الباب العاشر

الارتقاء

10.1 غزوات المحبوطة

غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ فِي سَنَةِ أَرْبَع

ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحَارِب ٍ وَبَنِيّ ثَعْلَبَة َ مِنْ غَطَفَانَ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ... حَتّى نَزَلَ نَخْلًا ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ. (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ ، لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ وَيُقَالُ ذَاتُ الرّقَاعِ: شَجَرَةٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ الرّقَاعِ.) فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ غَطَفَانَ ، فَتَقَارَبَ النّاسُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، - حَتّى صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ ، ثُمّ انْصَرَفَ بِالنّاسِ. (2: 203-204)

غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ

ثُمّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إلَى بَدْرٍ ، لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ حَتّى نَزَلَهُ... فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِي لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكّةَ حَتّى نَزَلَ مَجِنّةَ ، مِنْ نَاحِيَةِ الظّهْرَانِ ; وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ ، ثُمّ بَدَا لَهُ فِي الرّجُوعِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إلّا عَامٌ خَصِيبٌ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشّجَرَ وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللّبَنَ وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَإِنّي رَاجِعٌ فَارْجِعُوا ، فَرَجَعَ النّاسُ. فَسَمّاهُمْ أَهْلُ مَكّةَ جَيْشَ السّوِيقِ ، يَقُولُونَ إنّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السّوِيقَ. (2: 209-210)

غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ

فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ خَمْسٍ (مَوْعِدُهَا): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا أَشْهُرًا حَتّى مَضَى ذُو الْحِجّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ وَهِيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ... ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ سَنَتِهِ. (2: 213)

10.2 غزوة الخندق

ملاحظة إن أراد قريش أن يحيى لا بد أن يخمد قوة محمد في المدينة، لأنه قد حصر كل تجارته مع الشام. وابن إسحاق لا ينظر إلى هذا المبعث، ولكن إلى كيد اليهود:

ثُمّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ. إنّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُودِ ، مِنْهُمْ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضْرِيّ ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيّ ، وَأَبُو عَمّارٍ الْوَائِلِيّ ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ وَهُمْ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجُوا حَتّى قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَكّةَ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالُوا: إنّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتّى نَسْتَأْصِلَهُ ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إنّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمّدٌ أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ ؟ قَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ ( مِنْهُ.

فَهُمْ الّذِينَ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُو سَبِيلًا أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ، أَيْ النّبُوّةَ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنّمَ سَعِيرًا (النساء 51، 54). (2: 214-215)

10.3 تجهيز الحرب

قَالَ فَلَمّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ سَرّهُمْ وَنَشَطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إلَيْهِ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتّعَدُوا لَهُ. ثُمّ خَرَجَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ يَهُودَ حَتّى جَاءُوا غَطَفَانَ ، مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ وَأَنّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ فِيهِ.

خُرُوجُ الْأَحْزَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ ، وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ; وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ ، وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، فِي بَنِي فَزَارَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، فِي بَنِي مُرّةَ وَمِسْعَرُ بْنُ رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَشْجَعَ.

حَفْرُ الْخَنْدَقِ وَتَخَاذُلُ الْمُنَافِقِينَ وَجِدّ الْمُؤْمِنِينَ

فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، وَمَا أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ الْأَمْرِ ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَجْرِ وَعَمِلَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَدَأَبَ فِيهِ وَدَأَبُوا.

وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَجَعَلُوا يُوَرّونَ بِالضّعِيفِ مِنْ الْعَمَلِ وَيَتَسَلّلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا إذْنٍ.

وَجَعَلَ الرّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا نَابَتْهُ النّائِبَةُ مِنْ الْحَاجَةِ الّتِي لَا بُدّ لَهُ مِنْهَا ، يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ وَاحْتِسَابًا لَهُ. (2: 215-216)

مَا نَزَلَ فِي الْعَامِلِينَ فِي الْخَنْدَقِ مُؤْمِنِينَ وَمُنَافِقِينَ

فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ: إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنّ الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُاللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (ابرقم 62)

فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِسْبَةِ وَالرّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ وَالطّاعَةِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ كَانُوا يَتَسَلّلُونَ مِنْ الْعَمَلِ وَيَذْهَبُونَ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (الرقم 63).

10.4 الحصار

نُزُولُ قُرَيْشٍ الْمَدِينَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ ، أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ ، بَيْنَ الْجُرُفِ وَزَغَابَةَ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، حَتّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى ، إلَى جَانِبِ أُحُدٍ.

وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ حَتّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إلَى سَلْعٍ ، فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ. (2: 219-220)

حَمْلُ حُيَيّ كَعْبًا عَلَى نَقْضِ عَهْدِهِ لِلرّسُولِ

(قَالَ): وَخَرَجَ عَدُوّ اللّهِ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضْرِيّ ، حَتّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيّ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْمِهِ وَعَاقَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاهَدَهُ فَلَمّا سَمِعَ كَعْبٌ بِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ بَابَ حِصْنِهِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ فَنَادَاهُ حُيَيّ: وَيْحَك يَا كَعْبُ افْتَحْ لِي; قَالَ وَيْحك يَا حُيَيّ: إنّك امْرُؤٌ مَشْئُومٌ وَإِنّي قَدْ عَاهَدْت مُحَمّدًا ، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إلّا وَفَاءً وَصِدْقًا; قَالَ وَيْحَك افْتَحْ لِي أُكَلّمْك; قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ قَالَ وَاَللّهِ إنْ أَغْلَقْت دُونِي إلّا عَنْ جَشِيشَتِك أَنْ آكُلَ مَعَك مِنْهَا; فَاحْفَظْ الرّجُلَ فَفَتَحَ لَهُ فَقَالَ وَيْحَك يَا كَعْبُ جِئْتُك بِعِزّ الدّهْرِ وَبِبَحْرٍ طَامّ جِئْتُك بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا ، حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتّى أَنْزَلَتْهُمْ بِذَنَبِ نَقْمَى إلَى جَانِبِ أُحُدٍ ، قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمّدًا وَمَنْ مَعَهُ.

قَالَ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ وَبِجَهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ فَهُوَ يَرْعَدُ وَيَبْرُقُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَيْحَك يَا حُيَيّ فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ فَإِنّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمّدٍ إلّا صِدْقًا وَوَفَاءً.

فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ بِكَعْبِ يَفْتِلُهُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتّى سَمَحَ لَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ عَهْدًا (مِنْ اللّهِ) وَمِيثَاقًا: لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ ، وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَك فِي حِصْنِك حَتّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَك.

فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ وَبَرِئَ مِمّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. (2: 220-221)

تَحَرّي الرّسُولِ عَنْ نَقْضِ كَعْبٍ لِلْعَهْدِ

فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْأَوْسِ ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ ، أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْخَزْرَجِ وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتّى تَنْظُرُوا ، أَحَقّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ حَقّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ وَلَا تَفُتّوا فِي أَعْضَادِ النّاسِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنّاسِ. قَالَ فَخَرَجُوا حَتّى أَتَوْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ (فِيمَا) نَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالُوا: مَنْ رَسُولُ اللّهِ ؟ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَلَا عَقْدَ. فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَشَاتَمُوهُ وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدّةٌ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: دَعْ عَنْك مُشَاتَمَتَهُمْ فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنْ الْمُشَاتَمَةِ. ثُمّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُمَا ، إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمُوا عَلَيْهِ ثُمّ قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارّةُ; أَيْ كَغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ بِأَصْحَابِ الرّجِيعِ ، خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: اللّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ. (2: 221-222)

مَا عَمّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْخَوْفِ وَظُهُورُ نِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ

(قَالَ): وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَأَتَاهُمْ عَدُوّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتّى ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ كُلّ ظَنّ وَنَجَمَ النّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ حَتّى قَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ...: وَحَتّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنْ الْعَدُوّ وَذَلِكَ عَنْ مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنَرْجِعَ إلَى دَارِنَا ، فَإِنّهَا خَارِجٌ مِنْ الْمَدِينَةِ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إلّا الرّمّيا بِالنّبْلِ وَالْحِصَارُ. (2: 222-223)

هَمّ الرّسُولُ بِعَقْدِ الصّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَطَفَانَ ثُمّ عَدَلَ

فَلَمّا اشْتَدّ عَلَى النّاسِ الْبَلَاءُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا الصّلْحُ حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصّلْحِ إلّا الْمُرَاوَضَةُ فِي ذَلِكَ. فَلَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَفْعَلَ بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ فَقَالَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَمْرًا نُحِبّهُ فَنَصْنَعُهُ أَمْ شَيْئًا أَمَرَك اللّهُ بِهِ لَا بُدّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، وَاَللّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلّا لِأَنّنِي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلّ جَانِبٍ فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشّرْكِ بِاَللّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلّا قِرًى أَوْ بَيْعًا ، أَفَحِينَ أَكْرَمْنَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزّنَا بِك وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا (وَاَللّهِ) مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ وَاَللّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْتَ وَذَاكَ. فَتَنَاوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ ثُمّ قَالَ لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا. (2: 223)

عُبُورُ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْخَنْدَقَ وقَتْلُ عَلِيّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدّ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ

فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَعَدُوّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ بْنِ أَبِي قَيْسٍ ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ... وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّانِ وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الشّاعِرُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ، تَلَبّسُوا لِلْقِتَالِ ثُمّ خَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ حَتّى مَرّوا بِمَنَازِلِ بَنِي كِنَانَةَ ، فَقَالُوا: تَهَيّئُوا يَا بَنِي كِنَانَةَ لِلْحَرْبِ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ الْفُرْسَانُ الْيَوْمَ. ثُمّ أَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ خَيْلُهُمْ حَتّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا: وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ إنّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ أَشَارَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ...

ثُمّ تَيَمّمُوا مَكَانًا ضَيّقًا مِنْ الْخَنْدَقِ ، فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ ، وَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى أَخَذُوا عَلَيْهِمْ الثّغْرَةَ الّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ وَأَقْبَلَتْ الْفُرْسَانُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَلَمْ يَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ ; فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلِمًا لِيُرِيَ مَكَانَهُ فَلَمّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ قَالَ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ يَا عَمْرُو ، إنّك قَدْ كُنْت عَاهَدْت اللّهَ أَلّا يَدْعُوك رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى إحْدَى خَلّتَيْنِ إلّا أَخَذْتَهَا مِنْهُ قَالَ لَهُ أَجَلْ قَالَ لَهُ عَلِيّ: فَإِنّي أَدْعُوك إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ قَالَ فَإِنّي أَدْعُوك إلَى النّزَالِ فَقَالَ لَهُ لِمَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ فَوَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك ، قَالَ لَهُ عَلِيّ: لَكِنّي وَاَللّهِ أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك; فَحَمَى عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيّ فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا ، فَقَتَلَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً حَتّى اقْتَحَمَتْ مِنْ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً. (2: 224-225)

10.5 اشتباك مع اليهود

صَفِيّةُ وَحَسّانُ وَمَا ذَكَرَتْهُ عَنْ جُبْنِهِ

كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ ، حِصْنُ حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ ; قَالَتْ وَكَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ. قَالَتْ صَفِيّةُ فَمَرّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنّا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوّهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ أَتَانَا آتٍ. قَالَتْ فَقُلْت: يَا حَسّانُ إنّ هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا آمنه أَنْ يَدُلّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ وَقَدْ شُغِلَ عَنّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ قَالَ يَغْفِرُ اللّهُ لَك يَا بنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْت مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا: قَالَتْ فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا ، احْتَجَزْت ثُمّ أَخَذْت عَمُودًا ، ثُمّ نَزَلْت مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتّى قَتَلْته. قَالَتْ فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ رَجَعْتُ إلَى الْحِصْنِ فَقُلْت: يَا حَسّانُ انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلّا أَنّهُ رَجُلٌ قَالَ مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا بنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ. (2: 228)

10.6 تخريب الحلف المزعوم بين قريش وبين بني قريظة

شَأْنُ نُعَيْمٍ فِي تَخْذِيلِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا وَصَفَ اللّهُ مِنْ الْخَوْفِ وَالشّدّةِ لِتَظَاهُرِ عَدُوّهِمْ عَلَيْهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ إيّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ.

(قَالَ): ثُمّ إنّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ قُنْفُدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ أَسْلَمْت ، وَإِنّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْت; فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إنّمَا أَنْت فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، فَخَذّلْ عَنّا إنْ اسْتَطَعْت ، فَإِنّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ.

فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي إيّاكُمْ وَخَاصّةً مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قَالُوا: صَدَقْت ، لَسْت عِنْدَنَا بِمُتّهَمٍ فَقَالَ لَهُمْ إنّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَحَوّلُوا مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ قَدْ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ وَبَلَدُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بِغَيْرِهِ فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً أَصَابُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرّجُلِ بِبَلَدِكُمْ وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بَهْ إنْ خَلَا بِكُمْ فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُنَاجِزُوهُ فَقَالُوا لَهُ لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى قُرَيْشًا ، فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمّدًا ، وَإِنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْت عَلَيّ حَقّا أَنْ أُبْلِغَكُمُوهُ نُصْحًا لَكُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي; فَقَالُوا: نَفْعَلُ قَالَ تَعْلَمُوا أَنّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَقَدْ أَرْسَلُوا إلَيْهِ إنّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا ، ، فَهَلْ يُرْضِيك أَنْ نَأْخُذَ لَك مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمّ نَكُونُ مَعَك عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتّى نَسْتَأْصِلَهُمْ ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ نَعَمْ. فَإِنْ بَعَثَتْ إلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا.

ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى غَطَفَانَ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ ، إنّكُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي ، وَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ وَلَا أَرَاكُمْ تَتّهِمُونِي ; قَالُوا: صَدَقْت ، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتّهَمٍ قَالَ فَاكْتُمُوا عَنّي; قَالُوا: نَفْعَلُ فَمَا أَمْرُك ؟ ، ثُمّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشِ وَحَذّرَهُمْ مَا حَذّرَهُمْ. (2: 229)

دَبِيبُ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ

فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّبْتِ مِنْ شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللّهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، فَقَالُوا لَهُمْ: إنّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ ، قَدْ هَلَكَ الْخُفّ وَالْحَافِرُ فَاغْدُوَا لِلْقِتَالِ حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا ، وَنَفْرُغَ مِمّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِمْ إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ وَهُوَ (يَوْمٌ) لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا ، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِاَلّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا ، فَإِنّا نَخْشَى إنّ ضَرّسَتْكُمْ الْحَرْبُ وَاشْتَدّ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَنْ تَنْشَمِرُوا إلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا ، وَالرّجُلَ فِي بَلَدِنَا ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْهُ.

فَلَمّا رَجَعَتْ إلَيْهِمْ الرّسُلُ بِمَا قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: وَاَللّهِ إنّ الّذِي حَدّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ ، فَأَرْسِلُوا بَنِي قُرَيْظَةَ إنّا وَاَللّهِ لَا نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا; فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، حِينَ انْتَهَتْ الرّسُلُ إلَيْهِمْ بِهَذَا: إنّ الّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إلّا أَنْ يُقَاتِلُوا ، فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ. وَخَلّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ فَأَرْسِلُوا إلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ: إنّا وَاَللّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رَهْنًا; فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ وَخَذّلَ اللّهُ بَيْنَهُمْ وَبَعَثَ اللّهُ عَلَيْهِمْ الرّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ وَتَطْرَحُ أَبْنِيَتَهُمْ. (2: 230-231)

أَرْسَلَ الرّسُولُ حُذَيْفَةَ لِيَتَعَرّفَ مَا حَلّ بِالْمُشْرِكِينَ

(قَالَ): فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا فَرّقَ اللّهُ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ ، فَبَعَثَهُ إلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَرَأَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ ؟ قَالَ نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي ، قَالَ فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ كُنّا نَجْهَدُ قَالَ فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا. قَالَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخَنْدَقِ وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوِيّا مِنْ اللّيْلِ ثُمّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمّ يَرْجِعُ - يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجْعَةَ - أَسْأَلُ اللّهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ ؟ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، مِنْ شِدّةِ الْخَوْفِ وَشِدّةِ الْجُوعِ وَشِدّةِ الْبَرْدِ فَلَمّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدّ مِنْ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي; فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَلَا تُحْدِثَنّ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنَا. قَالَ فَذَهَبْت فَدَخَلْت فِي الْقَوْمِ وَالرّيحُ وَجُنُودُ اللّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ لَا تُقِرّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: لِيَنْظُرْ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذْت بِيَدِ الرّجُلِ الّذِي كَانَ إلَى جَنْبِي ، فَقُلْت: مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. (2: 231-232)

10.7 ينصرف قريش

مُنَادَاةُ أَبَى سُفْيَانَ فِيهِمْ بِالرّحِيلِ

ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمْ الّذِي نَكْرَهُ وَلَقِينَا مِنْ شِدّةِ الرّيحِ مَا تَرَوْنَ مَا تَطْمَئِنّ لَنَا قِدْرٌ وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ فَارْتَحِلُوا فَإِنّي مُرْتَحِلٌ ثُمّ قَامَ إلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ فَوَاَللّهِ مَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلّا وَهُوَ قَائِمٌ وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيّ "أَنْ لَا تُحْدِثَ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنِي" ، ثُمّ شِئْت ، لَقَتَلْته بِسَهْمِ. (2: 232)

رُجُوعُ حُذَيْفَةَ إلَى الرّسُولِ بِتَخَاذُلِ الْمُشْرِكِينَ وَانْصِرَافِهِمْ

قَالَ حُذَيْفَةُ فَرَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ مَرَاجِلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاجِلُ ضَرْبٌ مِنْ وَشَى الْيَمَنِ.

فَلَمّا رَآنِي أَدْخَلَنِي إلَى رِجْلَيْهِ وَطَرَحَ عَلَيّ طَرَفَ الْمِرْطِ ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنّي لِفِيهِ فَلَمّا سَلّمَ أَخْبَرْته الْخَبَرَ ، وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ ، فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ. (2: 232-233)

انْصِرَافُ الرّسُولِ عَنْ الْخَنْدَقِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا السّلَاحَ. (2: 233)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَسْتَشْهِدْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلّا سِتّةُ نَفَرٍ... وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. (2: 252-253)

بَشّرَ الرّسُولُ الْمُسْلِمِينَ بِغَزْوِ قُرَيْشٍ

وَلَمّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْ الْخَنْدَقِ ; قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا ، وَلَكِنّكُمْ تَغْزُونَهُم. فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ هُوَ الّذِي يَغْزُوهَا ، حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ مَكّةَ. (2: 254)

10.8 انتقام من بي قريظة، رَيْحَانَةَ (8) أنظر الرواية الكاملة في ملفة رَيْحَانَةَ.

ملاحظة: في غزوة الخندق نجح المسلمون في طرد قريش، ولكن لم ينجحوا في ضربته بهزيمة حازمة. وامتلأوا بغيتهم هذه في اعتداء على مشعر اليهود اأخير الكرير الباقي في المدينة. وكان المسلمون يتهمون خيانتهم، أما حجتها فبقيت على مستوى الظن حتى الوحي قضى في الأمر.

أَمْرُ اللّهِ لِرَسُولِهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بِحَرْبِ بَنِي قُرَيْظَةَ

فَلَمّا كَانَتْ الظّهْرُ أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ أَوَقَدْ وَضَعْتَ السّلَاحَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ جِبْرِيلُ فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ السّلَاحَ بَعْدُ وَمَا رَجَعَتْ الْآنَ إلّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَأْمُرُك يَا مُحَمّدُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَإِنّي عَامِدٌ إلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ. (2: 233)

دَعْوَةُ الرّسُولِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقِتَالِ

فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُؤَذّنًا ، فَأَذّنَ فِي النّاسِ: مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا ، فَلَا يُصَلّيَنّ الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَة. (2: 234)

تَقَدّمُ عَلِيّ وَتَبْلِيغُهُ الرّسُولَ مَا سَمِعَهُ مِنْ سُفَهَائِهِمْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِرَايَتِهِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَابْتَدَرَهَا النّاسُ. فَسَارَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى إذَا دَنَا مِنْ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ حَتّى لَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالطّرِيقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا عَلَيْك أَنْ لَا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ قَالَ لِمَ ؟ أَظُنّك سَمِعْت مِنْهُمْ لِي أَذًى ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ. قَالَ: يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ هَلْ أَخْزَاكُمْ اللّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ ؟ قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْت جَهُولًا. (2: 234)

حِصَارُهُمْ وَمَقَالَةُ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ لَهُمْ

(قَالَ): وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. وَقَدْ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ. فَلَمّا أَيْقَنُوا بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتّى يُنَاجِزَهُمْ قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ ، وَإِنّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا ، فَخُذُوا أَيّهَا شِئْتُمْ قَالُوا: وَمَا هِيَ ؟ قَالَ نُتَابِعُ هَذَا الرّجُلَ وَنُصَدّقُهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ أَنّهُ لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَأَنّهُ لَلّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ.

قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التّوْرَاةِ أَبَدًا ، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ فَهَلُمّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ثُمّ نَخْرُجُ إلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ السّيُوفَ لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا ، حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكُ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنّ النّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ قَالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ ؟

قَالَ فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ فَإِنّ اللّيْلَةَ لَيْلَةُ السّبْتِ وَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمّنُونَا فِيهَا ، فَانْزِلُوا لَعَلّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرّةً قَالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنَا عَلَيْنَا ، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إلّا مَنْ قَدْ عَلِمْت ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك مِنْ الْمَسْخِ قَالَ مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدّهْرِ حَازِمًا. (235-236)

أَبُو لُبَابَةَ وَتَوْبَتُهُ

(قَالَ): ثُمّ إنّهُمْ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -: أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي أَمْرِنَا ، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرّجَالُ وَجَهَشَ إلَيْهِ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ فَرَقّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ إنّهُ الذّبْحُ.

قَالَ أَبُو لُبَابَةَ فَوَاَللّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتّى عَرَفْتُ أَنّي قَدْ خُنْتُ اللّهَ وَرَسُولَهُ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثُمّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيّ مِمّا صَنَعْت ، وَعَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا ، وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا...

فَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَبَرُهُ وَكَانَ قَدْ اَسْتَبْطَأَهُ قَالَ: أَمَا إنّهُ لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ فَأَمّا إذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَل فَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنّ تَوْبَةَ أَبَى لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ السّحَرِ وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ. (فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ): فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ السّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ فَقُلْت: مِمّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ أَضْحَكَ اللّهُ سِنّك; قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ ، قَالَتْ قُلْت: أَفَلَا أُبَشّرُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى ، إنْ شِئْتِ.
قَالَ فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا ، وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ فَقَالَتْ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَيْك. قَالَتْ فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هُوَ الّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ فَلَمّا مَرّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَارِجًا إلَى صَلَاةِ الصّبْحِ أَطْلَقَهُ. (2: 236-237)

إسْلَامُ نَفَرٍ مِنْ بَنِي هُدَلٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْيَةَ ، وَأُسَيْدَ بْنَ سَعْيَةَ. وَأَسَدَ بْنَ عُبَيْدٍ ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هُدَلٍ لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النّضِيرِ نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ هُمْ بَنُو عَمّ الْقَوْمِ أَسْلَمُوا تِلْكَ اللّيْلَةَ الّتِي نَزَلَتْ فِيهَا بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -.

نُزُولُ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ الرّسُولِ وَتَحْكِيمُ سَعْدٍ

(قَالَ)فَلَمّا أَصْبَحُوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْسُ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْت - وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَسَأَلَهُ إيّاهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ - فَلَمّا كَلّمَتْهُ الْأَوْسُ

قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -: أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى ; قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -: فَذَاكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ جَعَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةِ مِنْ أَسْلَمَ ، يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ فِي مَسْجِدِهِ كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السّهْمُ بِالْخَنْدَقِ: اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ.

فَلَمّا حَكّمَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وَطّئُوا لَهُ بِوِسَادَةِ مِنْ أَدَمٍ وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا ، ثُمّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُمْ يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّمَا وَلّاك ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ فَلَمّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ سَعْدٌ عَنْ كَلِمَتِهِ الّتِي سَمِعَ مِنْهُ. فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -: قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ.

فَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَيَقُولُونَ إنّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْأَنْصَارَ; وَأَمّا الْأَنْصَارُ ، فَيَقُولُونَ قَدْ عَمّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو ، إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ وَلّاك أَمْرَ مَوَالِيك لِتَحْكُمَ فِيهِمْ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ ، أَنّ الْحُكْمَ فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ ؟ قَالُوا: نَعَمْ وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا ؟ فِي النّاحِيَةِ الّتِي فِيهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إجْلَالًا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -: نَعَمْ قَالَ سَعْدٌ فَإِنّي أَحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرّجَالُ وَتُقَسّمُ الْأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ. (2: 239-240)

رِضَاءُ الرّسُولِ بِحُكْمِ سَعْدٍ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ اللّيْثِيّ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ. (2: 240)

مَقْتَلُ بَنِي قُرَيْظَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ اسْتَنْزَلُوا ، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ ، الّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِمْ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ يُخْرَجُ بِهِمْ إلَيْهِ أَرْسَالًا ، وَفِيهِمْ عَدُوّ اللّهِ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، رَأْسُ الْقَوْمِ وَهُمْ سِتّ مِئَةٍ أَوْ سَبْعُ مِئَةٍ وَالْمُكْثِرُ لَهُمْ يَقُولُ كَانُوا بَيْنَ الثّمَانِ مِئَةٍ وَالتّسْعِ مِئَةٍ.

وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ ، وَهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ مَا تَرَاهُ يُصْنَعُ بِنَا ؟ قَالَ أَفِي كُلّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ ؟ أَلَا تَرَوْنَ الدّاعِيَ لَا يَنْزِعُ وَأَنّهُ مَنْ ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ ؟ هُوَ وَاَللّهِ الْقَتْلُ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدّأْبُ حَتّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - (240-241)

قَتَلَ مِنْ نِسَائِهِمْ امْرَأَةً وَاحِدَةً

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَة َ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إلّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَتْ وَاَللّهِ إنّهَا لِعِنْدِي تَحَدّتُ مَعِي ، وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهَا فِي السّوقِ إذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ أَنَا وَاَللّهِ قَالَتْ قُلْت لَهَا: وَيْلَك; مَا لَك ؟ قَالَتْ أُقْتَلُ قُلْت: وَلِمَ ؟ قَالَتْ لِحَدَثِ أَحْدَثْته; قَالَتْ فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا ; فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا ، طِيبَ نَفْسِهَا ، وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا ، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ الّتِي طَرَحَتْ الرّحَا عَلَى خَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ ، فَقَتَلَتْهُ. (2: 242)

شَأْنُ الزّبَيْرِ بْنِ بَاطَا

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، أَتَى الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيّ وَكَانَ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ - وَكَانَ الزّبَيْرُ قَدْ مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ. ذَكَرَ لِي بَعْضُ وَلَدِ الزّبَيْرِ أَنّهُ كَانَ مَنّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ أَخَذَهُ فَجَزّ نَاصِيَتَهُ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ - فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك; قَالَ إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِيَدِك عِنْدِي; قَالَ إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ.

ثُمّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزّبَيْرِ عَلَيّ مِنّةٌ وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا ، فَهَبْ لِي دَمَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ لَك; فَأَتَاهُ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ وَهَبَ لِي دَمَك ، فَهُوَ لَك ، قَالَ شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ ؟ قَالَ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ هَبْ لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ قَالَ هُمْ لَك. قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَك وَوَلَدَك ، فَهُمْ لَك; قَالَ أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَهُ قَالَ هُوَ لَك. فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَالَك ، فَهُوَ لَك. قَالَ أَيْ ثَابِتٌ مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيّ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ؟ قَالَ قُتِلَ قَالَ فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ؟ قَالَ قُتِلَ قَالَ فَمَا فَعَلَ مُقَدّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا ، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا ، عَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ ؟ قَالَ قُتِلَ قَالَ فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِيّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ قَالَ ذَهَبُوا قُتِلُوا ؟ قَالَ فَأَنّي أَسْأَلُك يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَك إلّا أَلْحَقْتنِي بِالْقَوْمِ فَوَاَللّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ. فَقَدّمَهُ ثَابِتٌ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ قَوْلَهُ أَلْقَى الْأَحِبّةَ. قَالَ يَلْقَاهُمْ وَاَللّهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلّدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قِبْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ. (2: 242-243)

أَمْرُ عَطِيّةَ وَرِفَاعَةَ

كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ وَكُنْت غُلَامًا ، فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ فَخَلّوْا سَبِيلِي.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ أَنّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ ، أُمّ الْمُنْذِرِ أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَتْ إحْدَى خَالَاتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَلّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَتْهُ بَيْعَةَ النّسَاءِ - سَأَلَتْهُ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلَ الْقُرَظِيّ وَكَانَ رَجُلًا قَدْ بَلَغَ فَلَاذَ بِهَا ، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، هَبْ لِي رِفَاعَةَ ، فَإِنّهُ قَدْ زَعَمَ أَنّهُ سَيُصَلّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ قَالَ فَوَهَبَهُ لَهَا ، فَاسْتَحْيَتْهُ. (2: 244)

قَسْمُ فَيْءِ بَنِي قُرَيْظَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْلَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُهْمَانَ الْخَيْلِ وَسُهْمَانَ الرّجَالِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ سَهْمٌ. وَكَانَتْ الْخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سِتّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا ، وَكَانَ أَوّلَ فَيْءٍ وَقَعَتْ فِيهِ السّهْمَانُ وَأُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمْسُ فَعَلَى سُنّتِهَا وَمَا مَضَى مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمُ وَمَضَتْ السّنّةُ فِي الْمَغَازِي. ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِسَبَايَا مِنْ سَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ إلَى نَجْدٍ ، فَابْتَاعَ لَهُمْ بِهَا خَيْلًا وَسِلَاحًا. (2: 244)

شَأْنُ رَيْحَانَةَ (8)

(قَالَ): وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوّجَهَا ، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِك ، فَهُوَ أَخَفّ عَلَيّ وَعَلَيْك ، فَتَرَكَهَا. وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا قَدْ تَعَصّتْ بِالْإِسْلَامِ وَأَبَتْ إلّا الْيَهُودِيّةَ فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. فَبَيْنَا هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ فَقَالَ: إنّ هَذَا لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ يُبَشّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ فَسَرّهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. (2:244-245)

وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا ظَهَرَ مَعَ ذَلِكَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَة َ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا. (2: 250)

ما نزر في غزوة الخندق وفي أمر بني قريظة

من سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٩) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (١٤) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (٢٠) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢٧)

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)

10.9 اغتيال سلام بن أبي الحقيق

ملاحظة: غزوة الخندق لم يقض رئاسة الحجاز، ولم يرجح أحد الجانبين على الآخر. واستمرار الحرب بدون نتيجة خطير للمسلمين المجتمعين على عقيدة نصر الله لهم. أما القوة الثالثة التي قدرت أن ترجح واحداً من الجانبين على الآخر هي القبائل البدوية. وإذا استطاع محمد أن يحالفها، أمكنه أن يجبر مكة أن تستسلم له.[1] وكان اغتيال سلام بن أبي الحقيق تدريباً في هذه الجهة. فإنه كان يجمع القبائل ضد محمد.

مَقْتَلُ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ الْخَنْدَقِ ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ فِيمَنْ حَزّبَ الْأَحْزَابُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ اسْتَأْذَنَتْ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ بِخَيْبَرِ فَأَذِنَ لَهُمْ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ وَكَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ هَذَيْنِ الْحَيّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَنَاءً إلّا قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي الْإِسْلَامِ. قَالَ فَلَا يَنْتَهُونَ حَتّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا; وَإِذَا فَعَلَتْ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتْ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلَمّا أَصَابَتْ الْأَوْسَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا عَلَيْنَا أَبَدًا ، قَالَ فَتَذَاكَرُوا: مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِهِ فَأَذِنَ لَهُمْ. (2: 273-274)

النّفَرُ الّذِينَ خَرَجُوا لِقَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَقِصّتُهُمْ

فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ ، وَخُزَاعِيّ بْنُ أَسْوَدَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ. فَخَرَجُوا وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً فَخَرَجُوا حَتّى إذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ ، أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لَيْلًا ، فَلَمْ يَدْعُوَا بَيْتًا فِي الدّارِ إلّا أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ. قَالَ وَكَانَ فِي عِلّيّةٍ لَهُ إلَيْهَا عَجَلَةٌ قَالَ فَأَسْنَدُوا فِيهَا ، حَتّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَتْ إلَيْهِمْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا: نَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ. قَالَتْ ذَاكُمْ صَاحِبكُمْ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ قَالَ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهَا الْحُجْرَةَ تَخَوّفًا أَنْ تَكُونَ دُونَهُ مُجَاوَلَةٌ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَالَتْ فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَنَوّهَتْ بِنَا وَابْتَدَرْنَاهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَسْيَافِنَا ، فَوَاَللّهِ مَا يَدُلّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللّيْلِ إلّا بَيَاضُهُ كَأَنّهُ قُبْطِيّةٌ مُلْقَاةٌ. قَالَ وَلَمّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ جَعَلَ الرّجُلُ مِنّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ ثُمّ يَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَكُفّ يَدَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ. قَالَ فَلَمّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتّى أَنْفَذَهُ وَهُوَ يَقُولُ قَطْنِي قَطْنِي: أَيْ حَسْبِي حَسْبِي.

قَالَ وَخَرَجْنَا ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ رَجُلًا سَيّئَ الْبَصَرِ قَالَ فَوَقَعَ مِنْ الدّرَجَةِ فَوُثِئَتْ يَدُهُ وَثْئًا شَدِيدًا - وَيُقَالُ رِجْلُهُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَمَلْنَاهُ حَتّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا مِنْ عُيُونِهِمْ فَنَدْخُلَ فِيهِ. قَالَ فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَاشْتَدّوا فِي كُلّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَنَا ، قَالَ حَتّى إذَا يَئِسُوا رَجَعُوا إلَى صَاحِبِهِمْ فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ.

قَالَ فَقُلْنَا: كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنّ عَدُوّ اللّهِ قَدْ مَاتَ ؟ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنّا: أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ فَانْطَلَقَ حَتّى دَخَلَ فِي النّاسِ. قَالَ فَوَجَدْت امْرَأَتَهُ وَرِجَالَ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَتُحَدّثُهُمْ وَتَقُولُ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ ثُمّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي وَقُلْت: أَنّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ ؟ ثُمّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ثُمّ قَالَتْ فَاظَ وَإِلَهِ يَهُودَ فَمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلِمَةٍ كَانَتْ أَلَذّ إلَى نَفْسِي مِنْهَا.

قَالَ ثُمّ جَاءَنَا الْخَبَرُ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ كُلّنَا يَدّعِيهِ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ قَالَ فَجِئْنَاهُ بِهَا ، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَسَيْفُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: هَذَا قَتَلَهُ أَرَى فِيهِ أَثَرَ الطّعَامِ. (2: 274-275)

10.10 إسلام البعض وبعض الغزوات

إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ قَالَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فِيهِ قَالَ لَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ الْأَحْزَابِ عَنْ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ ، كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي ، وَيَسْمَعُونَ مِنّي ، فَقُلْت لَهُمْ تَعْلَمُونَ وَاَللّهِ أَنّي أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوّا مُنْكَرًا ، وَإِنّي قَدْ رَأَيْت أَمْرًا ، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ ؟ قَالُوا: وَمَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ رَأَيْت أَنْ نَلْحَقَ بِالنّجَاشِيّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنّا عِنْدَ النّجَاشِيّ ، فَإِنّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْت يَدَيْ مُحَمّدٍ وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا ، فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إلّا خَيْرٌ قَالُوا: إنّ هَذَا الرّأْيُ قُلْت: فَاجْمَعُوا لَنَا مَا نُهْدِيهِ لَهُ وَكَانَ أَحَبّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمَ. فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا ، ثُمّ خَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ. (2: 276-277)

سُؤَالُهُ النّجَاشِيّ فِي قَتْلِ عَمْرٍو الضّمْرِيّ وَرَدّهُ عَلَيْهِ

فَوَاَللّهِ إنّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ فَقُلْت لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النّجَاشِيّ وَسَأَلْته إيّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْت عُنُقَهُ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّي قَدْ أَجْزَأْت عَنْهَا حِينَ قَتَلْت رَسُولَ مُحَمّدٍ.

قَالَ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَسَجَدْت لَهُ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ فَقَالَ مَرْحَبًا بِصَدِيقِي ، أَهْدَيْتَ إلَيّ مِنْ بِلَادِك شَيْئًا ؟ قَالَ قُلْت: نَعَمْ أَيّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَهْدَيْت إلَيْك أَدَمًا كَثِيرًا; قَالَ ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ ثُمّ قُلْت لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِك ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوّ لَنَا ، فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ فَإِنّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا; قَالَ فَغَضِبَ ثُمّ مَدّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنّهُ قَدْ كَسَرَهُ فَلَوْ انْشَقّتْ لِي الْأَرْضُ لَدَخَلْت فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ ثُمّ قُلْت لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ وَاَللّهِ لَوْ ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ قَالَ أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَك رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ قَالَ قُلْت: أَيّهَا الْمَلِكُ أَكَذَاك هُوَ ؟ قَالَ وَيْحَك يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتّبِعْهُ فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَعَلَى الْحَقّ وَلَيَظْهَرَنّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ قَالَ قُلْت: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمّ خَرَجْت إلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمّا كَانَ عَلَيْهِ وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إسْلَامِي. (2: 277)

اجْتِمَاعُ عَمْرٍو وَخَالِدٍ عَلَى الْإِسْلَامِ

ثُمّ خَرَجْت عَامِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأُسْلِمَ فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكّةَ ، فَقُلْت: أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ ؟ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ وَإِنّ الرّجُلَ لَنَبِيّ ، أَذْهَبُ وَاَللّهِ فَأُسْلِمَ فَحَتّى مَتَى; قَالَ قُلْت: وَاَللّهِ مَا جِئْتُ إلّا لِأُسْلِمَ.

قَالَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَقَدّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ ثُمّ دَنَوْتُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُبَايِعُك عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِي ، وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخّرَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَا عَمْرُو ، بَايِعْ فَإِنّ الْإِسْلَامَ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنّ الْهِجْرَةَ تَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهَا. قَالَ فَبَايَعْته ، ثُمّ انْصَرَفْت. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ فَإِنّ الْإِسْلَامَ يَحُتّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِنّ الْهِجْرَةَ تَحُتّ مَا كَانَ قَبْلَهَا. (2: 277-278)

إسْلَامُ ابْنِ طَلْحَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، كَانَ مَعَهُمَا ، حِينَ أَسْلَمَا.

غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ ذَا الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رَأْسِ سِتّةِ أَشْهُرٍ مِنْ فَتْحِ قُرَيْظَةَ إلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرّجِيعِ: خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ وَأَصْحَابَهُ وَأَظْهَرَ أَنّهُ يُرِيدُ الشّامَ ، لِيُصِيبَ مِنْ الْقَوْمِ غِرّةً. (2: 279)

طَرِيقُهُ إلَيْهِمْ ثُمّ رُجُوعُهُ عَنْهُمْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى غُرَابٍ ، جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِهِ إلَى الشّامِ ، ثُمّ عَلَى مَحِيصٍ ، ثُمّ عَلَى الْبَتْرَاءِ ، ثُمّ صَفّقَ ذَاتَ الْيَسَارِ فَخَرَجَ عَلَى بَيْنٍ ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ ، ثُمّ اسْتَقَامَ بِهِ الطّرِيقُ عَلَى الْمَحَجّةِ مِنْ طَرِيقِ مَكّةَ ، فَأَغَذّ السّيْرَ سَرِيعًا ، حَتّى نَزَلَ عَلَى غُرَانَ ، وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي لِحْيَانٍ ، وَغُرَانُ وَادٍ بَيْنَ أَمَجّ وَعُسْفَانَ ، إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ سَايَةُ ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَتَمَنّعُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ.

فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْطَأَهُ مِنْ غِرّتِهِمْ مَا أَرَادَ قَالَ لَوْ أَنّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَى أَهْلُ مَكّةَ أَنّا قَدْ جِئْنَا مَكّةَ ، فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ عُسْفَانَ ، ثُمّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ ، ثُمّ كَرّ وَرَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا. (2: 279-280)

مَقَالَةُ الرّسُولِ فِي رُجُوعِهِ

فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ حِينَ وَجّهَ رَاجِعًا: آيِبُونَ تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللّهُ لِرَبّنَا حَامِدُونَ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ. (2: 280)

غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ

ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يُقِمْ بِهَا إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ حَتّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ ، فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْغَابَةِ وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَامْرَأَةٌ لَهُ فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَاحْتَمَلُوا الْمَرْأَةَ فِي اللّقَاحِ. (2: 281)

وخرج أفراس المسلمين في غزوة المعتدين. وفي الاشتباك قُتل مسلم واحد وواحد من العدو.

امْرَأَةُ الْغِفَارِيّ وَمَا نَذَرَتْ مَعَ الرّسُولِ

وَأَقْبَلَتْ امْرَأَةُ الْغِفَارِيّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ ، فَلَمّا فَرَغَتْ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ نَذَرْت لِلّهِ أَنْ أَنَحْرَهَا إنْ نَجّانِي اللّهُ عَلَيْهَا ; قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَك اللّهُ عَلَيْهَا وَنَجّاك بِهَا ثُمّ تَنْحَرِينَهَا إنّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكِينَ إنّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إبِلِي ، فَارْجِعِي إلَى أَهْلِك عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ امْرَأَةِ الْغِفَارِيّ وَمَا قَالَتْ وَمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ الْمَكّيّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ. (2: 285)

10.11 غزوة بني المصطلق والزواج من جويرية (9) أنظر الرواية الكاملة في ملفة جويرية.

غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ

(وَقْتُهَا): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْضَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا ، ثُمّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، قَالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ وَقَائِدُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، زَوْجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ خَرَجَ إلَيْهِمْ حَتّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ ، مِنْ نَاحِيَةِ قَدِيدٍ إلَى السّاحِلِ فَتَزَاحَفَ النّاسُ وَاقْتَتَلُوا ، فَهَزَمَ اللّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَنَفّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأْفَاءَهُمْ عَلَيْهِ. وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ ، أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ مِنْ الْعَدُوّ فَقَتَلَهُ خَطَأٍ. (2: 289-290)

جَهْجَاه وَسِنَانٌ وَمَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ

فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ وَرَدَتْ وَارِدَةُ النّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، يُقَالُ لَهُ جَهْجَاه بْنُ مَسْعُودٍ يَقُودُ فَرَسَهُ فَازْدَحَمَ جَهْجَاه وَسِنَانُ بْنُ وَبَرٍ الْجُهَنِيّ ، حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ فَاقْتَتَلَا ، فَصَرَخَ الْجُهَنِيّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، وَصَرَخَ جَهْجَاه: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَغَضِبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ غُلَامٌ حَدَثٌ فَقَالَ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا ، قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلَادِنَا ، وَاَللّهِ مَا أَعَدّنَا وَجَلَابِيبَ قُرَيْشٍ إلّا كَمَا قَالَ الْأَوّلُ سَمّنْ كَلْبَك يَأْكُلْك ، أَمَا وَاَللّهِ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ (المنافقون 8)

ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ وَقَاسَمْتُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوّلُوا إلَى غَيْرِ دَارِكُمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَمَشَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ مُرْ بِهِ عَبّادَ بْنِ بِشْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إذَا تَحَدّثَ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ لَا وَلَكِنْ أَذّنَ بِالرّحِيلِ. وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْتَحِلُ فِيهَا ، فَارْتَحَلَ النّاسُ. (290-291)

اعْتِذَارُ ابْنِ أُبَيّ لِلرّسُولِ

وَقَدْ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَدْ بَلّغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ فَحَلَفَ بِاَللّهِ مَا قُلْت مَا قَالَ وَلَا تَكَلّمْت بِهِ. - وَكَانَ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا - ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ قَدْ أَوْهَمَ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرّجُلُ حَدَبًا عَلَى ابْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ ، وَدَفْعًا عَنْهُ. (2: 291)

الرّسُولُ وَأُسَيْدٌ وَمَقَالَةُ ابْنِ أُبَيّ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اسْتَقَلّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَارَ لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَحَيّاهُ بِتَحِيّةِ النّبُوّةِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ وَاَللّهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِي مِثْلِهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَوْ مَا بَلَغَك مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ ؟ قَالَ وَأَيّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ; قَالَ وَمَا قَالَ ؟ قَالَ زَعَمَ أَنّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ قَالَ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَللّهِ تُخْرِجُهُ مِنْهَا إنْ شِئْت. هُوَ وَاَللّهِ الذّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ. اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ بِك ، وَإِنّ قَوْمَهُ لَيَنْظِمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ فَإِنّهُ لَيَرَى أَنّك قَدْ اسْتَلَبْته مُلْكًا. (2: 291-292)

سَيْرُ الرّسُولِ بِالنّاسِ لِيُشْغِلَهُمْ عَنْ الْفِتْنَةِ

ثُمّ مَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتّى أَمْسَى ، وَلَيْلَتَهُمْ حَتّى أَصْبَحَ وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتّى آذَتْهُمْ الشّمْسُ ثُمّ نَزَلَ بِالنّاسِ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسّ الْأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا ، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْغَلَ النّاسَ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ أُبَيّ.

طَلَبُ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ أَنْ يَتَوَلّى هُوَ قَتْلَ أَبِيهِ وَعَفْوَ الرّسُولِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ عَبْدَ اللّهِ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ بَلَغَنِي أَنّك تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ فِيمَا بَلَغَك عَنْهُ فَإِنْ كُنْت لَا بُدّ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ فَأَنَا أَحْمِلُ إلَيْك رَأْسَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرّ بِوَالِدِهِ مِنّي ، وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ يَمْشِي فِي النّاسِ فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ (رَجُلًا ) مُؤْمِنًا بِكَافِرِ فَأَدْخُلَ النّارَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ نَتَرَفّقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا. (2: 292-293)

تَوَلّي قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ مُجَازَاتَهُ

وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمْ الّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنّفُونَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ قَتَلْته يَوْمَ قُلْتَ لِي اُقْتُلْهُ لَأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ لَوْ أَمَرْتهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلْته ; قَالَ قَالَ عُمَرُ قَدْ وَاَللّهِ عَلِمْتُ لَأَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي. (2: 293)

مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ وَحِيلَتُهُ فِي الْأَخْذِ بِثَأْرِ أَخِيهِ وَشَعْرِهِ فِي ذَلِكَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ مِنْ مَكّةَ مُسْلِمًا ، فِيمَا يَظْهَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُك مُسْلِمًا ، وَجِئْتُك أَطُلُبُ دِيَةَ أَخِي ، قُتِلَ خَطَأً. فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدِيَةِ أَخِيهِ هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ; فَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرَ كَثِيرٍ ثُمّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ثُمّ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُرْتَدّا. (2: 293)

قَتْلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأُصِيبَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ ، وَقَتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مَالِكًا وَابْنَهُ وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَجُلًا مِنْ فُرْسَانِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ أَوْ أُحَيْمِرٌ. (2: 294)

أَمْرُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَصَابَ مِنْهُمْ سَبْيًا كَثِيرًا ، فَشَا قَسْمُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ السّبَايَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، زَوْجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا ، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلّاحَةً لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إلّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا; قَالَتْ عَائِشَةُ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتهَا ، وَعَرَفْت أَنّهُ سَيَرَى مِنْهَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا رَأَيْتُ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، سَيّدِ قَوْمِهِ وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك ، فَوَقَعْت فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي ، فَجِئْتُك أَسْتَعِينُك عَلَى كِتَابَتِي ، قَالَ: فَهَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ أَقْضِي عَنْك كِتَابَتك وَأَتَزَوّجُك; قَالَتْ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ فَعَلْت.

قَالَتْ وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَزَوّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، فَقَالَ النّاسُ أَصْهَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ قَالَتْ فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِتَزْوِيجِهِ إيّاهَا مِئَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ عَلَى قَوْمِهَا بَرَكَةً مِنْهَا. (2: 295-296)

ما يزيد ابن سعد في جويرية

أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن أبي قلابة: أن النبي سبى جويرية بنت الحارث فجاء أبوها إلى النبي فقال إن ابنتي لا يسبى مثلها، فأنا أكرم من ذاك، فخل سبيلنا. قال أرأيت إن خيرناها، أليس قد أحسنا؟ قال بلى، وأديت ما عليك. قال فأتاها أبوها فقال إن هذا الرجل قد خيرك، فلا تفضحينا. فقالت فإني قد اخترت رسول الله. قال قد والله فضحتنا.

أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير والفضل بن دكين عن زكريا عن عامر قال: أعتق رسول اله جويرية بنت الحارث واستنكحها وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق، وكانت من ملك يمين النبي.

أخبرنا محمد بن عمر حدثنا مالك ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن الزهري قال: كانت جويرية من أزواج رسول الله وكان قد ضرب عليها الحجاب، وكان يقسم لها كما يقسم لنسائه.

أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن زيد بن أبي عتاب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن زينب بنت أبي سلمة عن جويرية بنت الحارث: أن اسمها كان برة فغيره رسول الله فسماها جويرية، وكان يكره أن يقال خرج من عند برة.

أخبرنا محمد بن عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت جويرية يا رسول الله إن نساءك يفخرن علي يقلن لم يتزوجك رسول الله؟ فقال رسول الله ألم أعظم صداعك؟ ألم أعتق أربعين من قومك؟

أخبرنا محمد بن عمر أخبرني محمد بن يزيد عن جدته وكانت مولاة جويرية بنت الحارث عن جويرية قالت: تزوجني رسول الله وأنا بنت عشرين سنة. قالت توفيت جويرية سنة خمسين، وهو يومئذ ابنة خمس وستين سنة. صلى عليها مروان بن الحكم. (الطبقات الكبرى 8: 116-119)

الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَلَمّا سَمِعُوا بِهِ رَكِبُوا إلَيْهِ فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ هَابَهُمْ فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنّ الْقَوْمَ قَدْ هَمّوا بِقَتْلِهِ وَمَنَعُوهُ مَا قِبَلَهُمْ مِنْ صَدْقِهِمْ فَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذِكْرِ غَزْوِهِمْ حَتّى هَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ يَغْزُوَهُمْ فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ قَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ سَمِعْنَا بِرَسُولِك حِينَ بَعَثْته إلَيْنَا ، فَخَرَجْنَا إلَيْهِ لِنُكْرِمَهُ وَنُؤَدّيَ إلَيْهِ مَا قِبَلَنَا مِنْ الصّدَقَةِ فَانْشَمَرَ رَاجِعًا ، فَبَلَغْنَا أَنّهُ زَعَمَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّا خَرَجْنَا إلَيْهِ لِنَقْتُلَهُ وَوَاللّهِ مَا جِئْنَا لِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِيهِمْ: يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتّمْ (الحجرات 6) إلَى آخِرِ الْآيَةِ.

وَقَدْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَتْ مَعَهُ عَائِشَةُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا. (2: 296)

ملاحظة: كانت زيادة جويرية إلى نساء محمد سبب اضطراب، ولكنه حسب أن مزية جلب قبيلة إلى الإسلام أرجح على الخطر في الدار.

10.12 قضية عائشة

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنَا الزّهْرِيّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت لَك الّذِي حَدّثَنِي الْقَوْمُ.

شَأْنُ الرّسُولِ مَعَ نِسَائِهِ فِي سَفَرِهِ

قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ نَفْسِهَا ، حِينَ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَكُلّ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يُحَدّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدّثْ صَاحِبَهُ وَكُلّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةً فَكُلّهُمْ حَدّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيّتُهُنّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَلَمّا كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنّ مَعَهُ فَخَرَجَ بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. (2: 297)

سُقُوطُ عِقْدِ عَائِشَةَ وَتَخَلّفُهَا لِلْبَحْثِ عَنْهُ

قَالَتْ وَكَانَ النّسَاءُ إذْ ذَاكَ إنّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَقَ لَمْ يَهِجْهُنّ اللّحْمُ فَيَثْقُلْنَ وَكُنْت إذَا رَحَلَ لِي بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي ، ثُمّ يَأْتِي الْقَوْمُ الّذِينَ يُرَحّلُونَ لِي وَيَحْمِلُونَنِي ، فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَلَ الْهَوْدَجِ فَيَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ فَيُشِدّونَهُ بِحِبَالِهِ ثُمّ يَأْخُذُونَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ.

قَالَتْ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَجّهَ قَافِلًا ، حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ نَزَلَ مَنْزِلًا ، فَبَالَ بِهِ بَعْضَ اللّيْلِ ثُمّ أَذّنَ فِي النّاسِ بِالرّحِيلِ فَارْتَحَلَ النّاسُ وَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي ، وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي ، فِيهِ جَزْعُ ظِفَارٍ ، فَلَمّا فَرَغْت انْسَلّ مِنْ عُنُقِي وَلَا أَدْرِي ، فَلَمّا رَجَعْت إلَى الرّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَقَدْ أَخَذَ النّاسُ فِي الرّحِيلِ فَرَجَعْت إلَى مَكَانِي الّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ فَالْتَمَسْته حَتّى وَجَدْته.

وَجَاءَ الْقَوْمُ خِلَافِي ، الّذِينَ كَانُوا يُرَحّلُونَ لِي الْبَعِيرَ وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ رِحْلَتِهِ فَأَخَذُوا الْهَوْدَجَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّي فِيهِ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ فَاحْتَمَلُوهُ فَشَدّوهُ عَلَى الْبَعِيرِ وَلَمْ يَشُكّوا أَنّي فِيهِ ثُمّ أَخَذُوا بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقُوا بِهِ فَرَجَعْتُ إلَى الْعَسْكَرِ وَمَا فِيهِ مِنْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ قَدْ انْطَلَقَ النّاسُ. (2: 297-298)

مُرُورُ ابْنِ الْمُعَطّلِ بِهَا وَاحْتِمَالُهُ إيّاهَا عَلَى بَعِيرِهِ

قَالَتْ فَتَلَفّفْت بِجِلْبَابِي ، ثُمّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي ، وَعَرَفْت أَنْ لَوْ قَدْ اُفْتُقِدْت لَرُجِعَ إلَيّ. قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّي لَمُضْطَجِعَةٌ إذْ مَرّ بِي صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطّلِ السّلَمِيّ ، وَقَدْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْ الْعَسْكَرِ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَلَمْ يَبِتْ مَعَ النّاسِ فَرَأَى سَوَادِي ، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَيّ وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَلَمّا رَآنِي قَالَ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، ظَعِينَةُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَنَا مُتَلَفّفَةٌ فِي ثِيَابِي ، قَالَ مَا خَلّفَك يَرْحَمُك اللّهُ ؟ قَالَتْ فَمَا كَلّمَتْهُ ثُمّ قَرّبَ الْبَعِيرَ فَقَالَ ارْكَبِي ، وَاسْتَأْخَرَ عَنّي.
قَالَتْ فَرَكِبْتُ وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ سَرِيعًا ، يَطْلُبُ النّاسَ فَوَاَللّهِ مَا أَدْرَكْنَا النّاسَ وَمَا افْتَقَدْت حَتّى أَصْبَحْتُ وَنَزَلَ النّاسُ فَلَمّا اطْمَأَنّوا طَلَعَ الرّجُلُ يَقُودُ بِي ، فَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَارْتَعَجَ الْعَسْكَرُ وَوَاللّهِ مَا أَعْلَمُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ. (2: 298)

إعْرَاضُ الرّسُولِ عَنْهَا

ثُمّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ أَلْبَثَ أَنْ اشْتَكَيْتُ شَكْوَى شَدِيدَةً وَلَا يَبْلُغُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَقَدْ انْتَهَى الْحَدِيثُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَإِلَى أَبَوَيّ لَا يَذْكُرُونَ لِي مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا ، إلّا أَنّي قَدْ أَنْكَرْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَعْضَ لُطْفِهِ بِي ، كُنْت إذَا اشْتَكَيْتُ رَحِمَنِي ، وَلَطَفَ بِي ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِي فِي شَكْوَايَ تِلْكَ فَأَنْكَرْت ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيّ وَعِنْدِي أُمّي تُمَرّضُنِي
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أُمّ رُومَانَ ، وَاسْمُهَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ دُهْمَانَ ، أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ - قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ. لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. (2: 298-299)

انْتِقَالُهَا إلَى بَيْتِ أَبِيهَا وَعِلْمُهَا بِمَا قِيلَ فِيهَا

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ حَتّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ حِينَ رَأَيْتُ مَا رَأَيْت مِنْ جَفَائِهِ لِي: لَوْ أَذِنْتَ لِي ، فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي ، فَمَرّضْتنِي ؟ قَالَ لَا عَلَيْك. قَالَتْ فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي ، وَلَا عِلْمَ لِي بِشَيْءِ مِمّا كَانَ حَتّى نَقِهْت مِنْ وَجَعِي بَعْدَ بِضْعٍ وَعَشْرَيْنِ لَيْلَةً وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا ، لَا نَتّخِذُ فِي بُيُوتِنَا هَذِهِ الْكُنُفَ الّتِي تَتّخِذُهَا الْأَعَاجِمُ ، نَعَافُهَا وَنَكْرَهُهَا ، إنّمَا كُنّا نَذْهَبُ فِي فُسَحِ الْمَدِينَةِ ، وَإِنّمَا كَانَتْ النّسَاءُ يَخْرُجْنَ كُلّ لَيْلَةٍ فِي حَوَائِجِهِنّ فَخَرَجْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَتْ أُمّهَا بِنْتَ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ خَالَةَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ -

قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّهَا لَتَمْشِي مَعِي إذْ عَثَرْت فِي مِرْطِهَا ; فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ وَمِسْطَحٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَوْفٌ قَالَتْ قُلْت: بِئْسَ لَعَمْرُ اللّهِ مَا قُلْت لِرَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَتْ أَوْ مَا بَلَغَك الْخَبَرُ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَتْ قُلْت: وَمَا الْخَبَرُ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِاَلّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ قَالَتْ قُلْت: أَوَ قَدْ كَانَ هَذَا ؟ قَالَتْ نَعَمْ وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ.

قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا قَدَرْت عَلَى أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتِي ، وَرَجَعْت ، فَوَاَللّهِ مَا زِلْت أَبْكِي حَتّى ظَنَنْت أَنّ الْبُكَاءَ سَيَصْدَعُ كَبِدِي ; قَالَتْ وَقُلْت لِأُمّي: يَغْفِرُ اللّهُ لَك ، تَحَدّثَ النّاسُ بِمَا تَحَدّثُوا بِهِ وَلَا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا قَالَتْ أَيْ بُنَيّةُ خَفّضِي عَلَيْك الشّأْنَ فَوَاَللّهِ لَقَلّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبّهَا ، لَهَا ضَرَائِرُ إلّا كَثّرْنَ وَكَثّرَ النّاسُ عَلَيْهَا. (2: 299-300)

خُطْبَةُ الرّسُولِ فِي النّاسِ يُذَكّرُ إيذَاءَ قَوْمٍ لَهُ فِي عِرْضِهِ

قَالَتْ وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي النّاسِ يَخْطُبُهُمْ وَلَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي وَيَقُولُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ الْحَقّ وَاَللّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُمْ إلّا خَيْرًا ، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَجُلِ وَاَللّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُ إلّا خَيْرًا ، وَمَا يَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إلّا وَهُوَ مَعِي. (2: 300)

أَثَرُ ابْنِ أُبَيّ وَحَمْنَةُ فِي إشَاعَةِ هَذَا الْحَدِيثِ

قَالَتْ وَكَانَ كُبْر ذَلِكَ عِنْدِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْخَزْرَجِ مَعَ الّذِي قَالَ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، وَذَلِكَ أَنّ أُخْتَهَا زَيْنَبَ بِنْتُ جَحْشٍ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نِسَائِهِ امْرَأَةٌ تُنَاصِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ غَيْرُهَا; فَأَمّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللّهُ تَعَالَى بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إلّا خَيْرًا وَأَمّا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، فَأَشَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَشَاعَتْ تُضَادّنِي لِأُخْتِهَا ، فَشَقِيَتْ بِذَلِكَ. (2: 300)

مَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ خُطْبَةِ الرّسُولِ

فَلَمّا قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تِلْكَ الْمَقَالَةَ قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ يَكُونُوا مِنْ الْأَوْسِ نَكْفِكَهُمْ وَإِنْ يَكُونُوا مِنْ إخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ ، فَمُرْنَا بِأَمْرِك ، فَوَاَللّهِ إنّهُمْ لَأَهْلٌ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ.

قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرَى رَجُلًا صَالِحًا ، فَقَالَ كَذَبْت لَعَمْرُ اللّهِ لَا نَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ أَمَا وَاَللّهِ مَا قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلّا أَنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُمْ مِنْ الْخَزْرَجِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَوْمِك مَا قُلْتَ هَذَا ، فَقَالَ أُسَيْدٌ كَذَبْت لَعَمْرُ اللّهِ وَلَكِنّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ وَتَسَاوَرَ النّاسُ حَتّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيّيْنِ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرّ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَدَخَلَ عَلَيّ. (2: 300-301)

اسْتِشَارَةُ الرّسُولِ لِعَلِيّ وَأُسَامَةَ

(قَالَتْ)فَدَعَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ - وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَاسْتَشَارَهُمَا; فَأَمّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى عَلَيّ خَيْرًا وَقَالَهُ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَهْلُك وَلَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ إلّا خَيْرًا ، وَهَذَا الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ وَأَمّا عَلِيّ فَإِنّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ لَكَثِيرٌ وَإِنّك لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ وَسَلْ الْجَارِيَةَ فَإِنّهَا سَتُصْدِقُك.

فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَرِيرَةَ لِيَسْأَلَهَا; قَالَتْ فَقَامَ إلَيْهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا ، وَيَقُولُ اُصْدُقِي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَتْ فَتَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ إلّا خَيْرًا ، وَمَا كُنْت أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ شَيْئًا ، إلّا أَنّي كُنْت أَعْجِنُ عَجِينِي ، فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ فَتَنَامُ عَنْهُ فَتَأْتِي الشّاةُ فَتَأْكُلُهُ. (2: 301)

نُزُولُ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ

قَالَتْ ثُمّ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعِنْدِي أَبَوَايَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَنَا أَبْكِي ، وَهِيَ تَبْكِي مَعِي ، فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ. إنّهُ قَدْ كَانَ مَا قَدْ بَلَغَك مِنْ قَوْلِ النّاسِ فَاتّقِي اللّهَ وَإِنْ كُنْت قَدْ قَارَفْت سُوءًا مِمّا يَقُولُ النّاسُ فَتُوبِي إلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه. قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ قَالَ لِي ذَلِكَ فَقَلَصَ دَمْعِي ، حَتّى مَا أُحِسّ مِنْهُ شَيْئًا ، وَانْتَظَرْت أَبَوَيّ أَنْ يُجِيبَا عَنّي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمْ يَتَكَلّمَا.

قَالَتْ وَاَيْمُ اللّهِ لَأَنَا كُنْت أَحْقَرَ فِي نَفْسِي ، وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللّهُ فِيّ قُرْآنًا يُقْرَأُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُصَلّى بِهِ وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذّبُ بِهِ اللّهُ عَنّي ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِي ، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا; فَأَمّا قُرْآنٌ يَنْزِلُ فِيّ فَوَاَللّهِ لَنَفْسِي كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ. قَالَتْ فَلَمّا لَمْ أَرَ أَبَوَيّ يَتَكَلّمَانِ قَالَتْ قُلْت لَهُمَا: أَلَا تُجِيبَانِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ؟.

قَالَتْ فَقَالَا: وَاَللّهِ مَا نَدْرِي بِمَاذَا نُجِيبُهُ قَالَتْ وَوَاللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ قَالَتْ فَلَمّا أَنْ اسْتَعْجَمَا عَلَيّ اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ ثُمّ قُلْت: وَاَللّهِ لَا أَتُوبُ إلَى اللّهِ مِمّا ذَكَرْت أَبَدًا. وَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ لَئِنْ أَقْرَرْتُ بِمَا يَقُولُ النّاسُ وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَأَقُولَن مَا لَمْ يَكُنْ وَلَئِنْ أَنَا أَنْكَرْت مَا يَقُولُونَ لَا تُصَدّقُونَنِي.

قَالَتْ ثُمّ الْتَمَسْت اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا أَذْكُرُهُ فَقُلْت: وَلَكِنْ سَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (يوسف 18) قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَجْلِسَهُ حَتّى تَغَشّاهُ مِنْ اللّهِ مَا كَانَ يَتَغَشّاهُ فَسُجّيَ بِثَوْبِهِ وَوُضِعَتْ لَهُ وِسَادَةُ مِنْ أَدَمٍ تَحْت رَأْسِهِ فَأَمّا أَنَا حِينَ رَأَيْت مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْت ، فَوَاَللّهِ مَا فَزِعْت وَلَا بَالَيْتُ قَدْ عَرَفْت أَنّي بَرِيئَةٌ وَأَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ غَيْرُ ظَالِمِي.

وَأَمّا أَبَوَايَ فَوَاَلّذِي نَفْسُ عَائِشَةَ بِيَدِهِ مَا سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَن أَنَفْسُهُمَا ، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ اللّهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النّاسُ قَالَتْ ثُمّ سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ وَإِنّهُ لَيَتَحَدّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ وَيَقُولُ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنَزَلَ اللّهُ بَرَاءَتَك; قَالَتْ قُلْت: بِحَمْدِ اللّهِ ثُمّ خَرَجَ إلَى النّاسِ فَخَطَبَهُمْ وَتَلَا عَلَيْهِمْ مَا أَنَزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ثُمّ أَمَرَ بِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ، وَكَانُوا مِمّنْ أَفْصَحَ بِالْفَاحِشَةِ فَضُرِبُوا حَدّهُمْ. (2: 351-352)

ملاحظة: والحد موجود في سورة النور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)

أَبُو أَيّوبَ وَذِكْرُهُ طُهْرَ عَائِشَةَ لِزَوْجِهِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النّجّارِ: أَنّ أَبَا أَيّوبٍ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ أَيّوبَ يَا أَبَا أَيّوبَ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي عَائِشَةَ ؟ قَالَ بَلَى ، وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَكُنْت يَا أُمّ أَيّوبَ فَاعِلَةٌ ؟ قَالَتْ لَا وَاَللّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ قَالَ فَعَائِشَةُ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك. (2: 352)

مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ

قَالَتْ فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ فَقَالَ تَعَالَى: إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور 11) وَذَلِكَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ الّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ وَذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاَلّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ عَبْد اللّهِ بْنُ أُبَيّ ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا (النور 12) أَيْ فَقَالُوا كَمَا قَالَ أَبُو أَيّوبَ وَصَاحِبَتُهُ ثُمّ قَالَ: إِذْ تَلَقّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ (النور 15) (2: 352-353)

هَمّ أَبِي بَكْرٍ بِعَدِمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مِسْطَحٍ ثُمّ عُدُولُهُ

فَلَمّا نَزَلَ هَذَا فِي عَائِشَةَ وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَتِهِ وَاَللّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا ، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعِ أَبَدًا بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا قَالَتْ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِك: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (رقم 22) (2: 353)

ملاحظة: في تحليل أمر عائشة هذا، نلاحظ أولاً أن محمدً نفسه ظن أن عائشة أثيمة، فإن عائشة قضت الليلة مع رجل آخر، وأراد تفتيشاً وحكماً سريعاً ساكتاً لينتهي الأمر. وثانياً إن غياب عائشة كان فرصة جيدة للمنافقين أن يحرجوا محمداً، فنشر الأمر ولم يتركوه في الهدوء، حتى أصبح أزمة كبيرة. وثالثاً فهم محمد أن بر عائشة أو إثمها شيء مشكوك فيه وأن حكم إثمها سيرقي هدف المنافقين وسيضر أمة المسلمين. ثم وجد الحل في الوحي، بنزول آية قرآنية. وهذه الآية طلب من المسلمين أكثر تصديق له، وفرض السكوت على المنافقين.
الباب الحادي عشر Early Islam الباب التاسع


[1]This is the argument of Fred M. Donner, "Muḥammad's political consolidation in Arabia up to the conquest of Mecca, The Muslim World, 69 (1979), p. 229 ff.