فلسفة العالم الإسلامي
الفلاسفة وأهم مواضيع كتابتهم

الباب الثاني
الله والعالم


2.1 وجود الله والخلق

2.1.1 الكندي: المبدأ الأول والحق

في كتابه الفلسفة الأولى، بعد مقدمة في معنى الفلسفة، يبدأ الكندي نقاشه بالافتراض أن كل زمن وكل حركة وكل جرم محدود ضرورياً. ومن هذه المسلمة يحتجّ لوجود مبدأ أول، يلزم أن يكون واحداً مطلقاً وتماماً، باختلاف كل مبدأ أخر.

ويعرض هذه الحجة أكثر إكمالاً وتبييناً في الرسالت في مائية ما لا يمكن أن يكون لا نهاية له وما الذي يقال لا نهاية، حيث الكندي يسبق حجة المتكلمين المتأخرين لوجود الله من الاستقالة المفروضة أن يكون العالم قديماً. وبينما المتكلمون أسسوا حجتهم في حدوث كل شيء، الكندي يأسس حجته في استحالة الوصول إلى الآن بعد مرور زمن ماض لا نهاية له: "وليس يمكن أن يكون زمان لا نهاية له في البدو، لأنه إن كان زمان لا نهاية له في البدو لم يتناه إلى زمن مفروض بتة."[1]

2.1.2 محمد الرازي

الرازي، لأنه أفلاطوني، لم يفرض أن العالم قديم، ولكن قال إنه مصنوع من مادة سابق الوجود، وهي قديمة. ولا دليل في الله ولا في المادة أن لخلق العالم بدء زمني، "والعلة في إحداث لاعالم أن النفس أشتهت أن تنجبل في هذا العالم وحركتها الشوهة لذلك ولم تعلم ما يلحقها من الوبال إذ تجبلت فيه واضطربت في إحداث العالم وحركت الهيولى حركات مضطربة مشوشة على غير نظام وعجزت عما أرادت. فرحمها البارئ جل وتعالى وأعانها على إحداث هذا العالم وحملها على النظام والاعتدال رحمة منه لها وعلماً أنها إذا ذاقت وبال ما اكتسبته عادت إلى عالمها وسكن اضطرابها وزالت شهوتها واستراحت. فأحدثت العالم بمعاونة البارئ لها. ولو لا ذلك لما قدرت على إحداثها ولو لا هذه العلة لما أُحدث العالم."[2]

2.1.3 ابن مسرة

في رسالة الاعتبار يبدأ ابن مسرة بالملاحظة أن طبيعة الماء ليست سبب صعوده في النبتة من الأسفل إلى الأعلى. من ثم يدور فكره إلى الأجرام السماوية ليجد سبب ذلك، ويضطر أن يرتقي فكره إلى نفوس الأجرام السماوية، وثم إلى عقولها، وأخيراً إلى الله ملك الكل.[3] ثم يصف ابن مسرة العالم المرتب، نازلاً من عرش الله إلى كرسيه، إلى فلك النفس أو الروح الحيواني المسخر للعقل الأعلى، وهذا لله.[4]

وكثيراً ما يتكلم ابن مسرة في أنواع الملائكة مختلفة، ثم في العقل الكلي والنفس الكبرى، الموظف على الوحي والأمر "كن" في العالم اللدني الذي يحيطه المكان الكلي والزمان الكلي.[5]

ويلاحظ ابن مسرة أن لا شيء تحت الله يقوم بنفسه ولكن يقوم بموجود أعلى غيره. ولكن يمكن أن يكون هذا الغير وسيطاً بينه وبين الله، "إذ كل أثر من تصريف وتأليف معلق بعضه، الأسفل بما فوقه منزلة حتى ينتهى إلى الأعلى الذي هو الحق الأقصى."[6]

ولأن الله غير محتوى في جنس، لا يمكن عرفانه إلا من آثاره.[7] وفي خواص الحروف يقول ابن مسرة أننا لم نطق أن نحيط الله علماً وإنما لدينا معرفة عامة أو مقارنة. وإن معرفة الله من ثلاث أنواع: الربورية (ما بعد الطبيعة)، والنبوة، وأخيراً بالمحنة في شرائعه والوعد والوعيد.[8] وأفضل الطريق لمعرفة الله هي التفكر في أسمائه وصفاته المذكورة في القرآن.[9] وهذه كثيرة، ولكن كل واحد منها يتضمن كل الأخرى. والتأمل في أسماء الله، وخاصة في اسمه الأعظم، ليس بطريق مخفي ولكنه طريق خصوصي إلى الحكمة.[10] وإن الله مكشوف ومخفي من مخلوقاته، كانت هي من الغيب أو من الشهادة.[11]

2.1.4 إسحاق بن سليمان الإسرائيلي

يعطي إسحاق بن سليمان حد الخلق: إنه إيجاد الأشياء من العدم. ومن ثم يحدد العدم كسلب ما، ولكن ليس له فكر واضح في ماهية السلب.

2.1.5 الفارابي والحجة من الإمكانية

عندما يتكلم الفارابي في الله يجانب دائماً تقريباً اسم "الله".[12] ويجانب كذالك العبارة المشهورة لابن سينا والمتكلمين المتأخرين الأشاعرة، "واجب الوجود". ولكن يبدأ من "الموجود الأول".[13] وفي مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة والسياسة المدنية، عوض أن يحاول أن يبرهن وجود مثل هذه الحقيقة، لا يفعل إلا عرض شكل العالم البلوطيني، مع كل شيء فائض عن الموجود الأول الواجب الوجود. وفي التعليقات، يقول: "ونحن نعرف في الأول، أنه واجب الوجود بذاته معرفة أولية من غير اكتساب."[14]

وبرغم ذلك، في فلسفة أرسطوطاليس يكرر حجة أرسطو لوجود محرك أول.[15] وفي بداية زينون الكبير اليوناني وفي الدعاوي القلبية، يسرد حجة الإمكانية:

إن كان كل شيء في عالم الكون والفساد مما لم يكن فكان قبل الكون ممكن الوجود إذ لو كان ممتنع الوجود لما وجد، ولو كان واجب الوجود لكان لم يزل ولا يزال موجودا. وممكن الوجود يحتاج في الوجود إلى علة بخرجه من العدم إلى الوجود فكل ما له وجود لا عن ذاته فهو ممكن الوجود، وكل ممكن الوجود فوجوده عن غيره، وذلك الغير إن كان ممكن الوجود فالكلام فيه كالكلام فيما نتكلم فيه، فلا بدّ وإن يكون وجود ما هو ممكن الوجود يستند إلى الواجب الوجود بذاته.[16]

أما بالنسبة لوحدة الله، فالفارابي، مع كل المسلمين، يقول إن الله واحد، ليس له منافس ولا نقيض.[17] ولكن يصر على بساطة الله، قائلاً إنه غير متجزأ على الإطلاق، "وكذلك ليس يحتاج في أن يكون عقلاً وعاقلاً إلى ذات أخرى وشيء آخر يسفيده من خارج بل يكون عقلاً وعاقلاً بأن يعقل ذاته. فإن الذات التي تَعقِل هي التي تُعقَل."[18] وهذا الموقف ينفي ضمنياً موقف الأشاعرة أن ذات الله مباينة عن صفاته. ولكن الفارابي في هذه المسألة وأخرى إنما يشرح المبادئ دونما يستنبط النتيجة.

والأول هو الذي عنه وجد. ومتى وجد للأول الوجود الذي هو له، لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره، على ما هي عليه من الوجود الذي بعضه مشاهد بالحس وبعضه معلوم بالبرهان. ووجود ما يوجد عنه إنما هو على جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر، وعلى أن وجود غيره فائض عن وجوده هو. فعلى هذه الجهة لا يكون وجود ما يوجد عنه سبباً له بوجه من الوجوه، ولا على أنه غاية لوجود الأول... فالأول ليس وجوده لأجل غيره، ولا يوجد بغيره، حتى يكون الغرض من وجوده أن يوجد سائر الأشياء، فيكون لوجوده سبب خارج عنه، فلا يكون أولاً، ولا أيضاً بإعطائه ما سواه الوجود ينال كمالاً لم يكن له قبل ذلك خارجاً عما هو عليه من الكمال.[19]

وإذا كان الخلق ضرورياً فيتبع أن العالم أزلي، ولكن الفارابي يتخاشي من استنباط هذه النتيجة، إلا في بعض مقالاته الصغرى.[20] أما في مقارنة آراء أفلاطون وأرسطو فيناقش المسألة بكل وجوهها ، ولكن يختتم بموقف مبهم، مشيراً القارئ إلى الأصول الموحاة. ولا بد أنه كان يتخذ موقف الحذر السياسي.[21]

أما بنسبة لكيفية الخلق، فالفارابي يأخذ المبدأ الفلوطيني أن الواحد لا يقدر إلا أن ينجز شيئأ واحداً:

لا يصدر عن الواحد إلا واحد، وإن صدر عن واحد اثنان مختلفان في الحقائق لم يكن حقيقة العلة واحدة محضة يعرفه من له أدنى تأمل. وسمعت معلمي أرسطاطاليس أنه قال إذا صدر عن واحد حقيقي اثنان لا يخلو إما أن يكونا مختلفين في الحقائق أو متفقين في جميع الأشياء، فإن كانا متفقين لم يكونا اثنين، وإن كانا مختلفين لم تكن العلة واحدة.[22]

وهكذا إن المبدأ الأول لا يخلق مباشرة إلا العقل الأعلى للعالم:

فصدر عنه عقل له إمكان وجود من ذاته ووجوب وجود من غيره، وهو الاثنينية لهذا الطريق، وذلك الثاني عقل الأول وعقل ذاته. وبعقله الأول وجب عنه إشراق، وبعقله نفسه صدر عنه صورة لها تعلق بالمادة ونفس الفلك...

ثم عقل المبدَع الأول الذي علامته "ب" ذاته كما ذكرنا، وذات مبدِعه، فحصل منه عقل بتعقله المبدع الأول، ونفس فلك بتعقله ذاته.   وذاته ليست واحدة بل لها جهة عرضت، أما الوجود عن الأول تبارك وتعالى فإنه عقل مبدعه واحدا حقيحيا وعقل ذاته بهيئة لها وجود.

ثم عقل العقل الثالث الذي علامته "ج" المبدع الأول تعالى وذاته فحصل منه عقل ونفس الفلك الذي فيه الثوابت وجرم الفلك. وليس العجب أن العقل الثاني عقل شأن خالقه وذ1ته فحصل منه ثلثة أشياء وسائر العقول يعقلون أشياء وليس يصدر منهم أيضا ثالثة أشياء، بل العجب ممن لم يعرف كيفية صدور هذه الأشياء على وجه عقلي سبي ومسبي، وبذلك تلتفت ههما إلى أن الكلي الموجب لا ينعكس مثل نفسه حتى يسهل ذلك عليك بأدنى تأمل.

ثم عقل العقل الرابع الذي علامته "د" الأول والثاني والثالث فحصل منه عقل علامته "ه" ونفس علامتها "ح"، وهو فلك زحل، وجرم الفلك حتى انتهى ذلك إلى العقل الفعّال الذي يقال له معطي الصور. وهو يعقل الأول على الدوام ويعقل ما دون الأول على الدوام، وجب عنه الصور، والنفوس الفلكية تعاضده بأن يهيئ للقبول منه أسبابا كما أن الطبيب لا يعطي الصحة بل يهيئ لقبول الصحة أسبابا.[23]

والحسم السماوي فإن جوهره وطبيعته وفعله أن يلزم عنه أولآً وجود المادة الأولى. ثم من بعد ذلك يعطي المادة الأولى كل ما في طبيعتها وإمكانها واستعدادها أن يقبل من الصور كائنة ما كانت. والعقل الفعال معد بطبيعته وجوهره أن ينظر في كل ما وطأه الجسم السماوي وأعطاه.[24]

وأجسام هذا العالم "فيرهن أنها متفاضل في الكمال، ثم يرهن أنا على كثرتها ترتقي من عند أنقصها إلى الأكمل فالأكمل، إلى أن تنتهي في آخر ذلك إلى كامل ما لا يمكن أن يكون شيء هو أكمل منه."[25] وبرغم أقوال مثل "إنه الموجود الأول الذي أفاد كل واحد سواه الوجود"،[26] إن خلق الأشياء وحفظها ليست عمل الله المباشر، ولكن يصدر كل شيء عنه بواسطة العقل الأول والعقول السماوية الأخرى.

2.1.6 مسنكويه

في الفوز الأصغر، يبرهم مسكويه وجود الله، بعرض حجة أن "كل متحرك فإنما يتحرك من محرك غيره." ثم ثبين هذا المبدأ بالاستقراء، ويلاحظ أيضاً "أن والوجود في جميع الأشياء بالعرض، وهو في املدع الأول بالذات." وبالنسبة للحركة الطبيعية يقول، كما زعم ابن سينا: "فإن كانت حركته طبيعية فالطبيعة هي التي تحركه."[27] مثل ذلك "أن الأجرام السمائية إنما كانت متحركة لأن محركها غيرها. كذلك أبداً في الحيوان: تحركها من غيرها وهي الأنفس."[28]

على كل حال، إن معرفتنا لله سلبية أكثر منها إيجابي: "واعلم أن جميع ما يطلق عليه من صفات مبدعاته وأسمائها، كقولنا: سبب وعلة وحكيم وجواد وما أشبه ذلك مما في طاقة اللسان وقدرة البشر، إنما هو مستعار ومجاز، لأنه تعالى وتقدس موجد هذه الفضائل كلها ومبدعها وهو غيرها، وهذا غاية ما يمكن بلوغه بالعقل."[29] "وقد استبان أيضاً بما ذكرنا أن الأشياء تنقسم في ثلاثة أقسام: إما أن يكون الشيء هيولي مع صورة فتكون آنية صورته هيولانية، وإما أن يكون الشيء صورة فقط فتكون آنية صورته لا هيولانية، وإأما أن يكون الشيء آنية فقط فيكون آنية غير هيولانية وغير صورية وهو العلة الأولى التي ليس فوقها علة أخرى.[30]

في مقالة في النفس والعقل، بعد بيان السببية الآلية، مسكويه يعرض الله كالعلة غير المعلولة لسلسلة الأسباب.[31] ومن ثم يصر أن معرفة وجود الله من جنس القضايا الأولى التي لا تحتاج إلى برهان، ويقتسب بعض الأئمة قائلاً: "إن الله لا يُرف بشيء وإنما تُعرف الأشياء كلها به."[32] بعد ذلك يبين مراحل الحكيم في السمو إلى الإله: وعلاجه "أن يفطم الإنسان فطاماً عن هذه الحواس بالتدريج أولاً أولاً بأن يصرف عنها إلى التعاليم الأربعة، ثم منها إلى ما هو أخفى منها وأبعد من الوهم قليلاً، وهو الطبيعة والأمور اللائقة بها، ثم منها إلى ما هو أخفى منها قليلاً من الأشياء التي بعد اطبيعة، ثم منها إلى الأمور الإلهية، ثم منها إلى الإله الأول مبدع الأشياء كلها من المعقولات والمحسوسات. ولا سبيل إلى الوصل إلى هذه الرتبة إلا من هذه الطريقة، بوجود سبب.[33]

ويقبل المبدأ أن من واحد لا يصدر إلا واحد، ولذلك يفترض أن المخلوق الأول هو العقل الفعال، وبواسطة هذا يخلق الله جرم الفلك الأول ونفسه.[34] وإنه يجدر بالذكر أن مسكويه يسبق ابن سينا بعرض الله كواجب الوجود، قائلاً:

كنا بينا أن الوجود في جميع الأشياء بالعرض وأنه للباري سبحانه وتعالى بالذات... فقد وضح أن مراتب الموجودات كلها إنما حصلت على ما هي عليه بالله تعالى، وأن وجوده الفايض وقوته السارية هو الذي يحفظ نظام العالم كله. ولو توهم متوهم أن الباري سبحانه قد أمسك عن هذا الفيض والوجود، لما وجد شيء من العالم ولعدم كله والوقت والحال.[35]

وفيما يهم قدم العالم، يأكد مسكويه أن الله خلق كل شيء من العدم، ولكن يعتقد أن هذا صحيح في كل التغير. "إذا الحيوان يكون من مني، والمني... يكون من الدم، والدم من الغذاء، والغذاء من النبات، والنبات من الاستقصات، والاستقصات من البسائط، والبسائط من الهيولى والصورة، والهيولى والصورة ملا كانتا أول الموجودات ولم يصح وجود أحدهما خلواً من الآخر لم ينحلا إلى شيء موجود بل إلى العدم. فيكون وجودهما لا عن شيء."[36]

وإن استعمال مسكويه للمصطلح "العدم"، وهو ترجمة الكلمة στέρησις لأرسطو، يطبق سواءً على "لا شيء" تماماً أو على عدم ما في موضوع. وفي مقالة في النفس إن كلامه أوضح:

الأول بالإطلاق هو الذي نعني بقولنا الأزلي. وقد بان بتبيان ذلك أن الشيء الذي لم يزل لا يجوز أن يكون مركباً ولا متكثراً بنحو من أنحاء الكثرة، لأن الكثرة متركبة من آحاد... فقد وجب بالضرورة أن يكون ذات العالم مركباً فله بسائط وبسائطه متقدمة له ويحتاج لأجل ذلك إلى مركب اضطراراً.[37]

2.1.7 ابن سينا

الحجة من الإمكانية

الطبيعيون توصلوا إلى إثبات المحرك الأول بما بينوا به من وجوب قوة غير جسمانية غير متناهية محرك الفلك وارتقوا إليه من الطبيعة. والإلهيون سلكوا غير هذا مسلك وتوصلوا إلى إثباته من وجوب الوجود وأنه يجب أن يكون واحداً لا يتكثر ويبينوا أن الموجودات صادرة عنه وأنها من لوازم ذاته.[38]

وإن هذا المسلك يقترب من المسلك الثالث لتوما الأكويني لتبرهن وجود الله. "ولو كان يعرف حقيقة الأول لكان وجوب الوجود شرح اسم تلك الحقيقة."[39] ثم يطور ابن سينا بكل الوضاحة الفرق بين واجب الوجود والممكنات، وهذا ليبين الفرق بين الله وكل شيء أخر، وكذلك وحدة الله.[40] وبداية الرسالة العرشية يسرد هذا التفريق:

اعلم أن الموجود إما أن يكون له سبب في وجوده أو لا سبب له، فإن كان له سبب فهو الممكن سواء كان قبل الوجود إذا فرضناه في الذهن أو في حالة الوجود لأن ما يمكن وجوده فدخوله في الوجود لا يزيل عنه إمكان الوجود. وإن لم يكن له سبب في وجوده بوجه من الوجوه فهو واجب الوجود.[41]

في التعليقات يأكد ابن سينا أن هذا التفريق هو المسلك الصحيح لإثبات وجود الله. ويرفض مسلك الأشاعرة قائلاً:

قوم من أصحاب النظر سلكوا الطريق إلى معرفة الأول من المعلومات فقالوا: إن الأجسام لا تنفك عن الأعراض، والأعراض محدثة. وقالوا: كل جسم محدث ولا يصح أن يكون الأول جسماً، وهذه الحجة مع اختلالها وفساد مقدماتها غير مرتضاة في معرفة الحقيقة في ذلك من حيث السلوك.[42]

وفي الشفاء يأسس التفريق بين الذات وبين الوجود على التمييز الفعلي بين الذات والإنية: "ونقول إن كل ما له ماهية غير الإنية فهو معلول، وذلك لأنك علمت أن الإنية والوجود لا يقوم من الماهية التي هي خارجة عن الإنية مقام الأمر المقوم، فيكون من اللوازم... فبقي أن يكون الوجود لها عن علة، فكل ذي ماهية معلول، وسائر الأشياء غير الواجب الوجود فلها ماهيات، وتلك الماهيات هي التي بأنفسها ممكنة الوجود، وإنما يعرض لها وجود من خارج."[43] أما في فصوص الحكمة، فيأسس تفريقهما على التمييز بين الماهية (المجردة عن الأفراد) والهوية (الفردية)

الأمور الموجودة قبلنا لكل منها ماهية وهوية. وليس ماهيته هويته ولا داخلة في هويته. ولو كانت هاهية الإنسان هويته لكان تصورك لماهية الإنسان تصوراً لهويته فكنت إذاً تصورت ما الإنسان تصورت هو الإنسان، فعلمت وجوده، ولكان كل تصور يستدعي تصديقاً.[44]

وهذا التمييز يكفي لتباين الله عن المخلوقات التي يتعدد في جنس، ولكن لا يكفي للتباين بينه وبين المخلوقات الروحية، التي — كما يلاحظ توما الأكويني — ذاتها وفرديتها لا تفترقان.

التعليقات تقرق بين الموجودات التي هي ممكنة الوجود، ولكن لا يرى أسس الإمكان في التمييز بين ماهية العقول وإنيتها (أو بين ذاتها ووجودها):

إلا منها ما إمكان وجوده في غيره، ومثل ذلك يتقدم وجوده بالفعل وجودَه بالقوة، وهي الممكنة الوجود على الإطلاق والكائنة. ومنها ما إمكان وجوده في ذاته، وهو الذي لا إمكان وجوده معه ولم. يتقدم وجودَه بالفعل وجوده بالقوة وهي العقول وسائر المبدعات، وإنما يقال فيها إنها ممكنة الوجود بمعنى أن تعلق وجودها لا بذاتها بل بموجدها، فهي بالإضافة إليه موجودة، وباعتبارها في ذواتها غير موجودة.[45]

في تفسير آية النور يبين ابن سينا نتائج قيام المخلوقات بغيرها:

كل ممكن من الممكنات الموجودة، وكل ذرة من الذرات الموجودة، منوّرة موجودة بنور وجوده تعالى لا بالانفصال شيء من الوجود عنه تعالى كما توهم، وهو زيغ وضلال، بل بارتباطه إلى ذاته تعالى. ولهذا لو ابفك في آن من الآنات ممكن موجود عن هذا الارتباط لانعدم كما تشاهد بعض انعدام الاشياء في مرأى العين.[46]

وكختام هذه الحجة يقول ابن سينا في التعليقات:

الأول كله فعل محض، وهو واجب الوجود بذاته أي في وجوده فلا تعلق له بشيء، وليس فيه قوة ألبتة يقبل بها تأثيراَ عن شيء.[47]

ولكن يلزم أن نعي أن التفرقى بين الذات وبين الوجود في المخلوقات، كما يعرضه ابن سينا، ليست عين التفرقة التي يقترحها توما الأكويني، الذي يشرح أن نسبة الذات إلى الوجود هي نسبة اللقوة إلى الفعل. وابن سينا ينفي إمكانية الذات مجردة عن الفعل، على المستوى المنطقي محض إذا لم يكن لها أي تناقض داخلي، ولكنه يقول إنها يلزم أن تكون في موضوع موجود (قديم) مثل المادة أو جوهر العقول المفارقة التي هي دائماً بالفعل. وبالنسبة إلى هذه يقول:

وبالجملة إن لم يكن إمكان وجوده حاصلا كان غير ممكن الوجود ممتنعا، وإذ هو حاصل موجود قائم بذاته — &1603;ما فرض — فهو موجود جوهراً، وإذ هو جوهر فله ماهية ليس لها من المضاف إذ كان الجوهر ليس بمضاف الذات، بل يعرض له المضاف فيكون لهذا القائم بذاته وجود أكثر من إمكان وجوده الذي هو به مضاف.[48]

فنقول بالجملة: إن كل حادث بعد ما لم يكن فله لا محالة مادة، لأن كل كائن يحتاج إلى أن يكون — قبل كونه — ممكن الوجود في نفسه، فإنه إن كان ممتنع الوجود في نفسه لم يكن ألبتة. وليس إمكان وجوده هو أن الفاعل قادر عليه، بل الفاعل لا يقدر عليه إذا لم يكن هو في نفسه ممكناً.[49]

أما نسبة الوجود إلى الذات، فيقول ابن سينا صراحاً: "فالوجود والهوية، لما بيّنّا من الموجودات، ليس من جملة المقوّمات فهو من جملة العوارض اللازمة وليس من جملة اللواحق بعد الماهية."[50]

وبسبب مثل هذه النصوص إن ابن رشد وتوما الأكويني ينتقدان ابن سينا على القول بأن الوجود عارض.

الحجة من الحركة

كما رأينا، "الطبيعيون توصلوا إلى إثبات المحرك الأول بما بينوا به من وجوب قوة غير جسمانية غير متناهية تحرك الفلك وارتقوا إليه من الطبيعة."[51] وهذا هو المسلك الأول لتوما الأكويني لإثبات وجود الله. وهكذا يصل إلى "المحرك الأول" و"المبدأ الأول"[52]

في كتاب الشفاء المناسب لهذه المسألة، يقول: "ولاستحالة وجود أجسام بلانهاية، يستحيل أن تكو متحركات معاً بلانهاية، فيستحيل أن يكون لك محرك تمحركاً، فينتي الأمر إلى محرك لا يتحرك وإلى أول ححرك متحرك."[53] ويقول هذا بدون أية إشارة إلى الله.

الحجة من درجات الكمال

والحجة المطابقة للمسلك الرابع لتونا الأكويني نجدها في التعليقات حيث يقارن ابن سينا الطبيعيات والنفسيات والمعقولات، يظهر أن جميعها محدودة القوة والقدرة متناهية الفعل، ولذلك تعتمد على الذات الكاملة التي هي سبب لكمالات كل الموجود.[54]

الحجة من السببية

تعرض التقليقات أيضاً المسلك الثايي لتوما الأكويني بجوهره: "إذا كان معلول أخير مطلقاً، أي لا يكون علة ألبتة، وعلة لذلك المعلول، لكن لا بد لها من علة أخرى، تكون هذه العلة في حكم الواسطة سواء كانت متناهية أو غير متناهية، فلا يصح وجودها ما لم يعرض طرف غير معلول البتة. والعلة يجب أن توجد موجودة مع المعلول، فإن العلل التي لا توجد مع المعلولات ليست عللاً بالحقيقة بل هي معدّات أو معينات."[55] وهذه الحجة، مثل حالها عند توما الأكويني، ليست بحجة مستقلة، بل قد يطبق سواءً على الحركة وعلى الوجود.

الحجة من الهوية المفردة للأشياء

في كلمات الصوفية يعرض ابن سينا الحجة أن الأجسام متعددة بافتراق الهيئة. "فتحتاج إلى تخصصات لها. ولو اقتضتها ماهية الجرمية لاتفقت، فلا بد منها أيضاً من مقيد ليس بجسم ولا جسماني، وهذا يدلك على وجود الصانع.[56]

وحدة الله وبساطته

يعرض ابن سينا الحجج العادية ليظهر أن واجب الوجود لا يمكنه أن يكون متعدداً.[57]

وفي ما يمت إلى بساطة الله، لا يتردد ابن سينا أن يأخذ صراحة الموفق المفز للأشاعرة أنه لا فرقاً واقيياً بين الله وبين صفاته وبين صفة وأخرى.[58] ويرفض موقف الأشاعرة قائلاً:

وبهذا يظهر أن صفاته لا تكون زائدة على ذاته لأنها لو كانت زائدة على ذاته لكانت الصفات بالنسبة إلى الذات بالقوة وتكون الذات سبب تلك الصفات... فإن قيل أن صفته ليست زائدة على الذات بل هي داخلة في تقويم الذات والذات لا يتصور وجودها دون تلك الصفات فتكون الذات مركبة فتنخرم الوحدة.[59]

وإن بساطة الله يحرم منه ماهية أو جوهر. فلا يمكن إثبات له تعالى إلا الإنية وأنه شخص: "إن الأول لا ماهية له غير الإنية، وقد عرفت معنى الماهية، وبماذا تفارق الإنية فيما تفارقه.[60]

ولكن في مناقشة معنى الوحدة، ينتج ابن سينا صراحاً: "فبيّن أن الوحدة حقيقتها معنى عرضي ومن جملة اللوازم للأشياء."[61] ولو كانت الوحدة عرضاً، لكانت الوحدة عرضاً زائداً على ذات الله ولكانت ذته مركبة، كما يلاحظ ابن رشد: "ومن هنا غلط ابن سينا، فظن أن الواحد معنى زائد على الشيء."[62] وجذر غلط ابن سينا، كما يقول توما الأكوين، أنه أدمج الوحدة التي هي ترادف اوجود في الوحدة الكمية التي هي مبدأ العدد.[63]

الخلق

في مسألة الخلق ابن سينا يحفظ رأي أفلاطين والفارابي أن الواحد الأول لا يطيق إلا خلق شيء واحد.[64] ومن العقل الذي هو المخلوق الأول، يفيض سائر العقول ونفوس الأجرام السماوية وسائر الخلق المادي[65] وكذلك إن الله خالق غير مباشر لكل الأشياء ما عدا العقل الأول.

وفي تنسيق العالم يتعب ابن سينا الفارابي بأن العقل الأول يخلق جرم الفلك الأول ونفسه وعقلاً ثانياً متكلفاً بالفلك التالي. وينزل هذا الفيض بالترتيب نفسه حتى فلك القمر.[66] وفي عرش الله المذكور كثيراً في القرآن، يقول: "إن الكلام المستفيض في الشرائع أن الله تعالى على القرش، ومن أوضاعه أن العرش نهاية الموجودات المبدعة الجسمانية. وتدعي المشبهة من المتشرعين أن الله تعالى على العرش على سبيل حلول هذا. وأما في الكلام الفلسفي فإنهم جعلوا نهاية الموجودات الجسمانية الفلك التاسع الذي هو فلك الأفلاك. ويذكرون أن الله تعالى هناك وعليه، لا على سبيل حلول، كما بين أرسطاطاليس في آخر كتاب سماع الكيان."[67]

وابن سينا هو الذي أدخل في الفلسفة العربية فكرة الخلق من العدم: "فإن علمه علة لوجود الشيء الذي يعلمه، وعلمه للأشياء ليس بعلم زماني، وهو علة لوجود جميع الأشياء، وبمعنى أنه يعطيها الوجود الأبدي ويدفع عنها العدم مطلقاً، لا بمعنى أنه يعطيها وجوداً مجرداً بعد كونها معدومة. وهو علة المبدع الأول، والإبداع هو حفظ إدامة وجود الشيء الذي ليس وجوده لذاته إدامة لا يتصل بشء من العلل غير ذات المبدع. ونسبة جميع الأشياء إليه من حيث أنه مبدعها أو هو الذي ليس بينه وبين مبدعها واسطة، وبوساطته تكون علة الأشياء الأخر، نسبة واحدة وهو الذي ليس لأفعاله لِمَية، ولا يفعل ما يفعله لشيء آخر."[68] وهذه الفكرة لا تناقض اقتراح عالم قديم وجوده يفيض دائماً عن الله. وعلى هذا كانت الأجرام السماوية تتحرك من الأزل وكذلك كان الزمان قديماً: "فيصير الجسم والحركة الكلية وجميع الأمور التي لا يخلو عن الزمان ولا يخلو عنها الزمان قديمة، وإن كان لوجودها مبدأ."[69] "وما بنى الجاحدون عليه كلامهم. في وجوب نهاية الحركات، إنما هي اجتماع حركات معدومة، واجتماعها محال، فلا كل لها في الوجود، وحال ماضيها كحال مستقبلها، فبطل معتصمهم."[70]

وعليه يعزم ابن سينا أن الخلق ضروري لله: "وتحقيق هذا أن الذات إذا لم يصدر منه شيء وبقي على ما كان، فلا يصدر عنه إذاً، وإذا صدر فلا بد من تغير لذاته بحدوث إرادة أو طبع أو شيء مما يشبه هذا، وهذا محال."[71] وبناءً على أن إرادة الله غير متغيرة، يرفض موقف المعتزلة أن قدرة الله هي إمكان إرادته أن يعمل شيئاً.[72] ويجانب ابن سينا الاعتراض أن أشياء جديدة. تحدث دائماً، وهذا يحتاج إلى خلق جديد، بالقول إن الله لا يخلق إلا شيئاً واحداً، العقل الأول: "البارئ أحدي الذات، وفعله أحدي الذات ليس لداع ولا قصد، فلا شيء يحصل فيه يوجب اثنينية أو كثرة. وصدور الفعل عنه على سبيل اللزوم. ولا يصح أن يصدر عنه شيء على سبيل اللزوم إلا واحداً. فإنّ لازم الواحد واحد. ولا بد من أن تكون ههنا كثرة، فيجب بالضرورة أن تكون الكثرة في اللازم عنه. ولا كثرة في العقل الأول اللازم عنه إلا على وجه التثليث المذكور، وهو أنه بما يعقل الأول يلزم عنه عقل، وبما يعقل من ذاته يلزم عنه فلك."[73]

وفي آخر كلمات الصوفية، في فصل يرد على الملاحدة،. نجد قولاً يثبت حدوث العالم: "لما دريت أن العالم محتاج إلى صانع، وأنه ممكن الوجود مفتقر إلى موجد، فلا يتصور أن يكون قديماً، إذ ليس القديم إلا واجب الوجود تعالى وتقدس."[74] فإن هذا النص تعارض ما قال ابن سينا في كل نصوصه الأخرى في هذا الموضوع. أما في رسالة في الحدود يقول إن القديم يقال على وجهين، بحسب الزمان، وبحسب الذات: "وأما القديم بحسب الذات فهو الشيء الذي ليس لوجود ذاته مبدأ به وجب. فالقديم بحسب الزمان هو الذي ليس له مبدأ زماني، والقديم بحسب الذات هو الذي ليس له مبدأ يتعلق به وهو الواحد الحق."[75]

وكذلك يميز الإحداث: "ومعنى الإحداث الزماني إيجاد شيء بعد ما لم يكن له وجود في زمان سابق، ومعنى الإحداث الغير الزماني هو إفادة الشيء وجوداً وليس له في ذاته ذلك الوجود لا بحسب زمان دون زمان بل في كل زمان كلا الأمرين."[76]

وكذلك ينقد المعتزلة الذين يعزون لله إحداث الأشياء ولا إيجادها المستمر، أما كلاهما فيحتاجان إلى علة: "والوجود من حيث هو وجود يتعلق بالفاعل، لا من حيث هو حدوث. فلذلك كلما عدم الفاعل عدم معه الوجود، ومعنى الحدوث هو وجود بعد ما لم يكن."[77]

وكما كان الله الأول ومبدع كل شيء، كذلك هو الغاية والمنتهى في كل ما يصدر عنه. وإن المخلوقات ليست بأغراضه، بل إن "صدور الفعل عنه على سبيل اللزوم، ولا يصح أن يصدر عنه شيء على سبيل اللزوم إلا واحداً."[78] وإن تعلق الأشياء على الله لا يضمن ضرورية في الله، لأن وجودها يصدر عن علمه، وليست نتيجة طبيعية.[79] ولكن يفضل ابن سينا مصطلح الفيض: "إنما يستعمل في الباري والعقول لا غير، لأنه لما كان صدور الموجودات عنه على سبيل اللزوم لا لإرادة تابعة لعرض بل لذاته، وكان صدورها عنه دائماً بلا منع ولا كلفة تلحقه في ذلك، كان الأولى به أن يسمى فيضاً."[80]

كما رأينا، ابن سينا يعترف السببية الثانوية أو الطبيعية، مع المبدأ ان كل حركة تحتاج إلى محرك. ويتبع أرسطو في قوله أن جزء البدن الحي يحرّك جزءً أخر، وفي الحركة الطبيعية للأشياء غير الحية، مثل سقوط الثقيل، إن "واهب الصورة" الذي أحدث الشيء هو المحرك. ولكن من جانبه يزيد ابن سينا أن هذا المحرك يحرك بواسطة صورة الشيء، وهي العلة الفاعلة المباشرة. "والصورة محركة بذاتها بلا واسطة."[81] ولكن عزو السببية الفاعلية للصورة هذا لم يقبله ابن رشد ولا توما الأكويني.

2.1.8 ابن جبير (Gabirol)

بحسب الفكر الأفلوطيني لابن جبير، إن معرفة الإنسان لله والروحانيات أخرى تحصل من التجرد التدريجي لما بعد الطبيعة عن الطبيعيات.[82] وإن خلق الله الأول هو الكلمة (λόγος)، المسماة عادة الإرادة (רץון)، التي لا أول ولا آخر لها (דהרי)، ويتبعها العقل، الذي له بداية ولا نهاية.، ثم النفس الكلية، ثم المادة الكلية. وإن كل شيء ما عدا الله، حتى الإرادة والعقل، مركب من المادة، ولكن في الأشياء السفلى هي أكثر كثيفة وثقيلة. وتميز الأشياء في درجات القيمة يحصل من الصورة. أما المركبات فعندها صور جوهرية عديدة، وأكثرها تأسيساً هي صورة البدن.[83]

إن تحديد الإرادة مستحيلة، ولكن يقدر أن يوصف. إنه طاقة الله يفعل المادة والصورة وتجمعهما. وتتخلل كل شيء من الأعلى إلى الأسفل، مثل كيف النفس تتخلل البدن وتنتشر فيه. وتحرك كل شيء ويقوده.[84]

وإن الإرادة مثل كاتب، والصورة مثل كتابته، والمادة التي تعضد الكتابة مثل اللوح أو القرطاس.[85]

واختلاف الصورة يحصل من استعداد المادة لقبولها. ونسبة المادة إلى الصورة هي نسبة الجوهر إلى الصفة. وقوة المادة ليست إلا طاقتها لقبول صورة من الإرادة.[86]

2.1.9 ابن باجة

ابن باجة يعرض الله كمحرك الأول للعالم، برغ أنه يعترف بعدد من المحركات، كل منها في ميدان محدود، مثل أنفس الحيوانات التي تحرك أبدانها عبر آلية القوات الطبيعية. وكذلك يحفظ ابن باجة فكرة ابن سينا أن الصورة هي محركة المادة.[87]

وفي مقالته في ما بعد الطبيعة، خادم الدولة المتحذر هذا لا يثبت ولا ينفي قدم الحركة والعالم. وفي نقاش في معنى الاتصال يذكر: "وكما يقال إن عدم العالم كان متصلاً إلى ما لا نهاية له قبل أن يخلق الله العالم."[88] ولكن في شروح أرسطو يتبع معلمه في هذه المسألة بلا تساؤل.[89]

2.1.10 ابن طفيل

بعد تعلمه العلم الطبيعي والتمييز بين العلة المادية والعلة الصورية، يلتفت حي بن يقظان إلى العلة الفاعلة.[90] ويرى كل العالم كحيوان وحيد، معدته عالم الكون والفساد. ويجد صعوبة في حل المسألة هل للعالم بداية أم لا، وعلى كل حال يحتاج إلى فاعل. وإن كانت له بداية فوجود الفاعل واضح، ولكن إن كان قديماً (والحجج لهذا أرجح) يحتاج إلى محرك قديم غير متحرك.[91] ثم ينظر إلى جمالة العالم وهذه تصبح حجة التنسيق. ويختتم القسم ببعض الملاحظات في اللاهوت السلبي:

ثم إنه منها نظر شيئاً من الموجودات له حسن أو بهاء أو كمال أو قوة أو فضيلة من الفضائل — أي فضيلة كانت — تفكر وعلم أنها من فيض ذلك الفاعل المختار — جل جلاله — ومن جوده ومن فعله، فعلم أن الذي هو في ذاته أعظم منها وأكمل وأتم وأحسن وأبهى وأجمل وأدوم، وأنه لا نسبة لهذه إلى تلك. فما زال يتتبع صفات الكمال كلها، فيراها له وصادرة عنه، ويرى أنه أحق بها من كل ما يوصف بها دونه.

وتتبع صفات النقص كلها فرآه بريئاً منها ومنزهاً عنها. وكيف لا يكون بريئاً منها وليس معنى النقص إلا العدم المحض، أو ما يتعلق بالعدم؟ وكيف يكون العدم تعلق أو تلبس بمن هو الموجود المحض الواجب الوجود بذاته، المعطي لكل ذي وجود وجوده، فلا وجود إلا هو: فهو الوجود، وهو الكمال، وهو التمام، وهو الحسن، وهو البهاء، وهو القدرة، وهو العلم، وهو هو و"كل شيء هالك إلا وجهه" (إبراهيم، 48).[92]

ثم جعل ينظر في صفات الله. وفد كان تبين له أن صفات الثبوت، كالعل والقدرة والكحمة، "لا تتكثر ذاته بهذه الصفات الثبوتية، ثم ترجع كلها إلى معنى واحد هي حقيقة ذاته... وعلم أن علمه بذاته ليس معنى زائداً على ذاته، بل ذاته هي علمه بذاته، وعلمه بذاته هو ذاته، تبين له أنه إن أمكنه هو أن يعلم ذاته فليس ذلك العلم الذي علم به ذاته معنى زائداً على ذاته، بل هو هو.[93]

ونحو آخر الكتاب يقول حي بن يقظان، بعد انفعال صوفي، أن كل الأشياء إنما هي كأشعة الشمس.[94] وهذه الوحدة يحتوي الأرواح السماوية التي هي أنفس للأجرام السماوية وهي دائما بالفعل. ولكن الذوات المقارقة بريئة عن الكثرة وكذلك عن الإفراد، لأن الكثرة والوحدة صفتا الأجرام.[95]

2.1.11 ابن رشد

قدم العالم

إن قدم العالم هو المطروح الأول الذي يناهضه الغزالي في تهافت الفلاسفة، حيث يحاول أن يرد على حجج وجوب هذا القدم ويثبت أيضاً استحالته. وجواب ابن رشد في تهافت التهافت هو الرد على حجج استحالة قدم العالم وإثبات وجوبه. وحجته الأولى لوجوبه هو:

أن ههنا مبدأ أزلياً (بحسب حجة أرسطو لمحرك أول) ليس لوجوده ابتداء ولا اتهاء، وأن فعله يجب أن يكون غير متراخ عن وجوده. لزم أن لا يكون لفعله مبدأ كالحال في وجوده، وإلا كان فعله ممكناً لا ضرورياً فلم يكن مبدأ أولاً. فيلزم أن تكون أفعال الفاعل الذي لا مبدأ لوجوده ليس لها مبدأ، كالحال في وجوده.[96]

ويرى ابن رشد في افتراض حدوث العالم مشكلة الاحتياج إلى تغير في إرادة الله وفعله:

كيف يكون مراد حاحث عن إرادة قديمة؟ فقالوا إن الإرادة القديمة تعلقت بإيجاده في وقت مخصوص وهو الوقت الذي وجد فيه. فقيل لهم إن كانت نسبة الفاعل المريد إلى المحدث في وقت عدمه هو بعينها نسبته منه في وقت إيجاده، فالمحدث لم يكن وجوده أولى منه في غيره إذ لم يتعلق به في وقت الوجود فعل انتفى عنه في وقت العدم. وإن كانت مختلفة فهنالك إرادة حادثة ضرورة وإلا وجب أن يكون مفعول محدث عن فعل قديم، فإنه ما يلزم من ذلك في الفعل يلزم في الإرادة.[97]

وموجز موقفه أنه لا بداية في الماضي، ولكن يوجد الأول وهو رب الماضي والحاضر والمستقبل. وكل ما له بداية لا بد أن يكون له نهاية، وكل ما لا بداية له ليست له نهاية.[98]

ورداً للاعتراض أن الزمن، مثل العالم، لا يقدر أن يكون لا متناهياً، يميز ابن رشد بين امتداد العالم لامتناه، الذي يقول إنه مستحيل، وبين الزمن لامتناه، في دورات الأجرام السواوية وسلسلة الكون والفساد في العالم الأسفل. فالزمن لامتناه بالعرض.[99] ويقبل ابن رشد، مع الغزالي، أن حادثاً يمكنه أن يصدر من قديم، ولكن لا كحادث بل كما ينتسب إلى سلسلة قديمة بالجنس.[100] والأجرام السماوية تشابه القديم من جهة أنها لا أول لها ولا آخر، ولكن بدوراتها تشابه الحوادث التي تنتج عنها.[101] وفي الكلام في هذه الدورات اللامتناهية لا يليق الكلمة "كل"، وإنما الكل لعدد الدورات متناه.[102] ونفي فعل قديم لله يساوي نفي قدم وجوده، والأشاعرة خطؤوا في فهم معنى الحدوث في القرآن، وإنما يدل على أن للعالم فاعلاً.[103] ويجعل الأشاعرة في موقع الدفاع بقوله: "أن من قال: إن كل جسم محدث، وفهم من الحدوث الاختراع من لا موجود: أي من العدم، فقد وضع معنى من الحدوث لم يشاهده قط. وهذا يحتاج ضرورة إلى برهان."[104]

وإن العالم حادث من جهة أن له علة، وإنه قديم من جهة عدم بدايته. وإنما الله قديم من جهة عدم علته.[105] وكثيراً ما يقتبس ابن رشد من أرسطو أن "ما ليس مبدأ فليس له انقضاء."[106] وحركة الأجرام السماوية الأزلية هي مبدأ حجة وجود الله.[107]

ويعرض ابن رشد حجة أخرى لوجوب قدم العالم، تبتدأ من حد أرسطو للزمان ك"رقم الحركة بحسب القبل والبعد".[108] لذلك ينفي أن الآن قادر أن يكون بداية ما بعده دون أن يكون نهاية ما قبله.[109]

ويحاول ابن رشد أن يبرهن القول نفسه من حد الممكن. وإن الكلام في قدرة الله الفاعلة باطل إن لم يدل على قدرة الحادث قابلة. فيأكد أن القدرة القابلة يجب أن تكون في موضوع سابق الوجود. لا يصدر شيء من لا سيء، فإذاً لا بد أن العالم قديم.

وأما الذي تزعم الأشعرية من أن طبيعة الممكن مخترعة وحادثة من غير شيء، فهو الذي يخالفهم فيه الفلاسفة.[110]

ولكن يحب ابن رشد أن يقتبس قول أرسطو: "الممكن في الأولية هو واجب،"[111] بمعنى أن إمكانية العالم يفضي إلى أن فعله قديم. وقد يقال إن وجود العالم ليس بممكن بل إنه واجب، لأن الإمكان يتضمن العدم، الذي يفني بالوجود الفعلي.[112] أما بالنسبة إلى قدرة الله الفاعلة، يقول ابن رشد:

ففيه ما يوجب إمكان وقوع العالم سرمدياً، وكذلك الزمان. وذلك أن الله تعالى لم يزل قادراً على الفعل، فليس ههنا ما يوجب امتناع مقارنة فعله على الدوام لوجوده.[113]

وإذا قلنا: إن الأول لا يجوز عليه ترك الفعل الأفضل وفعل الأدنى، لأنه نقص، فأي نقص أعظم من أن يوضع فعل القديم متناهياً محدوداً، كفعل المحدث؟[114]

كل موجود، فلا يتراخى فعله عن وجوده إلا أن يكون ينقصه من وجوده شيء... ومن يضع أن القديم لا يصدر منه إلا فعل حادث، فقد وضع أن فعله بجهة ما مضظر وأنه لا اختيار له من تلك الجهة في فعله.[115]

ولاعتراض الغزالي أن الأجرام السماوية قابلة الذبول الذي لا يبين للحس، يجيب ابن رشد أن هذه التغيرات لا بد أن لها قدراً محسوساً. وأيضاً ذبولها ضد النظام الإلهي.[116]

الله العلة الفاعلة والغاية للكل

على كل حال، إن وجود الله يثبت من احتياج الأجرام السماوية إلى محرك. ويفسر معنى الخلق وحفظ العالم بأنهما تحريكه تعالى للعالم.[117]

وكما الله هو فاعل العالم من جهة أنه محركه، هو أيضاً غايته يحركه كمشتهى.[118] ولأنه لا يتحرك البتة،[119] إنه مكتف ملتذ بذاته.[120]

وبالنسبة إلى أفعال الله، يرد ابن رشد على ههمات الغزالي، يأكد أن الله لا يفعل عن غريزة الطبيعة عميى ولا عن إرادة مثل الإرادة الإنسانية، ولكن "بجهة أشرف من الإرادة ولا يعلم تلك الجهة إلا هو سبحانه".[121]

كل صفات الله حق واحد

بينما يدافع ابن رشد عن وحدة الله،[122] يدافع كذلك عن بساطته، يأخذ موقف المعتزلة ضد الأشاعرة الذين يضعون صفات زائدة على ذات الله، وهكذا يضعونه في حال تركيب ذات ناقصة وصفات مكملتها.[123] وإن ذات الله لا تفترق عن صفاته لأنه فعل محض، ليس فيه قوة قابلة البتة. وهذا يستبعد كل مادة، لأنه علم وعقل معقول.[124] ويرفض ابن رشد تهمة الغزالي أن الله، بحسب الفلاسفة، ليست له ماهية أو ذات، فإن له ماهية أو ذات، ولكن ليست مغايرة لوجوده، وهو بسيط لا فاعل له.[125]

وبالنسبة إلى التشبيهات، برغم أن ابن رشد يعترف أن الله غير جسماني على الإطلاق، يهاجم الحجج الأشعرية لعدم الجسمية في الله، ويحمد القرآن في تأثير تعليمه باستعمال الصور الجسمية.[126]

الله إنما هو المحرك، عبر وسائط، لأشياء العالم

بالنسبة للخلق، في تلخيص ما بعد الطبيعة يقبل ابن رشد المبدأ أنه لا يصدر عن واحد إلا واحد، ويستعمل عبقريته ليظهر كيف حركات الكواكب المعقدة تتفق مع هذا المبدأ. وهذا الكتاب يسرد منظر العالم فيضياً، يخلق كل مخلوق سماوي المخلوق الأسفل التابعه، حتى العالم تحت القمر المتصف بالكون والفساد.[127]

هؤلاء ليسوا محركين فقط للأجرام السماوية، بل ومعطون لها صورها التي هي بها ما هي... سواء كان فعله دائماً أو منقطعاً، والأفضل أن يكون دائماً.[128]

فيما بعد، في تهافت التهافت، يقول ابن رشد أن الفارابي وابن سينا غلطا بقولهما إنه من واحد لا يصدر إلا واحد. فإن هذه الفكرة ليست بأرسطوطية، وأيضاً قد يوجد تعدد في العقل الأول المخلوق. فإذاً من المبدأ الأول يصدر صدوراً أولاً جميع الموجودات.[129] وفي تفسير ما بعد الطبيعة يحيل ابن رشد إلى هذا المبدأ المشكوك فيه كمأسس الافتراض الخاطئ لابن سينا في وجوب جوهر مقارق فوق نفس الفلك الأول.[130]

وبعد هذا النفي للمبدأ الرئيسي للخلق المتوسط، كان علينا أن ننتظر من ابن رشد افتراض خلق مستمر مع اعتماد كل شيء مباشرة على الله. ولكن في تاهفت التهافت نفسه ينواصل أن ينفي تمييز ابن سينا بين الذات وبين الوجود، التمييز المضمن في وصف المخلوقات السماوية كواجبة باعتبار فاعلها، ممكنة باعتبار ذواتها. ويتهم ابن سينا بجعل الوجود عرضاً وبتشويشه بوجود القضية المنطقية.[131] "إذا قلنا في الشيء: إنه موجود، فإنه ليس يدل على معنى زائد على جوهره خارج النفس."[132] "الوجود ليس صفة زائدة على الذات."[133] ويقول: "إن كان العالم قديماً بذاته وموجوداً لا من حيث هو متحرك، لأن كل حركة مؤلفة من أجزاء حادثة، فليس له فاعل أصلاً."[134] "ولو لا كون العالم بهذه الصفة، أعني أن جوهره في الحركة، لم يحتج العالم بعد وجوده إلى البارئ سبحانه، كما لا يحتاج البيت إلى وجود البناء بعد تمامه والفراغ منه،"[135] ولو قال ابن سينا المضاد.[136]

وهكذا بنفي تمييز ابن سينا بين ما هو ممكن — وهو العالم الأرضي — وبين ما هو واجب بغيره — العالم السماوي — يوافق ابن رشد المعتزلة القائلين أن كل ما تحت المبدأ الأول هو ممكن، أما العالم السماوي فهو ضروري من جهة أن جوهره غير فاسد ولكنه ممكن من جهة أنه موضوع الحركة المكانية. والمغزى أن جوهر العالم ليس بعمل الله ولا يقبل وجوده منه وإنما حركته.[137] ولكن يحاول ابن رشد أن يجتنب هذه النتيجة بقوله أن الحركة ضرورية لوجود العالم، ولو المحرك وقف عن التحريك لبطل العالم.[138] ولا يشرح ابن رشد هل هذا التبطيل تعديم صرف أم تحويل إلى خواء خامد.

وإذا ينفي ابن رشد، ضد ابن سينا، الخلق المسمر بالوسائط، لا ينفي كل نظام مرتب في العالم. إذا كان الله بسيطاً مطلقاً، "ولذلك يرون أن الأول هو أبسطها، لأن الأول لا يفهم منه علة ومعلول أصلا. وما بعد الأول يفهم العقل فيه التركيب. ولذلك كان الثاني عندهم أبسط من الثالث."[139] وإذا ينفي ابن رشد تركيب الذات والوجود، أي نوع التركيب يبقى في الجواهر المقارقة؟ لا يبين هذا، ولاعتراض الغزالي أن الفلاسفة لا يقدرون أن يمييزوا بين بساطة الملائكة وبين بساطة الله، إنما يقول إن الله وكل واحد من العقول المفارقة لا يقع في أي جنس، ولكنها موجودات مشتركة على قياس التقديم والتأخير، وإنها مسلسلة، كل واحد منها يعتمد على الأعلى ويأثر في الأسفل في حركته لا في وجوده. وهذا لأن العقول القابلة ليس لها قوة انفعالية في جوهرها، وبهذا يطرد فكرة ابن سينا لخلق بوسائط.[140]

الأجرام السماوية وأنفسها

ابن رشد يخالف أيضاً رأي ابن سينا أن الأجرام السماوية مركبة من صورة ومادة.[141] يأكد ابن رشد أنها بسيطة، مع أجسام غير مادية، ولو كان نوع من التركيب بينها وبين علتها، وبين قواها وأفعالها.[142]

وإن للعالم نظام وتنسيق مثل مدينة تحت ملك ووزرائه، أو مثل حيوان مع أعضائه المختلفة. وفي هذا الترتيب كثيراً ما يخدم الأعلى الأسفل، علامة ملك له تعالى في عين وجودها.[143]

ولا بد أن تكون ههنا قوة روحية سارية في جميع أجزاء العالم كما يوجد في جميع أجزاء الحيوان الواحد، قوة بربط أجزاءه بعضها ببعض والفرق بينها أن الرباط الذي في العالم قديم، من قِبل أن الرابط قديم.[144]

في ما بعد ويوضح ابن رشد موقفه أن الهدف الرئيسي لحركة الأجرام السماوية هو التشابه بالله، والهدف الثانوي هو ضمان الحياة ههنا.[145] وابن رشد يعتقد أن الأجرام السماوية ذوات أنفس، لأن لها حركات غير دورية مستقيمة، مثل حال الحركة الطبيعي.[146] ويبين أن هذه الأجرام لا تقصد تبديل الأوضاع فحسب، بل تقصد التشابه بالله "بكونها في أفضل حالات، وهي الحركة".[147] وإن في النظام العالمي لابن رشد لا حيزاً لعقول مفارقة مناسبة لأنفس كل الفلك، ولكن الله هو الغاية التي ترشد كل الحركات السماوية.[148] وكل نفس عاقلة هي في حال واحد محركة أو فاعلة وغاية لحركة جرمه السماوي.[149]

و ينفي ابن رشد، ضد ابن سينا، أن لأنفس هذه الأبدان مخيلة أو حواس أخرى. أما، لأنها تشرف على حركة أبدانها، فيجب أن يكون لها علم الجزئيات، ولكن ابن رشد يقول: "ليس ذلك الإدراك لا كلياً ولا جزئياً، بل يتحد هناك العلمان ضرورة."[150]

بينما صور الموجودات هي علة للعقل الإنساني يستكمل بها، إن عقول الأجرام السماوية هي العلة في صور الموجودات.[151] وعندما يقول ابن رشد أن القبول لا يوجد إلا في جسم،[152] لا يسأل هل يوجد القبول لعقول الملائكة. أما قبول الماديات فلا يمنع فاعليتها الطبيعية. ولا يقول، مثل ابن سينا، أن الصورة هي محركة آلية، ولكن تابعاً لأرسطو يشرح أن المكون هو المحرك والفعل الطبيعي ينتج إذا لم يكن مانع، مثل من يملك العلم يستطيع أن يستعمل هذه الملكة كل ما يريد.[153]

السببية الثانوية

يتتقد ابن رشد الأشاعرة لنفيهم لوجود مقادير في الخلق. وهذه موجودة في العالم لأجل غايته، التي تحتاج إلى نوع من النظام إما ضرورياً وإما لائقاً، "ولو ارتفعت عن كميات الأشياء المصنوعة وكيفياتها وموادها كما تتوهمه الأشعرية في المخلوقات مع الخالق، لارتفعت الحكمة الموجودة في الصانع وفي المخلوقات، وكان يمكن أن يكون كل فاعل صانعاً، وكل مؤثر في الموجودات خالقاً."[154] "وبإدراك هذه الحكمة كان العقل عقلاً في الإنسان، ووجودها هكذا في العقل الأزلي كان علة وجودها في الموجودات."[155]

والأشاعرة، بنفي كل السببية الثانوية، يرفعون كل النظام وحكمة الله في العالم. فغلطوا بإحصار كل فعل لله لأنه وحده بالحقيقة عالم وحر، كما لو لم تكن أي حياة في الخلق. وكذلك غلطوا بجعل العلم شرطاً للفعل وبنفي السببية الحقيقية في الطبيعة.[156] وبسبب تشبيههم علم الإنسان لعلم الله، يتهمهم ابن رشد بأنهم "قد جعلوا الإله إنساناً أزلياً، والإنسان إلهاً كائناً فاسداً".[157]

وكذلك نفي السببية الطبيعية يرفع عن المخلوقات طبائعها وحدودها التي لا تُعرف إلا بأفعالها وصفاتها الخاصة.[158] "فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل."[159]

الحجة من التنسيق

في كلامه في ترتيب العالم يقول ابن رشد أحياناً أن الله يلزم أن يختار الأفضل للعالم.[160] وفي الصياغة نفسها كثيراً ما يمر إلى حجة وجود الله من التنسيق، وهو مسلك توما الأكويني الخامس.[161]

فأما إن هذا النوع من الدليل قطعي وإنه بسيط، فظاهر من هذا الذي كتبناه. وذلك أن مبناه على أصلين معترف بهما عند الجميع، أحدهما أن العالم بجميع أجزائه يوجد موافقاً لوجود الإنسان ولوجود جميع الموجودات التي ههنا، والأصل الثاني أن كل ما يوجد موافقاً في جميع أجزائه لفعل واحد، ومسدداً نحو غاية واحدة فهو مصنوع ضرورة فينتج عن هذين الأصلين بالطبع أن العالم مصنوع وأن له صانعاً.[162]

2.1.12 موشي بن ميمون

يهاجم موشي بن ميمون المتكلمين الذين يحاولون تبرهن وجود الله بإثبات أولاً أن للعالم بداية في الزمان. فإن الفلاسفة، الذين يزعمون أن قدم العالم ضروري، والمتكلمين الذين يزعمون أنه مستحيل، كل من فرقيهم غالط.[163] "هذه المسألة أعني قدم العالم أو حدوثه لا يوصل إليها ببرهان قطعي... بل الوجه الصحيح عندي... أن يثبت وجود الإله... بطرق الفلاسفة التي تلك الطرق مبنية على قدم العالم، ليس لأني أعتقد قدم العالم أو أسلم لهم ذلك، بل لأن بتلك الطريق يصح البرهان ويجعل اليقين التام."[164]

وبعد فصح مبادئ المتكلمين، ينتج موسي بن ميمون أنهم عاجزون أن يثبتوأ أي شيء في الله بسبب مقدماتهم الفلسفية الفاسدة.[165] أما بالنسبة إلى الفلاسفة، فيزعم أن حجج أرسطو لقدم العالم ليست إلا جدلية، ولا برهانية كما زعم الفارابي.[166]

وحاول موشي بن ميمون أن يبرهن وجود الله من حجة الحركة. ومثل الفلاسفة العرب، اعترف بالنظام اليوناني للعالم بالأرض في الوسط المدور بأفلاك سماوية عديدة. ووراء هذه الأفلاك يقف الله، ولكل فلك نفس عقلانية يضمن خلود حركته ويشرف على الفلك التالي. وفي نظام عالمه يوجد على الأقل ثماني عشرة أفلاك. ولو وقفت عن الاستدارة لمات كل ما تحتها، مثل ما يموت الحيوان إذا وقف نبض قلبه.[167] وتتحرك الأفلاك بأنفس عقلانية، وأخيراً بمحرك غير متحرك غير مادي الذي يتكلف بالنظام بأسره.[168] ويفترض موشي بن ميمون أكثر من خمسين عقول تحرك الأفلاك متشوقاً التشبه بالله. ومنها العقل الفعال في القمر يهب الوجود لصور المادية وكذلك لصور العقلانية في العقل الإنساني.[169] والعقل الفعال بطبعه دائماً يفيض شيئاً، وكفاءه يتعلق باتعدات القابل.[170]

ويقترح أيضاً حجة القيام بالغير، يقتبس (بدون اعتراف) تمييز ابن سينا بين واجب الوجود وبين ممكن الوجود. فإن هذا ممكن في نفسه ولكن واجب بالنسبة إلى علته.[171] وفي كل المخلوقات الوجود يباين الذات أو هو زائد لها. وإن الوجود والوحدانية عارضان لماهية الموجود.[172]

في مكان آخر يقترح حجة من التنسيق. وبالرأي العام كل المخلوقات تظهر مقدورة لمنفعة الإنسان، والإنسان مقدور أن يعبد الله. وموشي ميمون مستعد لقبول هذا الرأي، ولكن يقبل استثناء الفلاسفة أن الأعلى (الأجرام السماوية) لم يُخلق ليخدم الأسفل (الإنسان). وإن بقاء الإنسان ليس إلا منفعة عرضية من الأجرام السماوية، ولا غرض في خلقها وفي خلق الإنسان إلا اختيار الله الحر.[173]

ومبدأ رئيسي للاهوت موشي بن ميمون هو أن معرفتنا لله إنما هي سلبية، ووجه الله الإيجابي الوحيد الذي نقدر أن نعرفه هو إنيته تعالى.[174] ولكن، بعد مناقشة طويلة في الاسم יהוה ، يقول إن معناه واجب الوجود.[175] أما في ما يمت إلى أزلية الله، يرفض موشي بن ميمون مصطلح "قديم"، لأن معناه الموجود في الزمن بلا بداية، ولكن الله ينتزه عن الزمن.[176]

وفي الصفات الإيجابية، يثبت موشي أن الله عقل معقول لذاته.[177] على كل حال، كل صفات الله حق واحد، وبهذا يعارض أيضاً الثلاثوت المسيحي.[178] وبانعكاس المجادلة بين الأشاعرة والمعتزلة في خلق القرآن وأيضاً تأليه ابن جبير للكلمة أو الإرادة، يقرر موشي بن ميمون أن كلمة الله والتوراة إنما مخلوقتان.[179]

وفي ما يخص الخلق يجانب موشي بن ميمون مصطلح "علة"، التي تظهر ان تتضمن تعليل بالضرورة الطبيعية، ويفضل كلمة "فاعل"، ويقول إنها قد تُستعمل في الله حتى قبل وجود المعلول، لأنه لا شيئاَ يمنعه عن الفعل.[180]

وللاعتراض أن الخلق في حقه تعالى خروج من القوة إلى الفعل وهذا تغيرٌ، يجيب أن الله لا يتغير لأنه بريء عن المادة ولا توجد القوة إلا في المادة. ويتواصل أن يقول إن الله دائماً في الفعل، ولكن لا دائماً فاعل، مثل العقل الفعال. وتبعاً لمقدمته أننا لا نعرف شيئاً إيجابياً في الله، يجانب موشي بن ميمون فحص عمق هذه المسألة، قائلاً إن الفعل والإرادة يقالان باشتراك الاسم في حق الإنسان وفي حق الله.[181]

وبرغم عدم الحجج لقدم العالم أو حدوثه، يقترح موشي بن ميمون أن خلق في زمن أكثر مناسب لحرية الله لاختيار، ويدل على اختلاف الكواكل وحركات السماوية التي لا يُعلل من الضرورية الداخلية.[182]

وفيما يمت إلى علاقة الله مع المخلوقات، موشي بن ميمون يسمى الله، وبرغم أنه مفارق عن العالم، "الصورة الأخيرة للعالم"، و"كل موجود ذي صورة إنما هو ما هو بصورته، وإذا فسدت صورته فسد كونه."[183] وكذلك هو غاية الغايات.

وإن المادة خير، بينما الشر عدم يحصل بالعرض.[184] ويقاتل موشي بن ميمون الفكرة العامة أن الشر أوسع الوجود من الخير. إن هذا الرأي ينتشر لأن الشعب يفتكرون في مصلحتهم ولا مشيئة الله. وإن الشر من ثلاث أنواع: (1) الذي يصدر عن علل طبيعية، لأن المادة موضوعة للكون والفساد، (2) الذي يصدر عن سائر الناس، (3) الذي يصدر عن نفسك، تسبب أمراض بدنية وعقلية. وإن للأخلاق جزء بدني وجزء يفسي، واثناهما يتغيران معاً.[185]

2.1.13 توما الأكويني

كل المسالك الخمس لتوما الأكويني موجودة عند الفلاسفة العرب. ومن أنظمة العالم عندهم المختلفة بقليل، إن توما الأكويني أقرب من ابن رشد الذي يبسط عدد الأرواح السماوية. ولكن يقول توما أن الأرجح أن الأجرام السماوية ليست ذوات أنفس. ولكن توما امتص ترتيب محركات روحية لهذه الأجرام جميعه، الترتيب الذي انهاز بالاكتشاف أن هذه الأجرم لا تبرئ عن الفساد وإنها موضوعة لنفس قوانين الدفاع كالأجرام الأرضية.

وفيما يخص قدم العالم، إن نوما يتبع موشي بن موموم في القول إن وجوبه واستحالته كلاهما يفوتان البرهان. أما قول ابن رشد أن كل إمكانية يجب أن تكون في موضوع موجود، فيجيب توما أن قدرة الله تمتد إلى كل ذات لا تتضمن تناقض المكونات.

واستيراد توما الأهم من الفلاسفة العرب هو الاعتراف بالتمييز الواقعي بين الذات والوجود في كل ما عدا الله، وكذلك أن كل مخلوق يعتمد على علة خارجية لاستمرار وجوده. ولكن إن توما أنقى هذا التمييز، يرفض فكرة مسكويه وابن سينا أن الوجود هو عارض، ويظهر أنه ينتسب للذات كفعل لقوة. وأكد أيضاً أن فعل الوجود يعتمد على الله مباشرة، وليست وسائط في الخلق، كما زعم الفارابي وابن سينا.

2.2 معرفة الله للجزئيات

2.2.1 الفارابي

هل يعرف الله مخلوقاته؟ والبعض اهتهم الفارابي بنفي أن الله يعرف الجزئيات.[186] أما في مكتوباته الناجية لم يقل شيئاً بهذا المعنى. وإنما قال، في مناقشة هذه المسألة في مكتوباته في السياسة، أن الله يعرف نفسه، وأن هذه المعرفة هي سعادته، وعقله لا يمكن أن يستكمل من معرفة الأشياء خارج نفسه.[187]

ولكن في منطق أفلاطونيته الجديدة كان يلزم على الفارابي أن يعترف أن الله، لأنه غير مادي، لا يعرف إلا طبيعة الأشياء العامة ولا الأشخاص الفردية، كهذا الرجل وأعماله، فهذه لا تعرفها إلا الحواس.

2.2.2 ابن سينا

في رسالة الزيارة والدعاء يقول ابن سينا:

إن المبدأ الأول مؤثر في جميع الموجودات على الإطلاق وإحاطة علمه بها سبب لوجودها حتى "لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء" (سورة 10:61).

وفي مكان أخر يبين أن الله يعرف ذاته وكل جزئيات الخلق، لأن وجودها يصدر منه.[188] والتغيرات في العالم لا تجلب تغيراً في علمه تعالى، فإنه عام ولامتناه، ينتزه عن الماضي والحاضر والمستقبل، وكذلك يعرف كل ما يحدث مع وقت حدوثه.[189] أما من جهة أخرى يقول ابن سينا أن لمعرفة الله إفاضات تتغير مع تغيرات هذا العالم. "فقد يجوز أن يعرض له تبدل في إضافت بعيدة لا تؤثر في الذات".[190] وإن هذا الافتراض يعرض اللخطر وحدة الله.

على كل حال، يشرح ابن سينا المقدمة التي هي أساس حياته الصوفية، أن الله مبدأ الكل وهو أقرب من أي واسط،[191] وأنه يعلم كل شيء بذاته.[192]

فإذاً لماذا الغزالي يهتم ابن سينا بالتعليم أن الله لا يعرف الجزئيات؟[193] ربما لأن السببية، في منطق الأفلاطونية الجديدة، هي موسطة، تفعل بالعقل المفارق الأول ومن ثم بعلول الأفلاك. وكانت نتيجة هذه المنطقية أن يعرف المعلولات الجزئية في عللها ولا في أنفسها.

2.2.3 ابن جبير

لا يتكلم ابن جبير صراحة في علم الله للجزئيات، ولكن يعبر عن مبدأ مانعها، بقوله أن العقل يعرف الصورة مباشرة، أما المادة فإنما بالحواس.[194]

2.2.4 ابن رشد

في مسألة العلم هذه، يقول ابن رشد أولاً، مثل الفارابي: "متى كان الإله يعقل كل شيء لزم أن يتغير إلى الذي هو أخس."[195] ثم يقول:

يعلم طبيعة الموجود بما هو موجود بإطلاق الذي هو ذاته فلذلك كان اسم العلم مقولاً على علمه سبحانه وعلمنا باشتراك الاسم، وذلك أن علمه هو سبب الموجود والموجود سبب لعلمنا، فعلمه سبحانه لا يتصف لا بالكلي ولا بالجزئي لأن الذي علمه كلي فهو عالم للجزئيات التي هي بالفعل بالقوة، فمعلومه ضرورة هو علم بالقوة... ولا قوة في علمه سبحانه فعلمه ليس بكلي وأبين من ذلك ألا يكون علمه جزئياً لأن الجزئيات لا نهاية لها ولا يحصرها علم فهو سبحانه لا يتصف بالعلم الذي فينا ولا بالجهل الذي هو بقابله...[196]

في تهافت التهافت يقول ابن رشد: "إن الأول لا يعقل إلا ذاته... وما يعقل الأول من ذاته فهو علة لجميع الموجودات."[197] ويعقل ليس إنما ما يصدر منه مباشرة، ولكن أيضاً ما يصدر منه بوسائط.[198] إن للصور الوجود الأسفل في المادة، ولها وجود تدريجياً أعلى في الحواس، ثم في العقل الإنساني، ثم العقل الملائكي، ووجودها الأكمل هو في عقل الله الذي يعلم كل شيء.[199]

وفي المسألة كيف الله يعلم الكثرة يقول: "إنما امتنع عندنا إدراك ما لا نهاية له بالفعل لأن المعلومات عندنا منفصلة بعضها عن بعض. فأما إن وجد ههنا علم تتحد فيه المعلومات، فالمتناهية وغير المتناهية في حقه سواء... لكن تكييف هذا المعنى وتصوره بالحقيقة ممتنع على العقل الإنساني، لأنه لو أدرك الإنسان هذا المعنى لكان عقله هو عقل الباري سبحانه وتعالى، وذلك مستحيل."[200]

ونفي التكييف نفسه دفع ابن رشد أن يرفض أيضاً موقف الأشاعرة أن الله "يعلم المحدث في وقت حدوثه بعلم قديم. فإنه يلزم على هذا أن يكون العلم بالمحدث في وقت عدمه وفي وقت وجوده علماً واحداً، وهذا أمر غير معقول، إذ كان العلم واجباً أن يكون تابعاً للموجود. ولما كان الموجود تارة يوجد فعلاً وتارة يوجد قوة، وجب أن يكون العلم بالوجودين مختلفاً."[201] والمشاكل نفسها تتبع القول بأنه تعالى "مريد للأمور المحدثة بإرادة قديمة... بل ينبغي أن يقال إنه مريد لكون الشيء في وقت كونه وغير مريد لكونه في غير وقت كونه."[202]

2.2.5 موشي بن ميمون

يهاجم موشي بن ميمون اسكندر الأفروديسي بسبب قوله أن الله لا يعلم الجزئيات (1) لأنه يعدم الحواس، (2) ولأن الجزئيات لامتناهية، واللامتناهي غير معلوم، (3) ولأن الجزئيات دائماً متغيرة، وعلم الله غير متغير. يجيب موشي بالمقدمة أن لله عناية للجزئيات ولذلك يعلمها. ويبين أن علم الله واحد بسيط قديم غير متغير، يمتد إلى العدم واللامتناهي وكل الممكنات، حتى التي لن يوجد البتة. وعلى خلاف علمنا علمه تعالى يسبق الأشياء التي يعلم وهو علة وجودها. لذلك لا يتعدد بعدد الأشياء التي يعلم ولا يتغير بتغيرها.[203]

2.2.6 توما الأكويني

نص ابن رشد في هذه المسألة المقتبس آنفاً يشابه نصوص توما الأكويني التي تميز بين علم الإنسان الذي كلما هو أكثر عام كلما هو أكثر ناقص، وبين علم الملائكة والله الذي هي كلما هو أكثر عام وبسيط كلما هو أكمل. كذلك ينبغي للقارئ أن يطالع النصوص حيث يبين توما الأكويني كيف الله بعلم عدداً لامتناهياً من الممكنات.[204]

وقد رأينا أن الله، بحسب ابن سينا وابن رشد، يلزم أن يعلم الجزئيات في عللها ولا في أنفسها. أما توما الأكويني فيعتقد أن هذا الرأي غير كاف، ويأكد أن علم الله يمتد كلما يمتد سببيته. أما قدرة الله تمتد فتمتد ليس إلى الصور فقط بل إلى المادة أيضاً، والمادة هي مبدأ تشخيص الصور.[205]


NOTES

[1] رشالة في مائية ما لا يمكن أن يكون لا نهاية له، ص 152.

[2] أبو حاتم الرازي: المناظرات، ص 308. انظر القول في القدماء الخمسة، القول في الهيولى، القول في النفس والعالم. انظر أحمد بن عبد الله الكرماني،" كتاب الأقوال الذهبية في الطب النفساني،" الفصل الخامس، وأبا خاتم الرازي،" مناظرات".

[3] رسالة الاعتبار، ص 64-69.

[4] رسالة الاعتبار، 67-70. خواص الحروف، 80.

[5] خواص الحروف، 109.

[6] رسالة الاعتبار، 71-72.

[7] انظر نفس المكان.

[8] خواص الحروف، 76-77.

[9] نفس المكان، 76-78.

[10] خواص الحروف، 77-81.

[11] خواص الحروف، ص 87، 92.

[12] يوجد استثاء واحد في "إحصاء العلوم"، باب 4، ص 132.

[13] وهذا في بداية أعماله الرئيسية: مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة، والسياسة المدنية.

[14] التعلثقات، #7.

[15] فلسفة أرسطوطاليس، #33-34.

[16] Cf. J. Kenny, "Al-Fârâbî and the contingency argument for God's existence: a study of Risâla Zaynûn al-kabîr al-yûnânî.

[17] مبادئ آراء، 2-3. السياسة المدنية، 43:10.

[18] السياسة المدنية، 44:6. انظر مبادئ آراء، 4-5، زينون الكبير اليوناني، 2، والدعاوي القلبية، إلى آخرها.

[19] مباديئ آراء، 7. انظر السناسة المدنية، 52:5. الدعاوي القلبية، إلى آخرها.

[20] مثل الدعاوي القلبية.

[21] انظر جمع مين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلهي وأرسطوطاليس، 22:4 — 26:12.

[22] اشرح رسالة زينون الكبير اليناني، باب 3، وعدة أماكن أخرى.

[23] شرح رسالة زينون الكبير اليناني، باب 3. انظر أيضاً السياسة المدنية، 52:5 — 53:10، ورسالة في العقل، 50-53.

[24] السياسة المدنية، 55:3.

[25] إحصاء العلوم، باب 4، ص 121 وفي أماكن أخرى.

[26] نفس المكان، ص 122.

[27] الفوز الأصغر، فصل 4، ص 44-48.

[28] رسالة في جوهر النفس، ص 197.

[29] الفوز الأصغر، فصل 9، ص 97-98. انظر فصل 7.

[30] في إثبات الصور الروحانية التي لا هيولى لها، ص 202.

[31] مقالة في النفس والعقل، ص 37-32 (صحيح).

[32] مقالة في النفس والعقل، ص 29.

[33] مقالة في النفس والعقل، ص 23.

[34] الفوز الأصغر، فصل 7، ص55.

[35] الفوز الأصغر، ص 54-56.

[36] الفوز الأصغر، فصل 10، ص 60.

[37] مقالة في النفس والعقل، ص 41.

[38] التعلثقات، ص 62.

[39] التعليقات، ص 36.

[40] عيون المسائل، 3-5. رسالة أجوبة عن اشر مسائل، #5، ص 80. رسالة تفسير السمدية (سورة 112)، 16-17. رسالة الزيارة والدعاء، 33. كلمات السوفية، 161-165. تعليقات، 28، 162-163، 176-179.

[41] الرسالة العرشية، ص 2.

[42] التعليقات، ص 37.

[43] الشفاء، الإلهيات، مقالة 8، فصل 4، ص 347.

[44] فصوص الحكم، فصل 1. ويستعمل نفس التفريق في رسالة التفسير الصمدية (سور 112)، ص 22.

[45] التعليقات، ص 28.

[46] تفسير أية النور، ص 86.

[47] التعليقات، ص 150.

[48] الشفاء، الإلهيات، مقالة 4، فصل 2، ص 177-178.

[49] الشفاء، الإلهيات، مقالة 4، فصل 2، ص 181.

[50] فصوص الحكم، فصل 1.

[51] التعليقات، ص 62. انظر كلمات الصوفية، 166.

[52] عيون الحكمة، ص 24 والتالية.

[53] الشفاء, الطبيعيات: 1- السماع الطبيعي،فصل 25، ص 330.

[54] التعليقات، ص 32.

[55] التعليقات، ص 39-40.

[56] كلمات الصوفية، ص 156.

[57] مثل الرسالة العرشية، ص3. اتعليقات، ص37، 61، 181.

[58] فصوص الحكم، 55. عيون الحكمة، 51 والتالية. رسالة تفسير الصمدية (سورة 112)، 19. الرسالة العرشية، 5-6. رسالة في ماهية العشق، 7. رسالة في تزكية النفس، 392. التعليقات، 49.

[59] الرسالة العرشية، 5-6.

[60] الشفاء، الإلهيات، مقالة 8، فصل 4، ص 344. انظر التعليقات، 70، 80.

[61] الشفاء، الإلهيات، مقالة 3، فصل 3، ص 109.

[62] تهافت التهافت، سمألة 3، ص 330.

[63] Summa theolgiae, I, q.11, a.1, ad 1.

[64] عوين المسائل، 7. كلمات الصوفية، 163-164. الرسالة العرشية، 15. وإن هذا المبدأ يُستعمل أيضاً لتزييز الحواس الداخلية، في رسالة في بيان المعجزات والكرامات والعجائب، 402. التعليقات، 54، 99-101، 182-184.

[65] رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها، خاتمة. رسالة في الكلام على النفس الناطقة. وفي مسألة حياة الأجرام السماوية، انظر رسالة أجوبة عن عشر مسائل، #4، ص79.

[66] انظر خاصة الشفاء، الإلهيات، مقالة 9، فصل 4، ص 402-409. النجات، ص302-303. التعليقات، ص 97-98، 152-156، 192-193.

[67] رسالة في إثبات النبوات، #31-32، ص 53.

[68] عيون المسائل، 6.

[69] رسالة أجوبة عن عشر مسائل، #5، ص 80.

[70] كلمات الصوفية، ص 166.

[71] الرسالة العرشية، ص 14. انظر التعليقات، ص 113.

[72] التعليقات، ص 50-53.

[73] التعليقات، ص 54.

[74] كلمات الصوفية، ص 172.

[75] رسالة في الحدود، ص 82.

[76] رسالة في الحدود، ص 81-82.

[77] التعلثقات، ص 84-86، 131-132.

[78] التعليقات، ص 54. انظر 62، 80، 121، 180.

[79] التعلثقات، ص 66-67، 103، 149 إلى آخرها.

[80] التعلثقات، ص 100، انظر 81.

[81] الشفاء، السماع الطبيعي، ص 330-331. انظر النجاة، ص 146.

[82] מקור חיים، 3:3:37-38، 5:27،39.

[83] كتاب 1 & 2، 3:39، كتاب 4.

[84] 5:60 ולרשם הרץון הוא דבר אבל יתואר על הקדום שהוא כח אלהי פועל ליסוד והצורה וקושר אותם והוא מפלש מהעליון אל חתחתון כפלוש הנפש בגוף והתפשטה בו והוא המניע לכל והמנחיג אותו

[85] 5:62 והרצון הפועל במעלת הכותב ותהיה הצורה הפעולה במעלת הכתב והיסוד המונח להם במעלה הלוח והדף

[86] 5:63-68.

[87] رسالة الوداء، ص 115-116. من كلامه فيما يتعلق بنزوعية، 132-133.

[88] رسالة الوداع، ص 129.

[89] انظر شرح السماع الطبيعي.

[90] حي بن يقظان، ص 164-165.

[91] حي بن يقظان، ص 170-175.

[92] حي بن يقظان، ص 176-177.

[93] حي بن يقظان، ص 201-202.

[94] حي بن يقظان، ص 207.

[95] حي بن يقظان، ص 208-212.

[96] تهافت التهافت، ص 83. ونفس الحجة يوجد في تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 124-125.

[97] مناهج الأدلة، ص 120.

[98] تهافت التهافت، ص 217-220.

[99] تهافت التهافت، ص 128و 156-157، 223.

[100] تهافت التهافت، ص 130.

[101] تهافت التهافت، ص 135-137.

[102] تهافت التهافت، ص 218.

[103] تهافت التهافت، ص 222.

[104] تهافت التهافت، ص 631.

[105] فصل المقال، ص 49-51.

[106] جوامع السماع الطبيعي، ص 41. تلخيص السماء والعالم، ص 85-88، 161-190.

[107] جوامع السماع الطبيعي، ص 129-136.

[108] السماع الطبيعي، كتاب 4:11، 219ب، 1-2.

[109] تهافت التهافت، ص 158-162. تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 125. جوامع ما بعد الطبيعة، ص 42، 63.

[110] تهافت التهافت، 2، ص 605.

[111] السماع الطبيعي، كتاب 4:4، 203ب، 30.

[112] تهافت التهافت، 1، ص 125، 177-178، 189-193، 195.

[113] تهافت التهافت، ص 182-183.

[114] تهافت التهافت، ص 184.

[115] تهافت التهافت، ص 184-185.

[116] تهافت التهافت، ص 226-229.

[117] تهافت التهافت، 1، ص 259، 2، ص 617-618.

[118] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1592.

[119] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1607-1613.

[120] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1607-1624.

[121] تهافت التهافت، 2، ص 682.

[122] مناهج الأدلة، ص 70-76.

[123] تهافت التهافت، ص 372، 477، 494، 515. مناهج الأدلة، ص 84-86. تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1620-1623.

[124] تهافت التهافت، ص 556-558.

[125] تهافت التهافت، ص 608.

[126] مناهج الأدلة، ص 88-89، 106-107.

[127] تلخيص ما معد الطبيعة، ص 149-154.

[128] تلخيص ما معد الطبيعة، ص 137.

[129] تهافت التهافت، ص 299.

[130] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1648.

[131] تهافت التهافت، ص 277، 281، 283، 330-332، 388، 480-483، 516-517، 567-570، 572، 587-590، 602-604، 608.

[132] تهافت التهافت، ص 330.

[133] تهافت التهافت، ص 517.

[134] تهافت التهافت، ص 275.

[135] تهافت التهافت، ص 284.

[136] تهافت التهافت، ص 444-446.

[137] تهافت التهافت، ص 448-451، 504-505، 602-604، 635-636، 640-641. تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1632-1633.

[138] تهافت الفهافت، 428-429، 640-642.

[139] ص 335.

[140] ص 592-594، 529-530، 568-569. تفسير ما بعد الطبيعة ص 1633، 1649-1651.

[141] تهافت التهافت، 392، 409، 437-438. De substantia orbis ، باب 6.

[142] تهافت التهافت، 334-335.

[143] تهافت التهافت، ص 311-322، 376-386. تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 133-134، 138-139. تفسير ما معد الطبيعة، ص 1709 والتالية.

[144] تهافت التهافت، ص 639.

[145] تهافت التهافت، ص 733-744. تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 127.

[146] تهافت التهافت، ص 727-728. تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1593-1598.

[147] تهافت التهافت، ص 744، 727-728، 735-736. تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 137.

[148] تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 128. dir=LTR>dir=LTR>dir=LTR>

[149] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1594.

[150] تهافت التهافت، 755. تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 128، 136. تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1600.

[151] تهافت التهافت، ص 357-358.

[152] تهافت التهافت، ص 710.

[153] Cf. Commentarium magnum in Aristoteis De physico auditu libros octo, Junctas, vol. 4, fols. 368a-371b.

[154] تهافت التهافت، ص 178، 787. مناهد الأدلة، ص 140-142.

[155] تهافت التهافت، ص 812.

[156] تهافت التهافت، ص 382-364، 412-413، 440، 807.

[157] تهافت التهافت، ص 711.

[158] تهافت التهافت، ص 721، 727، 781-784.

[159] تهافت التهافت، ص 785.

[160] تهافت التهافت، ص 647. مناهد الأدلة، 115.

[161] تهافت التهافت، 658.

[162] مناهج الأدلة، ص 110. انظر أيضاً ص 109-131، 65-70، 77.

[163] دلالة الحائرين، ص 273، 319.

[164] ص 187.

[165] ص 228، 232.

[166] ص 313-319.

[167] ص 190-193. مشنه توره.

[168] دلالة الحائرين، ص 273-277.

[169] ص 286.

[170] ص 411.

[171] ص 277-283.

[172] ص 139.

[173] ص 509-520.

[174] ص 140.

[175] ص 153-164.

[176] ص 140.

[177] ص 171-174.

[178] ص 119-130.

[179] ص 166.

[180] ص 174-175.

[181] ص 325.

[182] ص 328-347.

[183] ص 176.

[184] ص 496.

[185] ص 500-508.

[186] Massignon quotes Ibn-ad-Dâ`î and Sadrâ Shirâzî who affirm that; cf. La passion d=al-Hallâj, p. 562, n.1; English edition, vol. 3, p. 72, n. 134.

[187] مبادئ آراء، 5. السياسة المدنية، 45:11.

[188] الإشارات، الإلهيات، نمط 7، فصل 15-18. عيون الحكمة، 51. التعلثقات، ص 28-29، 87، 97-98، 119-123، 158، 168.

[189] الإشارات، نمط 7، فصل 19-21. التعلثقات، ص 66-67.

[190] الإشارات، نمط 7، فصل 19.

[191] فصوص الحكم، 56.

[192] فصوص الحكم، 54.

[193] تهافت الفلاسفة، #15.

[194] מקור חיים، 5:13.

[195] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1697. انظر كل الفصل، ص 1693-1708.

[196] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1697. انظر كل الفصل، ص 1708.

[197] تهافت التهافت، ص 361. تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 142-144.

[198] تهافت التهافت، 666-671.

[199] ص 308=310، 374-376، 704-705. The epistle on the possibility of conjunction with the active intellect,, p. 38.

[200] تهافت التهافت، ص 535.

[201] مناهج الدلة، ص 77-78.

[202] مناهج الدلة، ص 79-80.

[203] دلالة الحائرين، ص 522-547.

[204] Summa theologiae, I, q.14, a.12. De veritate, q.2, a.9; q.20, a.4, ad 1. Summa contra gentiles, III, q.2, a.1. Compendium theologiae, c. 133.

[205] Summa theologiae, I, q.14, a.11.