ألحأج سعيد
تاريخ سكت
خبر أمير المؤمنين محمد بل بن أمير المؤمنين شيخنا عثمان بن محمد بن فودي رضي الله عن الجميع.
بويع بعد دفن أبيه في داخل دار أبيه. وقرأ على الناس وثيقة الشيخ في استخلافه إمام المسجد ببرك معلم. وحين بويع قام ودخل دار طنجاد. ومكث فيه، ولم يرجع إلى داره إلى أن أتاه أهل الآفاق وبايعوه.
ثم خرج إلى بكور، وفاجأهم في حال ابتداء القتال من وراءهم باناق عبد سلطان زنفر مع جيش. وهزم جيش المسلمين، وأخذ بعض سرار[=سراري] أهل الجيش وشيئاً من استمار أمير المؤمنين. ورجع إلى سكت.
وبعد رجوعه من هذه الغزوة ارتد عبد السلام وطرد معلم صوف ولي ذا مكاشفات وسن-قول-تاواتي. وتبعه جميع البلدان في الارتداد. وصار أمير المؤمنين يغير عليهم صباحاً ومساء مدة شهرين، ومع ذلك ينكر ارتداد عبد السلام إلى أن وقع على طنجاد وقتله وأخذ جميع عياله. وتحقق أمير المؤمنين ارتداده، وحاربه، وصار يغير عليه.
ثم أتى سلطان زنفر نزود إلى أمير المؤمنين مع جملة الخيل، وتجمعوا هم وخيل سكت، وأرادوا أن يغيروا على عبد السلام. ولما قربوا من حصن كر اختاروا خمسين فارساً وذهبوا إلى حذاء الحصن، وكمن الباقي. ولما رأى أهل كر الخيل وقلتهم خرجوا، وهرب الخيل تحرفاً. وتبعوهم حتى بعدوا من الحصن. وخرج إليهم الكمين وقطعوا بينهم وبين الحصن. وقتلوا منهم عشرة آلاف. وسمي ذلك الموضع لبود إلى اليوم.
وأراد أهل كر الجلاء، ومنعهم عبد السلام وكيسهم، وثبتوا. ثم أرسل أمير المؤمنين علي جيط بجيش إلى كر، وقاتلهم من الصبح إلى وقت القائلة، ودخلوا الحصن وهدموه، ولم يبق إلا دار عبد السلام. ورأى أمير المؤمنين الدخان، وهو في سكت، وركب إليهم ووجدهم يتقاتلون. وقال لهم: اتركوا، فلنصل المغرب، ولا بد لهم من الخروج الآن. وبينما هم في صلاة المغرب خرج عبد السلام، وجرحه في حال خروجه واحد من قوم علي جيط.
ثم سأل أمير المؤمنين بعد مدة من الليل: هل فيكم من يعرف حال عبد السلام؟ وقال الذي جرحه: يا أمير المؤمنين جرحته في كتفه اليمنى، وإن رئي ولم يوجد فيه أثر سهمي فلا تقبل قول فلاني بعد ذلك. وهرب عبد السلام إلى أرض بُرم، ومات هناك، نعوذ بالله من الخذلان. انتهى.
وبعد رجوع هذا الجيش انتقل الشيخ عبد الله من بوطيغ إلى غاند لكثرة إرجاف الناس، فإن أمير الميومنين يقع عليه كما وقع على عبد السلام انتهى.
وما زال أمير المؤمنين كذلك يحارب سلطان غوبر وسلطان زنفر وسلطان كب والبلاد المرتدة انتهى.
وأغار البيضان في تلك المدة على قوم علي جيط في أرض كر، وذهبوا بأموالهم ولم يتركوا لهم شيئاً. وسمي ذلك العام عندهم عام بترغ.
ثم غزا داكرا، وبعد أن أرسل إليهم جيوشاً كثيراة ولم يفتحوها، وهدمها، وقتل سلطان غوبر. وذلك العام يسمى عام إحاطة أرباب المداد بأمير المؤمنين انتهى.
وخمس في غزوته تلك همزية البوصيري، وقصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير، والقصيدة البردية للبوصيري أيضاً، وقصائد الشيخ عثمان التي أنشدها بالعجمية.
وفيها قسم الغنيمة قسمة شرعية، ولم تقسم كذلك قبلها. وفيها أيضاً أخذ قيمة أمهات الأولاد وقيمة الأولاد على ساداتهم، لأنهن من الغنائم التي لم تقسم انتهى.
ثم تتابع قسمة الغنائم إلى ثلاث غزوات، وأبوا عن القتال بعد ذلك، وقالوا لا نقاتل ويكون المال لغيرنا، ويرمي كل واحد بسهمه، ويقول: هذال قدر سهمي. ولما أعياه ذلك تركهم على ما هم عليه عن عدم القسمة مع كراهته لذلك جدا،ً وقال: أنا أدفع بكم الشر عن المسلمين، ولو وجدت قوماً غيركم لجاهدتكم بهم انتهى.
ثم غزا كيد في أرض كب، بعد أن خرج كأنه يريد غوبر. وأرسل إليه سلطان عوبر وأهل تلك البلاد كلها بالأمانة. وكر راجعاً إلى كيد، ومر بسكت ليلاً ولم يعلموه به. وجعل أخاه عتيقاً وابن عمه مؤدب عال على الخيل، يكفون رؤوس الخيل إلى أن دخلوا أرض كب. وانتشروا فيها، وأغاروا في يوم واحد مسيرة أربعة أيام أو أكثر. ونزل على كيد وفتحها. وصالح طنطاي كب ودوجق كور وقرى أخر انتهى.
ثز غزا غزوة بوبوش في أرض كب، بعد أن مدهم أهل أوغ بألف. ولم ينج منهم إلا سبعة، وفتحها وقتل جميع من فيها. وقبل ذهابه إلى بوبوش بقليل رجع شيخنا عمر من المشرق، وترك عياله في كنو، وأتاه في سكت. وأمر له بخمس مائة ألف من الودع يأخذها من عند سلطان كنو، وزوجه ابنته مريم. انتهى.
وبعد رجوعه من بوبوش أوتي بالزانيات، وأمر الشيخ عمر وإمام المسجد وخليل بن عبد الله مع كثير من العلماء برجمهن. اتهى.
ثم يراسل سلطان غوبر وسلاطين زنفر وسلاطين ذوم وسلاطين نف والبيضان كلهم وأثاروا الفتن في جميع الآفاق. وأمر الناس بإدخال الزروع في القصور، وشدد على الناس في ذلك جداً، وأظهر الغضب على من لم يفعل ذلك. وهو على هذا الحال إلى أن وقع سلطان غوبر مع سلطان البيضان أبر على بلدة كاتور، وهدمها وذبح النساء والصبيان. ووصل الخبر إلى أمير المؤمنين، وخرج ووعظ الناس، وحض على الجهاد. ووعظ بسورة القتال وسورة براءة، وأنا قارئ الآيات وهو يفسر. انتهى.
ثم قال: أنا خارج غداً إن شاء الله. اعلموا أيها الناس أن ما فعل هؤلاء من قتل النساء والصبيان غير جائز لنا، ولكن إن أعطانا الله النصر، وكل من أخذ ابن خمسة عشر سنة اذبحه معه. انتهى.
وخرج في غد يومه إلى ورن، ومكث هناك أياماً يتهئ ويرسل إلى أهل الآفاق ليأتوا. ورحل عشية الجمعة قاصداً أرض غوبر. وواعد أهل المشرق بموضع أظنه كغر عيسى، والتقوا هناك. ودخل أرض غوبر، ولم يتعرض لأحد ممن انجلى ومن جلس. وأمر الناس أن لا يتعرضوا لأحد. وتوجه إلى كغرن أل موضع سلطنة غوبر.
وقال لشيخنا عمر: ادع الله لنا بالنصر في غزوتنا هذه، لأن صاع الإسلام وصاع الكفر توازنا في هذا العام، وإن سقط صاع الدين لا تقوم له قائمة في هذه البلاد، إشارة إلى أنه إن هزم هذا الجيش يموت، وإن مات لا تقوم لهم قائمة مع هذه الحالة.
ولما قرب موضع سلطنتهم أخذ طريق الصحراء، وبات يسري إلى أن نزل وقت القائلة. واشتد العطش في الناس حتى كادوا يهلكون. وأمر الشيخ عمر أن يستخير الله له في المضي والرجوع، واستخار شيخنا عمر في ليلته، وهتفه الهاتف وقت السحر: جاء النصر، ثلاث مرات.
وحين صلى شيخنا الصبح أتاه باب ناسام وقال له: أرسلني إليه أمير المؤمنين لتخبره ما رأيت، هل نغدو أم لا؟ وقال فنغد. ثم غدا، ونزل غواكك. واشتد العطش على الناس أيضاً، وأخذ أمير المؤمنين رمحه وركزه في الأرض، وقال لمش صاحب مائه: احفر هاهنا. وحفر قليلاً وتفجر الماء، وأمر كل واحد أن يحفر في موضعه. وحفروا وتفجرت المياه في كل موضع، وهذا أيضاً بعد أن طلب من شيخنا الدعاء. ودعا شيخنا وسجد وأطال السجود، ورأى الماء جلب من تحت الأرض، ثم رفع رأسه .هكذا أخبرنا علي هاشم.
ومكثوا هنالك يومين، وصلوا عيد الأضحى يوم الاثنين، وأتاهم جيوش الكفار يوم اثلاثاء. وسوى الكفار صفوفهم، وقدموا كبراءهم لئلا يقروا. وقال بعض البيضان الذين كانوا مع أمير المؤمنين: يا بل، جاء الرجل الذي كنا نصفه لك، وهو سلطان البيضان أبر. وغضب لذلك وقال لهم: اخرجوا من جيشي.
وقام إليهم المسلمون وسووا صفوفهم وتقاتلوا، ونصر الله المسلمين وانهزم الكفار، وقتل منهم في المعركة خمسة وعشرون ألفاً، وأخذ سلطان غوبر أل، وقتل سلطان كشن رود. وهرب سلطان البيضان أبر إلى أن قتل في أول أيام عتيق. وتسمى هذه الغزوة غزوة داغ.
ومكث هنالك، وأمر الناس وأغاروا على بلاد البيضان كلاً. ثم رجع أمير المؤمنين من غير أن يأخذ الناس أحداً من أهل غوبر، وتركوا النساء والصبيان يدورون. وقال: من أخذ أحداً منهم أذبحه، إلى أن نزل في كغرن أل. ودعا أهل غوبر كلهم، وقال لهم: اختاروا رجلاً يكون لكم أميراً. واختاروا ابنه فودي، وأمره عليهم. وأمره أن لا يأخذ منهم إلا ما كان سلطان غوبر يأخذه منهم.
وسار بهم بسيرته القبيحة من ظلم وفساد وبغي ولهو ولعب، حتى صار يجلس أمه في اثناء اللعب تنظر إلى اللاعبين. وصار يأخذ بناتهم ويدخلهن في داره يفعل بهن ما شاء. واشتكا أهل غوبر من ذلك، إلى أن كان آخر أمره ما سيذكر في خبر أمير المؤمنين عقنق انتهى.
ثم رجع أمير المؤمنين إلى زنفر، وانجلى سلاطين بكور أمامه. ودخل بكور وأصلحها وأسكن فيها أخاه عتيقاً مع بطقل ودوسر وبعض قوم علي جيط. ثم رجع إلى سكت.
ومن غزواته أيضاً غزوة كلم بين، وذلك لما خالفه عمه عبد الله وفعل به ما لا يليق. لم يلتفت إليه إلى أن دخل المنهزمون من قوم عبد السلام في كلم بين، وهو قصر قريب من غاهند، بعد أن جالوا في البلاد وحاربوا الشيخ عبد الله، وارتد جميع من في حواليه. وضيقوا عليه ثلاث سنين، إلى أن كتبت أم خليل الوثيقة إلى أمير المؤمنين، وفي ضمنها: إنك تنتظر أن يقتل عمك هذا ونؤخذ.
ثم جهز أمير المؤمنين جيشاً. وسأله ابن عمه خليل: إلى أين يذهب الجيش؟ وقال له اكتم، تورية. ولم يفهم خليل، وظن أن الجيش يذهب إلى قصر كتم. ثم نهض إلى كلم بين، ومر بغاند ولم يدخلها، ومنع جيشه من دخولها، لأن أهل غاند في ضيق منذ ثلاث سنين. ونزل بساحة كلم بين، وأتاه عمه عبد الله.
ثم أراد أن يصلح بينه وبينهم، وأبى عمه عبد الله، وقال: إنهم كفار. وقال له: يا عم، هم إخواننا، ليسوا بكفار، كما كان عبد الله يقوم في شأن عبد السلام. وما زال يتراسل مع رئيس القصر، حتى أبى هو، ودعا أخاه عتيقاً والبخاري ومحمد ابن عبد الله، وأمرهم بالقتال. ودعا بالماء ليتوضأ، وأوتي برأس طربوي رئيس القصر قبل تمام وضوئه.
ثم أطلق من الأسارى من قرأ القاتحة وتوضأ وأحسن الوضوء. ثم استرق الباقي ممن لم يحسنهما. ورحل ولم يدخل غاند، ولا دخلها أحد من جيشه.
وفي أيامه أرسل أخاه عتيقاً مع جيشه إلى زنفر ليغير عليهم ويفسد زروعهم. وفعلوا ذلك. ثم رجعوا، وتبعهم الكفار، ولحقوهم في طريق ضيق منحدر إلى نهر عميق، بعد أن جاوز عتيق وكثير من الجيش النهر. وتقاتلوا واستشهد عبد القادر ابن الشينخ بعد أن قتل منهم اثني عشر رجلاً. وطلب منه قومه أن يدخل النهر ليجاوز كما جاوز غيره، وأبى وقال: لا أهجم على الناس وأضرهم.
وكان قبل خروجه في هذه الغزوة رأى النبي صلى الله عليه وسلم والشيخ عبد القادر رضي الله عنه أتياً إلى سكت. ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار شيخنا عثمان، ونزل الشيخ عبد القادر رضي الله عنه في دار شيخنا عمر. وذهب إلى دار أبيه وزار النبي صلى الله عليه وسلم. ثم رأى داره في الجنة، وقال له أبوه نذهب لأريك سميك الذي سميتك باسمه. وذهبا إلى دار الشيخ عمر، ووجداه في بيت سيدتنا أمنا ستور، والشيخ عبد القادر رضي الله عنه جالس في الأرض متوجه بوجهه إلى شيخنا عمر. وكان شيخنا يحكي لي كثيراً بأن أكثر ما يرى الأولياء أو يرى له في بيت أمنا هذه. انتهى.
وقد توتر ما سمعت الناس يقولون أن أمير المؤمنين محمد بل يقول كثيراً أن عبد القادر سيد شهداء جماعة الشيخ عثمان. ومما قال عبد القادر بن الشيخ في هذه القضية: ورأيت بعد زيارتي خير الورى الشيخ عبد القادر الجيلاني، شاهدته في دار حاج جالساً تلميذ شيخ أحمد التجاني.
وفي أيامه ظهر محمد الكانمي المعروف بكالمب في برنو، وانضم إليه السلاطين المغلوبون، ووعدهم بأن يرد إليهم ممالكهم كلاً إن غلب أمبير المؤمنين. وجمع جموعاً كثيرة وجيوشاً عظيمة من أطراف بلاد وداي وأعراب بلاد بغرم وأهل تلك البلاد. وعظمت هيبته واشتدت شوكته، ونهض بجيوش كأمثال الجبال إلى كنو. وأرسل بوثيقة إلى أمير المؤمنين، فيها من الفحش ما لا فائدة في ذكرها، وفي ضمنها: والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً، ولنخرجنك منها ذليلاً حقيراً. وكتب أمير المؤمنين على ظهر وثيقته بسم الله الرحمن الرحيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد والسلام. انتهى.
ثم قال أمير المؤمنين بعد ما ذهب الرسول: أظن أن الله تعالى يفسد أمره على يد أصغر تلاميذ الشيخ انتهى.
ثم أرسل إلى سلطان بوش يعقوب أن يتلقاه. ونهض إليه يعقوب بجيوشه.
ولما سمع بنهوض يعقوب، قال له بعض من يعرف يعقوب: يا سلطان برنو، الرجل الذي يأتيك لا تقاتله في وسط أرضك وقاتله في طرف البلد. ورجع كالمب إلى أطراف بلاد كنو، وتبعه يعقوب إلى أن مل أهل بوش السير، وصار يعقوب يتقدم بنفسه. ثم قال لأهل بوش: الرجل الذي رأى بيوتنا لا نرجع حتى نرا بيوته، أسرعتم أو أبطأعم.
ثم أخرجوا الخيل وأغاروا على عسكر كالمب. وكر راجعاً ونزل على الماء وقال: ما أظن أن في هذه البلاد من يراودني بالحرب. وأراد يعقوب أن ينزل عليه في الموضع الذي نزل فيه، ومنعه قومه. ونزل في موضع آخر.
ولما أصبحوا غدا عليهم جيوش كالمب وتقاتلوا قتالاً شديداً، إلى أن قتل بندواك حسن أمير جيش يعقوب، واهزم سلطان زكزك يا موسى وغلاديم جافن، وقتل كثير من جيشه. ثم أوتي كالمب بسيف بندواك، وقيل له إنه سيف يقعوب. وركب ونزل على مصرع بندواك، وضربت له قبته هناك. وقال له بعض قومه: ما قالوا أنهم قتلوا يعقوب كذب محض، ويعقوب لم تقاتله بعد. انتهى.
وأتى بعض القوم إلى يعقوب، وهو جالس غير مكترث، وقال له: يا سلطان بوش سلطان زكزك ومن منعه صلاوا إلى المغرب، كناية عن هزيمتهم، وبندواك حسن ومن معه شربوا الماء، كناية عن قتلهم. وقال لصاحب طبله: اضرب الطبل. وضربوا الطبل. وقام يمشي برجليه بعد أن جعل مائتي رجل يدفعون عن سراريه، لئلا ينتشرن قبل أن يأتي إليهن كالمب بعد موته، لئلا يظن أنه مسكين، إلى أن أتى منزل كالمب.
وتقابلوا قتالاً شديداً. ثم أخذ السهم بنفسه وأراد أن يرمي. وقال له بندواك آدم: يا سلطان بوش أنت فضولي تريد أن ترمي قبل أن تطأ على رأسي؟ وقال له يعقوب: كلا إنما وجدت النشاك فقط. ثم رمى يعقوب بسهمه إلى القبة التي فيها كالمب. وأصمله واضطربت القبة. وخرجوا فيها وانهزموا وتركوها، وتركوا طبولهم وكتبهم وجميع آلاتهم.
ثم جاء يعقوب ونزل في القبة. وأخذ من يضربون طبول كالمب وأمرهم أن يضربوا كما يضربون له، ليرجع إليه من تبع الهزيمة من قوم كالمب. وضربوا كذلك، ورجع إليه قوم كالمب من كل جهة، وقتلوهم كلاً. وبات هناك، ثم تبعه ثلاثة أيام ولم يدركه، ورجع. انتهى.
هذا آخر ما تحققنا من غزواته، وله غزوات كثيرة لا نعرف حقيقتها، ولذكل لم نذكرها.
فصل في نبذ من أحواله
وعاش رضي الله عنه ما بويع اثنين وعشرين سنة. وعمرت بلاد حوس في زمانه جداً، وبث فيهم العلم. وأتاه علماء البلاد من كل جهة، ولحظهم بعين الاعتناء، ونظر إليهم بعين الرضى، وأحسن إليهم غاية الإحسان، لا يأتيه عالم شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً إلا وأكرمه وأمسكه، ولا يفارقه.
وكان كثير الاشتغال بالتأليف. وكلما ألف تأليفاً أخرجه إلى الناس ويقرئهم، ثم يشتغل بتأليف آخر. وسبب كثرة تواليفه سؤلات واختلافات، وإن سئل عن مسألة ألف فيها تأليفاً. وإن بلغه أن فلاناً وفلاناً اختلفا في مسألة ألف فيها تأليفاً. وكان يحرض أولاده وإخوانه وأولاد إخوانه على التعلم ويعيبهم بتركه جداً.
وسمعته يوماً يقول أن أهل حوس سفهوا أولادنا، ويقولون لهم أن بيتكم بيت ولاية، وزهدوهم عن التعلم. وذلك كله كذب وغرور وبهتان وزور، لأن العل لا يحرز إلا بالتعلم، والعلماء أقرب إليه من كل أحد.
ونزل كلاً منهم منزلته. وكان رضي الله عنه عادلاً ورعاً، يأكل من كسبه ولا يأكل من بيت المال أصلاً. وقد قال لوالده في ابتداء جهادهم: يا شيخ قد عدم أحلال، وأنت لا بد أن تأكل قدر الضرورة من هذا المال. وأما أنا فأكتسب لنفسي لأني شاب. ودخل في الصناعات واستغنى بها عن بيت المال. ولذلك ما دعى على قوم إلا وصاروا كعصف مأكول. هكذا أخبرنا علي هاشم.
[وكان] محسناً للرعية كثير الحرمة لهم صبوراً حليماً، لا يلتفت إلى ما في أيدي الناس من أموالهم، ذا سياسة حسنة. وكان متفقداً للقضاة،، ينقض أحكامهم التي وقعت على وفق أهوائهم، لا يهملهم مع أحوالهم. ولذلك قالوا لأخيه عتيق: لا تتعرض لأحكامنا كما يتعرض لها أخوك. وقال لهم عتيق: إن حكمتم بالحق لا أتعرض لكم، كونوا مع الحق أين كان.
وصفته رضي الله عنه أحمر طويل أصلع طويل اللحية كثيفة، متلثم دائماً، لا يحسر اللثام عن وحهه. ومكث رضي الله عنه في المرض سبعة أشهر. ولما اشتد عليه المرض أرسل إلى ابنه علي، وهو في سناك. وأتاه وأوصاه وقال له: لا تطلب الملك بعدي، وإن أتاك الله به ققدم علماء الذكر أنصار الرحن، واحذر من علماء السوء أنصار الشيطن، وأكرم ذليل الفلانيين، كما تكرم عزيزهم.
وسمعت الشيخ عمر يقول: دخلت على أمير المؤمنين محمد بل ليلة الأربعاء التي توفي في خميسها أوادعه، وقال للشيخ: اذهب مع ابنتي هذه إلى حيث ذهبت، وكل من منعك من ذلك فركبته وركبتي بين يدي الله تعالى.
وحدثني الوزير بأنه دخل عليه يوم الأربعاء وقال له: كيف دخلت وما استأذنت؟ اخرج عني. وقلت له: تبت إلى الله. ثم قلت له: ألا تأذن لي أنفذ أمر علي. قال: لا آذنك في أمره ولا في أمر غيره. وقلت له: تتركنا في يد من؟ قال ترككم [=تركتكم] في يد الله. وقلت: الشيخ قدمك في هذا الأمر. قال: الشيخ يعرفني، وأنا لا أعرف أحداً منكم كمعرفة الشيخ بي، وأنا لا أوصي أحداً يتنعم في ملكه، أعذب بسببه في البرزخ. كلا، ولاكن إياكم والاختلاف، وكن أول من بايع من اتفقت عليه الرايات الثلاثة: راية كن وراية ولرب وراية سحسب، لأنه الأمير، ومن خالفه فهو باغ.
قال لي ابنه معاذ فيه أن أرجاه [أزجاه؟] بل أرسل بيضانياً إلى فزان ليأتيه بصندوق على قدر قامته. ومكث البضاني سنة، ثم أتاه إليه بالصندوق. وأمرنا أن أسويه عليه، وسويته، وأزلته عنه، وعاش خمسة أيام بعد ذلك، وتوفي.
وقال معاذ أيضاً: لما احتضر ورآني جالساً قال لي: ما تفعل هنا؟ اخرج عنه. وخرجت وسمعته يقول: يا سيد عبد القادر، يا شيخ عثمان، هذا يومكما. وكرر ذلك. ثم قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وما تلفظ بعدها بكلمة.
وتوفي يوم الخميس وقت العصر، ودفن قبل الغروب، وله ثمان وخمسون سنة. وترك من الأولاد أحد عشر: علي الكبير، وعلي الصغير، وعقتق، وإبراهيم غند، ومعاذ، وشقيقه سعيد، ويوسف، وعبد الرؤوف، وفودي، وشقيقه أل يط، ويحيى. وبناته ثلاث عشرة، لم نحفظ أسماءهن.
ومات في أيامه من الأعلام معلم سعيد الذي أسكنه في داره ليذاكره حباً للعلم وإكراماً له، وهو عالم جداً. مود مامار عالم كبير، وهو الذي تمارى مع الشيخ عبد الله في مقابلة صحيح البخاري في مائة وعشرين موضعاً، وسلم له الشيخ عبد الله إلا في اثنتين منها. وعمه الشيخ عبد الله رضي الله عنه وأكرم مثواه وجعل الجنة مأواه. وإبراهيم غمز. ومعلم إسحق. وحمدان ابن الشيخ جبريل. ومحمدين الذي شهد له الشيخ عثمان بالجنة. وأخوه صنب الولي. وأخوه الحسن أيضاً. وأخوه عبد القادر. وعمر غرب الشريف الحسني. ومحمد ابن الشيخ عبد الله. ومحمد الصغير ابن الشيخ عبد الله فودي. ومحمد الكاتب. وعمه محمد ير فودي. ومعلم صوف الحوسي. وعبد السلام الحوسي. ومعلم علي الفقيه.
ومن السلاطين: سلطان زكزك يا موسى، وسلطان كنو سليمن، وسلطان بوب ير، وسلطان برنو علي، وسلطان نف معلم دجط، وسلطان دلل بس ببكر عماج، وسلطان الأبتاك.
ومن النساء زامي غرك أم البخاري، وإن غرك أم بل، وخلائق آخرون.
خبر أخيم المؤمنين عتيق بن الشيخ عثمان
فصل في مبايعته
كما حدثنا به بعض قوم أمير الجيش علي جيط، أنهم لما أتاهم نعي أمير المؤمنين محمد بل، وكان علي جيط في بلدة أنام، وابنه أبو الحسن وجميع كبراء كن في بنذ، أرسل إليهم. فأتوه وقال لهم: نذهب إلى ورن. وقال له أبو الحسن: أشرتم إلى من تولونه؟ فقال: في أيدينا البخاري، ونحن كلنا متفقون عليه.
وقال له كبراء قومه: لا تنزعوا السلطة في بيت إن-غرك، وهي أم بل وعتيق. وقال أبو الحسن: أما أنا فلا أذهب وأبايع البخاري بحضرة عتيق وأبناء بل. وصمم أمير الجيش في أمر البخاري، وذهب إلى ورن. وأرسل هو والكبراء إلى البخاري
وتتابع الفرسان فرساً بعد فرس، ولم يرسلوا إلى عتيق إلا في غد يومه. وأتاه الرسول راجلاً. وقال له عقيق: اسكت، إني عرفت ماجئت به. ودعا قومه وقال: أتانا نعي أمير المؤمنين، وأنا ذاهب إلى ورن، لا يذهب معي إلا فلان وفلان. ودعا الله تعالى وقال: إن كانت هذه الإمارة خير إلي في ديني ودنياي فليأتني الله بها، وإلا فليصرفها عني.
وذهب إلى ورن، ووجدهم عازمين على أمر البخاري. ونزل في داره، ولم يتوجهوا إليه. وقالوا له خدعة: نحن منتظروك. وقال: كلا، إنما تنتظرون من تنتظرونه. ولكن لو مكثتم ألف سنة لا يأتيكم إن شاء الله.
ولما طال عليهم الأمد قالوا لعبد القادر بن تف: قم فأتنا بخالك كرهاً ولو على جنازة. وذهب عبد القادر، وحمله على فرس إلى أن أتى سوق بلدته سقط على الفرس وقال: آه أمر الله عتيقاً. ورجع عبد القادر، وشدد عليهم على بن بل وقال للكبراء: كل من مات من المسلمين في هذه الأيام من غير بيعة فذنبه عليكم. ولم يلتفتوا إلى ذلك.
ثم أرسل إليهم الشيخ عمر، وقال له: قل للكبراء الخمسة: أمير الجيش وغداد ودوسر والقاضي الحاج وإمام المسجد ببكر، إن كنا نبايع أحداً منهم، فليأتونا به توبيخاً لهم وتشميتاً عليهم، وإلا فليبايعوا من أتى الله به.
وكلم الشيخ لبطفل، وكلمهم بطفل. وذهبوا إلى علي ووقع بينهم وبينه كلام طويل، إلى أن قال لهم: أتريدون أن تدخلوا علينا جماعة عبد السلام؟-إشارة إلى البخاري وأهل قاند-وما ذلك إلا ابتداء الفتنة بين عمي، لأنكم إن جمعتموهما في موضع واحد، بايعتم واحداً، ثارت الفتنة. أما تذكرون قول الشيخ في قصيدته التي يقول فيها:
النميم[غ]بج كو تو وجو لبن، إون الجن عِعا تب الحقيقا؟
In mai magabci kawo tuwo, wa jawo laban? I wane aljanu iya taɓa alhaƙiƙa?
حدثنا علي هاشم أنه لما نقض الناس أيديهم من تراب قبر أمير المؤمنين بل قال الوزير غداد: فارق أهل هذا البيت اليوم هذا الفراش. قال له يا الزغراني، صاحب فراش أمير المؤمنين، يا وزير، هل تمنعون من أعطاه الله أو تعطون من منعه؟ وخشن له الوزير حتى كاد يضربه. وسكت عنه، وقام ير وذهب إلى حرثه، ولم يرجع إلى أن بويع عتيق.
وأول من وضع يده على يده إمام المسجد ببكر، ثم غداد، ثم تتابع الناس. ولم يحضر البيعة خليل بن عبد الله. ثم جاء بعد ذلك وتكلم معهم بكلام طويل.
ولما بايعوه أول ما قال: خلصوا البيعة في قلوبكم وإن رأيتموني حدت عن الشرع فقوّموني عليه ولو بضرب سوط، وكل من حاد عن الشريعة فأنا أقومه ولو علي بن بل. ثم قال: قد سقط اليوم ما لا يقدر على رفعه، لأن التيس لا يحمل حمل الجمل، ولاكني أفعل ما قدرت عليه.
وكان رحمه الله كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. غير كثيراً من المنكرات التي نشأت في السياسات التي ساسهم عليها أمير المؤمنين محمد بل. وأول ما فعل في ذلك أن قتل ضارب الدف في إثناء لعبه، حتى تركوا ذلك وصاروا لا تسمع صوت الدف ونحوها إلا في وقت خروج الجيش. ومات الللعب في أيامه إلى أن صار كان لم يكن. ولذلك بغضه أهل الأهواء والسلاطين، وأحبه العلماء والصلحاء، وقرب منزلتهم.
وأقرب الناس إليه إمام المسجد ببكر، حتى صار علي جيط لا يدخل عليه إلا بتقديم إمام المسجد، والشيخ إسمعيل الحوسي، وعبد الله فدووو، والشيخ محمد الأيم، ومعلم إبراهيم تدن شركن، ومعلم عثمان الزغراني، وخليل بن عبد الله فودي. وكان يحسن إلى هؤلاء جداً ويعطيهم النفائس من الأموال.
ومن شدة اهتمامه بالنهي عن المنكر أنه سمع امرأة زغرانية رافعة صوتها، وهو يدور بعد المغرب. وسأل عنها، وقيل هي زغرانية. وقال: إن لم تحذر أدور رقبتها. وأخبرت بذلك، وهربت إلى دار الشيخ عثمان، ودخلت على أم أحمد الرفاعي. انتهى.
ثم صاروا أن دخلوا على فعل كانوا يفعلونه باللهو واللعب يفعلونه بقول لا إله إلا الله.
وفي أول سنة من مبايعته أراد أن يذهب إلى زنفر لتفقي أهل الشرق في البيعة والغزو. ومنعه بطفل، وقال له: إن الناس مائلون إلى البخاري، وإن ذهبت ولم تنعقد البيعة وجدوا السبيل إلى مبايعته. ولم يخرج لذلك، وأرسل بطفل لتلقيهم، وهم أهل كنو وكشن ودور وبوش ومسلمي زنفر. وتلقاهم، ومرض، ورجع مع رؤسائهم إلى سكت، ورجع الباقون إلى بلادهم.
وفي تلك السنة أراد أن يغزو أرض دوم في شدة حر الصيف، إلى أن نزل في حصن غرنغ أرسل أبا الحسن ابن علي جيط، وهدم قصراً من قصور دوم، ورجع إليه. ثم أراد الرجوع إلى سكت، وذهب عنه الناس في رجوعه ذلك حتى لم يبق من معه إلا القليل. ولما وصل إلى سكت قال لهم: فعلتم معي في رجوعنا هذا ما لا يفعله الكفار بسلطانهم، وأحرى المسلمون. ولو تبعنا الكفار لأخذوني.
وفي السنة الثانية غزا بلدة دمر في أرض زنفر. وقاتلوا إلى أن دخلوا القصر وأخذوا ابن السلطان وأتوا به إليه وذبحه. ثم تركوا القصر ولم يفتحوه.
وفيها أو في السنة الأولى ظهرت الكرامة لشيخنا عمر، وذلك لما رجع أمير المؤمنين عتيق وقع جيش الكفار على مدينة غرنغ وجلسوا بينهم وبين الماء. وأرسلوا إلى أمير المؤمنين بذلك، وأرسل أمير المؤمنين إلى شيخنا. وبينما أنا وهو وعلي هاشم وأخوه الفاهم أحمد جالسون أتانا خصي أمير المؤمنين وقال للشيخ: يقول لك أمير المؤمنين أن أهل غرنغ قد اشتد عليهم العطش، فاطلب لهم الماء من عند الله، إن كان الماء ينبع من الأرض أو ينزل من السماء. وأمرنا الشيخ بالانصراف وتوجه إلى الله، وأتاهم المطر في تلك الليلة. ولم يجاوزهم خظوة من كل جهة. وذهب عنهم الجيش. وفيها رجع شيخنا المبارك إلى المغرب.
وفي السنة الثالثة غزوة غرباد في أرلض زنفر، وأنا معه بعد أن شن الغارة فيها. ففصد الحرث ويحرق الزروع والقرى، إلى أن نزل في غرباد، وهو حصن منيع. ووعظ الناس وقال لهم: غداً إن شاء الله تقاتلون كرهاً أو أستشهد دونكم، لأني أقف دون شفير الخندق، ولا تفعلون كما فعلتم في العام الماضي. وتقاتل الناس قتالاً شديداً، حتى مات كثير من الناس وكثير من الخيل. وقال بعض الناس: قاتلنا إلى أن متنا، وهذا الأمير ليس بمنصور. ثم تركوا القصر ولم يفتحوه.
وفيها أيضاً وقع السلطان غوبر مياغ وسلطان كشن مع البيضان على فودي بن بل في قصر طنشاور، وهدموه وأخذوا جميع ما فيها. وأبى أن يخرج من داره إلى أن أرسل إليه سلطان غوبر بأن يخرج، لأنه لم يرد قتله، لأنه ابن أختهم. ثم خرج هو وشقيقه مال يط وابن عمه خليل بن الحسن.
وسبب ذلك كثرة ظلمه وبغيه وإفساده الأرض. ومن أشد ما فعله في أهل غوبر أخذه من شاء من بناتهم ويدخلهن في داره وهو بفعل ما لم يفعله سلاطين غوبر مع كفرهم. وانضم إلى ذلك كثرة مخالفته لأمير المؤمنين عتيق.
وفي السنة الرابعة ذهب إلى غوبر في ستين ألف فارس وما لا يحصى من الرجالة. وتلقاه سلطان غوبر وسلطان كشن، وتقاتلوا. وغدره قومه، وهرب جناحا الجيش وبعض القلب، ولم يبق معه إلا قليل. وأراد أن يرمي بسهمه، وقال له قسر رجل شرير مشتام، وأظنه اشتم من سنب قبل وأفحش: دعنا من سهمك يا أمير المؤمنين. وأما هؤلاء فلو صرت معهم لهربت الآن.
ثم صاح قسر وحمل فرسه على الكفار. وقال له واحد من أولاد الرؤساء: احذر الجعر. وقال قسر: إنما يحذر اليوم من لا يعرف أباه، وكان القائل يتهم بذلك. ثم حمل الناس على الكفار وأنزل الله عليهم النصر، وانهزم الكفار. ثم رجع الهاربون من المسلمين في غد يومهم. ومكث أمير المؤمنين هناك أياماً، ثم رجع إلى سكت.
ومما وقع بين قسر هذا وعلي بل أنه دخل عليه يوماً في داخل داره، وقال له: يا قسر أنت خصي. وقال: لو لم يكن يدخل هذا الدار إلا خصي لما دخلته أنت. وقال له علي: أنت ملعون. وقال له قسر: أكنت في شك من ذلك؟ وقال له علي: أنت تطلب من يقتلك؟ اذهب، فقد خليتك كما خلاك أبائي.
وفي السنة الخامسة توجه إلى غوبر في وسط الخريف. ونزل في أرض زنفر، ووقع بينه وبين أبي الحسن كلام. وهو أنه قال لأبي الحسن: كل من أكرم لحية أبيه وترك لحيتي هذه يفسد الله أمره. وقال أبو الحسن: لحى أبائنا هي السبب في أن عرفنا لحى من عرفنا لحاهم. وقال له: إن لم تسكت عني أدور قبتك. وقال أبو الحسن: لو دققته لأذلت لك الرقاب وأقامه الناس في مجلس أمير المؤمنين. انتهى.
ثم سار إلى أن دخل أرض غوبر، ووجد سلطان غوبر وسلطان كشن الكافر قد بنيا حصنين متقابلين لتعونا على قتال أمير المؤمنين، إذا توجه إلى أحدهما. ولما أتاهم أمير المؤمنين جعل ابنه أحمد وسلطان كشن درب وسلطان زنفر محمود، ووجههم إلى سلطان كشن الكافر طرمفيط. وتوجه هو بنفسه مع جيشه إلى سلطان غوبر مياع. وهزم الله الكافرين، وهربوا وتشتتوا. وتبعهم الخيل في كل جهة. وراودهم بعد ذلك بأن يهدموا الحصن، ولم يوافقوه في ذلك، وأبوا عن القتال، ولم يفتح القصر. ومكث هنالك أياماً يشن الغارة على ارض غوبر وأرض كشن. وأتاه المرض في تلك الأيام انتهى.
وابتداء مرضه فيما أعلم أني حضرت ابنه أحمد يحدث علي جيط بعد أن قال له: أخبرني كيف مرض أبيك ووفاته، وكيف تركتموه في الغزو، وهو مريض، ولم تردوه إلى داره. وقال له أحمد: كان ابتداء مرضه قبل أن يخرج. دخلت عليه مرة، وقد غلبه القيء، وقلت: لي حاجة. ورفع إلي رأسه وقال: ما حاجتك؟ قلت: أريد أن أسكن إخواني في بكور وغيره من حصون زنفر، وأسكن معك هنا لأقوم لك في المهمات وأمور الجماعات. وقال لي: كان الغلمان يقولون لما فرغ في أيديهم: فم فم. ورجعت. ثم عدت إليه وسألته عن معنى تلك الكلمة. وقال له: اصبر حتى نرجع في غزوتنا هذه، ولكن أوصيك بأميك خيراً، وزد خيراً على خير كنت تفعله معهما. انتهى.
ثم خرج إلى غزوة، وهو مريض، ولم يعلم الناس بمرضه، حتى فعل به معلم تف ما فعل. وهو أنه يقرء على النس ضياء السلطان، ويقول ينبغي للسلطان أن تكون صفته كذا وكذا، ويعرض عليه ويومئ إليه. وقال علي جيط لأحمد: وقع الأمر على وفق ما قاله أمير المؤمنين محمد بل، لأنه قال لنا يوماً: الجمرات التي أخمدتها كل من أوقدها قتلته بدخانها انتهى.
ودعا في الليلة التي عاوده فيها المرض أرط سحسحب مع كبراء قومه وقال:أريد أن أخبركم بأمر الدنيا والآخرة، وأردت في هذا العام أن أدفع عن المسلمين شر سلطان غوبر وسلطان كشن، ليكون المسلمون على أمن منهما قبل أن يقع ما سيقع. وفهموا قوله وضجوا بالبكاء. وقال لهم: اخرجوا عني، أنتم فضوليون. وخرجوا عنه. انتهى.
وأراد أهل الجيش أن يذهبوا عنه ويتركوه، وأخبر بذلك، وأمر الجلاوزة أن يضربوا كل من وجدوه مترحلاً. وذهبوا وتضاربوا مع أبناء ورو، حتى شجوا بعض غلمانه. ورجعوا إليه، وغضب لذلك. وأتاه معلم تف يبكي وقال له: يا عتيق لذلك كرهنا إمارتك، وقد أريتنا السلطة اليوم، وضرب عبيدك غلماني وكسروا أوعيتي. وبكى وقال لهم: أتيوني الآن من أحببتم، وأكون أول من بايته. ومنعه الناس من ذلك. ودعا الله تعالى بأنه إن كان ابن صلب الشيخ عثمان فلا يرده الله مع هذه الجماعة.
وعاوده القيء وقت السحر، واشتد عليه المرض. وأراد كبراء الجيش أن يردوا أولاد محمد بل إلى ورن ليجدوا السبيل إلى مبايعة أحمد عتيق أو أحمد الرفاعي. وعللوا بأن لا يسبقهم الكفار إلى ورن إن ذهبوا بأمير المؤمنين إلى زنفر. وأبى أبناء بل لما فطنوا لذلك، حتى كادت الفتنة تثير. ثم سكنت، وحمل على أعناق الرجال. وتوفي في الطريق، ودفن في كاتور. انتهى.
ولما اشتد عليه المرض نادى ابنه أحمد ووصاه بأن قال له: لا تطلب الملك بعدي، وإذا طلبته وكنت السبب في إراقة دماء المسلمين قدر ما يروي الذباب، فإنا بريئ منك دنيا وآخرة. وأسأل الله تعالى أن لا يريك وجهي يوم القيمة.
وأن تعلم من ولي بقضاء ديوني التي داينتها في خيل الجهاد وآلات الحرب. وأما ديوني في خاصة نفسي فاقضها أنت في مالك الخاص. وأن تنتقل من بكور وتسكن مع الإمام، لأنك إن بعدت عنه يدخل بينك وبينه أهل فساد.
وأن لا تسأل أمهاتك التي في داري عن تركتي، لأني ما تركت شيئاً يورث ولو إبرة، فلا تفعل ما يحشمك معهم. وأن تحسن إلي إخوانك ذكوراً وأناث، فاجتهد في تعليم الصغار وتزويج من بلغ منهم. وأن تدفع جميع ما في يدك من الخيل والمال إلى من ولي بعدي.
وكان رحمه الله ديناً محباً لأهل الخير محسناً إليهم، مبغضاً لأهل الشر حذراً منهم، لا يعامل أحداً منهم. ما رأيت ولا سمعت أنه قبل سعاية من أحد. كثير الحياء لا يثبت بصره في وجه أحد حياء منه. وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. بالغ الغاية في الجود والسخاء والشجاعة، حتى قال فيه أخوه بل: أسخي أبناء الشيخ عتيق، بناته أسماء.
وصفته رحمه الله كان أحمر قصيراًمطرفاً، لا يرفع رأسه إلا قليلاً، ملازماً للسيف والرمح والقوس، لا تراه إلا في يده اثنان منهما، ولو في داخل داره. ومن ماشفاته أنه لما أراد الخروج في غزوته التي توفي فيها أتى معلم مان ليوادعه، لأنه معلم مان والشيخ ولدا في عام واحد. وقال معلم مان: نتوادع الله تعالى، لأنك لا تجدني في الحياة. وقال له عتيق تريني الكشف، أنا لا أرجع، وأحرى أن أجدك. ومات عتيق ليلة الأربعاء، ومات مان ضحو الخميس.
ومات في أيامه من الأعلام بطفل، وشقيقته فاطم-إن زوجة أمير الجيش، ومحمد فات كبنك عالم جداً، والبحاري بن الشيخ عثمان، وإمام مسجد ورن، وإمام مسجد بل في سكت، ومود الأيم شقيق الوزير، وسلطان زنفر.
وفي أيامه أظهر للوزير غداد الجنون في نفسه، وصار يفعل أفعالاً مخلتفة وأموراً مختلطة، حتى غرى أمير المؤمنين عتيق في أن يقتل واحداً من أولاد بل، وأن يبقي الآخر وقال له: إن لم تفعل ذلك لا يستقيم ملكك. ولم يقبل له عتيق.
خبر أمير المؤمنين علي بن أمير المؤمنين محمد بل
ولما أتى نعي أمير المؤمنين عتيق إلى سكت دعا أمير الجيش الكبراء في المشورة. وأشار القاضي الحاج إلى عيسى، وإمام المسجد إلى أحمد الرفاعي. وتفرقوا، ولم يتفقوا على شيء، وهذا قبل وصول الجيش، مع أن أهل الجيش قد بايع بعضهم أحمد الرفاعي. وحملهم على ذلك مؤدب عال ومعلم تف.
وراودوا أبا الحسن بالبيعة، واعتذر بأن له أباً. وراودوا عبد القادر بن الوزير بالبيعة، واعتذر بما اعتذر به أبو الحسن. وهما مع علي بل سراً.
ولما رجع أبو الحسن إلى أبيه دعاه أبوه هو وإخوانه وسألهم ما عندهم، ورأوا منه الميل إلى أحمد الرفاعي. وقال له عمر: إن كنت مائلاً إلى أحمد الرفاعي فاطلب لنا ما نسأل به لأن أبناء ورو أخواله ينزعون ما في أيدينا.
ثم ذهب أمير الجيش إلى الكبراء للمشاورة. وأراد محمد موييج أن يدخل معهم، ومنعه أمير الجيش. وتشاوروا، وقال إمام المسجج كل من مال عن أحمد الرفاعي فقد لعب به الشيطن. وقام أمير الجيش، وراودوه الجلوس، وأبى وقال: كفانا إمام المسجد الكلام.
ورجع إلى داره وجمع أولاده وقال لهم: أشيروا على من أحببتم. وأشاروا إلى علي بل. وأرسل إلى علي وغداد، وهما في ورن، وأمرهما بالجلوس إلى يوم الأربعاء، لظنه مجيء خليل بن عبد الله يوم الخميس. ثم أتيا يوم الأبرعاء، ولما جاء خليل. تلقاه غداد وقال له غداد: إياك أن تشق عصا المسلمين، لأنا متفقون على علي بن بل. وقد كان علي جعل معه جاسوساً اسمه الأمين، وسمع الجاسوس هذا الكلام، ورجع إلى علي وأخبره به.
وجاء خليل ودخل المسجد وصلى ركعتين، وسأله إمام المسجد الخلوة، واعتذر بأنه لا يمكن الآن. ولما صلوا الظهر قام الوزير خطيباً. ثم جاء أحمد الرفاعي مع فئته متيقناً بإمارته، وأحمد عتيق مع فئته، إلى أن جاء أمير الجيش وجلس، والوزير في ذلك يخطب ويخبر الناس بما قال الشيخ بأن من خالف من اتفق عليه الرايات الثلاثة فهو باغ، راية أمير الجيش وراية موييج وراية أرط سحسحب.
ولما اجتمعوا قال الوزير لمؤدب عال إن كنتم تقولون شيئاً فقولوه. قال: لا نقول شيئاً. وقال لخليل: تكلم. وقال: كل من اتفقت عليه الجماعة فإنا معهم. وقال الوزير لعلي جيط: رجع الأمر إليك، فأنت أمير الجيش، أنت الذي قام في أمر الشيخ وفي أمر بل وفي أمر عتيق، فقم في هذا الأمر أيضاً، وأما أنا فعبد لمن ملكتم.
ثم قال أمير الجيش: أين علي بل؟ ائتوني به. وأوتي به، وكان بعيداً عنه، وبايعه. ثم بايعه الوزير، ثم خليل ابن عبد الله، ثم عبد القادر، ثم تتابع الناس.
ولما بويع طار الوزير فرحاً وقال والله ما بي جنون، كأني اليوم ابن عشرين سنة، وإنما في خوف من عتيق. وبعد أربعين يوماً أو شهرين من مبايعته سعى الوزير في خلعه لما منعه التصرف في بيت المال كما هو عادته.
واتفق مع أحمد عتيق وأرط سحسحب ومؤدب عال ومعلم تف وكثير من الناس. وذهب إلى أمير الجيش وقال له: نخلع هذا الغلام لأنه مفسد. وقال له: سمعتك ولاكن ارجع حتى أرى رأيي. ثم أرسل إليه أمير الجيش أن لا يأتيه بعد هذا. وكل حاجة عرضت له إليه فليرسل.
ثم جاءه مؤدب عال بما جاء به الوزير، وقال له: لست فبقية الناس، وأنت ممن رأى الشيخ وعلمه وعلم ابتداء هذا الأمر. والله إن لم تتركوا لأملأن عليكم هذا القصر رجالاً حمر الأذان وتكون أول قتيل. ثم أرسل ابنه أحمد زروق إلى علي بل ليأتي سكت عن عجل. وأتى وسكنوا بعد ذلك. وخلع الوزير واستوزر ابنه عبد القادر.
ولما بويع جاءه أحمد ابن حمد الذي تزوج بزوجته التي طلقها، وقال: يا أمير المؤمنين علمت الآن أنها أمي، فقد طلقتها، ومنعه من ذلك.
ثم استأذنه في أن يكتب إلى قومه الذين في يده زمن محمد بل ونزعهم منه عتيق وجعلهم في يد مؤدب عال. وقال: نعم استأذنه مؤدب عال في ذلك، وقال: لا وأنا ابن بل آخذ طريقه.
وكتب كل رئيس إلى قومه أن يأتوا للبيعة، لأن أهل الآفاق كلهم لا يصلون إلى أمير المؤمنين إلا مع من هو بابهم، وكل سلطان له من يوصله.
وفي هذه السنة أخرح محمد مود من داره، وأسكن فيه عبيده لكونه صديقاً لعتيق. وانتقل إلى غند وسكن مع إبراهيم بن بل، لأن أباه أعطاه بلدة غند مع ديوانها. وتفاتن إبراهيم مع عبيد بيت المال الذين سكنها أبوه معه. رجاء إلى علي يشتكي العبيد، ولم يشكه. ورجع إبراهيم كئيباً وقال: لا أرجع إلى ورن إلى أن يموت علي. ومات إبراهيم بعد أيام، ودعا محمد مود عند جنازته أن لا يعيش بعده. وقد مات إبراهيم يوم الاثنين، ولما دار يوم الاثنين مات محمد مود أيضاً.
وفيها أيضاً نهض سلطان غوبر مياغ إلى أطراف بلاد زنفر، ونهض إليه أمير المؤمنين بجيوشه. ولما سمع ذلك سلطان غوبر انهزم وألقى متاعه وفراشه. وجاء أمير المؤمنين وجلس على فراشه. وتبع الجيش فلّه، وأخدوا جملة من الخيل وقتلوا بعضاً ورجعوا.
وفي اسنة الثانية نهض إلى غوبر ووصل زنفر، وتلقاه جيوش كنو وكشن وبوش وأهل تلك البلاد، وأخبروه بقلة الماء في الطريق. وخلع سلطان كشن درب وأقام أخاه اسمه محمد بل، وأخذ جميع ماله. وهرب درب إلى غوبر، ورجع. ولما سمع سلطان غوبر برجوعه أخذ طريق الصحراء ووقع على قرى عبدل وعاث فيها فساداً عظيماً، وشن الغارة من هناك إلى غوبر.
وفي السنة الثالثة وقع سلطان غوبر على قرى سالام وما حولها، وأفسد فساداً عظيماً، وأخذ كتب عبد القادر بن تف وسراريه، وهو في سكت. ونهض الناس إليه من كل جهة. ووافق أن أبا الحسن في ورن، وكان يلوم أهل ورن بأنهم مع أمير المؤمنين، والكفار يغيرون في كل جهة. ونهض هو مع أهل ورن. ولما تراأى الجمعان هرب أهل ورن غدراً لأبي الحسن ليلوموه كما لامهم. ولكن ليس معه قومه وإنما جاء لزيارة أمير الميمنين.
وفي السنة الرابعة قام أحمد عتيق إلى غومز موضع سلطنة أخيه عمر. ومنعه عمر من دخول الحصن. وترك أحمد جيشه مواجهة له، وأعمل الحيلة، وصور نفسه في صورة بيضاني ودخل في غير الباب الذي فيه الجيش، ومعه نافخه. ولما وصل المسجد نفخ باسمه. وترك عمر ما هو فيه وأتاه.
ثم دخل جيش أحمد وخلع عمر، وأقام أخاه سنب. ولم يسد مسده، ومع ذلك فليس بعادل ولا فطن. ولذلك وجد سلطان تلات سبيلاً إلى غدره، وأرسل إليه أن يمده بالجيش. واختار شجعان رجاله وحذاقهم وصلحاءهم وأرسلهم إلى سلطان تلات، بعد أن أرسل سلطان غوبر بأن يأتي. وأتى مع جيش عظيم من البيضان، وغيرهم ومر بقصر سلطان تلات، وأخذ منه الفؤوس، ومضى إلى غوبر [=غومز] وقاتلهم قتالاً شديداً إلى أن هدم القصر.
وبعد ما سمع سلطان تلات بهدم القصر جمع من معه من جيش سنب وقال لهم: أتانا خبر بأن سلطان غوبر هدم قصركم فارجعوا. ورجعوا ووجدوا الأمر كما قيل، وذهبوا إلى بكور. وجميع من قتل هناك ومن أخذ منذرية فودي ثلاثون نفساً.
ووصل الخبر إلى أحمد عتيق بأن سلطان تلات غدر أخاه سنب، ودخل على أمير المؤمنين وأخبره بذلك وقال: غدر سلطان تلات، واضربوا الطبل. وضربوه. وسار أحمد عتيق في ليلة، وجمع أمير المؤمنين الجيش وأمر عليهم إن-برد وصد، وأمرهم بالذهاب إلى بكور أو إلىقند، وإن وجدوهم لم يفسدوا شيئاً فليرسلوا إليه يمدهم بالجيش.
ولم يفعلوا ذلك وذهبوا إلى غور، وهو حصن صغير. ووقع عليهم سلطان غوبر هناك، وتقاتلوا قتالاً شديداً. واستشهد أمير جيش المسلمين وأرط سحسحب وكبراء قومه، وانهزم جيش المسلمين وشتتوا تشتيتاً فاحشاً. وارتد أهل زنفر وأهل دوم وأهل تلك البلاد كلاً.
ولم يذهب أحمد مع الهزيمة، وإنما دخل في غور لقربه في الحصن وقت الهزيمة من غير علم سلطان غوبر بذلك .وأراد أهل غور غدره، وخرج من عندهم إلى بكور. وأمرهم بالجلاء، وانجلت تلك البلاد كلها إلى حوالي سكت، وهي مصيبة عظيمة.
وفي السنة الخامسة أرسل الوزير عبد القادر إلى برنو بوثائق إلى البخاري بن سنب دقمس سلطان طيجي وعبد الرحمن سلطان كتاقم لكثرة اشتكاء أهلهما. وكانت عادة الوزير أن ينزل في طيجي، وفي هذه المرة نزل في كتاقم وأرسل إلى البخاري أن يأتيه. وأبى، وتراسلا. ثم أتى البخاري مع جيش، وأمره الوزير أن يدخل. وأبى، وقال له: اخرج أنت. وأبى الوزير. ووقف البخاري مع جيشه إلى العشية، ورجع. ولما ولى تصوتوا خلفه: ارتد البخاري. وتبعوه يقتلون من خلفه. وكر راجعاً إليهم، وهزمهم حتى دخلوا الحصن.
ورجع وجمع قومه وقال: رأيتم فعل الوزير بي من إفساده بيني وبين أمير المؤمنين، وقد خفت على نفسي، وأهرب بنفسي، وكل من أحب أمير المؤمنين فليجلس. وخرج مع عبيده وغلمانه، وكان اشترى جميع تركة أبيه بآلات الحرب.
ورجع الوزير إلى كنو. وواقف مجيئه موت سلطان كن داب، وأقام مقامه ابنه عثمان. وكان جسيماً لا يخرج إلا قليلاً، وجعل أمره إلى غير الأمناء. ووجد البخاري لذلك السبيل إلى إفساد كن في كلام طويل. ثم أرسل البخاري إلى الوزير بخمسة من الخيل وحلل من الثياب والبرانس. ولم يقبله، وقال له: إن لم تأت إلي كما أمر أمير المؤمنين لا أقبل منك شيئاً. وهذا كله ناشئ من حب الوزير المال، لأن أهل كنو أعطوه الرشوة ليحارب البخاري. ثم رجع إلى ورن مع تركة سلطان كنو، وهو مال كثير جداً.
وفي السنة السادسة أرسل أحمد بن الوزير مع سلطان كتاقم وسلطان برنو وقوم سلطان كنو في جيش عظيم إلى قتال البخاري. ووقعوا عليه، وهزمهم. ثم أرسل إلى أب عمران يمده بالجيوش، وصار معه أهل تلك البلاد يغير على المسلمين، إلى أن رجع ودخل في طيجي موضع سلطنة أبيه.
وفي السنة السابعة أرسل الوزير مع جيش أهل سكت وزنفر وسلطان زكزك وجيش كنو ووقعوا على البخاري في طيجي، وهزمهم. واستشهد فيها حسن بن دب حمد، وهو ابن بنت الشيخ، وسبعة عشر من أبناء سلاطين كنو، وابن سلطان زكزك، وثلاثة من أبناء سلطان كنو لصلبه. وأخذوا ألفاً من خيل المسلمين، في كلام طويل.
وسبب ذلك ظلم الوزير وحبه المال، لأن أبا البخاري وصاه أن لا يولي البخاري بهذه السلطنة، وأمره أن يولي ابن شقيقه لأنه أليق بالسلطنة من البخاري وأصلح، والبخاري مفسد. ولم يلتفت الوزير إلى قوله، لأن البخاري كان يرسل إلى الوزير نفائس الأموال والآلات الفاخرة. وولاه لذلك، وصار أمره إلى ما صار. وكان الوزير يسر إلي كثير أو يقول له: هذا كله من فعلي، وقد صدق علي قوله تعالى عسى أن تكرهوا شيئاً الأية.
وفي السنة الثامنة ارتد أهل كب، ووقعوا على أحمد الرفاعي عند سيلام وأفسدوها. وجمع أحمد الرفاعي عياله في بيت وقال: استودعتكم الله واستودعتكم الشيخ عبد القادر والشيخ عثمان فودي، وبفضل الله وبركتهما ما أخذ منهم أحد. وذبحوا كثيراً من العلماء في المسجد، منهم علي بجاغل عالم كبير واعظ، وجلال الدين بن الولي عبد الرحمن الكبوي ماهر في تفسير القرآن.
وقاتل أحمد الرفاعي في ذلك اليوم قتالاً شديداً. ثم نهض إليهم أخواله أبناء ورو، ولما أتوا البحر وقفوا. وأتاهم محمد ورو وقال لهم: ما لكم ترون الدخان في دار الشيخ وأنتم وقوف؟ وستعرفون اليوم أنا ولد ورو حقاً. ودخل البحر، ودخلوا وراءه، ولحقوا الجيش وقتلوا منه خمس مائة وأخذوا الأسارى في أيديهم، حتى لم يبق إلا القليل.
وكات بلدة سيلام أعطاها بل لابنه محمد مود، ونزعها منه عتيق وأعطاها لأحمد الرفاعي لما فعل به أبناء بل ما فعلوا من المخالفات. وقتل أهل كب في ذلك اليوم أم محمد مود بنت سلطان غوبر.
وبعد هذه الوقعة بعشرة أيام نهض إلى كب مع أهل سكت فقط. ولما سمع أهل كب بنهوضه إليهم جمعوا جموعاً كثيرة عند مير. ووقع عليهم هناك عشية الخميس، وتقاتل الناس فليلاً. وأمير المؤمنين جالس، وأتاه عبد القادر طنجغ وقال له: إن لم تقم الآن الآن لا تبيت هنا. وقال له: كذبت، أبيت هنا، وغداً إن شاء الله أهدم مير وأوغ.
ولما أصبح الصبح تجهز للقتال، وجعل راية كن على حدة وراية ولرب على حدة وراية سحسحب على حدة ورايته مع أحمد عتيق، وبقي مع عبيده وأهل اللبود. وتقاتلوا، وأنزل الله عليهم نصره، وانهزم الكفار. وتبعهم الخيل إلى أوغ، ومنعوهم من دخول الحصن. ورجعت الرجالة إلى أمير المؤمنين، وأخذوا معه قصر مير وهدموه قبل رجوع الخيل.
ونزل على مير. وانجلى أهل أوغ، وتبعهم الخيل وأخذوا كثيراً من الأسارى. وقصر أوغ هذا بناه أمير المؤمنين أسكيا الحاج محمد، وكان موضع رعاته على ما قيل. ومما فعل في وقت بنائه أن اختار خمس مائة قارئ يقرؤون سورة يس على قدر دائرة السور. وقد غزاه الشيخ في زمانه إحدى وخمسين غزوة، ولم يفتحه. ثم صالحهم. وأفسدوا جيش بل أيضاً، في كلام طويل.
وفي السنة العاشرة وقع سلطان غوبر وسلطان كشن طن معيط مع البيضان على قصر من قصور زنفر، وقاتلهم ثمان مرات ولم يفتحه، ونزل بحذائهم يشن الغارة كل يوم، وهو يظن أن أمير المؤمنين لا يأتيه لقلة الماء في الطريق. ومع ذلك يتطلع أخباره، ونهض إليه أمير المؤمنين. ومات عطشاً ستون من المسلمين، وأرسل إلى قصور زنفر أن يحملوا الماء إلى الجيش. وسمع سلطان غوبر بنهوضه، ودعا سلطان كشن وأخبره بذلك. واتفقا على الهروب بأنفسهما. وأرسل سلطان غوبر إلى أهل كتن-كند وقال لهم: إني أريد أن أغير على القصور البعيدة منكم لنأتي لجيشنا ما يأكل، وأترك بعضاً من جيشي معكم.
وقبلوا ذلك، ونزلوا في معاقلهم، وأحاطوا بالماء ليحفظوه، هم وجيش غوبر، إلى أن فاجأهم أمير المؤمنين بجيوشه، وشتتهم تشتيتاً فاحشاً. ورجع أهل كتن-كند إلى عقباتهم ليدخلوا حصونهم، وتبعهم المسلمون ودخلوا معهم. وكان ذلك سبباً لفتح قصور كتن-كنند، وهي تسع وتسعون قصراً فوق الجبال، ومكث ألف وست مائة سنة، ولم تفتح قط على ما قيل.
بعد رجوعه من هذا الغزوة وقع سلطان غوبر على طغل، وفيها نانّ بن فودي، وأفسدها وأخذ هناك ابني أمير المؤمنين وذهب بهما إلى غوبر. ثم ردهما إليه. وقتلوا هناك أيضاً صهره على بنته مريم.
وفيها أيضاً أخرج البيضان عبد القادر سلطان عذب، وأمروا ابن عمه أحمد. واشتكى عبد القادر إلى أمير المؤمنين، وأرسل إليهم. وأتوه، ونقض ما فعلوا، ورد الإمارة إلى عبد القادر، وأمرهم بطاعته. ورجعوا معه إلى بلادهم.
وفيها أيضاً وقع أهل زنفر على غند، وفيها عبيد بيت المال. وهزمهم العبيد وقتلوا منهم مائة، وأوقعوهم في البحر، وأخذوا منه ثمانين. وأرسلوا إلى أمير المؤمنين بأربعين.
وفيها أيضاً أو في الحادية عشر سمع سلطان كشن درب الذي ارتد جاء مع قوم سلطان كشن الكافر إلى كشن وأخذ كثيراً من القرى التي في يد سلطان كشن المسلم. ونهض إلى كشن ونزل في دار السلطة. ولما علموا بنزوله أرسلوا بأنهم لم يرتدوا وإنما ردوا ابنهم إلى بلده فقط، وإن أمنهم يأنوا به إليه. وأمنهم، وأتوا به إليه، ورجع معه إلى ورن وأعطاه مالاً كثيراً، وقال له: لا أعطيك سلطنة كشن، ولاكن أعطيك ما يكفيك. وأعطاه أرض راب، وأعطاه جملة من الخيل، وأعطاه داراً في ورن أيضاً.
وبعد رجوعن في ذهابه هذا جعل باب دهليزه الكبير حديداً، وباب دهليز الذي يدخل به إليه نحاساً أبياض، لما رأى أبواب دهاليز كشن كذلك.
وفي هذه السنين أتاه الشريف الحبيب من تنبكت الذي كان في تلك البلاد كالبكاء في بلادنا. وقال: يا أمير المؤمنين أنا لا أكذب كما يكذب لك الناس. أنا لم أت زيارة للشيخ عثمان ومحمد بل لولاياتهما، ولا لزيارتك. إنما أنا شريف جئتك لتعطيني المال فقط. وقال له أنت أحب إلي من جميع من جاء ويسألني. وأمر له بخمسة من الخيل يأخذها من تركة سلكان زكزك عبد الكريم، ومائتين من الرقيق عند أدماو، وأعطاه زاداً.
وأتى بالوثيقة إلى سلطان زكزك محمد، ولم يتفطن للوثيقة. أعطاه عشرة من الخيل، ثم تدبر الوثيقة فإذا فيها خمسة. وأمر من يتبعه ليأخذ منه الخمسة الزائدة، ولحقه. وقال: إنما قبلتها بقيمة خمسة جياد. وأبى الرسول. وقال الشريف إن لم تنركني أنزع عمامتي وقلنسوتي. وقال الرسول: لو نزعت السراويل ما نتركك. ونزع جميع ما قاله. وأخذ الرسول الخيل ورجع. ووجد سلطان حمد قد مات.
ثم ذهب الشريف إلى أدماو ليأخذ الرقيق. ووصل إلى سلطان أدماو، وأعطاه ما أمر له به، وأعطاه خمسين من عنده. ثم ذهب الشريف بالرقيق إلى كنو وباعهم بما يحتاج إليه. وذهب إلى أب-عمر وباع ثم الرقيق بالخيل.
ثم تداخل معه في إفساد كنو، وأعطاه أب-عمر ألف ألف من الودع مرتين، يأخذها في كنو. وأتى كنو، وأوهم أنه يريد التجارة، وتداخل مع الناس إلى أن فطن له سلطان كنو حين خرج يطوف معه خارج الحصن، ومنعه من الدخول في الحصن. وذهب الشريف إلى أميرالمؤمنين وأخبره بذلك. وكان سمع ما فعله كله.
ثم أرسل أمير المؤمنين إلى سلطان كنو بأن يأتي بالمال كله، ولا تبقى منه شعرة. وأتاه به، ورده كله إليه. وقال الشريف: يا أمير المؤمنين، اتركني أرجع إلى كنو. وقال له: ولاكن اسكن حيث شئت في جميع بلدي إلا كنو. وذهب إلى أدر، ثم إلى جندر، وترك عياله هناك. ثم ذهب إلى أب-عمر أيضاً.
وفي اثناء ذلك وقع بين أب-عمر وأخيه عبد الرحمن الاختلاف، وهرب عبد الرحمن إلى منغ ودخل في حصنهم. وتبعه أب-عمر مع ثمانية آلاف فارس وكثير من الرجالة، ونزل خارج الحصن. وأرسل اثني عشر من غلمائه ليخرج إليه أخوه. في خبر طويل.
ثم غدر أهل برنو أب-عمر وبايعوا أخاه عبد الرحمن سراً. ثم خرح عبد الرحمن، ولما تراأى الجمعان أرسلا الحاج بشير غلامه يأمر غلمان عبد الرحمن لا يطأ السلطان بحوافر خيلهم. وقتلوا الغلام، ورأى الحاج ذلك، وظن أنه غدر، وكان يحذر من الغدر لماعلم في نفسه. وهرب، وتبعه خيل عبد الرحمن. ورجع باقي الجيش إلى عبد الرحمن، ودخل كوكو موضع سلطنتهم.
وهرب الحاج بشيرإلى بحر آش، ومنعه النيط من قطع البحر بعد أن قطعوا بما له البحر. وأخذوه هناك إلى أن أتاهم رسول عبد الرحمن يأمره بالرجوع. وقال لا يقبل إلا أن رأى خط يد عبد الرحمن، ويجعله في يد ابنه الذي في بيته مع عبد الرحمن. ثم أتاه ابنه بخط يد عبد الرحمن، ورجع إليه. وقال عبد الرحمن: نتحاكم لأنك أغريت أب-عمر في قتل أخي. وتحاكما، وقتل الحاج بشير. وكان كثيراً ما يغري أب-عمر على الناس حتى أفسد بينه وبين جميع الناس، وكان نديمه لا يفارقه ليلاً ونهاراً، يظن أب-عمر أنه ناصح إلى أن كان ما كان.
ثم قال عبد الرحمن لأخيه أب-عمر: خذ سلطنتك، إنما كان مرادي قتل هذا المفسد الذي أفسد بيني وبينك، وبينك وبين الناس. وأبى، وقال: امسكها لنا، لأني لا أصلح لذلك. وترك دار السلطنة وصار يطالع الكتب.
ثم أرسل عبد الرحمن إلى أمير المؤمنين بالأمانة وبأنه يحارب البخاري. ثم أرسل إلى البخاري بأن يترك ما هو عليه، وأجابه البخاري بفحش الكلام. ثم صار عبد الرحمن يأخذ ما في أيدي أهل برنو من أحرار أهل حوس وسراريهم ويرسل بهم إلى أمير المؤمنين. وكرهه أهل برنو لذلك ولبخله أيضاً. واحتالوا له حتى أمروه بإخراج الجيش إلى كركري وجيش إلى لغن، حتى ذهب جميع نصحاؤه وغدروه ورجعوا إلى أب-عمر.
ولم يشعر إلا وضربوا الطبل في القصر الذي فيه أب-عمر، وهو في القصر الآخر إليهم. وخرجوا إليه، وتقاتلوا بين القصرين. وقتلوا تحته أربعة من الخيل. ثم أخذوه وذهبوا به إلى أب-عمر. وقال لأب-عمر: ألم أقل لك خذ سلطنتك، وأبيت؟ ثم جعله في موضع يحفظ فيه. ثم خنقوه ومات ودفنوه. وسبب ذلك دعوة أمير المؤمنين علي لما أخبره محمد سنب طنغرب بتوجه جيوش أب-عمر إلى كنو، قال: الله يكفينا أمره، وكفاه الله أمره، كما رأيت.
وفي السنة الثانية عشر غزا أرغنغ مع عمه خليل بن عبد الله، ولم يفتحه. وتزوج بنت عبد الله فودي، وكانت أولاً تحت ببكر أل فودي، ثم تحت خليل بن الحسن بن الشيخ عثمان، بعد أن أراد أحمد عتيق أن يتزوجها ومنعته أمه من ذلك خوفاً من سحر ببكر أل.
وفيها رجمت من عندهم إلى المغرب.
وفي أيامه ارتد حمزة الحوسي، وأظنه من أهل كنو عالم جداً ساحر جداً. ودخل في بلاد الحجارة بين كنو وبوش، وتبعه أهلها. ثم نهض إليه قوم سلطان كنو وجيش سلطان بوش، وهزمهما. ونهض إليه أيضاً أهل بوش وهزمهم. ثم نهض إليه سلطان بوش بنفسه وقال لقومه: أنتم الذين يذهبون ويرجعون، وأما أنا فإن تراأيت معه إما أن أقتله وأكون سلطان بوش، أو يقتلني ويكون سلطان بوش. وذهب إليه وقتله. ثم رجع أهل البلاد إلى أمانتهم بعد قتل حمزة.
وهذا آخر ما انتهى إلي من غزواته. وأما صفته رحمه الله، فكان قبل خلاقته جسيماً، ثم صار بعد خلافته نحيلاً. وكان أسود، ربعة، مفلجاً، كثير الضحك، جميل الوجه، حسن اللحية طويلها، محبوباً إلى الناس، محسناً إليهم، لا يظلم أحداً، يكره الظلم وأهله، لا يقدر أحد أن يكلمه في أمر مسكين، فطناً جداً، فصيحاً جداً، لا يناظر أحداً إلا وغلبه بالحجة، كثير التيقظ في الأمور، عالماً بمجاري الأمور وأسباب المصائب-وكثيراً ما سمعته يقول: إنما أتتنا المصيبة الفلانية بفعلنا الفلاني وبفعلنا الفلاني ابتلينا بالأمر الفلاني-وصولاً للرحم محسناً، إلى بني عمه. وتولى أمر تزويجهم كلهم في معونتهم وشورتهم، محباً لعلماء الدين أنصار الرحمن، كارهاً لعلماء الشر أنصار الشيطان، لا يترك التعليم ليلاً ونهاراً، كارهاً لسفك الدماء جداً جدا،ً حذراً من ذلك، لا يقتل إلا من قتله الشرع، بالغ الغاية في العدالة.
ومما استدل به على كراهة سفكه للدماء أني حضرت عنده يوماً وقد أولي برجل من فلان-حوس-أزند، وأتى مع جيش غوبر، وأخذ. وقال للقاضي عبد الله وإمام المسجد عثمان فانظرا في أمر هذا الرجل، وكل ما أمرتماني بأمره أفعله. وذهبا وتناظرا، ثم عادا إليه، وقال القاضي: اقتله. وقال الإمام: أحسن إليه في هذه المرة، لعله يتوب. وأخذ بقوله وتركه. ثم عاد الرجل مع جيش غوبر أيضاً، وأخذ وأوتي به إليه. وأمر بقتله، وقتل.
وأمر بندواك الذي عزله في غياق. ثم توسل بالشريف عبد الله الداعي، ووقع بينه وبينه كلام وتفاتن لما أتاه على حالة من حالاته التي غاب عنه العقل. ثم أرسل الشريف بوثيقة إلى أمير المؤمنين يأمره بقتل الرجل وعدم قبول توبته، وفيها قوله تعالى: وليست التوبة الآية. وأمرني أمير المؤمنين فقرأتها عليه، وقال لي: يا حاج سعيد قل للشريف: ليس لي يد أقتل بها إنساناً، ولا أقتل إلا من قتله الشرع.
ومن عدله أني حضرت عنده يوماً، وهو جالس في أمر الرفقة أهل أدر الذين قيل أنهم أخذوا طريق الصحراء إلى زنفر ليأتوهم بالملح، وأنهض الناس إليهم ليردوهم إلى بلاد المسلمين، ووجدوهم متوجهين إلى المسلمين، ونهبوها وأخذوا جميع ما فيها ورجعوا. ثم سمع حقيقة الخبر وما فعل القوم في أهل الرفقة، وخرج وجلس سمعة أيام لا يدخل داره ليلاً ولا نهاراً إلا في حاجة أكيدة، حتى رد المال كله إلا عديلة واحدة، اتهم بها رجل من أهل كشن.
وقال له أبو المتهم: يا أمير المؤمنين اقتل ابنه هذا لأنه كافر مفسد. واستحيا منه أمير المؤمنين لأن أباه هاجر من كشن إلى ورن، وهو صالح جداً. ثم بعد بدة أخرج المتهم العديلة، وقد سترها في حرثه وكسرها وجعلها في إناء وصب عليهم الزرع، وحمل بها خادمه معه يوم الجمعة، ومرا بباب دار أمير المؤمنين، وعثرت الخادم وسقطت، وانكسر الإناء وظهر الملح. وصاح الناس في ذلك. وأخذ أمير المؤمنين الملح ورده إلى أربابه.
وأوتي في مجلسه ذلك بخبر سيد سلطان زكرك في إفساده الأرض وقتله الناس في غير حق شرعي واتلاف بيت الما في لهوه ولعبه وتلاعبه مع الأجنبيات وإعطائهن الأموال مما يطول جلبه ويقبح ذكره. وزاده ذلك غضباً على غضب. وأتاه كركوا صاحب ترس أبيه وقال له: أنت جالس هنا، وقد أفسد أبناؤك سوق المسلمين. وقال للوزير: قم فأتني بهم حتى أذبحهم. وسمع الأبناء الخبر قبل وصول الزوير، وهربوا إلى غاند ومكثوا هنالك إلى أن أتى بهم إليه عمه خليل بن الشيخ عبد الله. وأخذ رجل كبير كان معهم وفي يده ستة مائة من الودع. وأمر به فقتل.
ومات فيما حضرت من أيامه من الأعلام إمام المسجد ببكر ملم، والقاضي مروط، وعمرو أنذ، ومعلم سعد عالم جداً، وإبراهيم صاحب الرايات، وابنه إسمعيل، وير الزغراني صاحب الفراش والزاد، وأبوح المؤذن المعروف، وحمد صاحب السوق، ونان بن فوفد، وعثمان صهره في ابنته مريم وأمها لاد، وابنته مريم حافظة القرأن، وأمير الجيش علي جيط، والوزير غداد، ومؤدب محمد الأيم، والقاضي الحاج، وعبد الله فرؤوو، وحسين طندب-الذي يقرأ له القرآن خمسة أحزاب بعد العشاء في كل ليلة. وأقامني مقامه بعد موته وأسكنني في داره أقرأ له القرأن في كل ليلة خمسة أحزاب حتى نتمم. ثم نستريح أياماً ونبتدئ كما كانت عادة أبيه وعمه وجده-وأرط سحسحب، وإمام المسجد الجاج علي، ومحمد مود، ومعلم تف، وعلي هاشم عالم جداً محب لشيخنا عمر جداً، وعبد الرحمن بن معلم ميئد، وإبراهيم بن بل، وفودي ابن محمد بل، وصنب بن عتيق، وببكر بن أل فودي، وخليل بن الحسن بن الشيخ، ومارية أم عيسى بن الشيخ، وحذ أم عبد القادر بن الشيخ، ودوسد، وعائشة بنت عمر بالكم زوجة أمير المؤمنين بل أم أبنيه معاذ، وسعيد، وماذ زوجته البيضانية أيضاً، ويعقوب سلطان بوش، وابنه إبراهيم وورثهما، وسلطان كنو داب وورثه، وابنه عثمان وورثه أيضاً، وسلطان طيجي سنب دغمس وورثه، وسلطان زكزك عبد الكريم وورثه، وسلطانهم حمد وورثه أيضاً، وسلطانهم محمد ثاني وورثه أيضاً، وطنقكوو سلطان كتاغم وورثه، وسلطانهم عبد الرحمن وورثه، وسلطان أدماو وورثه، وسلطان زنفر محمود وورثه، وسلطان برنو يوسف وورثه، وسلطان برنو أحمد وورثه، واثنان من سلاطين أدر وورثهما، وعبد القادر سلطان عذب وورثه، وآخرون.
وهذا آخر ما تيسر لي جمعه من سيرهم وغزواتهم مع أني معترف بكثرة نسياني. وما كان منها موافقاً فمن الله، وما كان منها خطاً فمن نفسه. وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.