فلسفة العالم الإسلامي
الفلاسفة وأهم مواضيع كتابتهمالباب الرابع
النفس الإنسانيتقليداً لمذهب أرسطوط، أيد الفلاسفة العرب أن للإنسان خمس حواس خارجية وبعض الأخرى داخلية. وبجانب هذه القوى المعرفية المحسة، كلهم أكدوا أن لكل الإنسان عقل يعلم به. أما في جزئيات تعاليمهم كل من الفلاسفة ذهب طريقه الخاص.
4.1 الكندي
المشكلة التي واجهها الكندي والفلاسفة المتأخرون هي التوفيق بين عمل العقل مجاوز المادة وبين عمل النفس كصورة البدن. فإذا كانت الصورة مساوية المادة، وكانت النفس صورة البدن، كيف يقدر أن يفعل
شيئاً مجاوزاً للمادة. وموقف الكندي هو أن النفس ليست بصورة البدن، ولكنها جوهر كامل مستقل ومفارق عن البدن، ويمدح أفلاطون لأجل هذا تعليمه.[1] أما في نسبة النفس للبدن فيقول الكندي أن الدماغ هو
موضوع لجميع هذه القوى النفسية.[2] وفي رسالة في العقل يميز الكندي أربع عقول:
- العقل الذي بالفعل أبداً، والكندي يسمح القارئ ليفترض أن هذا العقل الله، ولكن لا يسميه الله، وفي ما بعد سيفرض الفارابي عقلاً فعالاً بين الله والناس.
- العقل الذي بالقوة، وهو النفس في حالة الجهل. ويجذر بالذكر أن الكندي ينفي أي تمييز بين النفس وقواها الحسية والعقلية.
- العقل الذي خرج في النفس من القوة إلى الفعل، فإنه استفاد الصور العقلية من العقل الأول، وهو في حال المعرفة بالملكة.
- العقل الذي نسميه الظاهر، فإنه يعلم بالفعل.[3]
4.2 الرازي
في الطب الروحاني يقول الرازي: "النفس، ما هي؟ ولم هي مع الجسم؟ وما تكون حالها بعد المفارقة؟... فنقول، إن أفلاطون — شيخ الفلسفة وعظيمها — يرى أن في الإنسان ثلاث أنفس، يسمى إحداها النفس الناطقة والإلهية، والأخرى يسميها النفس الغضبية والحيوانية، والأخرى يسميها النفس الناباتية والنامية والشهوانيس. ويرى أن النفسين الحيوانية والنباتية، إنما كونتا من أجل النفس الناطقة... وليس لهاتين النفسين — أعني النباتية والغضبية — عنده جوهر خاص يبقى بعد فساد الجسم، كجوهر النفس الناطقة، بل إدحداهما، وهو الغضبية، هي جملة مزاج القلب، والأخرى هي الشهوانية، وهي جملة مزاج الكبد."[4] لتصل إلى سعادتها يلزم أن تطهر نفسها بدراسة الفلسفة، وإلا، بحسب أفكار فثاغوروس وأفلاطون المنسوبة إلى الرازي عن منتقديه، يلزم أن تطهر نفسها بسلسلة التناسخات، وربما في جسد الحيوان. وفي التناسخ يقول: "لو لا أنه لا سبيل إلى تخليص الأرواح عن الأجساد المتصورة بالصور البهيمية إلى الأجساد المتصورة بصور الإنسان إلا بالقتل والذبح لما جاز ذبح شيء من الحيوان البتة."[5]
4.3 ابن مسرة
طور ابن مسرّة الفكر أن النفس الإنساني المهدية عن النفس الكبرى للعالم السماوي والعقول المفارقة وراءه.[6] فيميز أربع أنفس: الغذاية، الحيوانية، الناطقة، وعقل مفارق تنتسب إليه النفس الإنسانية كالقمر إلى الشمس.[7] وفي الإنسان يوجد البدن والنفس الحيوانية والروح الإلهي فيه الحق الذي نفخ في آدم.[8] ويحدد الروح ك"جسم هوائي لطيف"، بينما النفس "منبعثة سارية من النفس الكبرى الفلكية نحو الأرض"، وهي "القدر المفصل الذي لا استقرار له".[9]
4.4 إسحاق بن حنين
لهذا مترجم كتب يوناينة إلى العربية نُسب كتاب النفس، ليس مجرد ترديد ما قال أرسطو ولكن يشرح بعض أفكار تسبق ما قال فلاسفة متأخرون. وتابعاً لأفلاطون، قال إن النفس الناطقة "في الجسم كالجوهر في الجوهر أي كالملاح في السفينة".[10] وفي هذه الحياة تحتاج إلى الوهم، وإذا دخل على الوهم آفة، يعرض النسيان للعقل، "فإذا فارق البدن لم ينس شيئاً مما يعلمه، لأنه لا يحتاج حينئذ إلى الوهم في علم الأشياء."[11]
4.5قسطا بن لوقا
من هذا المترجم والمؤلف بقي كتاب واحد: الفرق بين النفس والروح. ويقول: "الروح. في بدن الإنسان روحان، أحدهما يقال له الحيواني مادته الهواء وينبوعه القلب ينبعث بالشريانا إلى سائر البدن فيفعل الحياة والنبض والتنفس، فالآخريقال له النفساني مادته الروح الحيواني وينبوعه الدماغ يفعل الدماغ نفسه الفكر والذكر والرؤية وينبعث منه في الأعصاب إلى سائر الأعضاء فيفعل الحس والحركة." والروحان مائتان، بينما النفس مقارقة عن البدن وهي خالدة.[12]
4.6 إسحاق بن سليمان الإسرائيلي
في مجرى تحديد موسوعة من مصطلحات فلسفية، يميز إسحاق بن سليمان ثلاث عقول:
- العقل بالفعل مع معرفة دائمة لكل الأشياء
- العقل بالقوة قبل الانفعال
- العقل المنفعل مستفاد العلم من الحواس بطريق الوهم.[13]
أما في ما يمت إلى النفس، يعترف بالفرق بين أفلاطون الذي يجعل النفس مبدءاً خارجياً لحركة البدن، وبين أرسطو الذي يجعل النفس صورة البدن. ومن أنواع النفس يعترف بواحدة هي نفس الفلك السماوي وعلة الكون في الدنيا. وعلى وجه الأرض توجد أنفس ناطقة وحيوانية ونباتية.[14]
والنفس الإنسانية يفعل بواسطة روح حيوانية ساكنة في القلب التي تؤثر في البدن كله. وهي جوهر جسمي تبطل مع البدن، بينما النفس غير جسمانية وتبقى بعد موت البدن.[15] وإن نفس الإنسان مبدأ خارجي للبدن، بينما الطبيعة مبدأ داخلي. ويشرح إسحاق حدودًا عديدة للطبيعة، كلها بعيدة عن صياغة أرسطية.
4.7 الفارابي
انتحل الفارابي تحليل الطبيعة لأرسطو أنها تركيب من الهيولى (المادة) والصورة، ولكن أعطى هذا التركيب معنى خاصاً. فإن المادة موضوع الصورة التي هي فيه إما بالفعل وإما بالقوة. ولكن المادة، في منظور الفارابي، ليست بقوة خالصة، بل إنها موضوع "يكتسي أن"ينتزع" الصورة، والصورة يهبها فاعل خارجي ولا تصدر من المادة. فإن هذا قراءة أرسطو بمرأى أفلاطون.[16]
وغرابة أخرى في تعليم الفارابي في هذا الموضوع أنه يسرد ما يظهر تعديد الصور في الفرد. "والجسم إنما يكون مادة للجسم اآخر إما بأن يوفيه صورته على التمام وإما بأن يكسوه من صورته وينقص من عزته."[17] ويطابق الفارابي هذا الفكر إلى النفس الإنسانية حيث يقول: "فالغاية الرئيسة شبه المادة للقوة الحاسة الرئيسة والحاسة صورة في الغاذية والحاسة الرئيسة شبه مادة اللمتخيلة والمتخيلة صورة في الحاسة الرئيسة والمتخيلة الرئيسة مادة للناطقة الرئيسة والناطقة صورة في المتخيلة."[18] ويبين الترتيب نفسه في النسب بين العقول الأربع التي يميزها في المعرفة الإنسانية: "وإذا جعلت الهيئة الطبيعية مادة العقل المنفعل الذي صار عقلاً بالفعل، والمنفعل مادة المستفاد، والمستفاد مادة العقل الفعال، وأخذت جملة ذلك كشيء واحد، كان هذا الإنسان هو الإنسان الذي حل فيه العقل الفعال."[19] ولو يقول في الدعاوي القلبية: "أن النفس الناطقة التي لها هذه القوة المذكورة (الغاذية، المربية، المولدة، الحواس الظاهرة والباطنة) جوهر واحد، هو الإنسان عند التحقيق، وله فروع وقوى منبعثة منها في الأعضاء،"[20]
في فلسفة أرسطوطاليس يتخذ موقفاً واضحاً في تعديد الصور أو النفوس في الفرد: "كذلك توجد نفس رئيسة ونفس أخرى خادمة..."[21]
ويميز الفارابي أربع عقول على أساس مختلف عن تمييز الكندي. فإن للإنسان قوى غذائية وحسية وعقلية. ومن القوى العقلية:
- العقل الناطق بالقوة، وهو العقل الهيولاني (العقل المنفعل لأرسطو)، وإن هذا العقل يوجد في كل إنسان بالولادة.
- العقل المنفعل أو بالفعل، وذلك بقبول المبادئ العقلية الأولى
- العقل المستفاد الذي قد تقدم إلى كمال المعرفة وأصبح "إلهياً" بالااتصال مع الله بواسطة الأرواح المفارقة عن المادة.
وفي فلسفة أرسطوطاليس يجرأ الفارابي أن يقول إن العقل إنما هو في مرحلته الأخيرة هو جوهر الإنسان: "جوهر الإنسان، إذا حصل على كماله الأخير الذي لا يمكن أن يكون فه كمال أكمل منه، صار ذلك الجزء قريباً من أن يكون جوهره هو فعله. ولزم من ذلك أن تكون القوى العقلية إنما غاياتها، فيما تخدم فيه، حصول هذا الجزء من العقل وهو العقل النظري، وأن هذا العقل هو جوهر الإنسان، وأنه إذا لم يكن في أول الأمر جوهره، هو فعله، وكان ذلك إنما يصير بالعقل بأن يكون جوهره قريباً من فعله، لزم من ذلك أن تكون القوى الأخرى — وهي القوى العقلية العملية — إنما حصلت لأجل هذا الجزء، وأن النفس والطبيعة إنما جُعلتا ليحصل هذا الجزء من العقل أولاً بالقوة ثم ثانياً على كماله الأخير أتم ما يكون."[22]- العقل الفعّال، وهو مخرج الإنسان من حالته المادية لأنه لا يقدر أن يخرج منها بقوته الخاصة. أما هذه القوة التي قد سردها أرسطو، وقال توما الأكويني أنها خاصة لكل شخص، فإن الشراح اليونانيون افترضوا أنها وحيدة، مباينة عقول الناس، ساكنة في فلك القمر وواهب الناس الصور العقلية التي يفهمون بها. وانتحل الفارابي هذا التأويل ودمج هذا العقل في "الروح الأمين" و"روح القدس" المذورتان في القرآن، التان يدمجها العلماء المسلمون في الملك جبريل.[23]
وإن مهمة العقل الفعال، بحسب الفارابي، تطبيع في العقل الانفعالي المبادئ العقلية الأولى، مثل مبدأ النقاض. من ثم يساعد الناس لوصول إلى السعادة بإلهام فيهم (إن كانوا مستعدين للقبول) معرفة عليا.[24] والفارابي لا يقول إن العقل الفعال ملزوم لمعرفة زائدة للمبادئ الأولى، ولكن يبين أن "الحس يباشر المحسوسات فيحصل صورها فيه وتؤديها إلى الحس المشترك حتى تحصل فيه فيؤدي الحس المشترك تلك إلى التخيل والتخيل إلى قوة التمييز لتعبر التمييز فيها تهذيباً وتنقيحاً ويؤديها به منقحة إلى العقل فيحصلها العقل عناية."[25] في التعلثقات يقول: "هذه المنامات والإنذارات دليل على اتصال النفس بالأوائل طبعاً بلا كسب."[26] وشغل الخيال هو استعداده لقبول الصور المطلوبة من عند واهب الصور.[27] وفي تأثير العقل الفعال في نفوس الفلك يقول: "هناك صفاء القابل وقلة العلائق فلا يتخيل إلا الواجبات دون المحالات. وأما الفاعل وهو العقل الفعال المفيض عليه التعقل، أي التخيل."[28] وهذا القول غريب في تصور سائر الفلاسفة المذكورين في هذه الدراسة أن العقل الفعال وحيد ومحله القمر. أما الفارابي فيصور كثرة العقول الفعالة: "كل واحد من العقول الفعالة أشرف مما يلي، وجميع العقول الفعالة أشرف من الأمور المادية."[29] وفي رسالة في إثبات المفارقات يدمج العقول الفعالة في العقول المفارقة المناسبة لكل فلك سماوي.
وهل للعقل الفعال مهمة تدبير الطبيعة في الدنيا، كما هي الحال عند ابن سينا؟ وفي مقالاته الكبرى في السياسة لا يثبت شيئاً مثل هذا. وفي جواب مسائل سئل عنها إنما يقول إن الصور تحصل في المادة بفعل المحسوسات وانفعالها.[30]أما في المقالة المهمة رسالة في العقل فيقول: "العقل الفعال يعقل أولاً من الموجود الأكمل فالأكمل. فإن ان الصور التي هي اليوم صور في مواد هي في العقل الفعال صور منتزعة لا بأنها كانت موجودة في مواد فانتزعت، بل لم تزل تلك الصور فيه بالفعل، وإنما احتذى في أمر المادة الأولى وسائر المواد بأن أُعطيت بالفعل الصور التي في العقل الفعال."[31] "الأجسام السماوية هي الأقسام الفاعلة الأول لهذه الأجسام (الأرضية)، فهي إذاً تعطي العقل الفعال المواد والموضوعات التي فيها يفعل."[32] وفي فلسفة أرسطوطاليس، حيث يرفع المسألة مباشرة، يجيب "أن الأجرام السماوية هي مبادئ المحركة للأسطقسات والأجرام الأخر... أما في أن يكون (عقل الإنسان) عقل بالفعل، فقد تبين أن الأجسام السماوية ليس فيها كفاية دون العقل الفعال. وتبين أن الأجسام السماوية فيما يعطيه العقل الفعال الكمال إنما يعطي الحركة فيه الطبيعة والنفس بمرافدة الأجسام السماوية. ثم كثير من النفسانية تعطي المواد التي تصادفها والتي تعدها الطبيعة لها نفساً: فإن الإنسان إنما يلده إنسان كان قبله، فالإنسان عن إنسان، وكذلك كثير من الحيوان وكثير من النبات."[33] وفي زينون الكبير اليوناني ينكلم بأكثر تفصيل:
العقل الفعّال الذي يقا ل له معطي الصور. وهو يعقل الأول على الدوام ويعقل ما دون الأول على الدوام، وجب عنه الصور، والنفوس الفلكية تعاضده بأن يهيئ للقبول منه أسباباً كما أن الطبيب لا يعطي الصحة بل يهيئ لقبول الصحة أسباباً.[34]
نظرية الفارابي — أن العقل الفعال، لأنه يوجد بالفعل الكامل ويخزن كل الصور، يعلم كل شيء ومنه يصدر وجود هذه الصور في المادة — هذه النظرية ترجع إلى عالم الصور لأفلاطون وهي مضادة تماماً لأرسطو الذي أيد أن العقل الانفعال إنما هو قادر أن يعلم شيئاً.
أخيراً نلاحظ أن كتاب مقالات الرفيعة في أصول علم الطبيعة المنسوب للفارابي يظهر في تعليمه وصياغة عبارته أنه زيف. فيسرد الإنسان كمركب من العقل والروح والنفس، حيث العقل الرئيسي يسكن مع الروح في القلب، والنفس تسكن في الدماغ.
4.8 مسكويه
مثل سائر الفلاسفة العرب، يرى مسكويه في العمل العقلي، الذي يميز الإنسان من البهائم، حجة القول إن النفس الإنساني جوهر مباين عن البدن،[35] يتعلق علاقة عرضية بالبدن: "النفس جوهر بجهة وعرض بجهة. فأما ذاته وآنيته فجوهر، وأما كونه متمماً فعارض عرض له والعرض يفسد لا محالة، فأما الجوهر فلا سبيل أن يتوهم له فساد."[36] ولأنها جوهر بسيط، لا يفترق عن العقل ويعلم "بذاتها".[37] ليست مجرد محرك البدن،[38] ولكن العقل يعلم نفسه لأنه "يرجع إلى ذاته رجوع الكل إلى الكل."[39] وفي هذه الحركة إنه (كما قال أفلاطون) "المحرك والمتحرك".[40]
وفي المعرفة، وقول مسكويه أن عقلنا منفعل عن عقل آخر موجود دائماً بالفعل.[41] وهذا العقل "أول مبدع لله تعالى".[42] وفي غيره من المكان يتكلم مسكويه عن "عقول فعالة" مناسبة للأجرام السماوية.[43] وكما الفلك محاط بفلك حتى فلك الأعلى، هكذا الإحاطة في الأرواح السماوية "وكان الأعلى منها بالإضافة إلى ما دونه شريفاً وبالإضافة إلى ما فوق دنيّاً." وبرغم أن مسكويه لا يطول في بيان مهمة العقل الفعال، يعزو إليه إصدار مبادئ العقل الأولى التي برأيه لا تصدر من الحواس.[44] ومسكويه يسبق ابن رشد في رأي وحدانية النفس أو العقل:
الجوهر الذي ليس بجسم ليس بمنقسم... فإن أطلقنا عليه ذلك في وقت، فبحسب استعار اللفظ واشتراك الاسم. فنحن وإن قلنا في وقت أن النفس الجزئية من حالها كَيت وكيت، أو أن النفس الكلية صورتها كيت وكيت، فلسنا نذهب فيه إلى الانقسام الذي يُفهم من الأجسام بل نريد به أن الأشخاص المتكثرة بعرض نُنكرها إلى أن يكثر تدبر النفس لها، فنسمى وجوه التدابير تحرياً وإن لم يكن بالحقيقة كذلك ليُفهم من ذلك إشارتنا. ومثال ذلك أن الإنسانية في الناس، وإن اختلفت بالمواد والأمزجة، فهي بالحقيقة واحدة من جهة تصورها. كما أن الطابع، وإن اختلف بالطين والشمع والرصاص والفضة لأجل اختلاف المواد، فإنه في نفسه واحد، فكذلك نقول إن القوة المصورة للإنسانية واحدة وإن اختلف الأمر بالمواد. ثم يصير تدبير تلك القوة لكل مادة بحسب هيولاها منها، كالإنسان الذي يبني بيتاً من طين ويعمل بركة للماء ويبني سفينة من خشب فيعمل من كل مادة ما تقبله وتم به الغرض المقصود.[45]
ولكن هذه الفرقة لا يتوافق مع الفوز الأصغر حيث يقول مسكويه أن واحدة من لذات النفس المفارقة هي "المشاركة إلى غيره... وما يتصل به من النفوس التي لها مثل مقامه لأجل المناسبة والمشاكلة."[46]
4.9 ابن سينا
ماذا هي النفس؟
في أحوال النفس، الفصل الأول هو "في تعريق حد النفس"، ويتتج أن النفس تتعلق بالبدن، ولكن في قضية الإنسان إنها جوهر قائم بذاته محرك خارجي للبدن، غير منطبع فيه. وفي ذيل متأخر يقول: "فإن اسم الصورة قد يطلق على النفس واسم القابل لها على البدن، وإن لم يكن معنى هذا القبول هو كقبول المحل لما يحل فيه، بل كقبول محل التصرف للتصرف، فالبدن يقبل تصرف النفس."[47] ويبين هذا في الشفاء:
فقد ظهر من أصولنا التي قررنا أن النفس ليست منطبعة في البدن ولا قائمة به، فيجب أن يكون اختصاصها به على سيل مقتضى هيئة فيها جزئية جذبة إلى الاشتغال بسياسة البدن الجزئي، لعناية ذاتية مختصة به، صارت النفس عليها كما وجدت مع وجود بدنها الخاص بهيئته ومزاجه.[48]
ورغم أن ابن سينى يسمى النفس صورة وكمالاً ومبدأ الوجود والتحريك والإدراك،[49] في الرسالة الأحضوية في المعاد يقول بالعكس: "وأما في التحقيق فإن الإنسان أو الشيء المعتبر من الإنسان الذي هو الواقع عليه معنى الأنية، فهو ذاته بالحقيقة وهو الشيء الذي يعلم منه أنه هو، هو النفس ضرورة،" ولو كان الغامسون في الدنيا يظنون العكس.[50]
وفي الشفاء يعزم ابن سينا أن كل نفس، حتى نفوس النبات، جوهر ولا عرض. إنها مباينة للبدن وهو مصدروجوده وتقويمه: "فنقول نحن إنك تعرف مما تقدم لك أن النفس ليست بجسم، فإن ثبت لك أن نفساً مما يصح لها الانفراد بقوام ذاتها، لم يقع لك شك في أنها جوهرة، وهذا إنما يثبت لك في بعض ما يقال له نفس. وأما غيره مثل النفس النباتية والنفس الحيوانية، فإن ذلك لا يقبت لك فيه... فالنفس إذن كما كالجوهر لا كالعرض، وليس يلزم هذا أن يكون مفارقاً أو غير مفارق. فإنه ليس كل جوهر بمفارق."[51] وضد القول "أن النفس التي في بدن واحد هي مجموع نفوس: نفس حساسة دراكة، ونفس غضبية ونفس شهوانية،" يجيب ابن سينا أنه ليست في البدن إلا صورة وحيدة، النفس، ونفس تجمع قوى مختلفة، مثل الغذائية والحسية. "فليس إذن النباتية التي في الإنسان توجد البتة مفارقة بنوعها للإنسان."[52] وفي قضية الإنسان، إن التغذية والإحساس والتعقل لا تصدر عن ثلث نفوس ولكن عن واحدة. ويقول ابن سينا أنه في هذه النقطة يختلف عن أفلاطون (وضمناً عن الفارابي).[53]
ولكن يجدر بالذكر أن ابن سينا، في كتاب الكون والفساد، يعارض الذين يعزمون أن الأسطقسات في الجسم المركب تفقد صورها الخاصة ويتخذ صورة المركب: "ولكن قوماً قد اخترعوا، في قرب زماننا، مذهباً غريباً عجيباً، وقالوا إن البسائط، إذا امتزجت وانفعل بعضها ببعض، تأدى ذلك بها إلى أن تخلع صورها، فلا يكون لواحد منها صورته الخاصة، وتلبس حينئذ صورة واحدة، فيصير لها هيولى واحدة وصورة واحدة." أما هو فيقول إن الأرض والنار تحفظان صورتيهما الجوهريتين عندما تدمجان في اللحم، وإنما قواهما الفعلية تنخفض.[54]
العلاقة مع البدن
في الرؤية والتعبير يعطي ابن سينا تفصيلات العلاقة بين النفس والبدن، قائلاً إن "الإنسان ليس معنى واحداً، ولكنه مركب من جوهرين، أحدهما النفس واآخر البدن. والنفس له بمنزلة الموضوع، والبدن بجميع أعضائه للنفس كالآلة التي تستعملها للأفعال المختلفة. والعجب أن البدن ليس كالآلة الغريبة كالسيف لمن يستعمله، فإن البدن معنى والسيف معنى آخر خارج عنه، يعمله الحداد ويستعمله القاتل، ولكن البدن للنفس آلة هي تركبها و تحفظ هيئتها وتستعملها فيما يحتاج إليه."[55]
أما عندما يعتزم ابن سينا أن النفس والبدن جوهران متباينان مع علاقة عرضية بينهما، فلا يرى النتيجة أن البدن، إن ليست النفس صورته الحقيقية، يلزم أن تكون له صورة أخرى عوض النفس.[56]
وفي صيغة تدبير البدن، يقول ابن سينا أن النفس يفعل بوساطة القلب، والقلب ينظم كلاً من القوى الإحساسية والغذائية في آلته البدنية بوساطة "أرواح" جسمية.[57]
ومن قبل قد سرد قسطا بن لوقا الروح الحيوانية التي تخدم النفس كوسيط لإحياء البدن بينما الروح النفسانية في الدماغ تخدم كوسيط للإحساس وتحريك البدن.[58] وابن سينا حفظ هذا الفكر في العلم اللدني، لكن في الرؤية والتعبير، يقول إنه يوجد "ثلاثة أنواع من الروح في ثلاثة مواضع مختلفة: (1) الروح النباتية، ومكانها الكبد ومنها تنبثّ في العروق الساكنة التي تسمى الوريدة إلى أطراف البدن، (2) والروح الحيوانية، ومنبعها القلب ومنه تنبث في الشرائين إلى الأعضاء، (3) والروح النفسانية، ومكانها الدماغ ومنه تنبث في الأعصاب إلى الأطراف. وفي البدن من النفوس أيضاً ثلاثة على مراتب الأرواح، فإن الروح للنفس بمنزلة الهيولى للصورة."[59] وهذا الموقف المضاد لما عبر عنه في مكتوباته الأخرى، يرفع مسألة صحة هذا كتاب. ولكن، كما رأينا، إن كثرة الصور الجوهرية توافق الاثنوية الأفلاطونية التي يصوغ فكر ابن سينا. والأرواح الثلاث موجودة أيضاً في رسالة الصلاة، حيث تظهر كثلاث نفوس، ومنها إنما النفس الناطقة هي خالدة.[60]
الحواس
ابن سينا، كأرسطو، يميز خمس حواس خارجية.[61] ولكن في الحواس الداخلية يسرد ترتيباً مختلفاً عن أرسطو (وابن رشد سيكون أكثر ضبطاً):
- الحس المشترك
- الخيال المتصورة التي تحفظ الأمثال الحسية
- المتوهمة، التي تحكم المحسوسات كخير أو شر
- المتخيلة أو المفكرة، وفي الناس تحفظ ما يعرض إليها المتوهمة
- الحافظ أو الذاكرة التي تحفظ كل المحسوسات ومعانيها كخير أو شر.[62] ويلاحظ أن التعقل يستغرق الوقت، لأنه يستعمل المتخيلة.[63]
وبرغم التفريق الجذري بين النفس والبدن في فكر ابن سينا، يثبت أن الحواس الخارجية والداخلية تخدم النفس كمصدر العلم، وذلك خاصة في الهندسة وعلم النجوم حيث الأشكال المصورة ضرورية للتعلم.[64] أما بجانب آخر فيمكن الحواس أن تكون عائقاً للتعقل المجرد، لأن الحواس لا ترضى أن تكون باطلة في فعل العقل الشديد.[65]
العقول الأربع
ابن سينا في الشفاء يتبع الفارابي في تمييز العقول، مع زيادة العقل الملكي:
- العقل الهيولاني، ويسمى هذا لمشابهته للمادة الأولى فارغة عن كل الصور. وإنه أيضاً يسمى العقل الانفعالي لنسبته للعقل الفعال.
- العقل بالملكة الذي قد حصل التصور واكتسب، لكن النفس معرضة عنه فليست تلتفت إلى ذلك المعقول.
- العقل الناظر بالفعل الذي يعلم المبادئ الأولى وما يستنبط عنها.
- العقل المستفاد المكمل.
- العقل الفعال.[66]
وتسرد العقول الخمس نفسها رسالة في الحدود[67] ورسالة في العقول،[68] ولكن هذه المقالتان تكثران العقول الفعالة المندمجة في الملائكة. وتتقدم رسالة في الحدود أن تبين مصطلحات أخرى مثل "عقل الكل، الذي يمكن أن يفهم كالعقل الذي يحكم الفلك الأعلى الذي منه تصدر حركة جميع العالم، أو كالعقول السموية الوسيطة، وآخرها العقل الفعال المكلف بالنفوس الإنسانية. والعلاقة بين نفوس الأفلاك والعقول المناسبة العلاقة نفسها التي توجد بين نفوس الناس والعقل الفعال. فنفس القمر هي سبب قريب لوخود الأشياء في الدنيا، وتحصل على وجودها من العقل المناسب لها. وفي هذه الرسالة يبين ابن سينا أن الأسماء المختلفة، مثل "النفس الكلية" و"العقل الكلي" إنما تدل على معنى عام يحتوي كل العقول أو الأنفس السماوية، ولكن يشرح فكراً آخر: العقل الذي هو أول الخلق والذي يرشد كل المخلوق يسمى أحياناً "النفس الكي" أو في اللغة الدينية "الروح الكلي".[69]
وفي النكت والفوائد في العلم الطبيعي فقرة عجيبة تقارن العقول الخمس إلى العناصر الموجودة في سورة النور، أية 35:
الله نور السموات والأرض. مثل نوره كمشكوة فيها مصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مبركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسه نار. نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.
وللنفس مراتب أربعة: الأولى هو أن يكون لها استعداد لأن تقبل الصور العقلية المجردة قبل حصولها وهو تسمى العقل الهيولاني والمشكاة، والثانية قوة تحصل عند حصول المعقولات الأول بالفعل يتوصل بها إلى حصول المعقولات الثانية إما بحركة الذهن من الأول إلى الثواني حركة انتقالية يطلب بها الحد الأوسط فذلك الشجرة الزيتونة، وإما بغير حركة بل بحصول الحد الأوسط دفعة واحدة متمثلاً فهو الزيت. فالطريق الأول ما يسمى فكراً والثاني ما يمسى حدساً. ثم هذا الحدس قد يكون قوياً جداً وضعيفاً ووسطاً، فالضعيف ما ذكرناه والوسط هو أقوى من ذلك وهو المسمى عقلاً بالملكة والزجاجة أو القوى من ذلك البالغ هو القوة القدسية التي يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار. فإذا حصل للنظرية هذا الكمال بحصول المعقولات الأول والثواني وصارت لها بالفعل مشاهدة غير غائبة وكانت الثواني على الأول نوراً على نور وهو العقل المستفاد لأنه اُستحصل من الأمرين وإذا تمكنت النفس من المعقولات وصارت قادرة على استحضارها متى شاءت استحضاراً غير كسبي ولا باستعانة كانت تلك القوة المسماة بالعقل بالفعل وهي المصباح الذي يستمد منه كلما شاء وعلة الروقي في معارج هذه الرتب هو علة وجود النفس لأنه الفائض عليها وهو النار وذلك هو العقل الفعال.[70]
وفي رسالة في إثبات النبوات تفسير مختلف لهذه آية: النور هو الله. المشكاة هو العقل الهيولاني والنفس الناطقة، والمصباح هو العقل المستفاد بالفعل، وما بين العقل الهيولاني والمستفاد، يعني العقل بالملكة، هو الزجاج. والشجرة المباركة هي القوة الفكرية، الحس الداخلي الذي بين العقل (المشرق حيث يشرق النور) وبين الحواس البهيمية (الغرب الذي يفقد فيه النور). والعقل الفعال هو النار.[71]
ويجدر بالملاحظة أن في تفسير آية النور وفي رسالة الفعل والانفعال يجعل ابن سينا كل العناصر في هذه الآية تدل على محمد الذي ينير العالم.[72] وفي العلم اللدني يقول: الروح الحيواني جسم لطيف كأنه سراج مشتعل موضوع في زجاجة القلب... والحياة ضوء السراج والدم دهنه، والحس والحركة نوره، والشهوة حرارته، والغضب دخانه."[73]
وبالجملة إن ترتيب العقول في الشفاء، الذي يتبع الفارابي تقريباً، قد روجع في أعماله الأخرى. ورسالة في الحدود ورسالة في العقول تكثر العقول الفعالة. ثم أحوال النفس وعيون المسائل وعيون الحكمة ورسالة في إثبات النبوة تخفض العقول إلى أربع، كما عرضها الكندي:
الشفاء رسالة في الحدود/عقول النكت الأخرى العقل الهيولي الهيولي الهيولي الهيولي العقل بالملكة بالملكة بالملكة بالملكة العقل بالفعل بالفعل —— بالفعل العقل المستفاد/قدسي المستفاد المستفاد —— العقل الفعال العقول الفعالة العقل الفعال العقل الفعال وتبين رسالة في العقول إن العقول المختلفة في الإنسان (بمحاشاة العقل الفعال) ليست إلا أحوال مختتلفة للعقل النظري.[74]
العقل بالفعل رغم أن ابن سينا يصف معرفة الطبيعيات كنتيجة التجريد عن المحسوسات،[75] يأيد أن المعقولات البديهية، مثل "الكل أعظم من جزئه"، لا تقدر أن تصدر عن التجربة الحسية، لأنها في غاية اليقن والشمولية، فيلزم أن تصدر عن فيض إلهي.[76]
وفي الشفاء يبين ابن سينا أن الصور العقلية ليست في العقل حين لا يتفكر فيها بالفعل، لأن "وجود الصورة المعقولة في النفس هو نفس إدراكها لها." فإذاً العقل ليس له علم ملكي، بل إنما الاستعداد القريب ليقبل الصور من جديد من العقل الفعال. والعقل بهذا الاستعداد نوع من العقل بالفعل، ولكن عندما يعلم بالفعل إنه العقل المستفاد.[77] وكذلك ينتحل ابن سينا مصطلح "المعرفة بالملكة من أرسطو، ولكن يفرغه عن معناه بإدماجه في سياق الأفلاطونية الجديدة حيث كل المعرفة تأتي بطريق الفيض من الأعلى.
وفي النكت لا يتبدي هل ينفي ابن سينا المعرفة بالملكة كما نفيها في الشفاء. وبرغم ذلك يقول: "فإذا حصلت للنفس التعقلات بحيث صارت لها هيئة مستقرة حاضرة فيها تطالعها بالفعل فتعقلها بالفعل فقد حصل لها اتصال بالعقل الفعال."[78]
ولا يمكن العقل أن يكون في الفعل الكامل في هذه الحياة، ولكن بعد الموت سيكون في اتصال المستمر مع العقل الفعال.[79] كذلك يمكن العقل الإنساني أن يعرف وجود الجواهر المفارقة وبعض لوازمها، ولكن لا يمكنه أن يعرف حقيقتها وذواتها. وكذلك في المحسوسات ندرك بعض لوازمها والبعض الآخر نجهل، ولذلك وقع للناس اختلاف في ماهيات الأشياء.[80]
العقل الفعال
في فكر ابن سينا، كالفارابي، إن العقل الفعال ليس قوة الإنسان ولكنه مفارق منه. أما ابن سينا فيذهب أبعد من الفارابي بكثير. فرأي ابن سينا هو أن العقل الفعال يهب الوجود لعقول الناس ولكل الأنفس (بمساعدة الأجرام السموية المعدة)[81] وللإستقصات الأربعة.[82] وكذلك يملك كل الصور المعقولة،[83] ويطبعها في العقل الإنساني بفيض إلهي، بحسب استعداد العقل لقبول هذا الفيض.[84] وإنه ليس بالله، لأنه ينجز نتائج عديدة، بينما الله الواحد لا يقدر أن ينجز إلا نتيجة واحدة، العقل الأول المخلوق.[85]
وفوق العقل الفعال يوجد تركيب أرواح عليا: نفوس الأجرام السماوية (لأن ابن سينا يأيد أن لها نفوس عقلية ذات مخيلة أيضاً لتنظم حركتها)[86] وعقول مفارقة عن المادة تماماً، يتعلق كل منها مع نفس سماوية معينة ويعطيها الوجود.[87]
ويلزم أن نلاحظ أن ابن سينا في أعماله المختلفة يدمج العقل الفعال في أرواح سماوية مختلفة:
- معناه المنحصر أنه العقل المفارق المناسب لفلك القمر: "فلك القمر العاشر سماه الحكماء العقل الفعال، وهو روح القدس، وهو موجب نفوسنا ومكملها، ونسبته إلى كلماتنا [أنفسنا] كنسبة الشمس إلى الأبصار, وهو الذي قال لمريم عليها السلام: "إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً" (سورة مريم، آية 19)، وهو واهب نوع المسيح."[88] وفي رسالة في بيان المعجزات والكرامات والعجائب يدمج هذا العقل الفعال في "اللوح المحفوظ" (سورة البروج، آية 22).
- وفي غيرها من المكان يتكلم في إلهام ليس من العقل الفعال وحده ولكن من الجواهر المفارقة بصفة عامة.[89] وفي رسالة الزيارة والدعاء يبين ابن سيا أن العقول الثمان المناسبة للفلوك السماوية كلها يسمونها الفلاسفة عقولاً فعالة.[90] إن رسالة في العقول تدمجها في الملائكة.[91]
- وأخيراً يدمج العقل الفعال أحياناً في العقل الأول الذي خلق الله بدون وسيط.[92]
وفي رسالة إثبات النبوة، يبين ابن سينا أن العقل الفعال يهب المبادئ العقلية مباشرة، ولكن العلم الزائد تأتي بطريق التعقل.[93] ولكن في غير هذا المكان يعطي ابن سينا العقل الفعال أوسع مهمة بكثير.
وفي النوم إن العقل الفعال يفعل مباشرة في العقل الإنساني، وبواسطته يفعل في التخيل. ولكن في حال اليقظة يفعل بصيغة مضادة: فالعقل الفعال يفعل مباشرة في التخيل، وبطريقه في العقل.[94] والأحلام تصدر عن: (1) الإحساسات قبل النوم، (2) وعن ما كان الحالم يتفكر فيه قبل النوم، (3) وعن حال الروح النفسانية في الدماغ المتعلقة بالحال الطبيعية، (4) وعن العقل الفعال الذي ينبئ المستقبلات.[95] ويبين ابن سينا أن العقل الفعال يملأ العالم بفعله بدون اختلاط به، وإنما يراقبه بعنايته.
ويسمى كل فرقة منهم وطائفة تلك القوة باسم آخر. فيسميها الصابئة القديمة المدبر الأقرب، والحكماء اليونانية الفيض الإلهي والعناية الإلهية، والسريانيون يسمونها الكلمة، وهي التي يقال لها بالعبرية السكينة وروح القدس، والفرس والعجم يسمونها شيدِشيدان، والمانوية يسمونها الأرواح الطيبة، والعرب يسمونها الملائكة والتأييد الإلهي. وهذه الأسماء المختلفة تدل على تلك القوة الواحدة.[96]
وفي الرسالة الأحضوية في المعاد يناقش ابن سينا الرأي أن النفوس المفارقة يمكنها أن تفعل الخير أو الشر في الناس هنا، بحسب حال هذه النفوس المفارقة. وإن البعض يقولون أن النفوس غير المطهرة تحفظ القوة الوهمية تعمل به في الأجرام. "وأجمع هؤلاء على أن الشريرة شياطين، والخيرة من هذه الطبقة الناقصة جن... وأفضل العلماء على أن النفس الكاملة المنزهة لا نظر لها إلى المحسوسات. "[97] ولكن رأينا آنفاً أن ابن سينا يعتقد أن كل الحواس تفسد بالموت والجن إنما هي الحواس الداخلية.
النفس-العقل
إن كان العقل جوهراً، لا يمكن أن يكون قوة النفس. وبنفي أن العقل يستعمل آلة عضوية، يقول ابن سينا أنه "يعلم بذاته".[98] ونرى هذا التشويش نفسه في الرسالة العرشية، حيث يقارن علم الله لذاته بعلم النفس لنفسها.[99] وفي رسالة السعادة يفترض أن العقل جوهر متباين عن البدن ولا عن النفس:
فإن هذه القوة قد تصدر عنها أفاعيل من ذاتها بمجردها لا لشيء آخر خارج عن ذاتها، وكلما صدر عنه فعل بذاته لا بشيء خارج عن ذاته فهو جوهر قائم بذاته، وإلا فالعقل أفضل من الجوهر والذات.[100]
وبجانب آخر يقول عن النفس الناطقة: "وله قوتان: عاملة وعالمة، وتسمى كل واحدة عقلاً بالاشتراك. فالعاملة قوة مدركة لأمور تتعلق بمصالح البدن في أحواله الجزئية وأفعاله الخاصة به... والقوة النظرية... والذي يحصل لك هذا أن النفس جوهر بسيط أحدي الذات ولها وجه تنصرف به إلى القدس ووجه تنصرف به إلى البدن ومصالحه، وبحسب هذين لها قوتان."[101]
الخلود
وفيما يمت إلى خلود النفس، إن ابن سينا يرفض حصرية الفارابي واسكندر الأفروديسي من قبله، الذان قالا أن العقل يرتقي عن المادة بقبول الصور العقلية، وأن الأنفس الجاهلية ستنعدم. ويختار ابن سينا رأي ثميستيوس أن عقل الإنسان يبقى بعد الموت. والعقل "هو الإنسان على الحقيقة".[102] "إن الموت ليس أكثر من ترك النفس آلاتها."[103]
ويسرد ابن سينا حجتين ليبرهن أن كل إنسان له نفس خالدة. والأولى هي تجربة النفس أن أفعالها مباينة عن أفعال البدن. ويفترض أنه لو كان الشخص في حيز فارغ بلا إحساس خارجي لكانت نفسه واعية إلى نفسها. (وهنا لا يتفكر في عمل الحواس الداخلية واستحالة وعي إلى النفس بدون وعي إلى شيء معقول معبر في مثل حسية.) فينتج أن النفس جوهر قائم بنفسه مستقل عن البدن، ولكن مؤثر في البدن، وخاصة بانفعالاته، أكثر مما يؤثر البدن في النفس.[104]
والحجة الثانية هي أن العقل، كخزانة الصور المعقولة، يلزم أن يكون هو بريئاً عن المادة وخالداً.[105] ولأن العقل لا يستعمل البدن كآلة، إن العقل مستقل عنه ويمكنه أن يفارق عنه. وهذا هو الحجة المشهورة لأرسطو ومذهبه. ومبدأ الحجة هو أننا، بجانب معرفتنا للجزئيات المحسوسة، نعرف ذوات الأشياء بصيغة معقولة وعامة. والمعقولات في معرفتنا ليست مفردة بالمادة بل إنه روحية. والمعلومات في هذه الحال المجردة عن المادة هي فعل العقل إما بالملكة (كالمذكورات) وإما بالفعل في التفكر الفعلي. وأما الفعل فيناسب القوة. فإذا كان الفعل روحي يلزم أن القوة تكون روحية. فإذاً عقل الإنسان ونفسه روحيان ولذلك خالدان.
وعلامة هذا، كما قال أرسطو، أن العقل لا يتضائل بمرور السنين، ولا يضره إفراط المعقولية كما يضر الحواس إفراط المحسوسية.[106] ولكن هذه الحجة ضعيفة كما يسردها ابن سينا في سياق اثنوي، حيث النفس جوهر كامل مميز عن البدن.[107]
فإذاً وإن كانت النفس ممكنة من جانب وجوده وحدوثه في الزمان، فمن جانب عدم تركيب ذاتها من المادة والصورة لا يمكنها أن ينعدم.[108]
حدوث النفس مع البدن
ومن ناحية أخرى ليس للنفس وجود قبل وجود البدن، لأن الإنسانية واحدة ولا يمكنها أن تتعدد إلا بالمادة. فلما العناصر وضعت في شكل المزاج المناسب لقبول النفس، ثم تُخلق النفس وتنضمت للبدن.[109] "الجسم شرط في وجود النفس لا محالة، فأما في بقائها فلا حاجة لها إليه."[110]
فإذاً خُلقت النفس مع البدن وتنفرد بالنسبة إليه.[111] وهذا الافتراد ماذا هو بالضبط؟ إن ابن سينا يرفض "تطبيع النفس في البدن"، وبذلك "المادة المعينة بالكم" لتوما الأكويني. فيقول ابن سينا:
يجوز أن تكون النفس إذا حدثت مع حدوث مزاج ما أن تحدث لها هيئة بعده في الأفعال النطقية والانفعالات النطقية تكون على جملة متميزة عن الهيئة الناظرة لها في أخرى تميز المزاجين في البدنين وأن تكون الهيئة المكتسبة التي تسمى عقلاً بالفعل أيضاً على حد ما تتميز به عن نفس أخرى، وأنها يقع لها شعور بذاتها الجزئية، وذلك الشعور هيئة ما فيها أيضاً خاصة ليست لغيرها. ويجوز أن تحدث فيها من جهة القوى البدنية هيئة خاصة أيضاً، وتلك الهيئة تتعلق بالهيئات الخلقية، أو تكون هي هي، أو تكون أيضاً خصوصيات أخرى تخفي علينا تلزم النفوس مع حدوثها وبعده، كما تلزم من أمثالها أشخاص الأنواع الجسمانية فتتمايز بها ما بقيت، وتكون الأنفس كذلك تتميز بمخصصاتها فيها، كانت الأبدان أو لم تكن أبدان، عرفنا تلك الأحوال أو لم نعرف أو عرفنا بعضها.[112]
وفي التعليقات، في الكلام في التشخص بصفة عامة، يقول: "التشخص هو أن يكون للمتشخص معان لا يشركه فيها غيره، وتلك المعاني هي الوضع والزمان."[113] على كل حال، "إن النفوس بعد المفارقة إن اتصل بعضها ببعض أو بواجب الوجود امتزجت، فهي أجسام، وهذا محال."[114]
نفي التناسخ والقيامة
فإذاً لا يمكن النفس أن تتخذ بدناً أخر ليس خاصها، وهذا يحاشي إمكانية التناسخ، ويدمج ابن سينا القيامة أو البعث في التناسخ.[115] أما بالنيبة إلى أهل التناسخ، فيشير ابن سينا
- إلى "أفلاطون وبزرجمهر وغيرهما، والغالب على الظن أن تابعي الأخير هم الهنود وغيرهم من الشرقيين،"[116]
- وإلى "أجلة الحكماء، مثل أفلاطون وفيثاغورس،" ولكن يعذرهم بأن معناهم "رمز وتمثيل وكلام ناموسي، والغرض فيه الإشارة إلى الهيئات الرديئة التي تبقى في النفوس بعد الأبدان،"[117]
- وإلى الذين يعتقدون أن النفس ترجع إلى البدن في البعث، يقول: "فإذا بطل أن يكون المعاد للبدن وحده وبطل أن يكون البدن والنفس جميعاً وبطل أن يكون للنفس على سبيل التناسخ، فالمعاد إذن للنفس وحده."[118]
وإن حجة ابن سينا في رفض التناسخ يشبه، إلا بأقل من التفصيلات، اتجاه توما الأكويني فيه.
كل هذا يدل على موقف ابن سينا أنه بعد الموت لن يكون بعث البدن. ويعبر عن هذا الموقف بصراح في رسالة الصلاة: "ثواب البدن لا يتوقع في العالم الروحاني ولا ينتظر في الفيامة لأنه غير مبعوث بعد الموت فمثله مثل النبات إذ مات اندرس وفنى لا يبعث أبداً. وأما الفعل الحيواني فهو الحركة والخيال وحفظ جميع البدن بحسن تدبيره وأمره اللازم، وفعله الخاص الشهوة والغضب فحسب... فليس له انتظار الثواب، ومن عدم فيضه فلا يبعث بعد الموت."[119] وإنما النفس الناطقة "له بعث بعد الموت، وأعني بالموت مفارقته عن الجسم، وبالبعث مواصلته لتلك الجواهر الروحانية وثوابه وسعادته بعدهما."[120] ولعل خوف التكفير جعل ابن سينا أن يختتم قائلاً: "فأعتذر إلى مطالعيها، وألتمس من كل من أسبغ عليه فيض العقل ونور العدل أن لا ينشروا سري وأن أمنوا شري، فإن الأمر مع الخالق وخالقي يعلم أمري ولا يعرفه غيري."[121]
وفي كلمات الصوفية يقتبس ابن سينا عن سورة الفجر (27-28)، والمعارج (4)، والقمر (55)، والأحزاب (44)، والحج (48)، والقيامة (30 & 12)، والنجم (8) ليعضد موقفه أن النفس ستحضر أمام الله بدون البدن.[122]
ولكن نرى في العمل الصوفي، العلم اللدني، هذا القول في جوهر النفس: "يفارق البدن وينتظر العود إلى البدن في يوم القيامة كما ورد به الشرع."[123] وهل يتكلم مجازاً أم ينزل إلى مستوى سامعيه؟ وفي المكان نفسه يزيد: "الروح جوهر فرد كامل حي بذاته، يتولد منه صلاح البدن وفساده." وتقول رسالة في الحدود أننا لا نعرف إلا بالشرع أن السعادة البدنية منتظرة،[124] ولكن هذه المقالة لا تحاول أن تفسر ماذا ستكون هذه السعادة.
وإن المقالة الخاتمة في هذه المسألة هي الرسالة الأحضوية في المعاد. وفيها يفرض أولاً الرأي المعتمد على "ما ورد به الشرع من بعث الأموات. ثم ظنوا أن الشيء المعتبر من ذات الإنسان هو البدن. ثم بلغوا من فرط بغضهم للحكماء وعشقهم لمخالفتهم أن أنكروا أن يكون للنفس أو للروح وجود أصلاً، وأن الأبدان تصير حية بحياة مخلوقة فيها: ليس وجودها هو وجود النفس للبدن، لكنه عرض من الأعراض يخلق فيه... فإذا بطلت صورته عن مادته تراباً أو شيئاً آخر من العناصر فقد بطل ذلك الإنسان بعينه. ثم إذا خلقت في تلك المادة بعينها صورة إنسانية جديدية، حدث منها إنسان آخر لا ذلك الإنسان. فإن الموجود في هذا الثاني من الأول مادته لا صورته، ولم يكن هو ما هو." [125]
ثم يرفض الرأي المشهور في المسلمين كافة أن "الروح باقية فله أن يجعل مصرف الثواب والعقاب الحقيقيين إليها، وهي باقية بعينها، ولا يكون تجدد البدن عليها إلا كتجدد شيء من الأعراض على جوهر قائم."[126] فذلك مستحيل لأنه لو كان العالم قديماً، كما يفترض ابن سينا، لنفدت الأرض: "فعرف أن المادة الموجودة للكائنات لا تفي بأشخاص الكائنات الخالية... أو عرف أن السعادة الحقيقية للإنسان تضادها وجود نفسه في بدنه وأن اللذات البدنية غير اللذة الحقيقية وأن تصيير النفس في البدن عقوبة له."[127] وأيضاً إذا بطل مذهب التناسخ فثبت، "امتناع عود الأنفس المتخلصة إلى الأبدان."[128] وأيضاً "وجب أن يكون الإنسان المغتذي من الناس في البلاد التي يحكى أن غذاء الناس فيها الناس، إذ نشأ من الغذاء الإنسان، أن لا يبعث لأن جوهره من أجزاء جوهر غيره، وتلك الأجزاء تبعث في غيره، أو يبعث هو ويضيع أجزاء غيره، فلا يبعث."[129]
ويضيف هجوماً آخر: "وأضعف القائلين بهذا القول النصارى... أما الذي عند النصارى من أمر بعث الأبدان، ثم خلوها في الدار اآخرة عن المطعم والملبس والمنكح، فهو أرك ما يذهب إليه الأوهام في أمر المعاد. وذلك أنه إن كان السبب في البعث هو أن الإنسان هو البدن أو أن البدن شريك النفس في الأعمال الحسنة والسيئة، فينبغي أن يبعث، وهذا القول بعينه إن أوجب ذلك، فإنه يوجب أن يثاب البدن ويعاقب بالثواب والعقاب البدني المفهوم عند العالم. وإن كان الثواب والعقاب روحانياً، فما الغرض في بعث الجسد؟ ثم ما ذلك الثواب الروحاني والعقاب الروحاني؟ وكيف يصور ذلك لهم حتى يرغبوا أو يرهبوا لهم من أمر الروحانية."[130]
4.10 ابن جبير (Gabirol)
برأي ابن جبير، إن النفس متصلة بالبدن بدون ملامسته.[131] وتفعل هذا بواسطة روح جسمية.[132] وفي ترتيب العالم إن النفس بين العقل المفارق والحواس.[133] وفي الإنسان ثلاث أنفس: المحية (החיונית)، الغذائية (הץומחה)، والعقلية (המדברת).[134]
ويميز ابن جبير بين العقل العام والعقل الخاص.[135] وأغلب الظن أن الأول هو المفارق المفترض عن الفلاسفة الأخر في العالم العربي، والثاني هو النفس الناطقة. ويختار ابن جبير نظرية أفلاطون أن العلم مغروس في طبيعة العقل تحت ظلم المادة، فإن التعلم هو عملية التذكر.[136]
4.11 ابن باجة
في رسالة الاتصال يتبع ابن باجة مذهب الفارابي في أصناف الناس. فيمييز:
- الجمهور الذين، كأهل الكهف الموصوفين عن أفلاطون، معرفتهم ليست إلا حسية أو مادية،
- وأصحاب العلم الطبيعي الذين معرفتهم معقولة مجردة عن المحسوسات،
- والذين يعرفون العقل الفعال بالعلم الإلهي (علم ما بعد الطبيعة) ولا بخيالات الوهمية الكاذبة، كما هو حال للمتصوفة.[137] (و ابن باجة ينقد المصوفة كثيراً.[138] وإن العقل في الصنف الثالث واحد ومعقوله كذلك واحد، وأصحابه سينالون السعادة الأبدية بدون شخصية فردية، بينما الجمهور لا شيء منتظر لهم.
والعقل المستفاد هو العقل الإنساني المكمل بمعرفة يقينة، بحيث إنه عقل ومعقول معاً.[139] وإنه غير واضح هل عرف ابن باجة رأي مسكويه عندما وعظ وحدة العقل، الموقف الذي سينتحل ابن رشد بعده:
فالمحرك الأول الإنساني هو العقل بالفعل وهو المعقول بالفعل. فإن العقل بالفعل هو المعقول بالفعل... فالعقل هو قوة فاعلة... وهذا العقل إذا كان واحداً بالعدد في كل إنسان، فظاهر على ما تلخص قبل هذا أن الأناسي الموجودين والذاهبين والغابرين واحد بالعدد، غير أن هذا مشنع وعسى أن يكون محالاً. وإن كان الأناسي الموجودون والذاهبون والغابرون ليسوا واحدً بالعدد، فهذا العقل ليس بواحد. وبالجملة فإن كان هذا عقل واحداً بالعدد، فالأشخاص الذين لهم مثل هذا العقل كلهم واحد بالعددا.[140]
والتعدد الظاهر يأتي من إضافة إلى موضوعات مختلفة، وهي أجسام محسوسة. وكما سيقول ابن رشد في تلخيص كتاب النفس، إذا يدمج العقل بالفعل في العقل الفعال، فلا مكان للعقل الانفعالي، بل إنما المتخيلة التي تسمى "العقل الهيولاني".
4.12 ابن طفيل
يبتدئ حي بن يقظان تساؤله في النفس بعملية جراحية في جثة مرضته الظبية وجثث غيرها من الحيوانات. فيجد أن مبدأ الحياة هو هواء بخاري في جهة القبل اليسرى.[141] ثم يبني نظرية أحدية "أن
الروح الحيواني الذي لجميع جنس الحيوان... شيء واحد، وأنه لم يختلف إلا أنه انقسم على قلوب كثيرة، وإنما عرض له التكثر بوجه ما. وكان يرى النوع كله بهذا النظر واحداً، ويجعل كثرة أشخاصه بمنزلة كثيرة أعضاء الشخص الواحد، التي لم تكن كثرة في الحقيقة. ثم كان يحضر أنواع الحيوان كلها في نفسه ويتأملها فيراها تتفق في أنها تحس وتغتذي وتتحرك بالإرادة إلى أي جهة شاءت، وكان قد علم أن هذه الأفعال هي أخص أفعال الروح الحيواني... فكان يرى جنس الحيوان كله واحداً بهذا النوع من النظر. ثم كان يرجع إلى أنواع النبات على اختلافها... فيحكم باتحاده بحسب ما يراه من اتفاق فعله في أنه يتغذي وينمو. ثم كان يجمع في نفسه جنس الحيوان وجنس النبات فيراهما جميعاً متفقين في الاغتذاء والنمو.. فيتحد عنده النبات والحيوان. ثم ينظر إلى الأجسام التي لا تحس ولاتغتذي ولا تنمو من الحجارة والتراب والماء والهواء واللب... فيظهر له بهذا التأمل أن جميعها شيء واحد في الحقيقة، وإن لحقتها الكثرة بوجه ما، فذلك مثل ما لحقت الكثرة للحيوان والنبات."[142] ويختتم هذا التأمل بالبيان أن الروح الحيواني مركب من صورة، وهي النفس، ومادة أو هيولى وهي عارية عن الصور جملة.[143]
والإنسان "مباين لسائر أنواع الحيوان، وأنه إنما خلق لغاية أخرى وأعد لأمر عظيم لم يعد له شيء من أنواع الحيوان."[144] وجوهره العقل، وهو مستقل عن البدن.[145] وفي هذه الفقرة لا يتكلم ابن طفيل عن وحدة العقل الإنساني، لأن حي بن يقظان لم يعلم بعد وجود غيره من الناس. ولكن في آخر الكتاب يثبت وحدة كل الأنفس اللإنسانية، كما سيشرح ابن رشد فيما بعد، وينفي بقاء الفرد:
الذاوات المفارقة إن كانت لجسم دائم الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة الوجود، وإن كانت لجسم يؤول إلى الفساد كالحيوان الناطق، فسدت هي واضمحلت وتلاشت، حسبما مثلت به في مرايا الانعكاس، وإن الصورة لا ثبات لها إلا بثبات المرآة، فإذا فسدت المرآة صح فساد الصورة واضمحلت هي.[146]
ويتكلم ابن طفيل عن "الروح (العقل) دائم الفيضان من عند الله عز وجل، وأنه بمنزلة نور الشمس الذي هو دائم الفيضان على العالم."[147] وقد يطرأ على الخاطر أن هذا هو العقل الفعال المفترض عن الفلاسفة الأخر، ولكن في النسق الأحدي لابن طفيل إنه العقل الوحيد للملائكة والناس.
4.13 ابن رشد
حفظ ابن رشد نظام سابقيه جميعه في وجود عقول مفارقة مناسبة للأفلاك السماوية، ورأيهم أن الأجرام السماوية متنفسة. "هذا الجسم ليس يحتاج في بقائه إلى النفس، كما تحتاج أجسام الحيوانات. وإنما تحتاج إلى النفس، لا لأن من ضرورة وجودها أن تكون متنفسة، بل لأنه الأفضل من ضرورته أن يكون بالحالة الأفضل، والمتنفسة أفضل من غير المتنفسة."[148] وأما افتراض ابن سينا والفارابي أن العقل القعال "واهب الصور" في العالم الطبيعي، فابن رشد يرفضه ويتبع أرسطو أن كل شيء يلد مثله، إما في النوع نفسه وإما في الجنس نفسه، بحسب الفكر أن الأجرام السماوية قادرة أن تسبب الكون، الفكر الذي يقول ابن رشد أن حججه غير المشاهدة،[149] ولكن يقبلها توما الأكنويني بدون التشكك فيها. وفي ما بعد يلاحظ ابن رشد أن معتزمي "واهب الصور" لا ينفون أن بعض الأشياء يفعل في بعض استعداداً لقبول الصور الجوهرية، وأما الأعراض، مثل الحرارة، فكلها من السببية الطبيعية.[150]
القوى الحسية
في جوامع كتاب النفس، يعيد ما قال أرسطو في تقسيم الحواس الخمس الظاهرة، ولكن لا يذكر إلا حسين داخليين: المشترك والمتخيلة. وإن المتخيلة تحفظ أمثال المحسوسات بغياب الحسة الخارجية وهي تعمل كذلك كالذاكرة.[151] وفي تهافت التهافت يقول "أن المتخيلة في الحيوان هي التي تقضي على أن الذئب من الشاة عدو وعلى السخلة أنها صديق... وإنما كان يمكن ما قاله ابن سينا لو لم تكن القوة المتخيلة دراكة، فلا معنى لزيادة قوة غير المتخيلة في الحنوان (يعني الوهمية).[152]
أما في تفسير كتاب النفس فيترك موقفه السابق أن الحواس الداخلية منحصرة في المشترك والمتخيلة ويقبل كل الحواس الأربع المذكورة في أرسطو.[153] أما مبادئ الأولى في العقل، فيتردد في تعبير عن أصلها، ويظهر أنه يميل إلى رأي ابن سينا أنها مفاضة عن العقل الفعال.[154] ويسأل أيضاً هل العقل الهيولاني يطيق أن يعرف الجواهر المفارقة. وبعد مناقشة طويلة يقبل المبدأ أنه يطيق أن يعرف كل ما هو معقول، وهذا بالاتصال مع العقل الفعال.[155]
العقل
وفي ما يمت إلى العقل، نستطيع أن نميز ثلاث مراحل في تطور فكر ابن رشد. والأولى، في جوامع كتاب النفس، فيها يأيد أن المعقول، من حيث هو معقول، أزلي وخالد. ولكن يرفض نظرية أفلاطون أن هذه المعقولات توجد في عقلنا من الفطرة وأن التعلم ليس إلا التذكر. فكل العلم يأتي بطريق التجربة الحسية.
ثم يسأل كيف المعقولات تقدر أن يقبلها إنسان مائت وأن تتكاثر بتكاثر الناس. ويجيب أن المعقولات لها وجه صوري، وهو واحد وأزلي، ووجه مادي، ومن هذا الوجه يستطيع كثير من الناس أن يقبلها. أما في الإنسان، فماذا هو الوجه بالضبط من حيث يطيق أن يقبل هذه الصور؟ ليس البدن الذي لا يقدر أن يقبل إلا صورة بدنية، وليس بعقل، لأن العقل من حيث هو عقل يجب أن يكون بالفعل. فيبقى إذاً أن يكون النفس، وفي الأمثال المخيلات في النفس بالضبط. فاستعداد المتخيلة هذا هو وجود "العقل الهيولاني"، ولكن ليس بقابليته، فإن يقبل العقل الهيلاني الصور المعقولة يجب أن يكون فارغاً.
وبقبول المعقولات إن العقل الهيولاني يصبح العقل بالملكة، وهذا يصير العقل بالفعل عندما يعي الإنسان إلى الصور المعقولة. والعقل الهيولاني منفعل عن العقل الفعال، وعندما يتحد أو يتصل به يسمى "العقل المستفاد"، لأنه يستفيد العقل الفعال.
والمرحلة الثانية تتبدي في تفسير كتاب النفس. وفيه يرفض ابن رشد الرأي المنسوب إلى اسكندر الأفروديسي، المستحسن في جوامع كاب النفس، أن العقل الهيولاني هو حالة المتخيلة.[156] ويقول إن العقل الفعال والعقل الهيولاني اثناهما أزليان خالدان وحيدان لجميع الناس. وإنهما تتصلان بكل الأشخاص بواسطة أوهام المتخيلة التي يطبعها العقل الفعال في العقل الهيولاني. ومن هذه الجهة يتعدد العقل الهيولاني في الناس، وكل شخص له علمه الخاص ويتعقل بدارجات. أما لأن المتخيلة فاسدة، فالعقل المستفاد أو النظري هو أيضاً فاسد، مع كل علمه الفردي. ولكن العقل الهيولاني يستمر العقل الفعال أن يفعل فيه في أشخاص أخرى، لأن جنس البشر يوجد دائماً.[157]
وبعد هذا التفسير الكبير كتب ابن رشد ذيلاً لمختصره، يصلح فيه رأيه في اسكندر الأرفريديسي أن الععل الهيولاني هو استعداد المتخيلة، ويقول: "وأما المعاني الخيالية فهي التي نسبتها من العقل الهيولاني نسبة المحسوس من الحس، أعني المبصر من البصر لا نسبة العين من البصر، أعني الموضوع كما تقدم من قولنا في هذا المكتوب وإنما هو أول من قاله أبو بكر بن الصائغ (بن باجة) فغلطنا. وهذا كله قد بينته في شرحي لكتاب أرسظو في النفس."[158] ويختار رأي أرسطو أن العقل الهيولاني أزلي، والمتخيلة إنما تحضر مواضيع المعرفة.
والمرحلة الثاثة تتبدي في تلخيص كتال النفس، وهي المكتوب الأخير في الموضوع. ويبين ابن رشد أن العقل الهيولاني ليس فيه معنى الانفعال إلا القبول فقط دون أن يكون هناك تغير أصلاً، لا في القابل ولا في المقبول.[159] ويضيف أن يقول: "وإذا وفيت هذه الأقاويل قسطها من الشكوك ظهر أن العقل هو من جهة استعداد مجرد من الصور الهيولانية كما يقوله الاسكندر، وهو من جهة جوهر مفارق متلبس بهذا الاستعداد، أعني أن هذا الاستعداد الموجود في الإنسان هو شيء لحق هذاالجوهر المفارق من جهة اتصال بالإنسان، لا أن الاستعداد شيء موجود في طبيعة هذا مفارق كما زعم ذلك المفسرون ولا هواستعداد محض كما زعم ذلك الاسكندر."[160]
وهذا الفكر يظهر أيضاً في تفسير ما بعد الطبيعة (المتأخرعن شرح كتاب النفس)، حيث يبين ابن رشد موقفه بصراح:فقد تبين إذاً أن العقل الهيولاني هو شيء مركب من الاستعداد الموجود فينا ومن عقل متصل بهذا الاستعداد هو من جهة ما هو متصل به عقل مستعد لا عقل بالفعل، وهو عقل بالفعل من جهة ما ليس هو متصل بهذا الاستعداد، وهذا العقل هو بعينه العقل الفعال... (وكما قال ابن باجة من قبل) تبين أنه يوجد في النفس منا فعلان أحدهما فعل المعقولات والآخر قبولها، فهو من جهة فعله للمعقولات يسمى فعالاً ومن جهة قبوله إياها يسمى منفعلاً، وهو في نفسه شيء واحد.[161]
ونحن فقد فحصنا عن المذهبين في كتاب النفس وبينا أن العقل الفعال هو كالصورة في العقل الهيولاني وأنه يفعل المعقولات ويقبلها من جهة العقل الهيولاني وأن العقل الهيولاني كائن فاسد (فإذاً هو المتخيلة)... وأن العقل الذي بالملكة في جزء كائن وجزء فاسد، وأن الفاسد هو فعله وأما هو في ذاته فليس بقاسد، وأنه داخل علينا من خارج... ولذلك العقل الذي بالقوة هو لهذا العقل كالمكان لا كالهيولى. ولو كان فعل هذا العقل من حيث يتصل بالعقل الهيولاني غير كائن لكان فعله جوهره ولم يكن في هذا الفعل مضطراً إلى اتصاله بالعقل الهيولاني، لكن لما اتصل بالعقل الهيولاني كان فعله من جهة ما يتصل به غير جوهره، وكان ما يفعله هو جوهر هو لغيره لا لذاته، ولذلك أمكن أن يكون شيء أزلي يعقل ما هو كائن فاسد. فإن كان هذا العقل يتعرى عند بلوغ الكمال الإنساني عن القوة فقد يجب أن يبطل منه هذا الفعل الذي هو غيره... فقد بقي أن نكون إذاً براء هذا العقل من القوة، عاقلين به من حيث فعله جوهره، وهي السعادة القصوى.[162]
العلم والنزوعة
ضد ما قال ابن سينا، يقول ابن رشد أن كل الصور المعقولة تأتي إلينا من "وجودها خارج النفس في العقل يسمى ملكة (فعال). لكن العقل إنما يقضي على خيال الشيء، والخيال إنما يأخد المعنى من الحس... والمقدمات الأول التي لا ندري متى تعمدنا لإحساسها هي حاصلة ولا بد عن الحس وإن لم ندر متى حصلت لنا عنه."[163] وفي معرفتنا لأنفسنا يقول ابن رشد:
يقال إن العلم النظري هو والمعلوم شيء واحد بعينه... لكن ينبغي أن نعتقد أن هذا الذي قاله إنما يوجد على التمام في الأمور المفارقة، أعني كون العقل فيها والمعقول شيئاً واحداً من جميع الوجوه. وأما في العقل منا فكأنه واحد بالعرض، أعني أنه لما كانت ذاته ليست شيئاً آخر غير عقل الموجودات التي هي خارجة عن ذاته عرض له أن يعقل ذاته بعقله الأشياء الخارجة عن ذاته. وذلك أن ذاته ليست شيئاً أكثر من عقله الأشياء الخارجة عن ذاته بخلاف المفارقة، فإنها لا تعقل أشياء خارجة عن ذاتها.[164]
وهذا العقل الفعال الذي هو الصورة الأخيرة لنا ليس يعقل تارة ولا يعقل أخرى ولا هو موجود في زمان دون زمان، بل لم يزل ولا يزال، وهذا إذا فارق البدن فهو غير مائت ضرورة. وهو بعينه الذي بعقل المعقولات التي هاهنا عند انضمامه إلى العقل الهيولاني، لكنه إذا فارق العقل الهيولاني لم يقدرأن يعقل شيئاً مما هاهنا. ولذلك صرنا لا نذكر بعد الموت جميع ما كنا علمناه حين اتصاله بالبدن. فهو إذا اتصل بنا عقل المعقولات التي هاهنا، وإذا فارقنا عقل ذاته. فأما أن يعقل ذاته وهو متصل بنا فسنفحص عنه بعد.
وينبغي أن تعلم أن تامسطيوس وغالب المفسرين يرون أن العقل الذي فينا مركب من العقل الذي بالقوة ومن العقل الذي بالفعل أعني الفعال، وأنه من جهة ما هو مركب لا يعقل ذاته ويعقل ما هاهنا إذا انضمت إليه المعاني الخيالية، وأن من قبل فساد هذه المعاني يعرض لمعقولاته أن تفسد ويعرض له النسيان والغلط.[165]
إن المخيلة تحرك القوة النزوعية، وهذه تحرك الحار الغريزي، فيحرك هو سائر أعضاء الحركة في الحيوان.[166] وفي تلخيص كتاب النفس يقول ابن رشد: "والحكم بالإيجاب والسلب في العقل النظري نظير الحكم بالخير والشر عند العقل العملي، ولذلك الطلب والهرب إنما يكونان عند أحد هذين الحكمين.[167] ولكنه لا يتكلم البتة عن الإرادة العقلية كقوة خاصة.[168]
وحدة الصورة الجوهرية
في مسألة وحدة الصورة الجوهرية في الفرد أو كثرتها، إن ابن رشد يفترض دائماً الوحدة. ويقول ذلك صراحاً في تلخيص السماء والعالم:
واختلفو هل الأسطقس معد في المركبات بالقوة أو بالفعل، وذلك أن التركيب إن كان على جهة الاجتماع، كما يراه كثير من القدماء، كان الأسطقس موجوداً في المركب بالفعل، وإن كان على جهة الاختلاط، كما يراه المشاؤون، كان موجوداً فيه بالقوة.[169]
ولكن عندما يقول إن النفس هي صورة البدن الحي، لا يبين كيف يمكن أن يكون في الإنسان نفس عقلية وعقل قادر أن يفارق هذه النفس.
4.14 موشي بن ميمون
بعقله إن الإنسان صورة الله.[170] ويثبت موشي بن ميمون أن النفس خالدة، ولكن في جواب على معارضة لافتراض قدم العالم أن هذا يلزم عدداً لامتناهياً من النفوس المفارقة، يجيب باقتباس عن ابن باجة أن النفوس المفارقة ليست لها أبدان تميزها، فإذاً كلها واحدة.[171]
وكابن سينا، موشي ميمون يعزم أن الجنس الإنساني يفترق بمستويات التعقل مختلفة:
- الكفار، "فهم كل شخص إنسان لا عقيدة مذهب عنده، لا نظرية ولا تقليدية، كأطراف التبك المتوغلين في الشمال والسودان المتوغلي في الجنوب،"
- المبتدعون، "فهم أهل رأي ونظر، وقد حصلت لهم آراء غير صحيحة: إما من غلط عظيم وقع لهم في حال نظرهم أو من تقليدهم من قد غلط،"
- "جمهور أهل الشريعة، أعني شعوب البلاد المشتغلين بالفرائض،"
- "الفقهاء الذين يعتقدون الآراء الصحيحة تقليداً ويتفقهون في أعمال العبادات، ولم يلموا بنظر في أصول الدين ولا بحثوا بوجه عن تصحيح اعتقاد،"
- "الذين خاضوا في النظر في أصول الدين" وفهموا الأمور الطبيعية،
- "من حصل له البرهان على كل ما تبرهن، وتيقن من الأمور الإلهية كل ما يمكن تيقنه وقارب اليقين في ما لا يمكن فيه إلا مقارنة اليقين" وفهموا الإلهيات،
- الأنبياء، "فمنهم من رأى على قرب، ومنهم من رأى على بعد."[172]
وكتب موشي بن ميمون مقالة عن البعث، يجيب ساموئيل بن علي، الذي اتهمه بنفيه. وفيه اعتزم خلود النفس ولكن لم يشرح هل ستكون بوجود فردي أم أحدي. ورغم هذا اعترف إمكانية بعث البدن.
4.15 توما الأكويني
المشكلة التي واجه توما الأكويني هي مصالحة معطيين: (1) أن النفس صورة الإنسان الجوهرية، (2) وأن التعقل يجاوز المادة، وموضوع هذا الفعل قادر أن يبقى بفقد البدن. ومن المقدمة أن الفعل يناسب القوة، فإذا،ً بحسب المعطي الأول، يلزم أن يكون النفس صورة مادية، ولكن بحسب المعطي الثاني يلزم أن يكون غير مادية كموضوع فعل غير مادي.
وخطوة توما الأولى ليحل هذه المشكلة أنه باين الفلاسفة العرب في إدماج النفس الإنسانية في العقل، فميز جوهر النفس عن قواها، كما ميز هذه القوى عن ملكاتها وأفعالها. واعتزم أن نفساً واحدة هي صورة البدن الجوهرية. وبقواها الغذائية إنها مصدر أفعال البدن الحيوية، وبقواها الحسية والنزوعية إنها مصدر الأفعال الحيوانية، وبعقليها الانفعالي والفعال وبإرادتها إنها مصدر الأفعال الإنسانية الخاصة.
فإذاً إن للنفس بعض الأفعال هي مادية مجردة، وأخرى هي روحية. وضد ابن سينا، زعم توما أن النفس والبدن من جوهر الإنسان، لا يترك محل للاثنية. وفي حله لمشكلة كيف يمكن صورة المادة أن توجد وتفعل بدون المادة، يفترض توما استثناء لمبدئه العام أن الوجود فعل المركب من المادة والصورة. وفي حالة الإنسان، يقول إن الوجود يتصل أولاً ومباشرة بالنفس، وعبر النفس بالبدن الذي يشارك وجودها بأنه متنفس عنها. فإذاً عند الموت تحفظ النفس وجودها مفارقاً عن البدن.[173]
ونقطة اختلاف حادة أخرى بين الأكويني وبين الفلاسفة العرب هي موقفه أن العقل الانفعالي والعقل الفعال هما قوتان شخصيتان لكل الإنسان.[174] وضذ نظرية ابن سينا أن العقل الانفعالي يعتمد دائماً عن عقل فعال خارجي، قال توما أن الإنسان يحفظ المعرفة بالملكة. ويعترف أن الإنسان، زيادة على المعرفة العادية المحصول بها من الحواس، قادر أن يقبل إلهاماً من الملائكة.
في مسألة مصدر النفس الإنسانية، إن توما يوافق ابن سينا أنها خُلقت مع البدن.[175] وفي ما يمت إلى الأرواح السماوية، يعزم توما أنه توجد مخلوقات عقلية، كل منها وحيد في نوعه، وعددها لا ينحصر في عدد العقول محركة الأجرام الساوية.[176]
NOTES
[1] رسالة في أنه جواهر لا أجسام. رسالة في قول في النفس المختصر من كتاب أرسطو وفلاطون وسائر الفلاسفة. كلام في النفس مختصر وجيز.
[2] رسالش في ماهية النوم والرؤية، ص 297.
[3] ص 353-358.
[4] الطب الروحاني، فصل 2، ص 44-46.
[5] كتاب العلم الإلهي، #4، ص 174.
[6] رسالة الاعتبار، ص 67-69. خواص الحروف، ص 80.
[7] خواص الحروف، ص 87-91.
[8] خواص الحروف، ص 91، 97، 104.
[9] خواص الحروف، ص 107-108.
[10] ص 166.
[11] ص 169.
[12] كتاب الفرق بين الروح والنفس وقوى النفس وماهية النفس، في رسائل ابن سينا 2، ص 88، 93.
[13] Liber de definitionibus, pp. 311, 332.
[14] Ibid., p. 312.
[15] Ibid., 318.
[16] مبادئ آراء المدينة الفاضلة، #16، 19.
[17] مبادئ آراء المدينة الفاضلة، #19، ص 69.
[18] مبادئ آراء المدينة الفاضلة، #21.
[19] مبادئ آراء المدينة الفاضلة، #27.
[20] الدعاوي القلبية، ص 9-10.
[21] فلسفة أرسطوطاليس، #76.
[22] فلسفة أرسطوطاليس، #93.
[23] في كل مسألة العقول إنظر مبادئ آراء الميدنة الفاضلة، #22 & 27، السياسة المدنية #32:6، 36:1، 55:5، 79:9. رسالة في العقل #17، 18، 31، 32-40.
[24] فلسفة أرسطوطاليس، 98.
[25] جواب مسائل سئل عنها، #28.
[26] انظر إحصاء العلوم، فصل 3 (ص 103).
[27] التعليقات، #53.
[28] التعليقات، #78.
[29] التعليقات، #2.
[30] جواب مسائل سئل عنها، #28.
[31] رسالة في العقل، #37-38، 42.
[32] رسالة في العقل، #49.
[33] فلسفة أرسطوطاليس، #99.
[34] زينون الكبير اليوناني، فصل 3.
[35] مقالة في النفس والعقل، ص 50، 21-20. الفوز الأصغر، ص 64.
[36] فصل آخر من كلامه، ص 195.
[37] الفوز الأصغر، 75-81.
[38] رسالة في جوهر النفس، ص 197.
[39] في إثبات الصور الروحانية التي لا هيولى لها، ص 200.
[40] في إثبات ذلك أيضاً، ص 201.
[41] مقالة في النفس والعقل، ص 61-62.
[42] الفوز الأصغر، ص 87.
[43] رسالة في اللذات والعالم، ص 68.
[44] مقالة في النفس والعقل، ص 64، 49. الفوز الأصغر، ص 126.
[45] رسالة في النفس والعقل، ص 55-54.
[46] الفوز الأصغر، ص 105.
[47] رسالة في الكلام على النفس الناطقة، ص 198، تختصر الشفاء، كتاب النفس، مقالة 5.
[48] الشفاء، كتاب النفس، مقافة 5، ص 196.
[49] مبحث عن القوى النفسانية، فصل 2، ص 152-153.
[50] الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 145.
[51] الشفاء، كتاب النفس، مقالة 1، فصل 3، ص 22، 26.
[52] الشفاء، كتاب النفس، مقالة 5، فصل 7، ص 221، 229.
[53] أحوال النفس، فصل 11.
[54] الشفاء، كتاب الكون والفساد، فصل 7، ص 133-139.
[55] الرؤية والتعبير = تأويل الأحلام، فصل "ا"، ص 274. انظر أيضاً العلم اللدني، ص 187-188.
[56] ابن سينا يناقش علاقة النفس للبدن في الشفاء، كتاب النفس، بقالة 5، فصل 4 المساوي أحوال النفس، فصل 9. انظر النكت والفوائد في العلم الطبيعي، ص 158-161.
[57] الشفاء، كتاب النفس، مقالة 5، فصل 8. النكت والفوائد في علم الطبيعة، ص 155-156.
[58] كتاب الفرق بين الروح والنفس وقوى النفس وماهية النفس، في رسائل بن سينا، 2، ص 88، 93.
[59] الرؤية والتعبير، ص 275.
[60] رسالة الصلاة، ص 3-7.
[61] النكت والفوائد في العلوم الطبيعي، ص 152.
[62] النكت، المكان المذكور. الشفاء، كتاب النفس، ص 145-171. رسالة في بيان المعجزات والكرامات والأعاجيب، ص 401-403.
[63] التعليقات، ص 109.
[64] أحوال النفسو فصل 6. مبحث عن القوى النفسانية، فصل 8. الشفاء، كتاب النفس، مقالة 5، فصل 3. النكت والفوائد في العلم الطبيعي، ص 156-157، 161-162، 167-169. التعليقات، ص 83-84.
[65] النكن والفوائد في العلم الطبيعي، ص 164-165، 168-169. رسالة في بيان المعجزات والكرامات والأعجائيب، ص 405.
[66] الشفاء، كتاب النفس، مقالة 5، فصل 6، ص 212-220.
[67] ص 68-70.
[68] ص 416.
[69] رسالة أجوبة عن عشر مسائل، المسألة الثالثة، ص 78.
[70] النكت والفوائد في علم الطبيعة، ص 162-163، انظر ص 167.
[71] رسالة في إثبات النروة، ص 49-52.
[72] رسالة الفعل والانفعال، ص 4.
[73] العقم اللدني، ص 188.
[74] رسالة في العقل، ص 416.
[75] أحوال النفس، فصل 3.
[76] مبحث عن القوى النفسانية، فصل 10. انظر النكت والفوائد في العلم الطبيعي، ص 163-165. الرسالة في السعادة، ص 13. التعلثقات، ص 23.
[77] الشفاء، كتاب النفس، ص 212-220. انظر النكت، ص 167.
[78] النكت، ص 172.
[79] الشفاء، كتاب النفس، مقالة 5، فصل 6.
[80] النكت، ص 165-166.
[81] التعليقات، ص 41
[82] عيون المسائل، 9. مبحث عن القوى النفسانية، فصل 3، حيث يقال إن الأنفس، كل نوعها، تأتي من الخارج.
[83] أحوال النفس، فصل 12. مبحث عن قوى النفسانية، فصل 10.
[84] أحوال النفس، 39.
[85] النكت، ص 166-167.
[86] انظر مثلاً رسالة في السعادة، ص 13-15. التعليقات، ص 62، 101-108، 128-130، 166.
[87] انظر مسائل عن أحوال الروح.
[88] اكلمات الصوفية، ص 165. نظر مثلاً النكن، ص 167.
[89] أنظر مثلاً اننكت والفوائد في العلم الطبيعي، ص 167.
[90] جامع البدائع، ص 33 (عاصي ص 284).
[91] رسالة في العقل، ص 418.
[92] رسالمة في ماهية العشق، ص 26. التعليقات، ص 100.
[93] رسالة في إثبات النبوة، ص 44.
[94] النكت والفوائد في العلم الطبيعي، ص 167-168. التعليقات، ص 83.
[95] الرؤية والتعبير، الفصل "ه-و"، ص 283-288.
[96] الرؤية والتعبير، الفصل "ح"، ص 290-294.
[97] رسالة الأحضوية في المعاد، ص 215-223.
[98] أحوال النفس، فصل 7. عيون الحكمة، ص 35، 38. الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 167, 175.
[99] رسالة العرشية، ص 8.
[100] ص 12.
[101] النكت، ص 156، انظر ص 162. رسالة في بيان المعدزات والكرامات والأعاجيب، ص 404. رسالة في العقول، ص 416-417، وفي غيرها من الأماكن.
[102] عيون المسائل، #21. رسالمة في السعادة، ص 15. الرسالة الأحضوية، ص 213.
[103] رسالة في الموت، ص 379.
[104] الإشارات والتنبيهات، القسم الثاني: الطبيعة، نمط 3، فصل 1-4. الشفاء، كتاب النفس، مقالة 1، فصل 1. مسائل عن أحوال الروح.
[105] أحوال النفس، فصل 4 & 9. مبحث عن القوى النفسانية، فصل 9.
[106] الإشارات والتنبيهات، المكان المذكور. الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 153-183.
[107] انظر الرسالة في السعادة، ص 12-13.
[108] رسال إلى أبي عبد الجوزجاني في أمر النفس. النكت، ص 177-178. كلمات الصوفية، ص 166. الرسالة الأحضوية في المعاد، ص185-189.
[109] التعليقات، ص 63-64، 110.
[110] التعليقات، ص 81.
[111] التعلثقات، ص 81. النكت، ص 177-178. كلمات الصوفية، ص 159. الرسالة الأحضوية في المعاد ص 125-133.
[112] اشفاء، كتاب النفس، مقالة 5، فصل 3، ص 201. التعليقات، ص 65.
[113] التعلثقات، ص 107. انظر ص 145.
[114] كلمال الصوفية، ص 178.
[115] أحوال النفس، فصل 10. الشفاء، كتاب النفس، مقالة 5، فصل 4. كلمات الصوفية، ص 167. الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 99-139. التعلثقات، ص 65, 67.
[116] الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 139.
[117] الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 135.
[118] الرسالة الأحضوية في المعاد، ص 139. انظر الفصل الثالث فيها.
[119] رسالة الصلاة، ص 5.
[120] رسالة الصلاة، ص 7.
[121] رسالة الصلاة، ص 14.
[122] كلمات الصوفية، ص 159.
[123] العلم اللدني، ص 189.
[124] رسالة في الحدود، ص 189-190.
[125] رسالة الأضوية في المعاد، ص 41-43، 65.
[126] رسالة الأضوية في المعاد، ص 67.
[127] رسالة الأضوية في المعاد، ص 69.
[128] رسالة الأضوية في المعاد، ص 75.
[129] رسالة الأضوية في المعاد، ص 79.
[130] رسالة الأضوية في المعاد، ص 85، 95.
[131] מקור חיים ، 2:29 — 30:2.
[132] מקור חיים ، 3:3.
[133] מקור חיים ، 3:24.
[134] מקור חיים ، 3:28.
[135] מקור חיים ، 4:6 ، انظر 4:19.
[136] מקור חיים ، 5:65.
[137] رسالة الاتصال العقل بالإنسان، ص 171.
[138] رسالة الوداع، ص 121 والتالية تنقد المنقذ للغزالي. انظر ايضاً اتصال العقل بالإنسان، ص 166-167، 171.
[139] الوقوف على العقل الفعل، ص 130-131.
[140] رسالة اتصال العقل بالإنسان، ص 160-161.
[141] حي بن يقظان، ص 143.
[142] حي بن يقظان، ص 150-152.
[143] حي بن يقظان، ص 150-162.
[144] حي بن يقظان، ص 189.
[145] حي بن يقظان، ص 178-180.
[146] حي بن يقظان، ص 215.
[147] حي بن يقظان، ص 124.
[148] تهافت التهافت، ص 438.
[149] تهافت التهافت، ص 622. تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1497 والتالية.
[150] تهافت التهافت، ص 790.
[151] جوامع كتاب النفس، ص 54-65. ونفس ذكر الحواس الداخلية موجود في تلخيص كتاب النفس، ص 106-120.
[152] تهافت التهافت، ص 819.
[153] Commentarium Magnum ، ص 419، 449. وهذه الحواص معترفة أيضاً في The epistle on the possibility of conjunction with the active intellect ، ص 27.
[154] Commentarium Magnum ، ص 407، 496، 506.
[155] Commentarium Magnum ، ص 488 والتالية.
[156] Commentarium Magnum ، ص 396-397. والموقف نفسه يوجد في Tractatus de animae beatitudine et Epistula de connexione intellectus abstracti cum homine
[157] Commentarium Magnum ، ص 399-412، 448-500.
[158] "تلخيص كتاب النفس" (الأهواني) ص 90.
[159] ص 128.
[160] ص 124.
[161] ص 124-125.
[162] تفسير ما بعد الطبيعة، ص 1489-1490.
[163] تلخيص كتاب النفس، ص 137.
[164] تلخيص كتاب النفس، ص 128-129. والفكر نفسه يوجد في Commentarium magnum de Anima، ص 420.
[165] تلخيص كتاب النفس، ص 130-131.
[166] مختصر "تلخيص" كتاب النفس (الأهواني)، ص 100.
[167] تلخيص كتاب النفس، ص 134. تلخيص كتاب النفس، ص 145.
[168] ص 134.
[169] تلخيص السماء العلم، ص 307.
[170] دلائل الحائرين، ص 27.
[171] دلائل احائرين، ص 223-224.
[172] دلائل الحائرين، ص 719-721.
[173] Cf. Contra gentiles, II, n. 69-72.
[174] Ibid., II, nos. 59, 69, 73-78; De unitate intellectus contra Averroistas.
[175] Contra gentiles, II, nos. 83-90.
[176] Ibid., II, nos. 91-101.