أم حبيبة
ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8: 96-100
أم حبيبة واسمها رمل بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس عمة عثمان بن عفان. تزوجها عبيد الله بن جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة حليف حرب بن أمية. فولدت له حبيبة، فكنيت بها. فتزوج حبيبة داود بن عروة بن مسعود الثقفي، وكان عبيد الله بن جحش هاجر بأم حبيبة معه إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فتنصر وارتد عن الإسلام، و توفي بأرض الحبشة. وثبتت أم حبيبة على دينها الإسلام وهجرتها وكانت قد خرجت بابنتها حبيبة بنت عبيد الله بن جحش معها في الهجرة إلى أرض الحبشة. ورجعت بها معها إلى مكة.
أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن جغفر عن عثمان بن محمد الأخنسي: أن أم حبيبة بنت أبي سفيان ولدت حبيبة ابنتها من عبيد الله بن جحش بمكة قبل أن تهاجر إلى أرض الحبشة. قال عبد الله بن جعفر وسمعت إسماعيل بن محمد بن سعد يقول: ولدتها بأرض الحبشة. قال محمد بن عمر فأخبرنا أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: خرجت من مكة وهي حامل بها فولجتها بأرض الحبشة.
أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة رأيت في النوم عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهه ففزعت، فقلت تغيرت والله حاله. فإذا هو يقول حيث أصبح يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها. ثم دخلت في دين محمد، ثم قد رجعت إلى النصرانية. فقلت والله ما خير لك. وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات. فأرى في النوم كأن آتياً يقول يا أم المؤمنين. ففزعت فأولتها أن رسول الله يتزوجني. قالت فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن. فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت علي فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله كتب إلي أن أزوجكه. فقالت بشرك الله بخير. قالت يقول لك الملك وكلي من يزوجك. فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سروراً بما بشرتها. فلما كان العشى أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا، فخطب النجاشي فقال الحمد لله الملك القدوس، السلام المهيمن المهيمن، العز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسوله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم. أما بعد فإن رسول الله كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان. فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله وقد أصدقتها أربع مائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد فقال الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان. فبارك الله رسول الله ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها. ثم أرادوا أن يقوموا. فقال اجلسوا، فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج. فدعا بطعام فأكلوا، ثم تفرقوا. قالت أم حبيبة فلما وصل إلي المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي، فهذه خمسون مثقالاً فخذيها فاستعيني بها. فأبت فأخرجت حقاً فيه كل ما كنت أعطيتها، فردته علي وقالت عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئاً، وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعت دين محمد رسول الله وأسلمت لله وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر. قالت فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير، فقدمت بذلك كله على النبي، فكان يراه علي وعندي فلا ينكره. ثم قالت أبرهة فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه. قالت ثم لطفت بي وكانت التي جهزتني. فكانت كلما دخلت علي تقول لا تنسي حاجتي إليك. قالت فلما قدمت على رسول الله أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة. فتبسم رسول الله وأقرأته منها السلام. فقال عليها السلام ورحمة الله وبركاته.
أخبرنا محمد بن عمر حدثنا إسحاق بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال بعث رسول الله عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فخطب عليه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت تحت عبيد الله بن جحش فزوجها إياه وأصدقها النجاشي من عنده عن رسول الله أربع مائة دينار. قال أبو جعفر فما نرى عند الملك بن مروان وقت صداق النساء أبرع مائة دينار إلا لذلك.
أخبرنا محمد بن عمر فحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قالا: كان الذي زوجها وخطب إليه النجاشي خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس. وذلك سنة سبع من الهجرة، وكان لها يوم قدم بها المدينة بضع وثلاثون سنة.
أخبرنا محمد بن عمر حدثني أبو سهيل عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن بن عباس في قوله عسى الله أن يجعل بينكن وبين الذين عاديتم منهم مودة، قال حين تزوج النبي أم حبيبة بنت أبي سفيان.
أخبرنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن عبد الله عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله وهو يريد غزو مكة، فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية، فلم يقبل عليه رسول الله، فقال فدخل على ابنته أم حبيبة. فلما ذهب ليجلس على فراش النبي طوته دونه. فقال يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ فقالت بل هو فراش رسول الله، وأنت امرؤ نجس مشرك. فقال يا بنية لقد أصابك بعدي شر.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا أبو شهاب عن بن أبي ليلى عن نافع عن صفية: أن أم حبيبة زوج النبي لما مات أبوها أبو سفيان دعت بطيب، فطلت به ذراعيها وعارضيها، ثم قالت إني كنت عن هذا لغنية لو لا أني سمعت رسول الله يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً.
أخبرنا الضحاك بن مخلد الشيباني أبو عاصم النبيل عن بن جريج قال أخبرنا بن شوال أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرته: أن رسول الله أمرها أن تنفر من جمع بليل. قال محمد بن عمر وأطعم رسول اله أم حبيبة بنت أبي سفيان بخيبر ثمانين وسقاً تمراً وعشرين وسقاً شعيراً.
أخبرنا محمد بن عمر حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عوف بن الحارث قال: سمعت عائشة تقول دعتني أم حبيبة زوج النبي عند موتها، فقالت قد كان يكون بيننا وبنين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. فقلت غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحللك من ذلك. فقالت سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك. وتوفيت سنة أربع وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان.