الباب السابع

شن الحرب

7.1 الجهاد

بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَهَيّأَ لِحَرْبِهِ قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. (1: 590)

ما نزل في القتال

بهذه المقدمة يبدأ ابن إسحاق رواته لغزوات محمد. فأمر الله للقتال يوجد في عدة آيات القرآن ولو تأخرت عن بداية القتال. ومنها: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة ١٩٠).

ومن سورة النساء: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (٧٤) وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (٧٥) الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧)فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (٨٤)وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩).

ومن سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥).

ومن سورة الأنفال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩).

ومن سورة التوبة: أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣)قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩).

ومن سورة سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠).

ومن سورة محمد: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤).

أهداف أخرى للقتال

يلزم علينا أن نفهم ضرورة القتال من جوانب أخرى. فرحب أغلب أهل المدينة بمحمد كالحكم الذي أصلحهم مع بعضهم، ولكن هنالك منافقون مستعدون أن يستفيدوا من أي فرصة ليفتنوا الناس عن عضدهم لمحمد. والفرصة الحاضرة هي أن المهاجرين ضيوف الأنصار وليس لأغلبهم معاش، وإن لم يجدوه سريعاً سيتعب الأنصار من الإنفاق عليهم ويريدون طردهم.

وحث محمد على المهاجرين طلب العمل والصناعة، ولكن اقتصاد المدينة لم يكف حوائجهم. ولكن بقيت لهم إمكانية أخرى، وهذه عادة العرب في غزو القافلات الغير محمية. فأمكنت غزوة مفاجئة أن تغلب القافلة قبل أن تقدر ردها وبدون سفح الدم وبنتيجة التحصل على غنيمة وافرة.

وكان لالغزوة هدف أكبر، وهو التسيطر على التجارة الدولية بين الآسيا وأوربا التي كانت تمر في الجزيرة العربية بطريق مكة. وإن غلب محمد مكة والقبائل الموجودة في الطريق فإذاً تمكن من هذه التجارة واستفاد به المهاجرون والأنصار سواءً.

وهدف آخرهوالتعاون الذي تجبر الغزوة على الأنصار والمهاجرين. فوحدتهم الناتجة مهّد لمحمد تمكين قوته في المدينة.

أما هدف حمو الدين فغير الغزوة تماماً من الأهداف الدنياوية إلى الجهاد في سبيل الله. وإن احتوى الجهاد تزكية القلب وشهادة الفم والقلم فهوخاصة إنفاق الأموال وعرض النفس للقتال: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (النساء ٩٦). وعرض النفس في سبيل الله هو الأفضل: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة ١١١). وذلك بالقتال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (التوبة ٧٣).

ورأى محمد الغزوة بسيلة تعديل ما أخذ قريش منهم، كما قيل في سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)

وهدف آخر للقتال مفهوم من سياسة الأصحاب والتابعين هو تمديد حكم الإسلام، وهو حكم الله، على الأرض بأسرها بحسب القوة التي يمنحها الله للمسلمين، بشرط أن يدعوا الناس إلى الإسلام أو الذمة أولاً. وإن منعوا ثم يحل قتالهم.

بداية الغزوات

ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ. (1: 590). وفي الغزوة الأولى رجع من غير حرب. أما في السرية الثانية فبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمُرّةِ ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ. (1: 591) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ - فِيمَا بَلَغَنِي - أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. (1: 595)

وفي بعض غزوات أخرى لم يكن قتال، ولكن إنما هي تدريب عسكري للمسلمين.

7.2 غزوة نخلة

وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا.

فَلَمّا سَارَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ: إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ. فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا ، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ ، حَتّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنَ فَوْقَ الْفُرُعِ ، يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا ، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ. فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ. وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ فَمَرّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا ، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ.

فَلَمّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَوْهُ أَمِنُوا، وَقَالُوا عَمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاَللّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلُنّ الْحَرَمَ ، فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنّهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ ثُمّ شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ. فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمَ ابْنَ كَيْسَانَ وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَأَعْجَزَهُمْ. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرَيْنِ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ - فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمُسَ الْعِيرِ وَقَسّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدمِوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ. فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ. وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، وَعَنّفَهُمْ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا. وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ كَانَ بِمَكّةَ إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ. وَقَالَتْ يَهُودُ - تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ حَتّى يَرُدّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (البقرة 217) أَيْ ثُمّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ. فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ وَفَرّجَ اللّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَالْحَكَمِ ابْنِ كَيْسَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ فَأُفْدَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ.

فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 218) فَوَضَعَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ. وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلّهُ فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللّهُ وَخُمُسًا إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ. وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ أَوّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ. (1: 601-603)

7.3 يوم البدر

إن غزوة البدر من الأهمية الكبرى للمسلمين، فهي علامة رضوان الله وانتصاره لدينهم وأمتهم. وهو نظير الخروج من مصر لليهود. وندور إلى الرواية:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنْ الشّأْمِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ...

حَرْبًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يُتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنْ الرّكْبَانِ تَخَوّفًا عَلَى أَمْرِ النّاسِ. حَتّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرّكْبَانِ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَك وَلِعِيرِك فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ. فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ، فَبَعَثَهُ إلَى مَكّةَ ، وَأَمَرَ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكّةَ. (1: 606-607)

فَتَجَهّزَ النّاسُ سِرَاعًا ، وَقَالُوا: أَيَظُنّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ كَلّا وَاَللّهِ لِيَعْلَمُنّ غَيْرَ ذَلِكَ. فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا خَارِجٍ وَإِمّا بَاعِثٍ مَكَانَهُ رَجُلًا. وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ ، فَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ. إلّا أَنّ أَبَا لَهَبِ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَخَلّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَفْلَسَ بِهَا ، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنّ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا ، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ بِمَجْمَرَةٍ يَحْمِلُهَا، فِيهَا نَارٌ وَمَجْمَرٌ حَتّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا أَبَا عَلِيّ اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ قَالَ قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا جِئْتَ بِهِ قَالَ ثُمّ تَجَهّزَ فَخَرَجَ مَعَ النّاسِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ فَقَالُوا: إنّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا وَكَانَتْ الْحَرْبُ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ... قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ الّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ فَقَالَ لَهُمْ أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَخَرَجُوا سِرَاعًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبْيَضَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ إحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، يُقَالُ لَهَا: الْعُقَابُ وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ. (1: 609-613)

أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْمِقْدَادُ وَكَلِمَاتُهُمْ فِي الْجِهَادِ

وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ. ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك ، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: " اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا ، إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ " وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِهِ.

اسْتِيثَاقُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَمْرِ الْأَنْصَارِ

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس. وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ النّاسِ وَأَنّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا ، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا ، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَجَلْ قَالَ فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا ، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ. فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ.

الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَتَعَرّفَانِ أَخْبَارَ قُرَيْشٍ

ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَفِرَانَ ، فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا. يُقَالُ لَهَا الْأَصَافِرُ، ثُمّ انْحَطّ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ الدّبّةُ وَتَرَكَ الْحَنّانَ بِيَمِينٍ وَهُوَ كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ ثُمّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّجُلُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْن حِبّانَ: حَتّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ ، وَعَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ الشّيْخُ لَا أُخْبِرُكُمَا حَتّى تُخْبِرَانِي مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاك. (1: 614-616)

ظَفَرُ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ يَقِفَانِهِمْ عَلَى أَخْبَارِهِمْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ فَلَمّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ - كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ - فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمَ ، غُلَامُ بَنِي الْحَجّاجِ وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ ، غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي، فَقَالَا: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ. فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ فَضَرَبُوهُمَا. فَلَمّا أَذْلَقُوهُمَا قَالَا: نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ فَتَرَكُوهُمَا. وَرَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ ثُمّ سَلّمَ وَقَالَ: إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا ، وَاَللّهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ ؟ قَالَا: هُمْ وَاَللّهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى. - وَالْكَثِيبُ الْعَقَنْقَلُ - فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمْ الْقَوْمُ ؟ قَالَا: كَثِيرٌ قَالَ مَا عِدّتُهُمْ ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي ; قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ كُلّ يَوْمٍ ؟ قَالَا: يَوْمًا تِسْعًا ، وَيَوْمًا عَشْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التّسْعِ مِئَةٍ وَالْأَلْفِ. ثُمّ قَالَ لَهُمَا: فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ؟ قَالَا: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ وَالنّضْرُ بْنِ الْحَارِثِ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا. (1: 616-617)

بَسْبَسُ وَعَدِيّ يَتَجَسّسَانِ الْأَخْبَارَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتّى نَزَلَا بَدْرًا ، فَأَنَاخَا إلَى تَلّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمّ أَخَذَا شَنّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ ومَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ عَلَى الْمَاءِ. فَسَمِعَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ ثُمّ أَقْضِيك الّذِي لَك. قَالَ مَجْدِيّ: صَدَقْتِ ثُمّ خَلّصَ بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمّ انْطَلَقَا حَتّى أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سَمِعَا.

حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ وَهَرَبُهُ بِالْعِيرِ

وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حَتّى تَقَدّمَ الْعِيرَ حَذَرًا ، حَتّى وَرَدَ الْمَاءَ فَقَالَ لِمَجْدِيّ بْنِ عَمْرٍو: هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا ، فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَنْكَرَهُ إلّا أَنّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إلَى هَذَا التّلّ ثُمّ اسْتَقَيَا فِي شَنّ لَهُمَا ، ثُمّ انْطَلَقَا. فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ النّوَى ; فَقَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ. فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا ، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطّرِيقِ فَسَاحَلَ بِهَا ، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ وَانْطَلَقَ حَتّى أَسْرَعَ. (1: 617-618)

رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى قُرَيْشٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ: إنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا - وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلّ عَامٍ - فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ وَنُطْعِمُ الطّعَامَ وَنُسْقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا ، فَامْضُوا (1: 618-619)

مَشُورَةُ الْحُبَابِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدّثْت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنّهُمْ ذَكَرُوا: أَنّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ ثُمّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً ثُمّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرّأْيِ. فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ النّاسِ فَسَارَ حَتّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوّرَتْ وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ. (1: 620)

7.4 القتال

بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ أَلَا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ وَنُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك ، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا ، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى ، جَلَسْت عَلَى رَكَائِبِك، فَلَحِقْت بِمَنْ وَرَاءَنَا ، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك ، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك. فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ.

ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَقْبَلَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَوّبَ مِنْ الْعَقَنْقَلِ - وَهُوَ الْكَثِيبُ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ إلَى الْوَادِي - قَالَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك ، اللّهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي ، اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ. (1: 621)

مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيّ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُقِ فَقَالَ أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنّهُ أَوْ لَأَمُوتَنّ دُونَهُ فَلَمّا خَرَجَ خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ ثُمّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتّى اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ ( زَعَمَ ) - أَنْ يُبِرّ يَمِينَهُ وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ.

دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ

قَالَ ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، حَتّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصّفّ دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ وَهُمْ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ - وَأُمّهُمَا عَفْرَاءُ - وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا: رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ. ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ إلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا عَلِيّ ، فَلَمّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ عُبَيْدَةُ وَقَالَ حَمْزَةُ حَمْزَةُ وَقَالَ عَلِيّ: عَلِيّ ، قَالُوا: نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ. فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ ( بْنَ ) رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ عَلِيّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ وَأَمّا عَلِيّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفّفَا عَلَيْهِ وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ. (1: 624-625) ويزيد الطبري: وقد قطعت رجله، فمخها يسيل، فلما أتوا بعبيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست شهيداً يا رسول الله؟ قال: بلى. (تاريخ 2: 446 = 1318/1)

الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ تَزَاحَفَ النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتّى يَأْمُرَهُمْ وَقَالَ إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنّبْلِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ.

فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَمَا حَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ. (1: 625-626)

مَقْتَلُ مِهْجَعٍ وَابْنِ سُرَاقَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّاب بِسَهْمِ فَقُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَقُتِلَ. (1: 627)

تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ

قَالَ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ فَحَرّضَهُمْ وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إلّا أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنّةَ. فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٍ يَأْكُلُهُنّ بَخْ بَخْ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ ثُمّ قَذَفَ التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَن عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ ؟ قَالَ غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا. فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِل. (1: 627)

رَمْيُ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِهَا ، ثُمّ قَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ ، ثُمّ نَفَحَهُمْ بِهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ شِدّوا ، فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ فَقَتَلَ اللّهُ تَعَالَى مَنْ قُتِلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. فَلَمّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ الّذِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُتَوَشّحَ السّيْفِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرّةَ الْعَدُوّ وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النّاسَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَكَأَنّك يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمَ قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا ( اللّهُ ) بِأَهْلِ الشّرْكِ. فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ بِأَهْلِ الشّرْكِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ. (1: 628)

نَهْيُ النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أَخْرَجُوا كُرْهًا ، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنّهُ إنّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا.

قَالَ فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَتَنَا وَعَشِيرَتَنَا وَنَتْرُكُ الْعَبّاسَ وَاَللّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأُلْحِمَنّهُ السّيْفَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ لَأُلْجِمَنّهُ ( السّيْفَ ) - قَالَ فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ يَا أَبَا حَفْصٍ - قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ إنّهُ لَأَوّلُ يَوْمٍ كَنّانِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي حَفْصٍ - أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّيْفِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ بِالسّيْفِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ نَافَقَ. فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الّتِي قُلْتُ يَوْمَئِذٍ وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا ، إلّا أَنْ تُكَفّرَهَا عَنّي الشّهَادَةُ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ. فَلَقِيَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ الْمُجَذّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ قَتْلِك - وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيّ زَمِيلٌ لَهُ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكّةَ، وَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ. وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ - قَالَ وَزَمِيلِي ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذّرُ لَا وَاَللّهِ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِك ، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِك وَحْدَك ، فَقَالَ لَا وَاَللّهِ إذَنْ لَأَمُوتَن أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا ، لَا تَتَحَدّثُ عَنّي نِسَاءُ مَكّةَ أَنّي تَرَكْت زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ. فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذّرُ وَأَبَى إلّا الْقِتَالَ يَرْتَجِزُ. (1: 628-630)

7.5 تدبير الأسارى والفيء

مَقْتَلُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكّةَ وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو ، فَتَسَمّيْت، حِينَ أَسْلَمْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَنَحْنُ بِمَكّةَ فَكَانَ يَلْقَانِي إذْ نَحْنُ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، أَرَغِبْتَ عَنْ اسْمٍ سَمّاكَهُ أَبَوَاك ؟ فَأَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ فَإِنّي لَا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْئًا أَدْعُوك بِهِ أَمّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي بِاسْمِك الْأَوّلِ وَأَمّا أَنَا فَلَا أَدْعُوك بِمَا لَا أَعْرِفُ قَالَ فَكَانَ إذَا دَعَانِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، لَمْ أُجِبْهُ. قَالَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا عَلِيّ اجْعَلْ مَا شِئْت ، قَالَ فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ قَالَ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ فَكُنْت إذَا مَرَرْتُ بِهِ قَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ فَأَتَحَدّثُ مَعَهُ. حَتّى إذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ آخُذُ بِيَدِهِ وَمَعِي أَدْرَاعٌ قَدْ اسْتَلَبْتُهَا، فَأَنَا أَحْمِلُهَا. فَلَمّا رَآنِي قَالَ لِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمْ أُجِبْهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ ؟ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ هَلْ لَك فِيّ فَأَنَا خَيْرٌ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الّتِي مَعَك؟ قَالَ قُلْت: نَعَمْ هَا اللّهِ ذَا. قَالَ فَطَرَحْتُ الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي ، وَأَخَذْت بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللّبَنِ ؟ ( قَالَ ): ثُمّ خَرَجْت أَمْشِي بِهِمَا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ بِاللّبَنِ أَنّ مَنْ أَسَرَنِي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِإِبِلِ كَثِيرَةِ اللّبَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ قَالَ لِي أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ مَنْ الرّجُلُ مِنْكُمْ الْمُعْلَمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قَالَ قُلْت: ذَاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، قَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَقُودُهُمَا إذْ رَآهُ بِلَالٌ مِعَى - وَكَانَ هُوَ الّذِي يُعَذّبُ بِلَالًا بِمَكّةَ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ فَيُخْرِجُهُ إلَى رَمْضَاءَ مَكّةَ إذَا حَمَيْت ، فَيُضْجِعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمّ يَقُولُ لَا تَزَالُ هَكَذَا أَوْ تُفَارِقَ دِينَ مُحَمّدٍ فَيَقُولُ بِلَالٌ أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ قُلْت: أَيْ بِلَالٌ أَبِأَسِيرَيّ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا.

قَالَ قُلْت: أَتَسْمَعُ يَا ابْنَ السّوْدَاءِ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا. قَالَ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَنْصَارَ اللّهِ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ فَأَحَاطُوا بِنَا حَتّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمُسْكَةِ وَأَنَا أَذُبّ عَنْهُ. قَالَ فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السّيْفَ فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ وَصَاحَ أُمَيّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطّ. قَالَ فَقُلْت: اُنْجُ بِنَفْسِك ، وَلَا نُجَاءَ بِك فَوَاَللّهِ مَا أُغْنِي عَنْك شَيْئًا. قَالَ فَهَبِرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْهُمَا. قَالَ فَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَقُولُ يَرْحَمُ اللّهُ بِلَالًا ، ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي وَفَجَعَنِي بِأَسِيرَيّ. (1: 631-632)

مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى... قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْته بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ - قَالَ وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرّةً بِمَكّةَ فَآذَانِي وَلَكَزَنِي، ثُمّ قُلْت لَهُ هَلْ أَخْزَاك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ ؟ قَالَ وَبِمَاذَا أَخْزَانِي ، أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ قُلْت: لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ... قَالَ ثُمّ احْتَرَزْت رَأْسَهُ ثُمّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا رَأْسُ عَدُوّ اللّهِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ - قَالَ وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ قُلْت نَعَمْ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ ثُمّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ. (1: 635-636)

طَرْحُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَلِيبِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ ، طُرِحُوا فِيهِ إلّا مَا كَانَ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، فَإِنّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ فَمَلَأَهَا، فَذَهَبُوا لِيُحَرّكُوهُ فَتَزَايَلَ لَحْمُهُ فَأَقَرّوهُ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مَا غَيّبَهُ مِنْ التّرَابِ وَالْحِجَارَةِ. فَلَمّا أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ، وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا. (1: 638-639)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْقَوْا فِي الْقَلِيبِ ، أُخِذَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، فَسُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَإِذَا هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيّرَ لَوْنُهُ فَقَالَ: يَا أَبَا حُذَيْفَةَ لَعَلّك قَدْ دَخَلَك مِنْ شَأْنِ أَبِيك شَيْءٌ ؟ أَوْ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا ، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَكَكْتُ فِي أَبِي وَلَا فِي مَصْرَعِهِ وَلَكِنّنِي كُنْتُ أَعْرِفُ مَنْ أَبِي رَأْيًا وَحِلْمًا وَفَضْلًا ، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا رَأَيْتُ مَا أَصَابَهُ وَذَكَرْتُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ بَعْدَ الّذِي كُنْتُ أَرْجُو لَهُ أَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرٍ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا. (1: 640-641)

ذِكْرُ الْفِتْيَةِ الّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ

وَكَانَ الْفِتْيَةُ الّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرِ فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآن ، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا: إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (النساء 97). فِتْيَةً مُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ابْنِ أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحَ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ ابْنِ سَهْمٍ. وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَسْلَمُوا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ بِمَكّةَ وَفَتَنُوهُمْ فَافْتَتَنُوا، ثُمّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ فَأُصِيبُوا بِهِ جَمِيعًا. (1: 641)

ذِكْرُ الْفَيْءِ بِبَدْرِ وَالْأُسَارَى

ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ مِمّا جَمَعَ النّاسُ فَجَمَعَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ هُوَ لَنَا ، وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوّ وَيَطْلُبُونَهُ وَاَللّهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ لَنَحْنُ شَغَلَنَا عَنْكُمْ الْقَوْمُ حَتّى أَصَبْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخَافَةَ أَنْ يُخَالِفَ إلَيْهِ الْعَدُوّ: وَاَللّهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَدُوّ إذْ مَنَحَنَا اللّهُ تَعَالَى أَكْتَافَهُ وَلَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ وَلَكِنّا خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرّةَ الْعَدُوّ فَقُمْنَا دُونَهُ فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا...

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْد الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ - وَاسْمُهُ صُدَيّ بْنُ عَجْلَانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - قَالَ سَأَلْت عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا ، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ عَلَى السّوَاءِ. (1: 641-642)

7.6 توت رقية

بَعْثُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدِ بَشِيرِينَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْفَتْحِ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ رَوَاحَةَ بَشِيرًا إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ، بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ.

قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَتَانَا الْخَبَرُ - حِينَ سَوّيْنَا التّرَابَ عَلَى رُقَيّةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ. كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّفَنِي عَلَيْهَا مَعَ عُثْمَانَ - أَنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ (قَدْ) قَدِمَ. قَالَ فَجِئْته وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلّى قَدْ غَشِيَهُ النّاسُ وَهُوَ يَقُولُ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ. قَالَ قُلْت: يَا أَبَتْ أَحَقّ هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ يَا بُنَيّ. (1: 642-643)

قُفُولُ رَسُولِ اللّهِ مِنْ بَدْرٍ

ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ النّفَلَ الّذِي أُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَجَعَلَ عَلَى النّفَلِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْن غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ...

ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى إذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النّازِيَةِ - يُقَالُ لَهُ سَيْرٌ - إلَى سَرْحَةٍ بِهِ.

فَقَسَمَ هُنَالِكَ النّفَلَ الّذِي أَفَاءَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السّوَاءِ ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ بِالرّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ -: مَا الّذِي تُهَنّئُونَنَا بِهِ ؟ فَوَاَللّهِ إنْ لَقِينَا إلّا عَجَائِزَ صُلْعًا كَالْبُدْنِ الْمُعَقّلَةِ فَنَحَرْنَاهَا، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَيْ ابْنَ أَخِي ، أُولَئِكَ الْمَلَأُ. (1: 643-644)

7.7 قُتل شاعران

مَقْتَلُ النّضْرِ وَعُقْبَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ قُتِلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلّذِي أَسَرَ عُقْبَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلِمَةَ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ فَمَنْ لِلصّبْيَةِ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ النّارُ. فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. (1: 644)

فهذان الشاعران كانا ينفيان حقيقة نبوة محمد ويعلنان هذا بشعرهما. فلم يقبل محمد ولم يغفر مثل هذه المعارضة.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نُبِيّهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ. أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا.

قَالَ وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمّهِ فِي الْأُسَارَى. قَالَ فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ مَرّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي، فَقَالَ شُدّ يَدَيْك بِهِ فَإِنّ أُمّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلّهَا تَفْدِيهِ مِنْك، قَالَ وَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا ، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِهَا. قَالَ فَأَسْتَحْيِيَ فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدّهَا عَلَيّ ماح يَمَسّهَا. (1: 645)

بُلُوغُ مُصَابِ قُرَيْشٍ إلَى مَكّةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ مَنْ قَدِمَ مَكّةَ ( بِمُصَابِ ) قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْخُزَاعِيّ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنُبَيّهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ فَلَمّا جَعَلَ يُعَدّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ ، قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الِْجْرِ: وَاَللّهِ إنْ يَعْقِلُ هَذَا فَاسْأَلُوهُ عَنّي ; فَقَالُوا: ( و ) مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ؟ قَالَ هَا هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ ، وَقَدْ وَاَللّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا. (1: 646)

7.8 انتساب النجح إلى الملائكة

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: كُنْت غُلَامًا لِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَأَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ وَكَانَ الْعَبّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرّقٍ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِي بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِك كَانُوا صَنَعُوا ، لَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ إلّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا ، فَلَمّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، كَبَتَهُ اللّهُ وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوّةً وَعِزّا. قَالَ وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا ، وَكُنْت أَعْمَلُ الْأَقْدَاحَ. أَنْحَتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ ، فَوَاَللّهِ إنّي لَجَالِسٌ فِيهَا أنْحَتُ أَقْدَاحِي ، وَعِنْدِي أُمّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سَرّنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَرِ ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرّ رِجْلَيْهِ بِشَرّ حَتّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ فَكَانَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إذْ قَالَ النّاسُ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ - قَدْ قَدِمَ قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ هَلُمّ إلَيّ فَعِنْدَك لَعَمْرِي الْخَبَرُ ، قَالَ فَجَلَسَ ( إلَيْهِ ) وَالنّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النّاسِ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقُودُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا ، وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا ، وَاَيْمُ اللّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْت النّاسَ لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا ، عَلَى خَيْلٍ بَلْقٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاَللّهِ مَا تُلِيقُ شَيْئًا ، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَرَفَعْت طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدَيّ ثُمّ قُلْتُ تِلْكَ وَاَللّهِ الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً. قَالَ وَشَاوَرْتُهُ فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ ثُمّ بَرَكَ عَلَيّ يَضْرِبُنِي، وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا ، فَقَامَتْ أُمّ الْفَضْلِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَةً فَعَلَتْ فِي رَأْسِهِ شَجّةً مُنْكَرَةً وَقَالَتْ اسْتَضْعَفَتْهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيّدُهُ فَقَامَ مُوَلّيًا ذَلِيلًا، فَوَاَللّهِ مَا عَاشَ إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى رَمَاهُ اللّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ. (1: 647)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَلَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنْ الْأَيّامِ وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ. (1: 634) فيذكر القرآن أيضاً مساعدة الملائكة: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال ٩).

وفي غزوة البدر قُتل من القريش خمسة وأربعين رجل على الأقل ولعل العدد وصل إلى سبعين، وعدد الأسارى ثمانية أو تسعة وستين، بينما فقد المسلمون أربعة عشر رجل. ومن أسباب نجاح المسلمين أنهم أصغر عمراً وأكثر مروئاً ومنع العدو عن الماء.

ومات في البدر أحسن أشراف مكة، وأكبر الناجين هو أبو سفيان. أما نجاح المسلمين لم يقلب الميزان السياسي في المنطقة، ولكنه مقدمة إلى نزاع زائد ليقضي من سوف يكون قائد الحجاز.

7.9 رد الأسارى

ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى. وأفدى قريش عدتهم.

أَسْرُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، خَتَنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةَ ، أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكّةَ الْمَعْدُودِينَ مَالًا ، وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً وَكَانَ لِهَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ. فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُزَوّجَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَزَوّجَهُ وَكَانَتْ تَعُدّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا. فَلَمّا أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنُبُوّتِهِ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ وَبَنَاتُهُ فَصَدّقَتْهُ وَشَهِدْنَ أَنّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقّ ، وَدِنّ بِدِينِهِ وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ.

سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أَزْوَاجِهِنّ

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ. فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا: إنّكُمْ قَدْ قَرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ لَا وَاَللّهِ إنّي لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي ، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ.

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا ، فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ ، فَقَالُوا لَهُ طَلّقْ بِنْتَ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نُنْكِحُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت ، فَقَالَ إنْ زَوّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتُهَا. فَزَوّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَأَخْرَجَهَا اللّهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا ، وَهَوَانًا لَهُ وَخَلَفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بَعْدَهُ.

أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فِدَائِهِ

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا يُحَرّمُ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ صَارَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا ، قَالَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً وَقَالَ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا. فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَأَطْلَقُوهُ وَرَدّوا عَلَيْهَا الّذِي لَهَا. (1: 601-603)

7.10 هجرة زينب وإسلام زوجها

خُرُوجُ زَيْنَبَ إلَى الْمَدِينَةِ

( قَالَ ): وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيُعْلَمُ مَا هُوَ إلّا أَنّهُ لَمّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ وَخُلّيَ سَبِيلُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ فَقَالَ: كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتّى تَأْتِيَانِي بِهَا. فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ فَلَمّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكّةَ أَمَرَهَا بِاللّحُوقِ بِأَبِيهَا ، فَخَرَجَتْ تَجَهّزَ.

مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَمَشُورَةُ أَبِي سُفْيَانَ

فَلَمّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَهَازِهَا قَدّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا بَعِيرًا ، فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ثُمّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا ، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا. وَتَحَدّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَالْفِهْرِيّ، فَرَوّعَهَا هَبّارٌ بِالرّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا - فِيمَا يَزْعُمُونَ - فَلَمّا رِيعَتْ طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا ، وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَدْنُو مِنّي رَجُلٌ إلّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا، فَتَكَرْكَرَ النّاسُ عَنْهُ.

وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَيّهَا الرّجُلُ كُفّ عَنّا نَبْلَك حَتّى نُكَلّمَك ، فَكَفّ فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنّك لَمْ تُصِبْ خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمّدٍ فَيَظُنّ النّاسُ إذَا خَرَجْتَ بِابْنَتِهِ إلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، أَنّ ذَلِكَ عَنْ ذُلّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الّتِي كَانَتْ وَأَنّ ذَلِكَ مِنّا ضَعْفٌ وَوَهْنٌ وَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ وَلَكِنْ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدّثَ النّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا، فَسُلّهَا سِرّا ، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا ; قَالَ فَفَعَلَ. فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. (1: 654-655)

الرّسُولُ يُحِلّ دَمَ هَبّارٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْأَشَجّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الدّوْسِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً أَنَا فِيهَا ، فَقَالَ لَنَا: إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَوْ الرّجُلِ (الْآخَرِ) الّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى زَيْنَبَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ فِي حَدِيثِهِ (وَقَالَ هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ) - فَحَرّقُوهُمَا بِالنّارِ. قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إلَيْنَا ، فَقَالَ إنّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا، ثُمّ رَأَيْتُ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذّبَ بِالنّارِ إلّا اللّهُ فَإِنْ ظَفَرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا. (1: 657)

إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكّةَ ، وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ، حِينَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ حَتّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشّامِ، وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا ، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَبْضَعُوهَا مَعَهُ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا ، لَقِيَتْهُ سَرِيّةٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا ، فَلَمّا قَدِمَتْ السّرِيّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّه ِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَجَارَ بِهَا ، فَأَجَارَتْهُ وَجَاءَ فِي طَلَبِ مَالِهِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّبْحِ - كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ فَكَبّرَ وَكَبّرَ النّاسُ مَعَهُ صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفّةِ النّسَاءِ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ.

قَالَ فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسِ هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ إنّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلَا يَخْلُصُنّ إلَيْك ، فَإِنّك لَا تَحِلّينَ لَهُ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى السّرِيّةِ الّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ فَقَالَ لَهُمْ: إنّ هَذَا الرّجُلَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا ، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدّوا عَلَيْهِ الّذِي لَهُ فَإِنّا نُحِبّ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللّهِ الّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ نَرُدّهُ عَلَيْهِ فَرَدّوهُ عَلَيْهِ حَتّى إنّ الرّجُلَ لِيَأْتِيَ بِالدّلْوِ وَيَأْتِيَ الرّجُلُ بِالشّنّةِ وَبِالْإِدَاوَةِ حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ لِيَأْتِيَ بِالشّظَاظِ حَتّى رَدّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا.

ثُمّ احْتَمَلَ إلَى مَكّةَ ، فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ قَالُوا: لَا. فَجَزَاك اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَجَدْنَاك وَفِيّا كَرِيمًا قَالَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَاَللّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلّا تَخَوّفُ أَنْ تَظُنّوا أَنّي إنّمَا أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمّا أَدّاهَا اللّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: رَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا (بَعْدَ سِتّ سِنِينَ). (1: 657-659)

والحدث السبق سبب منع الزواج من غير مسلمات: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (البقرة ٢٢١)، إلا مع يهوديات أو مسيحيات: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (المائدة ٥).

وهو أيضاً سبب فرق الزواج إذا أسلم المرء أو المرأة، إلا إذا كانت يهودية أو مسيحية.

7.11 إسلام عمير بن وهب

إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ وَاَللّهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ صَدَقَتْ وَاَللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي ، لَرَكِبْتُ إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ فَإِنّ لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ عَلَيّ دَيْنُك، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك ، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا ، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَك ، قَالَ أَفْعَلُ.

قَالَ ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ لَهُ وَسُمّ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ بِهِ وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْف ، فَقَالَ هَذَا الْكَلْبُ عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَاَللّهِ مَا جَاءَ إلّا لِشَرّ وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ هَذَا عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ قَالَ فَأَدْخَلَهُ عَلَيّ قَالَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا ، وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ: اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ ثُمّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اُدْنُ يَا عُمَيْرُ ، فَدَنَا ثُمّ قَالَ انْعَمُوا صَبَاحًا ، وَكَانَتْ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ بِالسّلَامِ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ قَالَ فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ ؟ قَالَ جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ قَالَ فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك ؟ قَالَ قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا ؟ قَالَ اُصْدُقْنِي، مَا الّذِي جِئْتَ لَهُ ؟ قَالَ مَا جِئْتُ إلّا لِذَلِك ، قَالَ بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ قُلْت: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا ، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ قَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلّا اللّهُ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ. وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ فَفَعَلُوا.

ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكّةَ ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ وَإِلّا آذَيْتُهُمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا كُنْت أُوذِي أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ ؟ قَالَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَحِقَ بِمَكّةَ. وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ ، يَقُولُ أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا ، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.

7.12 القرآن في قسم الأنفال

نُزُولُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (الأنفال 1) (1: 666)

مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ

ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ فَقَالَ: وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأنفال 41). (1: 672)

مَا نَزَلَ فِي الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَاتَبَهُ اللّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا ، مِنْ عَدُوّ لَهُ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: نُصِرْت بِالرّعْبِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، وَأُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُحِلّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيّ كَانَ قَبْلِي ، وَأُعْطِيت الشّفَاعَةَ خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنّ نَبِيّ قَبْلِي.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: مَا كَانَ لِنَبِيّ أَيْ قَبْلَك أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى مِنْ عَدُوّهِ حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ أَيْ يُثْخِنَ عَدُوّهُ حَتّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا أَيْ الْمَتَاعَ الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرّجَالِ وَاللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدّينِ الّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ وَاَلّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ عَذَابٌ عَظِيمٌ أَيْ لَوْلَا أَنّهُ سَبَقَ مِنّي أَنّي لَا أُعَذّبُ إلّا بَعْدَ النّهْيِ وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ لَعَذّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ ثُمّ أَحَلّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ وَعَائِدَةٌ مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ فَقَالَ: فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنفال 67-68)

ثُمّ قَالَ: يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنفال 70). (1:676-677)

الباب الثامن Early Islam الباب السادس