الباب الرابع عشر
الوداع
14.1 حجة الوداع
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْقَعَدَةِ تَجَهّزَ لِلْحَجّ وَأَمَرَ النّاسَ بِالْجَهَازِ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْحَجّ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعَدَةِ. (2: 601)
مَا أَمَرَ بِهِ الرّسُولُ عَائِشَةَ فِي حَيْضِهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا يَذْكُرُ وَلَا يَذْكُرُ النّاسُ إلّا الْحَجّ حَتّى إذَا كَانَ بِسَرِفٍ وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَاف النّاسِ أَمَرَ النّاسَ أَنْ يُحِلّوا بِعُمْرَةِ إلّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَتْ وَحِضْت ذَلِكَ الْيَوْمَ فَدَخَلَ عَلَيّ وَأَنَا أَبْكِي؛ فَقَالَ مَا لَك يَا عَائِشَةُ؟ لَعَلّك نُفِسْت؟ قَالَتْ قُلْت: نَعَمْ وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّي لَمْ أَخْرُجْ مَعَكُمْ عَامِي فِي هَذَا السّفَرِ فَقَالَ لَا تَقُولِنّ ذَلِكَ فَإِنّك تَقْضِينَ كُلّ مَا يَقْضِي الْحَاجّ إلّا أَنّك لَا تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ. قَالَتْ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ، فَحَلّ كُلّ مَنْ كَانَ لَا هَدْيَ مَعَهُ وَحَلّ نِسَاؤُهُ بِعُمْرَةٍ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ فَطُرِحَ فِي بَيْتِي، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ حَتّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ بَعَثَ بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ أَخِي عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الّتِي فَاتَتْنِي.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ قَالَتْ: لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يُحْلِلْنَ بِعُمْرَةٍ قُلْنَ فَمَا يَمْنَعُك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ تُحِلّ مَعَنَا؟ فَقَالَ إنّي أَهْدَيْتُ وَلَبّدْت، فَلَا أُحِلّ حَتّى أَنْحَرَ هَدْيِي. (2: 601-602)
مُوَافَاةُ عَلِيّ فِي قُفُولِهِ مِنْ الْيَمَنِ رَسُولَ اللّهِ فِي الْحَجّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ بَعَثَ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى نَجْرَانَ، فَلَقِيَهُ بِمَكّةَ وَقَدْ أَحْرَمَ فَدَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرِضَى عَنْهَا، فَوَجَدَهَا قَدْ حَلّتْ وَتَهَيّأَتْ فَقَالَ مَا لَك يَا بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ؟ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ نَحِلّ بِعُمْرَةِ فَحَلَلْنَا. ثُمّ أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ سَفَرِهِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَحِلّ كَمَا حَلّ بِأَصْحَابِك. قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَهْلَلْتُ كَمَا أَهْلَلْتَ فَقَالَ ارْجِعْ فَاحْلِلْ كَمَا حَلّ أَصْحَابُك. قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قُلْت حِينَ أَحْرَمْتُ اللّهُمّ إنّي أُهِلّ بِمَا أَهَلّ بِهِ نَبِيّك وَعَبْدُك وَرَسُولُك مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَهَلْ مَعَك مِنْ هَدْيٍ؟ قَالَ لَا. فَأَشْرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هَدْيِهِ وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى فَرَغَا مِنْ الْحَجّ وَنَحَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْهَدْيَ عَنْهُمَا. (2: 202)
شَكَا عَلِيّا جَنَدُهُ إلَى الرّسُولِ لِانْتِزَاعِهِ عَنْهُمْ حُلَلًا مِنْ بَزّ الْيَمَنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ قَالَ: لَمّا أَقْبَلَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ الْيَمَنِ لِيَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ تَعَجّلَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الّذِينَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَعَمِدَ ذَلِكَ الرّجُلُ فَكَسَا كُلّ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ حُلّةً مِنْ الْبَزّ الّذِي كَانَ مَعَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. فَلَمّا دَنَا جَيْشُهُ خَرَجَ لِيَلْقَاهُمْ فَإِذَا عَلَيْهِمْ الْحُلَلُ قَالَ وَيْلَك مَا هَذَا؟ قَالَ كَسَوْت الْقَوْمَ لِيَتَجَمّلُوا بِهِ إذَا قَدِمُوا فِي النّاسِ قَالَ وَيْلك انْزِعْ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ فَانْتَزَعَ الْحُلَلَ مِنْ النّاسِ فَرَدّهَا فِي الْبَزّ قَالَ وَأَظْهَرَ الْجَيْشَ شَكْوَاهُ لِمَا صُنِعَ بِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: اشْتَكَى النّاسُ عَلِيّا رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِينَا خَطِيبًا، فَسَمِعْته يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ لَا تَشْكُوا عَلِيّا، فَوَاَللّهِ إنّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللّهِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللّهِ مِنْ أَنْ يُشْكَى. (2: 603)
خُطْبَةُ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَجّهِ فَأَرَى النّاسَ مَنَاسِكَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ سُنَنَ حَجّهِمْ وَخَطَبَ النّاسَ خُطْبَتَهُ الّتِي بَيّنَ فِيهَا مَا بَيّنَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنّي لَا أَدْرِي لَعَلّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا؛ أَيّهَا النّاسُ إنّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَإِنّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَقَدْ بَلّغْت، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلِيُؤَدّهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَإِنّ كُلّ رِبًا مَوْضُوعٌ وَلَكِنْ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. قَضَى اللّهُ أَنّهُ لَا رِبَا، وَإِنّ رِبَا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ وَأَنّ كُلّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ وَإِنّ أَوّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ فَهُوَ أَوّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيّةِ. أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّ الشّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ أَيّهَا النّاسُ إنّ النّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بَهْ الّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا، لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَا حَرّمَ اللّهُ فَيَحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ وَيُحَرّمُوا مَا أَحَلّ اللّهُ وَإِنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَرَجَبُ مُضَرَ، الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا، وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ حَقّا، لَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ وَعَلَيْهِنّ أَنْ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةِ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرّحٍ فَإِنْ انْتَهَيْنَ فَلَهُنّ رِزْقُهُنّ وَكُسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ وَاسْتَوْصُوا بِالنّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنّهُنّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنّ شَيْئًا، وَإِنّكُمْ إنّمَا أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانَةِ اللّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَاتِ اللّهِ فَاعْقِلُوا أَيّهَا النّاسُ قَوْلِي، فَإِنّي قَدْ بَلّغْت، وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلّوا أَبَدًا، أَمْرًا بَيّنًا، كِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ. أَيّهَا النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَاعْقِلُوهُ تَعَلّمُنّ أَنّ كُلّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ وَأَنّ الْمُسْلِمِينَ إخْوَةٌ فَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ مِنْ أَخِيهِ إلّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَلَا تَظْلِمُنّ أَنَفْسَكُمْ اللّهُمّ هَلْ بَلّغْت؟ فَذُكِرَ لِي أَنّ النّاسَ قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اشْهَدْ. (2: 603-604)
اسْمُ الصّارِخِ بِكَلَامِ الرّسُولِ وَمَا كَانَ يُرَدّدُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ: كَانَ الرّجُلُ الّذِي يَصْرُخُ فِي النّاسِ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُعْرِفَةٌ رَبِيعَة بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلْفٍ.
قَالَ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَلّا تَدْرُونَ أَيّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ فَيَقُولُونَ الشّهْرُ الْحَرَامُ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا. ثُمّ يَقُولُ قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَلْ تَدْرُونَ أَيّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالَ فَيَصْرُخُ بِهِ قَالَ فَيَقُولُونَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ. قَالَ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا. قَالَ ثُمّ يَقُولُ قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَلْ تَدْرُونَ أَيّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَ فَيَقُولُهُ لَهُمْ. فَيَقُولُونَ يَوْمُ الْحَجّ الْأَكْبَرِ قَالَ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا. (2: 605)
رِوَايَةُ ابْنِ خَارِجَةَ عَمّا سَمِعَهُ مِنْ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ بَعَثَنِي عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَاجَةٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فَبَلَغَتْهُ ثُمّ وَقَفْت تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ لُغَامَهَا لَيَقَعُ عَلَى رَأْسِي، فَسَمِعْته وَهُوَ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ قَدْ أَدّى إلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّهُ وَإِنّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيّةٌ لِوَارِثِ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَمَنْ ادّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلّى غَيْرَ مَوَالِيَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا. (2: 605)
بَعْضُ تَعْلِيمِ الرّسُولِ فِي الْحَجّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَالَ هَذَا الْمَوْقِفَ لِلْجَبَلِ الّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَكُلّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ. وَقَالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى قُزَحَ صَبِيحَةَ الْمُزْدَلِفَةِ: هَذَا الْمَوْقِفَ وَكُلّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ. ثُمّ لَمّا نَحَرَ بِالْمَنْحَرِ بِمِنَى قَالَ هَذَا النّحْرُ وَكُلّ مِنًى مَنْحَرٌ. فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَجّ وَقَدْ أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ مَا فَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَجّهِمْ مِنْ الْمَوْقِفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ وَمَا أُحِلّ لَهُمْ مِنْ حَجّهِمْ وَمَا حُرّمَ عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ حِجّةَ الْبَلَاغِ وَحَجّةَ الْوَدَاعِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحُجّ بَعْدَهَا. (2: 605)
غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي فَزَارَةَ وَمُصَابُ أُمّ قِرْفَةَ
وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِيَ الْقُرَى، لَقِيَ بِهِ بَنِي فَزَارَةَ فَأُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَارْتُثّ زَيْدٌ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَفِيهَا أُصِيبَ وَرْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَدَاشٍ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، أَصَابَهُ أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ آلَى أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ، فَلَمّا اسْتَبَلّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي فَزَارَة َ فِي جَيْشٍ فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَأَصَابَ فِيهِمْ وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ الْيَعْمُرِيّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأُسِرَتْ أُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَبِنْتٌ لَهَا، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ أَنْ يَقْتُلَ أُمّ قِرْفَةَ فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا [ابن سعد، 2: ربط بين رجليها حبلا ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا فقطعاها]. ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِابْنَةِ أُمّ قِرْفَةَ وَبِابْنِ مَسْعَدَةَ. (2: 617)
مَقْتَلُ الْيَسِيرِ
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ أَنّهُ كَانَ بِخَيْبَرِ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَيْهِ كَلّمُوهُ وَقَرّبُوا لَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّك إنْ قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَك وَأَكْرَمَك، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتّى خَرَجَ مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ فَحَمَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ، عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ عَلَى مَسِيرِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَطَنَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَهُوَ يُرِيدُ السّيْفَ فَاقْتَحَمَ بِهِ ثُمّ ضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَهُ الْيَسِيرُ بِمِخْرَشٍ فِي يَدِهِ مِنْ شَوْحَطٍ فَأَمّهُ وَمَالَ كُلّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ إلّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفْلَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ فَلَمّا قَدِمَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفَلَ عَلَى شَجّتِهِ فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ. (2: 618-619)
غَزْوَةُ ابْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ، فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ. (2: 619)
غَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ لِيَغْزُوهُ فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ يَجْمَعُ لِي النّاسَ لِيَغْزُونِي، وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ انْعَتْهُ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ. قَالَ إنّك إذَا رَأَيْته أَذْكَرَك الشّيْطَانَ وَآيَةُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنّك إذَا رَأَيْته وَجَدْت لَهُ قُشَعْرِيرَةً. قَالَ فَخَرَجْت مُتَوَشّحًا سَيْفِي، حَتّى دُفِعْت إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنّ مَنْزِلًا، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَمّا رَأَيْته وَجَدْت مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْقُشَعْرِيرَةِ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصّلَاةِ فَصَلّيْت وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِئُ بِرَأْسِي، فَلَمّا انْتَهَيْت إلَيْهِ قَالَ مَنْ الرّجُلُ؟ قُلْت: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِك وَبِجَمْعِك لِهَذَا الرّجُلِ فَجَاءَك لِذَلِكَ.
قَالَ أَجَلْ إنّي لَفِي ذَلِكَ. قَالَ فَمَشَيْت مَعَهُ شَيْئًا، حَتّى إذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْت عَلَيْهِ بِالسّيْفِ فَقَتَلْته، ثُمّ خَرَجْت، وَتَرَكْت ظَعَائِنَهُ مُنْكَبّاتٌ عَلَيْهِ فَلَمّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآنِي، قَالَ أَفْلَحَ الْوَجْهُ قُلْت: قَدْ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ صَدَقْت. (2: 619-620)
غَزَوَاتٌ أُخَرُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا. وَغَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. (2: 621)
غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ إلَيْهِمْ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهُمْ أَنَاسًا. وَسَبَى مِنْهُمْ أُنَاسًا.
فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عَلَيّ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ هَذَا سَبْيُ بَنِي الْعَنْبَرِ يَقْدَمُ الْآنَ، فَنُعْطِيك مِنْهُمْ إنْسَانًا فَتُعْتِقِينَهُ. (2: 261)
عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكِبَ فِيهِمْ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ رَفِيعٍ، وَسَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو. وَالْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدٍ وَوَرْدَانُ بْنُ مُحْرِزٍ وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَفِرَاسُ بْنُ حَابِسٍ فَكَلّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ فَأَعْتَقَ بَعْضًا، وَأَفْدَى بَعْضًا، وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمئِذٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ عَبْدُ اللّهِ وَأَخَوَانِ لَهُ بَنُو وَهْبٍ وَشَدّادُ بْنُ فِرَاسٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ دَارِمٍ وَكَانَ مِمّنْ سُبِيَ مِنْ نِسَائِهِمْ يَوْمئِذٍ أَسَمَاءُ بِنْتُ مَالِكٍ وَكَاسٍ بِنْتُ أَرِي، وَنَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ وَجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ مَطَرٍ. 2: 621-622)
غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَرْضَ بَنِي مُرّةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ - كَلْبِ لَيْثٍ - أَرْضَ بَنِي مُرّةَ، فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ، حَلِيفًا لَهُمْ مِنْ الْحُرْقَةِ، مِنْ جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَدْرَكْته أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السّلَاحَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ. قَالَ فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتّى قَتَلْنَاهُ فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهُ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ مَنْ لَك بِلَا إلَهَ إلّا اللّهُ؟ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ إنّمَا قَالَهَا تَعَوّذًا بِهَا مِنْ الْقَتْلِ. قَالَ فَمَنْ لَك بِهَا يَا أُسَامَةُ؟ قَالَ فَوَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ مَا زَالَ يُرَدّدُهَا عَلَيّ حَتّى لَوَدِدْت أَنّ مَا مَضَى مِنْ إسْلَامِي لَمْ يَكُنْ وَأَنّي كُنْت أَسْلَمْت يَوْمئِذٍ وَأَنّي لَمْ أَقْتُلْهُ قَالَ قُلْت: أَنْظِرْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُعَاهِدُ اللّهَ أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ أَبَدًا، قَالَ تَقُولُ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ قَالَ قُلْت بَعْدَك. (2: 622-623)
ابْنُ حَابِسٍ وَابْنُ حِصْنٍ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ ابْنِ الْأَضْبَطِ إلَى الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ سَمِعْت زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرةَ بْنِ سَعْدٍ السّلَمِيّ يُحَدّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَكَانَا شَهِدَا حُنَيْنًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ ثُمّ عَمِدَ إلَى ظِلّ شَجَرَةٍ فَجَلَسَ تَحْتَهَا، وَهُوَ بِحُنَيْنٍ فَقَامَ إلَيْهِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، يَخْتَصِمَانِ فِي عَامِرِ بْنِ أَضْبَطَ الْأَشْجَعِيّ عُيَيْنَةُ يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرٍ وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَئِيسُ غَطَفَانَ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ، لِمَكَانِهِ مِنْ خندف، فَتَدَاوَلَا الْخُصُومَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَسَمِعْنَا عُيَيْنَةُ بْنَ حِصْنٍ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا أَدْعُهُ حَتّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنْ الْحُرْقَةِ مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ بَلْ تَأْخُذُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا، وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِ إذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْثِرٌ قَصِيرٌ مَجْمُوعٌ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُكَيْتِلٌ - فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا وَجَدْت لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرّةِ الْإِسْلَامِ إلّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ فَرُمِيَتْ أُولَاهَا، فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، اُسْنُنْ الْيَوْمَ وَغَيّرْ غَدًا. قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ. فَقَالَ بَلْ تَأْخُذُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا. قَالَ فَقَبِلُوا الدّيَةَ.
قَالَ ثُمّ قَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكُمْ هَذَا، يَسْتَغْفِرُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ طَوِيلٌ عَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ قَدْ كَانَ تَهَيّأَ لِلْقَتْلِ فِيهَا، حَتّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُك؟ قَالَ أَنَا مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ، قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ ثُمّ قَالَ اللّهُمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ ثَلَاثًا. قَالَ فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ. قَالَ فَأَمّا نَحْنُ فَنَقُولُ فِيمَا بَيْنَنَا: إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَغْفَرَ لَهُ وَأَمّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَذَا. (2: 627)
مَوْتُ مُحَلّمٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصَرِيّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمّنْتَهُ بِاَللّهِ ثُمّ قَتَلْتَهُ ثُمّ قَالَ لَهُ الْمَقَالَةَ الّتِي قَالَ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا مَكَثَ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ إلّا سَبْعًا حَتّى مَاتَ فَلَفَظَتْهُ وَاَلّذِي نَفْسُ الْحَسَنِ بِيَدِهِ الْأَرْضُ ثُمّ عَادُوا لَهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ثُمّ عَادُوا فَلَفَظَتْهُ فَلَمّا غُلِبَ قَوْمُهُ عَمِدُوا إلَى صُدّيْنِ فَسَطَحُوهُ بَيْنَهُمَا، ثُمّ رَضَمُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتّى وَارَوْهُ. قَالَ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَأْنُهُ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّ الْأَرْضَ لَتَطّابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرّ مِنْهُ وَلَكِنّ اللّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ. (2: 628)
دِيَةُ ابْنِ الْأَضْبَطِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النّضْرِ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقَيْسًا حِينَ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَخَلَا بِهِمْ: يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ مَنَعْتُمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتِيلًا يَسْتَصْلِحُ بِهِ النّاسَ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَلْعَنَكُمْ اللّهُ بِلَعْنَتِهِ أَوْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ فَيَغْضَبَ اللّهُ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ؟ وَاَللّهِ الّذِي نَفْسُ الْأَقْرَعِ بِيَدِهِ لَتُسَلّمُنّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَيَصْنَعَنّ فِيهِ مَا أَرَادَ أَوْ لَآتِيَنّ بِخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَشْهَدُونَ بِاَللّهِ كُلّهُمْ لَقُتِلَ صَاحِبُكُمْ كَافِرًا، مَا صَلّى قَطّ، فَلَأَطُلّنّ دَمَهُ فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَبِلُوا الدّيَةَ. (2: 228)
انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَنَصِيبُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مِنْ فَيْءٍ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الزّوَاجِ
قَالَ فَخَرَجْنَا وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنْ النّبْلِ وَالسّيُوفِ حَتّى إذَا جِئْنَا قَرِيبًا مِنْ الْحَاضِرِ عُشَيْشِيّةً مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ. قَالَ كَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ وَأَمَرْت صَاحِبِيّ فَكَمَنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ وَقُلْت لَهُمَا: إذَا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبّرْت وَشَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَكَبّرَا وَشُدّا مَعِي.
قَالَ فَوَاَللّهِ إنّا لِكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ غِرّةَ الْقَوْمِ أَوْ أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ وَقَدْ غَشِيَنَا اللّيْلُ حَتّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرّحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتّى تُخَوّفُوا عَلَيْهِ. قَالَ فَقَامَ صَاحِبُهُمْ ذَلِكَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَأَتّبِعَنّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرّ ; فَقَالَ لَهُ نَفَرٌ مِمّنْ مَعَهُ وَاَللّهِ لَا تَذْهَبْ نَحْنُ نَكْفِيك ; قَالَ وَاَللّهِ لَا يَذْهَبُ إلّا أَنَا ; قَالُوا: فَنَحْنُ مَعَك ; قَالَ وَاَللّهِ لَا يَتْبَعُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ. قَالَ وَخَرَجَ حَتّى يَمُرّ بِي. قَالَ فَلَمّا أَمْكَنَنِي نَفْحَتُهُ بِسَهْمِي، فَوَضَعْته فِي فُؤَادِهِ. قَالَ فَوَاَللّهِ مَا تَكَلّمَ وَوَثَبْت إلَيْهِ فَاحْتَزَزْتُ رَأْسَهُ. قَالَ وَشَدَدْت فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ وَكَبّرْت، وَشَدّ صَاحِبَايَ وَكَبّرَا.
قَالَ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا النّجَاءُ مِمّنْ فِيهِ عِنْدَك، عِنْدَك، بِكُلّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَمَا خَفّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ وَاسْتَقْنَا إبِلًا عَظِيمَةً وَغَنَمًا كَثِيرَةً فَجِئْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ وَجِئْت بِرَأْسِهِ أَحْمِلُهُ مَعِي. قَالَ فَأَعَانَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ بِثَلَاثَةَ عَشْرَ بَعِيرًا فِي صَدَاقِي، فَجَمَعْتُ إلَيّ أَهْلِي. (2: 630-631)
غَزْوَةُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ عَنْ إرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِ الرّجُلِ إذَا اعْتَمّ. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ سَأُخْبِرُك إنْ شَاءَ اللّهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ كُنْت عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَسْجِدِهِ أَبُو بَكْر ٍ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيّ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَقْبَلَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك، أَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا; قَالَ فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَحْسَنُهُمْ اسْتِعْدَادًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ. ثُمّ سَكَتَ الْفَتَى، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا نَزَلْنَ بِكُمْ وَأَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنّ إنّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ حَتّى يُعْلِنُوا بِهَا إلّا ظَهَرَ فِيهِمْ الطّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ الّذِينَ مَضَوْا ; وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلّا أُخِذُوا بِالسّنِينَ وَشِدّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السّلْطَانِ وَلَمْ يَمْنَعُوا الزّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السّمَاءِ فَلَوْلَا الْبَهَائِمُ مَا مُطِرُوا ; وَمَا نَقَضُوا عَهْدَ اللّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلّا سُلّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذَ بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمّتُهُمْ بِكِتَابِ اللّهِ وَتَجَبّرُوا فِيمَا أَنَزَلَ اللّهُ إلّا جَعَلَ اللّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ. (2: 631)
تَأْمِيرُ ابْنِ عَوْفٍ وَاعْتِمَامُهُ
ثُمّ أَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهّزَ لِسَرِيّةِ بَعَثَهُ عَلَيْهَا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمّ بِعِمَامَةِ مِنْ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ ثُمّ نَقَضَهَا، ثُمّ عَمّمَهُ بِهَا، وَأَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ قَالَ: هَكَذَا يَا ابْنَ عَوْفٍ فَاعْتَمّ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ ثُمّ أَمَرَ بَلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ اللّوَاءَ. فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ تَعَالَى، وَصَلّى عَلَى نَفْسِهِ ثُمّ قَالَ خُذْهُ يَا بْنَ عَوْفٍ اُغْزُوَا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لَا تَغُلّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا، فَهَذَا عَهْدُ اللّهِ وَسِيرَةُ نَبِيّهِ فِيكُمْ. فَأَخَذَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ اللّوَاءَ. (2: 632)
سَرِيّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ قَدْ نَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَ قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ، فَقَالَ
لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وَمَا إنْ أَرَى مِنْ النّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعَا أَبَرّ عُهُودًا وَأَوْفَى لِمَنْ يُعَاقَدُ فِيهِمْ إذَا مَا دَعَا مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ فِي جَمْعِهِمْ يَهُدّ الْجِبَالَ وَلَمْ يَخْضَعَا فَصَدّعَهُمْ رَاكِبٌ جَاءَهُمْ حَلَالٌ حَرَامٌ لِشَتّى مَعَا فَلَوْ أَنّ بِالْعِزّ صَدّقْتُمْ أَوْ الْمُلْكِ تَابَعْتُمْ تُبّعَا قَتْلُ ابْنِ عُمَيْرٍ لَهُ وَشِعْرُ الْمُزَيْرِيّة
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لِي بِهَذَا الْخَبِيثِ، فَخَرَجَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ فَقَتَلَهُ؟ فَقَالَتْ أُمَامَةُ الْمُزَيْرِيّة فِي ذَلِكَ
تُكَذّبُ دِينَ اللّهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَا لَعَمْرُ الّذِي أَمْنَاكَ أَنْ بِئْسَ مَا يُمْنِي حَبَاكَ حَنِيفٌ آخِرَ اللّيْلِ طَعْنَةً أَبَا عَفَكٍ خُذْهَا عَلَى كِبَرِ السّنّ (2: 635-636)
غَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخِطْمِيّ لِقَتْلِ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ
وَغَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخِطْمِيّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ، وَهِيَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ فَلَمّا قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ نَافَقَتْ فَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ وَيُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَتْ تَعِيبُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ
بِاسْتِ بَنِي مَالِكٍ وَالنّبِيتِ وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِي الْخَزْرَجِ أَطَعْتُمْ أَتَاوِيّ مِنْ غَيْرِكُمْ فَلَا مِنْ مُرَادٍ وَلَا مَذْحِجِ تَرْجُونَهُ بَعْدَ قَتْلِ الرّءُوسِ كَمَا يُرْتَجَى مَرَقُ الْمُنْضَجِ أَلَا أَنِفٌ يَبْتَغِيَ غِرّةُ فَيَقْطَع مِنْ أَمَلِ الْمُرْتَجِي شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهَا
قَالَ فَأَجَابَهَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ
بَنُو وَائِلٍ وَبَنُو وَاقِفٍ وَخَطْمَةُ دُونَ بَنِي الْخَزْرَجِ مَتَى مَا دَعَتْ سَفَهًا وَيْحَهَا بِعَوْلَتِهَا وَالْمَنَايَا تَجِي فَهَزّتْ فَتًى مَاجِدًا عِرْقُهُ كَرِيمُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ فَضَرّجَهَا مِنْ نَجِيعِ الدّمَا ء بَعْدَ الْهُدُوّ فَلَمْ يَحْرَجْ خُرُوجُ الْخِطْمِيّ لَقَتْلِهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ أَلَا آخِذٌ لِي مِنْ ابْنَةِ مَرْوَانَ؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ الْخِطْمِيّ، وَهُوَ عِنْدَهُ فَلَمّا أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ سَرَى عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَتَلَهَا، ثُمّ أَصْبَحَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ قَتَلْتهَا. فَقَالَ نَصَرْت اللّهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ، فَقَالَ هَلْ عَلَيّ شَيْءٌ مِنْ شَأْنِهَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ فَقَالَ لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ. (2: 636-637)
شَأْنُ بَنِي خَطْمَةَ
فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إلَى قَوْمِهِ وَبَنُو خَطْمَةَ يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ مَوْجُهُمْ فِي شَأْنِ بِنْتِ مَرْوَانَ وَلَهَا يَوْمئِذٍ بَنُونَ خَمْسَةُ رِجَالٍ فَلَمّا جَاءَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَا بَنِي خَطْمَةَ أَنَا قَتَلْت ابْنَةَ مَرْوَانَ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمّ لَا تُنْظِرُونَ. فَذَلِكَ الْيَوْمُ أَوّلُ مَا عَزّ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ بَنِي خَطْمَةَ وَكَانَ يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِمْ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ وَهُوَ الّذِي يُدْعَى الْقَارِئَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَوْسٍ، وَخُزَيْمَة بْنِ ثَابِتٍ، وَأَسْلَمَ، يَوْمَ قُتِلَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ لَمّا رَأَوْا مِنْ عِزّ الْإِسْلَامِ. (2: 238)
وَالسّرِيّةُ الّتِي أَسَرَتْ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ
بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ أَنّهُ قَالَ خَرَجَتْ خَيْلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، لَا يَشْعُرُونَ مَنْ هُوَ حَتّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ; هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ. وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ أَنْ يُغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُ أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ فَيَقُولُ إيْهَا يَا مُحَمّدُ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْت، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَلَمّا أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ، فَتَطَهّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ ثُمّ أَقْبَلَ فَبَايَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا أَمْسَى جَاءُوهُ بِمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنْ الطّعَامِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُ إلّا قَلِيلًا، وَبِاللّقْحَةِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْ حِلَابِهَا إلّا يَسِيرًا فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ: مِمّ تَعْجَبُونَ؟ أَمِنْ رَجُلٍ أَكَلَ أَوّلَ النّهَارِ فِي مِعَى كَافِرٍ وَأَكَلَ آخِرَ النّهَارِ فِي مِعَى مُسْلِمٍ إنّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَإِنّ الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ. (2: 638-639)
سَرِيّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزّزٍ
وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ. لَمّا قُتِلَ وَقّاصُ بْنُ مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ يَوْمَ ذِي قَرَدَ سَأَلَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزّزٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبْعَثَهُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ لِيَدْرِكَ ثَأْرَهُ فِيهِمْ.
فَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: وَأَنَا فِيهِمْ - حَتّى إذَا بَلَغْنَا رَأَسَ غَزَاتِنَا أَوْ كُنّا بِبَعْضِ الطّرِيقِ أَذِنَ لِطَائِفَةِ مِنْ الْجَيْشِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ حُذَافَةَ السّهْمِيّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ فَلَمّا كَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ أَوْقَدَ نَارًا، ثُمّ قَالَ لِلْقَوْمِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السّمْعُ وَالطّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى; قَالَ أَفَمَا أَنَا آمُرُكُمْ بِشَيْءِ إلّا فَعَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ فَإِنّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقّي وَطَاعَتِي إلّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النّارِ قَالَ فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَحْتَجِزُ حَتّى ظَنّ أَنّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ اجْلِسُوا، فَإِنّمَا كُنْت أَضْحَكُ مَعَكُمْ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةٍ مِنْهُمْ فَلَا تُطِيعُوهُ. وَذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ أَنّ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ رَجَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. (2: 639-640)
سَرِيّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ لِقَتْلِ الْبَجَلِيّينَ الّذِينَ قَتَلُوا يَسَارًا
حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ مُحَارَبٍ وَبَنِيّ ثَعْلَبَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ يَسَارٌ فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لِقَاحٍ لَهُ كَانَتْ تَرْعَى فِي نَاحِيَةِ الْجَمّاءِ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْ قَيْسٍ كُبّة مِنْ بَجِيلَةَ، فَاسْتَوْبَئُوا، وَطَحِلُوا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى اللّقَاحِ فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَخَرَجُوا إلَيْهَا. (2: 640-641)
قَتْلُ الْبَجَلِيّينَ وَتَنْكِيلُ الرّسُولِ بِهِمْ
فَلَمّا صَحّوا وَانْطَوَتْ بُطُونُهُمْ عَدَوْا عَلَى رَاعِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسَارٍ فَذَبَحُوهُ وَغَرَزُوا الشّوْكَ فِي عَيْنَيْهِ وَاسْتَلْقَوْا اللّقَاحَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، فَلَحِقَهُمْ فَأَتَى بِهِمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعه مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. (2: 641)
غَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ
وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ إلَى الْيَمَنِ، غَزَاهَا مَرّتَيْنِ. (2: 641)
بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَهُوَ آخِرُ الْبُعُوثِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الشّامِ، وَأَمَرَهُ أَنّ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدّارُومِ، مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَتَجَهّزَ النّاسُ وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ. (2: 6410642)
14.2 ملاحظة: ميزان قوة محمد في آخر حياته
قد شهدنا كيف أصبح عز الإسلام يجبر المناوئين أن يقبلوا الإسلام راضياً أو كارهاً. وسايسة قتال المشركين أخضعت كل الحجاز وجمعت سكانها في أمة واحدة مسمة أحياناً حزب الله. وبرغم عدد وفود العرب، بقي المسلمون أقلية في جنوب الجزيرة العربية وشرقها. وفي الشمال بقيت قبيلة غسان مسيحية حليفة الروم، مثل بني بكر بن وائل وبني تغلب
أما الشمال فأراد محمد الاستيلاء عليه من زمن بعثه مسيرة إلى دومة الجندل في 626م. وتبعها غزوات أخرى إلى مؤتة وتبوك. وكان الظروف السياسية والاقتصادية في الشمال في حالة التغير السريع. ففي السنة الثالثة بعد بداية تبليغ رسالة محمد استولى الكسرى على الشام، وفي سنة 616م دخل مصر. ولكن غلبه هرقل وطرد الفرسيين من مصر والشام. والحرب المستمر بين الروم وبين الفرس أضعف الدولتين وبقيتا وخلفهما فريسة لغزوات العرب.
واقتصاد التجارة بين الشام وتجار السفي الآسيوية في اليمن قد جلب الااتحاد السياسي في الحجاز، ولكن ضعفت التجارة بعض الشيء في أوقات عنف الحرب في الشمال من جانب، ومن جانب آخر تعود العرب على اقتصال الغنيمة في غزوات تكوين قوة الإسلام. أما بعد إثبات هذه القوة فلم تبق فرصة الغزوة في الحجاز. ولذلك نظر العرب إلى ثروة الدول الشمالية. وبعد استيلاء العرب على الفرس والشام ومصر بعد وفاة محمد استطاعوا أن يجددوا الاقتصاد التجاري، وهذه المر ليس في طريق الحجاز ولكن في طريق الحريرة القديمة بين الصين وبين الدمشق إلى أوروبا. وبعد ذلك اضمحلت تجارة الحجاز الذي بقي مركز الدين والحج.
14.3 شكوى محمد وموته
ابْتِدَاءُ شَكْوَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُدِئَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَكْوِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ إلَى مَا أَرَادَ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ أَوْ فِي أَوّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَكَانَ أَوّلُ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لِي، أَنّهُ خَرَجَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَمّا أَصْبَحَ اُبْتُدِئَ بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَقَالَ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي، فَانْطَلَقْت مَعَهُ فَلَمّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ يَأْهَلَ الْمَقَابِرِ لِيَهْنِئَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمّا أَصْبَحَ النّاسُ فِيهِ أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوّلَهَا، الْآخِرَةُ شَرّ مِنْ الْأُولَى، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيّ فَقَالَ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إنّي قَدْ أُوتِيت مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمّ الْجَنّةُ فَخُيّرْت بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّي وَالْجَنّةِ. قَالَ فَقُلْت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمّ الْجَنّةَ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدْ اخْتَرْت لِقَاءَ رَبّي وَالْجَنّةَ ثُمّ أَسَتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، ثُمّ أَنْصَرِف. فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ. (2: 642)
تَمْرِيضُهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ وَارْأَسَاهُ، فَقَالَ بَلْ أَنَا وَاَللّهِ يَا عَائِشَةُ وَارْأَسَاهُ.
قَالَتْ ثُمّ قَالَ وَمَا ضَرّكِ لَوْ مُتّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْك وَكَفّنْتُك، وَصَلّيْت عَلَيْك وَدَفَنْتُك؟ قَالَتْ قُلْت: وَاَللّهِ لَكَأَنّي بِك، لَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إلَى بَيْتِي، فَأَعْرَسْت فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِك، قَالَتْ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتّى اسْتَعَزّ بِهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَدَعَا نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنّ فِي أَنْ يُمَرّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنّ لَه. (2: 642-643)
تَمْرِيضُ رَسُولِ اللّهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبّاسِ، وَرَجُلٌ آخَرُ عَاصِبًا رَأْسَهُ تَخُطّ قَدَمَاهُ حَتّى دَخَلَ بَيْتِي.
قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ، فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْعَبّاسِ، فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَنْ الرّجُلُ الْآخَرُ؟ قَالَ قُلْت: لَا؟ قَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. (2: 649)
شِدّةُ الْمَرَضِ وَصَبّ الْمَاءِ عَلَيْهِ
ثُمّ غُمِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ فَقَالَ: هَريقُوا عَلَيّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتّى، حَتّى أَخْرُجَ إلَى النّاسِ فَأَعْهَدُ إلَيْهِمْ. قَالَتْ فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، ثُمّ صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى طَفِقَ يَقُولُ حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ. (2: 649)
كَلِمَةٌ لِلنّبِيّ وَاخْتِصَاصُهُ أَبَا بَكْرٍ بِالذّكْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمّ كَانَ أَوّلُ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنّهُ صَلّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ فَأَكْثَرَ الصّلَاةَ عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ: إنّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللّهِ خَيّرَهُ اللّهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللّهِ. قَالَ فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعَرَفَ أَنّ نَفْسَهُ يُرِيدُ فَبَكَى وَقَالَ بَلْ نَحْنُ نَفْدِيك بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا أَبَا بَكْرٍ، ثُمّ قَالَ اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ اللّافِظَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدّوهَا إلّا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ. (2: 649)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا: فَإِنّي لَوْ كُنْت مُتّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ صُحْبَةٌ وَإِخَاءُ إيمَانٍ حَتّى يَجْمَعَ اللّهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ. (2: 649-650)
أَمْرُ الرّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَبْطَأَ النّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ: أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا.
قَالَ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْكَمَشَ النّاسُ فِي جَهَازِهِمْ اسْتَعَزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتّى نَزَلُوا الْجُرْفَ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ وَتَتَامّ إلَيْهِ النّاسُ وَثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنّاسُ لِيَنْظُرُوا مَا اللّهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. (2: 650)
وَصِيّةُ الرّسُولِ بِالْأَنْصَارِ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ صَلّى وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا، فَإِنّ النّاسَ يَزِيدُونَ وَإِنّ الْأَنْصَارَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ وَإِنّهُمْ كَانُوا عَيْبَتِي الّتِي أَوَيْت إلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إلَى مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ حَتّى غُمِرَ. (2: 650-651)
شَأْنُ اللّدُودِ
قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِ أُمّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةُ، وَنِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُنّ أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَعِنْدَهُ الْعَبّاسُ عَمّهُ فَأَجْمَعُوا أَنْ يَلُدّوهُ وَقَالَ الْعَبّاسُ: لَأَلُدّنّهُ.
قَالَ فَلَدّوهُ فَلَمّا أَفَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ صَنَعَ هَذَا بِي؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّك، قَالَ هَذَا دَوَاءٌ أَتَى بِهِ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَأَشَارَ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ; قَالَ وَلِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ عَمّهُ الْعَبّاسُ: خَشِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَكُونَ بِك ذَاتُ الْجَنْبِ فَقَالَ: إنّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَقْذِفَنِي بِهِ لَا يَبْقَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا لُدّ إلّا عَمّي، فَلَقَدْ لُدّتْ مَيْمُونَةُ وَإِنّهَا لَصَائِمَةٌ لِقَسَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُقُوبَةً لَهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِهِ.
دُعَاءُ الرّسُولِ لِأُسَامَةَ بِالْإِشَارَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْد ٍ قَالَ: لَمّا ثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبَطْتُ وَهَبَطَ النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَا يَتَكَلّمُ فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ فَأَعْرِفُ أَنّهُ يَدْعُو لِي.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي عُبَيْد ُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ إنّ اللّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيّا حَتّى يُخَيّرْهُ. قَالَتْ فَلَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا وَهُوَ يَقُولُ بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ، قَالَتْ فَقُلْت: إذًا وَاَللّهِ لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْت أَنّهُ الّذِي كَانَ يَقُولُ لَنَا: إنّ نَبِيّا لَمْ يُقْبَضْ حَتّى يُخَيّرَ. (2: 651-652)
صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ
قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ. قَالَتْ قُلْت: يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ أَبَا بَكْر ٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ ضَعِيفُ الصّوْتِ كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ.
قَالَ مُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ. قَالَتْ فَعُدْت بِمِثْلِ قَوْلِي، فَقَالَ إنّكُنّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، فَمُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَرَفْت أَنّ النّاسَ لَا يُحِبّونَ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَأَنّ النّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ فِي كُلّ حَدَثٍ كَانَ فَكُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، قَالَ: لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ دَعَاهُ بَلَالٌ إلَى الصّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا مَنْ يُصَلّي بِالنّاسِ. قَالَ فَخَرَجْت فَإِذَا عُمَرُ فِي النّاسِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا; فَقُلْت: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلّ بِالنّاسِ قَالَ فَقَامَ فَلَمّا كَبّرَ سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مِجْهَرًا، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ.
قَالَ فَبُعِثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلّى عُمَرُ تِلْكَ الصّلَاةَ فَصَلّى بِالنّاسِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَمَعَةَ قَالَ لِي عُمَرُ: وَيْحَك، مَاذَا صَنَعْت بِي يَا بْنَ زَمَعَةَ وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت حِينَ أَمَرْتنِي إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَك بِذَلِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلّيْت بِالنّاسِ. قَالَ قُلْتُ وَاَللّهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ وَلَكِنّي حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْر ٍ رَأَيْتُك أَحَقّ مَنْ حَضَرَ بِالصّلَاةِ بِالنّاسِ. (2: 2: 252)
الْيَوْمُ الّذِي قَبَضَ اللّهُ فِيهِ نَبِيّهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنّهُ لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الّذِي قَبَضَ اللّهُ فِيهِ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ إلَى النّاسِ وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ فَرَفَعَ السّتْرَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يُفْتَتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ وَتَفَرّجُوا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُرُورًا لَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ قَالَ ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصّلَاةِ أَيْنَ أَبُو بَكْر ٍ؟ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ. فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَشُكّ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي، وَإِنْ أَتَرَكَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي.
فَعَرَفَ النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مَتّهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ إلَى الصّبْحِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلّي بِالنّاسِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفَرّجَ النّاسُ فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنّ النّاسَ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلّا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَكَصَ عَنْ مُصَلّاهُ فَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ظَهْرِهِ وَقَالَ صَلّ بِالنّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِهِ فَصَلّى قَاعِدًا عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَكَلّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ حَتّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ سُعّرَتْ النّارُ، وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا تَمَسّكُونِ عَلَيّ بِشَيْءِ إنّي لَمْ أُحِلّ إلّا مَا أَحَلّ الْقُرْآنُ وَلَمْ أُحَرّمْ إلّا مَا حَرّمَ الْقُرْآنُ.
قَالَ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي أَرَاك قَدْ أَصْبَحْتَ بِنِعْمَةِ مِنْ اللّهِ وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبّ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ أَفَآتِيهَا؟ قَالَ نَعَمْ ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ. (2: 652-654)
شَأْنُ الْعَبّاسِ وَعَلِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ يَوْمئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ عَلَى النّاسِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ النّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللّهِ بَارِئًا، قَالَ فَأَخَذَ الْعَبّاسُ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ يَا عَلِيّ، أَنْتَ وَاَللّهِ عَبْدُ الْعَصَا بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْت الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا كُنْت أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِينَا عَرَفْنَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا النّاسَ. قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيّ: إنّي وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ وَاَللّهِ لَئِنْ مُنِعْنَاهُ لَا يُؤْتِينَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ. فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (2: 654)
سِوَاكُ الرّسُولِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَة َ قَالَ قَالَتْ رَجَعَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ دَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي، فَدَخَلَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخَضَرَ. قَالَتْ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ فِي يَدِهِ نَظَرًا عَرَفْت أَنّهُ يُرِيدُهُ قَالَتْ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُحِبّ أَنْ أُعْطِيَك هَذَا السّوَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَأَخَذْته فَمَضَغْته لَهُ حَتّى لَيّنْته، ثُمّ أَعْطَيْته إيّاهُ قَالَتْ فَاسْتَنّ بِهِ كَأَشَدّ مَا رَأَيْته يَسْتَنّ بِسِوَاكٍ قَطّ، ثُمّ وَضَعَهُ وَوَجَدْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَثْقُلُ فِي حِجْرِي، فَذَهَبْت أَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا بَصَرُهُ قَدْ شَخَصَ وَهُوَ يَقُولُ بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ، قَالَتْ فَقُلْت: خُيّرْت فَاخْتَرْت وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ قَالَتْ وَقُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ سَمِعْت عَائِشَة َ تَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، ثُمّ وَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْت ألْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ وَأَضْرِبُ وَجْهِي. (2: 654-655)
مَقَالَةُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ، وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مَاتَ وَوَاللّهِ لَيَرْجِعَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَات.
قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْر ٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ ثُمّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللّهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا. قَالَ ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ أَنْصِتْ فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ. قَالَ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (آل عمران 144).
الباب الثالث عشر Early Islam الباب الثالث عشر