الباب الثاني

حياة محمد المبكرة

2.1 الولادة والطفولة

قال ابن إسحاق: وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل (2: 158)

ملاحظة: وهذا وقت استعمال حاكم اليمن الحبشي الفيل في هجوم مكة، وهذا حوالي سنة 570. وبرغم عدم تثبيته هذا اليوم، هو الذي يحتفل المسلمون فيه مولد النبي، ويأتي ثلاث شهور بعد عيد الأضحى. وبعض الحديث يروي أن محمداً كان أول مخلوق الله في صفة النور. والنور المحمدي حل في آدم ومر في أحفاده حتى وصل إلى أبيه عبد الله. والفرض لهذا الأسطور هو أن زرع الأب هو الولد الكامل، ورحم الأم إنما هي مضيفة وحلق ينمو الزرع فيه، كما نقرأ في سورة البقرة: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223). فإذاً بين عدة روايات يعطي ابن إسحاق التالية:

قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار أنه حدث أن عبد الله إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب، وقد عمل في طين له وبه آثار من الطين فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت به من أثر الطين فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به من ذلك الطين ثم خرج عامدا إلى آمنة فمر بها، فدعته إلى نفسها، فأبى عليها، وعمد إلى آمنة فدخل عليها فأصابها، فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم مر بامرأته تلك فقال لها: هل لك ؟ قالت لا ، مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء فدعوتك فأبيت علي ودخلت على آمنة فذهبت بها. (1: 157)

وقالت آمنة بعد ذلك: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف (علي) ولا أيسر منه ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء. (1: 165)

ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب ، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هلك وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به. (1: 158)

موجز: ثم وقعت مسؤولية آمنة وولدها على عبد المطلب جد محمد. وحسب عادة الشعب العالي المستوى، طلب عبد المطلب امرأة بدوية لترضع الولد في بيئة البادية الصحية. فوجد حليمة:

تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها ، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر ، تلتمس الرضعاء قالت وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا. قالت فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع. ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغديه... ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت فذهبت إليه فأخذته ، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره. قالت فلما أخذته رجعت به إلى رحلي ، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما " وما كنا ننام معه قبل ذلك وقام زوجي إلى شارفنا تلك. فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا ، فبتنا بخير ليلة. قالت يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة قالت فقلت: والله إني لأرجو ذلك. (1: 162-163)

موجز: بعد سنتين رُجع محمد إلى أمه، ولم يلبث حتى تروى حادثة أخرى:

فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا ، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بمئة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم فقال دعه عنك ، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها. (1: 166)

ملاحظة: وهذه الحادثة تفسر سورة الشرح: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)

موجز:فتوفيت آمنة أم محمد وهو في السنة السادسة من عمره، وبعد سنتين توفي أيضاً جده عبد المطلب. ثم مر اكتفال اليتيم إلى عامه أبي طالب.

2.2 سفر إلى سوريا

موجز: يُروى أن محمد رافق عمه أبا طالب في سفر تجاري إلى الشام. وفي هذا السفر حدث الاستقبال الأسطوري مع الراهب باحرة:

قال ابن إسحاق: ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرق له (أبو طالب) وقال والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا ، أو كما قال. فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبهما راهب يقال له بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر.

فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام. فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم. قال ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه. فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها.

فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته ثم أرسل إليهم فقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم فما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرى: صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم. فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة.

فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي; قالوا له يا بحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا ، فتخلف في رحالهم فقال لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. قال فقال رجل من قريش مع القوم واللاتي والعزى ، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم. فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، فقال (له): يا غلام أسألك بحق اللاتي والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (له): لا تسألني باللاتي والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ، فقال له بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال له سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.

قال ابن إسحاق: فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له ما هذا الغلام منك ؟ قال ابني. قال له بحيرى: ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا; قال فإنه ابن أخي; قال فما فعل أبوه؟ قال مات وأمه حبلى به قال صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده. فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام. (1: 180-183)

ملاحظة: ولعل هذه القصة غير صحيحة في جزئاتها وعلى كل حال تظهر كيف كان كحمد معرّض للأفكار الدينية التي كانت تتدور في الجزيرة العربية وفي مخيمات التجار في الشام.

2.3 شبابة محمد

يُروى حادثة التدخل الإلهي في تصوير خلق محمد:

لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعرى ، وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك إزارك; قال فأخذته وشددته علي ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري علي من بين أصحابي (1: 183)

ويظهر أسطور أخر كيف منع الله محمداً عن فعل الخطيئة بعد أن نواها:

ما هممت بشيئ مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد من ذلك. ثم ما هممت بسوء حتى أكرمني الله عز وجل برسالته، فإني قد قلت ليلة لغلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة، فأسمر بها كما يسمر الشباب! فقال: افعل، فخرجت أريد ذلك، حتى إذا جئت أول دار من دور مكة، سمعت عزفاً بالدفوف والمزامير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان ابن فلان تزوج بفلانة بنت فلان. فجلست أنظر إليهم، فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس، قال: فجئت صاحبي، فقال: ما فعلت؟ قلت: ما صنعت شيئاً، ثم أخبرته الخبر. قال: ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، فقال: افعل، فخرجت فسمعت حين جئت مكة مثل ما سمعت حين دخلت مكة تلك الليلة، فجلست أنظر، فضرب الله على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر. ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني الله عز وجل برسالته. (الطبري: تأريخ، 2: 279)

ملاحظة: ولعل طلب الفحشاء هذا أو فعل مثله أساس الأية: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (محمد 19). وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (غافر 55). ولكن المتكلمين الأشعرة يقولون أن محمداً معصوم من أي ذنب، وعلى الأقل بعد قبول الرسالة. فبعض المفسرين، مثل الجلالين، يقولون: "لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستنّ به أمته، وقد فعله، قال صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر الله في كل يوم مئة مرة." أما موجز شبابة محمد فيوجد في سورة الضحى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8).

2.4 الشاب التاجر

ملاحظة: كان للشاب محمد الفرصة الطيبة أن تستأجره خديجة كمندوبها في التجارة. وهي امرأة غنية، ثيب بعد زواجين. وفي هذه الخدمة سفر إلى الشام مرة واحدة على الأقل.

قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال. تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم وكانت قريش قوما تجارا ; فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها ، من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وخرج في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.

فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال له ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم ; فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. (1: 187-188)

ملاحظة: ولعل القسوس الذين قابل محمد في مدن الشام هم الأرباب الذين يشير إليهم سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)

أما إشارة أكثر فاضلة توجد في سورة الحديد: ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27).

وكذلك سورة النور: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38).

وفي فترة متأخرة يظهر أن محمداً قابل بعض رهبان عاطفين عليه، وسورة المائدة تحمدهم وتلمع إلى أنهم قد أسلموا: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)

نستطيع أن نستنتج أن محمداً تأثر كثيراً بحياة الرهمان المسيحيين، ولكنه يخبر قليلاً من عقائد المسيحية ومحتويات كتب العهد الجديد، إذا نحكم بما يظهر في القرآن. فيظهر أن أغلب المسيحيين الذين قابل لم يرسخوا في علوم الدين. ولعل محمداً لم يهتم بدرس المسيحية، لأن هذا الاهتمام صيغة موالاة البيزانطين. وإنما أراد الأفكار النافعة في حياته وفي تصليح نواقص دين مكة التقليدي.

2.5 زواج مع خديجة

ملاحظة: أسفار محمد أوسعت خبرته ولا شك جعلته يسأل نفسه في عدة من الأمور، وكان مستقبل نفسه هماً أيضاً. وفيما عرضت خديجة له الزواج، رأى حل مشكلتين: سيكون له عائلة، وثانياً بعون مالها ستكون له تجارة ومعيشة. في ذلك الوقت كان لمحمد خمس وعشرين سنة، ولخديجة عشر سنة أكثر على الأقل ─ وُرد أن له سنة أربعين، ولكن هذا مشكوك فيه إذا ولدت لمحمد ست أولاد. فاجتلبت إلى محمد لأنه كان خادماً لها أميناً وناجحاً. فنسمع ابن إسحاق:

ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة. فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر ، يرى ملكين يظلانه من الشمس - وهو يسير على بعيره. فلما قدم مكة على خديجة بمالها ، باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا.

وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه. وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له - فيما يزعمون - يا ابن عم. إني قد رغبت فيك لقرابتك ، وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك ، وصدق حديثك ، ثم عرضت عليه نفسها. وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا ، وأعظمهن شرفا ، وأكثرهن مالا ; كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه. (1: 188-189)

ولمحمد ابن آخر، إبراهيم. "أم إبراهيم مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها إليه المقوقس من حفن من كورة أنصنا." (1:191)

ملاحظة: بزواجه من خديجة كان لمحمد مستقبل مأمون ومكان شريف في الاجتماع المكي، ولكن بقي محصور عن مركز البلد الباطن من الأغنياء الذين دبروا حياة المكن السياسية. وولدت خديجة القاسم والطاهر والطيب (وهؤلاء "هلكوا في الجاهلية") وأربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. "أما بناته فكلهم أدركن الإسلام فأسلمن وهاجن معه صلى الله عليه وسلم." ومنها لم يكن لمحمد سلسلة الأحفاد إلا من فاطمة.

وفي هذه الفترة رُوي أن محمداً في السنة الثالثة وثلاثين من عمره اشترك في تجديد بناء الكعبة. والقصة تظهر كيف حل محمد منازعة القبائل في شرف وضع الحجرة الركن:

ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوزوا وتحالفوا ، وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا... فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوبا ، فأتي به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده. ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا: حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه. (1: 196-197)

ملاحظة: وفي نشأة محمد أساطير كثيرة تروى كيب تنبأ بعض اليهود والعرب مجيئ نبيئ جديد أو فتشوا عن الدين الحقيقي، حتى يحرفون كلمات المسيح في الإنجيل (يوحنا 15: 26) حيث يعد الروح القدس المؤيد "الباراكليت"، يأخذونها كوعد مجيئ محمد.
الباب التالث Early Islam الباب الأول