهم عن الوصول إلى تنبكت وأهله؟ ثم قال له أغمر: وأما ننعرف كل من بقي من تنبكت في هذا اليوم وكل من خرج فيها اليوم، وإنما بقي منها اليوم إلا الفقهاء والطلباء والمسبين والفقراء والمساكين والنساء نعرف الكل، وما خرج منها إلا رجالهم كأمثالنا، وها هم مبارزون في البر. إذا داورت [=وردت] هذا الركن تلقينا معهم، وليس لي حاجة في أهل تنبكت ولا فيها. ولا حاجة لنا إلا في لصوصهم ورجالهم.

فجاز على حاله ولم يتعرض لأحد في تنبكت. وكذلك بعد الوعقة التي وظن الناس به وخافوا.

مقدار ميل من بينهم من جهة هوص مائل إلى ديار الخرافة في بلد طغي، نزلوا هنالك. فكانوا عسكراً عظيماً لا يعلم عددهم إلا الله تعالى. وابتدأوا بالرماة عشية الخميس فاقتتلوا في تلك العشية وقتلوا منهم أحد عشر رجلاً، ومن حينئذ دخل الكسل في الجيش وباتوا في مقابلة الجيش ليلتئذ، وهي ليلة الجمعة الثالث والعشرين من الشهر المذكور.

ولما أصبح الله بخير الصباح قاموا في المبيت وبكروا على الحزام وتحزموا وقاموا صفوفاً للقتال. ثم دفعوا عليهم بعض خيولهم وعملوا فيهم الخيل. ثم تحزم الجيش واستوى صفوف القتال. وركب الباشا أحمد وقام، وحملوا مدافعهم في أيديهم، وركبوا وتحزم البعض بأسلحتهم من أصحاب الحريش والنشاب، وركبوا أصحاب خيولهم.

وانتصب الجيش صفين وقاموا يميناً وشمالاً. وأما أهل يمين الفاسيين وهم عن يمين الباشا مع كاهيتهم محمد المراد بن عمر، وأهل المراكشيين عن يساره مع كاهيتهم الكاهية أحمد بن الفع منصور، والمقدمين أمامه. وقابل بعضهم بعضاً.

ثم تحرك إليهم التوارق ودنوهم، ثم ازدادوا الدنو إليهم حتى قاربوهم جداً. ثم حملوا الرماة عنهم بمدافعهم ودفعوهم على أنفسهم برمي الرصاص مرة ومرتين، وماتوا خلق كثير من التوارق في هذه المرة على ما قيل. وجرى بينهم حرب وقتال شديد ومعركة هائلة، حتى قاتل معهم الباشا أحمد هو بروحه أشد القتال، وحتى بقي وحده في قتالهم، وهو يدفع كلهم من بين يديه هاربين أمامه، إلى أن قتلوه.

وقيل أنه مات في البحر من ذلك لما غلبوهم. وقتلوا ساداتهم من كبار الجيش. وانكسروا جيشه، ولم يبق من جانبه أحد، تحرك خيله إلى البحر ودخل وصار هنالك مغروقاً.

والذين ماتوا في البر قتيلاً من الحال القائد سعيد بن علي التزركيني والقائد الحسن بن القائد أحمد والقائد الفع محمود بن القائد محمد بوي والقائد محمد بن القائد سنيبر بن القائد محمد بوي المذكور والقائد براهيم بن الكاهية سيد وسن مُعي بن القائد محمد بن القائد حمد وابنا عمه سن معي وأخيه عبد القادر بن القائد عبد الرحمن بن القائد حمد وعلي. هؤلاء هم الذين حققنا بموتهم في البر بالتوارق. والباقون كلهم ماتوا في البحر مغروقين بالازدحام في السفن والانصداع عن القارب. وقد زاحم بعضهم بعضاً على ركوب البحر من السفينة وانصدموا بعضهم بعضاً حتى ماتوا مغروقين.

وقيل أن الكاهية محمد بن القائد باحد هو سبب لكسرتهم لأن نيته لتوارق ويكون لهم ناصراً وهو كأحدهم، والله أعلم.

ولما انكسر التوارق جيش الباشا أحمد وانهزموا هزيمة وقتلوا من قتلوا ولم بوقفوا ممن بقي من الجيش. وهرب من هرب، ونجا من نجا في الهروب. ومنهم من رمى نفسه عن خيله في البحر وعام وخرج، ومنهم من خرج بنفسه وترك خيله وسلاحه في البحر، ومنهم من هرب برجله ودخل في البحر وعام وخرج، ومنهم من دخل وصادف بالقارب ودخل فيه مع ناس وخرج، ومنهم من لم يعرف العوم ودخل ومات غريقاً. وبعضهم ماتوا في البر من الهزيمة. ومات في الهزيمة خلق كثير، لا يعلم عددهم إلا الله الواحد القهار.

وأما عدد المقتولين من جملتهم على ما قيل ثلاثمائة، هم ممن يعرف الناس أسماءهم فلان وفلان وفلان مما سوى من لا يعرف الناس. وقيل مائتين قتلاً. وكل من مات من الرماة وجملتهم مع حراطينهم مائة وخمسون رجلاً، والخيار منهم سبعون، ومن دون الخيار ثمانون.

وكل من كان أجله في ذلك اليوم، أما الذين عرفنا من كبرائهم وساداتهم وابنا ساداتهم عيناً واسماً أولهم الباشا أحمد المذكور قبل والقائد سعيد بن علي التزريكين وابن أخيه القائد الحسن بن القائد أحمد بن علي التزريكيني وابن أخيه سن معي بن القائد محمد بن القائد حمد بن علي المذكور وابنا عم سن معي المذكور سن وأخيه عبد القادر ابني القائد عبد الرحمن بن القائد حمد بن علي المذكور وكاهية القاسيين الكاهية محمد المولود بن عمر وزنغ بن القائد عبد الله بن القائد ناصر نب عبد الله الأعمش وابناء أخيه كاهية أهل دائر يومئذ الكاهية بابا بن القائد ناصر بن القائد عبد الله بن ناصر المذكور وأخيه المبارك بن القائد ناصر المذكور وابن عمه محمد بن يحيى بن القائد عبد الله بن ناصر الأعمشي المذكور وابن عمه الكاهي ناصر بن الفع مام بن القائد عبد الله بن ناصر الأعمشي المذكور وحمد بن علي ذو الوالي وزنغ بن سنطاع وواحد أو اثنين من ابناء كاهية الفاسيين ومنصور حفيد القائد الحسن بن مالك وباشا ذي النون بن القائد الحسن المنبه، وواحد أو اثنين من حفائد الكاهية بابا بن علي بن جعفر، وواحد أو اثنين من ابناء علي القسطلاني، والكاهية ربح بن القائد عبد الله بن الحاج وابن عمه محمد طاع وحمد وأخيه المقدم ابني سنيبر بن فخ وسن بن القائد علي بن القائد محمد بن شيخ علي الدرعي وابن أخيه عم صالح بن عبد الرؤوف بن صالح بن القائد محمد المذكور ومولاي علي بن الخليفة الشريف. وهذا ما حضر لي من معرفة عدد خيار أهل الفاسيين ومن نفيسهم ما سوى حراطينهم ومواليهم.

وأما لذين عرفنا من أهل المراكشيين فالقائد محمود بن القائد محمد بوي بن داوود الشطوكي وابن أخيه القائد محمد بن القائد سنبير ابن القائد محمد بوي المذكور وابني عمه وأخيه سنطاع ابناء الكاهية عبد الله ابن القائد محمد بوي المذكور والكاهية بن عمار بن عبد الله الشطوكي هو ابن أخي الكاهية محمد بن الضروبوتي بن كبر فرم الكوش وأخيه حمد وابنه والقائد براهيم بن الكاهية سيد بن عبد الرحمن الهداجي وأخيه أبناء أبيه عبد القادر ومحمد ابنا الكاهية سيد المذكور والمبارك بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي وابن أخيه محمد بن الجسيم بن القائد يحيى بن علي المبارد المذكور، وثلاثة من أبناء القائد يوسف بن عبد الله الدرعي محمد وأخيه باشا منصور ومحمد بن طاع أبناء القائد يوسف المذكور وحفيده محمد بن محمد المذكور والمشاوري حمد بن الفع مام بن الباشا يحيى الغرناطي وأخيه بن الفع مام المذكور وابن أخيهما الكاهية بُريُع بن القائد علي بن الكاهية سعيد بن الباشا يحيى المذكور وعبد الله بن القائد منصور بن القائد سنيبر بن الباشا مسعود الزغري وابن الكاهية براهيم بطماش الورذاذي وأخيه محمد بن الكاهية براهيم المذكور وحمد كك والكاهية سبطا الكاهية براهية المذكور والخليفة ومحمد المولود بن عمار أخي عبد بن عمار وحمد بن محمد بن عامر الشهير بحمديوش. وهذا ما عرفنا من عدد خيار المراكشيين الذين ماتوا يوم الوقعة من نفيسهم، مما سوى من حراطينهم ومواليهم.

وأما الذين ماتوا من أهل شرف يومئذ ما نعرفهم لسكونهم في البوادي، ولذلك ما عرفت منهم إلا ذا النون بن محمد بن القائد ذي النون بن الحاج بن يبوجو الشرقي والمصطفى بن القائد محمد بن محمد سيدي فقط.

وكانت الوقعة التي جرى في قرية طغي يوم الجمعة سبعة أيام بقين من المحرم فاتح عام المكمل خمسين ومائة بعد ألف. وكانت قبل ذلك وقعة منكل-كنك يوم الجمعة الثاني من الشهر المذكور. وقتلوا رجالهم وخيارهم بعد أن حملوا أثقالهم ونساءهم وصبيانهم وأمتعتهم إلى وراء البحر من قبل هذه الوقعة، وذلك سبب نجاة نساءهم وبقي الرجال من تلك القرية إلى أن دافعهم توارق كتوان، وقتلوهم صبراً.

وأما أغمر ما زال ما تحرك عن الموتى، مكث هنالك إلى انسلاخ المحرم واستهل الصفر بيوم السبت، وإلى أن مضى عليه تسع وأربعون [=ثلاثون] يوماً. واليوم الذي كمل فيه عدة أربعين يماً وقع الصلح بينه وبين أهل تنبكت. وأعطوه عادته مائتي حاجة وفرسين والهدايا.

وأذن لهم أن يحملوا طعامهم من مرسى كبر بعد قطع الطريق عنهم منذ خروج المحلة المكسورة من البلد إلى مرسى دعي.

وما طلع خبر هذه الوقعة في تلك الليلة على أهل تنبكت إلا بعد صلاة العشاء الأخير فحينئذ جاءوا بالمخبر القائد سعيد بن القائد سنيبر والقائد بن منصور بن القائد علي التزركيني وسيدي محمد بن عبد الله وعلي شامي بن الكاهية، وسعيد بن الحاج محمد وشوش ومحمد بن عبد الجبار، هو واحد من أولاد المسبين، وعمر الفع غلام محمد بن أحمد.

وأما خبر أهل تنبكت من حين سمعوا هذا الخمبر، فبينا أنا جالس في تلك الليلة إذ سمع نياح امرأة واحدة من بعيد. وظننت منه أن إمام القصبة قد توفي، وهو في مرض بمرض الموت يومئذ. ثم نهضت وتوجهت عند الباكية. ثم تزداد، فكانت نياح وصراخ كثير من غير واحد أو اثنين. فإذا مشيت نسمعها من كل جهة ومكان من البلد، وأنا كذلك في حال المشي حتى انتهيت إلى باب دار القائد محمد بن أحمد، ووافقت بقدوم غلامه عمر الفع، هو قائم على رأسه من فم داره خارجاً يسأله ما الخبر. فقال له: إن كل من لم يراكم فهو معدوم ليس في الدنيا.

ثم سمعنا أن القائد بن منصور وسيد محمد بن عبد الله قد جاء. ثم سمعت بقدوم القائد سعيد بن القائد سنيبر وسعيد بن وشوش. وأتى ناس عن القائد بن منصور وسيد محمد. رجالاً ونساء يسألونهما كل أحد عن أهله، بعضهم يسأل عن أخيه، ومن النساء بعضهن يسأل عن زوجها أو عن أخيها أو خالها. وخرجوا الحرائرات في تلك الليلة مكشوفة رؤوسهن بلا نعال، يلاقيها وهي باكية في الأزقات والرحائب. وقد امتلأ ابلد بالبكاء والنياح والصراخ.

ثم خرج الفقيه القاضي بابا في رحبة من باب مسجد سنكري، وبعث للشرفاء والمسبين أن يناديهم فأجابوه هنالك. وقال لهم: وما الرأي في الساعة من ما جرى وما التدبير على أنفسنا وعلى أولادنا وأهلنا في هذه الليلة فقط؟ فقالوا له إنما أنت قاضينا وفقيهنا وشيخنا، وكل ما أمرتنا به فنحن فاعلون. فقال لهم: ارجعوا إلى داركم وتعملوا الحراسة في هذه الليلة حتى نصبح إن شاء الله وننظر.

ثم رجعوا لدارهم كذلك، وداوم أهل البلد في البكاء إلى عشرة أيام، ثم خفف، وبعد سكتوا. وقبل ذلك من نهار الجمعة أي يوم الوقعة المعروفة بطغي-هن هبت ريح شديد أحمر أغبر جداً حتى قيلوا أهل تنبكت في البطرة والكسل جداً، والرماة في حال القتال والقتل مع التوارق حينئذ، وحتى أن الناس كانوا يسمعون أصوات مدافعهم حين راحوا إلى الجامع لصلاة الجمعة، وحين رجوعهم يسمعون كذلك. ولاكن لم يأتوا بالخبر إلى أن جاءوا هؤلاء الرجال المذكورين.

وكل من نجا من بقية الجيش كبارهم وصغارهم وغلمانهم صاروا إلى جزيرة حندمي. ثم رحلوا إلى شيبي وراء البحر، هنالك أدركوهم رماة كيس وبنك.

وأما الكاهية الفع بن القائد حمد المذكور ما جاء منهم وقت المجيء، وليس فيهم يومئذ، وإنما جاء إلى شهر جمادي الأولى. ثم جاءوا الكاهية الفع بن القائد أحمد مع الرماة الذين بعثهم الباشا أحمد لحراسة بلد بنب، وأدركوهم هنالك. وكذلك الكاهية الحسن بن القائد حسين جاءوا مع الرماة الذين بعثهم الباشا أحمد المذكور إلى كاغ، وأدركوهم هنالك. وزاد عددهم وكثروا حتى بلغوا نحو أربع مائة رجلاً. ومكثوا هنالك لا خارجاً يخرج من تنبكت إليهم، ولا صاعداً يخرج من عندهم إلى نتبكت. وقبل خروجهم كانت وقعة كيك يوم الأربعاء آخر يوم المحرم فاتح العام المذكور.

ولما تحرك أغمر عن مكانه بعد الصلح وأراد الرجوع إلى ناحيته جهة القبلة ومشى وتوجه، تحير الكاهية محمد بن القائد باحد برجوعه جداً حتى تبين فيه. وهو رجل مغلق خلق سريع الحركة، لاكن ثابن الذهن مليح الخلقة حسن الوجه، وهو شاب صغير ذو مال وذو جود لين المنطق ذو مروة وجود، مزاح يمزح بكلام الفحش، لين المنطق ذو وجه ذو قدر ذو سطوة ومال، فارس الفرسان، ابن الملوك من أم وأب. وبقي متحيراً، ورأى أن أغمر المذكور على الصلح المعقود من بينه وبين أهل تنبكت الذي عقدوه في دار القائد محمد على يده بالعهد والميثاق.

وبعد ذلك لم يأمنوا الكاهية محمد، وناداه القائد محمد المذكور إلى داره لعدم الأمانة من بينه وبين الناس، وكلمه له. وقال له: هاتي القرآن، أحلفه. فقال: لا تحلف القرآن. وآل إلى أن يأتيه، فأتي به، وحلفه وخرج.

ثم بعد رجوع أغمر أراد الوصول إلى الرماة الذين كانوا وراء البحر، ولم يجد ذلك. وطلب ذلك بكل حيلة ولم يقدر ولم يمكن على يده. ومكث بعد ذهاب التوارق نحو أربعة أيام أو خمسة أيام إلى أن ساقه القدر الذي لا حيلة لمخلوق منه إلى أن وقف في مقابلة الرماة في حوص، وهم من ناحية كرم، وناداهم وسلم عليهم ولين لهم الكلام وتكلم بمليح الكلام. وأجابوا دعوته، ورجع.

ثم بعثوا إليه بكلام أملح وأعجب من كلامه على لسان المرسول. فعجبه واطمأن قلبه به وسلك في عقله جداً حتى طار فناده [=فؤاده؟] به وأمن باسمه لما سبق في سابق علم الله بقضائه وقدره أن أجله على أيديهم. أمرهم أن يسلموا قارباً ليلاقونه إليهم في الجزيرة.

ثم بعثوا له قارباً وحملوه حتى أنزلوه عندهم. فلما حصل من بينهم قتلوه، وقد جمعوا عليه بأمر إخوانه الذين كانوا منهم، وقالوا: نبادر بقتل هذا الفتى لكي لا يهلكنا كلهم أجمعين. وقتلوه شاذاً بامدفع والحريش والسيف، ضربوه حتى غشق. ولما أفاق جعل يتكلم بثقل لسانه. ثم عاودوا عليه وحملوه إلى البحر ورموه فيه ومات غريقاً، من الشهر الربيع النبوي في تلك السنة.

وكل ذلك ما خرج أسكيا الحاج من بلده. وأما الرماة الجزائريين ما قتلوا الكاهية محمد إلا نهار يوم الثلاثاء الثالث من شهر الربيع النبوي كُيرطاع. ثم تحرك إليهم مع جماعته وخدامه وأعوانه يوم السبت سبعة أيام خولن من الربيع النبوي. وفي ذلك اليوم تحرك عاكُي الحسن رئيس غال-موسى في جم غفير ومعه غال-موسى اللآخر يسموا هوينكني، ومن معهم من قبائل شتى إلى معاونة سنب موسى الفلاني مع كافة سنقر على أولاد الفع محمود، وهما ببكر الفع ونوح شريف. وغاروا عليهما ونهبوا جميع بقراتهم، ولم يتركوا لهما صامتاً ولا ناطقاً. ومات بينهما خلق كثير. وكانت الوقعة يوم الخميس اثنا عشر يوماً مضت من شهر الربيع النبوي من ذلك العام المذكور.

ولنرجع عن بقية حديث قتل الكاهية محمد بن القائد باحد. ولما علم ابن عمه القائد علي بن الجسيم أن الرماة قد احتمعوا وتعاهدوا بقتله فقتلوه بينة واحدة نهض من تنبكت ساعتئذ وتوجه إليهم يريد أن يصل عندهم وينتقم منهم. فلما وصل كبر، ومعه رماته، تحقق أن الوصول إليهم ما يمكن.

ودخل في مرسى كبر وهو غضبان عليهم جداً، ومكث في كبر متغيظاً لأجل ما لم ينل منهم نيلاً. وحبس متاع الناس في القرية، ومنعهم حملها إلى تنبكت في تلك الأيام، حتى يؤذي الناس بفعله وبين إذايته في البلد. ثم اشتكوا أمره عند القاضي. ثم بعث إليه القاضي شهوده أن يكلموا له لأجل شكاية الناس أن طلق متاعهم ويخلي سبيلهم لله ولرسوله. فأبى وعرض عنهم ولم يلتفت عن كلامهم لما في قلبه من الغيظ، وهم الإمام باب عم الفقيه المصطفى بن عبد الله كري والوداني، والفقيه أحمد بن عثمان بن محمد بن محمد تاشفين الوداني، والسيد الفقيه العالم فريد دهره ومصباح زمانه المفتي بابير بن الفقيه القاضي سيدي أحمد بن الفقيه القاضي إبراهيم بن الفقيه عبد الله بن العلامة الولي الصالح سيدي أحمد معيا. فهؤلاء شهود القاضي بابا المختار الذين بعثهم إلى كبر يومئذ، وهو مع إمام المساجد كلهم عند القائد علي بن الجسيم. ثم رجعوا إلى البلد في تلك العشية، ومكث في البلد في حال الفتنة وكأنه يخاصم بكافة أهل تنبكت. ومكث في حال الغيظ والغضب نحو أربعين يوماً.

وفي يوما الجمعة أو يوم السبت، والله أعلم، الثالث عشر ربيع الثاني من تلك السنة المذكورة، فتح الله عن الجزائريين المحبوسين. ويوم طلوعهم تنبكت عشية السبت ثاني عشر من ربيع الثاني ممن نجا من محلته المكسورة، بخروجهم في الجزيرة مع أسكيا الحاج المذكور. وخرج في الجزيرة هو معهم من قدامهم بالصلح والموافقة التي عقدت من بينهم على يد أسكيا الحاج المذكور، وهم يمشون وراءه كمشي الباشات من بينهم مع راية الباشا وطلبه [=طبله] وسلاحه إلى أن وصلوا ربوة من ناحية عمزغ، أمرهم أسكيا بالوقوف والانتظار هنالك. ثم توجه إلى كبر ونادى القائد علي بن الجسيم، وقد ذكرت له أنه في كبر منذ قتلوا أخاه الكاهية محمد إلى أن يناديه أسكيا لصعوده إلى تنبكت. ودخلوا بالعافية.

وفي تلك العشية امتلأ تنبك بالبكاء والنياح كما فعلواه من يوم موتهم. ومدة مكثهم في الجزيرة نحو سبعين يوماً. وهذا ما حققنا عنه من قصة ما جرى بين الرماة والتوارق من يوم طغي.

ومدة مكث الهالك في سلطنتهم نحو أربعة أشهر على حساب الشهور، وأما حسال الأيام هي ثلاثة أشهر ونصف.

أحمد بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي تولى يوم الأربعاء آخر يوم من شهر صفر فاتح عام أحد وخمسين ومائة بعد ألف بعد عزلان منه القائد الفع إبراهيم بن القائد أحمد. وفي فور ولايته ولى سن معي بن الكاهية أسامة حاكماً، وولى الفع محمود بن القائد سنيبر بن بوي كاهية لأهل المراكشيين.

وفي أوسط شهر الربيع النبوي منه ورد علينا خبر من المغرب، وقالوا أن محلة الذين هنالك من زمن الماضي قد دنوا من سكان أهل المغرب، ثم نهضوا من عندهم قاصدين إلى بلدنا تنبكت. فلما جاء هذا الخبر نادى الباشا المسبين وطرح عليهم ألف مثقال ذهباً، وأخذه منهم.

وفي مدته كانت غلاء في البلاد وبلغ غياة ونهاية في بلد أروان حتى مات فيه خلق كثير من عيالهم وضعفائهم بالجوع. ويرى الناس في هذا الغلاء أمراً ما يرونه في وقت واحد قبل هذا الزمان، ولم يسمعوه إلا في هذا الوقت، وهي غلاء الطعام وشدة ثمنه مع شدة صرف الذهب وأعلاه مجتمعاً في وقت واحد. وهذا ما عاينوه الناس وما سمعوه، وإنما أعينوه إذا كانت الطعام غال فالصرف ينزل.

وقد بلغ القدح الواحد من الطعام بستة آلاف ودعاً من قيمة البش، وأما الروز المقشر بثلاثة آلاف ودعاً. والصرف كذلك كانت بثلاثة آلاف ودعاً، وكانت ابتداء لأمثالها. وهي حوادث الزمان، وبقية الحوادث تزداد، ولا ترى في مستقبل الزمان إلا ما هو أكبر من أختها. ويسمى زمانه باري-بوري تفاؤلاً لأجل تلك الغلاء وشدته عن الناس.

لاكن لم يطل. وما زال للناس وما شافوا وما عاينوا مما ينسون به هذا الوقت ذكرتها في مدة القائد بن أحمد الفع منصور. وما يرى الناس ما هو أكبر وأشد منه غلاء، وهي عام عشرة آلاف هو أشد من ما مضى من عهد السلف الماضين وهو، أكد من الغلاء كلها كانت من مجيئ الباشا جودار. هو أكد من زمن الباشا علي بن عبد ال،له وأكد من الذي كانت من مزن الباشا مسعود بن منصور، وأكد من الذي كانت من زمن ابنه القائد سنيبر المسى بطل، وما بعده يسمى باش من زمن القائد سنيبر بن بوي، وما بعده كانت في زمن القائد المبارك بن حمد يسمى أشوركي إج، وما بعده من زمن ابنه القائد علي التزركيني يسمى أنا فغص، وما بعده كانت واستمرت بسنيبر، حتى بلغت سبع سنين وتفوت فيها كثير من الباشات ومدتهم. وابتدأت من مدة الباشا مام بن علي والقائد عبد القادر بن علي والقائد مسعود بن القائد سنيبر والقائد محمد بن القائد حمد ومن بعدهم من الباشات.

يسموه الناس بمن كيكي من زمن القائد مام، وهي اسم زوجته، عملوها على الزمان. ثم لم يره الناس من بعد سبع سنين المذكور الذي مضى وانتهى إلى سنة ثمانية وعشرين ومائة بعد ألف. ووافق بزمن القائد مسعود بن القائد سنيبر من دولته الثانية. وبعد ذلك كانت غلاء في عام ثالث والثلاثين إلى العام القابل الرابع والثلاثين من زمن القائد عبد الغفار بن علي، يسموا بعام التق. وهي كربَي-حرنوا، وما بعده من القائد عبد الرحمن بن القائد حمد. ولم يروا أكد من عام عشر آلاف.

ولنرجع إلى كلام مدة الباشا أحمد بن الفع منصور. ثم ورد إليها خبر من عند توارق المغرب يقولون أن محلة الرماة في الناحية قد وصلوا خيولهم في حلتهم. ثم جاءوا بأنفسهم ومواشيهم.

ثم عزل يوم السصبت سادس من جمادي الأولى من ذلك العام المذكور، أعني سنة إحدى وخمسين ومائة بعد ألف. ومدته فيه شهرين وستة أيام.

حرف الياء

يوسف بن عمر القصري

يحيى بن محمد الغرناطي

يحيى بن علي بن المبارك الدرعي ولي بعد عزل القائد مامي العلجي عشية الأحد السابع من شعبان المنير عام أحد وتسعين والألف. وقد خرج من تنبكت بالجيش لحركة إلى ناحية القبلة. ونزلوا في المرسى ومكثوا فيها أياماً. ثم قاموا عليه الجيش هنالك وعزلوه، ورجع لتنبكت. ومدته في السلطنة سنة واحدة.

يحيى بن محمد زنكنا الفشتاني تولى بعد عزل القائد محمد بن شيخ علي الدرعي في شهر ذي القعدة، وقيل في ذي الحجة الحرام آخر سنة تسع ومائة بعد ألف. ومكث فيه نحو ثلاثة أو أربعة أشهر. وعزل في شهر الصفر فاتح العاشر ومائة بعد ألف.

ثم رد بعد عزل القائد محمد بن محمد سيدي في شهر شوال آخر عام السادس عشر ومائة بعد ألف. وعزل في ذي القعدة الحرام من ذلك العام. ومدته فيه شهرين. وفي نسخة أخرى تولى في ذي القعدة المذكورة في ذي الحجة الحرام مكمل العام المذكور.

ثم رد ثالثاُ بعد عزل القائد أحمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي في شهر جمادي الأولى عام اثنين وعشرين ومائة بعد ألف. ولوه بعد ما مكثوا ثلاثة أشهر. ولم يتول أحد في سلطنته. ومكث فيه شهرين، وعزل في رجب من ذلك العام.

يوسف بن عبد الله الدرعي تولى بعد عزل القائد عبد الله بن ناصر التلمساني في أواسط جمادي الأولى عام الثالث عشر ومائة بعد ألف. وعزل في أواسط شعبان المنير في عام الرابع عشر ومائة بعد ألف. ومكث فيه سنة واحدة وأربعة أشهر. ثم مكثوا خمسة أشهر ولم يتول بعده فيه أحد حتى تم ذلك العام المذكور.

ثم رد بعد عزل القائد بابكر بن محمد سيدي في المحرم الحرام فاتح عال الثالث والعشرين ومائة بعد ألف. ومكث فيه أربعة أشهر. وعزل في شهر ربيع الثاني من ذلك العام. وفي مدته هذا ولى محمد بن القائد علي بن إبراهيم في كبر وجعله كبر فرم.

ثم رد بعد موت القائد باحد بن القائد يوم الخميس سابع عشر من ذي الحجة الحرام آخر شهور سنة إحدى وأربعين ومائة بعد ألف. ومكث فيه شهراً كاملاً. وعزل في يوم الجمعة سادس عشر من المحرم فاتح الثاني والأربعين ومائة بعد ألف.

وفي يوم الخميس أول يوم من الشهر المذكور نهبوا أهل جامع الكبير من أصحاب القائد منصور بقرات التوارق تدمكت، وقد كانوا مع أهل ساريكينا، ورئيسهم يومئذ أغمر. وأما أهل جامع الكبير من الرماة فرأسهم حمد بن القائد سنيبر. وقاتلت الرماة مع بعض التوارق ولم ينالوا منهم نيلاً، وباتوا تلك اللليلة يحرسون والبقرات عندهم. ومطرنا في تلك الليلة مراً وابلاً.

ثم تقاتلوا أيضاً وقت ظهر يوم الجمعة، وجرى بينهم حرب وقتال شديد. وقتل من أحد التوارق أو اثنين. ثم مشى القائد عبد الغفار من بينهم بالصلح، وتوجه إلى أهل جامع الكبير أولاً وطلب منهم أن يردوا له البقرات ليردها للتوارق بعطية أو شراء، وذلك يوم السبت الثالث من المحرم المذكور. ثم ردوها له وردها للتوارق لكي يطفئ نار الفتنة من بينهم.

وفي تلك الساعة قتل التوارق الأمين ابن أبي بكر فلان في طريق باطلاً. وبعد ذلك نشروا في البلد يفسدون في الأرض غاية ونهاية، ولم يتركوا شيئاَ من أنواع الظلم والفساد إلا ارتكبوها، ويسرقون بالليل وفي النهار يظلمون وينهبون الناس باطلاً، ويلبسونهم حتى لا يبيتون أهل سناسن في بيوتهم في ذلك الوقت، ولا يتركون شيئاَ من متاعهم إلا أن يودعوها عند صاحب الحيوط ويبيتون عندهم، نسأل الله تعالى العافية.

ثم توجهوا إلى جهة كيس وغاروا عليهم. ودخلوا في قرية أمتاكل-وما-داي ونهبوا متاعهم. ثم جيئوا بمتاع أهل كيس إلى تنبكت وباعوها لأهل تنبكت. ثم توجهوا إلى ناحيتهم وحلاتهم، وأراح الله المسلمين منهم.

وهذا كله والقائد يوسف في التباشات، ولم يعزلوه، ولم يفد منهم شيئاً، ولم يفك أحداً من الناس، بل مكث في داره البراني. ومتى دخلت عليه العذراء وحوسب ما صح له من الغرامة وأعطوها إياه، فهذا هو مراده في التباشات فقط، وما يحتاج منه ما سواها. ثم عزل يوم الجمعة سادس عشر من الشهر كما مر. ومدته فيه ثلاثون يوماً.

وفي عشية الخميس ثاني وعشرين من المحرم المذكور جاء منصور القائد من يندبغ بعد عزلان القائد يوسف. جاء ومعه توارق ولد ألل وعبيده ومن معه من الرماة. ونزل في داره الذي نزل فيه أولاً، وبات ليلة الجمعة والسبت. ومشى إلى دار الهالك القائد باحد في غده يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر لتعزية أهل بيته وابنه محمد بمصيبة موت أبيه. ثم خرج إلى داره القائد عبد الغفار وتعزاه بموت أخيه الكاهية أسامة. ثم خرج عنده ورجع لداره.

وفي غده ذهب عند المعزول والقائد يوسف لسلام عليه، وجلس عنده قليلاً. ثم خرج إلى دار الفقيه محمد بن محمد بغيغ ابن الإمام محمد كور لتعزية أهل بيته بموته. ثم رجع لداره. وفي تلك العشية رجع إلى عند القائد يوسف للمصاحبة من بينهما، ورجع إلى داره. ومكث بعد ذلك ثلاثة أيام.

ثم تحرك الفتنة التي من بينه وبين أهل ساريكنا، وأمر رماته وعبيده أن بكروا عليهم بالقتال في بكرة الخميس آخر يوم من الشهر. ودخلوا عنهم في حومتهم، وما زالوا أن يقوموا في المبيت حتى لم يشعروا إلى أن افتحموا عليهم رماة القائد منصور مع عبيده، وضربوا بالدفوف مع الآلات وبوقاتهم وصاحوا عليهم مع الصراخ، واقحموا ساريكينا. ودخلوا أصحاب المدافع والحريش والنشاب في كل جهة من جهاته، وفيهم عبد الرحيم بن القائد أحمد بن علي، وهو في أولهم وإمامهم.

وأما تحرك هذه الفتنة من بينهم في هذه الساعة، ما يعرف الناس له سبباً ولا موجباً-يعرفون الناس بينهما أنهم تقاتلوا غداً-إلا أن وقع من عند القائد منصور. ثم نهضوا بهم ساعتئذ وجرى بينهم حرب وقتال شديد ومعركة هائلة من وقت طلوع الشمس إلى الزوال. وقتلوا اثنين من عبيد المسبين. وخرج من بينهم خلق كثير ولم أعرف عددهم. وواحد من توارق القائد منصور مات يومئذ من ذلك القتال. وضربوا واحداً من توارقه على عتبته بالرصاص في حال القيام.

الحاصل قامت الفتنة القديمة من بينهم ووقدوا نارها. لاكن ما بقي أحد ينازعه من ساريكينا يومئذ إلا كبر فرم عبد الله، وهو في كبر مشغول به. ولم يتركه لئلا يعقبه فيه أعدائهم. ولذلك يحرسه ولم يبرح فيه. ورئيس أهل ساريكينا ساعتئذ حمد بن الفع منصور وأخوه محمد بن القائد باحد.

ثم دخل من بينهم سيد الوقت وبركة السلف الفقيه القاضي سيدي أحمد بن الفقيه القاضي إبراهيم مع فقهاء البلد، والقائد عبد الغفار معهم. وسعوا بينهم بالصلح، وأردوا بهم أن يصطلحوا. وسبقوا إلى عند القائد منصور، وقالوا له: جئناك أن تترك ما عندك من الشر والفتنة لله ولرسوله. فقال لهم: تركت ماعندنا لله ولرسوله.

ثم توجهوا إلى عند أهل ساريكينا، وأدركوهم أحمعين في دار القائد أحمد موك عند ابنه بابا سيد، وقالوا لهم: جئناكم أن تتركوا ما عندكم من الشر والفتنة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وقالوا له: تركنا ما عندنا لله ورسوله، ونحل حزامنا، ولاكن ما نؤمن القائد منصور حتى نرحلوا في مواضعنا بالكلية، ولا بد لا نرحوا في مرابطهنا إلا أن يطلع الباشا، وإلا لم نرحلوا في مرابظنا وحراستنا أبداً.

ثم رجع القاضي سيد أحمد مع الفقهاء والقائد عبد الغفار إلى منازلهم. ثم اتفقوا سربة الفاسيين أجمعين في دار القائد محمد بن القائد أحمد التزريكين ليصطلح بينهم، أي أهل ساريكينا وبين القائد منصور. ثم بعث له بذلك أهل الفقاسيين، فقال لمرسولهم أن يقول لهم: إلا أن يحيى كبر فرم وعبد الله، وعملوه في الصلح. وهو في كبر يومئذ.

ثم بعث القائد عبد الغفار لكبر فرم عبد الله أخاه الأصغر سعيد بن القائد علي بالمجيء في تنبكت ليصطلحوا مع القائد منصور وبما قال القائد منصور حين طلبوا ذلك الصلح. ووصل المرسول عنده في تلك العشية، وبلغ له الرسالة، وبات عنده ليلتئذ. الغد جاء مع المرسول.

ثم رجعوا أهل فاسيين إلى دار القائد محمد بن القائد حمد أيضاً، وكلموا ذلك الصلح. ثم بعثوا للقائد منصور أن يسافت عبيده ويصرفهم إلى يندبغ ويخلي البلد منهم لكي يطفئ نار الفتنة. فأبى وامتنع به، ولم يقبل. وقال في الجواب أن أخوينا حمد والقائد معيد ما رضيا بذلك. ثم خرج بنفسه مع عبيده وتوجه إلى يندبغ يوم الأربعاء تاسع عشر من شهر صفر الخير فاتح عام الثالث والأرقبعين ومائة بعد ألاف. وترك أخويه حمد والقائد سعيد في البلد. وحينئذ تحلوا حزام أهل ساركينا.

وفي شهر الربيع النبوي من ذلك العام تعاهدوا أهل المراكشيين كلهم أجمعين وتوافقوا بعد هذه الفتنة على رأي واحد. ثم خرجوا إلى يندبغ عند القاضي منصور وتعقدوا معه ليكونا على نية واحدة. ودخل معهم في العقد دون أهل الفاسيين. ثم ساقوه إلى مرسى كبر وجدّوا معه الصلح والموافقة، واصطلحوا ووافقوا على رأي واحد من دون الفاسيين.

ثم بعثوا مرسولهم لأهل الفاسيين في تنبكت، وهم في مرسى كبر، بأن يطلعوا باشا، لأن النوبة هذه للفاسيين في هذا الطريق. وبعثوا أهل الفاسيين لهم أن يختاروا منا واحداً من خمسة قيادنا ونطلعه باشا، وهم القائد ناصر، والقائد محمد بن عند الله، والقائد عبد الله، والقائد عبد الغفار، والقائد عبد الرحمن. فأبى القائد منصور كلهم، وقال لهم في الجواب: وما طلبنا إلا من يخرج إلينا هنا بالعدل ويتحرك بنا، وأنتم في المحلة في الحين والساعة، ونتحرك معه أين ما يجب أن يتوجه إليه، وإلا فلا نضري [=نرضي] أحداً منهم، أعني أراد بقوله نفسه، وما يريد هذه السلطنة إلا لنفسه.

ثم عزل كبر فرم براهيم با الكاهية سيد من ولايته كبر-ومعه في سربته المراكشيين-انتقاماً منه أي القائد منصور لما فعله له. ثم رجع إلى نتدبغ، ولم يتول أحد في التباشات.

ومكثوا كذلك سبعة أشهر بلا وال. وبعد ذلك ورد علينا خبر من واكر أن الكاهية محمد بن القائد حمد الخليفة قد قطع طريق المسلمين، وأخذ واحداً من قارب الملح لمحمد بن الحاج حمد بن طيب، فيه عبد المالك بن التنغراسي سبط القائد مام العلجي، وقارباً آخر من جني لأولاد الحاج بو طاهر، وفيه ابنه عبد القادر. وأنزل ما فيهما وأكلها.

ثم بلغ الخبر إلى كبر فرم عبد الله في كبر في يوم الأحد آخر يوم من شهر شعبان سنة اثنتين وأربعين ومائة بعد ألف. وكتب كبر فرم عبد الله ساعتئذ بذلك لأهل تنبكت، وهي ثلاثة براوات بعث، واحداً عند القاضي سيد أحمد، وواحداً عند الجيش كلها، وواحداً للمسبين، بأن يقول لهم متى قرأتم كتابنا هذا وفهمتم ما أضمنكم بهذا الخبر توافقوا على من طلعتم في السلطنة عاجلاً بلا توار. فإن أبيتم بذلك ولم يمكن على أيديكم من بينكم في هذه الساعة فترحل إلينا كل من كان نزيلاً لنا من المسبين ليسكنوا معي في مرسى كبر.

وذلك عشية الأحد آخر يوم من الشهر المذكور. ثم اجتمع الجيش ساعتئذ ونادى القاضي سيد أحمد إلى القصبة وقرأوا البراءة، وطلبوا ساعتئذ من يتولوا منهم. ثم توافقوا على القائد عبد الله بن الحاج، وطلع في تلك العشية باتفاق الجيش كلها.

وكيفما تولى ولى محمد بن القائد باحد وهو في كبر فرم كما مر. ثم ولى أسكيا الحاج بن أسكيا بكر في التسكية، وذلك يوم الاثنين خامس وعشرين من ذي القعدة من ذلك العام كما مر.

ثم جاء أرباب الملح أزلاي من رفقة كبيرة، ومنعهم بعض الرماة من الدخول وحبسهم في أبراز نحو شهرين لأجل عزلان الباشا المذكور. لم يولوه ساعتئذ من يوم توليته إلا لأخذ ثأرهم من أولاد القائد حمد الخليفة، وزعم أنه متى صلى عيد الفطر فحينئذ خرج إليهم في محلة. فلما جاء أرباب الملح عزله بعض الرماة من غير يتجهز بالخروج إليهم. وما عمل شيئاً إلا أن وصلت قباه المرسى، ويتبعوه فيه حتى عزل. ومدته فيه نحو ثلاثة أشهر ونصف كما مر وهذا آخر توفية ولايته السبعة.

ولم يتكرر فيه أحد منهم سبع مرات كما تكرر القائد عبد الله المذكور، من مجيئ الباشا جودر إلى زماننا، كما مر. وقد ذكرته في حرف العين، وما نورد اسمه وخبره هاهنا أيضاً إلا لأجل ما فاتني أن نعملها من موضعها. ونتابعه لآخر مرات القائد عبد الله بعد ذكره في حرف العين.

وهي قصبة محلة أهل الفاسيين إلى قرية وكي لأولاد الخليفة الذين حقروهم، قصدوا بنازلهم الحقر، وذلك تبغي أن نورد خبر محلتهم إلينا هنا.

وكل ذلك لم يزل أولاد القائد حمد الخليفة في الفساد وقطع الطريق، ومنعوا للسالكين في الطريق أن يسلكونا، ولمن خرج من تنبكت إلى جني، وكذلك من جني إلى نتبكت من المولدين أهل تنبكت والمسبين. وأخذوا أيضاً أربع قوارب اثنين من تنبكت، فيها ملح، واثنين من جني، وأكلواها وأفسدوا جميع ما فيها من الأموال العديدة التي لا تحصى ولا تعد، وحتى زعموا أنهم يقولون ما حاجة لنا في أحد من الناس سوى الفاسيين من حفائد القائد علي التزركيني فقط، وكل من تعلق بهم من نزيلهم في المسبين وغير ذلك من عبيدهم ومواليهم وأهل دارهم كلهم بلا تفصيل.

وإنما السبيل من بين أهل الفاسيين أولاد علي التزركيني وبينهم من دون غيرهم أهل المراكشيين، لأنهم قتلوا إخوانهم في التباشات وبأمر السلطنة، يعني أولاد القائد علي التزركيني خاصة، هم الذين قتلوا أباهم أولا في ولاية القائد أحمد بن علي، كما مر في الكتاب. ثم قتلوا الفع-بني بن القائد أحمد الخليفة وعبد القادر سمي-إج، عبد الله كنب-إج، قتلهم بأمر صاحب الأمر يومئذ الباشا محمد بن القائد بن حمد بن علي التزركيني، كما مر. ولذلك قالوا: إنما السبيل من بيننا وبينهم، وما ننتقم بقطع الطريق إلا منهم. وابتدأوا بسبهم قبل ذلك من حياة القائد عبد الغفار بن علي، وهم يسبونه، ويسمع كل يوم ولم يلتفت عنهم ولم يشغل خاطره بسبهم ولو مرة واحدة، إلا أبا وصمم.

ولما مات القائد عبد الغفار وقطع أولاد الخليفة طريق المسلمين وأخذوا القوارب المذكورة وبينوا لأهل الفاسيين الذل والحقر، فحينئذ حركوا أهل الفاسيين رؤوسهم بأخذ ثأرهم منهم. وراودوه قبل ذلك الوقت ممن سمعوا به، ولم يصبروا عنه في حياة القائد عبد الغفار. وطلبوا به أن يأخذوا ثأرهم في حياته، ولم يقبل لهم، وعرض عنهم. وما يمكن لهم أن يفعلوه بغيره، وتركوها إلى هذا الوقت.

تمالوا بأجمعهم وتوافقوا مع الجيش في طلب الباشا، ولم يمكن ذلك على أيديهم في ذلك الوقت بل، خالفوا فيها وتركوها. ثم رجع سادات الفاسيين وكبراؤهم من القياد والكواهي بعضهم إلى بعض، وعقدوا الرأي والتدبير من بينهم، واتفقوا على الخروج بأنفسهم خاصة دون غيرهم وتحريك إلى أولاد القائد أحمد الخليفة، في دفع الحقارة والمذلة على أنفسهم بأيديهم، وقطع حبل الذل في رقابهم.

ثم دار الكالم بينهم حتى صار الحكم بيد كاهيتهم يومئذ الكاهية الحسن بن القائد حمد بن علي التزركيني. ووافقوا على الخروج إليهم. واجتهدوا بها غاية ونهاية، حتى نادوا رماة بنك ورماة كيس ومن كان تابعاً لهم من أين كان من الإقليم كلها، حتى أهل الماسة من رماة تندرم.

وجمعوا كلهم، وكان جيشاً عظيماً. وأعطوهم الراتب والكسوة. ثم خرجوا من تنبكت يوم الخميس ثاني عشر من جمادي الأولى عام الثالث والأربعين ومائة بعد ألف، بكافة سربته الفاسيين ما خلى القياد والكواهي. وكانت جميع السفن في الحصي لأجل هذه الوقعة في تلك الساعة. وما دفعوا إلا بعد خروجهم من مرسى كبر، وقد مكثوا في المرسى أياماً. ثم دفعوا بعد ما دفع جيش الفاسيين، وتبعوهم من ورائهم.

ولم يزالوا في الحظ والنزول إلى أن استهل عليهم شهر جمادي الآخرة في قرية كل-سنب، وهنالك توفي عمهم الكاهية عبد الله بن القائد علي التزركيني يوم الثلاثاء، ودفن في موضع يسمى كوركري، رحمه الله.

ثم مروا بأجمعهم، ونزلوا في ربوة من جانب قرية غمني-كبي، وكانت القرية من جهة قبلتهم، وصاروا في ساحل فرمن-تاع عشية الجمعة الرابع من الشهر، ومكثوا هنالك تسعة أيام. ثم ارتحلوا منها يوم الاثنين رابع عشر منه بعد إنذارهم وتعليمهم، وكتب إليهم بعض الناس بأن يخرجوا في طريق المسلمين إن كانوا يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، ومن أبى فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه.

فلم يقبلوا النصيحة وصمموا عنه وأبوها لما كان فيهم من الطغيان والضلال المبين. ومكثوا على الضلالة والطغيان ولم يرجعوا عنه حتى نزل بهم ما نزل بأصحاب الفيل من العذاب. وقال تعالى في قصتهم: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب، ألم يجعل كيدهم في تضليل؟

ونهضوا الفاسيين من أرجلهم من موضع يسمى درنك قاصدين قريتهم للقائهم حاملين مدافعهم على أكتافهم. ثم التقى الفريقان، الظالم والمظلوم، بعد وصولهم إلى تلك القرية. وانكسر المظلوم جيش الظالم طرفة عين في أول رمي، وولوا مدبرين منهزمين إلى داخل قصرهم.

وقتلوا منهم مصرعاً خمسة عشر رامياً في تلك الساعة، أولهم بكر وبابكر، وسنطاع بن العرب صديق، وعرع منذ سليمن، وعرغ منذ الأمين ابني الكاهية سن طرغ-إج، ومحمد سمي بن الحاج، وبوب بن الكاهية المرد، وواحد من أهل الغرب اسمه عبد الرحمن، والحسن بن القائد ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني، وعبد القادر بن محمد بنك-إج، ويجيى بن الفع شيب-إج، وأحمد بن البناء، وعاشوراء ولد بنكانوا، وبابا الملقب بكننسع بن محمد العرب، والقائد بن الكاهية علي هو آخرهم موتاً، والمرد شاب.

وأما المجروحات فكثير، والمقتولين من غير الرماة من الرجال والنساء فكثير. منهم من صابه النشاب، ومنهم من رماه بالحريش. والباقي طرح نفسه في الماء ومات فزعاً من الموت. ومات في القتلى إمام القرية الإمام بابا ابن معيا وزوجته وأخته خديجة. وخرج ساداتهم هاربين، وتركوا أزواجهم وأولادهم وعيالهم من ورائهم. وصار ما ورائهم غنيمة. وصاروا ذراريهم محصورين في بلك تحت يد الفاسيين.

ونهبوا ما في ديارهم من الذخائر وحلي نسائهم، وجردوا نسائهم، وخربوا القرية. وصار كقرية بني إسرائل. وصار القتلى مطروحين في تلك القرية بلا غسل ولا كفن ولا صلاة.

ثم إن كاهية الفقاسيين الكاهية الحسن بن القائد حمد التزركيني أطلق الحرائر وسرحهن وألحقهن بأهلهن. وخرجن هاربات إلى قرية واوبير. وأما أولاد القائد أحمد الخليفة الكاهية محمد وإخوته فقد هربوا وفرقوا شذر مذر، ونجوا ولم يمت أحد منهم. وقد كانت الوقعة يوم الاثنين إحدى وعشرين من جمادي الآخرة من أوسط سنة ثلاثة والأربعين ومائة بعد ألف.

ثم بعد ذلك مشى بينهم طلباء بر في طلب الصلح لئلا يرجعوا من عقائدهم في القطع والخسارة. وسبقوا إلى عند كاهية الفاسيين الكاهية الحسن بن القائد حمد التزركيني، وحلف لهم بالمصحف العظيم على ترك القتل والغدرة إن لم يرجع عن السبيل بالمحاربة والقطع. وهو في قرية شيب يومئذ.

ثم خرجوا من عند الكاهية الفاسيين وتوجهوا إلى قرية واوبير عند الكاهية محمد بن القائد أحمد الخليفة، وحلف لهم كذلك بمصحف القرآن العظيم في حضرة الجماعة على أنه سلم في الأمر وتاب عن سوء فعاله كلها، بحيث أن لا يرجع إليها أبداً.

ثم جاز كاهية الفاسيين الكاهية الحسن بن القائد حمد، هو مع جيشه، إلى بلد جنجو يأخذ الأيام فيها، وما فعلوا فيها شيئاَ. وبعد ذلك نهض بجيشه يريد الرجوع إلى تنبكت. وحضر قواربهم ودخلوا فيها ودفعوا من بلد جندو إلى أن رسوا من تحت قرية كبر. ثم طلعوا في بلدنا تنبكت، حرسنا الله، سالماً غانماً. وذلك يوم ثامن وعشرين من شهر المغظم رمضان. ودخلوا في ديارهم بعد كمال مقصودهم، وأدركوا عيالهم بالفرح والسرور، فالحمد لله على ذلك.

وأما القوارب الذين ذهبوا فيها الفاسيين وحملوهم إلى وكي اثنا وستون قارباً. وعدد الرماة الذين يمشون منها أربع مائة وخمس وخمسون رامياً. وأما عدد قوارب الملح الذين مضوا معهم أربعون قارباً. وأما عدد أصحاب المدافع اللواتي في قارب الملح ثلاث مائة وعشرين مدفعاً، وجملة جميع ذلك سبع مائة وخمس وسبعون رامياً.

وأما أصحاب الحريش والقوس فلا تعد ولا تحصى. وأما أصحاب الكاهي محمد من سربته شرق عددهم مائة وخمسون راماً مما سوى أصحاب الحريش والقوس. لكن لم يكن لهم النصر بل كانوا مكسورين مهزومين بقرد الواحد القهار. وكل ما ذكرنا في هذا الغزو من ابتدائه إلى هنا ما حدثناها إلا بسماع بالتواتر، وما حضرنا منها.

وفي ليلة الخميس، والله أعلم، خامس شهر شوال آخر العام المذكور، أعني عام الثالث والأربعين هبت ريح شديد جداً وغشيت جميع الأرضين من الأقاليم كلها بغبار أحمر. وخافوه الناس خوفاً شديداً، وظنوا بها الفتنة. فكان الأمر كما ظنوا. وقد هبت الريح في تلك الليلة من أوله إلى بعد صلاة عصر غده يوم الخميس، فحينئذ سكت وترخى.

وفي تلك السنة وقع الفتنة والمقاتلة والقتل من مواضع شتى. وبلدنا تنبكت خالية في تلك الأيام بلا وال ولا باشا ولا كاهية ولا حاكم، وكل ذي نوبة حينئذ معزولين. ولم يزل الحرب والقتال إلى هلم جراً.

وفي هذه الساعة من الأيام سمعنا أن توارق ولد-ألن وقع على معن-عال الفالاني وعملوا في حلته خسارة جداً، وذلك يوم الريح الأحمر. وفيه وقع توارق تدمكت على حلة سود-كهمل وغاروا عليهم وعملوا فيهم خسارة عظيمة، وقتلوا رجالاً ونساء، وساقوا بقراتهم. وعدد من قتلوا منهم على ما قيل مائتين وخمسين قتلاً بعد ما أعطوهم الأمانة والميثاق وأخذوا منهم خيولاُ عطية، أي من الفلانيين. ثم أعطوهم بقرات وثياب لما يفكوهم على أنفسهم، وعقدوا معهم العهد والميثاق.

ثم ساروا إلى ناحيتهم واجتمعوا جيشاً كبيراً من بين الخيل والرجل. ثم جيئوا إلى الفلانيين، بالحجة الذين جمعوا وغبروا عنهم، بغتة بعد ما أخذوا منهم العهد والميثاق والأمانة. وخرج إليهم الفلانيين واتققلا. فنصر الله الفلانيين عنهم ودفعوهم على أنفسهم وقتلوهم قتلاً ذريعاً، حتى قتلوا منهم ما لا يعد ولا يحصى، ومات بعضهم غريقاً في أسوأ حال، جزاهم الله جزاء وفاقاً.

ومشوا كل من نجا منهم إلى ناحيتهم. ثم اجتمعوا وعقدوا عليهم وتلاوموا بعضهم بعضاً بالهروب وعدم الوقت لقتالهم وعدم الصبر. ورجعوا على الفلانيين أيضاً طغياناً وعناداً، واقتحموا فيهم، وقتلوا من صبيانهم ونسائهم ورجالهم ما قبض الله موته وكتبهم الشهادة والنعيم الأبدية. ثم نصر الله الفلانيين عنهم أيضاً، وقتلوهم عن الفلانيين فهزموهم ونهبوهم ما نهبوا من بقراتهم وغنموا بأموالهم. ومعهم طائفة من قبيلة الفلانيين المسمى عورُرب يعاونهم علي-سودوب. كلهم جعل الله ذلك عليهم بلاء وبدد شملهم وخلى ديارهم أمين.

وفي يوم الأربعاء آخر يوم من ذي الحجة الحرام منه غاروا توارق كتوان على قرية بون، وخربوها وقتلوا تسعة أنفس من أهلها وساقوا رجالهم ونسائهم وصبيانهم.

ثم استهل شهر المحرم الحرام فاتح عام الرابع والأربعين ومائة بعد ألف، بليلة الخميس على ما قيل أنهم يقولون رأيناه في تلك الليلة، والذي شهر عندنا ليلة الجمعة وليلة عاشوراء ليلة الأحد. ثم غاروا توارق تدمكت في كيس يوم الأحد. ومن ذلك اليوم خربت التوارق قرية ماداع، ونهبوا أناسها وحرقوا البلد ضرموا فيها النار. ثم شتتوا في فرى كيس كلها وخربوها، وطاحوا على منكل-غنغ وعملوا فيه ما عملوا من الخسارة، نسأل الله تعالى العافية.

ثم وقع الفتنة والقتال بين الناس من كل جهة ومكان من ذلك العام المذكور، نعوذ بالله من شره وشر ما بعده من الأزمان. وفيها وقع تدمكت على حلة بيدان، وقتلوا رجالهم ونساءهم. ثم إن أهل بيدان نهضوا إليهم وقاتلوا معهم حتى نالوا منهم نيلاً، وقتلوا منهم ما شاء الله.

وفيها وقع الشر بين هوص وكرم، وبين كفار بنبر. وفيها قامت الفتنة بين جنكي وبين جيش جني، واشتد ما بينهما من الشر والفتنة حتى خرج قائدهم يومئذ القائد الخليفة بن كرع مع الجيش، ونزل في بلد كنبع لمقاتلة جنكي، ولم يفد بشيء حتى مات هنالك عن فراشه، رحمه الله. وحملوه إلى جني ودفن.

ثم راود الجيش من يتولى من أحدهم. وتوافقوا على ألفع محمد بن باشوط أحمد الشريف، وولوه قائداً باتفاقهم. وخرج بالجيش أيضاً للقاء جنكي قاصدين إلى قرية فرمان، ونزل في البر من طريقه، وما زالوا بوصول إليه.

وفي يوم الأربعاء ثالث من رجب الفرد من ذلك العام جاء القائد منصور من يندبغ إلى كبر. وسمعوا أهل سربته المراكشيين أنه جاء في كبر، فنادوا بعضهم عن بعض للقائه في الغد. وخرجوا كلهم أجمعين وتلقوه بالعز والإكرام من مرسى كبر إلى أن وصلوه لداره في بلدنا تنبكت، حرسها الله.

ثم تكلم الجيش أمر دخول السلطنة، وبعث لهم القاسيين أن يختاروا من أنفسهم من يولي لأن النوبة لهم في هذا الطريق. ودار الكلام من بينهم، ثم سلموا الأمر للقائد منصور بأن يفعل فيه ما بدا له ويولي من أحب ويعطيه لمن يحب من أحدهم. وقالوا كلهم: كل م تولي لنا نحن قبلناه. ثم طال الحال من بينهم وترددوها، والقائد منصور يتفكر وينظر ويفتش من حقيقتهم.

وانتظر لهم أهل الفاسيين، حتى طال الانتظار وبعثوا للقائد منصور برضوته وبقبوله كلهم، ولا يرضى أحد منه إلا إياه. فحينئذ فتح الكلام وظهر ما في ضمير أولاد علي المبارك من الغش والإباية للقائد منصور. فأبوه شاهراً ظاهراً، وطلقوا الكلام وتركوه هنالك.

ثم شرع القائد منصور في بناء داره الخرابة التي خربه القائد باحد من حين حرجواه في السلطنة وطردوه من البلد بالكلية وخربت حصنه الكبيرة المحيطة بداره من جهة البحر الملصقة منه. ولما تولى بعده القائد باحد المذكور أمر بخرب داره وهدم حصنه، وأنزل غرفاته، وسد ميزابها لكي لا يصب منها الماء فيها، كما ظنوا بها وما ذلك إلا لشدة بنائه واتقان صنعته، وما فيها من البن البيض الشديد الكبار جداً مع الطين الخيار الجديدة وخشب مليح قوي طويل جداً، مع اتساع حيطانها حتى بلغ قدر ذراعين أو أزيد. ولذلك بقي دار سكناه على حاله إلى أن جاء في هذا الوقت. وبناها وصفرها بتراب الأصفر وعمل في داخلها تراب البيض، وجددها تجديداً. ثم دخل فيها وسكن إلى أن مات، رحمه الله.

وفي يوم الخميس أحد وعشرين من شهر شوال من ذلك العام، أعني عام الرابع والأربعين ومائة بعد ألف، شرع المسلمون في حمل التراب لمسجد سنكري عن إذن الفقيه القاضي سيد أحمد بن الفقيه القاضي إبراهيم، سدده الله قولاً وفعلاً. وابتدأت في ذلك اليوم، ثم انتهيت يوم الأربعاء السابع والعشرين من الشهر المذكور.

والقاضي هنالك عند ختمه مع جماعة المسلمين وإمام المساجد والخاصة والعامة يومئذ في باب المسجد، ودعى القاضي للبلد وأهلها وللجيش ولأولاد الحومة كلها ولشيوخها وشيوخاتها من الناساء وللمسلمين والمسلمات الأحياء والأموات. ثم عدى للمتقدمين من السلف الماضين.

ثم أراده الكاهية محمد بن القائد باحد، وهو حاضر هنالك، أن يدع له في ذلك اليوم لما عزم عن المشي إلى بلد جني ليتعاون رماته. فدعا له بما أراد، وبالغ الغاية والنهاية في الدعاء في ذلك اليوم، ولم يبق شيء إلى آخر دعائه.

ثم نادى المؤذن فقال له قل: لهؤلاء المسلمين ممن حضر هنا ولمن غاب أراهم الله عام القابل بلا مهنة [=محنة] ولا مشقة. ثم حدثت بعده، لاكن لم أفهمه لحركة الناس وازدحامهم. ثم كلم بقية كلامه، وهو كمن يبكي في حال حديثه، حتى ظننت منه أنه فهم من نفسه بأن لا يرى عام القابلة، حتى كاد أن يقوله للمؤذن. ولم يقله، وسكت. ثم قرأ الفاتحة لهم، ورفع كفيه المباركية إلى الله تعالى، ورفع الناس معه حتى تم دعاءه وفراءته. ومسح يده، ثم مسحوا، ختم الله لنا وللمسلمين بخاتمة الخير والسعادة بجاه نبي المصطفى وآله آمين.

وفي تلك الساعة سمع أهل تنبكت خبر فتنة أهل جني مع جنكي. وما سمعوا إلا أن جنكي حاصر جيش جني وأهلها بحيث أن لا يقدر أحد أن يذهب سوق من أسواقها في إقليم جني.

ولذلك من حينئذ تحرك كبر فرم بن القائد باحد بالإغاثة إلى جني على جنكي. وخروجه من تنبكت إلى مرسى داع يوم الجمعة بعد صلاة الظهر سابع ذي القعدة آخر عام الرابع والأربعين ومائة بعد ألف. ونزل في المرسى، وهو في جيش كثر من الرماة والعبيد والسودان والعرب والتوارق وغيرهم. ومكث هنالك اثنين وعشرين يوماً. ثم نهض من هنالك يوم الأربعاء آخر يوم منه متوجهاً إلى جني. ولم يزل الحظ والنزول إلى أن دخلوا مدينة جني، حرسها الله. ووجدوا أن قائد جني مع جيشه في البر، وليسوا في البلد، وما تخلفوا فيها أحد من الرماة، وهم في مقابلة العدو.

وجاء كبر فرم المذكور لتعاونهم، فلم يوصل إليهم بل دخل في البلد ومكثوا منها كأنه ما جاء إلا ليمكث في البلد لا لاستغاثهم، ولم يحجاج المشي إليهم أيضاً وما يرونهم وما يحتاج إلى جنكي سوى المراسيل من بينهم. وقد خالف الظن وخالف الزعم الذي خرج منه.

ومكث قليلاً ثم رجع في عقبه مع بعض رماته، والبعض امتنعوا له وبقوا في البلد. ثم خرجوا منها وتوجهوا إلى جيش جني، وظنوا أن هذه الفتنة تفتح على أيديهم. لاكن ما مشوا بقية رماته إلى جيش جني إلا بعد رجوعه إلى تنبكت.

خروجه من جني أواخر شهر المحرم الحرام فاتح عام الخامس والأربعين ومائة بعد ألف. ولم يؤثر بشيء في عون رماة جني. ومن هناك تفرق عنه جيشه، ورجع بعضهم وبقي الباقون. ومن جملة من بقي عبد الرحيم بن القائد أحمد بن علي، والكاهية بُرث بن القائد علي بن سعيد بن الباشا يحيى الغرناطي، وسعيد بن قاس الأندلسي، وغيرهم من خيار جيشه. وتبعه الكاهية يحيى الهندي من حين ذهابه ورجوعه ولم يبق.

وبعد ما تسافر من خرج من جني إلى نتبكت خرج الباقون إلى قائد جني وتبعوه في الفتنة بصدق نيتهم، وقاتلوا معه وعاونوه، وهم معه حتى اصطلحوا مع جنكي على أيديهم.

وصوله إلى تنبكت في أوائل صفر الخير منه. وبعد دخوله في داره جدد ما لم يمكن على يده من اللعاب والعطايا فيه. وبعد ذلك جعل رماته الباقون أن يجيئوا إلى تنبكت مثنى وثلاثاً ورباع وطائفة حتى استكملوا ولم يبق أحد منهم هنالك.

وهنا انتهت في مقصدنا مما جرى ما بين أهل الفاسيين وبين أولاد القائد أحمد الخليفة في قرية وكي، وما وقع بعده من الوقاع والفتن وحوادث الزمان. وقد ذكرته بعد ذكر القائد يوسف بن عبد الله إلى هنا. ثم نرجع إلى إتمام ذكر أسماء حرف الياء.

يحيى بن القائد حمد بن علي بن محمد بن عبد الله التزركيني تولى بعد عزل القائد سعيد بن القائد سنيبر باتفاق الجيش يوم الخميس ثاني وعشري من شهر صفر الخير افتتاح سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد ألف. وعزل يوم الأربعاء ثاني عشر من الربيع النبوي-ومدته فيه عشرين يوماً-في ذلك العام المذكور، أعني عام الثالث والخمسين ومائة وألف.

حرف الباء

براهيم بن عبد الكريم الجراري

باحد بن سالم الحساني تولى في شهر صفر فاتح عام الربع وتسعين والألف، بعد عزلان القائد محمد بن شيخ علي الدرعي. وتحرك بمحلته إلى بنب، وفي نيته الوصول إلى كاغ، ولم يرض بذلك الجيش. ولم يلبث إلا قليلاً ورجع في إثره إلى تنبكت. وعزل بعد أن مكث فيه تسعة أشهر. وكان عزلانه في شهر ذي القعدة آخر العام المذكور أي عام الرابع وتسعين وألف والله أعلم.

بكرنا بن الباشا محمد بن محمد بن عثمان وقد ذكرته في حرف السين مع تكراره فيه المرة الثانية بتاريخه.

براهيم بن حسون الدرعي طلع يوم الخميس ثالث عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث ومائة بعد ألف، بعد ما خلى القائد سنيبر بن القائد محمد بوي. ومكث فيه سنة واحدة.

وقد قيل أن القائد بابا سيد المذكور تكرر في السلطنة بعد عزل القائد سنتاع في شهر ربيع الآخر سنة خمسة عشر ومائة بعد ألف، ومكث فيه نحو خمسة أشهر، وعزل يوم الثالث عشر من شعبان في ذلك العام المذكور. ثم مكثوا ثلاثة أشهر ولم يتول أحد. بعد ذلك ولوا القائد مام بن علي أولاً.

ثم عزل في اليوم التاسع عشر من الربيع النبوي في العام الرابع ومائة بعد ألف. وفي تلك المدة في شهر المعظم رمضان الثاني عشر منه يوم الخميس توفي عبد الله ولد أحمد، قتله الكاهية الشيخ في رحبتهم قريب من دار القائد أحمد بن علي. فقامت الفتنة بين أحمد والكاهية الشيخ، وتجهزوا لقتال بعضهم بعضاً. فمشى بينهم الكبراء واصطلحوا على يد الباشا إبراهيم المذكور. وجلد الكاهية الشيخ وغربه إلى بلد بنب. وبعد ذلك عزل الباشا المذكور.

ثم رد بعد ما خلي فيه القائد المبارك بن منصور في شهر ربيع الآخر عام الخامس ومائة بعد ألف. ومكث فيه تسعة أشهر. ثم عزل في آخر ذي الحجة آخر شهور العام المذكور.

بابا سيد بن طالب حمد الشرقي اسمه منصور وقد ذكرته في حرف الميم مع تاريخه.

بابا حمد بن منصور الشرقي السناوني تولى في شهر ذي القعدة آخر سنة اثنين وعشرين ومائة بعد ألف، بعد خلع القائد علي بن القائد محمد بن شيخ علي الدرعي. ومكث خمسة أيام، وعزل.

وتوفي الفقيه القاضي محمد بن محمود قنبل في الشهر الذي مضى قبل هذا الشهر، أعني شهر شوال، في اليوم التاسع منه في ذلك العام المذكور، رحمه الله تعالى، ورحمة واسعة واسعة أمين. وهو قاضي بلد تندرم.

باحد بن القائد يحيى بن علي المبارك الدرعي تولى في شهر المحرم الحرام فاتح سنة ست وعشرين ومائة بعد ألف، بعد ما خلى فيه القائد عمار بن القائد سعود بكرنا.

وفي تلك المدة قتلوا واحداً من أولاد أهل المغرب من فلالي، وواحداً من دراوتي الله. قتلهما في ليل مظلم وجاءوا بأحدهما إلى طريق المرسى وحفروا له حفرة غير عميق وأنزلوه فيه، وأخذوا حشيشاً يابساً وطرحوها عليه، ثم ضرموا فيه ناراً وحرقوه لئلا ينتن، وأورى فيه، ثم عملوا عليه التراب دفناً.

ثم رجعوا إلى الآخر وحملوه إلى باب القصبة من باب كبر ورموه هنالك، وهو مصرور في كساء، وقد كسروا مفاصيله كلهم. ثم حووه في الرحبة حذاء الباب، أي باب القصبة. ورآه الناس في غده بكرة، وشافوه بعضهم لبعض، وخبروا به. ثم رأوا مقتولاً آخر من طريق كبر قريب من موضع المخزن تندي، وهو الذي دفنوه بعد أن حرقوه.

فكان خبر في هذا البلد حتى سمعه الباشا باحد، وسأل الناس من قتلهما، ولم يعرفوا من قتلهما. ثم أمر الباشا بالتفتيش والبحث عن القاتل. ثم تبين له من يقتلهما وهو خمسة رجال أو ستة فرجلان من شرفاء أهل الغرب، هما مولاي بن عبد الهادي، وهو صهر مولاي الكبير بن عبد الرحمن ومولاي حمد الطويل، وواحد من داوي [=دراوي] وواحد من أولاد الفلالي وهو أخو محمد بن الحاج طيب وواحد من حرطان فلالي أو مولا أخاو.

فلما عرفوهم صاحب الأمر الباشا باحد أرسل إليهم كاهية الدائر الكاهية محمد بن القائد إبراهم بن حسون مع أناس وأمرهم أن يقبضوهم ويأتونهم إلى القصبة. وتوجهوا إلى حومة كسم-بنكوا عند الشريفين، وهو رئيسهم ومجمعهم في داره، ولو لاه ما تقدروا عن هذا الفعل. وجاء الرماة إلى دار مولاي الكبير ووجدهما هنالك، وقال له أن الباشا يناديك، وأمرنا أن نقبضك إليه.

ثم خرج ومعه مولاي الكبير المذكور إلى الباشا. فلما وصل بين يديه أمر بقبضهما وإدخالهما في داخل القصبة فسجنهما هنالك. ثم أمر بثلاثة رجل أن يسجنهم في الروى. ثم أمر أن يبرح البراح علي فليحضر كل من كان إمام وفقهاء البلد مع القاضي إلى القصبة غداً.

وفي غده جاء القاضي سيد أحمد ابن الفقيه القاضي إبراهيم مع فقهاء البلد كلهم إلا الفقيه محمد بغيغ وحده في القصبة بين يد الباشا بذلك الأمر عما وجب في حقهم. فسكتوا عنه ولم يجاوبوه. ثم سألهم أيضاً، فسكتوا.

وسكت ملياً. ثم ناداهم بأسمائهم فلان وفلان وفلان: أنتم هنا وأنتم علماؤنا وفقهاؤنا، فنحن نسألكم عن هذا الأمر كيف ما وجب منها. ثم سكتوا. ثم قام من بينهم السيد الفقيه الإمام صالح بن الإمام أحمد بن الإمام سعيد بن الإمام محمد كداد على قدميه، وهم جالسون، وقال لصاحب الأمر الباشا باحد: اقتلهم جميعاً ولم تترك أحداً منهم، فالقتل أحق من الدية في أمرهم. اقتلهم ودمهم على رقابي. سيسأل الله به. وقرأوا الفاتحة. وقدموا إلى ديارهم.

وذلك بعد ما لبثهم في السجن نحو عشرين يوماً. ثم طلب [=طلق] أربعة في ذلك اليوم، وبقي في يده واحد، دراوي، أمر يقتله. فقتلوه في السوق يومئذ. وقيل أن أهل هؤلاء الأربعة يأتون إليه سراً بالرشوة والمال لأجل فكهم بما يفكهم منه، ولذلك يلفهم.

وطرح عن المسبين ذهباً، فلم أعرف قدره، وأخذه بالودعة الكثيرة، وما عرفت عدته أيضاً. وما يأخذ هذه الودعة منهم إلا لتجهيز المحلة وخروجه ولم يجعله منهم وما يكون مراده أيضاً. ثم عزل في شعبان المنير في تلك السنة، ومكث فيه نحو ثمانية أشهر.

ثم رد بعد ما خلع فيه القائد عبد الله بن الحاج العمراني في شهر المحرم الحرام فاتح سنة سبع وعشرين ومائة بعد ألف. وعزل في شهر ربيع الآخر، ومكث فيه نحو أربعة أشهر من ذلك العام.

ثم رد ثالثاً عشية يوم خروج القائد منصور بن القائد منيبر ولرده ذلك يوم السبت آخر يوم من ذي القعدة آخر عام أحد وثلاثين ومائة بعد ألف. وفي فور ولايته في اليوم الثاني من طلوعه ولى كبر فرم عبد الله سلطنة كبر. ووجد الحال أن هذه القرية أي كبر هي عامرة بلغاط من عبيد القائد منصور المذكور. وما يتصرف أحد في كبر من مدة القائد منصور إلا عبيده، وقد سكنوا هنالك بالظلم والطغيان ولم يبال أحد ولم يلتفتوا عن أحد في أمر كبر ولو كان أولاد المبارك حينئذ.

الحاصل توجه إليهم كبر فرم يومئذ، ومعه رجاله وعبيده وأسلحتهم، وأدركهم هنالك. ثم خرج الشرفاء وتبعوا كبر فرم عبد الله ليعاونوه على العبيد. وتقاتلوا معهم حتى هزموهم هزيمة. وقتلوا منهم في القرية، وبعضهم ماتوا في الماء، ولم ينج به. ثم قبضوهم، وكل من قبض منهم كبر فرم عبد الله قد صرفهم إلى تنبكت عند الباشا. وأمر بقتلهم صبراً في حومة الشرفاء كسم-بنغ حتى ما بقي منهم أحد في كبر.

ومكث فيها كبر فرم عبد الله وعمل الحرس الشديد والرباط عن البلد من ذلك الأيام ليلاً ونهاراً، بحيث لم يقدر أحد من رماته أن ينام في بيته إلا البر. ثم أحاط القرية بالزرب من شوك، ثم دوره بالسرب مثل الخندق. ثم بناها تحصناً حصيناً مشيدة الأبراج المحيط بتلك البلد، وهي فيها إلى الآن.

وقد قتلوا كثيراً من عبيد القائد منصور صبراً في رحبة كسم-بنغ بأمر صاحب السعادة الباشا باحد من يوم خروج سيدهم إلى نحو شهرين أو أكثر وأزيد والله أعلم. قتلوهم من تلك الأيام بكل اليوم وبكل ساعة من يوم وليلة، ثم بعد يوم، ثم بعد يومين، ثم بعد أيام إلى أن سلخ ذو الحجة واستهل شهر المحرم الحرام، وهم يقتلونهم كذلك. ثم بعد شهر ويأتون بواحد ويقتلوه، ثم بعد شهور يأتون باثنين أو ثلاثة من العبيد أو أحد منهم فيقتلوه، حتى ما بقي أحد منهم من كل ناحية من إقليم البلد.

ومنهم من يمشي مع سيدهم، وهم الطائفة التي قد قطع منهم بأنفسهم وهربوا إليه بعد ما أصابوا أهل تنبكت برئيسهم، وهما شيخ شيوخهم اسمها الشيخ بور-كند وحاكمه أبو الخير. وهما أطغا وأكبر منهم. وظفر أهل تنبكت بهما يوم خروج سيده، فكانت أجلهما على يد الشرفاء وأهل تنبكت. ولذلك لم يقدرا عن الهروب حتى قبضوهما في ذلك اليوم.

وأما بور-كند ما يقدر شيء من حين خرج سيده إلا أن يهرب إلى دار الفقيه الإمام بابا المختار بن الفقيه القاضي محمد واستحرم عنده ،لاكن ما نفعه بشيء من الناس ومن الشرفاء إلى أن جاءه الناس هنالك مع بعض الشرفاء وقبضوه مكتفاً وجلبوه إلى ديارهم، ودخلوه في داخلها ليروه لعيالهم. ثم خرجوه وقتلوه صبراً بسيف وحريش ومدفع حتى مات، عجل الله روحه إلى سوء الجحيم.

وأما صاحبه أبو الخير فقد جاءوا به إلى موضع من جانب السوق يسمى مسنى، وقتلوه هنالك صبراً وتركوه هنالك مطروحاً، عجل الله بروحهما إلى سوء الجحيم في الدرك الأسفل من النار.

ثم إن الباشا باحد لم يعمل الديوان في اليوم السابع ولم يطف على العادة المعروفة، حتى كان يوم النحر خرج إلى مصلى العيد وصلى وعمل الملعب المعروفة عندهم. ثم جاء القائد منصور في شهر صفر الخير فاتح عام الثاني والثلاثين ومائة بعد ألف، ومعه توارق ول-مدان مع رئيسهم أغا-شيخ ابن كال-دن التارقي، ونزلوا من جهة القبلة لتنبكت. وخرج إليهم الرماة والشرفاء وعبيد ومعهم رجال تنبكت كلهم أجمعين يومئذ ودفعوهم ساعتئذ، وما وقفوا بين أيديهم ورجعوا في الغابة هوربون، ورجع معهم القائد مضور المذكور، ولم يفده بشيء من مجيء ذلك العام المذكور. ونزلوا من جهة أبراز، وخرج إليهم الباشا باحد بنفسه مع جيشه ودفعوهم كالأول، ولم يفده أيضاً من ذلك المجيء.

ثم جاء ثالثاً في شهر جمادي الأولى منه، ومعه توارق هوص وتوارق كرم ورماة بنب، ونزلوا في قرية بوك، ومعه الفلانيين، وجلعوا يغيرون على طريق مرسى كبر، حتى خافوا منهم أهل تنبكت لئلا يعملوا الخسارة فيهم.

ثم قطع الباشا طائفة من الجيش لطريق المرسى أن يذهبوا مع الفركد كل يوم لأجل ذلك الخوف، حتى كان يوم الأحد التاسع من الشهر المذكور خرج الطائفة مع أصحاب الحمار إلى مرسى كبر حتى وصلوه. فلما راحوا إلى تنبكت مع أصحاب الحمار تلقوهم عسكر القائد منصور وغاروا عنهم في موضع يقال له عرزري، وعملوا فيهم خيولاً ونشروهم شذر مذر وقاتلوا مع من وقفوا لهم قتالاً شديداً، وقتلوا من قتلوا، وعملوا خسارة عظيمة لأهل تنبكت يومئذ، وقتلوا أناس من الرماة والمسبين وأهل البلد من أولاد أكابرهم وبعض أكبر الجيش.

وقتلوا عشرين نفساً من الرماة وأهل تنبكت، منهم أحد عشر رجلاً من خيار الجيش، أولهم كاهية المراكشيين الكاهية أحمد بن القائد باحدي بن سالم الخساني المراكشي، وكاهية الحاحي الكاهية سنيبر بن الكاهية عبد الله صنح، والكاهية محمد بن القائد براهيم بن حسون الدرعي بن وشيخ الروي القائد ثلج مام أطلو، ومحمد بن القائد ذي النون بن الحاج، وأخوه حمد بن القائد ذي النون المذكور، ومحمود ابن نان كمل، وأخوه عبد الله هندي ابن نان كمل، وعثمان بن الكاهية سيد، وسن مغي ابن الشيخ باخ، وسن جينو ابن كاغ مومن. فهؤلاء أحد عشر رجلاً من خيار الجيش الذين قتلوه يوم الأحد.

وأما الذين قتلوا من أهل تنبكت يومئذ فالعباس الشريف بن الإمام بغيغ بن الفقيه الإمام محمد كورد، وعبد الغفار ابن الحاج المبارك، وعلي الأفراني، وبابا أحمد ابن الحاج سنيبر بن أحمد شضاد الفلالي، ورجل واحد من أهل مراكش اسمه محمد، والمبارك القاطه من حراطين أهل سنكري، وكثير من غير أهل نتبكت من المسافرين والقادمين ممن لا يحصى عددها إلا الله تعالى. ولا تسمع في تلك الليلة من تنكبت إلا بكاء ونياح.

وخرج الباشا باحد إلى طريق المرسى ولم يبعد حتى وقف على نبكة المخزن-تند، وهو متحير ولم يدر ما يفعل من تلك الساعة. وخرج إليه من بقي معه في البلد من الرماة كالقياد والكواهي وسائر الناس وغيرهم من المسبين وأهل تنبكت كلهم، وقفوا هنالك ورآه، حتى دخلوا أناس في البلد، وهم عاملون القتلى من الغابر في تلك الساعة الليلة.

ثم رجع الباشا ولم يمش إلى المرسى خوفاً عن الطريق، وبقوا أياماً لا يقدرون أن يمشوا إلى المرسى ولا يقدر أحد أن يقف في ذلك الطريق ولا في الصحراء. وكل من له أخ من القتلى لا يقدر عن حمله إلا بغفير يمشي معه بالاحترام والإجارة، وكلهم يهربون إلى سيد صديق الكنتاوي ليحمل موتاه من الطريق إلى البلد، بكراء حموله ألف ودع عن كل ميت. وكانت الوقعة من يوم الأحد الثامن من جمادي الأولى أو التاسع منه-والله أعلم-في ذلك العام المذكور قبل، يعني العام الثاني وثلاثين وألف ومائة.

ثم جاء أغشيخ سلطان ولميدان الترقي إلى تنبكت ومعه القائد منصور، ونزل من جهة القبلة قريباً بروضة ولي الله تعالى سيدي الفقيه أحمد معيا، وطلب المصالحة مع صاحب الأمر الباشا باحد. وأمعن له الباشا في ذلك واصطلحا على يد الكبراء والشرفاء، وأعطاه الباشا باحد ثلاثة آلاف مثقال ذهباً تبراً.

ومكث في ذلك المنزل نحو شهرين، هو ومعه القائد منصور. ثم رحل هنالك ومعه القائد منصور وتحول إلى جهة المغرب حارة القائد المذكور. ثم مكث عنده أياماً يسيراً، ثم ذهب إلى ناحيته ومعه القائد منصور. وتخلف هنالك ثلاثة رجال من أتباع المنصور ولم يتبعوه أيضاً، وهم أحبابه وخليله وخاصته القائد يوسف بن عبد الله الدرعي وربيباه سيد محمد وأخوه حمد أبناء التنغراسي.

وفي تلك الساعة ولى الباشا باحد سيد محمد حكومة البلد، فكان حاكماً له على أطراف تنبكت وساعد فيه، وصاب مالاً فيها، حتى كأنه لم ينقص من يده شيء لأجل البركة التي حصلت له فيها وفي نفسه، وهو رجل مرزوق مسعود مبارك ذو همة عالية، ومروة وافرة فاخرة، وعقل ثابت وقول ووفاء، أسمر اللون، ذو شحم ولحم، هو ضحم جسيم جدار، رحمة الله تعالى عليه .ومدته فيه نحو ثلاث سينين.

ثم جاء القائد محمد بن مولود قائد بنب، وهو معزول، فجاء عند الباشا لأجل طلوعه إياه. ثم ولاه أيضاً على بلده بنب، فكان قائداً بأمر صاحب الأمر الباشا باحد.

وقطع مائة رام من الجيش وجعل عليهم الكاهية الشيخ بن القائد ببرك الغمري، وصرفهم مع القائد محمود المذكور إلى بلد بنب لأجل حراسة القائد منصور هنالك ومن معه من التوارق. ومشوا إلى بنب وأدركا هنالك الفقيه محمد بن طاهر التارقي، فقتله الكاهية الشيخ هنالك بعد أن سجنه في منزله أياماً. وبعث مرسوله إلى الباشا على أن يقتله، فأمره بقتله، ثم قتله ساعتئذ. وهذا المقتول ابن طاهر المذكور هو صاحب وحبيب خاصة للقائد منصور، وقد زعم الزاعمون أنه يستعمل له ويجلب له رجال بتدبير ورأي، حتى فطن الباشا عنه، ولأجل ذلك أمر بقتله، رحة الله عليه. وهو رجل فقيه عالم نحوي لغوي عالم بعلم السر، واشتهر بعلم النحو في بلدنا تنبكت، حرسها الله تعالى آمين.

ثم سمع صاحب الأمر الباشا باحد أن القائد منصور جاء من ناحية التوارق وصار إلى ناحية بنك قرباً لهذا البله أي بلدنا تنبكت. وتجهز الباشا للمسير إليه بمحلة لمقاتلته مع من معه من الرماة والتوارق والسودانيين وعبيده لغاط. وكان ذلك من شهر شعبان المنير في العام الثالث والثلاثين ومائة وألف.

تلقوا هنالك واقتتلوا وجرى بينهما قتال شديد ومعركة هائلة وقتل ذريع، إلى أن هزم الباشا باحد جيش القائد منصور هزيمة فاحشة، وقتلوا كثيراً من عبيده لغاط وولوا أمامهم مدبرين. وتبعهم الباشا إلى أن وصلوا قصبة بنك ونالوا منهم نيلاً عظيماً يومئذ.

ومن الذين قتلوا يومئذ العباس بن القائد سنيبر بن القائد محمد بوي الشطوكي مع غلام كبير السن لأبيه القائد سنيبر المذكور المسمى باش، وقد قتلوه يومئذ.

ومكث الباشا هنالك أياماً. ثم رحل قافلاً إلى أن وصل تنبكت، حرسها الله. وطلع فيها يوم السبع وعشرين من رمضان المعظم آخر السنة المذكورة. وطاف حول البلد على عادتهم حين خرجوا المحلة. ثم دخل القصبة سالمين.

في تلك المدة أمر كبر فرم عبد الله بقتل محمد بنب جي، وهو في محلة في مرسى دعي وما زالوا هنالك إلى داجي. فأمر بقبض محمد بنب جي المذكور، ومكنه في يد كبر فرم المذكور، وذهب له إلى كبر، وربطه في دار سلطنة كبر. ثم أتوا إليه وخنقوه بالسلاسل التي ربطوه به حتى مات، والعياذ بالله من غلبة الرجال. ثم أمر بحفر الأرض حتى عمق في ذلك الدار وطرحوه فيه وردوا عليه التراب. ومحمد بنب جي المذكور هو ابن صاحب القائد سنيبر من أولاد بلد بنب، وهو للقائد منصور أن صاحب أبيه الذي تبناه من حين طفوليته ورباه في دارهم وزوجوه أختهم سلم بنت والده المذكور. وهو صهر لهم وهو كواحد منهم.

ثم عزل الباشا باحد عشية الخميس خامس عشر من شهر ذي الحجة الحرام آخر العام المذكور، أعني به العام الثالث والثلاثين ومائة بعد ألف.

ثم رد أيضاً في المرة الرابعة يوم الأربعاء، وذلك يوم عزلان القائد عبد الله بن الحاج من حين قتل باب شراق في شهر ربيع الثاني من العام المكمل الأربعين ومائة بعد ألف. ومكث فيه سنة وسبعة أيام، وما تحرك بشيء منه سوى أن قطع الإغاثة وبعثها إلى أن نكب في عون الكاهية عبد الله بن القائد علي التزركيني، لكي يفتحوا طريق البحر. وأما الكاهية عبد الله هو عامل على أرض درم يومئذ. وصاروا إليه، ثم رجعوا ولم يؤثروا شيئاً.

ثم توفي صاحب الأمر الباشا باحد عشية الأربعاء يومين خلتا من ذي الحجة آخر شهور العام الحادي والأربعين ومائة بعد ألف. ومات وهو باشا، ولم يخرج روحه إلا من فوق داره البراني، وهو في قصره من حين مرض حتى مات. ثم نزلوا ميتته بالمشقة وغسلوه وكفنوه، ووافقت بدفنه وقت صلاة المغرب ليلتئذ.

وممن مات في أيامه من الأعلام الفقيه حمد بن ولي الله تعلى الفقيه الزاهد الورع محمد بن الفقيه بابا بن عبد الرحمن بن أحمد المجتهد، وآخرون من سائر الناس.

براهيم بن القائد حمد بن علي بن محمد التزركيني عرف بالفع أبراهيم تولى الاثنين أول يوم من المحرم فاتح عام أحد وخمسين ومائة بعد ألف، بعد موت أخيث الباشا محمد بن القائد حمد المذكور في التباشات. وفي فور ولايته ولى القائد علي بن الجسيم في سلطنة كبر، فكان فرم حينئذ. ثم عزل الباشا المذكور يوم الأحد السابع والعشرين من شهر صفر الخير، ومدة مكثه في السلطنة ستة وخمسون يوماً.

ثم رد بعد عزلان حمد بن الفع منصور يوم الثلاثاء سابع عشر من جمادي الأولى من ذلك العام. ولم يجد منهم أن يتحرك بشيء إلى أن عزلوه أيضاً في يوم الاثنين الثالث عشر من رجب الفرد من العام المذكور. ومدة مكثه فيه شهرين.

ومات في مدته تلك الفقيه الإمام الصاح النافع بقية السلف أبو العباس أحمد بن حمود بغيغ إبراهيم بن أحمد بغيغ الونكري.

بابا سيد بن القائد حمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن الدرعي تولى بعد عزل القائد يحيى بن القائد حمد التزركيني، وذلك يوم الأحد الثالث عشر من جمادي الأولى في العام الثالث والخمسين ومائة بعد ألف. فكان ذا سياسة ومروة لأهل المخزن وكبراء الجيش، وأعطاهم جميل العاطايا، وكسا أهل المخزن كلهم أجمعين. لكن ما يعطي للفقهاء والمداحين كسوتهم، وهي عادة جارية لهم من زمان أسلافهم حين سرد لهم صحيح البخاري بالمدح في رمضان المعظم في دار سلطنتهم، الحاصل ما يعطيهم شيئاً.

وهو قائد بني سعدون من يوم تولاه باشا، فكان آخر من قيادتهم، ولم يتول أحد بعده في القيادة إلى الآن. ثم عزل يوم الأحد في شهر رمضان الحادي والعشرين بزمنه في آخر العام المذكور. ومدة مكثه فيه خمسة أشهر. وفي هذه المدة طرحت على المسبين ألف مثقال ذهباً، وأخذه وقسمه لهم.

ثم رد يوم الأربعاء بعد عزلان القائد سعد بن منصور في شهر ربيع الثاني والعشرين منه في العام الثامن والخمسين ومائة بعد ألف. وقد أدرك الحال لأن الجور غال في البلد يومئذ، وصافط مراسيله قبل طلوعه إلى قرية وكي لرفد الجور لأجل طلوعه هنالك. وعمل عليهم القائد المبارك بن صالح. فلم يجيبوا به إلا بعد طلوعه هنالك. ومكث فيه نحو خمسة أحهر، ثم عزل يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر شعبان المنير من ذلك العام. وقد تقدم ذكره في حرف العين باسم عبد الرحمن، انظره.

ببكر بن العامل الفع منصور بن القائد محمد بن علي الدرعي تولى بعد عزلان القائد عبد الغفار بن الكاهية أسامة التزركيني يوم الجمعة العاشر من شهر شوال من عام أحد وستين ومائة بعد ألف. وأعطا كسوة من الملف والشقة لأهل المخزن كلهم. وطرحت على المسبين ألفين وخمس مائة مثقال ذهباً، وقسمها لهم.

وأدرك الحال أن أسكيا الفع هناك في هذا البلد لأجل طلب ولاية تسكية جاء هنا من مدة القائد عبد الغفار، فلم يوليه حتى عزلوه يومين من شعبان المنير. وقام في البلد بعده أربعة أشهر حتى ولى سلطنة تسكية في المشور بأمر صاحب الأمر الباشا ببكر المذكور، هو باشر توليته، وذلك يوم الاثنين التاسع عشر من ذي القعدة آخر العام المذكور. وهو أسكيا الفع محمود بن كن-فاري عمار. ثم سافر إلى بلده يوم السبت ثاني وعشرين من ذي الحجة آخر شهور العام المذكور، بعد ما مكث في البلد نحو ستة أشهر في ضيافة المكرم القائد سعيد بن القائد حمد بن علي التزركيني.

ثم عزل يوم الاثنين أول يوم من المحرم فاتح عالم الثاني وستين ومائة بعد ألف. ومدة مكثه فيه نحو ثلاثة أشهر. وفي عزلانه هذا حركت الفتنة بينه وبين القائد عبد الغفار. وتلقى رجالهما حتى قتلوا اثنين من أولاد القائد عبد الغفار، وهما سبطاه. وأما ظني سبطا القائد علي التزركيني ابنا أخت القائد عبد المذكور، هما ابنا بنت عبد اللطيف ابن القائد علي التزركيني.

ثم رد يوم الاثنين العاشر من صفر الخير فاتح عام الثالث وستين ومائة بعد ألف. ولم يعقبه أحد فيه سواه، وذلك أن أهل المراكشيين تعاهدوا وتعاقدوا وحالفوا على مخاصمة أهل الفاسيين. وتفتنوا معهم وتعاديهم لما منعوا بأمر السلطنة للقائد سعيد بن منصور، وعقدوا الرأي عنهم.

ثم اجتمعوا رجال أهل الفاسيين مع رجال المراكشيين في أبراز عند دخول الملح وتفاتنوا هنالك واقتتلوا حتى غلبوا أهل المراكشيين عن أهل الفاسيين وكسروهم، وهربوا إلى أن دخلوا ديارهم. وأكلوا نصيبهم من مخزنهم، وعملوا لهم كل ما قدروا من الشر والشماتة. وقعدوا لهم على ذلك نحو شهرين.

ثم دخل بينهم القاضي والشرفاء وناديهم جميعهم في مسجد سيدي يحيى، فجمعوا فيه يوم الأحد التسع من صفر الخير، واصطلحوا. ونوبة سلطنتهم لأهل الفاسيين في هذالا طريق، أعطوه للقائد ببكر هنالك وعملوا عليه الفاحتة. ثم خرجوا معه إلى داره ودخلوا في غده أعطوه النوبة وبايعوه في اليوم المذكور قبل.

وأعمل الكسوة كذلك لأهل المخزن كلهم. ثم ولى قضاء تنبكت وأحوازها للفقيه الأجل الأسعد لهذا العهد غريبة الزمان ودرته بل ومصباح أهله كلهم وحسنة دهره فضلاً وكمالاً وحياء ونفوداً وإدراكاً وسعادة ونفعاً النافع للمسلمين أبو اليتامي والمساكين والأرامل والسبق إلى الخيرات وبركة السلف الصالحين والمقتدي بهم ركن لأهل الخيرات وحبيبهم وفاعل سير المتقدمين من أجداده الخالصين المنشر وجهه للخاصة والعامة بلا خوف ولا طمع ولا غش ولا خيانة، السيد القاضي أبو عبد الله الشهير ببابير ابن الفقيه القاضي أبو العباس سيد أحمد بن العلامة البحر الفهامة أبي إسحاق الفقيه القاضي إبراهيم أبي العلامة فريد دهره ومصباح زمانه الفقيه عبد الله بن ولي الله تعالى السيد الفاضل الكامل العارف بالله تعالى سيدي أحمد معيا. وقل أن تأتي الإيام بنظيره أو تسمع بمثله، أعانه الله وسدده قولاً وفعلاً ومدد له عمراً طويلاً وستره عن العيوب تستيراً ووقا حرره توقئاً أمين. وكان ذلك يوم السب الثاني والعشرين من ذي القعدة الحرام آخر شهور العام الثالث وستين ومائة بعد ألف، بأمر صاحب الأمر يومئذ الباشا ببكر المذكور لا المشور السعيد في مدته ذلك.

ثم عزل يوم السبت التاسع والعشرين من الشهر، وقد صار له ما صار بتدبير من طلب الولاية وحصل فيه مالاً.

حرف الألف

الحاج المختار بن بيوخف الشرقي ثم اليعقوبي تولى بعد عزلان علال بن سعيد الحروسي، وذلك من العام المكمل سبعين وألف. ثم عزل بعد ثلاثة أشهر.

الفع بنكان بن محمد الشرقي تولى يوم الثلاثاء ثاني يوم من جمادي الآخرة في العام الرابع وتسعين بعد ألف، بعد عزلان القائد باحد بن سالم الحساني، والله أعلم وأحكم. ومدته فيه ثلاثة أيام، وعزل.

البمارك بن الباشا منصور بن مسعود الزغري تولى بعد عزلان القائد علي بن حميد العمري في آخر العام السادس وتسعين، وقيل في فاتح السابع وتسعين، والله أعلم. ثم عزل في أواسط العام المذكور. ومدته فيه سبعة أشهر.

ثم رد في شهر ذي القعدة الحرام آخر شهور العام الرابع بعد ألف ومائة. وعزل في آخر الربيع النبوي في العام الخامس بعد ألف ومائة. ومدة مكثه فيه نحو خمسة أشهر.

الحسن بن منصور المنبه تولى بعد عزلان القائد سعود بكرنا في أول المحرم فاتح العام الثامن وتسعين وألف. ومكث فيه ثلاثة أشهر، وعزل. وقيل عزل في أواسطه، والله أعلم.

العباس بن سعيد العمري تولى بعد عزلان القائد عبد الله بن حسن الدرعي في شهر الربيع النبوي في العام التاسع وتسعين وألف. ثم عزل في شهر جمادي الآخرة السابع والعشرين منه. ومدته فيه أربعة أشهر.

المبارك بن حمد بن علي المبارك الدرعي تولى بعد عزلان القائد حمد بن علي التزركيني يوم السبت الخامس والعشرين من ذي القعدة الحرام آخر شهور العام الثامن ومائة بعد ألف. ومكث فيه خمسة أشهر. وعزل في شهر الربيع الأول من العام التاسع بعد ألف وماءة.

المبارك بن محمد الغرناطي ولي بعد عزلان القائد مامي بن علي التزركيني في شهر المحرم فاتح العام التاسع عشر ومائة بعد ألف، وقيل في شهر ذي الحجة آخر العام الثامن عشر، والله أعلم وأحكم.

وفي ولايته وقع الخالاف بين معشر نكي طاهر وبين النيط بلبول. وكانت الوقعة الأولى بينهم يوم الاثنين السابع من المحرم الحرام فاتح عام التاسع عشر ومائة بعد ألف. ثم كانت الوقعة الثانية بينهم في كوني يوم السبت في أواسط ربيع الثاني من العام المذكور.

وفي هذه المدة تحرك الباشا بمحلة إلى غال موسى، ويقال لمحلته محلة زغ. ثم عزل بعد رجوعه من المحلة في أوائل جمادي الأولى من ذلك العام المذكور. ومدة مكثه فيه نحو أربعة أشهر، والله أعلم لذلك.

وفي تلك الساعة كانت وقعات التوارق تدمكت في هذا الطريق، أي طريق المرسى، من أيام الجمعات. وما زال أن يوافق كونه بالجمعة حتى يقال له الجماري. وكانوا يعملون فيها خسارات من الأموال والأنفس، وفيها قتلوا عبد بن القائد حمد بن علي التزركيني، وشيخ سعيد كلن حرطان الكاهية حمد بن كبر فرم حم، وآخرون من سائر الناس.

الفع محمود بن القائد محمد بوي بن الحاج الشطوكطي تولى بعد عزلان القائد عبد الله بن الحاج يوم الأحد ثامن من شوال آخر العام الثامن والثلاثين بعد ألف ومائة. ومكث فيه تسعة وثلاثين يوماً، ثم عزل. وقد ذكرناه في حرف الميم.

الحسني بن القائد حمد بن علي التزركيني ولي بعد خلع القائد محمد بوح بن القائد سنيبر بن منصور يوم الأربعاء رابع يوم النحر من ذي الحجة الحرام آخر عام الخامس والأربعين ومائة بعد ألف. وحين دخوله في السلطنة وهو في الكرسي، ولى لكل ذي نوبة نوبته، وقامهم في موضعهم. فأول ذلك قام لأهل الفاسيين أخا إبراهيم كاهية لهم، وولى حمد بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي المبارك كاهية لأهل المراكشيين، وولى بابا بن القائد ناصر بن القائد عبد الله بن القائد ناصر الأعمشي كاهية لأهل دائرة، وبابا سيد بن كبر فرم عبد الله بن عبد الرحمن ولاه مشاوراً.

ثم قام عليه الكاهية محمد بن القائد باحد بن يحيى بن علي المبارك، وخالفه ساعتئذ واحل عقده وبطل همته وقطع نظمه وكسل جسمه، وعزله في الحين، وتفاحش الكلام له وخرج إلى داره. ثم وجه القائد إبراهيم بن الكاهية سيد والقائد محمد بن القائد سنيبر بن بوي الشطوكي إلى الكايهة محمد المذكور ليكلما له على وجه النصيح بأن لا يعزل الباشا.

فأبى بهما، ثم كلم له بعض الرماة ممن سواهما من خاصته فلم يجبهم في ذلك إلا أن يعزله. وتفرقوا بالمخالفة بعضهم بعضاً بلا رأس، فكانوا قوماً بلا رأس.

وفي ذلك الشهر سمعنا أن اأسكيا الحاج بن أسكيا ببكر تحرك بعسكره إلى نبكة-جوريع من ناحية كرنكد-برا، ونزل في قرية يسمى كرمي-ونما، وعلى سلتي-ورندغ وهو بنبري كفار، لأجل معونة العافية-ولد-مر-بنبر، يريد أن يرد العافية المذورة في دار أبيه مر الذي أخرجه منه سلتي-ورندع المذكور.

وترده منه بالقهر والغلبة وخرب ديارهم وقتل منهم من قتل من عياله ورجاله وعوانه من كفار بنبر، ولذلك نزل أسكيا في القرية المذكورة لمعاونة العافية وقتال ورندغ. وانتقاله في تلك القرية مع من معه من الرجال. ثم شاوره عنه أي أن يخرج فيه طوعاً، فلم يرض به إلا أن يخرجه فيه كرهاً بالقتال والغلبة، كما خرج العافية فيه. وكذلك خرجه أسكيا منه فهدموا الديار عنهم وقتلوا رجلالهم جزاء وفاقاً.

وفي الشهر الربيع النبوي ليلة الولادة من ذلك العام أعني السادس والأربعين ومائة بعد ألف مطرنا في بلدنا تنبكت-حرسنا الله-مطراً وابلاً من وقت العشاء الآخر إلى ثلث الآخر من الليل، حتى لم يتحرك أحد من وطنه في تلك الليلة. وخروج الناس مثل هذه الليلة هي عادة جارية قديمة من زمان المتقدمين.

وهي معروفة بضروب الطبول ويمدح المداحين ويزينون المساجد، ويخرجون الناس رجالاً ونساء، ويخرجن حرائرهن وأمائهم بزينتهم ولباسهم، ويلبسون أحسن لباسهم وبمفاخر زينتهم، ويمدحون المداحون من أبواب المساج، ويضربون الطبول في مواضع معروفات، ويركبون الرجال على جوادهم ويلعبون بهن في الطبول إلى ثلث الآخر من الليل.

وفي تلك الليلة ما خرج أحد لأجل ذلك المطر إلى الغد. ثم عملوا ما يعملوا مثل تلك الليلة وعاودوه في ليلة غده، كما جرى عادة. ووافق هذا المطر بإحدى عشر خلت من أغشت. وفي يوم الأربعاء خامس من رمضان المعظم من ذلك العام وقع البحر في معدك، وهي ثلاثون من ينير ودخل فبرائر يوم الجمعة السابع من الشهر المذكور.

وفي تلك السنة من شهر شوال جاء أغمرير إلل التارقي مع توارق تدمكت أجمعين إلى عند الرماة، ولم يصادق [=يصادف] بباشا، والباشا ما هو خال. ثم اجتمع الرماة إلى دار القائد محمد بن القائد حمد التزركيني ليكملوا معه بالخير والصلح والطاعة.

ونادى الفقيه الإمام بابا المختار بن القاضي محمد أن يحضر لديهم ويكون بحضرته. فحضر بالمصحف القرآن العظيم وصحيح البخاري. وحضر أغمر المذكور، وحلف بها على أن لا يقدرهم بشيء في أمر البلد، وما لا عندي بشيء سوى العافية والأمانة لهم إلى أن تمت سنة كاملة. وعلى ذلك عملوا الفاتحة وأعطوه مائة حاجة. ثم مشى إلى ناحيته بالعهد والميثاق. ومسك به تسعة أشهر ولم يتحرك بشيء سوى العافية خال في البلد وأحوازها.

وفي ذلك الشهر جاء مولاي عبد الله بن مولاي بن ناصر ابن السلطان الأعظم مولانا إسماعيل في هذا البلد ثانياً، وهو خرج من ولات أيضاً. ونزل كسم-بنك في جوار الشرق. وما سمعنا من شيوخنا بمجيء أحد من أولاد السلطين من أبناء مولاي أحمد الذهبي ومن بعده من السلاطين، ولا من أولاد مولاي إسماعيل إلى بلدنا تنبكت سوى مولاي عبد الله المذكور جاء هو وحده.

وفي تلك الساعة شاور الجيش بعضهم بعضاً في أمر ولاية أحد منهم باشا بعد ما مكثوا سنة وخمسة أشهر ولم يسموا أحد بذلك. ثم داروا الكلام من بينهم وجاوبوا بعضهم لبعض في الكلام. أما النوبة هو لأهل المراكشيين يومئذ. وأما أهل الفاسيين فقد كلموا لهم في الأمر بكلام جيد مليح، لاكن ما هو بحقيقتهم.

بل قد ملحوا لهم بكلام لين وبقبول أحد منهم: وكل واحد منهم فسواء عندنا، كلهم سواء علينا، ولو كان من أولاد علي المبارك، فكلكم مقبولين عندنا، فنحن قد قبلناهم مرتين، فأحرى إن كان هو الكاهية محمد بن رح بروحه، قبلناه عشر مرات. فكل ذلك قد كتموا عين المراد عنهم.

فرب فيهم من يعلم به، إلا الكاهية محمد قد أيقن أنه لم يعرف بعين مرادهم هو بنفسه أن يأخذوا منه ثأرهم لما فعل بهم قبل ذلك في عزلان القائد الحسني، وبما حملهم فيه بالذل والإهانة كلهم مدخرة عندهم. فلذلك يختاروه بين سربته ورضوه وانتظروه: إذا توافق سربتك برضاك فنحن قبلناك ونرضا عنك وأنت هو باشا.

وأنعموا له وهو يومئذ في مرسى كبر في المخاطبة من بينهم، واتفق الجيش كلهم بظاهر كلامهم على توليته باشا. وسار إليه القائد سعيد بن القائد علي التزركيني وبات عنده في كبر لأجل فرحته له بالسلطنة، وهو حبيبه وخاصته يومئذ.

فلم يجيء يومئذ. ثم أرسلوا إليه المشاوري ليناديه ويخبره أن الجيش يستنظرون بقدومه إلى القصبة، وبات عنده المشاوري. وفي صبيحة سار الجيش إلى القصبة واستكملوا فيه بسكاكينهم لانتظار طلوعه. وحضر أصحاب الشغل كلهم كالغياطة والرباب والطبال والدفوف.

ثم طلع إلى تنبكت وقت الزوال، واتظر له أولاد القائد حمد حتى دخل في القصبة من باب كبر، وخرج في السقيفة من داخله ومشى في الرحبة قليلاً، إلى أن قرب المسجد ضربوا عليه المدفع ساعتئذ، ونادى: ما هنا فيه. ثم رجع مع رماته في كبر بالقصبة ومكث هنالك مغيظاً.

وأمسك أيد الفنافي والخدافين، ومنعهم عن الخياط قاربهم وغيرها مما سواه من اشتغالهم، ومنع عن نزول شيء من قارب طعام أو متاع وأن يدخلوها في بلد كبر، ومنع الفركي أي أصحاب الحمير على أن يرفدوا شيئاً من كبر إلى تنبكت، وطردهم وسد أبواب القصر إلا باباً واحداً من جهة المرسى، وجلس هذا هكذا.

وربط رؤوس الناس بآجاله وأمره وبما يحتالوه. وصار كأسد ضرير جامع يأخذ الناس منه ما يصيب من الوحش. وكل من جاء عنده لأجل متاعه فطلب منه تسريحه فقال له: بل إلا أن يجعلوا الباشا، فعند ذلك خليت سبيلكم ونترككم أن ترفدوا متاعكم. وذلك في شهر ربيع الثانية من العام السابع والأربعين ومائة بعد ألف.

وحتى الكاهية محمد في كبر على هذا الحال لا ذاهباً ولا خارجاً حتى جاء إليه مرسول القائد منصور بن القائد سنيبر وشاوره على توليته القائد محمد بن حمد التزركيني. وفي تلك الساعة من قبل هذا الوقت مشى إليه ابن عمه حمد بن الفع منصور في مرسى كبر لكلامه ونهيه عن التجبر والاعتناد من الناس في تلك الأيام، لكن ما يعمله إلا لأمثاله.

وأما حمد المذكور هو أخوه الأكبر، وما يكلمه إلا على وجه النصيحة. فكان فتنة بينهما في القرية، حتى تقاتلا هنالك وتضاربا بعضهم بعضاً بالمدفع. وغلبه الكاهية محمد وحصره في دار سلطنة كبر ومع رجاله كلهم. ثم خرج من الحصران في غده وقدم تنبكت ومشى إلى الرماة، واجتمع معهم في رأي واحد، وتعاقدوا عليه بتدبير وحيلة.

ودار الكلام من نبينهم حتى نالوه السلطنة. ثم توجه إليه حمد المذكور للقائه في الغد. ثم ضربوا عليه المدفع أولاد القائد حمد بإيايته، وكر راجعاً في كبر كما مر، إلى أن جاءه هنالك مرسول القائد منصور يتشاوره على تولية القائد محمد بن القائد حمد، لأن الجيش توافقوا عليه ورضوه فقبله بقبول القائد منصور وبخاطرته. أما القائد منصور فقد صار أباً ناصحاً وحبيباً خاصة للكاهية محمد المذكور، وجاء مع مرسوله الذي أرسله إليه في تلك العشية ملبياً به. ثم رجع في كبر أيضاً ولم نتنظر شيئاً.

الحسن بن محمد العمري أخو الكاهية الشيخ العمري تولى بعل خلع القائد بابا سيد بن القائد حد-زنك في أواسط ذي الحجة آخر العام الثالث والخمسين ومائة بعد ألف. وذلك لما جاء عند الرماة غمان-ولد-أغ شيخ سلطان وُلمدان التارقي لطلب الرئاسة عندهم التي لا يكون إلا عند الرماة. وابتدأت من هعد جده كالدن هو أب أغ شيخ، ثم أغ شيخ المذكور. فكان عادة معروفة من زمان أسلافهم، ثم بعد ذلك لا يدخلون في سلطنتهم إلا في المشوار عند الباشا.

فلما جاء ولم يدرك باشا يطلعه. ثم اجتمع الرماة على أن وليه باشا لسبب طلوعه في مرتبة أبيه وجده. وأما جده كالدن قد وافق طلوعه بمدة القائد حمد بن علي التزركيني، ووافق أبوه بالقائد عبد الله بن الحاج العمراني.

ثم تكلم الرماة في أمر طلوعه الباشا واتفقوا على تولية القائد الفع إبراهيم بن القائد حمد بن علي. وباتوا عليه إلى الغد. وفي ذلك الغد طلب منهم الإقالة. ثم سلموه وتحولوه على الكاهية الحسن المذكور، وأخذوا بيده في الجماعة، وولوه باشا وبايعوه ساعتئذ. وذلك يوم الثلاثاء الثامن عشر من الشهر المذكور.

وولى ساعتئذ القائد علي بن الجسيم كاهية لأهل المراكشيين، وولى عبد الرحيم بن القائد حمد التزركيني حاكماً، وولى بابا بن القائد براهيم بن الكاهية سيد علي كبراء كبر فرم.

ثم أتى غمان التارقي وحضروه بين يديه مع حضور الجيش وأعطاه عادته المعروفة من بينهم، وهي اثنان من الخيل أشهب وأحمر وقميص لآلئ السوسي وشربيل مع الدحي [=الدجي؟] أعطاه الكل، وحضرت له أحصاح الشغل كالغياطة والرباب وضربوا عليه، وخرجوا معه في القصبة وهو راكب إلى البر عند قباه، ومعه أهل دائر والباشوطات والضباشيات إلى أن وصلوه في منزله في البر. ورجعوا إلى القصبة كما هو عادة معروفة, ثم مشى إلى ناحيته.

ثم عزل الباشا يوم الخميس سادس عشر من شهر الربيع النبوي في العام الرابع والخميس بعد ألف ومائة. ومدته فيه نحو ثلاثة أشهر.

الفع محمود بن القائد محمد سنيبر بن القائد بوي تولى يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر الربيع الأول في العام التاسع والخمسين ومائة بعد ألف، بعد عزل القائد بابا سيد. وقد تقدم ذكره في حرف الميم. وما مكث فيه إلى أربعة أيام، ثم عزل.

حرف النون

ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي تولى يوم الاثنين خامس وعشرين من رمضان المعظم عام السابع وسبعون بعد ألف، بعد عزلان القائد محمد بوي ثاني ولايته. وفي هذه المدة ولى الكاهية علي بن الباشا حمد بن حد كاهية لأهل المراكشيين، وتولى الحكومة للحاج بن سعيد العمراني في صبيحة يوم الأحد ثالث وعشرين من شهر شوال في آخر العام المذكور. ومكث فيه نحو ستة أشهر. ثم عزل في آخر شهر الربيع النبوي في العام الثامن والسبعين وألف.

ناصر بن الباشا علي بن عبد الله التلمساني تولى يوم الاثنين في شهر جمادي الأولى في العام التاسع والسبعين وألف، بعد خلع الباشا عبد الرحمن بن سعيد ونظام الأندلسي. وفي هذه المدة سرية إلى أنكوم، ولم يخرج بنفسه. وكان أسكيا داوود مقيماً مريضاً، وأجلب محمد صادق، وهو يومئذ بنك فرم، وأعطاه الفرس وأشرط عليه أن نصر الله حزبه وأسلمهم ولم يؤثر الحديد فيهم أحداً لجازاوك [=لجازاتك] بسلطنة تسكية وأنعم له. وتقبل منه الشرط، ولما رجعوا بالعافية والغنيمة ولوه سلطنة تسكية وأعطوه النوبة.

وفي يوم الأحد ثمانية وعشرين من جمادي الولى في العام التاسع وسبعين كسفت الشمس، وصلى الناس في الجامع. وكان ثمانية عشر من أكتوبر.

ثم عزل الباشا ناصر المذكور يوم الاثنين ضحوة الرابع والعشرين من جمادي الأولى، وقيل في سلخ الربيع الأول في العام المكمل ثمانين بعد ألف. ومدة مكثه فيه نحو سنة. وفي نسخة آخرى من تاريخ بعض أشياخنا عزل ناصر بن عبد الله في سلخ ربيع الأول. وتولى بعده عبد الرحمن بن سعيد ونظام باشا من شهر ربيع الثاني من العام الثامن وسبعين وألف، والله أعلم وأحكم.

وفي تلك الساعة في مدة الباشا ناصر المذكور من شهر رمضان المعظم ليلة الأربعاء الثالث والعشرين منه في ذلك العام، أعني عام الثامن وسعبعين وألف، ظهرت في السماء غرة مستطيلة من جهة المغرب وقت الغروب إلى العشاء، وامتدت إلى خمسة عشر من شوال.

وفي شهر ذي القعدة الرابع عشر منه من ذلك العام عزل الكاهية المراكشي علي بن حمد بن حد الأجناسي، وتولى الكاهية يحيى بن علي المبارك الدرعي صبيحة يوم الخميس منه. ثم عزل الكاهية شراق علي بن الباشا محمد بن عثمان في ثالث عشر ذي الجة آخر عام التاسع والسبعين وألف، وتولى الكاهية بن عبد الله بن علي.

واستسقى الناس في سابع عشر من يوليه خمسة عشر يوماً، وذلك سبعة وعشرين من شهر صفر في فاتح العام المكمل ثمانين بعد ألف. ثم مطرنا في آخر يوم من يوليه ليلة الأحد.

ثم عزل الكاهية علي الشهير بسنيبر بن عبد الله في سلخ صفر الخير. وتولى بعده ذي النون بن الحاج الشرقي شهر الربيع النبوي صبيحة الأربعاء خلتا يومين منه. ثم عزل وتولى بعده طالب علي بن علي المؤذن كاهية المراكشيين يوم الخميس رابعد ذي الحجة آخر العام المذكور، أعني عام المكل ثمانون بعد ألف.

ثم استسقى الناس بإمام القصبة يومين السبت والأحد، ومطرنا ليلة الاثنين ثاني وعشرين من ربيع الثاني عام أحد وثمانين وألف، وذلك ثمانية وعشرين من أغشت.

ثم خلع الحاكم الحاج بن سعيد، وتولى الحكومة للحاكم عبد الله بن القائد ناصر الدرعي ضحوة يوم الاثنين ثاني وعشر من الربيع المذكور. ثم عزل الكاهية ذي النون بن الحاج في شهر شوال آخر شهور العام المذكور، وتولى بعده الكاهية عبد الرحمن بن محمد كري الشرقي عشية يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر من العام أحد وثمانين وألف.

وفي غرة جمادي الأولى يوم الأربعاء من هذا العام ورد علينا مرسول السلطان مولاي الرشيد. فبايعه الجيش صبيحة يوم الخميس.

وكسفت القمر ليلة الأحد الخامس من جمادي الأولى عام الثاني وثمانون بعد ألف. وفي نسحة آخرى مكث الباشا ناصر في السلطنة إلى هذا الوقت عام الثاني والثمانين. ومدة مكثه فيه ثلاث سنين وشهور. ثم عزل في هذا الشهر المذكور يوم الاثنين الثاني والعشرين منه، وها هو أصح عندنا والله أعلم.

ناصر بن عبد الله بن القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي تولى بعد عزلان القائد المذكور الغراناطي في آخر يوم شعبان المنير من العام التاسع عشر ومائة بعد ألف. ثم عزل في شهر ذي الحجة آخر شهور العام المذكور. وقيل كان عزلانه في اثني عشر من المحرم فاتح عام الكملك العشرين ومائة بعد ألف. ومدة مكثه فيه ثلاثة أشهر ونصف على القول الأول، أو أربعة أشهر ونصف شهر على ما قيل، والله تعالى أعلم وأحكم وهو علام الغيب.

حرف الذال

ذو النون بن الحاج بن بيوقف اليعقوبي ثم الشرقي تولى بعد عزلان القائد عبد الله بن محمد بن القائد حسن الدرعي يوم الخميس ثالث عشر من شهر جمادي الأولى في العام المكمل تسعين بعد ألف. ومكث فيه سنة وشهرين. ثم عزل ضحوة الجمعة عشرين يوماً من رجب الفرد عام أحد وتسعين بعد ألف.

ثم رد بعد خلع القائد يحيى بن علي المبارك الدرعي في فاتح عام الثالث وتسعين بعد ألف. ومث فيه ثمانية أشهر، وعزل. بعد عزلانه قامت الفتنة بين سربة أهل الشراق في تولية القائد الخليفة كاهية على سربته. ثم دخل بينهم القائد محمد بن شيخ علي داعياً بالصلح، واصطلحوا بخير. ولما فتح الخصومة وافقوا على القائد المذكور وأقاموه في المقام العالي.

ثم رد أيضاً بعد عزلان القائد إبراهيم بن حسون في ثاني ولايته في شهر المحرم الحرام فاتح عام وسادس ومائة بعد ألف. ومكث فيه ثلاثة عشر يوماً، وقيل سبعة عشر يوماً، ثم عزل. ولم يتحرك شيئاَ في ولايته كلها. لكن مدته كلها غر منعة.

حرف الزاء

زنك عبد الرحمن بن باشوط بوزناد الفاسي الشهير بزنك تولى بعد عزلان القائد الفع بنكان في آخر ذي القعدة في العام الرابع وتسعين بعد ألف. ومكث فيه ستة أشهر. وعزل في شهر جمادي الأولى من العام الخامس وتسعين. وقد تقدم ذكره في حرف العين.

زنك بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي الشهير بزنك تولى بعد خلع القائد محمد بن القائد حمد التزركيني في شهر جمادي الآخرة من العام الحادي والعشرين ومائة بعد ألف. وقد تقدم ذكره في حرف الحاء.

جداول الباشات

وهذا انتهى القول بنا فيما أردنا من جميع ما تيسر من أخبار ملوك أهل مراكش من لدن الباشا جودر ومن تابعه إلى هذا الزمان، أعني بعد ستين ومائة بعد ألف. ولنذكر الآن ترتيب أسمائهم جملة واحدة وعددهم، وذكر عدد من تولى منهم من باشات أهل الفاسيين، وعدد من تولى من أهل المراكشيين، وعدد من تولى من أهل شراقي، وعدد من غزى منهم، وعدد من مات منهم في السلطنة، وعدد من جاء هو باشا من مراكش، وعدد من تولى فيها من أبناء الباشات، وعدد من تولى فيها هو وأبوه وجده باشا، وعدد من ولي هو وأبوه، وعدد قائد الأمين من لدن الباشا جودر إلى انتهائه، وكذلك من تولى حاكماً في هذا البلد إلى من يتنهيه في هذا العصر، وكذلك عدد كبر فرم، وعدد الأساكي من أهل سغي من مجيء محلة جودر إلى هذا العصر، وعدد القضاة وأئمة الجامع الكبير من مجيء المحلة إلى هذه الساعة. وسنذكر ماحدث فيها بعد ذلك. فأقول وبالله تعالى أستعين، وهو حسبي ونعم الوكيل.

أما عدد من تولى من لدن الباشا جودر إلى بنك بن الفع منصور فأول ذلك
  1. جودر المذكور
  2. محمود بن علي بن زرقون
  3. [منصور بن عبد الرحمن-انظر تاريخ السودان]
  4. محمود طابع
  5. عمار الفتى
  6. سليمان
  7. محمود لنك
  8. علي بن عبد الله
  9. أحمد بن يوسف
  10. حمد بن حد بن يوسف الأجناسي
  11. محمد بن أحمد الماسي
  12. يوسف بن عمر القصري
  13. إبراهيم بن سعيد الكريم الجراري
  14. علي بن عبد القادر
  15. علي بن المبارك الماسي
  16. سعود بن أحمد عجرود
  17. عبد الرحمن بن القائد حمد بن سعدون بن علي المحمودي
  18. [سعيد بن محمودي]
  19. مسعود بن منصور الزغري
  20. محمد بن عثمان
  21. أحمد بن علي بن عبد الله التلمساني
  22. حميد بن عبد الرحمن الحيواني
  23. يحيى بن محمد الغرناطي
  24. حمد ابن حد بن يوسف الأجناسي
  25. محمد بن موسى
  26. محمد بن القائد حمد بن سعدون
  27. محمد بوي بن الحاج الشطوكي
  28. علال بن سعيد الحروسي
  29. الحاج المختار بن بيوقف الشرقي
  30. حم بن عبد الله العلجي
  31. علي بن عبد العزيز الفرجي
  32. علي بن محمد بن عبد الله التزركيني
  33. عمار بن أحمد عجرود الشرقي
  34. أيضاً محمد بوي المذكور قبل
  35. ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي
  36. عبد الرحمن بن سعيد ونظام الأندلسي
  37. ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني
  38. محمد بن أحمد الكيحل الشرقي
  39. محمد بن علي المبارك الدرعي
  40. عبد الرحمن بن محمد كري الشرقي
  41. علي بن براهيم الدرعي
  42. سعيد بن عمر الفاسي
  43. عبد الله بن محمد بن القائد حسوا الدرعي
  44. ذو النون بن الحاج المختار الشرقي
  45. محمد بن بارضوان العلجي
  46. يحيى بن علي المبارك الدرعي
  47. ذو النون بن الحاج المذكور قبل
  48. محمد بن شيخ علي الدرعي
  49. باحدي سالم الحساني
  50. الفع بنكان الشرقي ابن محمد المداسني
  51. منك عبد الرحمن بن بوزناد الفاسي
  52. أيضاً محمد بن رضوان المذكور
  53. علي بن حميد العمري
  54. المبارك بن منصور الزغري
  55. سعود بكرنا بن محمد بن عثمان
  56. الحسن بن منصور المنبه
  57. أيضاً عبد الله بن محمد بن القائد حسوا
  58. العباس بن سعيد العمري
  59. سنيبر بن منصور الزغري
  60. حمد بن علي التزركيني
  61. أيضاً سعود بكرنا بن محمد بن عثمان
  62. سنيبر بن محمد بيو الشطوكي
  63. إبراهيم حسون الدرعي
  64. بابا سيد بن طالب الشرقي
  65. المبارك بن منصور الزغري
  66. أيضاً براهيم بن حسون المذكور
  67. أيضاً ثالثاً ذو النون بن الحاج
  68. أحمد الخليفة بن أحمد بن علي بن عبد الله التلمساني
  69. أيضاً سنيبر بن محمد بيو الشطوكي
  70. عبد الله بن ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي
  71. أيضاً حمد بن علي بن عبد الله التزركيني
  72. المبارك بن حمد بن علي المبارك الدرعي
  73. محمد بن محمد سيدي الشرقي السناوني
  74. علي بن محمد بن شيخ علي الدرعي
  75. يحيى بن محمد زنك الفشتاني
  76. عبد الله بن ناصر بن علي بن علي بن عبد الله التلمساني
  77. أيضاً سنيبر بن منصور الزغري
  78. أيضاً ثاثاُ حمد بن علي التزركيني
  1. أيضاً عبد الله بن ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني
  2. يوسف بن عبد الله الدرعي
  3. محمد بن سعيد بن عمر الفاسي
  4. بابا حمد بن منصور الشرقي
  5. أيضاً علي بن المبارك بن علي المبارك الدرعي
  6. سنتاع بن فارس الفاسي
  7. مام بن علي التزركيني
  8. أيضاً محمد بن سعيد بن عمر
  9. أيضاً محمد بن محمد سيدي الشرقي
  10. أيضاً يحيى بن محمد زنك الفشتاني
  11. أيضاً ثالثاً عبد الله بن ناصر بن علي ابن عبد الله التلمساني
  12. سعيد بن بوزيان الخبازي
  13. أيضاً مام بن علي التزركيني
  14. المبارك بن محمد الغرناطي
  15. ناصر بن عبد الله بن ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي
  16. أيضاً رابعاً عبد الله بن ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني
  17. علي بن رحمون المنبه
  18. محمد بن حمد بن علي التزركيني
  19. حمد زنك بن عبد الرحمان بن علي المبارك الدرعي
  20. أيضاً ثالثاً يحيى بن محمد زنك الفشتاني
  21. أيضاً علي بن محمد بن شيخ علي الدرعي
  22. بابا بكر بن محمد سيدي
  23. أيضاً يوسف بن عبد الله الدرعي
  24. عبد القادر بن علي التزركيني
  25. أيضاً خامساً عبد الله بن ناصر بن علي التلمساني
  26. أيضاً ثالثاً علي بن المبارك الدرعي
  27. باشا منصور بن القائد سنيبر بن منصور الزغري
  28. أيضاً ثالثاً مام بن علي التزركيني
  29. أيضاً علي بن رحمون المنبه
  30. عبد الله بن الحاج بن سعيد العمراني
  31. عمار بن سعود بكرنا بن محمد بن عثمان الشرقي
  32. باحد بن القائد يحيى بن المبارك الدرعي
  33. أيضاً عبد الله بن الحاد العمراني
  34. أيضاً باحد بن القائد يحيى بن المبارك المذكور
  35. أيضاً محمد بن حمد بن علي التزركيني
  36. أيضاً ثالثاً علي بن محمد بن شيخ علي الدرعي
  37. أيضاً ثالثاً عبد الله بن الحاج العمراني
  38. أيضاً باشا منصور بن القائد سنيبر بن منصور
  39. أيضاً ثالثاً باحد بن القائد يحيى الدرعي
  40. عبد الغفار بن علي التزركيني
  41. أيضاً خامساً عبد الله بن الحاج العمراني
  42. سادساً عبد الله بن الحاج المذكور
  43. محمود بن القائد محمد بوي الشطوكي
  44. عبد الرحمن بن القائد حمد بن علي التزركيني
  45. سابعاً عبد الله ابن الحاج العمراني
  46. أيضاً رابعاً باحد بن القائد يحيى الدرعي
  47. أيضاً ثالثاً يوسف بن عبد الله الدرعي
  48. ثامناً عبد الله بن الحاج المذكور
  49. محمد بج بن القائد سنيبر بن منصور الزغري
  50. الحسني بن القائد حمد بن علي التزركينيط
  51. أيضاً ثالثاً محمد بن القائد حمد بن علي التزركيني
  52. سعيد بن علي التزركيني
  53. حمد بن القائد سنيبر بن منصور الزغري
  54. أيضاً سعيد بن علي التزركيني
  55. أيضاً حمد بن القائد سنيبر المذكور
  56. رابعاً محمد بن القائد حمد بن علي التزركيني
  57. أخوه الفع إبراهيم بن القائد حمد المذكور
  58. حمد بن القائد منصور بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي
  59. أيضاً الفع إبراهيم بن القائد حمد بن علي المذكور
  60. سعيد ابن القائد سنيبر بن منصور الزغري
  61. يحيى بن القائد يحيى بن القائد حمد بن علي التزركيني
  62. بابا سيد بن القائد حمد بن زنك بن عبد الرحمن بن علي الدرعي
  63. الحسن بن محمد العمري
  64. أيضاً سعيد بن القائد سنيبر بن منصور
  65. سعيد بن القائد حمد بن علي التزركيني
  66. أيضاً ثالثاً سعيد بن القائد سعيد بن القائد سنيبر بن منصور المذكور
  67. أيضاً بابا سيد بن القائد حمد زنك المذكور
  68. الفع محمود بن القائد سنيبر بن القائد محمد بوي الشطوكي
  69. عبد الغفار بن الكايهة ِأسامة بن القائد علي التزركيني
  70. ببكر بن الفع منصور بن القائد محمد ب علي المبارك الدرعي
  71. ببكر المذكور أيضاً ثاهياً ولم يعقبه أحد فيه
  72. سعيد بن القائد بن حمد بن علي التزركيني
  73. علي بن عبد الرؤوف بن صالح بن القائد محمد بن شيخ علي ادرعي
  74. علي بن القائد عمار بن معود بكرنا الشرقي
  75. باحد بن القائد ببكر بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي. فجملتهم مائة وأربعة وخمسين.
  76. ثم الباشا علي بن منصور بن القائد علي التزركيني الشهير ببابا.

وعدد جملتهم سبع وتسعون باشا. وأما عددهم مع تكرارهم مائة وسبع وخمسون مرة. وعدد تكرارهم خمسون مرة. وعدد من تكرر في اسلطنة من الجمل أربعة عشر باشا، أولهم القائد محمد بن بوي الشطوكي والقائد عبد الله ابن محمد حسوا والقائد مام بارضوان العلجي والقائد ذو النون بن الحاج الشرقي والقائد بكرنا بن محمد بن عثمان والقائد إبراهيم بن حسون والقائد المبارك ابن منصور والقائد سنيبر بن منصور والقائد سنيبر بن بوى والقائد علي بن المبارك والقائد محمد بن محمد سيدي والقائد محمد بن سعيد بن بوي والقائد يحيى الفشتاني والقائد حمد بن علي التزركيني والقائد عبد الله بن ناصر بن علي التلمساني والقائد يوسف بن عبد الله الدرعي والقائد علي بن محمد بن شيخ علي الدرعي والقائد علي بن رحمون والقائد مام بن علي والقائد عبد الله ابن الحاج والقائد باحد بن القائج يحيى الدرعي والقائد منصور باشا بن القائد سنيبر والقائد حمد بن القائد سنيبر والقائد الفع إبراهيم بن حمد التزركيني والقائد سعيد بن القائد سنيبر والقائد بابا سيدي بن القائد حمد زنك والقائد ببكر بن الفع منصور والقائد سعيد بن القائد.

وعدد من تكرر من الفاسيين أحد عشر، والقائد بن القائد عشرة، أولهم القائد مام العلجي والقائد إبراهيم بن حسون والقائد حمد بن علي والقائد محمد بن سعيد والقائد علي بن محمد بن شيخ علي والقائد مام بن علي والقائد عبد الله بن الحاج والقائد محمد بن القائد حمد والقائد سعيد بن علي والقائد الفع إبراهيم بن القائد حمد.

وعدد من تكرر من أهل المراكش فخمسة عشر، أولهم القائد محمد بوي والقائد عبد الله بن محمد حسوا والقائد المبارك بن منصور والقائد سنيبر بن منصور والقائد سنيبر بن بوي والقائد علي بن المبارك والقائد يحيى الفشتاني والقائد يوسف بن عبد الله والقائد علي بن رحمون والقائد منصور باشا والقائد سنيبر والقائد باحد بن القائد يحيى والقائد حمد بن القائد سنيبر والقائد سعيد بن القائد سنيبر والقائد بابا سيد بن القائد زنك والقائد ببكر بن الفع منصور.

أما عدد من تكرر من أهل الفاسيين فإحدى وعشرين مرة، وكذلك عدد تكرار أهل المراكشيين. وأما عدد تكرار أهل شراق فثمانية. والذين تكرر فيه مرتين فثمانية عشر، أولهم القائد محمد بوي بن الحاج والقائد مام بارضوان والقائد عبد الله بن محمد حسوا والقائد المبارك بن منصور والقائد معود بكرنا ابن محمد بن عثمان والقائد سنيبر بن بوي والقائد براهيم بن حسون والقائد محمد بن سعيد بن عمر والقائد علي بن رحمون والقائد محمد بن محمد سيدي والقائد منصور باشا بن القائد سنيبقر والقائد سعيد بن علي التزركيني والقائد حمد بن القائد سنيبر والقائد الفع إبراهيم بن القائد حمد والقائد بابا سيد بن القائد زنك والقائد ببكر بن الفع منصور.

والذين تكرر فيه ثلاث مرات فثمانية، أولهم القائد ذو النون بن الحاج والقائد حمد بن علي والقائد علي بن المبارك الدرعي والقائد علي بن محمد بن شيخ علي الدرعي والقائد يحيى الفشتاني والقائد يوسف بن عبد الله الدرعي والقائد مام بن علي التزركيني والقائد سعيد بن القائد سنيبر بن منصور.

وأما من تكرر فيه أربعة فاثنين: القائد محمد بن القائد حمد بن علي التزركيني والقائد باحد بن القائد يحيى بن علي المبارك الدرعي.

ومن تكرر فيه خمس مرات: القائد عبد الله بن القائد ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني وحده.

وليس منهم من تكرر فيه ثمانية إلا القائد عبد الله بن الحاج بن سعيد العمراني، هو وحده فقط.

ومن يسمون باسم واحد منهم خمسة من أسماء محمود، أولهم محمود بن زرقون ومحمود طابع ومحدود لنك ومحمود بن القائد محمد بوي اشطوكي وابن أخيه محمود بن القائد سنيبر بن بوي المذكور.

ومنهم أربعة عشر من اسم محمد: محمد بن أحمد الماسي ومحمد بن عثمان ومحمد بن موسى ومحمد بن القائد حمد ابن سعدون ومحمد بوي بن الحاد ومحمد بن أحمد الكيحل ومحمد بن علي المبارك ومحمد بن بارضوان ومحمد بن شيخ علي الدرعي ومحمد بن محمد سيد ومحمد بن سعيد بن عمر ومحمد عرف بمام بن علي ومحمد بن القائد حمد بن علي ومحمد بح بن القائد سنيبر بن منصور.

وتسعة من اسم حمد، الأول حمد بن يوسف العلجي وحمد بن علي بن عبد الله التلمساني وحمد بن حد بن يوسف الأجناسي وحمد بن علي بن محمد التزركيني وأحمد عرف بالقائد الخليفة بن أحمد بن علي بن ع الله المذكور وعلي وبابا حمد بن منصور وحمد بن الفع منصور الشرقي وأحمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي وحمد بن القائد سنيبر بن منصور بن القائد وحمد بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي الدرعي.

وعشرة من اسم علي، فأولهم علبي بن عبد الله التلمساني وعلي بن عبد القادر وعلي ابن المبارك الماسي وعلي بن عبد العزيز الفرجي وعلي بن محمد التزركيني وعلي ابن إبراهيم الدرعي وعلي بن حميد العمري وعلي بن محمد بن شيخ علي الدرعي وعلي بن المبارك الدرعي وعلي بن رحمون المنبه.

وتسعة من اسم سعيد: أولهم سعود بن أحمد عجرود وسعيد بن علي المحمودي وسعيد بن عمر الفاسي وسعود بكرنا بن محمد بن عثمان وسعيد بوزيان الخبازي وسعيد بن علي التزركيني وسعيد بن القائد سنيبر وسعيد بن القائد حمد.

ومنهم ستة من اسم عبد الرحمن: فأولهم عبد الرحمن بن القائد حمد بن سعدون وعبد الرحمن بن سعيد ونظام وعبد الرحمن بن حمد كري الشرقي وعبد الرحمن الشهير بزنك ابن بوزناد وعبد الرحمن بن القائد حمد بن علي وعبد الرحمن الشهير ببابا سيدي ابن القائد حمد زنك بن عبد الرحمن بن علي الدرعي.

ومنهم أربعة من اسم عبد الله: أولهم عبد الله بن القائد محمد حمسوا وعبد الله بن القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي وعبد الله بن الباشا ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني وعبد الله بن الحاج سعيد العمراني.

ومنهم ثلاثة من اسم المبارك، أولهم المبارك بن الباشا منصور والمبارك بن حمد بن علي المبارك الدرعي والمبارك ابنرمحمد الغرناطي.

ومنهم ثلاثة من اسم عمار، أولهم عمار الفتى العلجي ابن عمار بن أحمد عجرود وعمار بن القائد سعود بكرننا بن محمد بن عثمان.

وثلاثة من اسم ناصر، أولهم القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي وناصر بن علي ابن عبد الله التلمساني وناصر بن عبد الله بن القائد ناصر المذكور.

وثلاثة من اسم الحسن، فأولهم الحسن بن منصور المنبه والحسني بن القائد حمد بن علي التزركيني والحمس بن محمد العمري.

وثلاثة من اسم إبراهيم، فألهم براهيم بن عبد الكريم الجراري وبراهيم بن حسون الدرعي والفع إبراهيم بن القائد حمد بن علي التزركيني.

وثلاثة من اسم حد: حد بن يوصف الأجناسي وباحد بن سالم الخاني وباحد بن يحيى بن علي الدرعي.

وأربعة من اسم يحيى: يحيى بن محمد الغرناطي ويحيى بن علي المبارك الدرعي ويحي الفشتاني ويحيى بن القائد حمد بن علي.

واثنان من اسم يوسف، ويوسف ابن عمر القصري ويوسف بن عبد الله الدرعي.

واثنان من اسم سنيبر: سنيبر بن القائد محمد بوي وسنيبر بن منصور الزغري.

واثنان من اسم بابا، سيد بابا سيد بن طالب حمد الشرقي وبابا سيد بن القائد حمد زنك بن عبد الرحمن.

واثنان من اسم عبد الغفار: عبد الغفار بن القائد علي التزركيني وعبد الغفار بن الكاهية أسامة بن القائد علي المذكور.

ومنهم تسعة من العلجي، أولهم جودر ومحمود بن زرقون ومحمود طابع وعما الفتى وسليمن ومحمود لنك وحمد بن يوسف والقائد مام بن بارضوان وحم ابن عبد الله.

ومنهم سبعة عشر من الدراويين، أولهم الباشا حميد الحيوني والقائد ناصر بن عبد الله الأعمشي والقائد عبد الله بن محمد حسن الدرعي والقائد محمد بن علي بن المبارك الدرعي والقائد يحيى بن علي المذكور والقائد براهيم بن حسون والقائد محمد بن شيخ علي الدرعي والقائد عبد الله بن القائد ناصر بن عبد الله الأمعشي والقائد علي بن المبارك بن علي المبارك والقائد المبارك بن حمد بن علي المبارك الدرعي والقائد علي بن إبراهيم الدرعي والقائد ناصر بن عبد الله بن القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي والقائد يوسف بن عبد الله الدرعي والقائد علي بن القائد محمد بن شيخ علي الدرعي والقائد أحمد زنك بن عبد الرحمن بن علي المبارك الدرعي والقائد باحد بن القائد يحيى بن علي المبارك المذكور والقائد حمد بن الفع منصور وأخيه القائد ببكر بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي لمبارك الدرعي والقائد بابا سيد بن القائد حمد زنك بن عبد الرحمن بن علي الدرعي.

فتسعة عشر باشات الذين كانوا فيهم من أهل دري، فسبعة منهم أهل الفاسيين، وهم حميد الحيوني والقائد ناصر بن عبد الله الأعمشي وأخوه براهيم بن حسون وابنه القائد عبد الله وحفيده القائد ناصر بن عبد الله المذكور والقائد محمد بن شيخ علي الدرعي وابنه القائد علي بن محمد المذكور والباقون كلهم من المراكشيين.

وأما عدد من تولى فيهم من أهل الفاسيين فاثنين وأربعون باشا، فأولهم الباشا جودر ومحمود ابن زرقون ومحمود طابع وعمار الفتى وسليمن ومحمود لنك وحمد بن يوسف ومحمد بن يوسف ومحمد الماسي وبراهيم الجراري وعلي بن المبارك الماسي وحميد الحيوني ومحمد بن موسى وعلال الجرواسي وحم بن عبد الله العلجي وعلي بن محمد التزركيني، ثم ناصر بن عبد الله الأعمشي ثم سعيد بن عمر ثم مام بن بارضوان ثم محمد بن شيخ علي الدرعي ثم زنك بن بوزناد ثم علي بن حميد العمري ثم الحسن بن منصور ثم حمد بن علي التزركيني ثم براهيم بن حسون ثم عبد الله بن ناصر بن عبد الله الأعمشي ثم علي بن محمد بن شيخ علي ثم محمد بن سعيد بن عمر ثم سنتاع بن فارس ثم مام بن علي التزركيني ثم سعيد بن زيان ثم ناصر بن عبد الله بن ناصر الأعمشي ثم محمد بن حمد بن علي التزركيني ثم عبد القائد بن علي التزركيني ثم عبد الله بن الحاج بن سعيد العمراني ثم عبد الغفار بن علي التزركيني ثم عبد الرحمن بن حمد بن علي التزركيني ثم الحسني بن حمد بن علي المذكور ثم سعيد بن علي المذكور ثم الحسن بن علي المذكور ثم عبد الغفار بن الكاهية أسامة بن علي المذكور.

وعدد من تولى فيهم من أهل المراكشيين وهو خمسة وثلاثون باشا: أولهم حمد بن يوسف الأجناسي ثم يوسف بن عمر القصري ثم عبد الرحمن بن أحمد بن سعدون ثم مسعود بن منصور الزغري ثم يحيى بن حمد بن حد الأجناسي ثم محمد بن أحمد بن سعدون ثم محمد بوي بن الحاج الشطوكي ثم علي بن عبد العزيز الفرجي ثم عبد الرحمن بن سعيد ونظام الأندلسي ثم محمد بن علي المبارك الدرعي ثم علي بن إبراهيم الدرعي ثم عبد الله بن القائد حسن الدرعي ثم يحيى بن علي المبارك الدرعي ثم باحد بن سالم الحساني ثم المبارك بن منصور الزغري ثم أخوه سنيبر بن منصور ثم سنيبر بن محمد بوي الشطوكي ثم المبارك بن حمد بن علي المبارك الدرعي ثم يحيى بن محمد الفشتاني ثم يوسف بن عبد الله الدرعي ثم علي بن المبارك بن علي المبارك الدرعي ثم المبارك بن محمد الغرناطي ثم علي بن رحمون المنبه ثم زنك بن عبد الرحمن بن علي المبارك الدرعي ثم منصور باشا بن القائد سنيبر بن منصور الزغري ثم باحد بن يحيى بن علي المبارك الدرعي ثم محمود بن القائد محمد بوي الشطوكي ثم محمد بج بن القائد سنيبر بن منصور الزغري ثم أخوه حمد بن القائد سنيبر االمذكور ثم أخوه سعيد بن الوالد المذكور ثم بابا سيد بن القائد حمد زمنك بن عبد الرحمن بن علي ثم محمود بن القائد سنيبر بن محمد بوي الشطوكي ثم حمد بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي الدرعي وأخوه ببر بن الفع منصور الم1ذكور بن القائد محمد المذكور قبل.

وعدد من تولى من أهل شراق فاثنين وعشرون باشا، أولهم علي بن عبد الله التلمساني ثم علي بن عبد القادر ثم سعود بن أحمد عجرود وسعيد بن علي المحمودي ثم محمد بن محمد بن عثمان ثم حمد بن علي بن عبد الله التلمساني ثم الحاج المختار بن بيويقف ثم عمار بن أحمد عجرود ثم ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني ثم محمد بن أحمد الكيحل ثم عبد الرحمن بن محمد كري ثم ذو النون بن الحاج بن بيوقف ثم الفع بنكان بن محمد المداسني ثم سعود بكرنا بن محمد بن عثمان ثم العباس بن سعيد العمري ثم بابا سيد بن طالب حمد الشرقي ثم القائد حمد الخليفة بن الباشا أحمد بن علي بن عبد الله التلمساني ثم محمد بن محمد بن سيدي السناوني ثم عبد الله بن ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني ثم بابا أحمد بن منصور الشرقي ثم ببكر بن محمد سيدي ثم عمار بن القائد سعود بكرنا بن محمد بن محمد بن عثمان.

وأما عدد من ولى فيه من أبناء الباشات فثمانية عشر، أولهم حمد بن الباشا علي بن عبد الله التلمساني ثم أخوه ناصر بن الباشا علي المذكور ثم ذو النون بن الباشا الحاج المختار ثم سعود بكرنا بن الباشا محمد بن عثمان ثم المبارك بن الباشا منصور ثم أخوه سنيبر بن الباشا منصور ثم حمد بن الباشا علي بن محمد التزركيني ثم سنيبر بن الباشا محمد ثم عبد الله بن الباشا ناصر بن عبد الله الأعمشي بوي الشطوكي ثم علي بن الباشا محمد بن شيخ علي الدرعي ثم محمد بن الباشا سعيد بن عمر ثم مام بن الباشا علي التزركيني ثم أخوه عبد القادر بن الباشا المذكور ثم باحد بن الباشا يحيى بن علي المبارك الدرعي ثم عبد الغفار بن الباشا علي التزركيني ثم محمود بن الباشا محمد بوي الشطوكي ثم سعيد بن الباشا علي المذكور ثم بابا سيد بن الباشا أحمد زنك بن عبد الرحمن بن علي المبارك.

وأما عدد من ولي فيه من حفيد الباشات الذي هو باشا وأبوه باشا وجده باشا تسلسلاً خمسة عشر: أولهم الباشا حمد الخليفة بن الباشا أحمد بن الباشا علي بن عبد الله التلمساني، ثم أخوه ابن عمه عبد الله بن الباشا ناصر بن الباشا علي بن عبد الله المذكور، ثم ناصر بن الباشا عبد الله بن الباشا ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي، ثم محمد بن الباشا أحمد بن الباشا علي بن محمد بن عبد الله التزركيني، ثم منصور باشا بن باشا سنيبر بن منصور ابن مسعود الزغري، ثم عمار بن الباشا سعود بكرنا بن الباشا محمد بن محمد بن عثمان، ثم عبد الرحمن بن الباشا أحمد بن الباشا علي بن محمد بن عبد الله التزركيني، ثم محمد بح بن الباشا سنيبر بن منصور بن مسعود الزغري، ثم الحسني بن الباشا أحمد بن الباشا أحمد بن الباشا سنيبر بن منصور بن مسعند الزغري، ثم الفع إبراهيم بن الباشا أحمد بن الباشا علي بن محمد المذكور قبل، ثم سعيد بن الباشا سنيبر بن الباشا منصور بن مسعود المذكور من أعلاه، ثم يحيى بن الباشا أحمد بن الباشا علي المذكور، ثم محمود بن الباشا سنيبر بن الباشا محمد بوي بن الحاج بن داوود الشطوكي.

ولم يل منهم من هو أبو أمه باشا إلا ثلاثة لا نعرف أحداً منهم تولى وهو شاب حديث السن إلا اثنين: الباشا منصور بن مسعود الزغري والقائد محمد بن القائد حمد التزركيني. عمار بن القائد سعود بكرنا أمه بنت الباشا عمار عجرود والقائد باشا منصور وأخوه القائد محمد بح ابنا القائد منيبر بن منصور أمهما بنت القائد محمد بن شيخ علي الدرعي.

ولم يل منهم أحد في حياة أبيه إلا القائد أحمد بن علي التزركيني وحده. لا نعرف منهم من ولي في حية أمه غير ستة، أولهم القائد منصور باشا والقائد باحد بن القائد يحيى وسعيد بن القائد علي التزركيني والحسني بن القائد حمد والقائد حمد بن القائد سنيبر وأخون القائد معيد.

وعدد من غزا منهم أربعة وعشرون باشا: الباشا جودر ثم محمود بن زرقون فقد غزا إلى أرض الحجر ومات فيه ثم الباشا محمود لنك ثم علي بن عبد القادر ثم سعود بن أحمد عجرود ثم الباشا منصور ثم الباشا محمد بن عثمان ثم حميد الحيوني ثم الباشا يحيى بن محمد الغرناطي ثم الباشا محمد بن القائد بن سعدون ثم الباشا عمار عجرود ثم ناصر بن علي بن عبد الله التلمساني ثم محمد بن علي المبارك الدرعي ثم علي بن إبراهيم الدرعي ثم يحيى بن علي المبارك ثم باحد بن سالم الحساني ثم سنيبر بن منصور الزغري ثم حمد بن علي التزركيني ثم سنيبر بن القائد محمد بوي ثم مام بن علي التزركيني ثم المبارك بن محمد الغرناطي ثم منصور باشا بن القائد سنيبر وأخوه حمد بن الوالد المذكور ومات فيه مع التوارق من يوم طغي ثم أخوه سعيد بن القائد منيبر بن منصور الزغري.

وأما عدد من تولى منهم وهو باشا قتلاً وموتاً ثلاثة عشر محمود بن زرقون قتله كفار أرض الحجر في غزوته ثم محمود طابع قد مات في الفراش وقيل مات مطعوماً ثم الباشا علي بن عبد الله التلمساني مات قتيلاً ثم حد بن يوسف الأجناسي مات في الفراش ثم محمد بن أحمد الماسي فقد قتلوه الرماة أيضاً ثم علي بن عبد القادر قتلوه أيضاً ثم سعود بن أحمد عجرود مات في الفراش ثم عبد الرحمن بن القائد حمد بن سعدون مات في الفراش أيضاً ثم الباشا أحمد بن علي بن عبد الله مات عن فرشه كذلك، وكذلك الباشا مام بن بارضوان العلجي فقد مات عن فرشه، وكذلك الباشا حمد بن القائد يحيى بن علي المبارك الدرعي فقد مات عن فرشه، ثم الباشا حمد بن القائد سنيبر بن منصور قتلوه التوارق كما مر، ثم محمد بن القائد حمد بن علي التزركينه فقد مات عن فرشه.

الأمناء

وأما أول قائد أمين لمولاي أحمد الذهبي فالقائد حم بن حق الدرعي، جاء هو قائداً أميناً من مراكش مع جودر، ومكث فيه إلى مدة الباشا محمود بن زرقون. ثم مشى إلى مراكش حين كتب إليه السلطان مولاي أحمد الذهبي أن يأتي إليه، وذلك لما خرج القائد حمد بن الحداد من تنبكت إلى مراكش خيفة بحيث لم بعلم الباشا محمود بذلك، ومشى على طريق والات. فأخبر السلطان مولاي أحمد بما فعل محمود من التعديات، حتى قال أنه لا يعرف إلا بسيفه. من نصر السلطان في حضرته يسأل شيئاَ من سيفه يقول هذا. فغضب السلطان غضباً شديداً فقال: رجعت لا أتصرفي السودان إلا بسيف هذا الملعون.

فلما حضر لديه مراسيله مع الفقهاء وسمع ما رفع في ديارهم من الأموال التي لا نهاية لها، ولم يبعث لهم منها إلا مائة ألف ذهباً ازداد غضباً على غضب. فكتب الأمين القائد حم بن حق الدرعي أن يأتي إليه، وأمر بباقاس الدرعي أن يقوم مقامه. فلما وصل إليه القائد حم بن حق عرض عليه الجرائد، رأى فيها كثيراً من الأموال. فسأله عنها بعد ما دفع له ما معه منها. فأخبر أن الباشا محمود قد أفسده وشتته إشتاتاً.

ومسع من العارفين أن حم بن حق ما دفع له ما معه بكمالها، بل سرق منها عشرين ألفاً ذهباً ودفنه تحت الأرض في جنانه في درعة. فقبضه وسجنه، وكتب للقائد الحسن بن الزبير في تنبكت أن يكون أميناً، وأن يمشي باقاس إلى مدينة جني فيكون أميناً هنالك.

فبقي حم بن حق في السجن إلى أن توفي فيه. وانكشف منه الذهب المسروق بعد موته. فاتصل بالسلطان بقدرة الله وإرادته، وذلك في سنة اثنين بعد ألف، والله أعلم.

ثم بعد القائد حم المذكور ثبت التأمين للقائد الحسن بن الزبير بهذا التاريخ. وقد طال مدته فيه وفي مدته أمعن ظنون الجيش فيه أنه مسرف مفسد لبيت مال السلطان، لأنه اتخذ ثلاثمائة جوار مع ضعفهن من الخدمة. فانتزع منه مال السلطان وحازها عنه في بيت دار السلطان في القصبة.

ثم شاور الباشوطات فيما يفعل في أمره، فقالوا له ما لنا كلام في ذلك، والسلطان قريب منكم فاكتبوا له. فكتب كل واحد منهما له، فكتب للباشا سليمان وأمره أن يفارق سبيله ليفعل ما بدا له في ذلك المال، لأن المال مالنا وهو أميننا، وما كان بينك وبينه فيها إلا متى احتجت إلى نحو ثلاثة آلاف مثقال، يسلفه لك حتى ترده لي. ولكن القائد عزوز هو عاونه وحامى عنه عند السلطان مولاي أحمد.

وفي مدته وقع الاختلاف بينه وبين علي بن عبد الله، وهو عامل على كيس. فهرب إلى تندرم عند القائد علي بن عبد الله لرسم التوطن عنده. فبعث له أهل تبكت في رده، فامتنع من ذلك. فمشى إليه الأمين القائد الحسن بنفسه، ولم يرده. فطوّل له في الكلام إلى أن قال له أن هذه العطاء بلدنا تندرم من السلطان إليك لا ينفذها، لأنه أمينه ووكيله المفوض، فله الرد والإمضاء.

وما كانت أيضاً إلا في براءة الرسالة، وأدرك أن القائد علي المذكور أرسل براءته إلى السلكان مولاي بو فارس مع القائد أحمد ابن يوسف حين مشى إليه في مراكش، وأخبره فيه بأحواله وبما هو فيه من الاشتغال بالغزوات وحراسة الثغور وعدم الكفاية التي يستعين بها على مشتقاته، ومن أجل ذلك لم يبعث له هديته صحبة القائد أحمد المذكور. ولما رجع بعث له السلطان كتاباً معه فأعطاه بلد تندرم لينتفع بما يخرج منه من الخراج.

ولذلك قال له القائد الحسن المذكور أن هذه العطاء لا ينفذ. فقال القائد علي المذكور في جوابه: إذا لم تنفذ العطاء ببراءة الرسالة لا ينفذ تأمينك، لأن براءة الرسالة هي التي جاءت بها من عند السلطان. الحاصلا لم يجد مسلكاً منه، فرجع إلى تنبكت. وأحلف هو والباشا محمود الجيش على أنه لا يهرب منه أحد إليه بعد هذا، فحلفوا عليه.

ثم ذهب إليه سيد علي التواتي، فصبره ووعظه حتى قال له: لا تخسر أمر هذا الجيش لأنه صائر إليك غداً إن شاء الله تعالى. فحينئذ ترخى ورد على بن عبيد المذكور.

ثم شرع الأمين القائد الحسن في تبديل نظام الجيش. وبدل العلامات وردّس به الفاسيين أصحاب اليمين وسربة المراكشيين أصحاب الشمال. ونزل العلوج والأندلسيين تحتهما، وزعم أن ذلك كان من عند السلطان مولاي بو فارس. فجعل معلم سليمان العرفاوي كاهية على الفاسيين وحد بن يوسف الأحناسي كاهية على المراكشيين. ثم توفي الأمين القائد الحسن في أواسط العام الخامس عشر بعد ألف. ومدة مكثه فيه نحو ثلاثة عشر سنة.

فتولى مقامه الطالب محمد البلبالي بأمر صاحب الأمر الباشا محمود لنك. فاشترى من تركته ما اشترى من الخدام وغيره، ومكث في ذلك المقام سعة أيام.

وفي ثامنه ورد ابنه القائد عامر بن الحسن بعثه مولاي بو فارس أميناً. فتولى المقام المذكور، وانتزع من طالب محمد المذكور جميع ما اشترى من تلك التركة. ثم القائد عامر بن القائد الحسن المذكور ولى هذا المقام بعد أبيه بهذا التاريخ المذكور، بعثه السلطان مولاي بو فارس بن مولاي أحمد الذهبي، ومكث فيه نحو ثلاثة عشر سنة. وفي مدته بنا هذا المسجد الذي يسماه باسمه وهو من باب دار القيادة.

وفي يوم الثلاثاء سلخ الربيع النبوي في العام السابع والعشرين بعد ألف جاء الفتى الباشا عمار والقائد مام التزركيني من عند الأمير مولاي الزيدان في محملة فيها أربعمائة رام والأمين القائد محمد بن أبي بكر. فنزلوا أبراز وقت الضحى من ذلك اليوم. وفي شهر جمادي الآخرة رجع الباشا عمار إلى مراكش مع الأمين القائد عمار [=عامر] بن الحسن عزيزاً مكرماً بلا محنة ولا بلاء التي نالت كل من تولى ذلك المقام بعده.

ثم بقي القائد محمد ابن أبي بكر أميناً في تنبكت بعد ذهاب القائد عامر بن الحسن إلى مراكش بهذا التريخ المذكور، أي في شهر جمادي الآخرة من السابع والعشرين بعد ألف. ومكث فيه اثني عشر عاماً. ثم أمر السلطان مولاي عبد الملك بن مولاي زيدان بقتل شر قتلة. فقتلوه يوم السبت السابع عشر من جمادي الأولى عام الثامن والثلاثين بعد ألف. قتلوه صبراً في السوق وعلق فيه بأمر السلطان، بعد ما سجن يومين، واليوم الثالث قتل.

ثم تولى موضعه الأمين القائد يوسف بن عمر القصري بأمره، لأنه كتب فيه أن يقتل شر قتلة لما ظهر فيه من الغش واخيانة له. وقد عز هو على قتل القائد يوسف لما تحاسب معه من الأموال التي تولاها في ولايته، فعذبه عذاباً شديداً في السجن ويريد قتله. فلما فطن لذلك أهل سربته المراكشيين حالوا بينه وبينه، حتى يكتبوا للسلطان لذلك.

فلما رد له الجواب أمر بقتله شر قتلة وأن يتولى القائد يوسف موضعه. فحضر قتله ساعتئذ في السوق مكتفاً، وهو راكب على حصانه، فبات فيه الرعب والجزع. فقال له القائد يوسف: يا سيد محمد رد بالك مع ما عليك إلا الصبر. فلما ضرب عنقه صاح: يا أماه. فتوفي وعلق، ثم نزل وجهز وصلي عليه ودفن في مقابر الجامع الكبير. ومدة مكثه في التأمين اثنا عشر عاماً.

وأما الأمين القائد يوسف المذكور توفي في أوائل العام الحادي والأربعين بعد ألف، ودفن في مسجد محمد نض. ومدة مكثه في التأمين عامين ونصفاً.

ثم تولى مقامه الأمين القائد العمراني عن إذن صاحب الأمر الباشا علي بن عبد القادر بهذا التاريخ. ومدة مكثه فيه نحو ثلاثة أعوام، وعزل. وقد كان عزلانه في العام الثالث والأربعين وألف.

ثم تولى مقامه الأمين القائد أحمد بن يحيى. وعزله الباشا مسعود بن منصور، وأمر بالقائه في البحر في موضع يقال له بوريند. فمات منه بعد عزلانه بثلاثة أيام. ومدة مكثه في القيادة خمسة أعوام غير عشرين يوماً.

ثم الأمين القائد بلقاسم بن علي بن أحمد التملي ولاه مقام الهالك يوم الأحد السابع والعشرين من ذي الحجة الحرام آخر مكمل للعام الثامن والأربعين وألف، بعد ما مكث في القيادة ثلاثة عشر سنة.

ثم الأمين القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي ولاه مقامه بأمر صاحب الأمر الباشا حمد بن حد بن يوسف الأحناسي بهذا التاريخ المذكور، أعني عام اثنين وستين وألف. ومكث فيه نحو ست سنين. وولوه باشا في القصبة.

ثم تولى فيه الأمين القائد أحمد دويدش الأندلسي في سابع ذي القعدة آخر سنة اثنين وثمانون بعد ألف بأمر صاحب الأمر يومئذ الباشا محمد بن علي المبارك الدرعي. فكان قائداً أميناً بعد ما كان ستة عشر سنة من بينه وبين القائد ناصر المذكور، لا نعرف من يبوى [=ولي] في القيادة بينهما والله أعلم.

ثم الأمين القائد أحمد بن علي التزركيني تولى في قيادة التأمين عامين كاملين. ثم تحول عليه الجيش وولوه باشا. وهو آخر قيادة التأمين، وانتهت عنه القيادة ولم يل بعده أحد إلى هلم جراً.

القضاة

أما أول القضاة الذين تولوا علي أيديهم في تنبكت فالقاضي محمد بن أحمد بن القاضي عبد الرحمن ولاه الباشا محمود بن علي زرقون بعد ما قبض أولاد سيدي محمود، رحمه الله تعالى. فتولى وهو ابن خمس وستين سنة. ومكث في القضاء خمسة عشر سنة.

ثم القاضي محمد ابن أند غمحمد ابن أحمد بن أبن أحمد بن القاضي أند غمحمد، ولاه الباشا محمد لنك. فتولى وهو ابن ستين سنة. وتوفي وعمره أربعة وستون سنة. فمكث في القضاء أربع سنين.

ثم أخوه القاضي سيد أحمد بن أند غمحمد، ولاه الباشا محمود لنك أيضاً. فتولى وهو ابن خمسين سنة. فتوفي وعمره سبعة وسبعون سنة. ومكث في القضاء سبعة وعشرين سنة.

ثم القاضي محمد بن محمد بن محمد كري، ولاه الباشا عبد الرحمن بن القائد أحمد بن معدون. فتولى وهو ابن خمسين سنة. فتوفي وهو ابن سبعة وستين سنة. ومكث في القضاء سبعة عشر سنة.

ثم القاضي عبد الرحمن بن الفقيه أحمد معيا، ولاه الباشا أحمد بن الباشا حد. فتولى وهو ابن ثلاثة وسبعين سنة. وتوفي وهو ابن أحد وثمانين سنة، والله أعلم. ومكث في القضاء ثمان سنين، والله أعلم، أو تسع سنين. وعلى ذلك مدة مكثه تسعاً.

ثم القاضي محمود بن القاضي محمد بن أند غمحمد الشهير بكر ينكي أج، ولاه الباشا حم بن عبد الله العلجي. وما لبث فيه إلا يسيراً.

ثم القاضي محمد بن الفقيه المختار بن محمد زنكن بن الفع أبكر المداح، ولاه الباشا حم المذكور أيضاً. ومكث في القضاء ستاً وعشرين سنة.

ثم أخوه لأمه الفقيه القاضي إبراهيم بن الفقيه عبد الله ابن السيد أحمد معيا، ولاه الباشا علي بن حميد العمري. فتولى وهو ابن تسع وخمسين سنة. وتوفي وهو ابن أربع وسبعين سنة. ومكث في القضاء خمس عشر سنة.

ثم ابنه القاضي سيد أحمد ابن الفقيه القاضي إبراهيم ابن الفقيه عبد الله بن العلامة سيد أحمد معيا، ولاه الباشا سنيبر بن الباشا منصور الزغري. فتولى وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة. وتوفي وهو ابن أربع وسبعين سنة. ومكث في القضاء سبعاً وثلاثين سنة.

ثم القاضي بابا المختار بن الفقيه القاضي محمد بن المختار بن محمد بن زنكن بن الفع أبكر المداح، ولاه الباشا محمد بن القائد أحمد بن علي التزركيني. فتولى وهو ابن ثمانية وستين سنة. وتوفي وهو ابن أربع وثمانين سنة. ومكث في القضاء ستة عشر سنة.

ثم ابن أخيه الفقيه القاضي عبد الله الشهير ببابير الفقيه القاضي سيد أحمد بن القاضي إبراهيم ابن الفقيه عبد الله ابن السيد العلامة أحمد معيا، ولاه الباشا ببكر بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي، وهو الذي فيها اليوم-سدد الله أمره وأطال حياته فيه وأثبته في إسلام قولاً وفعلاً وطيبت له نفسه بالفرح والسرور ووقاه سر آخر الزمان وجعل له خاتمة السعادة بعد كماله مقصوده كله وبارك له في عقبه آمين.

الأئمة

وأما أول الأئمة الذين تولوا على أيديهم للجامع الكبير في تنبكت فالإمام محمود بن الإمام صديق، ولاه القاضي محمد بن أحمد بن القاضي عبد الرحمن بعد وفاة أخيه الإمام أحمد في العام الخامس بعد ألف. فكتب بذلك جودر، وهو في المحلة في أسفي. فكمل له وعمره يومئذ سبعون سنة. ومكث في الإمامة ستة وعشرين سنة. وتوفي وعمره ستة وتسعون سنة.

ثم الإمام عبد السلام بن محمد دك الفلاني. فتولى في العام الثاني والثلاثين وألف. ومكث فيها أربع سنين في أيام القائد يوسف بن عمر والقاضي سيد أحمد، فتوفي.

فتولى بعده الإمام سيدي علي بن عبد الله سري بن الإمام سيدي علي الجزولي في شهر رجب، والله أعلم، في العام الخامس والثلاثين وألف. ومكث ستة عشر سنة وسبعة أشهر. فتوفي يوم الاثنين الرابع عشر من المحرم الحرام فاتح العام الثاني والخمسين وألف.

فتولى بعده بهذا التاريخ الإمام محمد وديعة الله بن الإمام أحمد بن الإمام سعيد بن الإمام إبراهيم بن الإمام أحمد بن الإمام سعيد المذكور.

ثم أخوه أيضاً بن الوالد المذكور الإمام صالح.

ثم ابن عمه الإمام عبد الكافي بن الإمام عبد الرحمن ابن الإمام سعيد بن الإمام محمد كداد.

ثم تولى فيه الإمام عبد الرحمن وقاية الله ابن الإمام عبد السلام بن الإمام أحمد بن الإمام سعيد بن الإمام محمد كداد المذكور.

ثم أخوه ابن عمه الإمام صديق الشهير بعتيق ابن الإمام إبراهيم بن الإمام أحمد بن الإمام سعيد بن الإمام محمد كداد، وهو الذي فيه اليوم-أطال الله عمره فيه.

الأساكي

وأما أول الأساكي الذين تولوا على أيديهم فستة عشر، أولهم أسكيا سليمن بن الأمير أسكيا داوود بن المكي الحاج محمد بن أبي بكر، قد ولاه الباشا محمود بن علي بن زرقون في محلته كيكي من العام المكمل الألف، وذلك لما هرب بكر كيشاع بن الفع دونك بن فرن عمر كمزاغ من أهل سغي إلى الباشا محمود زرقون وهو أول من هرب إليهم منهم. قال له الباشا محمود نجعلك أسكيا. قال ألست أهلاً له. فلما جاء سليمن إليه هارباً قال: هذا هو أسكيا. ثم سعع الباشا محمود ببكر كنبع بن يعقوب في سجنه فسرحه فلما جاء قال: هذا هو كن فاري. وأما أنا فبنك فرم فولى الثلاثة أؤلائك المراتب. ومكث فيه ثلاثة عشر عاماً. ثم توفي في صفر فاتح عام الثالث عشر بعد ألف في مدة الباشا محمد لنك.

ثم أسكيا هارون بن أسكيا الحاج بن الأمير ِأسكيا داوود بن الأمير المؤمنين الحاج محمد، ولاه الباشا محمود لنك وهو بلمع يومئذ، وقد أمره بذلك الباشا سليمن حين توفي أسكيا سليمن في العام الثالث عشر بعد ألف. ومكث فيه أربع سنين. ثم قام عليه أهل سغي وخالفوه في عنكب وهو مع القائد علي بن عبد الله التلمساني في محلته عند مطاردة هيكي سيد كري وصبرهم القائد علي المذكور وتركوه ولما وصلوا تنبكت قاموا عليه حتى عزل ورحله الأمير القائد عامر في جواره فأبر به وأكرمه غاية الإكرام إلى أن توفي وقد كانت عزلانه في العام السابع عشر بعد ألف ومكث بعده في الحيوة ثمان سنين عند القائد الأمين المذكور ثم توفي في شهر المحرم فاتح عام الخامس والعشرين بعد أللف.

ثم أسكيا بكر كنبوع بن يعقوب بن الأمير أسكيا الحاج محمد ولاه الباشا محمود لنك أيضاً حين قام أهل سغي على أسكيا هارون وعزلوه في العام السابع عشر بعد ألف وحينئذ ولاه الباشا محمود المذكور ومكث فيه اثني عشر عاماً ثم عزله الباشا محمد بن أحمد الماسي في العام الثاني والعشرين بعد ألف.

ثم أسكيا الحاد بن بنك فرم بكر كيشاع بن الفع دنك ابن فرن عمار كمزاغ ولاه الباشا محمد المذكور في فور ولايته عزل.

ثم أسكيا بكر كنبوع وولى أسكيا الحاج المذكور في هذا العام المذكور أي عام الثامن والعشرين وألف ومكث فيه ثلاث سينين وعزل.

ثم أسكيا محمد بنكن بن بلمع صادق بن الأمير أسكيا داوود، ولاه الأمير القائد حم بن علي الدرعي بعد عزل أسكيا الحاج المذكور في شهر ذي الحجة مكمل عام ثلاثين بعد ألف. وأما القائد حم المذكور لم يدخل في التبشات ولم يسكن في الدار العالية، بل ابتنى دار أخرى في القصبة وسكن فيها. وحين تولى عزل أسكيا الحاج وولى أسكيا محمد بنكن المذكور، بعد ما صرف له في تندرم بالمجيء. فجاء في فور ولايته. ثم عزله الباشا عبد الرحمن بن القائد حمد بن سعدون. وولى في مقامه أسكيا علي سنب زليل خمسة أشهر.

ثم أسكيا علي زليل بن بنك فرم بكر كيشاع المذكور، ولاه الباشا عبد الرحمن بن القائد أحمد بن سعدون الشاظمي. لما تولى عزل أسكيا محمد بنكن وولى هذا المقام في مقام المعزول عشية الاثنين السابع والعشرين من رجب الفرد عام الرابع والأربعين وألف. ومكث فيه خمسة أشهر، وعزل.

ثم أسكا محمد بنكن المذكور، ولاه أيضاً الباشا سعيد بن علي المحمودي بعد عزل أسكيا علي سنب المذكور، وذلك في صفر الخير فاتح سنة خمسة والأربعين وألف. ولم يتول أحدهم في سلطنة التسكية ثانياً منذ ابتداء دولتهم إلا هو وحده. ومكث فيه إلى أن مات في ليلة الأحد الحادية والعشرين من رمضان في سنة اثنين وخمسين بعد ألف، بعد ما مكث في ولايته أحد وعشرين عاماً وتسعة أشهر وفيه خمسة أشهر أيام أسكيا على سنب.

ثم ابنه أسكيا الحاج بن أسكيا محمد بنكن المذكور، ولاه الباشا مسعود بن منصور الزغري بعد وفاة ابنه في ذلك العام المذكور بهذا التاريخ، أعني في العام الثاني والخمسين وألف. ومكث فيه ستة عشر سنة، وعزل في العام السابع والستين وألف. وهو مع الباشا محمد بن القائد حمد سعدون في محلته فرمان حين قفوله إلى تنبكت في أثناء الطريق، وتبعه أهل سغي. ثم قاموا عليه وخالفوه. وصبرهم الرماة عليه إلى الوصول تنبكت فصبروا، حتى وصلوا معه في تنبكت عزلوه. ومكث فيه ستة عشر سنة.

ثم أسكيا داوود بن أسكيا هارون بن أسكيا الحاج بن الأمير أسكيا داوود بن الحاج محمد، ولاه الباشا محمد بن القائد حمد بن سعدون الشاظمي حين قام أهل سغي على أسكيا الحاج بن أسكيا محمد بنكن في غزوة فرمان من حين رجوعه في العام السابع وستين بعد ألف، وهو كن-فاري يومئذ. ثم ولاه أسكيا بهذا التاريخ، ومكث فيه ثلاثة عشر عاماً. وعزل في سنة تسع وسبعين بعد ألف.

ثم أسكيا محمد صادق بن أسكيا محمد بن بنكن بن بلمع صادق بن الأمير أسكيا داوود ابن الحاج محمد، ولاه الباشا ناصر بن الباشا علي بن عبد الله التلمساني في العام التاسع وسبعين وألف، وذلك لما خرج سربته إلى أنكوم. وكان أسكيا داوود مقيماً مريضاً حينئذ. وأجلب محمد صادق، وكان يومئذ بنك-فرم، وأعطاه الفرس وأشرط عليه إن نصر الله حزبه وأسلمهم ولم يؤثر الحديد فيهم أحد لجازاوك [=لجازاتك] لبسلطنة تسكية، وأنعم له. وتقبل منه الشر [=الشرط]. ولما رجعوا بالعافية والغنيمة ولوه سلطنة التسكية وأعطوه النوبة. ومكث فيه سبعة عشر عاماً. وعزل في عام الخامس والتسعين بعد ألف.

ثم أسكيا محمد بن أسكيا الحاج بن أسكيا محمد بنكن بن بلمع صادق بن الأمير أسكيا داوود بن الحاج محمد، ولاه الباشا علي بن حميد العمري، وذلك في سنة ستة وتسعين بعد ألف، بعد ما وقع المخالفة والخصومة من بين أسكيا المذكور وبين كن-فاري عمار من العام الأول، أي الخامس وتسعين في حياة الباشا مام العلجي. واتفقوا عليه وقاموه للتسكية. ولم يتخلف له أحد من أهل سغي، وما قصه سوى أن يكمل عليه الباشا مام المذكور ويعطيه النوبة. فحينئذ مرض الباشا مرض الموت ومات فيه. ولذلك امتنع النوبة. فلما دخل الباشا علي المذكور كمل عليه، وكذلك كمل علي الفقيه القاضي إبراهيم، وأعطاهما النوبة. ومكث فيه تسعة عشر عاماً. وتوفي في جمادي الآخرة أواسط عام أربعة عشر ومائة بعد ألف.

ثم أسكيا عبد الرحمن بن كن-فاري عمر بن أسكيا بكر كنبوع بن يعقوب ابن الأمير أسكيا الحاج محمد، ولاه الباشا مام بن علي التزركيني في فور ولايته في آخر رجب الفرد سنة سبعة عشر ومائة بعد ألف، بعد ما جرى من أهل سغي فتنة وخصومة ثلاث سنين من حين مات أسكيا محمد بن الحاج. ثم وقع فيهم الموت، حتى مات من كبرائهم خلق كثير. وبعد ذلك اصطلحوا ووافقوا. ثم اتفقوا على أسكيا عبد الرحمن الكذكور وأتاه إلى الباشا مام الكذكور. ومن حين تولى رجع أسكيا بكر في نوبته كن-فاروية التي أدركته فيه السكينة. فولاه كن-فاري، وأخذ كل ذي نوبته، فهكذا ما جرى. ومكث فيه أربعة أعوام. وعزل في سنة إحدى وعشرين ومائة بعد ألف. ورحله القائد عبد الله بن الحاج العمراني إلى جنبه في داره لصحبة من بينهما وأكرمه. وما تأخر بعد عزله في الدنيا إلا شيئاً، ومات رحمه الله.

ثم أسكيا بكر بن أسكيا محمد صادق بن أسكيا محمد بنكن بن بلمع صادق بن الأمير ابن أسكيا داوود بن الحاج محمد، ولاه الباشا أحمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي المبارك الدرعي في ذلك العام المذكور، أي عام الحادي والعشرين بعد ألف ومائة. ومكث فيه عشر سنين. ثم عزل في المكمل ثلاثين بعد ألف ومائة.

ثم أسكيا المختار بن شمس ابن أسكيا إسماعيل بن أسكيا محمد بان بن الأمير أسكيا داوود بن الحاج محمد. وكان ذلك من العام الكمل ثلاثين ومائة بعد ألف، في مدة الباشا منصور المذكور. ولاه الباشا منصور بن القائد سنيبر بن منصور الزغري بعد بروزه بمحلة أغمر التارقي في مرسى دعي. وبعد ما صرف له بالمجيء، فجاء وولاه هنالك. ومشى معه في المحلة إلى كاغ لمطاردة أغمر المذكور. فرجع ورجع معه إلى تنبكت، ومكث فيه أربع سنين. ثم هرب إلى موضع خفية. وذلك لما خرج القائد عبد الله بن الحاج ببعض الجيش، والبعض امتنعوا إلى قرية وكي لمطاردة أولاد القائد أحمد الخليفة الذين كانوا يقطعون الطريق عن المسلمين. وخرج معه أسكيا المذكور، فحينئذ هرب منهم في المحلة إلى موضعه، وتركهم هنالك.

ثم أسكيا الحاج بن أسكيا بكر ابن أسكيا محمد صادق أسكيا محمد بنكن بن بلمع صادق بن الأمير أسكيا داوود بن الحاج محمد، ولاه الباشا عبد الله بن الحاج العمراني يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي القعدة آخر عام الثاني والأربعين بعد ألف ومائة. ومكث فيه تسعة عشر عاماً. وصار ما مكث معهم في هذا البلد إلا يسيراً، وجل مكثه في الباري. ثم عزل في عام أحد وستين ومائة بعد ألف.

ثم أسيكا محمود بن كن فاري عمار بن كن فاري عبد الرحمن بن بنك فرم بكر كيشاع من الفودنك بن فرن عمار كمزاغ، ولاه الباشا ببكر بن الفع منصور بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي في آخر ذي القعدة آخر العام الحادي وستين ومائة بعد الف. وهو لذي فيها اليوم في البراري. لكن سمعنا أنهم عزلوه، والله أعلم وحكم.

الحكام

وأما الحطام في مدينة تنبكت تولاها كثير ممن سواهم من سائر الناس، لكن لم أجد لمن سبق فيها اسماً ولا أريخاً. أما الذين عرفنا ترتيبهم من أهل المخزن وغيرهم فثمانية وأربعون حاكماً،
  1. أولهم القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي
  2. الفع الحسن بن منصور
  3. القائد سعيد بن بوزيان الخبازي
  4. الكاهية الحاج بن سعيد العمراني
  5. القائد الحسن بن منصور المنبه
  6. الكاهية سوسي المراكشي
  7. القائد سنتاع بن فارس الفاسي
  8. القائد عبد الله بن االقائد ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي
  9. أخوه الكاهية محمد بن ناصر المذكور
  10. أخوه القائد برهيم بن حسون
  11. الكايهة أب بن الكاهية عبد الكريم بن حمد ابن يوسف العلجي
  12. الحاكم عبد الرحمن بن شيخ الروي
  13. الحاكم علي بن الكاهية الحاج سعيد العمراني
  14. الكاهية شيخ الشهير بشيخ باك
  15. القائد عبد القادر بن القائد بن محمد التزركيني
  16. القائد عبد الله بن الحاج بن سعيد العمراني
  17. الكاهية شيخ بن القائد ببكر العمراني
  18. الحاكم عبد الله بن موسى الدرعي
  19. الحاكم الفع عبد الرحمن بن علي بن يوسف العلجي
  20. الحاكم المبارك الدرعي المعروف بعِد مِل يل
  21. الحاكم محمد المرد بن عبد الله شراطي
  22. القائد ناصر بن القائد عبد الله بن القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي
  23. الحاكم الفع البشر بن عبد الله شرطي
  24. القائد عبد الغفار بن القائد علي بن محمد التزركيني
  1. الكاهية عبد الله بن القائد علي المذكور
  2. الكاهية ربح بن الكاهية الحاج سعيد العمراني
  3. الحاكم محمود بن القائد الحسن بن ملوك العلجي
  4. الحاكم سن بن الكاهية محمد بن القائد ناصر بن عبد الله الأعمشي الدرعي
  5. الحاكم محمد بن الكاهية بابا بن علي بن جعفر العلجي
  6. الكاهية سنيبر بن القائد الحسن المنبه
  7. أخوه الكاهية علي بن القائد الحسن المذكور
  8. الحاكم المرد بن القائد سعيد بن عمر الفاسي
  9. الكاهية أسامة بن القائد علي بن محمد التزركيني
  10. الكاهية محمد بن القائد براهيم بن حسون الدرعي
  11. الكاهية عبد الكريم ابن القائد أحمد بن علي بن محمد التزركيني
  12. الحاكم سيد بن محمد بن سيد عبد زند التنغراسي
  13. القائد الحسني بن القائد حمد بن علي بن محمد التزركيني
  14. عمه القائد سعيد بن القائد علي المذكور
  15. الكاهية قاسم بن الحاكم محمد المرد بن عبد الله شراطي
  16. الحاكم ربح بن القائد عبد الله بن الحاج ابن سعيد العمراني
  17. الحاكم حمد بن عبد الله التنغراسي
  18. القائد عبد الغفار بن الكاهية أسامة بن القائد علي بن محمد التزركيني
  19. الحاكم محمد نان إج بن عبد الرحمن بن الحاج العمراني
  20. الحاكم عبد الرحيم بن القائد حمد بن علي التزركيني
  21. الحاكم سيد محمد بن عبد الله سبط القائد علي بن محمد التزركيني
  22. الكاهية بابا بن منصور بن القائد علي بن محمد التزركيني
  23. الحاكم سعيد بن الكاهية عبد القادر بن محمد معيا الفاسي
  24. علي بن عبد الرؤوف بن صالح بن القائد محمد بن شيخ علي الدرعي، زعم الزاعمون أنه هو منهم.

كبر فرم

وأما الذين تولوا على قرية كبر من مجيء المحلة على ما سمعناه في الخبر القديمة،

  1. فأولهم كبر فرم برك
  2. كبر فارم براهيم جامع
  3. ابنه كبر فرم حم بن براهيم المذكور
  4. أخوه القائد علي بن براهيم جامع المذكور
  5. القائد محمد بوي الشطوكي
  6. كبر فرم محمد المراكشي
  7. القائد سنيبر بن القائد محمد بن الشطوكي
  8. كبر فرم عبد الرحمن بن علي المبارك الدرعي
  9. الكاهية حمد بن كبر فرم حم بن براهيم جامع المذكور
  10. القائد علي بن المبارك بن علي المبارك الدرعي
  11. كبر فرم الكوشي بن محمد بن القائد يوسف النصر
  12. كبر فرم المبارك بن القائد يوسف النصر
  13. كبر فرم المبارك بن القائد محمد بوي الشطوكي
  14. كبر فرم محمد بن الكاهية سعيد بن سالم الحساني
  15. القائد أحمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي المبارك الدرعي
  16. الكاهية محمد بن القائد علي بن براهيم جامع الدرعي
  17. كبر فرم قاسم بن الكاهية سعيد بن سالم الحساني
  18. كبر فرم سعيد ابن القائد علي بن براهيم جامع الدرعي
  19. كبر فرم الكاهية بن عمار بن عبد الله الشطوكي
  20. كبر فرم القائد شيخ بن علي داوود الأندلسي
  21. القائد الفع محمود ابن القائد محمد بوي الشطوكي
  22. كبر فرم عبد الله بن كبر فرم عبد الرحمن ابن علي المبارك الدرعي
  23. القائد براهيم بن الكاهية سيد بن عبد الرحمن الهاجي
  24. الكاهية محمد بن القائد باحد بن القائد يحيى بن علي الدرعي
  25. القائد محمد بن القائد سنيبر بن محمد بوي الشطوكي
  26. بن علي الدرعي
  27. القائد بابا سيد بن القائد حمد زنك بن الرحمن الدرعي
  28. القائد الفع محمود ابن القائد سنيبر بن القائد محمد بوي الشطوكي
  29. الكاهية علي بن الجسيم بن القائد يحيى بن علي الدرعي
  30. كبر فرم يحيى بن القائد علي بن براهيم جامع الدرعي
  31. كبر فرم بابا بن القائد إراهيم بن الكاهية سيد بن عبد الرحمن الهداجي
  32. حم بن القائد ببكر ابن العامل الفع منصور بن القائد محمد بن علي الدرعي
  33. الكاهية محمد رمضان بن القائد حمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن بن علي الدرعي
  34. كبر فرم القائد علي بن حمد الجسيم بن القائد يحيى بن علي الدرعي
  35. كبر فرم الكوشي من باش ربيب القائد سعيد بن منصور الزغري
  36. كبر فرم محمد بُط، وهو أيضاً غلام من رجال القائد سعيد المذكور.

فثلاثة قتيلاً.

من الحكام الذين صاروا باشا

  1. أولهم القائد ناصر ابن عبد الله الأعمشي
  2. القائد سعيد بوزيان الخبازي
  3. القائد الحسن بن منصور المنبه
  4. القائد سنتاع بن فارس
  5. القائد عبد الله بن ناصر الدرعي
  6. القائد براهيم بن حسون
  7. القائد عبد القادر بن علي التزركيني
  8. القائد عبد الله بن الحاج
  9. القائد ناصر بن عبد الله بن ناصر الدرعي
  10. القائد عبد الله الغفار بن علي التزركيني
  11. القائد الحسن بن القائد حمد بن علي
  12. القائد سعيد بن علي التزركيني
  13. القائد عبد الغفار بن الكاهية أسامة بن علي التزركيني

وأما أهل كبر فرم فتسعة منهم الذين صاروا باشا

  1. أولهم القائد علي بن إبراهيم
  2. القائد محمد بوي بن الحاج
  3. ابنه القائد سنيبر بن بوي
  4. القائد علي بن المبارك بن علي المبارك
  5. ابن عمه القائد أحمد زنك بن كبر فرم عبد الرحمن
  6. القائد الفع محمود بن القائد محمد
  7. القائد بابا سيد بن القائد زنك ابن عبد الرحمن
  8. القائد الفع محمود بن القائد سنيبر

ابن عمه القائد ببكر ابن الفع منصور بن القائد محمد بن علي المبارك الدرعي.

هنا انتهت المجموعة بحمد الله تعالى وحسن عونه بتاريخ نهار الأحد بخمس بقين من شعبان المنير سنة أربع وستين ومائة بعد ألف، بحمد الله تعالى على ذلك. ونشكره حمداً بعد حمد، والحمد لله رب العالمين. وهو حسبي ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليماً. ختمته بعد صلاة الظهر من يوم الأربعاء خامس من الربيع الآخر سنة أربعة عشر وثلاثمائة بعد ألف من الهجرة النبوية. صلى الله عليه وسلم. اللهم اغفر لكاتبه ومالكه ولمن شاء الله بعده آمين.

* * * * *
* * *
*