الزهري

كتاب الجغرافيا

الجزء السابع: بلاد السودان وذواتها

ولما كان تكسير الأرض أربعة وعشرين ألف فرسخ ودورها سبعة وعشرين ألف ميل وجب أن يكون قطر الدائرة ثلاثة آلاف فرسخ على أقرب التقريب وهو أوسع مكان في الأرض وهو خط الاستواء الآخذ من وسط المشرق إلى وسط المغرب من مطلع النطح الذي هو رأس الحمل إلى أول الغفر الذي هو رأس الميزان. فانقسمت دائرة الأرض بنصفين متساويين، فكان النصف الواحد يسمى الجنوب وهو الذي يقع على يمينك إذا استقبلت مطلع النطح. وكان النصف الثاني يسمى الشمال وهو الذي يقع على شمالك إذا استدبرت مغرب الغفر.

جنوب الأرض قفر

وأما الجنوب فهو قفر لا عمارة فيه ولا يدخله أحد إلا من قرب منه مثل الحبشة والنوبة الذين يسكنون على خط الاستواء — وهو منطقة الأرض — ويمشون في تلك الصحراء قدر عشرين فرسخاً ولا يستطيعون أكثر من ذلك. وربما بلغوا قرب البحيرات التي يخرج منها النيل وتنصب إليه مياه من جبل القمر. وإنما يدخلون إلى ذلك الموضع في صيد الزُمُرُّدة.

...6...

جبل القمر

وإنما سمي بهذا الاسم لأنه يتلون مع زيادة القمر، وإذا كان في الليلة الثانية ازداد بياضة، وإذا كان في الليلة الثالثة علته صفرة وغشيه نور ساطع كشعاع الشمس، وفي الليلة الرابعة يزيد شعاعه فيحمر ويكسوه نور مثل النار. وفي الليلة السادسة والسابعة يخضر ويكسوه نور. ولا يزال كذلك يزيد في كل ليلة نوراً حتى يكمل في ليلة البدر نصف الشهر. فيكون مثل ذهب الطاووس. ولا يخفى على أحد من النوبة والحبشة لشدة نوره.

ومنه تخرج أنهار كثيرة تجتمع في بحيرات في وسط هذه الصحراء التي تقدم ذكرها.

النيل الأعظم والنيل الأصغر

فيخرج منها النيل الأعظم الهابط إلى خط الاستواء ويدخل بين الجبال المسماة بجبال الذهب وينتشر على بلاد الحبشة في الشمال إلى كوكو إلى مدينة أسوان إلى أرض قوس إلى مدينة أخميم إلى أرض مصر إلى بلاد الإسكندرية ودمياط وتنيس، فيقع في البحر على ثلاثة أغصان غصن في تنيس وغصن في دمياط وإذا فاض حين خروجه بلغ منه غصن إلى أرض الإسكندرية

وطول هذا النيل من مخرجه في جبل القمر إلى موقعه في بحر الروم ألف فرسخ وخمسة وأربعون فرسخاً والله أعلم.

وقد ذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر وفي كتاب عنوان المعارف هذا الجبل وتلونه وخروج النيل منه. فمن أراد مطالعة ذلك فليطلبه في النسخة الكبرى من مروج الذهب إن شاء.

وكذلك يخرج من هذا الجبل النيل الأصغر الهابط إلى خلف خط الاستواء ويدخل ما بين الجبال المسماة بجبال الذهب، وتعرف بجبال توتا. وينتشر على بلاد النوبة ويدخل من جبال الأردكان إلى بلاد الزنج حتى يقع في البحر المحيط الأعظم المحيط بالتراب في ناحية المغرب.

وهذا الجبل إنما هو في مغرب هذه الصحراء القفرة.

ومن هذه الأرض تهب ريح السويداء وهي ريح يابسة حارة تجف المياه في الأزقاء وتهلك من تلقاه في تلك الصحراء القفرة والعياذ بالله.

...8-9...

نسل يافث وسام وحام

وفي هذه الأرض نزل يافث بن نوح عليه السلام. ونسل فيها سبع قبائل، أشرفها وأحسنها وأذكاها اليونانيون، ثم الأنبار ثم الترك ثم الديلم ثم الكرد أيضاً ثم البربر ثم ياجوج وماجوج، فهؤلاء من نسل يافث بن نوح عليه السلام.

وانتسل من سام بن نوح عليه السلام حين نزل العراق خمس قبائل: وهم السريانيون وهم أهل العراق وانتسل منهم الفرس. وقال المسعودي فيما بلغنا بأن الفرس من ولد إسحاق عليه السلام. ثم انتسل منهم القحطانيون وهو العرب العاربة وانتسل من السريانيين والعرب المستعربة وهم أولاد إسماعيل عليه السلام. وانتسل من إبراهيم إسحاق ومن إسحاق الإسرائيليون والصفر وهم الروم، فالروم واليهود إخوة.

وانتسل من حام بن نوح عليه السلام حين نزل المغرب السودان وهم أربع قبائل: النوبة والحبشة والزنج وجناوة.

...67...

ولنذكر الآن الجبل الذي فيه وهو المسمى بجبل القمر. وإنما سمي بهذا الاسم لأنه يتلون...

ومنه يخرج أنهار كثيرة تجتمع في بحيرات في وسط هذه الصحراء التي تقدم ذكرها. فيخرج منها النيل الأعظم الهابط على خط الاستواء ويدخل بين جبال الذهب وينتشر على بلاد الحبشة إلى بلاد كوكو إلى مدينة أسوان إلى قوص إلى أخميم إلى أرض مصر إلى الاسكندرية ودمياط. وطول هذا النيل من جبل القمر إلى موقعه في بحر الروم ألف فرسخ وخمس وأربعون فرسخاً... وكذلك يخرج من هذا الجبل النيل الأصغر الهابط إلى خلف خط الاستواء ويدخل ما بين الجبل المسماة بجبال توبا. وينتشر إلى بلاد انوبة ويدخل من جبال الأزجكان إلى بلاد الزنج إلى أن يقع في البحر المحيط الأعظم المحيط بالتراب في ناحية المغرب. وهذا الجبل إنما هو في مغرب هذا الصحراء...

...(117-118)...

ذكر الجزء السابع من معمور الأرض وهي أرض الحبشة والزنج والنوبة.

اعلم أرشدنا الله وإياك أن هذا الجزء أوله البحر الأعظم، وحده في المشرق بحر القلزم وساحل الحبشة، وحده في الجنوب خط الاستواء وجبال الذهب، وفي وسطه مدينة أرمنى [أزقّي]، وفي شرقه مدينة ورقلان. ويدخل من هذه المدينة إلى البلاد ويخرج إليها جلب الصحراء. وها الجزء أكبر جزء في الأرض، وينقسم أيضاً هذا الصقع على ثلاثة أصقاع...

الصقع الأول من الجزء السابع من الأرض. هذا الصقع الأول النوبة والزنج وجبال الأزدكان. وفيه من المدائن: مدينة مروك وهو دار ملكهم وهو الأول من يشرب من النيل الخارج من جبل القمر الداخل إلى جبال الأزدكان إلى بلاد الزنج إلى البحر الأعظم. وفي هذا الصقع ينقطع البحر فيصير خلجان كثير، وذلك الأرتفاع كرة الأرض... وما بين بلاد النوبة وبلاد الزنج جبال الأزدكان...

وفي هذا الصقع يجمع النوبة الذهب في جبال تَوبا [توتا] وذلك أنها عالية شامخات تنظر بالسجاب بعلوها، وهو مع ذلك منقطعة لا يقدر أحد أن يصعد عليها. فإذا كان في شهر نومبر وحلت الشمس برأس السرطان بردت تلك الناحية وأمطرت مطراً كثيراً فتسيل تلك الجبال ويهبط منها رمال كثيرة قيتكدس في أسفل الجبل، وينعلم منها بركة عظيمة فتأتي النوبة بصحائف من الأبنوس وصحائف من قيعان ريش الطير التي عندهم فيغسلون تلك الرمال ويخرجون منها التبر على قدر القمح وأقل وأكثر وكذلك يصنعون الزنج في بلادهم...(122)...

والزنج قوم يسكنون وراء جبل الأزدكان على النيل الداخل عندهم. ومن عجائب هؤلاء القوم أنهم ما رآهم أحد قط إلا عمي بصره ولا يرون هؤلاء القوم إلا عميت أبصارهم. ولقد تأتي إليهم النوبة والحبشة بالمتجر من بلادهم كالملح وهو أرفع ما يحمل إليهم، فيترك كل واحد منهم سلعته على ضفة النيل ويذهب فتأتي الزنج بالتبر فيحقون بأمام كل سلعة كأساً من التبر. فتأتي النوبة والحبشة فإن أعجبهم ذلك أخذوه، وإن لم يعجبهم ذلك أنقلوا سلعتهم إلى مكان ثان حتى يزاد لهم في القيمة. فيتبيعون وهم لا يرى أحد منهم صاحبه... ويشق في هذه البلاد النيل الأعظم الهابط إلى ديار مصر، ويسكن على ضفة هذا النيل أمم من السودان...

ذكر الصقع الثاني من الجزء السابع هي بلاد الحبشة

وحده في المغرب النيل الأعظم وفي المشرق بحر القلزم وفي الجنوب جبال الذهب التي على خط الاستواء وحده في الشمال آخر بلاد كوكز [كوكو] إلى بلاد أسوان...

وفي هذا الموضع من مدن الحبشة مدينة كوكز [كوكو] وهو حاضرة الحبشة وإليها تدخل القوافل من أرض مصر ومن ورقلان يدخل قليل من المغرب على مدينة سجلماسة. وهذه جزيرة منقطعة في وسط النيل قد أحدق بها النيل من كل ناحية فلا يدخلها أحد إلا في زورق. [وهؤلاء القوم أكثر عيشتهم من القطاني ورز يزرعونها على النيل، وعندهم كثير من السمسم وكثير من قصب السكر وأهل مصر يجلبون إليهم التحف ويدخلون بها إلى أقاصي الحبشة، وهنا يصطادون كثيراً من الفيلة ومن عندهم تجلب أنيابها وفي هذا الصقع مما يلي الجنوب مدينة سلات وهو دار ملك الحبشة وهم يجمعون الذهب خلف خط الاستواء بعشرين فرسخاً في تلك الصحراء ويبلغون إلى مقربة من جبل القمر]

ذكر الجزء الثالث من الجزء السابع بلاد كناو

وحده في المغرب البحر الأعظم وفي المشرق آخر بلاد ورقلان إلى آخر بلاد المرابطين، وفي الجنوب تنميمة وسرنديب، وحده في الشمال آخر بلاد أزقّي وآخر بلاد نول من السوس إلى بلاد السوس الأقصى وفيه مدينة غانة. بين هذه المدينة وبني البحر الأعظم في المغرب ثمانية أيام وهو حاضرة كناو وإليها تدخل القوافل من السوس. وأهل هذه المدينة كانو متشرعين فيما سلف من دين الكفر إلى عام تسعة وستين وأربعمائة وأسلموا في مدة لمتونة، وحسن إسلامهم...[125]

وفيهم قبيلة يسكنون على ساحل البحر الأعظم بالمغرب وهم متشرعون بدين المجوسية وكفرهم. لا يدخل إليهم شيء من المتاع ويلبسون جلود الغنم وعندهم كثير من العسل ويسكنون في الرمال دون بنيان إلا خواتم يعلمونها من جبال الصحراء. وأهل غانة يضربون عليهم في كل سنة. وهؤلاء القوم ليس عندهم حديد وإنما يقاتلون بمرازب الأبنوس وبذلك يغلبونهم أهل غانة لأنهم يقاتلونهم بالسيوف والرماح[125]

وبمقربة من غانة بسيرة خمسة عشر يوماً مدينتان أسماء أحدهما تسلا [نسلا] ولاثانية تادمكة. وبين هؤلاء المدينتين تسعة أيام وأهل هذه المدينة أسلمون بعد إسلام غانة بسبعة أعوام [126] وبربرة أسلموا بعد إسلام غانة وبربرة قبيلة منهم وهم أعلاهم حسباً وملوكهم يرمون بالنبل وهم مرسومون بشريطة في وجوههم. ولو لا ريح السوَيد التي تهلكهم لقطعوا الأرض لكثرتهم وتهبّ هذه الريح في هذه الصحراء تجفف الماء في الأزقاق وتهلك جميع الحيوان[126]

وكذلك في شرقي غانة بنحو العشرين يوماً مدينة قرافون [زافون] وهو أقرب إلى مدينة ورقلان وإلى مدينة سجلماسة، وبين هذين المدينتين يسكنون المرابطون. وهؤلاء القوم أسلمو حين أسلم ورقلان[126-127، 137] وكان في الجزء السابع الذي فيه بلاد كناو والنوبة والزنج ثلاثة آلاف فرسخ وستمائة فرسخ