فلسفة العالم الإسلامي
الفلاسفة وأهم مواضيع كتابتهمالباب الثالث
السببية الثانوية أو الجبرية3.1 تأريخ الجدال[1]
معنى القدر أو التقدير هو انتواء الحوادث لهدف محدود بشكل أنها لا تحصل تلقائياً باتفاق. والقدر فعل الله في عنايته الشاملة في العالم. أما القدرية، كحركة في تأريخ الفكر الإسلامي، فهي تنسب لعكس هذا المعنى، فتدل على أن الإنسان قادر على أفعاله بإرادة حرة ولا يجبره القدر الإلهي.
وفي الفترة الأموية كان لمسألة القدر ناحية سياسية، فإن الخلفاء فضلوا تعليم القدر الإلهي ليعضدوا ادعاء تقدير الله لحكمهم. والشاعران جرير والفرزدق أشاعا هذا الادعاء، يرفعون الأمويين ليس كخلفاء النبي ولكن كخلفاء الله وظله على الأرض، ولذلك كان حزبهم يدّعو أن كل ما أمروا هو ما قدر الله ولم يكن لأي من كان حق تعارضهم أو التساؤل عما يفعلون.
وإن الورائية الإسلامية لهذه المسألة مهمة. فالجزيرة العربية ليس لها موسم المطر محدود، والبدويون الجاهدون في طلب المرعى لبهائمهم يعتقدون بالسهولة أن القضاء على أمورهم في قدرة ما فوق طبيعانية. وشعر الجاهلية يتكلم عن "الدهر" أو "الزمان" أو "الأيام" كقدرة غير مشخصة تقدّر كل شيء، وخاصة الأجل والرزق. أما بجانب آخر فاحترم العرب الأعمال الباهرة، وخاصة في الحرب، واحتسبوها علامات طاقة موروثة لإنجاز كرامات.
والقرآن يحفظ مقولي الأجل والرزق، ولكن يعزوهما لا إلى قدرات غير مشخصة بل إلى قدر الله (الجاثية 23-25، الحديد 22). وبرغم أن القرآن يثبت أن الإنسان مكلف بأعماله في يوم الدين، يقول أيضاً أن لله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (البقرة 284، آل عمران 129، النساء 48، 116، المائدة 18، 40) أو يقبل شفاعة الشافعين (يونس 3، مريم 87، طه 109، سبأ 23، الزخرف 86). وكذلك قيل أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء (النحل 93، الأنعام 125)، "وإن ينصركن الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" (آل عمران 160). وآيات آخرى يظهر الهداء أو الإضلال كنتيجة أعمال سابقة (البقرة 26، آل عمران 86).
ولهذا نشأت المسألة: ماذا هو إرادة الله؟ هل هي كل ما يحدث في العالم بحسب قدره ولو كان ذنباً، أم هي أوامره المعبر عنها في الشريعة؟ وفي حكاية مبلغة عن الأشعري إن ميمون قد سلف بعض الدوانير لشعيب وجاء إليه يطلب الوفاء. فأجاب شعيب قائلاً: "سأوفي لك إن شاء الله." ثم قال ميمون: "إن الله شاء أن توفي لي." فأجاب سعيب: "لو كان الله أراد أن أوفي لك للم أطق أن أمنعك." وأوضح نقاشهما النقاض الظاهر بين قدرة الله الشاملة على كل ما يحدث وبين جودته التي تأمر المعروف وتنهي عن المنكر.
أما في الفقرة العباسية فمسألة القدر فقدت صداها السياسي. والتزم المعتزلة موقف القدرية أن عدل الله يستلزم حرية الإرادة الإنسانية. والأشاعرة تأكدوا من الموقف المضاد، يتخذون نظرية ذرية تنفي السببية ليخفضوا قيمة الخلق ويرقوا قدرة الله.
وقبل أن نفحص آراء الفلاسفة يلزم أولاً أن ننظر بأكثر تفصيل إلى موقف الأشعرية التي هي مذهب الكلام الأكثر توسعاً.
3.2 الأشعرية
إن فكر الأشعري كان موضوع بعض التغيرات والتطور في أيدي أتباعه، ومعبر مذهبه الأبرز هو الغزالي. أما محمد بن يوسف السنوسي فكان من القرن الخامس عشر المشيع في الجماهير الأكثر معروفاً. ومنه أقتطف النقط التالية:[2]
3.2.1 الشهادة إن جزء الشهادة الأول هو "لا إله إلا الله"، وهو لب التوحيد الإسلامي، ومعناه أن الله هو الإله الوحيد. ونتائج كلمة التوحيد هذه ممتدة جداً. فتعاود المتكلمون أن يربطوا كل العقائد الإسلامية لكلمتي الشهادة أن لا إله إلا الله و محمد رسوله. والشهادة آلة تعليم تسهل الذكر وتساعد الطالب على الحوض في العقائد المختلفة في علم الكلام. والشهادة هي أيضاً المبدأ الأول يصدرعنها بمنطق حاد كل التعاليم الإسلامية المفصلة، تنجز في الإسلام هيئة عقائدية ذات تنسيق هائل، لا يمكن تغيير نقطة واحدة بدون التأثير في النسق العقائدي جميعه.
ولننظر الآن إلى تضمنات جزء الشهادة الأول، في التفسير الذي أجمع عليه أغلبية المتكلمين في تأريخ الإسلام. وبرغم التأثير الاجتماعي والسياسي المهم في تطور علم الكلام، أريد أن أمركز في أصوله في ما بعد الطبيعة. وأهم النقاط هي فهم القياس في الأشعرية. ماذا هو بالضبط؟
3.2.2 فهم القياس في الأشعرية كما رأينا، قد غلب على الفكر الجاهلي الدهر والتقدير وعدم الانتباه إلى السببية الطبيعية، وهذا منعكس في تيارة الفكر القرآني. فإن الله قادر أن يعمل ما يشاء لأنه الملك الوحيد بلا شريك أو منافس. وليسند الأشاعرة إثبات القدرة المطلقة في الله، اختاروا اعتقاد الأفلاطونية الجديدة أن العالم الحقيقي هو العالم المثالي والعالم المحسوس ليس إلا ظل يقرب من العدم.
والقياس، بحسب فهم أفلاطون، هو علاقة بين مقولتين متفارقتين تماماً، إحداهما المثال والآخرى الانعكاس في غاية النقص. ويمكننا أن نسمى نوع القياس هذا "قياس الانتساب". فحقيقة الصحة مثلاً توجد في الحيوان، ولكن الصحة تنتسب إلى بوله كعلامة الصحة. أما أرسطو فكان الذي اقترخ قياساً ذا أربع أطراف، بقران نسبتين، مثله: نسبة "أ" إلى "ب" تشابه نسبة "ت" إلى "ج". ونوع القياس هذا، الذي يمكن ان نسميه "قياس النسبتين"، يحفظ واقعيية كل الأطراف أكثر من قياس الانتساب.
أما الأشاعرة، ليعضدوا ترقية الله. على حساب المخلوقات، فانتحلوا نظرية ديموكريتوس وأفيقوروس الذان افترضا أن كل شيء ليس إلا سحب الذرات تتحرك منطلقة في الحيز بدون. قوانين، إلا أن الأشاعرة زادوا أنها تتحرك بأمر الله.[3]
ولنرى الآن كيف طور الكلام الأشعري تفسير الشهادة هذا، ندل على ما اختلفوا فيه عن الفلاسفة وعن المعتزلة.
3.2.3 ما ثم قوة في المخلوقات في الشهادة يحل تبديل "إله" بأي اسمه أو صفته، مثلاً: "لا قدير إلا الله."[4] والأشعرية استعملت عبارات مثل هذه لتعضد تعليمه الرئيسي أنه لا قدرة في الطبيعة، أو بالضبط الطبيعة بمعنى مبدأ الحركة لا توجد. وإنما الله يعمل مباشرة في كل لحظة بالتقاء ما يظهر سبب ونتيجة. وإن هذا المنظور للعلاقة بين الله وبين مخلوقاته جذره قياس الاحتساب الأفلاطوني وحده، باستثناء قياس النسبتين الأرسطوطي. ونقتبس من العقيدة الوسطى لمحمد بن يوسف السنوسي:[5]
وبهذا الدليل تعرف استحالة أن يكون لشيء من العالم تأثير البتة في أثر ما لما يلزم عليه من خروج ذلك الأثر عن قدرة مولانا جل وعز وإرادته وذلك يوجب أن يغلب الحادث القديم وهو محال فلا أثر إذًا لقدرة المخلوق في حركة ولا سكون ولا طاعة ولا معصية ولا في أثر ما على العموم لا مباشرا ولا تولدا. (35)
وكذا لا أثر للطعام في الشبع ولا للماء في الري أو النبات أو النظافة ولا للنار في الإحراق أو التسخين أو نضج الطعام ولا للثوب والجدار في الستر أو دفع الحر والبرد ولا للشجرة في الظل ولا للشمس وسائر الكواكب في الضوء ولا للسكين في القطع ولا للماء البارد في كسر قوة حرارة ماء آخر كما لا أثر لذلك الآخر في كسر قوة برده، وقس على هذه كلما أجرى الله تعالى عادته أن يوجد عنده شيئا ولتعلم أنه. من الله بدءًا بلا واسطة ولا أثر فيه لتلك الأشياء المقارنة له لا بطبعها ولا بقوة أو خاصية جعلها الله تعالى فيها كما يعتقد كثير من الجهلة. وقد ذكر غير واحد من محققي الأئمة الاتفاق على كفر من اعتقد تأثير تلك الأشياء بطبعها والخلاف في كفر من اعتقد أن تأثيرها بقوة أو خاصية جعلها الله تعالى فيها وإن نزعها لم تؤثر. (39)
وعدم القدرة الشامل في المخلوقات يحتوي أيضاً الإرادة الإنسانية. ويعتزم السنوسي نفسه أن للإنسان قدرة الإرادة، وبها "تكتسب" أعماله و تُنسب إليه، ولكن ليس لها أي تأثير في فعله البتة، وإنما يعطيه الحس أنه حر، ولو كان مجبوراً بالفعل (#37). وإن الله يثيب الطاعة ويعاقب المعصية باختياره وليس لأنه مضطر بمديونية العدل (#38).
وموقف السنوسي يعبر جيداً عن الفكر الأشعري الجبري، ولو كان بعض الآيات القرآنية تدل على حرية الإرادة الإنسانية، يحيل إليها المعتزلة، والبعض الآخرى يدل على القدر الإلهي، يحيل إليها الأشاعرة.[6]
وإن أبو بكر محمد الباقلاني دفع هذا الموقف إلى طرفه. فتابعاً لديموكريتوس، نفي وجود الطبيعة ووجود الأفراد الطبيعية، قائلاً إن كل شيء ليس إلا أشكال ذرات صغيرة غير متصل في الحيز أو في الزمان، فإنه تعدم وتُخلق في كل آن.
3.2.4 عدم علم الأخلاق فلسفي والخطة التالية في هذا المجرى المنطقي هو نفي صحة أي علم الأخلاق الفلسفي. فإذا لم يكن للعالم الطبيعي أية قوانين لتصرفاته، كيف يمكننا أن نفحص طبيعة الإنسان ونجد ما يليق به وما يضره؟ فكل ذلك يتعلق على قدر الله الحر، المعلن في القرآن والحديث، المعروف باسم الشريعة. فنسمع من جديد العقيدة الوسطى:
استحال أن يكون حكمه على فعل بوجوب أو تحريح أو غيرهما من الأحكام الشرعية لغرض من الأغراض لأن الافعال كلها مساوية في أنها خلقه واختراعه فتعيين بعضها للإيجاب وبعضها للتحريم أو غيره واقع بمحض الاختيار لا سبب له ولا مجال للعقل فيه أصلا وإنما يعرف بالشرع فقط (#19).
وهذا يعني أن الله لا يأمر شيئاً أو ينهى عنه لأنه حسن أو رديئ، بل إنه حسن أو رديئ لأنه أمره أو نهي عنه.
3.2.5 ليس هبة إلهية في الإنسان استعمال قياس الانتساب بمحاشاة قياس النسبتين يعني أن الناس ليس لهم أية شركة في حياة الله أو صفاته. وفي الإسلام لا يوجد أي من أنماط المسيحية مثل "الحياة الجديدة" أو "الولادة من فوق" أو "النعمة المقدّسة"، وإنما توجد الفطرة، الإنسان كما خلقه الله، لا يتمايز جيرانه إلا بالتقوى أو الالتصاق بالإيمان إلى الميثاق الذي أبرمه الله مع آدم وسلالته.[7] فإذاً إن الفرق الأصلي بين الناس هو ما بين المؤمنين وغير المؤمنين، والمؤمنون كلهم مساوون ولو كان من الممكن أن يفترقوا في مبلغ الأعمال الطيبة التي اكتسبوها.
والمساواة نفسها تطبق على آمرين والمأمورين. ليس لأحد حق من الله أن يحكم (إلا إن الشيعة يعتقدون أن علياً والأئمة المعينون عنهم لهم حق من الله)، ولكن كل واحد له الحق والفرض أن "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر".[8] وحتى المسلمون المذنبون والفاسقون لهم الفرض أن يصلح فساق الآخرين، لأن فرض تجانب الذنب والنهي عنه مفترقان، ومن يهمل عن واجب واحد لا يعتذر عن واجب آخر.[9]
وإن كان ضرورياً أن يُنصب إمام الدولة والشرطة ويستحقون الطاعة، بحسب سورة النساء (4:59): "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، ولكن هؤلاء الذين يوفون فرض الكفاية هذا لا يأخذون فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن عامة المسلمين. ولأن الكل مخضوع للشريعة، كلما يهمل الرئيس تطبيق الشريعة يجب على كل فرد بحسب قدرته أن يصلح الرئيس أو، إن كان الوضع خطيراً، أن يقلبه.
وإن منطق الشهادة، إذا تبعنا قياس الانتساب وحده، يستنتج أيضاً أن الأنبياء ليس لهم امتياز خاص يرفعهم فوق سائر الناس. والنبوة ليست بهبة مستمرة يستعملها النبي كلما يريد، ولكنه لا يتنبأ إلا حين يوحي الله إليه.
وهذا هو الاعتقاد الأشعري الحاد، ولكنه يناقض الاعتقاد الشعبي. فالكتب المحتفلة بمولد النبي تشهد كافياً أن محمداً هو الألف والياء: أول الخلق النور الريئاسي المبدع قبل كل شيء آخر، وهو الآخر الذي سيقود المفلحين إلى الجنة بشفاعته في يوم الآخرة.
والولي كذلك لا يمتاز عن سائر الناس، فإنه ليس إلا مطهر عن أنانيته ليعود إلى براءته الأصلية. ولا مجال ل"اتحاد مع الله" أو "حلول الله فيه"، ولو كان بعض مناهج الصوفية يثبت هذا.
ونظرية الوحي الإسلامي تناسب الفكر أن الإنسان ليس له أي امتياز إلهي. وبمستوى الفعلية العامة يمكن المسلم أن يقول إن الله هو كاتب كل الكتب، أما خاصة في قضية القرآن يستبعد مشاركة الإنسان في تصنيفه. فإن قيل أن محمداً ساهم في تصنيفه ولو في أدنى الدرجة، كان إذاً القرآن بهذه الدرجة أقل وحياً. فإن التعاون يتصور كتفريق الفعلية على نسبة مأئوية. ومثل تفريق الفعلية هذا فغير مقبول للمسلمين وكذلك للمسيحيين. أما تصور الله كالعلة الأولى والإنسان كعلة ثانوية، يفعل كآلة الله لم يمر بخاطر الأشاعرة. وفي هذا التصور المعترف به عند المسيحيين، إن الله مائة بالمائة مصنف الكتاب المقدس والإنسان كذلك مصنفه مائة بالمائة على مستوى مسخر لفعلية الله.
3.3 المعتزلية
كان كل المعتزلة مضادين للجبرية، ولكن ليس كلهم لأسباب نفسها. فلأغلبيتهم كانت القضية الدفاع عن عدل الله، لأنه غير عادل أن يجزي أحداً أو يعاقبه إن لم يكن مسؤولاً عن أفعاله. أما لمعمر والنظام كانت القضية الاعتراف بالسببية الطبيعية.
وبالعكس من الأشاعرة، قال المعتزلة أن الخير والشر جوهريان للأشياء ولذلك إنهما مأمورة بها أو منهى عنها. وقالوا أيضاً أن الخير والشر معلومان بالعقل ولو لم تكن الشريعة.[10]
3.4 الفلاسفة
ضد موقف الأشاعرة، كانت للفلاسفة المقولة الأفلاطونية أن الناس والملائكة مصففون في درجات مختلفة بحسب جودة طبيعتهم. وبحسب هذا التصور كان الأنبياء أوناساً يدركون أسرار الإلهيات بسبب عقلهم الفائق.
3.4.1 الكندي اعترف الفلاسفة العرب بواقعية الطبيعة والقدرة المخلوقة. وكان هذا الموقف واضحاً عند الفارابي، ولكن يظهر أن الكندي تشكك فيه. في رسالة في الفاعل الحق الأول التام والفاعل الناقص الذي هو بالمجاز، كما يدل عليه العنوان، يعزو السببية الحقيقية لله وحده: "فأما الفاعل احق فهو المؤثر فيه من غير أن يتأثر هو بجنس من أجناس التأثر... وأما ما دونه، أعني جميع خلقه، فإنها تسمى فاعلات بالمجاز، لا بالحقيقة، أعنى أنها كلها منفعلة لاحقيقة، فأما أولها فمن بارئه تعالى، وبعضها عن بعض."[11]
ولكن في كتاب في الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد، يبين الكندي أن بعض الأشياء أسباب وعلل لبعض الآخر. والأجرام السماوية، بتغير أوضاعها المستمرة، هي الأسباب المباشرة لكل تغيرات المواسم والطقس، وبهذا الطريق لكل الحياة في الأرض. وإن كانت أسباب الحياة الإنسانية، يلزم — كما يقول الكندي في رسالة في الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل — أن تكون حية وعاقلة. أما في ما يمت إلى الحواس، فإن لها البصر والسمع فقط، وسائر الحواس غير فائدة لأنها لخدمة التغذية، التي تتضمن الفساد، وليس الفساد في تلك الأجرام.
وبينما يعضد السببية في الطبيعة، اختار الكندي، مثل أغلب الفلاسفة العرب، الجبرية العالمية. واستعار هذه النظرية من شارحي أرسطو اليونانيين في الاسكندرية، الذين اعتقدوا أن عقول الأفلاك تقدر كل ما يحدث على الأرض. وهكذا تعلم هذه العقول كل شيء قبل أن يحدث. وقبل الكندي مبادئ هذه الجبرية في عالم فائض من الله، يعزو إليها ليس فقط اختلاف الشعوب البدني ولكن أيضاً مستوى عقلهم والحال الأخلاقية. "فقد يرى أهل البلاد التي تحت تعدل النهار لشدة الحر بتردد الشمس هناك في السنة مرتين... يشتد غيظهم وكلبهم لإفراط الحرارة واليبس عليهم، وتتغير رؤيتهم لغلبة الغضب والشهوة عليهم."[12] وفي نقاش في أسباب الحزن ودواءه، يبين أن كل ما يحدث للإنسان يأتي من الله بإرادته "وكل ما لنا من القنية المشتركة فهي معنا عارية لمعير هو مبدع القنية — جل ثناؤه، يمكن أن يتناول عاريته متى شاء ويدفعها إلى من شاء."[13]
3.4.2 الرازي للرازي كتاب مشهور وسمه بالإلهيات ضمنه من هذياناته وجاهلاته عظائم، ومن جملتها غرض ارتكبه وهو "أن الشر في الوجود أكثر من الخير. وإنك إذا قايست بين راحة الإنسان ولذاته في مدة حياته مع ما يصيبه من الآلام والأوجاع الصعبة والعاهات والزماهات والأنكاد والأحزان والنكبات، فتجد أن وجوده — يعني الإنسان — نقمة وشر عظيم." طلب به. وأخذ أن يصحح هذا الرأي باستقراء هذه البلايا ليقاوم كل ما يزعم أهل الحق من إفضال الإله وجوده البين وكونه تعالى الخير المحض وكل ما يصدر عنه خير محض بلا شك.[14]
3.4.3 ابن مسرة "والقدر قدران: قدر سابق مجمل في اللوح المحفوظ، وقدر مفصل من القدر الأول المجمل. فالأول ساكن، فرغ منه، والثاني متحرك فاصل من الجملة الأولى... فأمثلة الأشياء ومقاديرها فوق الحركة ساكنة، وجملتها في أم الكتاب، لا تغيير لها ولا تبديل ولا انتقال. وهي الدهر الداهر والقوة المحركة في أفق المثال، مثيرة للحركة، ما في الكتاب من القضايا مفصلة لآياته."[15] أما النوع الثاني "فينفع فيها الدعاء، وترجى الاجابة، وفيها استثناء، (والأخرى) لا ينفع فيه الدعاء".[16]
3.4.4 الفارابي في مناقشة طويلة في السياسة المدنية في الممكنات الأرضية الفارابي لا يعطي أي لمح أنها مقدرة عن علل عليا، ونلاحظ الموقف نفسه في أعماله الآخرى. وفي نكت فيما يصح ولا يصح في أحكام النجوم، يقول إن الأحرام السماوية تؤثر في الأرض، أما الذي يزعم أنه يوجد سبيل إلى معرفة هذه الحوادث، "مثل تفاؤل أو معاقبة أو استخراج حساب أو مناسبة بين أجسام أو أعراض، فهو مدع ما لا يذعن له عقل صحيح البتة... وإنما هو اتفاق يركن إليه من كان في عقله ضعف."[17] فإذاً ليست موضوعة لبراهين وكل ما يمكن أن يقال فيها هو حدس غير يقين. وفي قوله هذا لا ينفي الفارابي العناية الإلهي، بل يقول "إن البارئ جل جلاله مدبر جميع العالم لا يعزب عنه مثقال حبة من خردل ولا يفوت عنايته شيء من أجزاء العالم على السبيل الذي بيناه في العناية من أن العناية الكلية شائعة في الجزئيات، وأن كل شيء من أجزاء العالم وأحواله موضوع بأوقف المواضع وأتقنها."[18] ولكن العناية مقولة لا يطورها الفارابي، لكي يجانب الجبرية.
كما يتخذ الفارابي موقفاً متوسطاً في مسألة تأثير الأجرام السماوية وإمكانية تنبأ الحوادث على الأرض، كذلك يتخذ موفقاً معادلاً بالنسبة إلى الكيمياء، ففي رسالة في وجوب صناعة الكمياء يبتدئ بالقول: "قصدي أن أذكر في هذه المقالة وجوب هذه الصناعة ومن أي طريق يثبت والسبب في الأغاليط الواقعة للناظر فيها. فإن الغالطين فيها صنفان: صنف يدفعها ويزيفها، وصنف يثبتها ويتجاوز حد الممكن فيها، وكلا الفريفين أخطأ فيها."[19]
3.4.5 مسكويه في كلام في فعلية الدعاء، مسكويه يثبت أن الله منزه عن التغير، ويقول: "السبب في الإجابة أننا إذا دعوناه في خلوة وخلوص سريرة عطلنا حواسنا عن وجه الانفعالات فتوفرنا على الانفعال الذي يختص بقبول أثر البارئ عز وجل."[20]
3.4.6 ابن سينا أما ابن سينا فيتخذ موقفاً جبرياً واضحاً. ولكن قدر الله يعمل بوسائط:
إن الواجب يؤثر في العقول، والعقول تؤثر في النفوس، والنفوس تؤثر في الأجرام السماوية حتى تحركها دائما... ثم الأجرام السماوية تؤثر في هذا العالم التي تحت فلك القمر، والعقل المختص بفلك القمر يفيض النور على النفوس الإنسانية ليهتدي به في طلب المعقولات.[21]
وبالخصوص إن نفوس الأنبياء والأولياء يمكنها أن يؤثر في هذا العالم: "فإنه ربما ظهرت نفس من النفوس في هذا العالم، نبوية كانت أو غيرها، وبلغت الكمال في العلم والعمل بالفطرة أو بالاكتساب، حتى تصير مضاهية للعقل الفعال، وإن كانت دونه في الشرف والعلم والرتبة العقلية، لأنه علة وهي معلولة، والعلة أشرف من المعلول. ثم إذا فارقت نفس من هذه النفوس بدنها، بقيت في عالمها سعيدة أبد الآبادين، مع أشباهها من العقول. والنفوس مؤثرة في هذا العالم تأثير النفوس السماوية فيه. ثم الغرض من الزيارة والدعاء أن النفس الزائرة، المتصلة بالبدن الغير المفارقة عنه، تستمد من تلك النفس المزورة خيراً وسعادة أو دفع شر وأذى وتنخرط بكليتها في سلك الاستمداد والاستعداد لتلك الصورة المطلوبة، فلا بد وأن النفوس المزورة، بسبب مشابهاتها للعقول، وتجوهرها بجوهرها، تؤثر تأثيراً عظيماً."[22]
في الناجاة يناقش ابن سينا مسألة الوجوب الذي ينتج من نسق العالم هذا.[23] يميز بين الله، الذي هو واجب الوجود بذاته، وبين كل شيء آخر الذي ذاته ليست نفس وجوده، ولذلك هو ممكن بذاته. ثم يقول إن كل ما هو ممكن الوجود بذاته هو واجب الوجود بغيره، إما العلته المباشرة وإما العلة الأولى. ويعرض حجة أن ما يفترض موجوداً لا يمكن عدمه في هذه الحالة. ولكن لا يميز (كما ميز توما الأكويني) بين ما هو واجب بغيره فحواه يعدم المادة وانفعاليته وبين ما هو ممكن لأنه مادي، ولو كان واجب الوجود بالنسبة إلى العلة الأولى الذي يقدر كل شيء بدون إهدار إمكانيته الذاتية.
أما في الشفاء فإن ابن سينا أكثر مفصل: "ولو أمكن إنساناً من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعها وطبائعها، لفهم كيفية جميع ما يحدث في المستقبل... إن الأمور المغيبة التي في طريق إحداث إنما تتم بمخالطات بين الأمور السماوية التي لنا تسامح أنا حصلناها بكمال عددها، وبين الأمور الأرضية المتقدمة واللاحقة، فاعلها ومنفعلها، طبيعيها وإراديها. وليس تتم بالسماويات وحدها، فما لم يحط بجميع الحاضر من الأمرين." وفي ما يمت إلى المنجمين، يقول: "فليس لنا إذن اعتماد على أقوالهم، وإن سلمنا متبرعين أن جميع ما يعطوننا من مقدماتهم الحكمية صادقة."[24]
يقول ابن سينا في الله: "يكون العلم نفسه قدرة... فكونه عالماً لنظام الكل الحسن المختار هو كونه قادراً."[25] ولكل حادث سبب، ومبدأ كل الأسباب هو الله. لذلك "الأشياء التي نسميها اتفاقات هي واجبات عند الله فإنه يعرف أسبابها وعللها."[26]
فإن الأمور إما أن تكون بالطبع، وإما أن تكون بالاختيار، وإما أن تكون بالاتفاق. والتي تكون عن الطبع إنما تكون باللزوم عن الطبع، إما طبع حاصل هاهنا أولي، وإما طبع حادث هاهنا عن طبع هاهنا، أو طبع حادث هاهنا عن طبع سماوي.
وأما الاختيارات فإنها تلزم الاختيار، والاختيار حادث بعد ما لم يكن، فله علة، وحدوثه عنه بلزوم وعلية إما شيء كائن هاهنا عن إحدى الجهات، أو شيء سماوي، أن شيء مشترك بينها.
وأما الاتفاقيات فهي اصطكاكات ومصادمات بين هذه الأمور الطبيعية والاختيارية بعضها مع بعض في مجاريها. فتكون إذا الأشياء الممكنة ما لم تجب لم توجد. وإنما تجب لا بذاتها بل بالقياس إلى عللها، وإلى الاجتماعات التي تعلل الشيء. فإذن يكون كل شيء مقصوداً بجميع الأحوال الموجودة في الحال من اطبيعة والإرادة الأرضية والسماوية... وإنما لا ندركها نحن لأنه إما أن تخفى علينا جميع أسبابها الآخذة نحوها، أو يظهر لنا بعضها ويخفى علينا بعضها. فبمقدار ما يظهر لنا منها يقع لنا حدس ظن بوجودها، وبمقدار ما يخفى علينا منها يداخلنا الشك في وجودها.[27]
وفي رسالة القضاء والقدر، يستعمل ابن سينا الحجج نفسها ويختتم كما يلي:
فخذ من هذا كله أن إرادتك موجبة وأفعالك نتائج، وأقرب ما يساعد عليه من هواك أنها إن لم تكن موجبة فهي كالموجبة. ولو لا أن اسم الإجبار ينطبق على معنى من الحمل المستكره لقضيت عليك بأنك مجبر، فإن لم تكن مجبراً فكمجبر، ولا يفيد فرق عند اعتداد عظمة الصانع جلت قدرته.[28]
وفي التعليقات يقول ابن سينا: "النفس مضطرة في صورة مختارة... والأفعال الاختيارية في الحقيقة لا تصح إلا في الأول وحده."[29]
وعلى الإنسان أن يذعن لما أراد الله من نظم العالم بترتيب الأسباب في تحبيك معقد. أما إن كانت الأشياء كلها عند الأوائل واجبات، فلماذا لم تكن كلها دائمة الوجود؟ ويجيب ابن سينا: "وإذا كان شيء لم يكن في وقت فإنما يكون ذلك من جهة القابل لا من جهة الفاعل، فإنه كلما حدث استعداد من المادة حدث فيها صورة من هناك، ليس هناك منع ولا تخل. فالأشياء كلها واجبات هناك لا تحدث وقتاً وتمتنع وقتاً، ولا يكون هناك كما يكون عندنا. وقد يُتشكك فيقال: إذن الأفعال كلها طبيعية لا إرادية؟ فالجواب إن إرادتها على هذا الوجه، إذ هو [الله] الدائم الفيض، والامتناع من جهة القابل." [30]
في سر القدر يجيب ابن سينا الاعتراض أن الأمر والنهي عبث إذا كانت الإرادة مقدورة.
الأمر والنهي في العالم من أفعال المكلفين فإنما هو ترغيب لمن كان في المعلوم أنه محصل في المأمور والنهي تنفير لمن كان في المعلوم أنه ينتهي عن المنهى لكان الأمر سبباً لوقوع الفعل ممن كان معلوماً وقوع الفعل منه والنهي سبباً لانزجار من يرتدع عن القبيح. لذلك ولو لا الأمر لكان لا يرغب ذلك الفاعل ولو لا النهي لكان لا ينزجر. هذا فكان يتوهم أن مائة جزء من الفساد كان يمكن وقوعها لو لا النهي وإذا دخل النهي وقع خمسون جزأ من الفساد ولو لم يكن نهي وقع مائة جزء وكذلك حكم الأمر لو لم يكن أمر لكان لا يقع شيء من الصلاح فإذا ورد الأمر حصل خمسون جزأ من الصلاح.[31]
ويجيب أيضاً على اعتراض أن استعمال الداء عبث:
والحق أن لا يكون العلة والصحة والمرض والشفاء إلا من الله تعالى. ولكنه جعل لكل شيء سبباً، ولكل داء دواء. فإذا كان في قدرة وقضاءه دواء لداء، أصاب العبد بإرادته ومشيئته، هيأ أسبابه ويسّر له ذلك، ويسهّل عليه تناوله، وجعله سبباً لشفائه من السقم.[32]
وفي التعليقات يجيب ابن سينا على الاعتراض أن الدعاء عبث إذا قد قدر الله كل شيء، ويقول:
لا، لأن الباري هو الذي جعل سبب وجود ذلك الشيء الدعاء كما جعل سبب صحة هذا المريض شرب الدواء... ويصير دعاؤنا سبباً للإجابة وموافاة الدعاء لحدوث الأمر المدعو لأجله. هما معلولا علة واحدة، وربما يكون أحدهما بواسطة الآخر. وقد يتوهم أن السماوات تنفعل من الأرضية، وذلك أنا ندعوها فتستجيب لنا ونحن معلولها وهي علتنا... وإذا لم يستجب الدعاء لذلك الرجل، وإن كان يرى الغاية التي يدعو لأجلها نافعة، فالسبب فيه أن الغاية النافعة إنما تكون بحسب نظام الكل لا بحسب مراد ذلك الرجل، فربما لا تكون الغاية بحسب مراده نافعة فلذلك لا تصح استجابة دعائه. والنفس الزكية عند الدعاء قد تفيض عليها من الأول قوة تصير بها مؤثرة في العناصر فتطاوعها العناصر متصرفة على إرادتها، فيكون ذلك إجابة للدعاء، فإن العناصر موضوعة لفعل النفس عنها.[33]
يختلف قدر الخير عن قدر الشر. "فإنه ينفع بالذات والوصال ويضر بالعرض والانفصال. أعني بالمواصلة وصول تأثيره وأعني بالانفصال احتباس تأثيره."[34] في رسالة تفسير المعوذة الأولى (سورة الفلق)، يقول ابن سينا في الله: "أول الموجودات الصادرة عنه هو قضاؤه، وليس فيه شر أصلاً،" وهذا يحكم السماء. أما في الأرض، "فلما كانت الأجسام من قدره لا من قضائه، وهي منبع الشر من حيث أن المادة لا تحصل إلا هناك لا جرم، جعل الشر مضافاً إلى ما خلق... فهذه السورة دالة على كيفية دخول الشر في القضاء الإلهي، وإنه مقصود بالعرض لا بالذات."[35]
واختلاف الموجودات في الخير والشر ودرجات الكمال يحصل عن اختلاف المادة لقبول فيض جودة الله، فهذا لا ييغير. فإنه "فائض على كل موجود والرحمة واسعة والبخل منفي الذات عنه، إلا أن الأشياء متفاوتة في قبول الجود على حسب تفاوتها في الاستعدادات."[36] أما لأن الله، في فكر ابن سينا، لا يفعل مباشرة في المادة، فمسألة قدر الاختلاف فيها لا يشغل باله.
إن خير الكل يفترض وجود الشر في بعض الأفراد، فيدافع ابن سينا خاصة عن الحكمة في موت الناس. فجوهر النفس "إذا فارق الجوهر البدن، بقي البقاء الذي يخصه، وبقي من كدر الطبيعة، وسعد السعادة التامة، ولا سبيل إلى فنائه وعدمه... وأيضاً لو جاز أن يبقى الإنسان، لبقي كل من كان قبلنا. ولو بقي الناس على ما هم عليه من التناسل ولم يموتوا، لما وسعتهم الأرض."[37]
يصف ابن سينا الشر ك"ظلمة العدم،"[38] "والشرور أعدام"،[39] بلا تدقيق حد العدم. أما فهم العدم هو مفتاح فهم تعليم أوغسطين وتوما الأكويني في الشر. وفي التعليقات يعطي ابن سينا حدين للعدم: (1) "ما يكون بالقوة فيخرج إلى الفعل"، و(2) "عدم لا صورة له البتة... كما يقال: الإنسان عدم الفرس."[40] وهكذا لا يمنز العدم عن القوة أو المادة،[41] أو المضاد. ولكن يميزه عن السلب، قائلاً: "العدم يحمل عليه السلب ولا ينعكس. فاللابصر يحمل على الأعمى، والأعمى لا يحمل إلا على اللابصير."[42]
أما في الإنسان فيبين ابن سينا أن الشر يحصل من القوى النباتية والحيوانية، التي هي الشر الذي يحيل إليه سورة الفلق، ولو أمكن العقل استخدامها. وإبليس أيضاً هو "الداء العضال". وهكذا يدخل الشر في القضاء الإلهي.[43] أما في تفسير سور الناس فيعطي معنى مجازي للجن: "الجن هو الاستتار، والناس هو الاستئناس، وهما الحواس الظاهرة والباطنة".[44] وفي رسالة في بيان المعجزات والكرامات والعجائب يقول: "ليس الجن إلا بعض هذه الأشكال المتمثلة في الباطن... فأما ما يتمثل لأزكياء النفوس من الأنبياء والأولياء فهم الملائكة المستحقة المتصورة بصورة الأجسام."[45]
وفي العناية، يقول ابن سينا أنها تمتد إلى كل شيء في فرديته، خيراً كان أو شراً. ومثل اللاهوتيين المسيحيين، يقول ابن سينا أن العناية تسمح بوجود الشر لأجل خير أعلى في العالم: "وعناية الله تعالى محيطة لجميع الأشياء ومتصلة بكل أحد وكل كائن، فبقضائه وقدره. والشرور أيضاً بقدره وقضائه، لأن الشرور على سبيل التبع للأشياء التي لا بد لها من الشر، والشرور واصلة إلى الكائنات الفاسدات، وتلك الشرور محمودة على طريق العرض، إذ لو لم تكن تلك الشرور لم تكن الخيرات الكثيرة دائمة، وإن فات الخير الكثير الذي يصل إلى ذلك الشيء لأجل اليسير من الشر الذي لا بد منه، كان الشر حينئذ أكثر."[46]
3.4.7 ابن جبير (Gabirol) دمج ابن جبير الكلمة (λόγος) في الإرادة وبذلك أعطى العالم صيغة إرادية. فالإرادة تحتوي كل الأشياء السفلى ويجبرها، وقوتها عليها محدودة إنما باستعداد المادة لقبول تأثير الإرادة الإيجابي.[47]
وإنما المخلوقات الروحية العقلية قادرة أن تفعل، وسائر المخلوقات لا، بل تفعل فيها الإرادة.
3.4.8 ابن رشد ابن رشد يرجع عن الموقف الجبرية لسابقيه. وفي تفسير ما بعد الطبيعة يقول:
ومن هنا توجد عناية الله بجميع الموجودات وهو حفظها بالنوع إذ لم يمكن فيها حفظها بالعدد فأما الذين يرون أن عناية الله متعلقة بشخص شخص فقولهم من جهة صادق ومن جهة غير صادق. أما صدقه فمن قبل أنه ليس يوجد لشخص ما حالة تخصه إلا وهي موجودة لصنف من ذلك النوع وإذا كان هذا هكذا فالقول بأن الله يعتني بأشخاص قول صادق بهذه الجهة وأما العناية بالشخص بنحو لا يشركه فيه غيره فذلك شيء لا يقتضيه الجود الإلهي.[48]
وفيما بعد يقول: "والحق في ذلك أن العناية موجودة وأن ما جرى على غير عناية هو من ضرورة الهيولى لا من قبل تقصير الفاعل."[49] وإن تلخيص ما بعد الطبيعة لا يأخذ موقفاً واضحاً، ولكن يعزو لاسكندر الأفروديسي القول إن العناية لا تمتد إلا إلى الأنواع.[50] وفي الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة إن العناية مربوطة مع اختراع الأشياء، بدون تمييز بين النوع والفرد،[51] أما فيما يمت إلى القدر، فيقبل أن كل شيء مقدور عن الأسباب الخارجية المباشرة، بالتعلق على الله كالعلة الأولى. وإن الإرادة الإنسانية مقدرة، كما قد قال ابن سينا من قبل.[52] وفي كل المسألة يوكد ابن رشد علية الله في العالم:
لا فاعل إلا الله تبارك وتعالى وأن ما سواه من الأسباب التي يسخرها ليست تسمى فاعلة إلا مجازاً، إذ كان وجودها إنما هو به وهو الذي صيرها موجودة أسباباً، بل هو الذي يحفظ وجودها في كونها فاعلة ويحفظ مفعولاتها بعد فعلها ويخترع جواهرها عند اقتران الأسباب بها، وكذلك يحفظها هو في نفسها، ولو لا الحفظ الإلهي لها لما وجدت زماناً مشاراً إليه أعنى لما وجدت في أقل زمان يمكن أن يدرك أنه زمان.[53]
وماذا يعني هذا الحفظ إذا رفض ابن رشد التفرقة بين الذات والوجود، وبذلك إمكانية المخلوقات؟ ويجيب أن حفظها بتنسيق العالم، مع تحديد حجم كل جرم سماوي ووضعه وسرعته:
ولو توهم ارتفاع واحد منها أو توهم في غير موضوعه أو على غير قدره أو في غير السرعة التي جعلها الله فيه لبطلت الموجودات التي على وجه الأرض وذلك بحسب ما جعل الله في طباعها من ذلك.[54]
والمفهوم نفسه يلزم أن نأخذ من قوله: "فأما الجواهر والأعيان فليس يكون اختراعها إلا عن الخالق سبحانه، وما يقترن بها من الأسباب فإنما يؤثر في أعراض الأعيان لا في جواهرها."[55] وهذا لا ينفي السببية المتوسطة.
وفي العلوم الباطنية يقول:
وأما علوم الطلسمات، فهي باطل، فإنه ليس يمكن إن وضعنا، أن للنصب الفلكية تأثيراً في الأمور المصنوعة، أن يكون ذلك التأثير لها، إلا في المصنوع، لا أن يتعدي تأثير ذلك المصنوع إلى شيء آخر خارج عنه. وأما علوم الحيل: فهي داخلة في باب التعجب، ولا مدخل لها في الصنائع النظرية. وأما الكيمياء، فصناعة مشكوك في وجودها. وإن وجدت فليس يمكن أن يكون المصنوع منها هو المطبوع بعينه، لأن الصناعة قصارها إلى أن تتشبه بالطبيعة، ولا تبلغها في الحقيقة.[56]
ويقبل ابن رشد وجود المعجزات: "فيكون تصديق النبي أن يأتي بخارق هو ممتنع على الإنسان ممكن في نفسه." ويجد أن القرآن ثبت كونه معجزاً بطريق الحس والاعتبار لكل إنسان وجد ويوجد إلى يوم القيامة." ولكن "وليعلم أن طريق الخواص في تصديق الأنبياء طريق آخر... وهو الإعلام باغيوب."[57] أما الغيب، فهو معرف وجود الموجود في المستقبل أو لا وجوده.[58]
كما رأينا، إن ابن رشد يوكد سببية الطبيعة ضد الأشاعرة. والنار مثلاً يحرق كلما لم يكن عائق.[59] وضد الأشاعرة الذين ينفون كل اتجاه طبيعي لفعل أو انفعال، قائلين إن هذا ليس إلا فعل الله العادي، يسأل ابن رشد ماذا هي العادة؟ فلا يمكن أن تكون لله عادة، لأنها شيء مكتسب ومضاف إلى الطبيعة، وإنما المخلوقات الحية قابلتها. فبنفي اعتراف الطبيعة إن الأشاعرة لا يستوعبون معنى المعجزة.[60] وبصفة عامة يختتم بقوله:
لا ينبغي أن يشك في أن هذه الموجودات قد تفعل بعضها بعضاً، ومن بعض، وأنها ليست مكتفية بأنفسها في هذا الفعل، بل بفاعل من خارج، فعله شرط في فعلها، بل في وجودها فضلاً عن فعلها.[61]
ولكن هذا لا يمنع أن الفاعل الأول يفعل بوسائط.
وفي مسألة الشر، ولو لا يحاول ابن رشد أن يحدد الشر، يقول إنه استثنائي في العالم ويفضي إلى خير الكل، ويعطي أمثال تائج النار النافعة والضارة. ويوكد ابن رشد وجود الخير والشر الأخلاقي وأن العقل قادر أن يستوعبهما مستقلاً عن الوحي.[62] وينقد الأشاعرة:
والتزموا أنه ليس ههنا شيء هو في نفسه عدل ولا شيء هو في نفسه جور. وهذا في غاية الشناعة بأنه ليس يكون ههنا شيء هو في نفسه خير، ولا شيء هو في نفسه شر، فإن العدل معروف بنفسه أنه خير وأن الجور شر، فيكون الشرك بالله ليس في نفسه جوراً ولا ظلماً إلا من جهة الشرع، وأنه لو ورد الشرع بوجوب اعتقاد الشريك له لكان عدلاً وكذلك لو ورد بمعصيته لكان عدلاً، وهذا خلاف المسموع والمعقول.[63]
3.4.9 موشي بن ميمون يتكلم موشي بن ميمون عن القدر في سياق العناية الإلهي. ويشرح خمس آراء فيها:
- رأي أفيقوروس أن لا عناية أصلاً بشيء من الأشياء في جميع هذا الوجود وأن كل ذلك واقع بالاتفاق.
- رأي أرسطو واسكندر الأفروديسي أن العناية معتنية بالأفلاك والأشخاص فيها، أما في العالم الأرضي ذي الكون والفساد، فإنما تحيط الأنواع ولا الأفراد.
- رأي الأشاعرة أن ليس في جميع الوجود شيء بالاتفاق، بل الكل لإرادة وقصد وتدبير. وهكذا كل شيء إما واجب وإما مستحيل، ولا شيء ممكن.
- رأي المعتزلة أن للإنسان استطاعة وحرية، ولكن إن عناية الله بكل الموجودات الطبيعية. ويعتقدون أيضاً أن الكوارث التي تمس الفاضل تجعل أن يعظم جزاؤه في الآخرة، ومثل هذا الجزاء سيصيب الحيوانات، كالفأر الغير آثم الذي افترسه قط.
- تعليم التوراة أن للإنسان حرية الإرادة وأن لا يجوز على الله الجور بوجه من الوجوه. وفي الدنيا تحيط العناية كل الأشخاص الإنسانية، ولكن إنما أنواع الأشياء الأخرى. "فلا تكون العناية الإلهية بأشخاص نوع الإنسان كلها على السواء بل تتفاضل العناية بهم... وبحسب هذا النظر يلزم ضرورة أن تكون عنايته تعالى بالأنبياء عظيمة جداً."[64]
وهنا تعليم خاص لموشي بن ميمون: "ونحن نعتقد أن لك هذه الأحوال الإنسانية هو بحسب الاستحقاق... أن الرجل يقاس بما يقيس به،" ولا تصل عقولنا لمعرفة قانون أحكام الله.[65] وفي إمكانية سقوط الشقاوة على الأبرار، يقول: "أمر الاختبار مشكل جداً وهو من أعظم مشكلات الشريعة."[66] ولكن لا يقبل أن أيوب ابتلى باراً. وفي تفسير كتاب ايوب يعرض أيوب ومكالميه الأربعة كممثلي مواقف فلسفية مختلفة:
- رأي أيوب، أن الله يضرب الأبرار والأشرار بلا تمييز، وهذا يساوي نفي العناية لأشخاص، وهو رأي أرسطو.
- رأي أليفاز أن أيوب استحق كل ما أصابه، وهذا تعليم التوراة.
- رأي بلداد أن أيوب، إن كان مصاباً بلا إثم، فسوف يجازى في اللآخرة، وهذا رأي المعتزلة.
- رأي صوفار أن كل ما حدث لأيوب تابع لمجرد مشيئة الله، ولا يطلب لأفعاله علة بوجه، وهذا رأي الأشاعرة.
- رأي ألياهو يكرر الآراء السابقة ويزيد أن الله عادل ولكن لا يبالي بطاعة من أطاع ولا بعصيان من عصى لأن حكمته تفوق عقلنا.[67]
3.5 توما الأكويني
ضد الأشاعرة، وبالخصوص الباقلاني، قال توما الأكويني أن الله يحفظ وجود الأشياء المستمر، لأن وجودها يعتمد مباشرة عليه.[68] وضد الفلاسفة قال إن فعل الوجود لا يمكن أن يصدر من فاعل وسيط.[69] ومع الأشاعرة قال إن الله هو علة أفعال كل شيء، لأن وجودها يتعلق عليه دائماً.[70]
وبجانب سببية الله الشاملة هذه، يوكد توما أن للمخلوقات سببية خاصة. وبهذا الموقف يضاد ليس فقط الأشاعرة ولكن ابن سينا أيضاً الذي عزى كون كل شيء في الدنيا إلى العقل الفعال، "المبدأ القريب واهب الصور". فبنظريتهم الاتفاقية التي تنفي سببية الطبيعة إن الأشاعرة يضادون شهادة الحواس أن نتائج معينة تصدر من أشياء معينة. وعوض تكبير الله الزائف بفضح الخلق، يشرح توما أن قوة الله تتبدي في كمال ما يصنع وخصبه، لا في فقره وعقره. وتابعاً لابن رشد ينقد هذا موقف الأشاعرة بأنه ينفي نسق العالم وتعالق كل الأشياء فيه، وكذلك ينفي حكمة الله. فإذاً يلزم إثبات سببية المخلوقات في إنجاز نتائج عرضية، مثل الحرارة، وأيضاً نتائج جوهرية كتكوين الأمثال في الولادة مثلاً.[71]
وهذه النتائج الطبيعية معزوة لأسباب طبيعية ولله سواءً، بحسب نسق الأسباب الثانوية تحت العلة الأولى. وليس هذا، كما توهم الأشاعرة والمعتزلة، قضية تشريك السببية بين المخلوق والخالق وتفريقها على حساب قدرة الله على كل شيء.
ونلاحظ أن جذر الأخير لموقف الأشعاري هو استعمال قياس الانتساب الأفلاطوني وحده باستثناء قياس النسبتين الأرسطوطي.[72] وكما توهم أفلاطون أن العالم المحسوس هو إنما ظل متلاش لعالم الصور المعقول الحقيقي، كذلك قلل الأشاعرة الطبيعة ليعلّوا الله.
هل هذا الموقف من جوهر الإسلام؟ إنه نتيجة تطور تأريخي، واتجاه آخر ممكن على مستوى الذهن. فالمعتزلة أرادوا أن يعترفوا في الطبيعة استطاع فعل أعطاهاه الله، وللأسف لم يقدروا أن يثبتوا موقفهم في مبادئ صحيحة، ولو كان صائباً. وفي العصرالحديث غامر البعض بالاجتهاد في المسألة. فعارض محمد عبده وغيره[73] والفكر الجبري الشعبي يدافعون عن حرية الإرادة ومسؤولية الإنسان، أما أغلبهم لا يتداخلون في تحليل الجذور الفلسفية وفي النقد التأريخي الذان لا تحل المسألة بدونهما. ومحاولات نصر حامد أبو زيد التقت المعارضة الشديدة من جانب العلماء في مساجد القاهرة.
وأهل الفكر في المسيحية قد نجحوا عبر ألفين سنة في ترتيب توزن حقائق كل الاتجاهات المذكورة. فإن البعض الذين تعمقوا في ذكر الله وصفوا الإنسان كتراب أمام عظمة الله، مستعملين قياس الانتساب، والبعض الآخر الذين تأملوا أفعال الله واشتغلوا في تطوير الاقتصاد وإصلاح المجتمع كانوا أكثر واعين إلى واقعية العالم، مستعملين قياس النسبتين. وفي الوسط الفضيلة، والله أعلم.
NOTES
[1] Cf. W.M. Watt, The formative period of Islamic thought, ch. 4; L. Gardet, Dieu et la destinée de l'homme, chs. 1-4; H.A. Wolfson, The philosophy of the Kalâm, chs. 6-8.
[2] Cf. J. Kenny, Muslim theology as presented by M. b. Yûsuf as-Sanûsî, especially in his al-`Aqîda al-wustâ
[3] For a detailed study of this question cf. J. Kenny, "Islamic monotheism: Principles and consequences".
[4] محمد بن يوسف السنوسي، العقيدة الصغرى. الغزالي، المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ص 47.
[5] في النشر المشار إليه آنفاً في تعليق 2.
[6] Cf. J. Jomier, "La toute-puissance de Dieu et les créatures dans le Coran"; W.M. Watt, The formative period, pp. 88-90, 191-195.
[7] سورة طه 115، الأعراف 172، إلخ.
[8] سررة آل عمران 104 إلخ.
[9] محمد بن يوسف السنوسي، شرح العقيدة الوسطى، ص 82ب.
[10] Cf. M. Valiuddin, "Mu`tazilism", ch. 10 in M.M. Sharif, A history of Muslim philosophy, I, p. 201.
[11] رسالة في الفاعل الحق ولأول التام والفاعل الناقص الذي هو بالمجاز، ص 135.
[12] كتاب في الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد، 225.
[13] رسالة في حيلة لدفع الأحزان، #6.
[14] موشي بي ميمون: دلالة الحائرين، ص 500.
[15] خواص الحروف، 106، 99.
[16] خواص الحروف، ص 99.
[17] نكت فيما يصح ولا يصح من أحكام النجوم، ص 110-111.
[18] الجمع بين رأيي الحكيميه، ص 25:27 - 26:3.
[19] رسالة في وجوب صناعة الكمياء، ص 75.
[20] فصل آخر من كلامه، ص 194.
[21] رسالة الزيارة والدعاء، ص 285-286. انظر التعليقات، ص 130.
[22] رسالة الزيار والدعاء، ص 286-287.
[23] قسم 3، مقالة 2، ص 262-263. انظر أيضاً فصوص الحكمة، 6.
[24] الإلهيات، مقالة 10، فصل 1، ص 440. انظر أيضاً رسالة في إبطال النجوم.
[25] عيون الحكمة، ص 52.
[26] التعليقات، ص 115.
[27] أحوال النفس، فصل 13، ص 115-116.
[28] رسالة القضاء والقدر، ص 59-60.
[29] تعليقات، ص 53.
[30] تعلثقات، ص 29.
[31] سر القدر، ص 3.
[32] نصائح الحكماء للأسكندر، ص 297.
[33] تعلثقات، ص 47-48.
[34] عيون الحكمة، 52-53.
[35] تفسير سورة الفلق. انظر الرسالة العرشية، ص 16-18.
[36] رسالة في السعادة، ص 7-8. التعليقات، ص 62.
[37] رسالة في الموت، ص 379، 383. التعليقات، ص 46-47.
[38] ص 25؟
[39] سر القدر، ص 304.
[40] التعليقات، ص 30.
[41] التعلثقات، ص 32.
[42] التعليقات، ص 36.
[43] تفسير سورة الفلق.
[44] تفسير صورة الناس، ص 125.
[45] رسالة في بيان المعجزات والكرامات والعجائب، ص 413.
[46] عيون المسائل، 22. سر القدر، ص 303. التعليقات، ص 157، 159.
[47] מקור חיים، 5:19،86.
[48] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1607.
[49] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1715.
[50] تلخيص ما معد الطبيعة، ص 160-164.
[51] الكشف عن مناهج الأدلة، ص65-70.
[52] الكشف عن مناهج الأدلة، ص 134-143.
[53] الكشف عن مناهج الأدلة، ص 139-140.
[54] الكشف عن مناهج الأدلة، ص 140.
[55] الكشف عن مناهج الأدلة، ص 142.
[56] تهافت التهافت، 768-769.
[57] تهافت التهافت، ص 775-776.
[58] كشف عن مناهد الأدلة، ص 138.
[59] تهافت التهافت، ص 783-784.
[60] تهافت التهافت، ص 786-796.
[61] تهافت التهافت، ص 787. انظر ص 793.
[62] الكشف عن مناهج الأدلة، ص 143-149.
[63] الكشف عن مناهج الأدلة، ص 144.
[64] دلالة الحائرين، ص 524-536، والفقرة الأخير من ص 536.
[65] دلالة الحائرين، ص 530-531، 533.
[66] دلالة الحائرين، ص 563.
[67] دلالة الحائرين، ص 548-569.
[68] Cf. Summa contra gentiles, III, 65. [69] Ibid.
[70] Ibid., n. 67.
[71] Ibid., nos. 69-70. [72] في تعليم توما الأكنوينو في القياس انظر In Metaphysicorum libros Commentarium, liber 5, lectio 8. وفي تطبيقه على العلاقة بين الخلق والخالق انظرQuestiones disputatae de veritate, 1, art. 11, et Quaestiones disputatae de potentia, 7, art. 7; Summa theologiae, I, q.13, a.56; Summa contra Gentiles, I, ch. 34.
[73] Cf. J. Jomier, Le commentaire coranique du Manâr, chs. 3 & 4.