الباب اللأول

الشرق الأوسط قبل ظهور الإسلام

1.1 المملكة البيزانطية

المملكة البيزانطية، وهي البقية الشرقية من الإمبراطورية العظمى القديمة الممركزة في مدينة رومة، هي معروفة عند العرب بسم "الروم". وهي والفرس كانتا القوتين االكبيرتين في دول القارات الآسيوية والأوربية والإفريقية قبل ارتفاع الإسلام. وعاصمتها، القسطنطينة، أسسها الإمبراطور قسطنطين في سنة 330 م، ولكنها انفصلت عن الغرب بعد موت ثيودسيوس في 395. وبعد ذلك تطور الشرق وأفلح، عندما أصبح الغرب فريسة هجومات الوندل الذين نهبوا رومة وأدخلوا عصر الظلمة في أوروبا.

أما الأساس الوطني للروم فكان اليونان، ولكنه احتوى بعض الأوروبا الشرقي وكل ما في التركية الواقعية، وسوريا وفلسطين والعراق ومصر والشاطئ الشمالي لإفريقية. وكانت لغة اليونانية الإمبراطورية مجذرة في كل الشرق الأوسط من وقت استيلاء اسكندر الكبير على كل هذه المنطقة في سنة 333 ق م. وبقيت اليونانية لغة السوق عبر كل عصر الملك الرومي اللاتيني (العصر المحتوي ميلاد المسيح)، وهذه اللغة كانت اللغة الرسمية الوحيدة بعد انفصال شرق الإمبراطورية عن الغرب.

والدين الغالب من زمن قسطنطين هو المسيحية المستقيمة. وكنيسة الشرق لها عادات العبادة خاصة لها مختلفة عن الغرب، ولكن اتحادها مع كنيسة الرومة بقيت حتى انشقاق العام 1009.

وكان للبلدان التالية من الإمبراطورية البيزانطية اتصال مع الجزيرة العربية وظهور الإسلام.

1.2 مصر

واسم مصر من الاسم العبرية מִצְרָיִם بمعنى الحصن أو المدينة المجردة، وحتى اليوم تقال القاهرة مصر عند العوام، برغم أن الجمهورية كلها تقال مصر. وبعد العصر الفرعوني استولى الفرس على مصر في سنة 525 ق م، ثم استولى عليه الينوان من زمن اسكندر الكبير. ومر إلى أيدي الرومان في سنة 30 ق م، فورثته الإمبراطورية البيزانطية. أما أهل مصر الأصلي فهم الأقباط، والإسم اليوناني Αἴγυπτος وكذلك الإنجليسية Egypt مشتق من جذر "ق ب ط". واللغة القبطية سيطرت على الدار والقرية بينما كانت اليونانية اللغلة الدولية الإدارية والتجارية والتربوية.

وكانت المسيحية الدين الغالب في البلاد، مع عدد كبير من اليهود وبعض متابعي تقاليد موروثة من الدين القديم. وتأسيس الكنيسة في مصر منسوب إلى القديس ماركس. والداخلون الأوائل إلى الكنيسة هم من اليهود، وفي القرن الثاني المسيحي تبعهم اليونان من الاسكندرية، وفي القرن الثالث جمهور الأقباط. ولغة العبادة هي القبطية باستثناء بعض كلمات محفوظة من اليونانية. أما اليوم فالعربية غلبت على القبطية لأن أغلب الناس لا يفهمون القبطية البطة.

من أهم الشخصيات من بطاريك الاسكندرية يجرد الذكر القديس أثناسيوس الذي لعب الدور الرئيسي في مناقشات المجمع المسكوني في نيكية في سنة 325، حيث أُدينت البدعة الأريانية. أما أريوس فدرّس أن للمسيح طبيعة واحدة إنسانية، برغم أنه الأعلى من المخلوقات. وفي المجمع المسكوني التالي في أفسوس في 431، قاد بطرك اسكندرية كرلوس إدانة البدعة النسطورية. أما نسطوريوس، بطرك القسطنطينة، فعزم أن للمسيح طبيعتان: طبيعة إنسانية وطبيعة إلاهية، وهما غير متحدتان في شخص واحد. ولذلك استقبح اسم "أم لله" في حق مريم أم المسيح، قائلاً أن الابن الذي ولدت هو إنسان وشخض آخر عن الكلمة الإلهية التي حلت فيه. أما كرلوس فنجح إدانة هذه الرئي وخلع نسطريوس عن كرسي القسطنطينة البطركي. وبالتالي حل التوتر بين الاسكندرية والقسطنطينة، وديوسقروس، خليفة قرلوس، اجتهد ضد فلابيانوس البطرك الجديد في القسطنطينة، حتى خلعه بتهمة أنه لم أنفذ قواعد مجمع أفسوس على قسه أوتخيس. وفي هذه اللحظة من رومة دخل البابا ليو الأول في الأمر وأدان ديوسقروس في تجويز نظام التدبير. ومجمع خلكيدون في 451 خلع ديوسقروس بسبب تحدّه، وتهمه ب"مونوفسية"، يعني الرأي أن للمسيح طبيعة وحيدة إلاهية. وبعد ما تبين أن المصريين لم يعتقدوا بذلك، غيروا التهمة إلى "المونوثلية"، يعني الرأي أن للمسيح إرادة وحيدة إلاهية وليس له أيضاً إرادة إنسانية. وبالرغم أن المصريين لا يعتمدون على هذ، لم يقبلوا مجمع خلقدون، لأنه ضاد الإكرام الوطني. وأصل التخاصم بين الكنيستين لم يكن في الاعتقاد بل في المنازعة السياسية بين مصر وبين القسطينية العاصمة. وبسبب اغتلاط السياسة والدين في الإمبراطورية، كل ما يمت السياسة يصطدي أيضاً في جدال الدين.

وكذلك ظهور الإسلام وجد مصر مفرقاً بين كنيستين متضادتين: الكنيسة المستقيمة المحتوية الإغريقيين خاصة والكنيسة القبطية المحتوية أغلب الأقباط. وبرغم ضعف الافتراق هذا والاضتهاد التابع، ما زال بقيت للكنيسة القبطية ركن القوة اثنان: أولاً ترسخ فهم الدين بين العوام بسبب التربية الدينية في اللغة الوطنية، وثانياً وجود ديور الرهبان في حواحي العمران وهي مراكز الدعاء والتقوية الروحية ومن الرهبان عُيّن كل أساقف البلاد. وبسبب هذه الركنين استطاعت الكنيسة القبطية أن تستمر حية تحت الملك الإسلامي، ولو بعدد الأعضاء ناقص جداً.

1.3 سوريا وفلسطين والإراق

كان كل هذا الإقليم معروفاً عند العرب باسم "الشام"، وهو مشتق من "شم" بن نوح، الأب المظنون لكل العرب واليهود. وانتمى هذا الإقليم إلى عالم الثقافة اليونانية من زمن اسكندر الكبير. واستولت الرومة عليه في 63 ق م، وورثه من بعد الإمبراطورية البيزانطية. ولغته الأصلية السورية المعروفة أيضاً كالأرمية. وحلت الأرمية محل سائر اللغات في كل قرى الإقليم، ولكن في البادية غلبت اللغة العربية، بينما بقيت اليونانية اللغة الدولية والثقافية والتجارية في المدن.

من بداية الكنيسة سريعاً ما أصبح أغلب سكان هذا الإقليم مسيحيين. والأقلية الأكثر مهمة جماعة اليهود. أما عند مجمع كلقدون فرفض أغلب مسيحيي هذا الإقليم المجمع لأسباب سياسية مثل المصريين، وينتسبوا إلى البدعة المونوفسية. ولم يبق في الاعتقاد المستقيم إلا لبنان. وفي ظهور الإسلام قد ارتفعت الثقافة المسيحية إلى مستوى عال. فأُسست كليات، وخاصة في الإراق، فيها دراسة الإلاهوت وكل فروع الفلسفة والطب والتأريخ والآداب. وكانت الأرمية لغة التعليم، ولكن استُعملت نصوص يونانية وتُرجمت إلى الأرمية.

1.4 المسيحية اليهودية

سكان أرض إسرائيل القدماء هم الكنعانيون. وفي فتح هذه الأرض بأيدي يشوع لم يُطرد الكنعانيون ولكن اندمجوا في اليهود (مثلما اندمج أغلب الأقباط في العرب المسلمين). أما في بدايات المسيحية عدد كبير من اليهود قبل الدين المسيحي. وإخماد ثورة اليهود في 70 و132 لم ينتج إلى إخراج اليهود الباقين في أرضهم. ولكن قبل ذلك انتشروا في كل بقعة العالم ابتغاءً التجارة وفرص الاستفلاح الاقتصادي. أما سبب إصباحهم أقلية في أرضهم هو تغيير الدين، كما يقول أوسيبيوس (+ 340): "ألفات كثيرة من الختن (اليهود) جاءوا إلى أن يؤمنوا في المسيح."

أما كنيسة الفلسطين فأصبحت كنيسة ناطقة باليونانية، كما يظهر في قائمات اساقف القدس الأوائل، وهذا لسببين: (1) أغلب الجماعات المسيحية الناطقة بالعبرية أو الأرمنية اندمجت في اليهود المسيحيين الذين أصروا على حفظ شريعة موسى مع قبول المسيح، كما يُروى في أعمال الرسل. ورد القديس بولس على رأي اليهود المسيحيين، وفي ميدان السياسة غلبهم العدد الأعلى من السيحيين العجم. (2) كان المسؤولون الرومان أكثر مسامحين للمسيحيين الناطقين اليونانية منهم إلى اليهود المتهمين بفوضى وثورة.

والفرق بين الجماعتين يظهر في اسميهما. "في أنطاقية سُمي التلاميذ أول مرة مسيحيين" (أعمال الرسل 11: 26). والاسم هذا أصبح الاسم العادي في العالم اليوناني والرومي. أما الاسم الأقدم الذي حفظه اليهود المسيحيون فهو "نصارى"، من الاسم الأرمي "نصرايا"، وهذا من اسم قرية يسوع الناصرة (نصرث في الأرمية)─أنظر أعمال الرسل 24:5، 22:8، يوحنا 19: 19. فقال ترتوليانس: "إن اليهود يسموننا نصارى."

والمسيحية اليهودية لم تفن إثر إدانة القديس بولس، ولكن استمر بتنشير الاسطور أن يعقوب كان الرسول الرئيسي، ونائبه بطرس عارض بولس كمبتدع. أما وجود عدة وجوه السيحية اليهودية المستمرة فيشهد لها أباء الكنيسة مثل يستينس (+165)، إرنيوس (+202)، أورجنس (+255)، أوسيبيوس (+340)، هبوليتس (+235)، أبفانيوس القبرسي (+380)، وهيرونمس (+419). و"اليهود السمسحيون" اسم عام يحتوي بعض فرق، مثل الأبيونيين (من العبرية אֶבְיוֹן) والألكيين (مذكورين عن هبوليتس و هيرونمس─ويظهر أن اسمهم مشتق من "غسل"، لأنهم اعتادوا على اغتسال يومي).

وبينما المسيحية المستقيمة وفرق الأرينية والمونوفسية والنسطورية معروفة جيداً لأنها نمت في مدن الناطقين باليونانية الذين تركوا لنا مكتوبات كثيرة عن تأريخ مذهبهم وعقاعدهم، السيحية اليهودية كادت يُجهل، لأنها نمت في هوامش الحضارة، في البادية. وأهم أصل معرفتها الكتب المنسوبة (خطأاً) للبابا كليمس الأول. ويوجد آثار هذه الفرقة في الجزير العربية، وهي النقط والأساطير المشتقة من كتب العهد القديم والجديد الصحيحية والمزورة، التي نشرت شفهياً ولا كتابياً. وهكذا عرفت العرب بعض ظواهر المسيحية بدون فهم قواعد الدين. أما أهمية المسيحية اليهودية فهو أنها الفرقة المسيحية الأكثر معروفة للعرب في زمن محمد. فلم يكادوا يعرفوا المسيحية المستقيمة ولا فرقها الأخرى البطة. أما المسيحية اليهودية فإن لها عدة نقط تشاابه المسيحية المذكورة في القرآن، وبينها التالية:

ويدل كل هذه التشابهات على مادة البقعة التي صوّرها الإسلام وأعطاها معنى جديد في نظمة جديدة.

ومن ظواهر البادية في شمال الجزيرة العربية الرهبانية. فمسيحيون عدة من كل المذاهب اعتزلوا في البادية إما وحدهم وإما في جماعات صغيرة ليهتموا في التضرع والصوم ليتقربوا من الله ويخطموا تأثير الشيطان في حياتهم وحياة مجتمعهم. فتشهد روايات الإنجيل أن حلول الشياطين في الناس وإضرارهم شيء واسع الوقعة. وكان التخلص منها بسبب وعظ المبشرين ودعائهم من أهم أسباب دخول الناس في السيحية. وكانت ديور الرهبان تضيف المسافرين في البادية. فمحمد نفسه زار معض الرهبان في أسفاره إلى الشام.

1.5 الإمبراطورية الفرسية

كان الفرس في البداية مملكة صغيرة بجانب خليج الفرس. وأصبحت قوة كبيرة في الملكوت الأخيمندية ابتداءً بقيروس (559-529 ق م) واستمراراً بداريوس (522-486) وكسركسيس (486-465). وفي ذلك الوقت تضمنت الإمبراطورية كل الشرق الأسط، مع مصروالشام وأنطولية (تركية) ومكدونية.

واسكندر الكبير (336-323 ق م) استولى على هذه الإمبراطورية ومن بعد فرقها بين قوائد جنده. فذهب الفرس إلى سلوكس وأحفاده، بينما فطولمس أخذ سلطان الغرب. أما من 145 ق م ضغوط الرومان ضعف قوة أبناء سلوكس، واستولى الفرثيون على الفرس. وفي 226 بعد المسيح ثار جندي فرسي مسمى أردشير على الملك الفرثي وخلعه وأسس الملك السساني الذي زعم أنه رجوع الملكوت الأخيمندية. وهذا النظام نجح في رد محاولة رومة أن تستولي عليه.

وفي سنة 610 تولى هراكليوس ملك البيزانطية في ظرف انخطاط الإمبراطورية مسبب عن حرب أهلي. فاستفاد هذا الموقع خسرويس الثاين ملك الفرس واستولى على الشام في 613-614 وعلى مصر في 616. ثم إن هراكليوس جهز جيشه ومر على جانب الجيش الفرسي ودخل عاصمة الفرس في 624. وبسبب هذه الهزيمة كبار الفرس خلعوا خسرويس وصالحوا هراكليوس في 629، رادين له الأراضي المختصبة. واسترجع هراكليوس آثار الصليب الحقيقي التي سلبها خسرويس وردها إلى القدس في مظاهرة كبيرة. ونجد صدى النزع بين هذه القوتين في سورة الروم 2-3.

غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)

وتمكن هذتان الأيتان أن تقرأ بصيغتين، بحسب ما نخذ الفعل الأول والثاني كالفاعل أو المفعول به. وكتابة القرآن الأصلي بدون حركات تقبل أي قرائة. والقرائة العادية هي المذكورة، ولعلها تدل على هجوم الفرس في 613-614 وانتصار هراكليوس في 624. ولأن الأية متأخرة عن 624 لعلها تدل إلى استمرار ارتفاع قوة الروم. ولكن إذا نقرأ

غَلَبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيُغْلَبُونَ (3)

فإذاً لعل الأية تدل إلى غلب الروم على الفرس أو على العرب في المؤتة في 630، وتنتظرهزيمة الروم مستقبلة في أيدي العرب.

أما دين الفرس فهو زوروأسترية المعروف أيضاً كالمجوسية (انظر متى 2: 1)، أسسه زراثسترة حوالي 600 ق م وترك بعض المكتوبات المسماة "الأسبستة". وكان هذا الدين دين دولة الأخيمينية وأُقيم دين دولة السسانية في 226 م.

ويؤمن الزوروأستريون في أهورا مزدا كإله وخالق. أما في الزمن المتأخر دخل الثنوية الجاعلة أهورا مزدا أصل الحياة والجود، وأهرمون خالق الشر والموت. ولذلك لم يكن الزوروأستريون زهداء، لأن أي نفي البدن هو استسلام إلى أهرمون. والعبادة اليومية هي قراءة بعض نصوص الأسبستة وحفظ نار أبدي في معابدهم. ولذلك أيضاً تركوا جثث الأمنات على "بروج السمت" لتأكلها الطيور. وبعد فتح العرب أسلم أغلب الماجوس، ولكن يبقى بعضهم حتى اليوم.

وانغرست المسيحية في الفرس وكانت تبعث مبشرين حتى منغولية وصين، ولكن كانت دائماً أقلية. أما سبب عدم أكثر نجاح المسيحية في أراضي الفرس فهو أن مسيحيي الفرس اتُهموا بأنهم عاطفون على البيزانطية حيث المسيحية هي الدين الرسمي. ولذك اُضطهدوا وقُتل كثير منهم. واتخذت كنيسة الفرس بدعة النسطورية لتتبعد عن كنيسة البيزانطية ودولها لتفلت من الاضطهاد.

ويجدر ذكر دين أخر في الفرس، وهو المانيخية، أسسه ماني في القرن الثالي م. وهو أيضاً ثانوي، يعتقد أن النفس جزء ضوء إلهي محبوس في البدن، وأن الطريق الوحيد للتخلص والرجوع إلى الله هو احتقار الذنوب والزهد العازم. وإن ماني وخلفاؤه أعطوا حركتهم نظاماً تدريجياً قوياً وبرنامج التبشير ناجحاً.

1.6 الجزيرة العربية

إن أكثر الجزيرة العربية بيداء وقلت الخضرة. والربع الخالي في الجنوب والنفود في الشمال هما أكثر مخوّفان. أما الزراعة فهي غير ممكنة إلا في اليمن وفي شاطئ الجنوب لأن هنالك بعض المطر، وفي الواحات ذات الماء من ينابيع. وفي الأماكن الأخرى المطر النادر يُنتج بعض مرعى لحيوانات البدويين. أما ريب مجيء المطر والجفاف فيجعل السكان أن ينتسبو المطر إلى تدخل الله أو إلى قوة ما روحية.

وقبل الإسلام لم تكن أي حكومة أو دولة في أكثر الجزيرة العربية، ولم يكن شبه ملك إلا في اليمن. أما البدويون فأحكموا أنفسهم بحسب العشيرة والسبط والقبيلة. وكان هذا النظام قائماً أيضاً في القرى والواحات باستثناء الكمة، حيث دبر المدينة شورى شيوخ. وكان الغزو والغصب لعباً مغروساً في العرب، ولم تكن لهم حماية إلا في العشيرة. وأي مقتل أتنج إلى حرب بين العشيرتين، وكان الحل في دفع الدية، وهي إما دم القاتل أو تعويض مالي أو مادي. وأكرم العرب الشجاعة والمروئة، وكذلك الضيافة والكرامة للأصدقاء وللغرباء الطيبين، وحسن شهرة الرجل متعلق على سعة إكرامه لضيوفه.

معيشة العرب التقليدية هي رعاية الغنم وقليل من الزراعة وبستنة النخل. ومن القديم كانت التجارة بين صين وبين أوروبا عبر طريق الحرير المشهور. ولكن الحرب المستمرة بين الروم وبين الفرس سد هذا الطريق، وجبر التجارة أن تمر بسفن البحر الهندي إلى اليمن. فوقفت السفن هناك لأن البحر الأحمر ضحل وينقص الريح. وحملت الشحن قوافل الإبل عبر الجزيرة العربية حتى الشام ومصر. وهذا الحيد من طريق الحرير جعل الكمة في وسط طريق التجارة دوّلي، فأصبح تجارها وسطاء مستقلين في هذه التجارة. وثروة المدن جلبت البدويين أن يسكنوا فيها. وهذا أوتر الوضع في المدن لسببين: (1) عدم الحكم لتسيير القبائل المتنازعة التي من قبل تسالمت بالتباعد. (2) تخصيص الحياة الناتج إلى مهل فقراء القبيلة وخاصة الأيتام.

وفي الدين العربي التقليدي آمن الناس في إله أعلى مسمى الله (مثل العبرية אֵל، جمع אֲלֹהִם)، ولكن التفتوا إلى آلهة أو أوراح مختلفة لملء حوائجهم. وكانت معابد هذه آلهة مراكز حاجات سنوية، مثل معبد اللات في الطائف. وكانت كعبة المكة معبداً أكثر مهم ومركز الحج. وفي بيئته المحدودة كانت بعض أعمال، مثل الصيد والقتال، ممنوعة. أما الدين التقليدي فضعف قبل زمن محمد بسبب التأثير العجنبي والتغيرات الاجتماعية الناتجة عن التمدين.

وكانت اليهودية ديناً آخر مهماً مقاماً في الجزيرة العربية، وخاصة في واحات يثرب (المدينة) وخيبر. وهؤلاء اليهود، ولو كانوا متهودون أصلياً، أصبحوا قبائل لأنفسهم. وبجانب اليهودية دخلت المسيحية أيضاً. فبنو غسان في الشمال الغربي وبنو لخم في الشمال الشرقي اعتقدوا بنوع من المسيحية المونوفسية. وكانت نفس الفرقة مغروسة في نجران باليمن بسبب تأثير الحبشة. وهؤلاء المسيحيون احتملوا اضطهاداً في أيدي اليهود بنصحة الفرسيين، ودخلت الحبشة لتنقذهم. وكانت لهم كاثدرالية جميلة في صنعاء والتي دسنها بعض العرب الوثنيين. ولهذا أرسلت الحبشة جيشاً ضد المكة، ولكنه فشل في الدخول بسبب عاصفة الغبار. ويدل القرآن إلى هذه الوقعة في سورة الفيل، لأن جيش الحبشة استعمل فيلاً في القتال. وفي ما عدا المراكز المسيحية المذكورة، كان بعض اليهود الميحيين منتشرين في البادية، وكان عدة المتمسحين بين عرب المدن، مثل ورقة من أقرباء خديجة زوجة محمد.

وسط الثقافة العربية هو الآداب الشفوية. فثم نوع من الكتابة البسيطة، ولكنها استُعمل خاصة في بعض أمعدة الذكر أو على صخور وفي تسجيل المبادلات التجارية. والقرآن يفرض وجود هذه كتابة عندما يعظ الناس في الحكم الأخير بمثل الصحب المكتوبة عليها الديون للرجل وعليه. أما في مناسبات الاستراحة في الليل أو في مواسم الحج فسيطرت الآداب الشفوية. فطاول الشهراءة رواياتهم في الغرامة والحرب وجبروت أجدادهم أو كبار قبيلتهم. ونوع الاستراحة أبسط هو قراءة القصص المذكرة، وبينها قصص دينية. والعرب لم يقرءوا الكتب المقدسة (فلم تترجم إلى العربية)، ولكن باتصالاتهم مع العجانب سمعوا قصص كثيرة ملهمة من الكتب المقدسة الصحيحة والمزورة. فرووها يغيرونها ويدمجونها في بيئة المستمعين. ويروي بعضها القرآن، يستعمل المادة الموجودة ويصوّرها في صيغة جديدة تحمل عقيدة الإسلام.
الباب الثاني Early Islam الباب الثاني